الســــلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوة الايمان حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم
الحمد لله خلق الخلق من عدم وأرسل إليهم رسلا مبشرين ومنذرين فمن أطاعهم سما ونجا ومن خالفهم خاب وخسر فلا إله إلا الله كلمة تنجي قائلها من الخلود في نيران, وأصلي وأسلم على إمام الموحدين وقدوة المؤمنين وسيد العالمين صلى الله عليه وعلى أله وازواجه وذريته وأصحابه ومن تبعهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
إخوة الايمان أعتدر عن التأخير في نشر هذا الموضوع لضعف الهمة وقلة الإيمان وهذا الموضوع أساسه خطبة القيتها في بداية الشتاء وكنت عازما ان أفيد بها الاخوان فقدر الله ان تكون في هذا الوقت وأواسي نفسي في هذا بقول العلماء ما لايذرك كله لايترك جله .
إخوة الإيمان فهذه الأيام التي نعيشها هي من فصل الشتاء الذي يرى فيه العبد عظيم قدرة الله عزوجل فبعدما كانت الأرض جرداء ونباتها هشيم أصفر أحياها الله بالماء فصارة مروجا وبساتين وجنان خضراء { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فصلت.
فهذه أول آية في الشتاء وهي من آثار قدرة الله على احياء الموتى فالذي أحيا النبات سيحيينا بعد الممات وهذه تذكرة وآية تتجد كل سنة
وفي فصل الشتاء تظهرنعمة الله علينا من تسخيره لنا اللباس { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } فالحمد لله الذي اطعمنا من جوع وكسانا من عري.
وان ما يجده المؤمن من شدة برد في فصل الشتاء هو تذكرة بجهنم كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :اشتكت النار إلى ربها فقالت النار يارب أكل بعضي بعضا فجعل لها نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد * في رواية في الشتاء * من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها.
صححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه رحمه الله
وهذه تذكرة أخرى في فصل الشتاء وهذا الأمر يجعل المؤمن يتخذ الاسباب التي تنجيه من عذاب جهنم ويستعيذ بالله منها
وإن في دخول الشتاء إعلاما على ان هذه الدنيا في تقلب وانها غير مستقرة لأهلها وأن لها مسير فهو المستحق للعبادة وان لها نهاية فلابد من الاستعداد للرحيل.
لهذا فان فصل الشتاء فصل مبارك يستقبله المؤمن بحباوة وتكريم فقد اخرج الإمام أحمد رحمه الله رحمة واسعة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الني صلى الله عليه وسلم قال الشتاء ربيع المؤمن. أخرجه البيهقي وغيره بلفظ *الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقامه , وقصر نهاره فصامه* حسنه الهيتمي وغيره .
وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن , لانه يرتع فيه المؤمن في بساتين البر وميادين الطاعات , فالمسلم لايشق عليه أن يصوم نهار الشتاء لانه قصير فلا يجد فيه كلفة من جوع ولاعطش ونحو ذالك , لان نهاره قصير بارد .
ولذالك قال أبوهريرة رضي الله عنه لأصحابه ألا أدلكم على الغنيمة الباردة ؟ قالوا بلى , قال : الصوم في الشتاء . ولقد روي مرفوعا ولم يثبت افاده الشيخ عبد الكريم ابن برجس رحمه الله رحمة واسعة
ومعنى انه الغنيمة الباردة لانه يحصل من غير قتال ومن غير مشقة وعناء .
وكذالك يقدر المسلم على قيام ليل الشتاء بكل يسر وسهولة , مع أخذ نفسه حظا كاملا من النوم , بخلاف ليل الصيف , فانه لقصره وشدة حره تغلب كثرة النوم فيه , ويشق قيامه , فيحتاج القيام في فصل الصيف الى مجاهدة كبيرة .
وفي هذا جاءت آثار عديدة عن السلف الصالح رحمة الله عليهم فقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان اذا دخل الشتاء قال : جاءكم الشتاء فصل بركة ليله طويل يقام ونهاره قصير فيصام .
ولقد بكا معاذ رضي الله عنه عند مرض موته وقال إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر .
و في هذا يقول الحسن البصري رحمه الله : نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصوهه .
وجاء عن عبيد بن عميررحمه الله رحمة واسعة أنه كان اذا دخل الشتاء قال يا أهل القرآن قد طال ليله للقراءة فاقرءوا , وقصر نهاره للصيام فصوموا .
وللمؤمن مع ما يحصله من الأجر في قيام ليله له أجر من جانب آخر وهو ما يحصل عليه من مفارقة الفراش الدافئ وما يحصل له من اسباغ الوضوء في الشتاء وهو الوضوء من الصبارات وهو البرد جاء فيه أجر عظيم أنه يرفع الله به الدرجات ويمحوا به الخطايا كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ " قالوا : بلى . يا رسول الله ! قال " إسباغ الوضوء على المكاره . وكثرة الخطا إلى المساجد . وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فذلكم الرباط" . وهو عند مسلم وغيره وهو حديث صحيح
المكروهات هي مثل البرد واسباغ الوضوء هو الوضوء الكامل الثام على اكمل وجه كقولهم ثوب صابغ
إخوتي في الله فحري بالمسلم أن يغتنم ويهتبل هذه الفرضة للمبارة وأن يجعل من ساعات ليل الشتاء ساعة يخلوا فيها بربه جل وعلا لعل عثرة تقال أو ذنبا يغفر أو كربا يفرج أو درجة ترفع فإن قيام ليل يزيد المؤمن إيمانا إلى إيمانه ويجعل المسلم معرضا لحصول الثواب المخفي في قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون . السجدة.
إخوة الإيمان مع هذا لقد شرع ووجب علينا أن نستدفع أذى البرد بما يدفعه من لباس ونحوه , فالبرد والحر من أعداء بن آدم .
وكانت الدنيا هكذا لأنها ليست دار مقر بل دار ممر ومقيل ومحطة عن قريب ينتقل منها العبد الى دار الجزاء.
وفي هذا روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا حضر الشتاء تعاهدهم أي رعيته وكتب لهم بوصية :إن الشتاء قد حضر وهو عدو لكم , فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب , واتخذوا الصوف شعارا ودثارا , فإن البرد سريع دخوله , بعيد خروجه .
صدق رضي الله عنه فكم من شباب غرتهم أبدانهم فعرضوها لبرد الشتاء ولم يعملوا بالرخص الشرعية فعانوا في الكبر من البرد وعجزوا عن كثير من القرب . فعلى المسلم أن يأخذ بوصية الفاروق رضي الله عنه وأرضاه وان يستعد للبرد استعدادا كاملا لاسيما في اول وقته , ومع هذا يتذكر اخوانه الفقار المساكين الذين لايجدون ما يحميهم من برد الشتاء وهذا ليتذكرهم بالعطاء ويشكر الله على ما انعم عليه.
فهذه تذكرة أسأل الله ان ينفعني بها وان ينفع قارءها إنه ولي ذالك والقادر عليه.
كتبه أخوكم أبوعاصم بدري عشية يوم الأحد 16 صفر 1431
***
المفضلات