(السلام عليكم...) (وعليكم السلام...) (مريم؟) (هلا...) ( شخبارج؟) (آنة مو زينة.) حتى ذلك الحد كانت مكالمة عادية, فلقد كنت أحس بابتسامتها التي كانت تملأ شدقها,كما أني متأكدة من أنها أحست بابتسامتي كذلك, كان بإمكاننا الشعور بنبرة السعادة التي كانت تطغى على أصواتنا بمجرد سماع بعضنا البعض لدرجة أننا أردنا أن نضحك دون أن نعلم السبب..!
(أفا, ليش؟) قلتها بكل تضايق وتخوف واضحين, فردت عليّ بصوت بدا في البداية مبحوحاً, إلاّ أنني أدركت لاحقاً أنه يحبس, أو بالأحرى يحاول أن يحبس شيئاً ما خلفه حتى ينتهي من قول ما يريد قوله: (أمس يدتي توفت) ثم أجهشَتْ بالبكاء,عندما سمعتها تبكي, وعندما سمعتُ الخبر, أردت أن أقول لا حول ولا قوة إلا بــالله, إلاّ أنني سمعت صدى هذه الجملة يتردد في قلبي, فلقد انعقد لساني من فرط الصدمة... طغى صمت رهيب على المكان لم يتخلله سوى نفس مريم المتقطع, تمنيته لو ينتهي وحالاً, لأنه كان عميقاً... جداً... لم أعتد على تركها تبكي دون مواساتها, ولكن الليلة فإن الأمر مختلف, بدا الأمر أنني من يحتاج إلى مواساة, فسماع شهقات بكائها كان كافياً لأن يدفع دموعي إلى مقلتيّ...ظللت أناديها وكأني أتوسل إليها بأن تتوقف عن ذرف الدموع, فلقد كان الأمر مؤلماً... مؤلماً جداً...
بعد دقيقة من الترحم والحديث عنها – رحمها الله– أردت أن أواسيها ولكن ليس بطريقة مباشرة, فقلت لها: (مريوم, وحشتيني) فردت عليّ بتلك النبرة التي سمعتها في بداية المكالمة: (إنتي بعد) لا أدري إن وصلت إليها الرسالة أم لا, أردت أن أقول لها: امضي في حياتكِ, فالدنيا لم تنته بأفولها, فكل واحد منا آفل, ولا تنسي بأنني هنا دائماً بجانبك, أحبك, وأساندكِ وأمسك يديكِ...
أقفلتُ الخط, فإذا بي أشعر بغصة في حلقي, إنها الغصة التي يعقبها انتحاب مؤلم, لم أرد أن تسمعه غاليتي, انتحبتُ وانتحبتُ وانتحبتُ,لا لسبب معين, فلقد تعددت الأسباب, أردت أن أفرّغ من قلبي الألم الذي اجتاحه من جراء سماع بكائها, كما أنني أردت أن أبكي جدتي –أعني جدتها –... تذكرت أحد الذين أفلوا, انتحبتُ وانتحبتُ وانتحبتُ, ولكني لاحقاً, تمنيت أن تكون أمامي, حتى أحضنها, وحتى تبكي في حضني, وحتى أبكي في حضنها, وحتى نشعر بحرارة نبضات قلوبنا التي استحالت إلى نفحات تأوه وحزن, ولكني بالفعل,اشتقت لها... كثيراً...
غمرتني رغبة جامحة في سؤال مريمي عنها أكثر– رحمها الله– فهي بالتأكيد وبلا شك تستحق كل ذلك النحيب والاستعبار والإجهاش بالبكاء, ولكني أعلم بأنها عظيمة,عظيمة, عظيمة,رحلَت, ولكنها تركت طبعة في قلب كل من عرفها, حتى أنا,مع أنني لم ألتقِ بها وجهاً لوجه, لكن مريمي كانت تحدثني عنها, أحسست بها –رحمها الله– أحسست بوجودها... كم أكره تلك اللحظات التي أنا متأكدة من أنني سأمر بها, سأتمنى فيها لو أنني تعرفت عليها سابقاً, ولكني سأقول لنفسي أن مجرد اتخاذي لحفيدتها صديقة حميمة لي للعمر كافٍ, لأني متأكدة من أن مريمي نسخة منها, لا أقول طبق الأصل, ولكنها تمثلها أمامي بطيبتها, ومودتها, وودها, وابتسامتها...
رحمكِ الله يا جدتي وأسكنكِ فسيح جنانه...
حرر في: 28\4\2010
المفضلات