بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وصلاة وسلامًا على من لا نبي بعده صاحب الوجه الأنور الجميل الأزهر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
الكتاب واضحٌ من عنوانه بصيص ضوء أردت إرساله إليكمُ،موضوع هام غفل عنه الكثير،صحيح أن هناك الكثير من المواضيع التي تستحق الكتابة عنها ولكن هذا الموضوع بذات ندر الحديث عنه وهو يعد من الأمور الهامة الخطرة أتدرون لماذا؟
لأنه يوافق عمل قلب،
وإن صلح حال القلب صلح المرء وإن فسد.. فسد المرء!
موضوع شائك كبير أحب طرحه عليكم وهو كله من أفكاري لم أقرأ له أو أطلع على شبيه له مستعينًا بالله وحده..
إنه الريب والبعد عن مواضعه.
أولًاً:
ما هو الريب؟
الريب:
هو الشك والظن مع التهمة وهو من أعمال القلب
ويحدث الريب بأحدهم بأن يقع في فعل "مشبوه"
وهو موضع الريب وقد يكون حقًا وقد يكون لا فكما هو معروف في حديث صفية رضي الله عنها عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم معتكفًا وأتت له صفية فانقلبت فانقلب معها ليوصلها لبيتها والذي كان مسكنًا لأسامة ابن زيد ممن بعد
فشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فأسرعا فقال لهما"على رسلكما إنها صفية"
فقالا:سبحان الله يا رسول الله!
المقصد أن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن تقع الريبة في قلبيهما
وهذا دليل على أهمية الأمر ليس لحد ذاته إنما لما يتبعه من سوء ظن
وأثمه وقد يؤثر هذا على نفسيتهما تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا:
مواضع الريب:
مواضع الريب كثيرة ومتعددة
ولها عدة أوجه منها:
خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية.
وقد شدد الإسلام على هذه الناحية لما يفتتن الرجل
والمرأة ببعضهما وقد جاءت العديد من الأحاديث حول هذا الموضوع
قال صلى الله عليه وسلم:
"لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ، إلاَّ كانَ ثالثهُما الشَّيطانُ"
فالواجب على كل مسلم أن يبتعد عن هذا الأمر وإن اضطر فبحضرت محرم
ففي هذا سلامة القلب وعلى من وقع في موطن كهذا أن يخبر من رأه بحقيقة الأمر حتى لا يقع في نفسه من سوء الظن والظلم
ومنها الذهاب إلى أماكنٍ مشبوهة
كالدخول إلى مقهىً يبيع الشيش أو محل خمر
صحيح أن الدخول إليها دون القيام بحرام كالدخول للنصح وغيره
جائز لكن الأحرى أن لا يدخل الرجل إليها فمن يراه يظن أنه ما أتى إلى لسوء فماذا يفعل فلان عند محل الخمر؟
وقد يقع الريب أيضًا بالحديث مع أحدهم
فمثلًا قبل المحكمة كان المدعي مع لاقاضي وكانا يبتسمان فيظن أحدهم أنهما متفقان..
أو يرى مدرسًا يعطي مالًا للمدير أو طالبًا يعطي مدرسه مالًا فيظن أنه يرشي المدرس أو المدير بينما هو في الحقيقة قد يكون استدان منه أو اشترى له طعامًا!
ثالثًا:
آثار الريب
لا شك أن للريب آثارًا على قلب من وقع عليه وقلب من ظُنَّ أن وقع منه ما يسوء ومنها:
سوء الظن.
وسوؤ الظن إن حز في نفس أحدهم فإن نظرته تختلف تجاه الذي
ظن به السوء فيصبح دائم المراقبة لأفعاله،
يترصدها، يظن أن كل فعل يفعله سيئ..وقد نهى الإسلام عن هذا
حيث قال تعالى"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم"
ولا شك أن هذا الأمر يؤثر بحيث يقطع أواصر المحبة ويزيد العدواة
فكيف يصاحب فلان الزاني؟!
أو فلان المرائي؟!
وقطعًا إن كان ظنه سيئًا فإنه يأثم عليه إن تحدث به أو ظهر في أفعاله أو أدى
إلى "ظلمه"
الظلم
مما يترتب من الريبة وتجذرها في قلب المسلم الظلم
فحيث يظلم من وقع بالريبة وقد يظهر هذا بعمله حيث قد لا يعطيه إن كان أبوه
أي مال أو نفقة ظنًا منه أنه فعل كذا
والظلم وسوء الظن وجهان لعملة واحدة في ما يتعلق بالريبة
وغالبًا يقع الظلم بالفعل من ذي السلطان وبالكلام من مَن ليس له سلطان.
العداوة والبغضاء:
لا شك أن كلًا منا لا يحب أن يكون له صديق يشرب الخمر أو يفعل الفاحشة
أجارنا الله وإياكم.
وذلك يقع منا جميعًا فنكرهه لمعصيته ونعاديه لفحشه ولكن نحبه لإيمانه،
إن من يقع في موطن من مواطن الريب فإنه إن لم يوضح موقفه قد يكره ممن رآه إعتقادًا منه أنه فعل خطأً وقد يظهر هذا في فعله فيكون أيضًا ظلمه
وهذا يدل على أن كل ما يتعلق بالريب هو ظلم لمن كان بموضع الريب
مالم يكن ما رآه حقًا وإن كان حقًا لما كان ريبًا أصلًا!
رابعًا:
ما يجب على من وقعت منه الريبة:
من وقعت الريبة في قلبه يتوجب عليه أمور
أولاها أن لا يظلم من وقع منه الفعل أو القول؛
بأن يتأكد منه ويسأله.
ثانيها أن يلتمس لأخيه العذر فيعذره فإن رآه مع امرأة قال ربما أخته
وإن رآه يدخل محل خمرٍ قال ربما أراد نصح صاحب المحل
ثالثًا لا يتتبع عورات الناس وأفعالهم ويمضي سريعًا إن قذف الشيطان في قلبه
الريبة ولا يلتفت لها.
فكل هذا لسلامة قلب الشخص حيث لا يظلم أخاه فيكرهه أو يحمل ضغينة في قلبه تجاهه لفعله القبيح.
خامسًا :
من وقع في مكان ريبة:
يجب عليه أن يوضح لمن رأى ما كان يفعله فهذا أسلم لصدره وله
إن علم منه أنه رآه أو ظهر على فعله فيسأله ويبين له ولا يتركه
فتقع العداوة بينهما بل يبين له فهذا أسلم لقلب أخيه وأوصل للمحبة
سادسًا:أشخاص يتأكد البعد عن مواضع الريب تجاههم.
كما قلنا أن الأسلم للمرء أن ينقي قلبه من الريبة لما لها من آثار سيئة قد تنعكس على سلوكه فيظلم أخاه.
فهناك أشخاص يجب التأكد من عدم وقوع الريبة عليهم وهم ولات الأمر
سواءً أكان أبًا أم ملكًا أم سلطانًا و علماء الأمة وكل من ولي مسؤوليةً
فهؤلاء لا يجوز للمسلم أن يقع في قلبه شيء عليه فيسبب عدم السمع
والطاعة والواجب عليه أن يتعذر لهم.
سابعًا:
اهتمام الإسلام
لا شك أن الإسلام جاء يبين للناس الحق والضلال ولم يدع خيرًا إلا ودلهم عليه ولا شرًا إلا ونهاهم عنه ومن الأمور التي اهتم بها الإسلام
قلب المسلم ونفسيته.
حيث أتى الإسلام مراعيًا لنفسية الشخص وسلامة الصدر
لذلك أتى بأحكامٍ كثيرة بهذا الشأن منها البعد عن مواضع الريبة
مع عدة أمور قدمها كالسؤال والإعتذار والظن الحسن وكل هذا
ليجعل قلب المسلم سليمًا معافًا من الضغينة سليم الصدر و الفؤاد
وهذا إن دل على شيء فإنما يد على اهتمام هذا الدين وشموله جميع مناحي الحياة فالحمد لله الذي هدنا لهذا الدين العظيم.
هذا هو كل ما يخص الريب آمل أن أكون قد وفقت فيما كتبت وإن كان من صواب فمن الله وإن كان من خطأ فمن الشيطان ونفسي الأمرة بالسوء
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المفضلات