إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر "
ليلة تجتمع فيها الآيات والابتهالات والدعاء والتهجد، ليلة يرقبها كل مسلم ليغفر الله له ذنبه ويكتبه من عداد العتقاء من النار.
ليلة عظيمة يرفع المسلمون فيها أكف الضراعة إلى الله يشكون فيها حالهم، سائلين الله عز وجل لهم صلاح الحال وأن يبدلهم حالًا خيرًا من حالهم .
ما أسعد كل فرد حين يخبئ دعوة ينتظر ليلة القدر ليدعوا الله بها، يسأله الإجابة.
لماذا سميت ليلة القدر
نوه الله تعالى بشأن ليلة القدر وسماها بليلة القدر قيل : لأنها تقدر فيها الآجال والأرزاق وما يكون في السنة من التدابير الإلهية .
قال النووي رحمه الله: قال العلماء سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى ((فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ))
وقيل سميت ليلة القدر من باب التعظيم لأنها ذات قيمة وقدر ومنزلة عند الله تعالى لنزول القرآن فيها كما قال تعالى ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ))
وقيل سميت بليلة القدر لما يقع فيها من تنزل الملائكة ، ولما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة ، وأن الذي يحييها يصير ذا قدر ، ولأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة .
فضائل ليلة القدر
1. ليلة نزل فيها القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم
فعن ابن عباس رضي الله عنه: ’’ أن القرآن الكريم أُنْزِل في ليلة القدر جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلي بيت العزة في السماء الدنيا ‘‘ .
وفي قولٍ أنه في ليلة القدر أمرٌ للقلم بأن يكتب القرآن في اللوح المحفوظ.
وبهذا تشهد ليلة القدر اتصال الأرض بالسماء، وظهور المكنون من الغيب لمشهودٍ في الأرض ليتنزل القرآن ويتنزل معه الهدى والإيمان.
2. شأن عظيم ما أدراك ما هو: - تحفها الملائكة وتستمع لتراتيل القرآن.
- ليلة لو صغتَ كل الكلمات موفيًا عَظمتها ما أوفيتها، فالمولى عز وجل قال عنها وما أدراك ما ليلة القدر.
- هي عظيمة إن ذكرتها عظيمة إن سهوت عنها عظيمة إن أوفيتها حقها أو لم توف.
3. بركتها خير من كل الشهور وتضاعف الأجر فيها: ليلة لو قورنت بالدهور شهرًا شهرًا لكانت منهم خيرًا.
- ليلة تكتب فيها الأقدار تستجاب فيه الدعوات.
يجتمع المسلمون موحدون قانتون يصلون يدعون يبكون، باقين عل هذا الحال حتى تشرق الشمس، تعطيهم بريق أمل مع اطمئنان، ومضة إيمان وغفران.
تنزاح كل الدمعات آملة من الله الغفران، آملة أن تحيا ليلة القدر عامًا بعد عام.
- قال الطبري رحمه الله : ’’ عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ‘‘ .
" 4. ليلةٌ لا يكون للشيطان فيها مكان فكما هو شهر رمضان الشهر الذي تصفّد فيه شياطين الجن فإن لليلة القدر شأن خاص ..
حيث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم ."إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني الشيطان إلا صبيحة ليلة القدر"
ما هذا اليوم الإيماني الهادئ الذي يشرق بعد بركة هذه الليلة الإيمانية، كأنك تحيا في جنةِ السماء مما يحُفك من إيمان وأمان.
5. ليلة هانئة سالمة فاقت بتميزها عن كل ما قورن فيها: يقول ابن عباس رضي الله عنه ورحمه: ’’ لا يُرسَل فيها شيطان ولا يحدث فيها داء‘‘.
• ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر ، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها ، قال تعالى (( سلام هي حتى مطلع الفجر )).
6. تتنزل فيها الملائكة وجبريل عليه السلام: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ’’ ليلة القدر ليلة السابعة أو التاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى، والملائكة تنزل بالرحمات والبركات والسكينة، وقيل: تتنزل بكل أمر قضاه الله وقدره لهذه السنة‘‘ .
7. في ليلة القدر تُقدر مقادير السنة ولذلك سميت بهذا الاسم: وهو التقدير السنوي، والتقدير الخاص، أما التقدير العام فهو موجود قبل خلق السموات والأرض.
ليلة مباركة ، قال تعالى (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة )).
• فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : ’’من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ‘‘ متفق عليه
علامات ليلة القدر
العلامات المقارنة:
1-قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة والدليل حديث جابر قال عليه الصلاة والسلام :
’’إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نُسّيتها ، وهي في العشر الأواخر ، وهي طلقة بلْجَة لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمرًا يفضح كواكبها، لا يخرُج شيطانها حتى يخرج فجرها ‘‘. رواه ابن حبان .وصححه الألباني لغيره في التعليقاتتت الحسان.ج5 ص445،
وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار.
2-الطمأنينة ، أي طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي لأن الله تعالى يقول فيها : (( سلام هي حتى مطلع الفجر )).
3-أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسبًا، قال عليه الصلاة والسلام :
’’ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة ، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة‘‘ . رواه ابن خزيمة وصححه الألباني .
4-أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام ، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم .كما ثبت في حديث ابن عمر في الصحيحين[SUP]1[/SUP].
5-أن الانسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي .
6- كثرة الملائكة في ليلة القدر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :’’ إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى ‘‘ . رواه ابن خزيمة وحسن إسناده الألباني رحمه الله تعالى.
العلامات اللاحقة:
1-أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‘‘ أنها تطلعع يومئذ ٍ لا شعاع لها ’’ رواه مسلم وأحمد ، وزاد أحمد : ( كأنها طست حتى ترتفع) .
علامات لا أصل لها:
ذكر الطبري أن قوماً قالوا : إن من علاماتها أن الأشجار تسقط حتى تصل إلى الأرض ثم تعود إلى أوضاعها الأصلية!، وهذا لا يصح .
وذكر بعضهم أن المياه المالحة تصبح في ليلة القدر حلوة! وهذا لا يصح.
وذكر أيضاً أن الكلاب لا تنبح فيها ! ، وهذا لا يصح.
وذكر آخرون أن الأنوار تكون في كل مكان حتى في الأماكن المظلمة في تلك الليلة ! وهذا لا يصح.
وذكر أن الناس يسمعون في هذه الليلة التسليم في كل مكان ! ، وهذا لا يصح إلا أن يكون المقصود أن ذلك لفئة خاصة ممن اختارهم الله تعالى، وأكرمهم فيرون الأنوار في كل مكان، ويسمعون تسليم الملائكة فهذا لا يبعد أن يكون كرامة لأولئك الذين اختارهم الله واصطفاهم في تلك الليلة المباركة، وأما أن يكون ذلك عاماً فهذا باطل معارض لدلالة الحس المؤكدة، ومشاهدة العيان.
ليلة القدر ليست للمصلين فقط، بل هي للنفساء والحائض ، والمسافر والمقيم، وقد قال الضحاك:
"لهم في ليلة القدر نصيب، كلُ من تقبل الله عمله، سيعطيه نصيبه من ليلة القدر".
وينبغي للإنسان أن يشغل عامة وقته بالدعاء والصلاة، قال الشافعي: أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها، كاجتهاده في ليلها.
وقال سفيان الثوري: "الدعاء في الليلة أحب إلي من الصلاة".
والدعاء المأثور في هذه الليلة هو:
ما سألت عنه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقالت:
قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟
قال: قولي "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرطهما وصححه الإمام الألباني في صحيح الجامع برقم 4423 وفي الصحيحة برقم 3337
متى موعدها؟
يتبين من الأحاديث المتنوعة التي جاءت في ذكر ليلة القدر أن ليلة القدر ليست بليلة ثابتة، بل هي متنقلة بين الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان، وقد تأتي في الليالي الفردية منها أو الزوجية على السواء
فينبغي لمن أراد أن يرزق خيرها ولا يحرم منها أن يجتهد في طلبها طيلة الليالي العشر دون أن تفوته ليلة منها .
قال أبو قلابة : ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَكَذَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :
(هِيَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ) . وَتَكُونُ فِي الْوِتْرِ مِنْهَا .
لَكِنَّ الْوِتْرَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَتُطْلَبُ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ .
وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى ، لِسَابِعَةٍ تَبْقَى ، لِخَامِسَةٍ تَبْقَى ، لِثَالِثَةٍ تَبْقَى ) .
فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلاثِينَ يَكُونُ ذَلِكَ لَيَالِيَ الأَشْفَاعِ .
وَتَكُونُ الاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ تَاسِعَةً تَبْقَى وَلَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَابِعَةً تَبْقَى .
وَهَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الخدري فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ .
وَهَكَذَا أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّهْرِ .
وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي . كَالتَّارِيخِ الْمَاضِي .
وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّاهَا الْمُؤْمِنُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ جَمِيعِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(تَحَرَّوْهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ) وَتَكُونُ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ أَكْثَرَ .
وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ كَمَا كَانَ أبي بْنُ كَعْبٍ يَحْلِفُ أَنَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ .
فَقِيلَ لَهُ : بِأَيِّ شَيْءٍ عَلِمْت ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: بِالآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ، أَخْبَرَنَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ صُبْحَةَ صَبِيحَتِهَا كَالطَّشْتِ لا شُعَاعَ لَهَا) .
_____________________________________
[SUP]1 [/SUP](( عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لا أُرِيدُ مَكَانًا مِنْ الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ
إِلَيْهِ وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى
رُؤْيَايَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَكَانُوا لا يَزَالُونَ
يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي
الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِر ِ))
المفضلات