أبو العتاهية (المسابقة الأدبية الكبرى)

[نسر الشام]

أعزائي الأعضاء : فإن هذه الجهود المبذولة هي في سبيل تعريف الشاعر الزاهد (أبو العتاهية ) الذي لا يكاد يجهله إنسان .فهو من أهم شعراء العصر العباسي , ولمن أراد الاستزادة عن سيرته وحياته وكل ما يخصه فليتفضل معنا بقراءة الموضوع ورغم أن الموضوع يبدو طويلا إلا أننا حاولنا جاهدين اختصار الكثير منه حتى لا يبدو مملا
نرجو لكم قراءة ممتعة

هو أبو إسحاق .إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي بالولاء الكوفي, الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة

وأمه أم زيد بنت زياد المحاربي مولى بني زهرة وقيل أنه كان له ابنتان، يقال لإحداهما لله، وللأخرى بالله! وكان له ابن شاعر ناسك.

يُذكر أن أصل أجداده من عنزة وأن أبا جده كيسان كان من أهل عين تمر.

كُنِّي بأبي العتاهية لأنه كان يحب الشهرة والمجون والتعته. وقيل أنه سُمّي بذلك لأن الخليفة المهدي قال له يومًا أنتَ إنسان متحذلِق متعتِّه. فاستوت له من ذلك كُكية غلبت عليه دون اسمه وكنيته وسارت له في الناس.

وُلد سنة 130 هـ (748م) ونشأ قرب الكوفة. كانت أول حياته كثيرة اللهو واللعب إلا أنه اتجه في آخر حياته إلى الزهد .

ولما رأى اقتداره على الشعر(رأى نفسه قد أبدع في الشعر) قدم إلى بغداد ونزل في الحيرة.ثم اشتهر ذكره وسمع به الخليفة المهدي، فأَقدمهُ إلى بغداد فدخل عليه أبو العتاهية، وامتدحه ونال جوازه. فعاش بقية حياته في بغداد وتوفي بها

كان في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين ثم كان يبيع الفخار بالكوفة ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم .

وكان مذهب أبي العتاهية القول بالتوحيد وقد قال محمد بن يحيى حدثني عون بن محمد الكندي قال: سمعت العباس بن رستم يقول: كان أبو العتاهية مذبذبًا في مذهبه: يعتقد شيئًا ، فإذا سمع طاعنًا عليه ترك اعتقاده إياه وأخذ غيره .

وقد تحدث أصحابه فقالوا جاءنا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال : زعم الناس أني زنديق والله ما ديني إلا التوحيد

فقلنا له فقل شيئا نتحدث به عنك فقال

ألاَ إنّنا كلَّنا بائدُ ... وأيّ بني آدمٍ خالدُ

وبَدْؤُهُم كان من ربّهم ... وكلٌّ إلى ربّه عائدُ

وفي كلّ شيءٍ له آيةٌ ... تدلّ على أنه واحدُ

فيا عجبا كيف يُعْصَى الإِلهُ ... أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ

وقد قال بشر بن المعتمر يوما لأبي العتاهية بلغني أنك لما نسكت جلست تحجم اليتامى والفقراء للسبيل أكذلك كان قال نعم قال له فما أردت بذلك قال أردت أن أضع من نفسي حسبما رفعتني الدنيا وأضع منها ليسقط عنها الكبر وأكتسب بما فعلته الثواب وكنت أحجم اليتامى والفقراء خاصة

و كان أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمعه من الأموال . وقد كان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى ضعيف سيئ الحال متجمل عليه ثياب فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار فيقول أبو العتاهية اللهم أغنه عما هو بسبيله شيخ ضعيف سيئ الحال عليه ثياب متجمل اللهم أغنه

فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحوا من عشرين سنة , وما تصدق عليه بدرهم وما زاد على الدعاء شيئا

وكان قد قال له أحدهم يوما يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ وتزعم أنه فقير فلم لا تتصدق عليه بشيء فقال أخشى أن يعتاد الصدقة والصدقة أخر كسب العبد وإن في الدعاء لخيرا كثيرا ..

وقال محمد بن عيسى الخزيمي هذا وكان لأبي العتاهية خادم أسود طويل وكان يجري عليه (يجري عليه أي : يعطيه أجرا )في كل يوم رغيفين

فجاءني الخادم يوما فقال لي والله ما أشبع

فقلت وكيف ذاك قال لأني ما أفتر من الكد وهو يجري علي رغيفين بغير إدام

فإن رأيت أن تكلمه حتى يزيدني رغيفا فتؤجر فوعدته بذلك

فلما جلست معه مر بنا الخادم فكرهت إعلامه أنه شكا إلي ذلك فقلت له يا أبا إسحاق كم تجري على هذا الخادم في كل يوم قال رغيفين , فقلت له لا يكفيانه , قال من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير وكل من أعطى نفسه شهوتها هلك وهذا الخادم إن لم أعوده القناعة والاقتصاد أهلكني وأهلك عيالي ومالي

فمات الخادم بعد ذلك فكفنه في إزار وفراش له خَلِق ( خلق تعني : رديء)

فقلت له سبحان الله خادم قديم الحرمة طويل الخدمة واجب الحق تكفنه في فراش خلق وإنما يكفيك له كفن بدينار فقال إنه يصير إلى البلى والحي أولى بالجديد من الميت

فقلت له يرحمك الله أبا إسحاق فلقد عودته الاقتصاد حيا وميتا

وقد حبسه الرشيد سنة كاملة وجلده 60 جلدة حين امتنع عن قول شعر الغزل وفك أسره بعد أن قال غزلا في زوجته وأعطاه 60 ألف درهما وأكرمه وصرفه.

أما علمه فقد كان بالشعر لا علم له بغيره وكانت كل حياته شعرا وكلما حدث شيء قال فيه شعرا. وهو من مقدمي المولدين, ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس

كان يحسن الشعر في كل موضوعاته وبرع في الزهد والأمثال والمدح فكان أكثر شعره في هذه المواضيع الثلاثة .

وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزوناً يخرج به عن أعاريض الشعر وأوزان العرب.وكان له أذن موسيقية جعلته يخترع أوزان جديدة لا تدخل في بحور الشعر العربي فكان من شعراء الاتجاه الجديد في العصر العباسي

وكان أحد المطبوعين، وممن يكاد يكون كلامه كله شعراً. ويقال: أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية وما قدر أحد على جمع شعر هؤلاء الثلاثة لكثرته .. وأما غزله فضعيف مشاكل لطبائع النساء، ومما يستخففن من الشعر.

كان غزير البحر لطيف المعاني سهل الألفاظ كثير الافتنان قليل التكلف إلا أنه كثير الساقط المرذول مع ذلك . وله أوزان طريفة قالها مما لم يتقدمه الأوائل فيها

إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً، فلا تَقُلْ ...خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ مَا مضَى ...وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب

لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَتْ ....ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ

فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى ...ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ

إذَا ما مضَى القَرْنُ الذِي كُنتَ فيهمِ ...وخُلّفْتَ في قَرْنٍ فَأنْت غَريبُ

وإنَّ أمرءًا قَدْ سارَ خمسِينَ حِجَّة ٍ ...إلى مَنْهِلِ مِنْ وردِهِ لقَرِيبُ

نَسِيبُكَ مَنْ ناجاكَ بِالوُدِّ قَلبُهُ ...ولَيسَ لمَنْ تَحتَ التّرابِ نَسيبُ

فأحْسِنْ جَزاءً ما اجْتَهَدتَ فإنّما ...بقرضِكَ تُجْزَى والقُرُوضُ ضُروبُ

وفي مرة جاذب رجل من كنانة أبا العتاهية في شيء ففخر عليه الكناني واستطال بقوم من أهله فقال أبو العتاهية

دَعْنَي من ذِكْرِ أبٍ وجَدِّ ... ونَسَبِ يُعْلِيكَ سُورَ المجدِ

ما الفخرُ إلا في التُّقَى والزُّهدِ ... وطاعةٍ تُعطي جِنَان الخُلْدِ

لا بُدَّ من وِرْدٍ لأهلِ الوِردِ ... إمّا إلى ضَحْلٍ وإمّا عِدّ

قال أبو العتاهية لابنته رقية في علته التي مات فيها قومي يا بنية فاندبي أباك بهذه الأبيات فقامت فندبته بقوله

لَعِبَ البِلَى بمَعَالِمي ورُسُومي ... وقُبِرْتُ حَيًّا تحت رَدْمِ هُمومي

لَزِمَ البِلَى جِسْمِي فَاَوْهَنَ قُوَّتي ... إنّ البِلَى لَمُوَكَّلٌ بِلُزومي

وقد توفي أبو العتاهية وإبراهيم الموصلي وأبو عمرو الشيباني عبد السلام في يوم واحد في خلافة المأمون وذلك في سنة ثلاث عشرة ومائتين

وذكر الحارث بن سعد كاتب الواقدي أن أبا العتاهية مات في يوم الاثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى عشرة ومائتين ودفن حيال قنطرة الزياتين في الجانب الغربي ببغداد (وهو القول الغالب )

هكذا اختلف الرواة حول العام الذي مات فيه أبو العتاهية مابين 209 و213هـ والأغلب سنة 211هـ

الشعر الذي كتب على قبره

أمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره

أُذْنَ حَيُّ تَسَمَّعِي ... إسْمَعِي ثُمّ عِي وعِي

أنا رَهْنٌ بِمَضْجَعِي ... فَاحذَرِي مِثْلَ مَصْرَعِي

عِشْتُ تسعينَ حِجَّةً ... أَسْلِمَتْني لمَضْجَعي

كَمْ ترى الحيَّ ثابتاً ... في دِيَارِ التزَعْزُعِ

ليس زادٌ سوى التُّقى ... فخُذِي منه أوْ دَعِي

المراجع :

1- كتاب الأرجوزة ذات الأمثال لأبي العتاهية ..إخراج وتعليق: أبي يعلى البيضاوي

2- كتاب الأغاني .. المؤلف : أبي الفرج الأصفهاني

3-كتاب دواوين الشعر العربي على مر العصور..

4- كتاب الأدب للصف الثاني الثانوي..

وكتب أخرى متفرقة أخرى

وختاما نتمنى أن نكون قد قدمنا لكم نبذة واضحة عن حياة هذا الشاعر المبدع ..فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمن أنفسنا والشيطان

نترككم مع إبداء آرائكم في الموضوع

[|[ رمـــآد ]|]

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ...

رائع جداً , أخي نسر الشام , معلومات رائعة جداً عن هذا الشعر الفذ ...

سمعت و قرأت عنه سابقاً و لكن المعلومة التي أوقفتني كثيراً هو أنه ينسب إلى [ عـــنـــزه ] ^_^ ...

بورك هذا الفريق على الإختيار الجميل و الموفق ...

أتمنى لـك و لـهم التوفيق بـ الدارين ...

ألـ قـا كـ م على خير ...

[smart-girl]

برأيي أنه تعدى مرحلة الزهد إلى [ البخل ] ^^

شكراً جزيلاً استمتعت بقراءة معلومات جديدة [ لا أذكر أنني درستها في المدرسة ] عن هذا الشاعر الفذ

إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً، فلا تَقُلْ ...خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ مَا مضَى ...وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب

لا أنسى هذان البيتان أبداً ^^"

ملاحظة:لو أكثرتم من شعره قليلاً .. هناك قصائد له رائعة جداً

[woookazo]

الله يعطيكم العافية ..

تمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح بحث رائع ومتكامل

[هلوله]

جميل جداً

إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً، فلا تَقُلْ ...خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ مَا مضَى ...وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب

مبدعين جداً اختيار موفق لشاعر مميز ومفضل ^^
وفقتم لكل خير