● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 14 من 14
  1. #1

    الصورة الرمزية أنــس

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    493
    الــــدولــــــــة
    المغرب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    رويـدكِ يـا عـقـارب ~


    .


    [ ... وها أنا ذا أقف أمامكِ وقفة الذّاهل المشدوه ، أرفع رأسي أتأملكِ خاشعاً ، وليس في مجال بصري غيركِ ، وجدار .. !

    أصغي لصوتك الرتيب يزعج أذنيّ ، ويزيدني خوفاً على خوف ، شكلكِ التاريخي لم يفقد أناقته حتى الآن ، وأرقامكِ القديمة لا يبليها تعاقب الأيام والسنين ، وأنتِ شاهدة عليها ! جرسك الطويل يتدلى مترنحاً يمنة ويسرة كأداة تنويم مغناطيسي ، لكن حقيقتك المخادعة هي كما كانت ، لم تتغير !

    يا عقارب ... ]

    .

    تيت ، تاك ، تيك ، تاك ...

    ألا يمل عدّاد الثواني من دورانه الدائم حول نفسه ؟! ألا يمل عدّادا الدقائق والساعات من مطاردتهما له إلى الأبد ، ماذا لو علمت تلك العقارب عن حالها المضحك هذا ؟! ربما توقفت عن الدوران ! وقدمت استقالتها من مهمة حراسة الزمن ..

    وليتها فعلت ...

    .

    مذ كنت صغيراً وعقارب الساعات تثير اهتمامي ، ويثير اهتمامي صمودها الشامخ ، وعنادها المستميت ، وثباتها الذي لا تزحزحه عقول المصممين ، وأيدي الصانعين ، مهما تحايلت على أنماطها وأشكالها ، ومهما اجتهدت لإسكات أصواتها إلا أنهم يخضعون أمام سرعة دورانها ، ثابتة هي لا تتغير أبد الدهر ! وبها تظل قيمة الساعات ثابتة أيضاً لا تغير فيها براعة الشكل ولا بساطته شيئاً ..

    قديماً راودني شعور بأن بعض العقارب الحديثة ، تلك التي يدور عداد ثوانيها بشكل مستمر غير متقطع كطاشرة تحلق في السماء ، هي أسرع من تلك التقليدية التي يكسر فيها العقرب الطويل ثواني حياتنا ثانية ثانية ، عبر طرقات تشبه قرع المطرقة ، ومع صوتٍ يذكرني بالقطارات البخارية القديمة وهي تطوي الأرض طياً .. كنت أتأملها طويلاً وأنا أستغرب وأتساءل ، كيف للزمن الذي تخبرنا به العقارب الأولى أن يكون مطابقاً للذي تخبرنا به العقارب الثانية ؟!

    هل بِوُسع عقارب الساعة أن تكون مخادعة هي أيضاً ؟ وهل مرور الزمن شيء يُعبر عنه بالأرقام ؟!!

    لماذا إذاً نحس بأن الزمن مفهوم نسبي غير ثابت ، وتيرته عبارة عن دالة تناسب عكسي مع مشاعرنا المدللة ! لماذا تمر أوقات السعادة والفرح سريعة كما البرق ، لا نفطن إليها إلا بعد انقضائها ، ولا يبقى لنا منها سوى دهشة واستغراب ! في حين تمر أوقات الحزن والضجر والانتظار طويلة جداً وبطيئة ، ينوء صبرنا بتحمّلها ، ولا تنقضي إلا وقد أحرقت من أعصابنا ما أحرقت ، وتبقى دهشة المقارنة ، ومرارة التساؤل ، لماذا لا يكون العكس ؟ ولماذا لا نحس بساعات الفرح تمر أبطأ من ساعات الحزن والانتظار !

    كم هي مخادعة تلك العقارب !

    .

    وقفت أمام تلك الساعة الجدارية المعلقة بشموخ في ناحية من نواحي البيت ، وبدأت تخامرني هواجس زمنية فقدت على إثرها وعيي بمرور الوقت ، اختفت كل الموجودات الأخرى من حولي ، ومن ذاكرتي ، وتلاشت كل أفكاري ، وضاق مجال بصري حتى لم أعد أرى سواها ، والجدار !

    تأملت شكلها التاريخي القديم بانحناءاته وتكسّراته ، وتأملت الزخرفات المحيطة بدائرة الأرقام ، وأصغيت لصوت جرسها المدلى وهو ينومني مغناطيسياً ويفقدني وعيي شبهَ كامل ، وإذا به ينتشلني من واقعي ، ويغلق ورائي بوابة الطبيعة ، وينقلني إلى عالم أثيري ، حيث تبدأ خطرات النفس بالتوهج ...

    لم أعد أرى أمامي سوى دائرة الأرقام ، وعقارب ثلاثة يطارد بعضها بعضاً في مضمار دائري ، وتقضم من لحظات عمرنا ما لن تعيده لنا يوماً ، خطر لي أن شيفرة الزمن هي الأكثر تعقيداً من بين كل شيفرات العالم ، ذلك لأنها لا تتكرر أبداً ، كل رقم زمني هو رقم وحيد ، سريع ، لا يعود ، ولا يتكرر أبداً ..

    ارتعد مؤشر الخوف في داخلي إثر تفكيري في هذا ، وتمنيت لو أن تلك العقارب توقفت عن الدوران ، أو أنها - على الأقل - خففت من سرعتها قليلاً !

    همست لها ..

    رويدكِ يا عقارب .. !

    .

    * * *

    .

    رويدكِ فإنّيَ أرى الناس يستيقظون صباحاً على الرنين طلبوه منك قبل نومهم ، ثم يقابلون وفاءك لهم بالانكار وعبارات الاستياء والضجر ، وأراهم يهدرون عملتك الصعبة في غير طائل ، ويحتقرونكِ وأنتِ لصيقة بهم في ساعات معاصمهم ، يستعجلون دورانكِ ، وأعمارهم ! ويشغلون أنفسهم عنكِ بما ينسيهم إياك ، وأنتِ تتربصين بهم ، وتُمْلين لهم ، تُنسينهم نفسك وتُفقدينهم الوعي بك ، حتى إذا انتبهوا فجأة .. وجدوا قطارك قد رحل عنهم ، وجداولهم الزمنية المبرمجة مسبقاً قد صارت حبيسة الماضي ، فيهبّون مسرعين باللحاق بكِ ، ويستجدونك أن تبطئي عليهم بضع دقائق ، بضع ثوانٍ ، لكن هيهات ...

    رفقاً بهم فإنك تعاملينهم بالمثل وهم ضعاف عقول ، ومرضى قلوب ، وأسرى غواية ، وتتربصين بهم الدوائر وهم عنك في مَغْفل ، تعاندينهم في حمقهم وهم يطيلون بك الأمل ويؤجلون صحوهم إلى محطات لاحقة في قطارك المتسارع ذي الوجهة الواحدة ! مساكين هم ، وماكرة أنتِ !

    يا عقارب ...

    .

    .

    رويدك ، فإنني أتأمل سهامك وهي تعدّ نفسها للانطلاق نحو حياة ما ، أو قلب ما ، أو حزن ما ... أشاهدها وهي تكمل دورتها أخيراً ، وتنطبق على نفسها سهماً فوق سهم ، وكأنها تعقد اجتماعاً سرياً ، أو كأنها مقص ماضٍ في الاقتطاع من أعمارنا ..

    ها أنت تتموضعين على الثالثة والربع ، قضمة جديدة من مقصك الصارم ، وها أنت تفترقين ناوية شراً ، وقضمةً جديدة موعدها الرابعة وعشرون دقيقة ... إلى متى يا مقص ؟! وأي قضمة من قضماتك ستكون الأخيرة في وجودنا ؟

    في أي رقم من رقم سنواتكِ وشهوركِ وأيامكِ وساعاتكِ ودقائقكِ وثوانيك ؟ سيكون ملَك الموت محلقاً فوق رؤوسنا ، منفذاً أمر الله فينا ؟ وعلى أي حال سنكون لحظتئذ ؟!

    رويدكِ ! فإني أرى سهمك الأطول يتجول مسرعاً حول ثوانيك ، وكأنه رئيس يتفقد مرؤوسيه ، أو كأنه مؤشر تحميل لملفات القدر ، تلك البرامج التي سوف يتم تشغيلها في حياتنا فور انتهاء تحميلها ، مهاماً مجدولة في ألواح أقدارنا .. ها أنا ذا أراه يحمّل برامجي وملفات قدري ، من أصغر تفصيل في حياتي اليومية إلى أكبر منعطفات حياتي خطورة ، دون أن أعرف ماذا يحمل ، وما حجم الملف ، وما طبيعة البرنامج ، ومتى سوف يتم تشغيله ، وكيف ستكون نتائجه على نظام تشغيلي ... كل ما أراه أنه يدور ، ويدور ، يحمّل ، ويحمّل ، ولن أعرف ما الذي يحمّله إلا بعد حدوثه !

    كم بقي من دوراتكِ على أقرب حدثٍ كبير في حياتي ؟ وكم وصلت النسبة المئوية لتحميل ملف [ الموت ] ؟ آخر ملف في قائمتك ، والأكبر حجماً .. هل سأعود إلى هنا من جديد بعد إصدارات عديدة من تقويماتكِ السنوية ، ثم أقول : '' أنظروا ماذا كنت أكتب في الماضي '' ... أم أن نسبة تحميله قد شارفت على الاكتمال ، ليقال عني بعد أمد قصير : '' كان هذا آخر ما كتبه ، سبحان الله ، وكأنه تنبأ بوفاته ! '' ..

    إنني لا محالة بين واحد من هذين الاحتمالين ، عندما تكتشف أن حياتك رهينة بواحد من احتمالين ، تعرف كم الموت قريب منك ، وكم هو مجاور لك يختبئ خلف غفلتك ...

    .

    رويدكِ يا عقارب .. فإنني لم أفكّ رموزكِ كاملةً بعد ، ولم أتمكن بعد من قراءة كل أوضاعك المستفزة ..

    أراك على الساعة الثانية عشرَ تشيرين إلى الأعلى ، تذكريننا بالأعلى ، دلالة عزة ، دلالة شموخ ودلالة طموح ، منتصفَ كل نهار ومنتصفَ كل ليل ، في عزّ النور وعزّ الظلمة ، وأراك تسجدين كل سادسة ونصف ، منتصف كل صباح ومنتصف كل مساء .. حُوَيْلَ الشروق وحويل الغروب ...

    أرى ابتسامتكِ الجميلة كل عاشرةٍ وعشرِ دقائق ، وأرى كم هي كاذبة ، وخالية من الاحساس عندما يجبرونك على تصنّعها إذ يحنّطونك في واجهات المحلاّت بعد أن يقتلعوا قلبك ، وفي صفحات المجلات بعد أن يجرّدوك من مادّتك ويحبسونك في ظل ولون وورق فاخر .. ويظنّون أن ابتسامتك تلك فأل خير لهم ...

    وأرى حزنك كل ثامنة وعشرين دقيقة ، نذيرَ شؤم لكل من تُصادف عيناه حالتك هذه ذات انتباه ، وأراكِ أسهماً تشير نحو الزمان وتدل عليه ، وآياتٍ نمرّ عليها ونحن عنها معرضون ..

    .

    رويدكِ يا عقارب .. فإنني لم أملأ رئتيّ بما يكفي من الهواء ، وذاكرتي بما يكفي من التجارب ، وعقلي بما يكفي من المعرفة ، وقلبي بما يكفي من الحب ..

    رويدكِ فإن هذه اللحظات التي مرت عليّ خلف بوابة الطبيعة مخصومة من حساب عمري ، وأنا الآن لست في صلاة ولست في حالة ذِكر ، رويدكِ فإنني الآن لا أقرأ كتاباً ! ولا أتناول طعاماً لذيذاً ، ولا أركض مسرعاً في مرج أخضر وليس في مجال رؤيتي غيره والسماء !

    رويدكِ فإنني الآن لست نائماً ، ولست أحلم بأنني أطير فوق الجبال بجناحين وأدور حول كوكب الأرض ، ثم أصعد لآخذ غفوة على سطح القمر ! مهلاً فإنني الآن لا أتأمل الشمس شروقاً أو غروباً ، والقمر هلالاً أو بدراً ، والبحر ركوداً أو هيجاناً ، والريح نسيماً أو عاصفة ...

    رويدكِ فإنني الآن لا أعيش حالة ضحكٍ أو حالة بكاء ، حالة فرحٍ أو حالة حزن ، حالة لقاءٍ أو حالة فراق ، حالة ألفة أو حالة اشتياق ، مهلاً فإنني الآن لست وحدي فآنس بنفسي وأطرب بأفكاري وخلجات نفسي ، ولست مع أحبتي فآنس بوجوههم وأطرب لمزاحهم وضحكاتهم ، مهلاً ... فإنني الآن لا أعيش لحظة حب ! ...

    .

    رويدكِ مرة أخرى ، ثم رويدك ! فلست الآن أبحر متأملاً برج الحرية ، ولست أقف على جسرِ متأملاً ساعة بيغ بين ، ولست واقفاً أعلى برج إيفيل أضبط عدستي لأصوّر باريس ، مهلاً فإنني الآن لا أطلّ مائلاً من أعلى برج بيزا .. ولستُ أرفع رأسي مدهوشاً برؤية أهرام مصر ..

    رويدكِ ، فإنني الآن لست ساجداً قبالة الكعبة على بعد أمتار ، وليس بيني وبينها حجاب ...

    .

    ما أشدّ لدغتك يا عقارب ! وكم هو قوي ذلك الخدَر الذي تصيبينا به قبيل لدغنا لنفقد الإحساس بالألم ، أو ، ليتأجل إحساسنا به وقتاً لاحقاً حتى عندما يأتي يأتي دفعة واحدة يكون فيها هلاكنا .. حين لا ينفع الندم !

    .

    .

    * * *

    تيك .. تاك .. تيك .. تاك ...

    أمازلت تركضين يا عقارب ؟!

    فيمَ العجب ؟ وأنت لم تمتثلي لأمر أحد من قبل ، حتى صانعوك ليس بوسعهم أن يغيروا من سرعة دورانك أو يوقفوك لبعض الوقت ، وليس أمامهم سوى الخضوع لقانونك الكوني ، والاكتفاء بضبط شكلك حسب مكانك من الكرة الأرضية ، ثم ينصّبونك شاهدة على أعمارهم ...

    وها أنتِ أمامي تواصلين حركتك وكأنكِ لا تستمعين إليّ ! حيادك هذا بدأ يزعجني .. وما الذي بوسعه أن يوقفك عند حدّك ، وهل لك حدّ إلا أن تتوقف الأرض عن الدوران ! أو أن تطلع الشمس من مغربها .. وماذا تُراكِ فاعلة إذّاك يا عقارب ؟ هل ستتوقفين عن العمل من تلقاء نفسك ، وتستسلمين للمشيئة ؟ أم أنك ستبدئين الدوران بشكل عكسي من اليمين إلى اليسار ؟ ...

    مهما يكن !

    لن أكون حياً آنذاك .. ويكفي منكِ ما أنتِ شاهدة عليه الآن من وقوفي أمامكِ ومخاطبتي لك .. ويكفي ما ستشهدين به عليّ غداً يوم قيامتي ، من تفريطي في حقك وغفلتي عنك .. ورجائي في الله أن يكون أرحم بي منك ، وهو كذلك ...

    .

    رمشت عيناي ذات تحديقٍ بك ، وتساءلت كم حدثاً وقع في العالم متزامناً مع رمشتي هذه ، في ثانية واحدة من ثوانيك .. يخرج أناس إلى الحياة تحيط بهم الضحكات ، ويوارى آخرون التراب تحيط بهم الدموع ... أسنان تبرز ضحكاً ، وعيون تذرف حزناً ، بطون تنتفخ حتى الامتلاء ، وأرواح تُزهق جوعاً ... شمس تشرق في مكان ، وتغرب في آخر ...

    كُتب تُقرأ ، وأخرى تُكتب .. تَهانٍ بنجاح تُنطق وتوبيخات لرسوب .. قرآن يُتلى وألحان تُعزف .. قامات تركع وتسجد، وقامات تتمايل وترقص ... عرائس تُزف ، ووثائق طلاق تُوقّع ... عناقات ، وشجارات .. رسائل حب تُكتب ، وتخطيطات لجرائم قتل تُعَدّ.. أناس يخرجون من السجن وآخرون يدخلون إليه ..

    دموع فرح بعودة غائب في مطار ، ودموع حزن لفراقِ مُقيمٍ في مرفأ .. زهور تتفتح وأخرى تذبل .. نظرات حب تُتَبادل ونظرات كره تُسَلّط ... مراكب صيد تبحر وفيضانات تجرف .. مبانٍ تشيّد وزلازل تهدم ..

    أشعار وخواطر تُكتب ووثائق رسمية تُطبَع ... منتوجات تَصدُر لتستهلك ونفايات تُحرق وتتبخّر ..

    ورود تُقطف ، وأزهار تتفتح ..

    كل هذا في ثانية من ثوانيك يا عقارب ، وفي كل ثانية جديدة منكِ مثل هذا وأكثر !

    فرويدكِ يا عقارب !

    * * *

    صمتُّ أخيراً ، وتصنّمت أمام قداسة نبضها الدائم ، وصوتِها الذي يشبه خفق القلوب ، كم كنتُ غبياً ! ما كان علي أن أطلب منها التوقف ، وما كان علي أن أستمهلها قليلاً ، فهي تتربص بي في كل مكان ، تتربص بي في نظام الكون ونواميسه ، تتربص بي في جميع حالات وعيي ، وفي داخلي ساعة تدقّ ..

    .

    تيك ... تاك ..

    وَ ... !

    هَوَت آخر طرقة من طرقات عقرب الثواني ، وصُعقتُ إذ رأيتُ العقرب متوقفاً عن الحركة ، وكأنه قلب توقف عن النبض ! هل استجابت لي أخيراً ؟ هل توقف الزمن كما طلبت منه ؟ مالي أراها جامدة لا تتحرك ؟ مالي أراها صامتة لا تتكلم ؟ أية معجزة تلك التي جعلت الزمن يتوقف الآن ؟ وكم سيظل هكذا ؟ متى ستستأنف العقارب دورتها من جديد ؟ .. وكيف عليّ أن أستغل لحظة الفراغ هذه ؟

    لحظةُ اللازمان التي حلمت بها طويلاً ..

    أن يتوقف الوقت عن المرور دون أن أفقد وعيي ودون أن أفقد القدرة على الحركة ، إنها لحظات قد أستطيع فيها تحقيق كل أمنياتي !

    وها هو الزمن أمامي جثة هامدة ، وعقاربَ ميتة توقف مقصها عن القطع ، وقلبها عن النبض ، ماذا عليّ أن أفعل الآن ؟ وكيف أستغل حالة الوعي هذه ، تلك الحالة التي أدرك فيها أنني كائن موجود حيّ يفكر ويحس ، يسمع ويرى ، ويشغل مساحة من حيّز الوجود .. مهما فعلت الآن هل سأخرج من رُبقة الزمن ، وهل سأنفكّ من قيده ؟ وكيف لذاكرتي أن تحتفظ بفعل فعلته خارج إطار الوقت ؟ وكيف لأجهزة شعوري أن تلتقط متعة حدثت دون عامل الاستمرار ؟ وهل الاستمرار إلا زمن نَعِيهِ ونعيشه ؟ وهل السعادة إلا ثوانٍ نقضيها ، ونبضات قلوب ، وعقارب ...

    .

    يا للخيبة !

    اكتشفت الآن أنني كنت مخطئاً ، لا ينبغي للزمن أن يتوقف .. الزمن علامة الوجود ودلالة الحس والإدراك ، فيه نسعد ونحزن ، وليس لنا غيره رأسَ مالٍ لعمرنا الذي يجب أن نتدراك ..

    .

    بدأت أستفيق مجدداً ، أستطيع الآن رؤية الساعة الضخمة معلّقةً على الجدار ، ثابتةً لا تتحرك ، صامتةً لا تنبس ببنت عقرب ! .. لسانها المدلّى توقف عن الترنّح كما توقفت عقاربها عن الحركة ..

    خرجتُ من عالمي الأثيري وعدت مجدداً إلى حقيقتي ، وأمامي جثّة ساعة ، ووقت ميت ...

    .

    .

    [ ما هي إلا لحظات ، حتى كنت أحمل تلك الساعة بين ذراعيّ كطفل رضيع ، وأركّب لها بطارية جديدة استفاق لها عقرب الثواني ، واستأنف من جديد مهمته المقدسة ، نزولاً وصعوداً .. ودوراناً يسحب به عقربيْ الدقائق والساعات ، من أجل استئناف التحميل ، تحميل برامج القدر ...

    نظرتُ إلى ساعة معصمي ثم بدأت أدغدغ تلك الأسطوانة الصغيرة خلف الساعة الكبيرة ، عبثت بعقاربها كما يحلو لي ، ولم أستفد من استسلامها المخادع ، ففي العالم ملايير العقارب الجادّة التي ترسم دوران كوكب الأرض وتسجل رحلاته السنوية حول الشمس .. ضبطتها على الوقت الحالي ، ألقيت عليها نظرة أخيرة للتأكد بأنها تعمل ..

    أعدتها من جديدٍ إلى مكانها ، وعلّقتها على ذلك الجدار كما كانت من قبل ...

    ثم انصرفت ! ... ]


    ● ● ●

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    التعديل الأخير تم بواسطة أنــس ; 5-4-2010 الساعة 03:59 PM

  2. #2

    الصورة الرمزية مينتو

    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    أمريكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    كلمات رائعة من انسان رائع

    أستمتعت بالقراءة

    أطال الله بعمرك

    وبنتظار جديدك

    أخوي


    أنــس

    مينتو
    ^_^

  3. #3

    الصورة الرمزية ابن الفاتح

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    984
    الــــدولــــــــة
    السودان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    و عليكم السلام و الرحمة و البركات ...

    و تحيات طيبات طاهرات ... لكم أخي الحبيب ...

    أكرمكم الله بموهبة تتمخض في كل حرف يقرأ من كلمكم ... و كأني بها المواهب تعرض علي في كل جملة شيئا فشيئا ...

    فـ ما شاء الله تبارك الله ... العلي القدير ...

    و إني لأرجو تلك العقارب أن تمهلني بضع دورات تزيد أو تنقص عددا كيما أتمكن من العودة ... و إنها لعودة محققة بإذنه تعالى ...

    تيك ... توك ... تيك ... تو ...

    و يبدو بأن الاتصال على وشك الانقطاع

    ملاحظات :

    الرابط في التوقيع حاول تعديله لأن فيه زيادة لا تجعله يفتح .
    لديكم مدونة تزدان رقيا، و أتمنى عليك لو تضع موضوع عذرا أيها القلم ! إن لم يكن في الأمر إثقال عليكم .
    هذا ما لدي الآن و لي عودة بإذن الله الواحد القهار ...

    محبكم في الله : ابن الفاتح .

  4. #4

    الصورة الرمزية ندووري

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المـشـــاركــات
    106
    الــــدولــــــــة
    اليمن
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    أهنئك على هذا الموضوع الجميل
    لي عودة بإذن الله
    تحياتي

  5. #5

    الصورة الرمزية زمردة

    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المـشـــاركــات
    102
    الــــدولــــــــة
    اليمن
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    ما شاء الله تبارك الله
    أمدك الله بإبداع فوق إبداعك..
    أشكرك أخي على كل حرف كُتب..
    حقا موضوع يستحق التميز.

  6. #6


    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المـشـــاركــات
    8,616
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    السلام عليكم

    لا أزيد على ماقيل

    قلم من أبدع الأقلام التي قرأت لها

    مرت الثواني والدقائق وأنا أقرأ
    وكثير مما قرأت كان أعلى مني مستوىً وكان تحديًا لي
    ولكن للحق احقاق
    استمتعت بالقراءة

    كما قال ابن الفاتح
    نتمنى المزيد من هذا القلم

    فلا تحرمنا ^_^

    في أمان الله وحفظه

  7. #7

    الصورة الرمزية Dek2on

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المـشـــاركــات
    1,901
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    تمرُ الأوقات وتبقى العقارب تتحرك والزمان ما زالَ قائماً .. !!

    جميل أنكَ علمتَ أنْ إن توقفت الساعة عن العمل وتجمدَ الزمان فسيكونْ أسوأ من انتقادكَ للساعة ....

    أهنئك على الكلام المشوق وطريقة كتابتك للموضوع بحق طريقة إطرائك جميلة ف رجاءاً الرجاء أن نرى منكَ

    كتابات جديدة لا تحرمنا منها بالفعل لقد أذهلتني وأذهلتَ الأعضاء .. !!

    في حفظ الباري دوماً ..


    Dek2on
    التعديل الأخير تم بواسطة Dek2on ; 8-4-2010 الساعة 08:34 PM

  8. #8

    الصورة الرمزية Demor

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    3,319
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    صحيح لماذا سميناها عقارباً ؟

    في الانجليزية تأتي بمعنى اليد والمؤشر ..

    أما في العربية فــ عقرب !

    كتابة مؤثرة

    شكراً لك

  9. #9

    الصورة الرمزية أنــس

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    493
    الــــدولــــــــة
    المغرب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    مرحباً بالجميع .. شكراً جزيلاً لإدارة القسم على تثبيت الموضوع .. وعلى منحه وسام التميز ^_^

    كلّي أمل أن أكون مستحقاً له وأنا بصراحة عاجز عن شكركم ..

    .

    جزاكم الله خيراً .. وبإذن الله ستكون لي عودة من أجل الردود على مشاركاتكم الرائعة ^_^

    في أمان الله

  10. #10

    الصورة الرمزية ساتو ميواكو

    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المـشـــاركــات
    1,054
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~


    رائــع جداً ماشاء الله زادكَ اللهُ من فضله ..
    أُوتيتَ يا أخي قلماً يا سُبحانَ ربي , فلا تُفرط فيهِ أبداً و استخدمهُ للدينِ و الدفاعِ و الذودِ عنه ..
    أعجبنيّ كثيراً استخدامُكَ لبعضِ ألفاظِ القُرآن الكريم لذا لا عجبَ بان تكونَ كتاباتُكَ بهذا المستوى ..
    ...
    لماذا نحنُ لا نحسبُ أوقاتَ فرحنا و أوقاتَ حُزننا ثُمَ نُحاولُ مُضاعفةَ أوقاتَ فرحِنا في كُلِ مرة بدونِ إلقاء اللوم على الوقت !
    بالتأكيد نحنُ نستطيع و لمَ لا حينها سيكونُ بمقدرونا أخيراً كسرُ أنفِ الوقت : )

    رمشت عيناي ذات تحديقٍ بك ، وتساءلت كم حدثاً وقع في العالم متزامناً مع رمشتي هذه ، في ثانية واحدة من ثوانيك .. يخرج أناس إلى الحياة تحيط بهم الضحكات ، ويوارى آخرون التراب تحيط بهم الدموع ... أسنان تبرز ضحكاً ، وعيون تذرف حزناً ، بطون تنتفخ حتى الامتلاء ، وأرواح تُزهق جوعاً ... شمس تشرق في مكان ، وتغرب في آخر ...
    هذا المقطع و الذي يليه .. بليغٌ جداً ..
    رعشة سرتْ في أنحاءِ جسديّ , إنَ التفكيرَ بأنهُ في ثانيةٍ واحدة يحدثُ كُلُ هذا لمؤلمٌ حقاً !!
    ثمَ تخوننيّ الكلمات للتعبير عن بقيةِ الموضوع ..
    جزاكَ الله خيراً , نحنُ سُعداء بوجودِ قلمٍ كهذا بيننا لذا سنكونُ بانتظارِ المزيد ..
    فيـ أمانِ الله


  11. #11

    الصورة الرمزية Ash..!!

    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المـشـــاركــات
    877
    الــــدولــــــــة
    ايطاليا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    قد يصيبنا الهوس بلغز الوقت فنقف حيارى أمامه يسحبنا إليه حيث
    عالمه حتى نفقد الإحساس إلا بصوت دقاته ,
    تك تاك تك!
    أتصوره يقف .. ولغضبها عقاربه .. أعلنته عصيانًا ولم تعد تدور!
    ترانا كيف سنعيش في الوقت الفاصلِ!؟
    أتراه إلا تعلقًا بين حياة وموت, اللاحياة واللاموت !
    أما الزمن ووقتٌ في الفرح ننساه وبه لا نبالي ..
    وفي الحزن نفكر به نرجوه أن يمضي أن ينقذنا بالمرور سريعًا
    فضريبة لنسيان له أثناء فرح يبقى ساكنًا وببطء يعبرنا..!
    ولكن إن كان مرور الحزن يعني أن يرحل عمر من عمرنا فإنَّا لن
    نتوانى أن نصرخ رويدكِ أيا عقارب أوقفيه!
    رويدكِ نريد صنع المزيد وإن كان في عمق الحزن أمهلينا المزيد ..
    نريدها ذكريات وبسمات .. نريدها تجارب ورحلات للبعيد..
    نريدها حصيلة مزيدٍ من علم .. نريدها أحلامًا تتحقق.. ترسم
    بصمة أبدية لوجودٍ كان لنا إنا نريده قربًا من الله يزداد وبعدًا عنه
    يتقلص!
    رويدكِ رويدكِ فحتى الآن لم نحقق ولو قليلًا قليلًَا من كثير الحياة!

    الزمان يملكنا ولا يمنحنا قليلًا من انتظار.. يمضي والعقارب دليلنا
    لما مضى منه .. وما بقي .. إلا أنه فرقٌ بسيط.. فما بقي أبدًا لا
    يمكن معرفة أين ينتهي به وبنا المطاف على عكس ما مضى منا
    ومنه!

    بورك لك في قلمك أيها الأخ الطيب!
    في أمان الله!

  12. #12

    الصورة الرمزية Hope Tear

    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المـشـــاركــات
    8,025
    الــــدولــــــــة
    سوريا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
    ما شاء الله . تبارك الله . إبداع وتميز وفن ووحي من قلمٍ مثير للاهتمام .
    العنوان اجتذبني فما بال المحتوى .. لابد أنه كان أشد تتأثيراً ..
    لا أدري ما عليَّ التعليق عليه .. لكن لساني عجز عن التعبير عن مدى روعة وجاذبية قلمك ..

    رويدكِ ! فإني أرى سهمك الأطول يتجول مسرعاً حول ثوانيك ، وكأنه رئيس يتفقد مرؤوسيه ، أو كأنه مؤشر تحميل لملفات القدر ، تلك البرامج التي سوف يتم تشغيلها في حياتنا فور انتهاء تحميلها ، مهاماً مجدولة في ألواح أقدارنا .. ها أنا ذا أراه يحمّل برامجي وملفات قدري ، من أصغر تفصيل في حياتي اليومية إلى أكبر منعطفات حياتي خطورة ، دون أن أعرف ماذا يحمل ، وما حجم الملف ، وما طبيعة البرنامج ، ومتى سوف يتم تشغيله ، وكيف ستكون نتائجه على نظام تشغيلي ... كل ما أراه أنه يدور ، ويدور ، يحمّل ، ويحمّل ، ولن أعرف ما الذي يحمّله إلا بعد حدوثه !
    أعجبني هذا التشبيه والدمج الخيالي .. رائع فعلاً .. وصحيح كذلك !!

    نعم هي حياتنا محصورة بين عقارب ساعة ولنا أن نملأها بما نشاء فالعاقبة للتقوى ..
    جزاك الله خيراً على هذه الكلمات القيمة ..
    أشعر أنه ينبثق من داخلها أنين خفيّ للتحرك والعمل بما ينفع قبل الرحيل وإيقاف التحميل لملفات الحياة ..

    بوركت أناملك الرقيقة .. أتمنى لك وحياً من قلم يدوم طويلاً

  13. #13

    الصورة الرمزية ~*SoSo*~

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    215
    الــــدولــــــــة
    فلسطين
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

    $ ما شاء الله قلم مبدع بحق أخي .. لا يسعني القول أكثر مما قلت .. كم تلك العقارب تلدغ و تؤلم ؟ .. و

    تستحق أخي و بجدارة التثبيت و التميز .. حفظ الله لك قلمك المبدع و أمتعنا بما يكتب .. في انتظار المزيد

    من المواضيع الرائعة
    $

  14. #14

    الصورة الرمزية دمعة الشوق

    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المـشـــاركــات
    421
    الــــدولــــــــة
    سوريا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ● | رويــدكِ يـا عقـارب ~

    ربما الحياة أعمق من دقات ساعة
    وأقصر من ثانية تمر بلمح البصر
    ولكن ألم ثانية يوجد لا محال
    وسعادة ثانية تشع بجمال

    كانت أولى مشاركاتي هنا
    راق لي جدا ما كتبت
    سلمت يداك


    دمعة ..

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...