بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين وبعد

فمع الجزء الثالث من القضية التي بدئناها وهي مشكلة المراهقة والشباب وتوقفنا عند دور الاسرة في ذلك

* المودة و الحب أساس الحياة الأسرية السعيدة
بيت فيه مودة ، بيت فيه حب ، بيت فيه تسامح ، بيت فيه هدوء ، بيت فيه رعاية للأولاد ، أنا لا أتحدث عن المال إطلاقاً يكون أصغر بيت يقدر بستين متراً ، الأثاث متواضع جداً ، الأكل متواضع جداً ، لكن فيه حب ، وهناك بيت أربعمئة متر والعداوة والبغضاء لا يحتمل ، فأنا أتمنى بيت فيه جنة ، و يجب أن يكون البيت جنة ، وبيدك أن تفعل هذا .
هناك دائماً تصورات غير صحيحة ، أنه بعد فترة تصبح الحياة مألوفة جداً بل مملة ، لا ، يمكن أن تكون الحياة في البيت فيها الحب ، وفيها الود ، وبتنامٍ مستمر ، الحب تصنعه أنت ، بيدك أن يكون الحب في بيتك مستمراً .
والله أجمل جلسة يجلسها الأب والأم مع أولادهم ، في مداعبة ، في طرفة لطيفة ، في تعليق لطيف ، في سؤال عن دراسته ، في أطرف شيء اليوم سمعه بالمدرسة ، فالمشكلة أن الشاشة ألغت الأب ، ألغت الأم ، ألغت الأسرة ، الوضع بالبيت لا يرضي أبداً ، أما حينما يكون البيت فيه انضباط ، فيه لقاء ، فهو بيت رائع .
الحوار مع الأولاد ، أكثر الآباء يعطي أوامر ، ويسب ، ويذم ، آباء محترمون ، لهم مكانة اجتماعية ، ببيته فقط أوامر ، وقمع ، وأنت حمار ، وأنت لا تفهم ، ما هذا الكلام ! ما هذا البيت ؟ بيت فيه ود ، فيه حب ، هذا البيت ينشأ الطفل عنده حاجات عاطفية رويت في هذا البيت .
درسنا بالجامعة أنه حتى الأم حينما ترضع ابنها بقسوة ، تسمم خلصني ، ينشأ ابنها قاسياً ، الابن بحاجة إلى حب

* البيت المنضبط بيت شبيه بالجنة

الحاضنة ، فيها ثقبان ، لأنّ هذا الطفل الصغير بحاجة إلى أن توضع عليه يد ، وأن تمس جلده ، فتح ثقبين حتى الممرضة تمس الطفل ، فالطفل آكل ، شارب ، نائم ، لابس ، لا يكفي ، يحتاج إلى من يحضنه ، يحتاج من يقبله ، يحتاج من يحمله ، يحتاج من يداعبه ، يحتاج من يمشي على أربعة ويركب ابنه فوقه .
هكذا النبي فعل ، سيد الخلق وحبيب الحق ، أثناء الصلاة تأخر في السجود كثيراً ظنوه قد مات ، شخص رفع رأسه وجد الحسن فوقه ، فقال النبي الكريم : كرهت أن أعجله .
عندك إمكان أن تكون هكذا في البيت ؟ إن كنت هكذا لم يعد هناك مراهقة ، يلتغى الموضوع كله ، أما المواضيع المستوردة الهجينة ليست من أخلاق المسلمين ، شاب عندما أنت علمته يا بني هذه الشهوات لا يوجد حرمان بالإسلام كل شيء له وقت ، عندما يعرف أنه لا يوجد حرمان ، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، مستحيل أن ينتهي ، اطمأن .
هناك غض بصر ، والبيت منضبط ، ليس هناك ثمانمئة محطة بالصحن ، أربعمئة إباحية ، الابن منضبط ، والأب منضبط ، والبيت فيه تدين ، فيه صلاة ، ما في مراهقة ، هذا إيماني وأنا لا أبالغ ، وأنا لست حالماً ، هناك أسر كثيرة هكذا .
والله هناك أسر سمعت عنها الاستيقاظ قبل الفجر بساعة ، يصلون قيام الليل ، يقرؤون القرآن ، يصلون الفجر ، ويجلس الطالب على دروسه ، والأم تهيئ الطعام والشراب وينطلقون إلى أعمالهم ، هناك انضباط عجيب بالبيت ، الأب قائد ناجح ، والأم صالحة جداً البيت يصبح جنة ، ما الذي يمنع أن تكون بيوتنا كلها جنات ، بيدنا والله ، والدخل ليس له علاقة ، البيت صغير ، والدخل قليل ، والأكل خشن ، فيه حب ، الحب يغني عن كل شيء .


* الالتفاف والانفضاض

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ .

( سورة آل عمران الآية : 159 ) .
هي معادلة رياضية الاتصال بالله الحقيقي ، إنسان مستقيم ، له اتصال يشتق من الله الرحمة ، هذه الرحمة تنعكس ليناً ، هذا اللين يسبب التفاف الناس حولك ، مدير جامعة ، مدير مستشفى ، قائد ، وزير ، مدير مدرسة ، أب ، أم ، معلم ، أي منصب قيادي إذا كنت متصلاً بالله امتلأ القلب رحمة ، وانعكست الرحمة ليناً ، اللين سبب التفاف الناس حوله .
الآن : ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾ ، لو كنت منقطعاً عن الله امتلأ القلب قسوة ، والقسوة انعكست غلظة ، والغلظة سببت انفضاضاً ، هذا القانون ينطبق على الآباء ، والأمهات ، والأبناء ، وعلى المعلمين ، والمدرسين ، وعلى أي منصب قيادي ، لك اتصال بالله ؟ تشعر برحمة ، الرحمة تنقلب إلى لين ، اللين يسبب التفافاً ، فأنت بين الالتفاف والانفضاض

* العمل عبادة

لا يوجد ابن إلا ويرى والده محباً له ، مهتماً بمستقبله ، حريصاً على نجاحه ، حريصاً على مستقبله
الإنسان عبد الإحسان .
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها )) .
[حديث قدسي رواه البيهقي عن عمير بن وهب]
هذا الكلام يسوق إلى فكرة ليس لها علاقة بالموضوع ، العمل عبادة ، الشاب عندما يتقن عمله يكون دخله معقولاً ، يغطي حاجات أولاده ، حاجات زوجته ، ماذا قال الصحابي الجليل ؟ حبذا المال ، أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي ، أما أب مهمل لعمله ، إهماله شديد ، لا يحب المال ، ليس معه مال ، بابا أريد كومبيوتر ، ما معي ، ما معي ، ما معي ، ما معي ، مل من أبيه ، له صديق منحرف غني التصق به ، طبعاً أطعمه طعاماً طيباً ، وأخذه نزهات ، لكن علمه عادات سيئة جداً .
فلما الأب يتقن عمله ، ويسعى إلى رزق حلال ينفق على عياله ، كأنه في عبادة .
أقول مرة ثانية : حرفتك ، أو مهنتك ، المهنة خدمة الزوجة ، كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله ، نحن عندنا خطأ شائع ، يقول مثلاً : الطبيب الإخصائي أي يخصي ، يقول لك هذا الإنسان محترم ، من الحرمان ، يقول : فلان مولع ، أي ثور أحمر ، عندنا أخطاء شائعة كثيرة جداً .
فالإنسان حينما يتقن عمله ويؤمن حاجات أولاده أصبح العمل عبادة ، بمعنى حرفتك التي تحترفها ، إذا كانت في الأصل مشروعة ، وسلكت بها الطرق المشروعة ، وابتغيت منها كفاية نفسك ، وأهلك ، وخدمة الآخرين ، ولم تشغلك لا عن عبادة ، و لاعن عمل صالح ، انقلبت إلى عبادة ، ما قولك أن كل واحد منا حرفته عبادة ، إذا أتقنها ، وخدم بها المجتمع ، وساهم في بناء أمته ، وكسب المال ، وأنفقه على عياله ، الإنفاق على العيال صدقة من أعلى أنواع الصدقة ، وأن تضع اللقمة في فم زوجتك ، هي لك صدقة ، في بعض الأحاديث يراها يوم القيامة كجبل أحد .


والى لقاءٍ أخر مع الجزء الرابع والسلام عليكم ورحمة الله