{{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 10 من 10
  1. #1

    الصورة الرمزية صائد المكافآت

    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المـشـــاركــات
    251
    الــــدولــــــــة
    الكويت
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Thumbs up {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أعضاء مسومس الكرام’
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته’
    حاولتُ سابقاً أن أعرض هذا الموضوع " class="inlineimg" /> لكنني لم أنجح >> ما أعرف السبب!!
    و على كل حال دعونا من الماضي و لنتابع القصة، و لكن قبل هذا لابد من توضيح بعض الأمور:

    أولا: القصة بالكامل من تأليفي؛ لذا يمنع نقلها تقديراً للمجهود.
    ثانياً: معلومات عن القصة:-
    1- النوع/ خيال(طفرات).
    2- زمن الأحداث/ تبدأ الأحداث في أواخر عام 2009م.
    3- مكان الأحداث/ في بعض الدول العربية!
    4- التتابع/ القصة عبارة عن سلسلة!

    و أقدم هنا جزءاً من العدد الاول -علماً بأنني كتبتُ عدة أعداد- لكن لابد من ان أتأكد من كونها ستلقى قبولاً أم لا.

    و الآن، أترككم مع القصة..........


    بداية ألفا (1)



    رن الهاتف في الرابعة فجراً ليشق حاجز الصمت الذي غلف ذاك الحي اللبناني الراقي ، جاء صادراً من أفخم منازل الحي - منزل السيد / فاروق . استيقظ صاحب الهاتف أخيراً بعد معركةٍ بين الرنين و النعاس دامت بضع دقائق ، و كان الفائز هو الرنين بالطبع ، بعد أن التقط الشاب هاتفه و أجاب ، جاءه الصوت من الجهة الأخرى صارخاً :
    - أيها النائم الشره ! ما الذي تفعله ؟؟ الهاتف يرن منذ 10 دقائق و أنت لم تستيقظ بعد!! أيها الـ..... إن زميليكَ هنا منذ نصف ساعة.
    - لست المذنب، هل تعرف فرق التوقيت بين دبي و لبنان ؟ أنا شخصياً لا أعرف، لكنني أؤكد لك أنها الرابعة فجراً هنا .
    - الرابعة فجراً ؟؟! أ..أياً يكن فقط تعالَ فوراً أمامك 20 دقيقة فقط.
    - و جاء ذاك الصوت السخيف : ”تيت..تيت..تيت..
    - أغلق الهاتف حانقاً ، و نهض إلى دورة المياه ، غسل وجهه ، و فرش أسنانه... إلخ..
    - وقف امام المرآة يمشط شعره فرأى نفسه ، رأى فتًى في السادسة عشرة ، حاد النظرات ، عريض المنكبين، قوي البنية ، أسود الشعر بني العينين ، يبدو أطول قليلاً من عمره، و أقوى بالتأكيد . التقط هاتفه و مفتاح سيارته و رخصة قيادته الخاصة -نعرف لاحقاً كيف حصل عليها- و هم بالخروج من منزله بعد ان نزل من غرفته بالطابق العلوي و ما إن لامست يده قبضة الباب الباردة ، حتى فاجأه صوت السيد / فاروق الحائر من خلفه قائلاً :
    - - مازن! ماذا هناك ؟ الوقت مبكر جداً على الخروج . إلى أين أنتَ ذاهب ؟
    - صباح النور ، أبي ! أنا بخير ، ماذا عنكَ ؟ هل كان نومك هادئا؟ لمَ استيقظت مبكراً هكذا ؟
    - مازن ! كفى مزاحاً .. أجبني حالاً .
    - أنا ذاهب إلى ألفا يا أبتاه ، اتصل بي المدير منذ حوالي.. - و نظر في ساعة يده -.. ثمان دقائق، و قبل أن تسأل لمَ أنا بالذات، أخبرك أن سياف و درادران استُدعيا، مثلي تماماً .
    - بني .. يسرني أنك تبذل جهداً صادقاً لتثبت ذاتك ، لكن .. لا تضغط على نفسك كثيراً.
    - أ..أبي ، اطمئن أنا مازن ، ابنكَ و ابن المقاتلة / ليلى.
    ران صمت ثقيل على الصالة الواسعة، و التقتْ العينان –عين أب حنونة نافذة إلى أعماق ابنه الفتيّ ، و عين ابن واثق يُعرف ثباته من أول نظرة ، و طبعاً لم تكن أول مرةٍ يرى الأب عيني ابنه . إنها إحدى اللحظات القليلة
    التي تضطرب فيها المشاعر، لكنها انتهت أخيراً – لحسن الحظ- بأن أغمض السيد / فاروق عينيه كمن يقول : <لا بأس ، في أمان الله> هنا انطلق مازن إلى موقف سيارته و لم تغادر ابتسامته فغره ، أسعده حقاً اهتمام والده !!
    طبعاً لن يصل الشاب إلى دبي من لبنان بالسيارة خلال عشرين دقيقة - صارت عشراً فقط - ، لقد اتجه إلى المطار الدولي ، فالحي يقع قريباً منه لقد وصل في غضون خمس دقائق تقريباً – إن تغاضينا عن تخطي إشارتين و تعدي حد السرعة الأقصى!! – المهم أنه قد صار أمام مكتب الاستقبال فاتجه إلى موظف شاب فقدم إليه بطاقةً لامعة ذات لون أزرق على الحواف ، تفحّصه الموظف للحظة ثم التقط البطاقة و مررها في جهازٍ –كالذي يُستخدم لتفعيل بطاقات الائتمان- فأضاءت شاشة الجهاز بلون أخضر ، عندها ابتسم الموظف و ضغط بعض أزرارٍ أمامه على لوحة المفاتيح ، ثم أعطى البطاقة لمازن ، و اشار بيده إلى بوابة حملت الرقم (6)، فاتجه إليها الشاب و هو يعيد بطاقته إلى جيبه،
    و حين دخل اصطفت عدة مروحيات أدرك من أحجامها أنها خاصة ، فسار بينها قليلاً حتى وصل إلى مروحية حملت شعار ألفا فأخرج بطاقته مجدداً –هذا ممل حقاً- و قدمها لرجل يرتدي ملابس رسمية يفترض به أن يكون مضيفاً في الطائرة لكن ملامحه الجامدة لم توحِ بذلك أبداً ، المهم أن الرجل المتصلب مرر البطاقة في جهاز مماثل فأضاء و .. الخ . بعد أن استعاد البطاقة جلس على أحد الكراسي القليلة ، و ما إن همّ المضيف بإغلاق باب المروحية حتى صرخ اثنان من خارج الطائرة :
    - لا تغلقه انتظر .. انتظر أرجوك .
    تطلّع المضيف إلى خارج الطائرة العمودية فوجد شابين يركضان إلى المركبة كمَن يفرّ من التتار ، دقق النظر قليلاً ثم شهق بصوتٍ عالٍ إذْ رأى مخلوقاً يقفز كما الوحوش إلى داخل المروحية و آخراً يزحف على بابها متسللاً إلى داخلها !!
    كان الضوء خافتاً فلم يتبين المضيف شيئاً سوى أن كائنات غريبة دخلت المروحية ، لكن شيئاً فشيئاً كشف نور المصباح الكهربائي عن وجه الدخيلَين ، فإذا بالأول مكتسٍ بشعرٍ رمادي أشبه بالفراء و له وجه عجيب ، إذْ أنّ مقدمة محياه -غير المحبب طبعاً- كانت بارزة إلى الخارج ، كما.. كما الكلاب!!
    أما الثاني فلما استقام واقفاً بدا متموجاً – حقيقةً ،لمْ يبد كذلك.. كان متموجاً فعلاً!!
    لم يحرك مازن ساكناً بل ظل في مقعده عدا أن ابتسامةً خفية ارتسمت على وجهه وهو يتصور حقيقة الأمر. هنا.. قال ذو الوجه البارز :
    - سميث .. أين التصريح السخيف؟ أين؟؟
    فأجابه المخلوق المموج في نفاد صبر و لهجة منشغل بصفقة سلاحٍ ممنوع :
    - أنا أبحث في جيبي.. ابحثْ في الجيب الآخر.
    - أيها الزاحف !! أتعرف ما سيحصل لنا إن لم تجده .. سنخسر كل شيء لن نجد قوت يومنا، سيلقي بنا ذلك العجوز في الشارع كالكلاب..
    أخيراً نطق مازن قائلاً :
    - لا تلقب المدير بالعجوز يا هانز ، و أنتَ يا سميث كف عن البحث ، التصريح ليس في جيبك أصلاً ، إنه في جيب ذلك الذئب هانز، في الجيب الأيسر على الأرجح .
    هتف المموج –الذي يدعى سميث- :
    - مازن!! أنتَ هنا .. كم هذا رائع ..ترى ما الذي جاء بالبيتا شخصياً إلى المروحية ؟
    - من الطبيعي أن آتي هنا ، فأنا ثاني نخبة ألفا..
    إنه يغلي .. يفور .. يثور كبركان غاضب .. فعلاً نفد صبره.. لم يعد المضيـف يحتمل أكثر، لقد صرخ في الشبان الثلاثة بأقبح لهجةٍ يتكلم مضيف طائرةٍ محترم بها :
    - أيها المراهقون الوقحون الـ.....، أيها الـ.....و الـ...... لقد تأخرنا عن موعد الإقلاع –و التفتَ إلى هانز و سميث- أما أنتما .. ألم أحذركما مراراً من دخول هذه المروحية بلا تصريح ؟ سأقدم فيكما شكوى جادة، الآن تعملان مقاتلين و غداً منظفَي مداخن.....
    مال هانز على أذن سميث هامساً:
    - أي مضيف هذا؟؟ ألفاظي أفضل منه ..
    - صحيح .. إنه لا يعرف كيف يهين ،هه .. خريجي مدارس!!
    بعد المزيد من السباب و الإهانات مد هانز يده في جيبه الأيسر – كما أخبره مازن- فوجد التصريح –الذي أضعنا صفحتين من أجله- و قدمه للمضيف المجنون ، و ما إن تحقق الأخير من أنه ليس مزوراً –على عكس المرات السابقة- سمح لهما بالجلوس ، فقال سميث لمازن :
    - كيف عرفت أن الورقة في جيب هانز ؟؟
    - لأنكما فريق ثنائي، و هانز هو قائد فريقكما المنكوب ، و من الطبيعي أن تسلم الأوراق الرسمية للقائد ، وبما أن هانز أعسر فمن الطبيعي أن يضع التصريح في جيبه الأيسر.
    رمق سميث صديقه النبيه هانز بنظرة جانبية نارية و لسان حاله يقول :
    - قادة آخر زمن ، لكن ماذا يمكن أن أنتظر من ذئب...
    أثناء فترة تبادل النظرات الجانبية النارية < ثعبان عديم الفائدة > .. < ذئب مهمل >..< زاحف متطلب >- في تلك الأثناء، كان المضيف قد أحضر بعض العصير- الذي بدا كأنه معد من مزيج الكراهية و الحنق- ، لكنه ركز نظره على مازن ، الذي بدوره تطلّع إليه و هو يسند ظهره إلى الكرسي قائلاً:
    - ماذا هناك؟ ألم ترَ مقاتلاً من ألفا من قبل ؟؟
    - بالطبع رأيتُ ،أنا مضيف هذه الطائرة كما ترى، الامر أن...آه .. لا شيء تابع مراقبة الطفلين/ أقصد المزعجـ.. الراكبَين الآخرين
    - لا تبدو كمن يعني ”لاشيء“ إن كنت تريد أن تسأل عن شيء ما فاسألْ الآن لأنني لا ألح على أحدٍ أبداً..
    - ح..حسناً ، كيف يحمل مراهق طائش مثلك مثل تلك البطاقة؟؟ أنت صغير جداً على أن تكون ثاني افضل مقاتل في ألفا، هناك متحولين يكبرونك بعقود و لم يصلوا إلى هذا المنصب ..
    - - أليس كلامك هذا منافياً لمبدأ ألفا ؟ القانون الأساسي هناك أن براعتك و طبيعة تحولك هي التي تحدد مهنتك، و كل متحول يستطيع أن يطور و يحسن من حالته دائماً . ألستُ محقاً؟؟
    - بلى، أنتَ محق.. لكن..لكنني كمتحول أمتلك القدرة على كشف سواد القلب ، أعني سوء ما يضمره الناس . و هاأنذا.. مضيف هاته المروحية – و راح يقلب بصره في أرجائها-.
    - إذاً أنتَ قادر على الشعور بمحاولات التفجير مثلاً..
    - صحيح ،لكن حتى الآن فإن أسوأ نية شر شعرت بها هي نية ذلك الذئب خلفك باستعارة سيارتك !!
    - ( و لاحت في عيني مازن شرارة كالبرق لو أنها تؤلم لصار هانز دجاجة مشوية) مادام عملك لا يروقك.. لماذا لا تبحث عن عميل بديل؟
    - العمل البديل الممكن هو أن أكون حارساً أمنياً ، المشكلة أن سوء النوايا هذا كالسكين يغرز في قلبي و يؤلمني ( و أمسك المضيف المتباكي بعنق قميصه المكوي على نحوٍ درامي ).
    - إذاً ...... كفى شكوى يا حضرة المضيف..
    جزّ مازن أسنانه مستشيطاً و هو يسمع هذين الجاهلَين ، و صاح فيهما :
    - لقد أخذنا فصلاً كاملاً عن وقود الجمان لمدة أسبوعين و أنهينا دراسته قبل ثلاثة أيام ، كيف لا تعرفان ما هو الصهير و التريتيوم، الأطفال علماء محنكون مقارنة بكما !!
    مطّ هانز شفتيه في لامبالاة – كمن سمع هذا الكلام من قبل - ، و رد قائلاً :
    - مازن .. من فضلك لا تأخذ فكرة كهذه عنّا، أنا لا أذكر شيئاً عن جدول الحصص لليوم و تريدني أن أتذكر شيئاً علمياً من المدرسة أخذته قبل أكثر من ساعتين... نحن أصدقاء منذ ثلاثة أعوام و لازلت لا تعرفني ... خاب أملي فيك!! ( و راح يهز رأسه يمنة و يسرة مغمض العينين) . فأكمل سميث :
    - أنا ثعبان لا أجيد شيئاً سوى أن أكون طبيباً ، أما الصفير.. أقصد الصهير هذا فلا أعرف عنه شيئاً .. على كل حال أفضل أن أكون طبيباً على أن أصير مهندساً ميكانيكياً . همس هانز لصديقه مصححاً :
    - أعتقد أن الصهير ذاك يختص بعلم الأحياء !!
    لحسن الحظ انفتح الباب قبل أن ينقض مازن على رقبة الجاهلين ، و طبعاً تسابقا على الباب، المهم أن المضيف استوقف مازن واضعاً يده على كتفه و قال له متسائلاً :
    - أيها الشاب .. أنتَ تعرف طبيعة تحولي الآن فلمَ لا تخبرني بشأن خاصتك؟
    - أنا .. عين ألفا .. أبرع من حمل سلاحاً ، و أقوى من الماموث !
    - ( بُكِمَ المضيف للحظة مشدوهاً ) لـ... لكن هذا يعني أنك تمتلك قدرتين في آن واحد ، هذا ليس شائعاً..ليس شائعاً على الإطلاق ..
    قفز مازن من المروحية و حالما وطأ الأرض ، نظر إلى المضيف خلفه رافعاً يده كمن يشير إلى اللامكان و هو يقول :
    - لهذا أنا البيتا ...
    ثم سار عبر المهبط في اتجاه البوابة السادسة تاركاً المضيف ينظر إليه في استغراب و هدير شفرات المروحية لازال يزمجر كأنما لم ترضه مثل هذه الإجابة المقتضبة...
    دعونا نبعد الكاميرا قليلاً عن المهبط و نلقي نظرة أكثر شمولية، ما هذا ؟؟ إننا مرتفعـــون ، إننا نقف على أرض مهبط المروحيات في أعلى فندق برج العرب بدبي، ترى كم مر من المهلة المحددة لمازن؟ عجباً لأمركم! و منذ متى الأمر يهم؟! على كل حال لقد مرت العشرون دقيقة كاملةً بينما البيتا لازال يضغط أزرار المصعد و بالأخص زر الطابق السادس عشر، و معه اثنان مزعجان لازالا يتناقشان بشأن ماهية الصفير أقصد الصهير.
    وصل ثلاثتهم إلـــى الطابق الســــادس عشر حـــيث الرواق الطويل الذي تناثرت على جانبيه العديد من الأبواب كما كان هناك بعض الأشخــــاص: خمسة صبية يبدون في سن العاشرة أو الثانيـــــة عشرة ، كانوا يحملون حقائب مدرسية و من خلفهم رجلان في العقد الثالث على الأرجح بدا كـــــــأن مهمتهما الوحيدة هي منع الأطفال من الشجار ، إذاً همـــــا معلمان - هذا أحد استنتاجاتي الذكية - كان الرجلان يقودان طلابهما إلى إحدى الــــغرف فما إن فتــــح الطالب الموجود في المقدمة باب الغرفة حــــــتى تراءى لمازن و رفيقيه قاعة هــــائلة توزعت فيها المقاعد و الطاولات كما الفصول المدرسية و كانت هناك ألواح كتابة عملاقة تتدلى من السقف بوضع مائل قليلاً يسمح للجالسين على المقاعد برؤية المكتوب ،و ما إن اتخذ الطلاب مجالسهم و خطا أول المعلمين إلى القاعة حتى تمــــددت قامته إلى مستوى الألواح و أمسك جســــماً غريباً مســـتدق الرأس كالقلم و اتجه إلى الجهة اليمنى من القاعة، و كذا حصل الأمر ذاته مع المعلم الآخر إلا أنـــه اتجه ناحية اليسار و راح يشرح لطلاب كانوا جالسين من البداية بضعة أمور و مصطلحات رنـــــانة كاد معها ”سميث“ أن يبكي من شدة جهله ،عــلى كل حال أحد عمال النظافة كان يكنس الأرضية و رأى ملامح النباهة الشديدة على وجه سميث فأغلق باب القاعة رأفة به و من ثَمَّ عاد لعمله إلا أن ”هانز“ لاحظ أنه لم يمسك المكــــنسة بل لامــــس عصاها بأنامله فكأن تلك الأصابع امتزجت بالعصا و راح يؤدي عمله في هدوء و تــــلقائية كأن الطبيعي أن ينظف المرء و كفه لا يظهر منها إلا المعصم!
    (*) العوام كلمة تطلق على البشر العاديين، كذلك يطلَق عليهم اسم: الطبيعيين.



    لم يبدِ ”مازن“ أو صديقيه أية دهشة مما رأوا فهُم يعلمون أن الطابق السادس عشر من هذا البرج مقر دائم لألفا و بالتحديد فرع ألفا العرب فهنا يــــجري تعليم المتحولين الجدد و تدريــــبهم على القتـــال و المهن المتاحة لهم أي أن كل متـــحول يتدرب على ما يناسب طبيعة تحوله هو كما أن إدارة الـــــــنقل الخاص و الإدارات الطبية و المـــــدنية و الأمنيــة الخاصة بالمتحولين في أرجاء الدول العربية كافة لديها قواعد و مكاتب مستقرة هنا على عكس المقار المؤقتة أو الصغيرة ، تســــألون كيـــــف يضم هذا الطابق وحده كل هذه الجهات و التي يجدر بها أن تشغل حيزاً ضخماً - لا ..لن أقول أن المكاتب و العاملين أقزام فنحن لسنا في مصنع بابا نويل ،الواقع أن هذا الطابق ممحي من التصميمات الهندسية للمبنى -بعد بنائه طبعاً- حتى المصعد الذي يستخدمه الجميع لا يوجد بين أزراره ما يوصل للطابق المنشود فالزر الذي ضغط عليه مازن يوجد أسفل كل الأزرار و هو مختفٍ لا يظهر إلا إذا تحسست دوائره الكهربائية - التي تظهر الركاب بصورة حرارية- ذلك الجين التحولي الذي يحمله كل متحول في جـــــسده الطافر، و بهذا الأسلوب الأمني الخاص لا يستطيع أي من العوام * أن يسير في هذا الطابق، أما عن تساؤلات بعض الزوار الفضوليين بشأن تتالي الزرين: زر الطابق الـ15 و زر الطابق الـ17 هكذا بلا فاصل فالحجة الـــــدائمة لــــدى المسئولين هي أن الطابق الـ16 يخضع للصيانة و لا داعي لأن يسأل شخص ما : لمَ لا يبحث المسئولين بجدية في الأمر؟ لأن رئيسهم متحول و كذلك المهندس الذي قام على المشروع منذ عدة سنوات!بالنسبة للحيز فقد حرص ذاك المهندس و مع المدير الأسبقللفرع على أن يشغل الطابق مساحة هائلة في الهواء، طبعاً على نحو خفي غير ملموس -فهذه هي قدرة المدير- و أما المهندس فقد عني هو بهذه (الشعلقة) بمهارته التحولية الخاصة فقد استخدم مواد بناء خاصة جعلته قادراعلى إبقاء الجزء الأكبر من الطابق بلا قواعد تحته بزيادة قوة أعمدة البناء ذاته ثمانمائة مرة فثبت الجزء الممتد من الطابق !! على كل لا أحد اليوم يفكر في مثل هذه الأمور، البناء موجود و كفى!!
    كما ذكرتُ لتوي فالمدير الذي ساهم في البناء هو ”الأسبق“ و بالتالي فهناك مدير آخر حالياً -أجل... هذا أحد استنتاجاتي الذكية- على كل حال فالثلاثة يتقدمون نحو غرفة مكتبه، سميث يسير خلف الاثنين الآخرين في توتر، هانز يتقدم مبتسماً في ثقة مدروسة لكنك لو نظرت جيداً لوجدته يكاد يخرج لسانه و يلهث هلعاً بينما ساقاه تتخبطان هلعاً أيضاً؛لأنه يعلم شيئاً، يعلم أنه سيخرج من هذه المهمة بعقوبة أو دورة تعليمية طويلة أو ربما أقسى قد تطلب منه غرامة ، إنه لا يتحمل فكرة إخراج قرش واحد من جيبه ،إنه يفضل أن يضربه مازن بقبضته الضروس على أن يضحي و لو بمليم واحد، بينما مازن يتقدم في ثبات حقيقي فلطالما عرف كنه هذه المهمات؛ يذهب هانز و سميث ليحميا مصرفاً مثلاً و يذهب هو ليحميهما !!
    ابتسم في سره و هو يتصور محاولات المدير لضمه - لضم مازن- إلى زميل آخر حتى يتشكل فريق ثنائي رسمي يستمر لعام أو على الأقل شهرين لكن
    - هيهات ...
    هكذا قال مازن بصوت مسموع فنظر إليه الشابان في استغراب ، لكن هانز هز كتفيه بلامبالاة و تابع التفكير في ماله الحبيب. دعونا من سيل الأفكار المعوق هذا خاصةً و قد طرق مازن الباب البني في آخر الرواق و أدار المقبض دالفاً إلى غرفة السيد/ رءوف كما دلّت اللافتة الفضية المثبتة على الباب بإتقان ، و في الداخل رأوا رجلاً في بدايات عقده الرابع كما يبدو، كان ذلك الشخص جالساً خلف المكتب ببذلته المكوية و بريق النظافة الذي يلتمع به مكتبه المصقول، كان هناك أربعة أشخاص آخرين في الداخل : شاب في السابعة عشرة يرتدي ملابس عادية فيما عدا الحزام العريض حول خصره الذي ثَبَّتَ فيه من الخلف ما يشبه السيف القصير إلا أنه كان عريضاً للغاية و كان موضوعاً بحيث تكون قبضته على يمين الشاب و الذي يعرف باسم ”سيّاف“ و هذا مجرد لقب فحسب، الشخص الآخر كان فتًى أيضاً في السادسة عشرة من عمره، و كان يبدو طبيعياً باستثناء ذلك الندب الذي يقطع عينه اليسرى من أعلى الحاجب و حتى ما بعد الجفن السفلي بقليل، و يلاحظ الحاضرين أن له ذيلاً يتموج يمنةً و يسرة من خلفه في حنق و اسمه درادران، كانت هناك فتاتان أيضاً الأولى تبدو أقوى و أصلب و الأخرى أقرب إلى الدلال و التأنق الأنثوي، و كلاهما في الرابعة أو الخامسة عشرة.كانوا جميعاً واقفين ماعدا المدير الذي حدج القادمين الثلاثة بنظرة وعيد و لم يلبث أن قال موجهاً كلامه لمازن :
    - أفترض أنك جئتَ معهما أيها البيتا/ مازن ؟
    فأجابه الأخير في ضيق و هو ينقل بصره إلى الواقفَيْن إلى جانبه :
    - الواقع أنهما هما اللذان جاءا معي على متن الطائرة.هل لي أن أعرف الآن ما سبب استدعائي في الرابعة صباحاً ؟
    شبّك المدير أصابعه أمامه مستنداً بمعصمه إلى سطح مكتبه و أجاب:
    - مازن.. لاحظ أنك التقيت بعضوي الفريق السابع عشر -هانز و سميث- ، و السبب أنني استدعيتهما في الثالثة من عصر أمس ، و بما أنني أريدكم جميعاً في نفس المهمة فقد استدعيتكَ في الوقت الذي اعتقدتُ أنهما سيأتيان فيه !!
    الآن ، يستطيع القارئ أن يتخيل البركان الذي ثار في نفس مازن و هو يخترق قلبي هانز و سميث بنظراته و لو استطاع لاخترقهما بطلقات مسدسه الأسود ، و كاد يطلق للسانه العنان لولا أن قال السيد/ رءوف في حزم:

    (*) "ميرا" هي الفتاة الصلبة، و "رشا" هي الفتاة المدللة و هي شقيقة مازن تصغره بعامين، و قد وصلت قبله إلى المكتب لأنها كانت تقيم في السكن الطلابي قريباً من البرج.

    -


    هذه المهمة تتطلب جهوداً مشتركة بين أعضاء النخبة الثلاثة ( سياف، مازن و درادران )،و بين أعضاء الفريقين السابع عشر (هانز و سميث) و الرابع عشر (ميرا و رشا)*، أولاً: الفريق السابع عشر: مهمتكما في الكويت و تقتضي إيجاد فتاة متحولة تتدرب في أحد أندية التايكوندو بمنطقة السالمية بمحافظة حولي،ستعرفانها من علامة مميزة حول يدها اليمنى،شكلها عبارة عن نصف نجم و حوله من اليسار نصفا دائرة .. (كشف هانز معصمه الأيسر فإذا الشكل ذاته، تطلع إلى المدير بنظرة متسائلة فأكمل المدير..) أظنك تدرك الآن هانز أن مهمة فريقك هي البحث عن أختك من الرضاعة، أنتَ تعلم أن والدتك قادرة بتحولها على تنشيط جين التحول السامي بأجساد الرضع حين يسقون من لبنه و كانت تميزهم عندما يكبرون بتلك العلامات الثابتة التي ترسمها على جباههم أو أكتافهم، و قد سألناها بشأن تلك المتحولة التي رصدت أجهزتنا وجود جين التحول السامي ذاته عندها، و قد أجابتنا السيدة الفاضلة بأنها قد حرصت منذ سنوات على أن يكون لديك أخت شرعية من الرضاعة. و كاختبار لكما؛ فعليكما أن تتوصلا للنادي بنفسيكما.
    الفريق الرابع عشر: مهمتكما سهلة ، جدا الفتاة ذاتها لكن في مدرستها الحالية ، و هي مدرسة للعوام، حاولا إقناعها بالانضمام إلى طلبة ألفا، اسم المدرسة هو ”مدرسة النهضة للمرحلتين المتوسطة و الثانوية - للبنات“ ، لاحظا أنها مدرسة للعوام، لذا... ( و بسط السيد / رءوف راحتيه على سطح مكتبه و نهض و شد قامته ثم أتبع في صرامة موجهاً كلامه لميرا دون غيرها..) .. إياكم ثم إياكم أن تتسببوا في مشاكل مع العوام.
    فريق النخبة الأوّل : ”سياف“، درادران.. مطلوب منكما أن تقوما بحماية عالمة إلكترونيات إزاء تعرضها لعدد من محاولات القتل و الترهيب بعد رفضها أن تعطي التصاميم التي ابتكرتها للشركات التي أرادت شراء تلك التصاميم التي تخص أكثر إنسان آلى تطوراً.
    و بصوت هادئ رصين -كعادته- تساءل ”سياف“ :
    - سيدي المدير، إن أموراً كهذه تتكرر كثيراً في مجال العلم بين العوام. لماذا نقدم الحماية لها؟
    - ”سياف“، إن المهاجمين الذين اُستخدموا لإرهابها متحولين، أنتَ تذكر قاعدة ألفا التي تسري على جميع الفروع في مختلف أنحاء العالم : ”مهمة ألفا هي حماية المتحولين من البشر و حماية البشر من المتحولين“ .
    ألقى ”درادران“ بنفسه فوق أحد المقاعد المواجهة لمكتب المدير و قال بصوت ناعس:
    - مهمات الحماية عادةً يتم إسنادها إلى الفريق الثامن أو السابع أو السادس ، لماذا تكلفنا بها و نحن فريق النخبة، ”سياف“ هو جاما* ..لابد أن هناك مهمات أخرى تستحق تدخله.
    عاد المدير إلى مقعده و قد استعاد وقاره المعهود، ثم قال بلهجةٍ توضيحية :
    - تلك الفرق تقوم بمهمات عاجلة الآن، و الطــــلاب الذين يعلونهم في الترتيب لديهم أعمال و تدريبات و إجازات مرضية بسبب الزكام المزعوم..و رغم أنه مزعوم فأنا أريدك أن تقوم بأى مــــــهمة مـــع ”سياف“ فهذا يخرجكما من حالة الركـــــــود التي أصابتكما هذه الفترة إثر إسناد أكثر المهام للفرق الأخرى.
    ها قد أسند ظهره إلى مقعده مجدداً و عاد يتحدث بلهجةٍ صارمة حازمة:
    - فريق النخبة الأول، هذا إذن ببدء المهمة. المعلومات التي تحتاجانها ستجدانها في هذا الملف (و أزاح واحداً في اتجاه ”سياف“ فالتقطه الأخير). الآن، هذا إذن ببدء المهمة، استقلا المروحية التابعة لمقرنا، إنها موجودة على السطح، ستقلع بكما بعد 15 دقيقة. انصراف.
    خرج ”سياف“ و لحق به درادران، حينها التفتَ المدير إلى هانز و راح ينقل بصره بينه و بين ميرا قائلاً:
    - لتلك الفتاة باع في عالم المتحولين خاصة في مجال صيد المكافآت التي تعرضها ألفا على رءوس المجرمين ،و أنا لا أتحدث عن مكافآت فرعنا العربي وحده بل أتحدث عن مكافآت جميع مقار ألفا.. عالمياً . أيها الطلاب، هذا إذن ببدء المهمة، استقلا ذات المروحية .انصراف.


    (*) الجاما في المقر الألفي هو أفضل مقاتليه و أبرع طلابه؛ أي أنه نخبة النخبة، و البتا هم النخبة جميعاً، و هم ثلاثة في ألفا العرب: "سياف" و هو الأبرع، يليه "مازن" فـ"درادران".




    و هكذا، سارت مجموعتنا الصغيرة في الرواق، و كل منهم يحمل في عقله خواطر مختلفة، سميث يتمنى أن يكون الأمر سهلاً، رشا تأمل أن تكون تلك المتحولة الجديدة أرقى إحساساً بالأناقة من ميرا،و تلك تتمنى أن تجد الفرصة لإثبات قوتها أمام المستجدة بعد أن سمعت كلمة ”عالمياً“ لكنها تخشى أن تتسبب في المشاكل بين العوام فتتلقى عقاباً قاسياً كدأبها، أما هانز فكان خائفاً، قلقاً متوتراً يخشى أن يجد أخته الصغيرة أقوى منه هو الذي لميكن له باع في شيء سوى السيارات، إنه رئيس قسم صيانة المركبات في ألفا العرب..لكن هذا لا يكفي ليكون أفضل من أخته الشهيرة تلك. يا له من شعور حارق، أن تخشى من أختك و أنت لم تقابلها من قبل قط.. نفض الجميع خواطرهم تلك عن رؤوسهم و هم يبتاعون أكواب الكاكاو الساخن من مقهى قريب من بوابة مهبط المروحيات أعلى البرج. نعود الآن إلى غرفة المدير الجالس خلف مكتبه و أمامه يقف مازن في ثقة و على وجهه شبح ابتسامة ساخرة، فقطب المدير حاجبيه و قال بعد تنهيدة قصيرة:
    - مازن، أنتَ تعرف لم استدعيتك، أليس كذلك؟؟
    - لقد قلتَ أن المهام مترابطة، لكنني لا أجد لنفسي عملاً في كل هذا..
    - أنتَ الوحيد بين طلابي الذي لم أستطع أن أضمه إلى فريق دائم حتى الآن، و كلما تخرج طالب جديد و صار من المقاتلين، رفض أن يكون معك في نفس فريقك، أتدري لماذا؟
    - في الواقع، (تغيرت لهجته عند هذه النقطة و صار صوته يحمل نبرة استهتار و شماتة واضحين) .. لا أدري. ماذا عنك، سيدي؟
    - مازن، لقد أجريتَ ذلك الاختبار النفسي الذي أثبت أنك تعاني حالة من سرعة الانفعال و شدة الغضب التي تجعلك غير قادر على التمييز بين العدو و الصديق، و لولا تدخل ”سياف“ بالقوة ذلك اليوم لفتكتَ بالطبيب النفسي ..و بعد هذا الحادث التعس أعلنتَ نتيجة الاختبار و أرهبتَ كل الطلاب.. لم يعد هناك من يجرؤ على الانضمام إلى بيتا مثلك من يومها.. أحقاً لا تدري لم يرفض الجميع أن ينضم إليكَ؟؟
    أسبل مازن جفنيه للحظة و ابتسم في ظفر،ثم فتح عينيه قائلاً :
    - سيدي المدير، لقد حدث ما حــــدث، المـــهم أنني لن أنضم إلى غر طري مهما يكن، إن كنــــت تريد أن تضم طالباً إلىّ فــــلابد أن يــــــكون بالمستوى المطلوب، إما أن يستحق ذلك المستجد أن يكون في فريق البيتا و إما أن يعود إلى بيت أمه باحتــرامه، حضرة المدير..أنتَ تعرف أن حالة الغضــب التي تعتريني أحياناً ليست ملفقة، و لقد تمـــــــادى ذاك الطبيب يومها حين سألني عن مشاعري تجاه أمي إلى آخر هذا الهراء..
    نهض السيد/ رءوف عن مقعده و عقد كفيه خلف ظهره و راح يتحرك في دوائر حول مازن معلقاً بصره بالأرض أمام قدميه و أخيراً، عندما صار خلف البيتا -مازن- رفع عينيه إلى السقف و قال بهدوء:
    - لا بأس أيها البيتا..أنتَ تريد شخصاً قوياً يستطيع أن يدرأ عن نفسه و عن الآخرين خطر غضبك..ماذا لو وجدته لك؟
    قال عبارته الأخيرة و هو ينظر لمازن منتظراً ردة فعله التي جاءت كما توقع، لقد سرت انتفاضة خفيفة في جسد الأخير و التفتَ بحركة حــــادة إلى مديره و قال بصوت متوتر بعد أن تلاشت نـــــبرة الاستهتار إياها:
    - مَن؟ مَن هو؟ على كل حال، ما إن يمر يومان حتى يذهب ذلك المزعج، و تعودُ لمحاولاتكَ في تشكيل فريق جديد..
    - مازن..أين ذهبت ثقتك بنفسك؟ لقد قلت ”لو“ لا أكثر و لا أقل .
    هنا ازدرد البيتا لعابه قلقاً؛ إنها أول مرة يبـــدو المدير واثقاً و ثابتاً منذ سبع محاولات ســــــابقة، السيد/ رءوف لا يمزح هذه المرة..أيعقل أنه وجد شخصاً مناسباً ؟لا...مستحيل أن يوجد طالب في ألفا يستطيع أن يتحمل قسوة مازن و تعنته ،و لكن ماذا لو كان صحيحاً؟؟ لا يهم ،حينها سيتحتم عليه أن يتظاهر بنوبة غضب شديدة ليخيف المستجد و يصيبه ببعض الأضرار، بعض اللكمات هنا و أخرى هناك ثم ينكمش الزميل و يركض مولولاً، أجل..هذا ما سيحدث..و لكن..
    <<مازن، ما الأمر؟ >>
    انتشلته عبارة المدير من بحر خواطره، لكنه كان قد استعاد ثباته فأجاب بثقة :
    - لاشيء، على كل حال..ما مهمتي سيدي؟
    مطّ المدير شفتيه في ضيق لمّا رأى أن مازن لم يتأثر بقصة الزميل الجديد تلك ، فأتبع في خيبة أمل:
    - أظن أنّك سمعتَ عن رعد ، مصادرنا تؤكد أنها في الكويت، لا يبدو أنها هناك لتثير المشاكل، لكن اذهب لترى ما الأمر نخشى أن يكون شقيقها القرصان ينتوي شيئاً، و هو لا يرسو بعيداً عنها في العادة ،إنه قوي كما تعلم؛ لذا أريدك أن تطمئن إلى الأوضاع هناك، فريق عصام -الذي يلي في ترتيبه النخبة- لديه مهمة في الجزائر حالياً، و لا يوجد غيرك لإرساله.بالمناسبة تنتهي مهمتك أنتَ و باقي النخبة عندما أرسل إليكم بهذا .أخبر صديقيكَ بهذا، تستطيع أن تستقل المروحية ذاتها و أريدك أن تشرف على مهمة الفريقين الآخرين في الوقت ذاته.. هذا إذن ببدء المهمة.انصراف.
    غادر مازن غرفة السيد/ رءوف و هو يتساءل في سره عن الزميل الجديد، و عن سر ثقة المدير و طبعاً عن سبب إسناد مهمة كهذه إليه، ربما تكون رعد هي الزميل/ة الجديد/ة، لعل المدير انتوى أن يرفع تلك المكافأة الضخمة عن رأسها رغم كل مصائبها السابقة، من يدري؟ لقد ضاق السيد/ رءوف ذرعاً بأعمال مازن و مخالفته للقواعد و الأسلوب المتبع -الروتين-، لكن لرعد سوابق مهولة فبحنجرتها التي تجعل الأسود قطيطتات من الفزع أصمَّتْ العديد من العوام والمتحولين ،إن زئير درادران -سيد السافانا بلا منازع- لا يساوي شيئاً أمام صيحةٍ واحدةٍ من حلق رعد، يكفي أن تترك تلك المطلوبة هراوتها فوق رأس ميرا حتى تصير الأخيرة حوتاً *مصاباً بفقدان الذاكرة -الزهايمر-. و ماذا بشأن شقيقها القرصان ذاك؟ إنه مقاتل فذ لا يشق له غبار،سريع الحركة، قوي الضربات، طاقمه مختار بعناية، و المكافأة الموضوعة على رأسه وصلت إلى مليونين بعملة الدولة التي يُمسَك فيها.. تنهد البيتا و همس لنفسه : ”ليته كان صديـ...“ . بتر همسته لما رأى سياف و البقية ينضمون إليه في طريقه إلى موظف البوابة السادسة بالطابق الأخير - طبعاً كان يستقل المصعد عندما جالت بخاطره كل هذه الأمور- تحقق الموظف من بطاقات هويتهم و من ثَمَّ تقدموا إلى المروحية، و كانت مختلفةً عن التي قدم بها مازن هانز و سميث، و في أثناء الرحلة -التي استغرقت خمس دقائق على أكثر تقدير بسبب استخدامهم لوقود الجُمان - أخبر مازن عضوي الفريق الأول –“سياف“ و ”درادران“- بأن المهمة تنتهي عندما يبرق المدير إليهم بهذا. و في مهبط مخصص في مدينة الكويت -العاصمة- حطّت الطائرة العمودية و هبطوا جميعاً و قدموا بطاقاتهم مجدداً و سُمــح لهم بمغادرة المهبط بعدما راجع الموظف التـــــصريح الذي وصل إلى البريد الإلكتروني لمكاتب ألفا في الكويت. أقلّتهم ســــيارة عائلية كبيرة -Van- إلى فندق شهير بمدينة السالمية المنشـــــــــودة، فحجز ”سياف“ حجرتان واحدة لهانز و سميث، و أخرى للفتاتين،إضافة إلى شــــقة فندقيـــة في الفندق ذاته للنخبة الثلاثة. و تقرر بدء العمل في الغد.
    و في مبنًى سكنى بعيد نسبياً، جلست فتاة في حجرة مظلمة إلا من أضواء شاشات حواســـيب متراصة ،مالت بوجهها قليلاً و ارتســـــــــمت على محياها ابتسامة هادئة و قد ارتكنــــت على المكتب أمامها براحة يدها اليسرى، و أنـــاملها تجري على لوحة مفاتيح بينما عيناها اكـــــتستا بلون أزرق من تأثير الكمبيوتر و هما تقـــرآن ذلك الملف المفصل الذي وصل إلى بريدها الإلكتــــــــروني منذ حوالي الساعتين، كانت تلك الفتاة تتأمل صــــــورة مازن بتأني كأنما تدرسه و راحت تركز بصرها عــــلى عينيه الثاقبتين و بريق التحدي يلتمع منهـــما..لاح شبح ابتسامةٍ ساخرة في ركن فيها و هــــــــي تقرأ العبارات التي تصف شخصيته الجامحة:
    ”عنيد، سريع الغضب، مندفع، لا يخشى عواقب تهوره المستمر، يأبى الزمالة، و يعتبر الإناث كلهن آفات مدللة فيما عدا والدته المتوفاة -رحمها الله- علاقاته الأسرية جيدة، و يحسن معاملة أخيه الصغير ذي الأربع سنوات.“
    لمْ تبدي تلك الآنسة اهتماماً بالبيانات التي تخص قوته و نوبة غضبه المفزعة، لكن شخصاً آخراً كان مهتماً؛ رجل آلي ساعداه معدنيان تمتد عليهما طولياً خطوط زرقاء مضيئة و في نهايتهما فوهتان لمدفعين، كان ذلك الآلي يحدق في عبارة واحدة كأنما يحاول تحليلها وإيصالها لدوائره الكهربية المعقدة، تلك العبارة تقول: ”إنه أفضل مطلق نار في ألفا العرب و له عينا صقر لا مثيل لحدتهما“ .
    قال في نفاد صبر موجهاً كلامه للفتاة :
    - دعيني أتولى أمره..ربما كان خطراً آنستي.
    - هذا اختصاصي يا قنطار. الخطر. دع الأمر لي.


    (*) إن ميرا متحولة إلى حوت أزرق و تحولها متواصل أي أنها يوماً ما ستصير حوتاً كاملاً عندما يتحول دماغها، أما الآن فهي تمتلك رئة ضخمة و زعنفة يمنى هائلة الحجم و جلدها-عندما تتحول- يصبح بسمك جلد الحوت الحقيقي، و حجمها يساوي ما بين ثلث و نصف هذا الكائن الضخم، كما أن لديها ذيل حوت لكنه لم يصل إلى حجمه الكامل بعد.








    هتف بها آلي آخر لكنه أقرب ما يكون إلى البشر و لولا معرفتي بالوقائع لقلتُ إنه رجل عادي، لكننا لا نناقش الآن براعة صنعــــه و إتقانه، بل نتحدث عمّا كان في تلك الغرفة؛ إذْ هتف بها ذلك الآلي في توتر و هلع:
    - آنستي الصغيرة، إنه غاية في القوة كما يقول الملف، و سلاحه الناري لا يفارق جرابه أبداً، هذا شخص خطر و مؤذ..رجاء،لا تقبلي آنستي.
    - تامر، لقد قبلتُ العمل بالفعل.
    و التفتت إليه باسمة و أردفت بنبرتها الطفولية:
    - لا تقلق، أنا أعرف إمكانياتي جيداً.
    و غمزت بعينها بمرح حقيقي -إنها من النوع الذي لا يفتعل السعادة مطلقاً- لكن الآلي (المدعو ”تامر“) هتف بها في خيبة أمل:
    - لكن..آنسة شيماء..
    لوحت بسبابتها يمنة و يسرة مع بعض الـ ”تؤ تؤ“ .
    إنه اليوم الثاني من وصول رفاقنا السبعة إلى مدينة السالمية، و قد بدأ هانز و سميث بحثهما من أوّل النهار -بعد أن حدثهما مازن بطريق مناسبة طبعاً- هناك مشكلة بسيطة واجهتهما، و مَن يقرأ الحوار التالي بين موظف/ة الاستقبال و بين هانز :
    - - مرحباً أيها الشاب، كيف أساعدك؟
    - الواقع يا سيدي، إنني أبحث عن أختي، و هي لاعبة تايكوندو محترفة.
    - و ما اسمها الكامل ؟ (يمسك بفأرة الحاسوب استعداداً للبحث عن اللاعبة المطلوبة).
    - أأأ...اسمها، الحقيقة أنني ،الأمر ببساطة ..
    - (يرفع الموظف أحد حاجبيه و يلوي فمه مع نظرة: أنا كده فهمتْ) أهي أختك و لا تعرف اسمها يا أستاذ؟؟ أتحسبني أحمقاً أيها المتسكع؟
    - (يتصبب العرق على وجه هانز و يتلعثم أكثر مما تلعثم بالفعل) لا تسئ فهمي يا سيدي.الواقع..أصل..
    - لا أصل و لا فصل، إمّا أنك متسكع تحسب متدربات نادينا الرياضي غير مهذبات و إمّا أنك مخادع من نادٍ آخر تحاول معرفة اللاعبات البارعات عندنا لضمهن إلى ناديك المنافس للتغلب علينا، لا وألف لا يا أستاذ.. (و يسرع الموظــــف النبيه إلى المدير أو المدرب/ة و يخبره بـــــالأمر، فيهرع ذاك لتلقين هانز و سميث درســـــاً مبرحاً يمكنك أن تتلقاه أنتَ أيضاً لو لم تكتب واجبـــــك لأسبوع بعدها جرب عصا الأستاذ و أخبـــــرني النتيجة !! ) . هنا يطردان شر طردة...
    و من هذا الهوان أصناف و ألوان.
    و في تلك الأثناء، و في مكان غير بعيد و بالتحديد في مدرسة النهضة، راحت رشا و ميرا تتناقشان بطريقة متحضرة و راقية حول مدرسة العوام هذه و تلك المهمة:
    رشا : أكره هذه الهمة ،أكره هذه المدرسة، أكره هذا الزي القبيح .
    ميرا: أمّا أنا..أكرهك أنتِ.
    رشا: أنا لا أمزح يا ميرا، ما معنى أن يكلفوننا بإيجاد فتاة في مدرسة للفتيات ؟! لم يخبرنا المدير باسمها و لا فصلها، ماذا يحسبنا؟ عرافتَين!!
    ميرا : بالطبع لا يحسبنا عرافتَيْن، إنه يعتمد على كوني فتاة قوية بارعة سريعة البديهة و حسنة التصرف و ....
    رشا: ...و ضخمة كالأفيال أو الحيتان في حالتك و بدائية و همجية و...
    ميرا: ... و سأقلبك سجادة لا تصلح لشيء و لا حتى للمشي عليها لو لم تلجمي لسانكِ هذا.
    رشا: .........................................
    كل هذا و هما يسيران عبر الرواق باتجاه صفهما الجديد، بمرحلة الصف الثامن، دخلتا الفصل و قدمت ميرا للمعلمة إذناً خطياً من مديرة المدرسة (التي تم إقناعها بطريقة ما أن الفتاتين لهما حالة خاصة و ينبغي أن تُتركا أسبوعاً للتأقلم و..إلخ)
    انقضى اليوم الدراسي على خير(إن اعتبرنا نوم ميرا طيلة الحصص عدا حصة الألعاب البدنية خيراً)،أجل انقضى بلا "قفشات" على رشا و هي تتأمل وجهها في تلك المرآة الصغيرة التي لا تفارقها و لا عندما كانت تضع الـ"آي شادو" خفية بينما المعلمة قد انتفخت أوداجها و برزت أوردتها و هي تشرح مجموعة الهالوجينات في الجدول الدوري الحديث -حفظكم الله-. لكن الحصة الأخيرة كانت بلا معلمة فقررتا أن الوقت حان لتبدآ العمل. نهضت رشا و راحت تتعرف على جميع الفتيات من حولها و طبعاً لمْ تنسَ مصافحة الأيدي لتجد العلامة المنشودة على رسغ إحدى الطالبات. و لأن السيد/ رءوف قد حذّر من افتعال المشكلات مع أحد و بالأخص العوام، و كان تحذيره موجهاً لميرا على وجه التحديد؛ فما لبثت الآنسة حوت أن صاحت بأعلى صوتها في طالبة جافة الملامح متبلدة المشاعر قائلة:
    - أنتِ فتاة وقحة حقاً، أتترفعين عن مصافحتي يا هذه؟
    - إن لي كامل الحق في أن أصافح من أشاء..إضافة إلى أنني لا أصافح من هن أقل مني شأناً.
    قالتها تلك الطالبة المدعوة "رندا" و هي تشيح بوجهها في تعالٍ لا مبرر له ،كم كان صوتها ساخراً يبعث في نفس المستمع شعوراً بالضيق و غصةً في الحلق،لكنها تطلعت إلى ميرا بطرف عينها (من فوق لتحت) ثم قالت في خفوت و قد تعالت همسات الطالبات من حولهما بالفتاوى في سبب الخلاف:
    - أيتها الحوت، دعينا نتحدث في مكان هادئ بعيداً عن العوام ،لقاؤنا بعد المدرسة خلف سورها الجنوبي و لا تنسي إحضار صديقتك معك، أنا أعرف هدف مهمتكما.
    قالت العبارة الأخيرة بخبث تقطّب له حاجبا ميرا ،و سرى توتر في جسد رشا و ميرا تتنحى بها جانباً و تخبرها ما سمعته.
    انتظرتا في المكان المحدد بعد انتهاء الدوام ما يقرب العشر دقائق حينما رأتا رندا تتجه إليهما و على شفتيها تتراقص ابتسامة شامتة، و حالما صارت على بُعد خطوتين منهما ألقت بحقيبتها المدرسية على الأرض و جلست على مقعد خشبي متهالك وضعه أحدهم رأفةً بالطالبات، ثم قالت ببرودها المستفز :
    - إن لدي من المعلومات ما يفيدكما لكنني أريد معلوماتٍ تفيدني أنا في المقابل.
    تنحنحتْ رشا و قالت بصوت حاولت حقنه بأكبر قدر ممكن من الهدوء:
    - و لمَ نتعامل بأسلوب العصابات المريب هذا؟ كلامكِ يدل على أنكِ متحولة ،لمَ لا تتعاونين مع ألفا و هي التي تحافظ على أمني و أمنك و أمن المتحولين جميعاً؟؟
    ابتسمت رندا في سخرية و وضعت ساقاً على ساق و هي تقول:
    لا داعي لخطبتك هذه فالنوق لا تُشترى بالدبلوماسية..الآن ، سأقدم معلوماتي بشرط أن تخبريني يا رشا عن شقيقكِ الأصغر باسم .
    ارتجت ميرا في موضعها من شدة الغضب و مالبثت يمناها أن امتدت إلى تلابيب رندا و رفعتها عن الأرض رغم أنها -رندا- أطول منهما بعشرين (سم) و هتفت بها في غضب:
    - اسمعيني أيتها المتحذلقة، أنا لا أحب هذا الأسلوب السخيف،إن لمْ تتعاوني بتهذيبك معنا كطالبتين من ألفا فسأجعل الألم ينْطقكِ ،أفهمت؟؟
    أمسكتْ ”رندا“ برسغ ”ميرا“ و قدمها لازالت تلامس المقعد ،وحدجتها بنظرات قاسية لا تصدر عن عين فتاة في الرابعة عشرة وهي تقول ضاغطةً على مخارج الحروف:
    - دعي ملابسي أيتها الطفلة، و إلَّا..
    كادت ”ميرا“ أن تهوي على رأس تلك المستفزة بزعنفتها الضخمة -مما كان سيحطم السور طبعاً- عندما شعرت بوخز غريب كالذي ينتج عن العبث بنشارة الخشب؛فنظرت على معصمها -المصاب بالوخز- فإذا بها لا ترى يد ”رندا“ حوله بل قطعة من الخشب البالي تحيط برســــــغها و تعـــتصره كما الأفاعي، اتسعت عيناها للوهلة الأولى و هي ترى ذلك اللون الأحمر يتوهج في أطرافها و ما لبثت أن أفلتت ثياب رندا تلقائياً لمّا لاحظت زرقة أطرافها تدريجياً مع ذلك الشعور الغريب بالألم و التخدر و تراجعت ممسكةً بيدها مدلكةً إياها، بينما رندا تهندم ثيابها في برود سخيف و ”رشا“ تتطلع إليها في رهبة و حذر ،أياُ تكن رندا هذه فهي ليست متحولة عادية، لقد استطاعت أن تحيط معصم ميرا بالخشب دون أن تشعر، واعتصرت يدها التي ترفع بها هانز و سميث مجتمعين دون الحاجة إلى استخدام قوة الحوت التي تمتلكها..أي متحولة هذه؟؟ و أي معلوماتٍ تمتلكها؟؟ و ماذا تريــ..
    "ما هو قرارك إذاً يا رشا؟ ألن تخبريني القليل عن شقيقكِ الصغير؟ "
    رفعت رشا عينيها إليها في حركةٍ حادة و قد اتخذ جسدها وضعية دفاعية تلقائياً وهي تهتف بها في توتر بالغ:
    - و ما أدراني أنّكِ لا تنتوين إيذاءه؟؟ كـ..كما أن من يطلب معلوماتٍ عن أحد لابد و أنه يبغي شراً.
    - نظرية معقولة، لكن المشكلة هي أنك لن تدري أبداً ما إذا كنتُ أُشكل خطراً أو لا..أليس هذا مثيراً ؟!
    قالتها و ابتسمت ابتسامة جذلة كأنها الذئب يساوم الشاه. بدا التردد على وجه رشا، و هي تنظر إلى ميرا -قائدتها في هذا الفريق- كأنما تنتظر منها المشورة، لكنها تعرف جيداً أن العلم لا يُطلب إلّا من أهله؛ لذا التفتت إلى رندا في عصبية و قالتْ :
    - أخبريني أنتِ أولاً بما لديكِ، و أعدكِ أنني سأخبركِ بما لدي.
    - لا بأس إذاً، و حتى لو حاولت التملص من وعدك فسوف أعتصر عنقك بلا رحمة..
    قالتها بشراسة الذئاب و مكر الضباع و هي جالسةً على المقعد البالي ذاك. ثم اعتدلت و هي تضيف :
    - الفتاة التي تبحثان عنها تُدعى شيماء، و هي في الصف الثامن مثلكما لكن في الفصل المجاور، علامة يدها يراها الجميع و هي تخبرهم عبارة واحدة "من الرائع أن أمتلك رمزاً مميزاً كهذا" فيعتقد الجميع أنها وُلدت بها.. و الآن، أريد أجري يا عزيزتي رشا.
    - لا بأس رندا، باسم على وشك أن يتم الرابعة من عمره في غضون أسبوعين من الآن، هو غير متحول، يكرهني كما يكره دواء السعال، بينما يعتبر مازن أباً ثانياً له.
    هكذا قالت رشا بعدما أدارت الأمر في رأسها عدة مرات و اعتبرت أن رندا تلك لا تمثل تهديداً من أي نوع على باسم الطفل المسالم، لكن الأخيرة سألتها في حزم جليِّ:
    - ماذا عن والدته؟؟ ما مقدار ارتباطه بها ؟
    - والدته ! تقصدين أمي (رحمها الله) ؟! و ما أهمية شيء كهذا ؟
    نهضت رندا عن المقعد و تقدمت من رشا في بطء ثم فجأة التقطتْ حقيبتها المرمية و في لمح البصر هبطت بها على رأس شقيقة مازن بقوة جعلتْ المسكينة تسقط أرضاً و هي تتأوّه و تمسك رأسها في محاولةٍ يائسة لكبت الألم و قد انساب خيط أحمر رفيع على وجهها بعد أن جُرحت و صبغ الدم حجابها المدرسي الأبيض. نظرتْ لها رندا في ازدراء قائلة :
    - أنتِ متحولة لأيل على حد معرفتي..و هو حيوان يتميز بالحذر و سرعة الركض. بينما تثيرين شفقتي، أتمنى أن أعرف لمَ لَمْ تفصلكِ ألفا حتى الآن، كيف تكونين أيتها الواهنة المدللة شقيقةً لمازن بيتا ألفا العرب و صقرها..
    ثم ضحكة ساخرة من حلقها كالخنجر في نفس رشا التي تساقطت دموعها ألماً، حزناً، خزياً. لكن... شيئاً ضخماً هائلاً فاجأ الباكية و الساخرة في آن واحد عندما أطاح برندا حتى التصق ظهرها بالسور الذي أصابته شقوق و تساقطت قطع صغيرة منه أرضاً ،و كادت ميرا أن تعيد الكرة برندا مستخدمة زعنفتها الضخمة إلا أن صوت الحارس و تسارع خطواته إليهن -عندما تناهى إلى مسامعه صوت ارتطام رندا بالسور- فكبحتْ ميرا تحولها و أعادت يدها إلى هيئتها البشرية و ساعدت رشا على النهوض مع تقديم بعض المحارم الورقية لها ،في حين ابتعدت رندا عن الجدار في سرعة -كأن الألم انتقل للسور بدلاً منها- و اعتدلت واقفة في سرعة و اتجهت إلى رشا متظاهرةً بالتعاطف و الرغبة في المساعدة !!
    شيء واحد اتفق عليه جميع المتحولين أباً عن جد ،ألَّا يعلم البشر يوماً بوجودهم.
    جاء الحارس مسرعاً و شهق لما رأى الشقوق المريعة في السور، و راح يسعل في قوة إثْر تدخينه للفافة تبغ، ثم تقدم قليلاً من الفتيات الثلاث و سألهن عمّا حصل فأجابته ميرا كأنما حضرت إجابتها قبل عدة أيام :
    - لقد سقطتْ أجزاء صغيرة من السور فجأة و سمعت صديقتنا صوتاً غريباً من الجدار يبدو أنها تلك الشقوق فبكت من الفزع (و راحت تنظر لرشا في تعاطف) هيا يا صديقتي، إنه جدار قديم، لا تتصرفي و كأن وحشاً كاد يلتهمك.. ( نظرتْ لرندا نظرات حادة و هي تقول "وحشاً.." ).
    حكَّ رأسه متعجباً ثم طلب منهن المغادرة لئلا يقلق الأهالي و راح يغمغم :
    - كيف ذلك؟؟ السور قوي و هو ليس قديماً إلى هذه الدرجة..
    هز كتفيه في النهاية غير مبالٍ و قد اعتبر أن هذا ليس ضمن نطاق عمله. و ما إن غاب عن الأنظار حتى التفتت رندا إلى ميرا قائلة بصوت فاض بالحقد و الشماتة رغم صرامته :
    - حسناً إذاً أيتها الحوت .انظري جيداً إلى عنق رشا، ستجدين يدي تعتصره و لن أتوقف حتى أحصل على ما أريد، هاه (و هي تنظر لـ”رشا“) هل ستخبرينني الآن أم أجتز عنقك؟؟
    هتفت بها ”ميرا“ في توتر :
    - أنتِ في الرابعة عشرة فحسب..كيف يطاوعكِ قلبك لقتل أحدهم ؟؟ لا أصدق. لا اصدق أبداً أن..
    قاطعتها رشا و هي تحاول أن تتوقف عن الانتحاب قائلة :
    - لماذا تريدين معرفة شيء كهذا؟؟ أنتِ تريدين بأخي شراً يا ....
    لم تستطع أن تكمل عبارتها لأن يدي ”رندا“ كانتا تعتصران عنقها كأسلوب للتفاهم ،لمْ تستطع ”ميرا“ أن تفعل شيئاً، صديقتها تواجه خطراً حقيقياً، ”رندا“ هذه قادرة على القتل و أكثر فعيناها الشرستان لا تكذبان، إنها القائدة..ماذا تفعل الآن؟؟ كــــــــــيف تتصرف في موقف كهذا؟
    << باسم لمْ يرَ والدته سوى في الصور،و هو يتساءل عنها أحياناً ؛لكنه علىاستعداد لطاعة مازن فــــي حرق صورة والدته السيدة/ ليلى -رحمها الله- لو طلب منه هذا>>
    كانت هذه ردة فعل ”ميرا“، هي لمْ تتعمد كانت غارقة في أفكارها بينما لسانها يتحرك دون قصد، عرفت أنه لا ينبغي أن تقول شيئاً لكنها ما إن اتخذت قرارها بالصمت مهما كانت العواقب كانت كلماتها قد خرجت بالفعل !!
    أفلتت رندا عنق رشا في هدوء و هي تبتسم في سخرية من ضعف هاتين الاثنتين ،و راحت رشا تسعل و هي تتحسس رقبتها براحة يدها تلقائياً و ما إن توقفت عن السعال حتى التفتت إلى ميرا بحركة حادة و صاحت في وجهها:
    - ما هذا الذي فعلته ؟ أي قائدة أنتِ؟
    تنهدت ميرا و علت أمارات الحزن و الانهيار -المنافيان لطبيعتها- وجهها، و أجابت بصوت مبحوح :
    - أنا لا أعرف حقاً يا رشا. لا أدري ماذا أصابني لمَّا رأيتُ عيناكِ تجحظان عندما ضغطت تلك الـ.... على عنقك.أنا حقاً لا أدري..
    انفرجت شفتا ”رشا“ لتقول شيئاً لكنهما انغلقتا لأنها لم تدري ما ينبغي قوله الآن؛ هل تلومها أم تشكرها.. ربتت على كتفها في هدوء لكن ميرا أبعدتها في رفق ثم نهضت و قد استجمعت بعضاً من قوة أعصابها، ثم قالت و هي تنظر إلى الطريق أمامها الذي خلا من المارة في ذلك الوقت :
    - رشا.. علينا أن نعود الآن إلى الفندق، تستطيعين إخبار مازن بما حدث، غداً نحدث سبب المصائب: شيماء .
    ثم بدأت السير و من خلفها ”رشا“ التي راحت تنظر إلى حيث اختفت ”رندا“ و هي تعتصر ذهنها لتكتشف أهمية تلك المعلومات التافهة عن ”باسم“..لكنها سرعان ما جدت السير إلى جانب ميرا باتجاه الفندق -كان على مسافة متوسطة نسبياً من المدرسة-.
    **************
    و في نفس الوقت كان "هانز" يتقدم نحو نادٍ آخر و "سميث" يستند إلى كتفه و هو يمسك بظهره بعد أن تلقيا ضرباً مبرحاً أسوأ من الذي يتلقاه المعتقلون في (غوانتنامو) ،و كلاهما يتأوهان ،وهاهما أمام موظف آخر، يجريان نفس الحوار المحرج ثانيةً، و ها هو الموظف يهرع إلى المدير الذي تقترب خطواته بسرعة من صالة الاستقبال، ها هو يظهر و يشير للموظف أن يذهب، في يده عصًا للتدريب -سيستعملها في أغراض أخرى هذه المرة- و ما إن وقعت عيناه على "هانز" حتى رفع عصاه عالياً و ............ ابتسم!!
    كان "هانز" قد أغمض عينيه لئلا يرَ الأيادي و الأدوات التي ستنهال عليه لكنه فتحهما لمَّا لمْ يتلقَّى أية ضربات ، و ما إن وقعت عيناه على المدير حتى تهللت أساريره و انشكح بل و ألقى بنفسه بين ذراعي الرجل -شاب في الخامسة عشرة يتصرف هكذا، عشنا و شوفنا !! - فغر سميث فيه و هو يرى مدير النادي يبتسم و يرحب بـ"هانز" في حفاوة ، لكن "هانز" انتزعه من دهشته تلك و هو يناديه لكي يقترب ،ففعل ،عندها أزاح الرجل هانز برفــــــق و مدّ يده مصافحاً "سميث" و هو يقول :
    - مرحباً بكَ أيها الشاب. أنا "كارل" عم "هانز"، مدير هذا الناديو كبير المدربين فيه.
    - أمَّا أنا فأدعى "سميث" ،يسرني لقاؤك سيدي.
    - أخبرني "هانز" أنك زميله في الفريق، قُلْ لي، كيف تتحمله بالله عليك؟ إنه مشاغب و مادي و...
    غمغم "هانز" في خفوت : - أكرمك الله يا عمي. في حين أكمل "سميث" :
    - بأن أذكر نفسي أن الله مع الصابرين. و إن كان جيبي الفارغ يرى أن وقت مطالبة "هانز" برد مالي المسكين قد آن..
    ضحك السيد/ كارل في حين كان "هانز" يحرك يده تحت ذقنه بما معناه : (صبرك علىَّ، إمَّا عرفتك مقامك ..) ، و "سميث" يرفع حاجبيه و ينزلهما في مـــــــــحاولة ناجحة لاستفزاز "هانز"، الذي تظاهر بأنه لا يهتم (و يا له من كاذب) ،ثم التفتَ إلى عمه قائلاً:
    - هل أختي من الرضاعة تتدرب في هذا النادي؟
    - أتقصد التي تحمل علامتك ذاتها؟ أجل ،إنها من أفضل المتدربات لديّ.
    - عمي، مَن أخبرك بهذا؟؟ ظننتُ أنني سأفاجئكَ .
    - (في استخفاف) تفاجئني أنا ؟!! إنني أعلم بهذا الأمر منذ عامين.
    - أأأأ..أياً يكن. أريد أن أتحدث إليها، و هذا من صميم عملي..
    - أتقصد أنك لن تقترض منها مالاً؟؟
    - عماه..لن أقترض منها -على الأقل الآن- إنها أصغر مني، و لابد أن أكون أخاً أكبر مثالياً.
    قهقه المدرب في سخرية، لكنه ما لبث أن قال في حزم و هو يميل بوجهه إلى الأمام نحو "هانز" :
    - قبل أن أدعكَ تتعرف عليها، أخبرني..هل تحسن أداؤك أم لا ؟
    - ماذا تقصد بـ"تحسن" ؟ إنني كما أنا.
    اعتدل في وقفته ثم قال بصوت جاد و إن كان لا يخلو من بعض الحنان :
    - "هانز"..إن أختك تُدعى "شيماء"، صحيح أنها أصغر منك عمراً لكنها غاية في القوة و البراعة.. لقد حصدت ميداليات البطولة الدولية في التايكوندو العام السابق و الذي قبله أيضاً، أضف إلى هذا أنها مستودع للمهارات المختلفة المُتقنة..لا أريدك أن تتضايق؛ لكنها تعتبر أقوى منكَ يا "هانز".
    أطرق "هانز" برأسه مفكراً و تصاعدت من أنفه زفرة حارة..هذا ما كان يخافه؛ أن تكون أخته الصغيرة أفضل منه. لمْ يبالِ "سميث" بهذا؛ فقد توقعه..لكنه كان ينظر إلى السيد/ كارل في إعجاب ،إنه قوى البنية، وسيم الملامح، أشقر الشعر، أبيض البشرة ،و كونه يدير هذا النادي أضفى عليه كثيراً من الهيبة، بالإضافة إلى قامته الطويلة و شاربه المهذب..و..
    << أريد أن أقاتلها>>
    انتشلته تلك العبارة من تأملاته فإذا قائلها هو "هانز" ، طالعه عمه بدهشة للحظات ثم تنهد و قال:
    - كنتُ واثقاً من هذا. على كل حال سأترك قرار الموافقة أو الرفض لها..ستأتي "شيماء" بعد حوالي (و نظر لساعة يده)..ثلث ساعة ،تستطيعان أن تدخلا صالة التدريب فالفتيات يأتين عند السادسة ،لديكما ما يزيد عن الثلاث ساعات.
    قالها و أشار بيده لهما كي يتبعاه إلى الصالة ،التي كانت فارغة المركز بينما تجمعت أدوات التمرين في أحد الأركان، و وُضِعتْ بعض المقاعد موازيةً للجدران - أي أنّ هناك مقاعد محيطة بالصالة من الداخل- . تخير "هانز" مقعداً و جلس عليه في صمت ؛كعادته كلما أقبل على أمر خاطئ و هو يعرف أنه أمر خاطئ؛ لكن رغبة الذئب القابع في داخله بأن يثبت قوته كانت أقوى من أي قرار يتخذه. جلس العم إلى جانب "سميث" و قرر شقّ الصمت بقوله :
    - إذاً يا "سميثي" (أضاف الياء للتدليل) ،ما نوع تحولك؟
    - أنا دُغل يا سيدي..أي أنني متحول لحيوان .
    - أي حيوان يا تُرى؟
    - الثعبان ، أنا متحول جزئياً إلى ثعبان..
    - حمداً لله على أنه تحول جزئي و ليس متواصلاً ،و إلّا فقدنا شاباً لطيف المعشر مثلك -لا قدّر الله- و أصبح لدينا أفعوان.
    شكراً لك سيدي، أنتَ على عكس ابن أخيك الذي يدعو الله ليل نهار أن يصير تحولي متواصلاً ليتخلّص مني!!
    أطلّ السيد/ كارل على "هانز" بنظرة جانبية ،قبل أن يعود لحواره مع "سميث" :
    - هل لديكَ هوايات معينة ، أو أشياء خاصة تجيد فعلها؟
    - أتقصد كالميكانيكا /إصلاح المركبات بالنسبة لـ"هانز" ؟ في الواقع أنا أسعى لأكون طبيباً ذات يوم.
    - طبيباً.. هذا رائع. أي تخصص؟
    - سيدي..لا تخصصات واضحة في طب المتحولين؛ قد يكون قلب متحول في كتفه مثلاً أو لا قلب لديه أساساً عند التحول و رغم ذلك لابد من علاجه و هو في هذه الحال..ما فائدة طبيب القلب وقتها؟!
    - هذا غريب فعلاً..لمْ أتخيل يوماً أمراً كهذا.
    - حقاً ؟! على كل حال ،سيد/ كارل ..ما نوع تحولك أنتَ؟
    - أنا... لستُ متحولاً أساساً يا بني!
    بُهتَ "سميث" للجواب؛ فالرجل يعرف الكثير عن التحول و المتحولين، بينما هو ليس كذلك! لو علم المسئولون في ألفا بهذا لحاولوا محو ذاكرته أو ما شابه، و لتلقَّى "هانز" عقوبة مريرة يفقد فيها امتياز حماية ألفا له من البشر على أقل تقدير و لـ....
    - أمازلتَ معي؟؟ فيمَ شردتَ يا "سميثي" ؟
    أفاق من كل هذه الأفكار على صوت السيد/ كارل ،فالتفت إليه على الفور و كانت ملامحه لا تزال تؤكد عدم استيعابه للموقف؛ فابتسم السيد/ كارل و وضع يده على كتف "سميث" قائلاً:
    - لا عليكَ..مسئولو ألفا يعرفون أنني أعرف بأمر المتحولين..دعني أوضح لكَ : إن عائلتنا كلها متحولين أباً عن جد، لكن في كل جيل أو اثنين يظهر بشري نقي تماماً من التحول. و هذه المرة كنتُ أنا هذا البشري. و لكنني أعيش في عائلة متحولة لمْ تشعرني يوماً بالوحدة، و علموني كل ما ينبغي لأي متحول أن يتعلمه كما أرسلوني لمدرسة بشرية، و أخذ مني أبي عهداً بألّا أخبر بشرياً آخر قط عن المتحولين، و كذا فعلتْ ألفا العرب لكنهم طبعاً جعلوني أكتب تعهداْ خطياً منذ صغري و كلما مرّ حولان كان لزاماً عليَّ أن أذهب للمركز التابع لألفا في صحراء سيناء بمصر الحبيبة -موطن عائلتي- لأعيد كتابة التعهد و توقيعه.
    صمتَ "سميث" و هو لا يدري ما ينبغي قوله، لكن "هانز" وفّر عليه مجهود التفكير حين هتف في شوق مصحوب بالتوتر :
    - لقد مرت ثلث ساعة يا عمي.
    نظر العم إلى ساعته فوجدها كما قال "هانز" ،و كاد يقول شيئاً لولا دخلت الصالة امرأة في الثلاثين من عمرها،ترتدي بذلة تدريب مهندمة و حجاباً، و قالت محدثة مدير النادي :
    - كارل..إنَّ شيماء ستأتي بعد قليل و أنتَ لمْ تخبرني ببرنامج تدريبها إلى الآن.
    نقل السيد/ كارل بصره بين "سميث" و السيدة، و هو يقول :
    - أعرفكَ يا "سميثي" بزوجتي العزيزة ،"لمياء" هذا هو "سميث" صديق "هانز" (و أشار بيده إلى ابن أخيه النائي بمجلسه) .
    نظرت السيدة "لمياء" إلى حيث أشار فحيَّت "هانز" الذي بادلها التحية، و حيَّتْ "سميث" أيضاً. لكن الأخير نظر إلى السيد/ كارل مستغرباً ، و قال في خفوت:
    - سيدي، لماذا اسمكَ و اسم "هانز" ألمانيان، بينما اسم السيدة عربي؟
    - لأنني تزوجتُ من خارج عائلتي، صحيح أن أسرتي ذات أصول ألمانية إلّا أننا أسلمنا منذ قرن و نصف و مع ذلك احتفظنا بأسمائنا الألمانية ، بينما تزوجتُ أنا من "لمياء" ذات الدم المصري الخالص،و هي متحولة أيضاً.
    ثم التفتَ إلى زوجته قائلاً:
    - "شيماء" لن تتدرب اليوم، هذه المرة سنرى نتيجة التدريبات الشاقة التي خضعت لها عامين كاملين.
    - ماذا تقصد؟
    - اليوم ستتقاتل "شيماء" ضد "هانزي" إن شاء الله.
    - هـ..هل أنتَ جاد؟ "كارل" ،إنه ابن أخيكَ، لمْ يقترف ذنباً.
    كاد زوجها أن يجيبها؛ لكن "هانز" قاطعه قائلاً :
    - الحقيقة يا خالة أنني مَنْ طلب هذا.إن "شيماء" هي أختي من الرضاعة و لابد من تعارف مميز لأخوين لم يلتقيا منذ ولدا و حتى تجاوزا الثلاثة عشر عاماً، أليس كذلك؟
    <<بالتأكيد>>
    كانت هذه من فتاة في حوالي الرابعة عشرة ترتدي بنطالاً أبيضَ واسعاً و "بلوزة" بيضاء أيضاً لا يظهر منها شيءٌ تقريباً بسبب المعطف الأسود الذي ترتديه إلى أسفل ركبتيها مزرراً إضافةً إلى حجابها الأبيض المهندم العريض الذي امتدّ حتى النحر ،كانت تبتسم على نحو لطيف و عينيها تلتمعان ببريق البراءة و الطفولة المحببة، الذي أضفى إلى هيئتها راحة في نفوس الحاضرين.
    تأملها "هانز" قليلاً، إنها مختلفة عن الأخت التي تصورها.صحيحٌ أنه لم يحاول تصورها أساساً لكن إحساساً غريباً طفق على نفسه : هذا ليس ما توقعته.
    رحبت بها السيدة/ لمياء ،و كذا فعل السيد/ كارل؛ ثم سألها بصوته الهادئ:
    - هل توافقين على القتال يا "شيماء"؟
    أومأت برأسها إيجاباً و أتبعت موجهة حديثها لـ"هانز" :
    - إذاً أنتَ أخي الأكبر..و تريد قتالي في أول لقاء لنا. لو لم تطلب ذلك لطلبته أنا !!!
    دُهِشَ "هانز" للحظة لما سمعها تقول هذا، لكنه ابتسم من قلبه ؛إذْ يسعده هذا.
    صفقت السيدة/ لمياء مرتين بعد أن أوقفت المتباريين متقابلَيْن في صالة التدريب.و طلبتْ منهما أن يحددا طريقة القتال أو الأسلحة التي سيستخدمانها،فالتقطتْ "شيماء" خنجرين من بين الأدوات الموجودة،بينما فضَّل "هانز" أن يقاتل مستخدماً أنيابه و مخالبه، فأكدت السيدة/ لمياء عليهما أن تغيير الأسلحة ممنوع و أن عليهما أن يتحليا بالروح الرياضية أيًّا تكن نتيجة المباراة، ثم طرقت بأصابعها معلنةً بدء القتال.
    أخرجت "شيماء" الخنجرين من غمديهما، و اتخذ "هانز" هيئة التحول خاصته، و كانت له الضربة الأولى بموافقة أخته؛ فانطلق يركض نحوها مباشرةً و قبل حتى أن تتأهب هيَ كان قد أطلق مخالبه على ذراعها بلا رحمة..و لكن ..
    عندما كان الفارق بين مخالبه و بين ذراعها أقل من 5 سم ..
    لمْ تعد "شيماء" هناك ..
    اختفتْ من أمامه.. تلاشت كما الدخان..
    اعتدل بحركة حادة، و راح ينظر حوله في تحفز للانقضاض، انتبه إلى حركة خفيفة عن يساره فالتفت بينما مخالب يمناه قد سبقته إلى مصدر هذه الحركة لكنها توقفت لمَّا صدّها جسم حاد..طبعاً هو أحد خنجري "شيماء" التي كانت تبتسم في مرح و كأن كل هذا لا يعنيها. رفع "هانز" يده الثانية ليجرحها بمخالب يسراه لكنه فوجئ بها -شيماء- تنخفض أرضاً و تركله بساقها مرتكنة إلى الأرض بيديها، حاول استعادة توازنه قبل أن يسقط لكنها عاجلته بركلة من ساقها الأخرى في معدته فقد على إثرها القدرة على البقاء واقفاً فسقط في لحظات قليلة استطاعت "شيماء" خلالها أن تبعد قائمتيها عن موضع سقوطه، و إن مازالت تستخدم يديها في السير،نظر إليها "هانز" غير مصدق لطريقتها الغريبة في المشي لكنه نفض تعجبه هذا عن نفسهو هب واقفاً بسرعة. لمْ يدرِ "سميث" بمَا شعر في تلك اللحظة عندما رأى الفتاة تطيح بقائده أرضاً بعد لحظات قليلة من بداية القتال، هاهي تقف هناك باسمة لـ"هانز" الذي راح يلهث من فرط التعب، صحيح أنه بدأ منذ دقائق معدودة ؛ لكنه كان يبذل جهداً يفوق إمكانياته بكثير ليجاري سرعة أخته الصغيرة.
    تقدم "هانز" منها بخطوات حذرة و راح يدور حولها كما تفعل الذئاب بالفريسة..هاهو يصغر من قطر الدائرة التي يطوف فيها ..يصغرها..و يصغرها ..حتى أصبحت المسافة بينهما حوالي نصف المتر لا غير. هذه المرة قررت هي أن تكون البادئة، لقد انقضت عليه بخنجرها فتفاداه بحركة سريعة لكنها مالبثت أن وجهت إليه طعنة أخرى في كتفه ،أسرع بتفاديها...ففعل، ثم أخرى ثالثة إلى صدره، و رابعة في ظهره،تفاداهما ببراعة لكنه غفل عن ساقها ،غفل للحظات فحسب..لكن تلك اللحظات كانت كافية بالنسبة لها كي تركله مجدداً و يا لها من ركلة ! لقد كانت من القوة بحيث جعلته يتراجع متراً كاملاً إلى الوراء ،و لمْ تمهله فركضت نحوه بسرعة منقطعة النظير بالكاد رآها رغم قصر المسافة لذا لم يستطع شيئاً أمام ركلة أخرى أطاحت به و ألقته أرضاً لا يفصل بين رأسه و بين الجدار سوى 10 (سم) ،كان منهكاً و متعباً يكاد يصرخ : - كفى . لكنه لن يفعل ،لن يبدو ضعيفاً أمام أخته الصغرى؛ لذا نهض متثاقلاً عن الأرض و راح يسير باتجاهها مسرعاً قدر ما استطاع لكن جسده كان مترنحاً من شدة الألم الذي أصاب معدته و صدره على إثر الركلات المتتابعة، هنا..زفرت "شيماء" و أحكمت قبضتيها على مقبضي الخنجرين ثم انطلقت نحوه بسرعة مدهشة و إن كان قد تمكن من رؤيتها جيداً هذه المرة ، رأى الخنجر يتقدم إلى صدره مجدداً،فقفز جانباً محاولاً تفادي الخنجر، قفز في ذات اللحظة التي استقبل مركزه البصري بريق الخنجر ..لكن..كم كان ذاك المركز بطيئاً في التحليل و تكوين الصور ..لقد تجاوز بقفزته هذه خطر الخنجر على صدره لكنه شعر بحرارة حد السلاح و هو يشق كم قميصه.. حاول الإسراع لإنقاذ كتفه ، لكنه لمْ يستطع .. انبثقتْ الدماء من كتفه الايسر فتراجع ممسكاً به بيده الأخرى و هو يلهث بشدة ،كل ذرة في كيانه أدركتْ لحظتها أن النصل البارد سيكون على عنقه في أي لحظةٍ الآن، صحيحٌ أن "شيماء" لم تحاول ذلك و هو يتراجع بعد أن جُرح ،لكنه كان يعلم..
    يعلم أنه بعد قليل سيصير مهزوماً أمام أخته الصغرى..
    هزيمة نكراء استغرقت دقائق فحسب..
    هزيمة يشهدها صديقه "سميث"و عمه "كارل" و....
    <<حان الآن وقت الحلوى>>
    انتزعته عبارتها من تواتر أفكاره و مخاوفه، و هي تعيد الخنجرين إلى غمديهما في بساطة .اتجهت إلى السيدة "لمياء" و قالت لها شيئاً ما فقدمت لها السيدة ...بعض السكاكر!!
    أزالت الغلاف عن واحدة و دسَّتها في فمها و نشوة غريبة اعترتها..ثم اتجهتْ إلى "هانز" و قدمت له اثنتان ،فسألها مستنكراً :
    - ما هذا؟؟ القتال لم ينتهي بعد يا "شيماء" !!
    مطّت شفتيها في غضب و قالت بصوتها الطفولي:
    - بل انتهى يا أخي ..أنتَ لا تقاتل بجدية..مستحيل أن يكون طالب ألفا المجد و أحد أفضل مقاتليها سهل الإيذاء هكذا..رغم أنني كنتُ أتحرك ببطء إلا أنكَ أردتَ مجاملتي و تركتني أجرحك !! الآن خذ واحدة من فضلك و قدم لصديقك واحدة.
    آه لو سمعت أفكاره ،بالطبع لن تفعل هي لكن نحن بلى :
    " لا أقاتل بجدية!! لقد بذلتُ جهداً أقل و أنا أخوض امتحان ألفا النهائي، إنَّ دفاعي عن أموالي يتطلَّب جهداً أقلّ!! ثم من المجد ذاك؟؟ و ماذا تقصد أختي بـ"أحد أفضل المقاتلين" ؟ إنني و بلا فخر أقود أحد أكثر فرق ألفا مهانة..الفريق السابع عشر.الذي كان يوماً يحمل الترتيب الثالث عشر و بسبب الإخفاق المتكرر صرنا هكذا !! لابــد و أن عمــي أعطاها فكرة مثالية عني، يا عيني عليكِ يا أختي عندما تنضمين لألفا و تعرفين الحقيقة ..ثُمَّ أي حركة بطيئة تلك التي تدعين أنك كنتِ تقومين بها ؟ أنا أساساً لم أركِ و أنتِ آتية لركلي نحو الحائط...لو كان ضعفي أمامكِ مجاملةً لكِ فتأكدي يا عزيزتي البريئة أنني سأجاملك كثيراً ".
    شكرها "هانز" على السكاكر و هو يخفي شعوره الجارف بالذل،رغم شفقته بهذه الطفلة التي تحسبه هُزم برضاه! ثم أعطى قطعةً لـ"سميث" الذي ظل يرمقه بحدة طوال مدة تناولهما للسكاكر،لكن "هانز" ضاق ذرعاً بهاتين العينين اللتين تحرقانه و تبثان في نفسه وخز الضمير،ثم ألم الضمير،بعده تأنيب الضمير،فحرقة الضمير،تليها الـ..
    - كفى يا "سميث"، إنْ كان لديكَ شيء لتقوله فقُلْه بلسانك الفصيح و لا داعي للدغات عينيك هذه، حتى عضتك و سمك أيها الثعبان أخف وطأة من نظراتك.
    - مادامت نظراتي لا تروقك فاطلب مني ألا أنظر إليك.
    - لا تنظر إلىَّ يا "سميث" .
    - اطلبْ بأدب أيها القائد.
    - لو سمحت يا "سميث" لا تنظر إلىّ هكذا . (طبعاً كان يضغط على عبارة "لو سمحت" بل كان يمضغها إن صحَّ التعبير) .
    - لا أريد!!
    - (هاتفاً في غضب) ماذا ؟؟ بعد أن طلبتُ بأدب..حقاً ينبغي ضرب الحية على رأسها..
    - (يقولها "سميث" في حنق و عتاب) كم أنتَ مخادع يا "هانز" ،كيف طاوعك قلبك في كذبك عليها؟؟ أنتَ ..أنتَ انهزمت مجاملةً لها!! أنتَ أسوأ قدوة .
    - أأ..أنا لم أكذب..هي تعتقد هذا و أنا لا أريد أن أقسو عليها بإخبارها الحقيقة. هذا هو كل ما في الأمر!!
    بعد قليل ،ودَّع الصديقان المدرب ”كارل“ و زوجته و الآنسة ”شيماء“.و ذهبا إلى الفندق لتقديم التقرير اليومي إلى ”مازن“ و باقي النخبة، و الذي سيكون حافلاً بالركلات و الضربات و الخناجر. طبعاً تعاون ”سميث“ مع السيدة/ لمياء في تضميد جرح ”هانز“ الذي كان في عضده.
    وقف السيد/ كارل عند بوابة النادي و ظلّ يراقبهما إلى أن اختفيا عن الأنظار ، فقال بصوت مسموع :
    - ”شيماء“ لمَ فعلتِ هذا ؟ أخبرتكِ منذ البداية أنه ليس في مستواك القتالي..
    ظهرت الفتاة من خلفه و أجابته قائلةً و هي ترمق الطريق الذي سارا –“هانز“ و ”سميث“- عليه :
    - حضرة المدرب..أليس ”هانز“ ابن أخيك؟
    - بلى، هو كذلك.
    - هل أردته أن يُهزم على نحو مخزٍ؟
    - بالطبع لا..
    - إذاً لمَ تلومني لأنني تصرفتُ هكذا؟
    التفتَ إليها و أجابها :
    - أنا لا ألومكِ يا ”شيماء“ ؛ لكنني لا أريد لابن أخي أن يكون أحمقاً..إنّ توقفكِ عن القتال في تلك النقطة الحاسمة لا بأس منه خاصةً و قد أصبته بضررٍ بالغ في أول لقاء بينكما !! لكن ما يضايقني هو أنكِ قلتِ له ”تركتني أجرحك مجاملةً لي“ هذا فعلاً قاسٍ ..
    - قاسٍ؟! لمْ يبدُ لي الأمر هكذا..
    - تعلمين أنه بذل كل جهده في هذا القتال، و رغم ذلك فقد كنتِ قادرة على قطع ذراعه كلها منذ الدقيقة الأولى.
    - ربما، لكن لو كان لدي أخ أصغر و هزمني لتضايقتُ كثيراُ.
    - شيماء..أمكنكِ أن تصافحيه في النهاية بروحٍ رياضية و هو كان سيتقبل الأمر.
    التفتتَ إليه ثم قالت بصوت هادئ:
    - أنا لا أمثل دور الفتاة المجتهدة طيبة القلب في فيلم أمريكي هنا..على كلِّ حال، إن سارت الأمور كما أشتهي فغداً يرى مهارتي الحقيقية.
    قالتها و ابتسمتْ ثم عبأت رئتيها بأكبر قدر من الهواء النقي ،أشار لها المدرب أن تتبعه إلى صالة التدريب ففعلتْ .هناك، وقفتْ السيدة/ لمياء في انتظارهما و هي تيتسم ابتسامةً رقيقة هادئة. التفتَ المدرب إلى ”شيماء“ و قال بصوت ملؤه الحزم:
    - هيا استعدي..سيبدأ تمرينك الآن.
    أومأت برأسها إيجاباً و قالتْ :
    - أنا مستعدة حضرة المدرب.
    - أي معطفٍ ترتدين اليوم؟؟
    - المعطف ذو ال50 (كجم) .
    - هذا خفيف جداً بالنسبة لتدريبات اليوم..خذي الآخر ذا الـ 250 (كجم) من الخزانة.
    - حاضرة.
    قالتها و أسرعت إلى خزانة ضخمة في إحدى الغرف، بينما تحادث السيد/ كارل و زوجته قائلَيْن :
    - لمياء..أريدها أن تتعلق بالعقلة (و أشار إلى واحدة عالية متدلية من سقف الصالة بسلاسل حديدية ضخمة) و هي ترتدي ذلك المعطف باستخدام ساقيها ، كما اجعليها تهتز بها للأمام و الخلف ثم ترفع يديها و تتمسك بها مع تحرير ساقيها..
    - كم مرة تريدها أن تكرر هذا التدريب ؟
    - حتى الساعة السادسة، و عليها المغادرة قبل وصول أيٍّ من المتدربات الأخريات.
    - حسناً..لكن ”كارل“، سيكون هذا تمريناً صعباً خاصةً و هي ترتدي ذلك المعطف الذي تزن بطانته الحديدية 250 (كجم).
    - هذه الفتاة قادرة على الوصول إلى المستوى المطلوب؛ لا تقلقي يا ”لمياء“.
    كادت الزوجة أن تقول شيئاً آخر لكن صوت ”شيماء“ و هي تلقي السلام أثناء عبورها مدخل الصالة جعلها و زوجها يردان السلام. غادر السيد/ كارل الصالة و أغلق مصرعيْ مدخلها في حين أخبرت زوجته ، السيدة/ لمياء ”شيماءَ“ بالمطلوب ،و على الفور بدأت الفتاة في تدريبها فتراجعت خطوتين إلى الوراء ثم ركضت بسرعتها الخرافية لتقفز إلى علٍّ متعلقةً بالأداة باستخدام يديها ..ثم في حركة بالغة الصعوبة و بقدر كبير من المهارة و المرونة تكورت حول نفسها لتعلق ساقيها على العقلة بحيث تكون ركبتاها لأعلى. و راحت تتحرك للأمام و الخلف و هي تحمل 250 (كجم) على ظهرها !!
    - كم مرة تريدها أن تكرر هذا التدريب ؟
    - حتى الساعة السادسة، و عليها المغادرة قبل وصول أيٍّ من المتدربات الأخريات.
    - حسناً..لكن ”كارل“، سيكون هذا تمريناً صعباً خاصةً و هي ترتدي ذلك المعطف الذي تزن بطانته الحديدية 250 (كجم).
    - هذه الفتاة قادرة على الوصول إلى المستوى المطلوب؛ لا تقلقي يا ”لمياء“.
    كادت الزوجة أن تقول شيئاً آخر لكن صوت ”شيماء“ و هي تلقي السلام أثناء عبورها مدخل الصالة جعلها و زوجها يردان السلام. غادر السيد/ كارل الصالة و أغلق مصرعيْ مدخلها في حين أخبرت زوجته ، السيدة/ لمياء ”شيماءَ“ بالمطلوب ،و على الفور بدأت الفتاة في تدريبها فتراجعت خطوتين إلى الوراء ثم ركضت بسرعتها الخرافية لتقفز إلى علٍّ متعلقةً بالأداة باستخدام يديها ..ثم في حركة بالغة الصعوبة و بقدر كبير من المهارة و المرونة تكورت حول نفسها لتعلق ساقيها على العقلة بحيث تكون ركبتاها لأعلى. و راحت تتحرك للأمام و الخلف و هي تحمل 250 (كجم) على ظهرها !!
    لكنها لم تكمل المرة الأولى لقد حررت ساقيها قبل أن تحكم قبضتها على العقلة فـ...سقطت من هذا الارتفاع على وجهها و سقطَ فوقها ذلك المعطف الثقيل فانساب خيط رفيع من الدم على وجهها و آخر من شفتها بينما ظهرها و نصف جسدها العلوي يكاد ينطق من شدة الألم بسبب المعطف الحديدي الذي ترتديه..
    أسرعت السيدة/ لمياء إليها و عاونتها على النهوض و هي تعطيها محارم ورقية لإزالة أثر الدم عن وجهها، و ما لبثت ”شيماء“ أن عادتْ للتمرين دون تردد.. لقد تراجعت الخطوتين و قفزت..تعلقت..تكورت..تشبثت بساقيها.. تأرجحت..أبدلتْ الساقين باليدين.. ثم..سقطت سقطة مدوية أحدثت شقوقاً في أرضية الصالة و جعلت موضع السقطة ينخفض عن مستوى الأرض في باقي الأجزاء..لقد أعاقها وزن المعطف عن مدّ ذراعيها بشكل منبسط. لكنها ما لبثتْ أن نهضت.. و أعادت الكرة للمرة الثالثة..
    فسقطتْ..ثم الرابعة..
    فسقطت..ثم الخامسة..
    فسقطت..ثم السادسة..
    فنجحت..
    أجل..نجحت بصعوبة بالغة ، و تابعت بنجاح في المحاولة السابعة و الثامنة و......و هكذا حتى الساعة السادسة...
    << فليخبرني كلٌّ منكم بما جناه اليوم>>
    هكذا قال ”سياف“ و هو يضع العصائر على الطاولة في غرفة الاستقبال بالشقة الفندقية، هبّت كل الأيادي تتخطّف الأكواب كأنما نفد العصير من الأسواق. كان أول من يجيب هو ”هانز“ بعد أن جرع من كأسه فأخبر الجميع –و كان رفاقنا السبعة كلهم هناك- و روى لهم ما حدث ،ابتسم ”سياف“ ابتسامة هادئة، لمّا عرف بما اعتقدته الفتاة -“شيماء“- من أنّ هزيمة ”هانز“ كانت مجاملة منه، في حين قهقه ”مازن“ و الفتاتان بينما كان ”درادران“ مستلقياً على إحدى الآرائك و قد أسبل جفنيه في محاولة للنوم. أخبرتهم ”رشا“ بما كان لها و لـ“ميرا“ أمام ”رندا“ ، فقطب عضوا النخبة المستيقظان حواجبهما و نظر البقية إلى ”مازن“ و هم يتوقعون أن {يطبق على زمارة رقبة ميرا و رشا} في أي لحظة..لكنه لمْ يفعل و إنما استغرق في تفكير شديد للحظات كأنما يحاول أن يتذكر شيئاً. لكنه تنهد في النهاية و رفع عينيه إلى ”سياف“ يدعوه للإفصاح بما لديه. فما كان من المبارز الصنديد إلا أن انتقى مقعداً فجلس عليه الجلسة العربية بعد أن وضع حسامه جواره على طاولةٍ بين كرسيه و كرسي مازن، ثم قال بصوت هادئ عليه هيبة لا تدري كنهها:
    - بالنسبة لي ولـ“درادران“ لم يحدث شيء مميز ؛فقد تتبعنا الآنسة إلى كل مكان ذهبت إليه، مدرسة النهضة ثم إلى منزلها في مبنًى سكني،و منه إلى نادٍ ما ثم إلى منزلها ثانيةً.
    اعتدل ”مازن“ في مجلسه قائلاً:
    - ألمْ يحدث أي شيء مريب؟؟
    - تقريباً.. لا شيء. كان معها رجلان أحدهما يقود السيارة التي تقلها من مكان لآخر، و الثاني يجلس إلى جواره ،ربما كانا حارسيها الشخصيين .
    أتمَّ ”سياف عبارته الأخيرة و راح ينقل بصره بين الأربعة الجالسين – أعضاء الفريق الـ 14 و الفريق الـ 17- و قال بحزم:
    - يجدر بكم أن تعودوا الآن إلى غرفتيكم فلا زالت المهمات سارية، لم يقــنع أحدكم الآنسة ”شيماء“ حتى الآن بالانضمام لصفوف ألفا .
    هكذا نهض الأربعة و هم يغمغمون بأنهم طردوا و أن هذا لا يليق بمقامهم، و هنا صاح ”مازن“ فيهم :
    - هيا..هيا.بيتك، بيتك منك له لها لها .
    التفتوا لهم جميعاً في ضيق و هم يتمنون لو أن لديهم من القوة ما يكفي لإخراسه لكن هذا أمر الله؛ لذا ساروا بكرامتهم –المتبقية- و غادروا في صمت. و لم يبق في الغرفة سوى نخبة ألفا الثلاثة .
    ظلّ "مازن" يحدق في كوب العصير الذي يحمله بينما راح "سياف" يجمع الكئوس الموضوعة هنا و هناك..كانت نظرات "مازن" المعلقة بالكوب خاوية و هو يقول :
    - "سياف".. أنتَ لمْ تقل كل ما لديك، أليس كذلك؟
    نظر إليه "سياف" للحظة، ثم عاد يجمع الأكواب و أجاب بصوته الهادئ :
    - بلى..أنتَ محق.
    - هلَّا أخبرتني بالباقي إذاً ؟
    - ماذا تقصد؟
    - "سياف" لا داعي للف و الدوران..ما اسم الفتاة التي تحميها مع "درادران"؟
    - البيوت أسرار، يا صديقي.و الآن ماذا تريد أن تأكل؟
    - ”سيــــاف“!!
    - (بعد تنهيدة قصيرة) حسناً، حسناً.إنّ تخمينكَ صحيح.
    - أتعني أنها تُدعى...؟
    - أجل هذا هو ما أعنيه..اسمها "شيماء".
    نهاية الجزء الأول من العدد الأول

    لا تحرمونا من ردودكم المشجعة -clab0" class="inlineimg" />، و طبعاً إذا وجد أحدٌ أي خطأ فأرجو تنبيهي عليه...
    ملاحظة للمشرفين : رجاءً، إذا لم يتم عرض موضوعي هذا فأرجو إخباري بالسبب ..
    وفقكم الله دائماً.

  2. #2


    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    3,560
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    تستحق الشكر والتقييم

  3. #3

    الصورة الرمزية أدولف هتلر

    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المـشـــاركــات
    62
    الــــدولــــــــة
    المانيا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    موضوع ممتاز.... والقصة تمتلك حبكة مميزة، بالتوفيق ، لا زلنا نتنظر إبداعك

  4. #4

    الصورة الرمزية نسيم الامل

    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    المـشـــاركــات
    79
    الــــدولــــــــة
    الاردن
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    لم أكمل القصة بعد
    لكنها جميلة جدا
    والاجمل من ذلك اسلوبك في سرد الاحداث
    ووضف ما حول الشخصيات
    بحيث استطيع تخيل ما يحدث جيدا

    بانتظار العدد الثاني
    و ساكمل العدد الاول سريعا

    تحيآتي

  5. #5

    الصورة الرمزية القلب الصافي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المـشـــاركــات
    628
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    ...بسم الله الرحمن الرحيم...
    اولا احب ان اقول:انا اسوء من تجامل احدا على الاطلاق....
    لذالك ثق تماما بأنني لن اضع غير ما اراه...
    ثانيا التقييم:بصراحة لا اجد عبارة مناسبة لاقيم بها عملك الابداعي هذا ما شاء الله...
    اكمل اخي فأنا انتظر التتمة بشوق شديد...
    بورك قلمك وحقا موضوع يستحق التثبيت بجدارة...
    تحياتي...

  6. #6


    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    المـشـــاركــات
    1
    الــــدولــــــــة
    السودان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    امتااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااع

  7. #7

    الصورة الرمزية صائد المكافآت

    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المـشـــاركــات
    251
    الــــدولــــــــة
    الكويت
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    جزاكم الله ألف ألف خير يا رفاق على هذا التشجيع >> أول مرة يسمع مديح !
    و أعدكم جميعاً ببذل مزيد من الجهد كي تصبح القصة أفضل-yes0" class="inlineimg" /> ^_^

  8. #8

    الصورة الرمزية أبو انس

    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المـشـــاركــات
    340
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    مشكووور اخوي يعطيك العافيه عارف في البدايه حسبتها قصه دموع التماسيح
    بس طلعت غير تسسلم يامبدع

  9. #9

    الصورة الرمزية صائد المكافآت

    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المـشـــاركــات
    251
    الــــدولــــــــة
    الكويت
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    Thumbs up رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
    مشكوووور يا أخي أبو انس، وفقك الله ..
    إذاً فقد آن أوان طرح الجزء الثاني من العدد الاول " class="inlineimg" />، و بالفعل هو مقدم منذ يومين لكن لا اظن أن أحداً اطَّلع عليه؛ لذا سأضع الرابط التالي:

    http://www.msoms-anime.net/showthread.php?t=140224

  10. #10

    الصورة الرمزية コナン

    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المـشـــاركــات
    1,431
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: {{ ألفا }} قصة عالَمٍ لا نعرفه؛؛

    قصة رائعة
    تم تقييم الموضوع
    والمشاركة
    .
    .
    .
    إلى الأمام
    .
    .
    abdode

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...