>> بسم الله الرحمن الرحيم <<
أعضاء مسومس الكرام ،،السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
أولاً: شكراً جزيلاً لـ from Earth ، وحي القلم، و مَن قدّم شكراً أو رداً؛ فجزاكم الله خير الجزاء.
ثانياً:أستكمل معكم العدد الأول إلى نهايته، و أرجو ان يكون أفضل مما سبق ..
ثالثاً: أرجو عدم النقل .
رابعاً: كفانا من هذا الأسلوب المزعج، و لنبدأ دون تأخير>>انتَ اللي معطلنا أساساً يا فالح
{{بداية ألفا}} الجزء الثاني
- أتعني أنها تُدعى...؟
- أجل هذا هو ما أعنيه..اسمها "شيماء".
قالها "سياف"و هو يقف أمام "مازن" حاملاً صحيفة عليها أكواب فارغة، فوضع الجالس كوبه عليها و عيناه تلاقيان عيني "سياف" النافذتين .. و دون أن يزيد حرفاً واحداً ،نهض عن كرسيه و اتجه إلى غرفة النوم. لكن سياف أوقفه بقوله :
- "مازن"، أحد الرجلين اللذّين كانا يصحبانها رآنا ، و قابلنا أيضاً، بل و طلب أن يلتقي ببيتا ألفا حامل السلاح الناري.
التفتَ "مازن" إليه و ساد الصمت لحظة..ثم قال:
- أنا أيضاً أريد أن ألتقي به !
قالها و تابع طريقه إلى غرفة النوم .و ما إن أغلق الباب عليه و سمع "سياف" صوت (تـك) حتى وجد "درادران" يسأله و هو مغمض العينين:
- ألا ترى معي أن الملف الذي أعطانا المدير إياه ناقص؟
نظر إليه "سياف" بطرف عينه، ثم أتبع:
- صحيح، فلم يرد فيه شيء عن كيفية نجاتها من محاولات القتل و الترهيب السابقة. كما أن المعلومات التي لدينا لا تحدد ما إذا كانت الآنسة/ شيماء هذه طبيعية أم متحولة..
- لكن المدير قال أن علينا حمايتها من المتحولين تطبيقاً لقاعدة ألفا.
- بل قال أن المهاجمين كانوا متحولين..ثم ذكر القاعدة، بلا أدنى محاولة للربط بين الأمرين.مجرد تلاعب بالألفاظ لا أكثر.
- لماذا لمْ تخبر "مازن" بأنك لمْ تستطع اختراق عقل ذلك الرجل؟
- لقد نسيت الأمر كلياً،سأخبره عندما يستيقظ..لكن -بما أنك ذكرتني- فأنا حتى الآن لا أعرف ما كان هذا.
- وضِّح قليلاً يا "سياف".
- الحقيقة أنني نجحت في اختراق عقل ذلك الرجل لكنني لم أجد شيئاً بالداخل..مجرد ألوان زرقاء و خضراء.
- ربما كان لا يفكر.. كـ"سميث" مثلاً!!
التفتَ إليه "سياف" و قال بصوت حازم:
- "درادران"، لا تغتبه رجاءً.
- حسناً..لن أفعل.
صمتَ "درادران" هنيهة ثم قال:
- "سياف" ، لمَ لمْ نتدخل عندما تعرضت "رشا" لخطر الاختناق؟
- هه..أتقصد عندما تطور الموقف بين الآنستين و تلك المدعوة "رندا"؟؟ إن المهمة مهمتهما، و كان عليهما أن تتصرفا بنفسيهما، و قد فعلتا.
- لكن..لقد أفصحتا عن المعلومات التي طلبتها تلك القاسية..
- إذاً فالخطأ خطأهما..
كاد "درادران" يقول شيئاً ما لكنه آثر الصمت لمَّا رأى أن الحوار صار سفسطائياً محضاً.
و في غرفة النوم ،كان "مازن" مستلقياً على الفراش لم يكن نائماً بل كان مستغرقاً في التفكير..ماذا تريد تلك الـ"رندا" من باسم؟ ما أهمية معرفة هذه المعلومات التافهة ؟ و لماذا أصرت على تبين العلاقة التي تربط الصغير بأمه (رحمها الله)؟ كان كل هذه الأسئلة تتلاطم في عقله، لكن أكثر ما يحيره هو اسم تلك القاسية : "رندا"..الاسم مألوف لأذنه ،أين سمعه من قبل يا تُرى؟؟ إنّ هذا الاسم مرتبط في ذهنه بالخطر، بأمر سيء حصل ذات يوم..كل ما وجده في ذاكرته هو صوت أمه و تتحدث مع والده في غرفةٍ ما و قد أغلقا الباب..كانت تكرر الاسم بصوت متوتر، قلق.
لكن هذا كان منذ 11 سنة على الأقل، فقد كان في الخامسة تقريباً حين وقف أمام الباب و كاد يطرقه لولا سمع: { - "فاروق"..هذا خطر..لا يمكن أن يستمر الوضع هكذا. - "ليلى" ماذا تقصدين؟؟ - أقصد أنها لمْ تنسى، "رندا" لمْ تنسى.}
(*)درادران“ ينام كثيراً لأنه متحول لأسد و من الحقائق المعروفة أن هذه الحيوانات تنام حوالي 20 ساعة يومياً ،و لكن صديقنا نومه ليس نوماً بمعنى الكلمة فهو أقرب إلى غفوة الحارس الليلي الذي يغلق عينيه في حين أن حواسه كلها متأهبة و متيقظة..و ”درادران“ يكون متيقظاً للغاية في الواقع.
لمْ تنسى ماذا؟؟ أهو ثأر قديم؟ و إن يكن، لقد توفيت "ليلى" منذ عامين تقريباً و ظلت العائلة في أمان منذ ذلك الحين و قبله أيضاً، لا يعقل أن يكون ثأراً إذاً، و إلا لأخذت به أثناء الفترة الماضية..لم يستطع النوم و ذهنه متخم بالتساؤلات، لذا نهض و ارتدى ملابس مناسبة ثم غادر الغرفة في حين كان ”سياف“ ينظف الأكواب، و ”درادران“ مستلقٍ كعادته* على الأريكة، فألقى عليهما التحية ثم غادر لشراء جريدة اليوم،و لدى عودته أخبره ”سياف“ بتلك المعلومات التي وردت في الحوار بينه و بين ”درادران“ قبل قليل، ثم سأله بشأن مهمته فأجاب صقر ألفا:
- مطلوب مني أن أجد تلك المطلوبة للعدالة : ”رعد“،و أطمئن إلى أنها لا تسبب المصائب هي أو شقيقها.
فاستفسر منه ”سياف“ عن دخل الجريدة بالمهمة ، فكانت إجابته:
- من المعروف أن ”رعد“ تسبب المشاكل حيث كانت، إذاً علي أن أن أبحث عن خبر إصابة أحدهم بالصمم بلا سبب واضح أو مقالةٍ لطيفة عن رجل ما يعاني شجًّا في رأسه و تفاصيل الحادث مجهولة..
- وجهة نظر جيدة. لكن هذا لا يكفي يا ”مازن“ ،ثم إنني أعتقد أن ذلك القرصان قد رسا في مكان قريب مهدداً سلامة كل الناس قرب ساحل الخليج العربي..
- أنتَ محق، لكن كيف تريد مني أن أبحث عنه في هذه الحالة ؟؟
- حسناً..يمكنك أن تـ..
بتر "سياف" عبارته إثر رنين هاتف "مازن" النقال -الآتي من غرفة النوم- ،فمطّ شفتيه في حنق ثم أسرع لالتقاطه فإذا بالمتحدث يقول :
- هل أنتَ "مازن فاروق" ؟
- و من غيره سيجيب على هذا الهاتف؟؟ مَن تكون يا هذا؟
- أنا هو الرجل الذي يريد لقاءك..
- حقاً !
- أظنُّ أن صديقيك أخبراك ..
- صحيح. كيف عرفتَ رقم هاتفي يا مَن تريد لقائي؟؟
- أعرف الكثير عنك أيها البيتا. أريد مواجهتك بالسلاح، و سأترك تحديد المكان و الزمان لك.
- و لمَ أقبل بهذا الأمر؟ثم إننا لسنا رعاة بقر في الغرب الأمريكي القديم..
- ربما لسنا هناك، لكن يضيرني و يغضبني ألَّا أبارزكَ.معلوماتي عنكَ تقول أنك مطلق نار محترف، فلمَ قد ترفض عرضي؟
- لأن هذا قد يكون فخاً و أنا أكره الفخاخ..
- أضمن لكَ أن الأمر ليس هكذا ، حقيقةً أنا لا أستطيع أن أعدَّ شركاً لأحد فهذا مخالف لبرامـ..أقصد لمبادئي. و الآن ما قولك؟
- لستُ مقتنعاً بعد، لكنني لن أفوت فرصة مبارزتك بالرصاص يا هذا. غداً في الواحدة ظهراً.أنا لا أعرف المناطق هنا؛ لذا فلتختر أنتَ المكان.
- هناك منطقة سكنية لم تتم بعد في أطراف (حولي) و العمال لا يعملون في وقت الظهيرة بسبب القيظ الشديد، إن كنتَ قادراً على تحمله فسأرسل لكَ إرشادات الطريق إلى هاتفكَ هذا ،موافق؟
- أجل..إلى اللقاء غداً.
- إلى اللقاء . و إن كنت أفضل أن تقول : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
- ...و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.
و أغلق الخط. عاد مازن إلى صديقيه و أخبرهما بأن لديه موعداً في الغد دون تفاصيل أكثر..
و لكن في الجهة الأخرى من الخط كان المتحدث المجهول يبتسم في ظفر و من خلفه رجل آخر متوتر يقول له في انفعال و هو يتلفت بحذر في أرجاء غرفة مظلمة إلا من أضواء شاشات الكمبيوتر المتراصة على مكتب كبير - لكن دون آنسة تبتسم- :
- "قنطار"، لا تفعل هذا، لقد رفضت الآنسة تدخلك..
- توقف عن هذا يا "تامر"..لقد حددتُ الموعد و لم يعد من مفر هنالك..
- لكن ربما كانت الآنسة الصغيرة قد ركبت أحد أجهزة المراقبة في هذه الغرفة أو وضعتْ في أجزائنا جهازاً مشابهاً لتسجيل ما نقوم به..
- لا أعتقد هذا..لقد قمتُ بفحص نفسي مراراً و تكراراً قبل أن أتصل به .
- إن البرامج التي استخدمتها حضرتك من إعدادها هي، فما فائدة أن تفحص ما صنعته يداها بما صنعته يداها؟؟!
- أياً يكن. لقد اتصلتُ به و تحديته و قَبِلَ التحدي..ثم إن برامجي تجعلني أحرص على سلامتها، و مِن ذلك أن أتأكد بنفسي من ذاك الشاب .
- أنتَ ..أنتَ تماطل فحسب يا "قنطار".
- ربما..
قالها و هو يفحص أجهزته و أسلحته المتنوعة..بينما زميله العاقل "تامر" يدور في حلقات و يتمتم بكلمات غير مفهومة لكن مضمونها واضح : { "قنطار" أنتَ آلي مهمل، عديم المسئولية ،لا أدري لمَ صنعتك الآنسة لكنني أكرهك، ستجلب المصائب لنا، "جاتك الهم و إنتَ كابت نفسي و حارق دمي نهارنا أسود لو عرفت الآنسة اللي سيادتك ناوي تعمله "} إلى آخر هذه العبارات المتحضرة..
و بعد حوالي نصف ساعة، عادتْ "شيماء" إلى منزلها و استقبلها الرجلان الآليان بفرح و إن كان "تامر" أوشك أن يصرخ : { آسف يا آنسة..إنه "قنطار".هو من فعل هذا..آســـف} لكن من رحمة الله لمْ يفعل.
و في اليوم التالي، بأحد فصول مدرسة النهضة، أثناء فترة الاستراحة، تعرفت "ميرا" و "رشا" إلى "شيماء" ، و أخبراها عن ألفا، فلمْ يبدُ عليها التشكك أو التردد بل قالت أنه يسعدها أن تصير طالبةً في ألفا. و قد كان التعارف بينهن سهلاً -على عكس المتوقع- و لمَّا سألاها بشأن العلامة أجابت ببساطة و هي تكشف ساعدها كي تريهما إياها:
- إنها علامة مميزة فعلاً تشعرني و كأنني في أحد أفلام الرسوم المتحركة حيث تتلاقى العلامتان -التي تخصني و الأخرى التي تخص أخي الأكبر- ثم تشعان ببريق مذهل عندما تقتربا من بعضهما ، إنها حقاً رائعة.
كان سلوكها عفوياً للغاية، و مخالفاً لما توقعته الفتاتان من أنها مستجدة متعالية تحسب المجموعة الشمسية تدور حولها.حتى "ميرا" رغم كل نواياها الطيبة لأن تري "شيماء" ذات الباع العالمي مقامها ،تلاشت تماماً و نسيت الحوت الأمر كلياً. أعجبتْ "رشا" بملابس "شيماء" المهندمة المنسقة رغم أن تلك الملابس ما هي إلا الزي المدرسي الذي تبغضه "رشا" كل البغض.
شيءٌ واحدٌ أزعج عضوتي الفريق الرابع عشر..لقد تغيبت "رندا" عن المدرسة اليوم..صحيح أن "رشا" هاتفت والدها في لبنان لتطمئن على "باسم" إلَّا أن شيئاً في داخلها أخبرها أن هناك خطأ ما..
و عند الواحدة، كان الدرس الأخير لهذا اليوم يلقى على مسامع الفتيات الثلاث -في فصلين مختلفين- ؛لكن شيئاً آخر كان يجري بعيداً عنهن.. بين تلك المباني غير المكتملة..حيث الحجارة و الرمال في كل مكان..و معدات العمل البنائي منتشرة..كل خمس دقائق، تهب رياح فتذرو الأتربة و الرمال المتناثرة ،و على مسافة 50 متر من بعضها، وقف اثنان، الأول مراهق قوي البنية حاد النظرات و أمامه -على ذلك البعد- رجل على مشارف الثلاثينيات، ملامحه توحي بالثقة و الرغبة العارمة في التحدي، بينما ينتهي ساعداه بفوهتين مدفعيتين ، و على مسافة منهما –تسمح بالمشاهدة- جلس ”تامر“ –الرجل الآلي- في ذات السيارة التي يوصل بها آنسته الصغيرة إلى حيث تريد..رغم أنه مجرد قطعة معدن متقنة الصنع فقد رفع كفيه بالدعاء لله –تعالى- ولسانه –المعدني- يلهج بـ:{ اللهم أنهِ الأمر على خير، لا تجعلنا نتشرد اليوم، لا تشرد أسرتي يا رحمن يا رحيم -رغم أن ليس لدي أسرة أصلاً- أرجوك، أنتَ من خَلَقَ معدني و خَلَقَ الآنسة الصغيرة.}
المهم..هاهما الاثنان يقفان متواجهَيْن ، ”مازن“ سحب مسدسه و راح يديره بسبابته في استهتار -و إن كانت هذه هي طريقته في الاستعداد لقتال بأسلحة نارية- ،أطلق الآلي – المدعو ”قنطار“- طلقة من مدفع يمناه في الهواء مؤذناً ببدء المبارزة النارية..
و في الحال، راح ”مازن“ يصوب مسدسه الأسود –ذا الفوهة و المقبض الفضيين- باتجاه خصمه، الذي تحرك في سرعة و خفة لا مثيل لهما –ذكروني أن أشتري واحداً- و راح يتفادى رصاصة تلو الأخرى في براعة منقطعة النظير، و حتى أثناء حركاته المميزة لتفادي الطلقات كان يوجه الفوهتين في آن واحد إلى ”مازن“ الذي كان مستحقاً لمركزه كــبيتا، و راح يميل لليمين و اليسار بحركات مرنة متفادياً طلقات المدفع السريعة التي ما كان ليراها لولا قدرته على تحويل عينيه إلى عيني صقر –طبعاً عينا ”مازن“ كانتا ثاقبتين أكثر بكثير من عيني بازٍ عادي- لكن طلقة بنصف حجم كرة التنس زرقاء اللون ذات وهج غريب انطلقت أسرع كثيراً من كل سابقاتها لتستقر في ركبته اليسرى، و شعر بذلك الألم المفجع..و يا له من ألم! لقد جعله يسقط أرضاً في تهالك مستنداً إلى ركبته اليمنى السليمة، و ما كاد يفرغ من الاطمئنان إلى حجم الضرر الذي أصابه حتى نظر أمامه..أمامه مباشرة بلا فاصل تقريباً .. و رآه..رأى فماً يبتسم في سخرية، و فوهةً ضخمة مصوبة إلى جبهته.. و أخيراً قالها ذلك الآلي:
- وداعاً أيها القوي العنيد سريع الغضب..الآن لمْ يعد هناك ما يقلقني بشأن الآنسة. كل المشاكل تنتهي بطلقة واحدة..
- إذاً أنتَ آلي..علبة صفيح متحركة لا غير.
قالها ”مازن“ بسخرية حقيقية - من القلب إلى اللسان- ، و ما كاد ”قنطار“ يلكزه بمدفعه في جبهته حتى ..لكز الهواء!!
لقد انحنى ”مزن“ في مرونة مذهلة و اختطف ساق خصمه المعدنية الثقيلة ليلقي بصاحبها أرضاً في لحظاتٍ قلائل، و بين ثانية و أخرى كان يكبل ذراعي الآلي –الملقى و وجهه إلى الأرض- بقوته الهائلة و قد انثنى المعدن تحت أصابعه ثم قال في صرامة موجهاً حديثه لـ“قنطار“ :
- أنتَ متطور للغاية..في البداية حسبتك متحولاً لكن الآن أرى الحقيقة..مَن صنعكَ يا هذا؟ و لِمَ؟
أجابه الآلي في اعتزاز:
- لن أخبركَ لأنني متطور للغاية كما قلتَ بلسانك. دعني أحذرك، إن لمْ تبتعد عني أيها الهمجي فسأصعقك بدرع كهربي..و لن يكون هذا هو خطي الدفاعي الأخير.
- أنتَ؟؟ أنتَ يا كتلة المعدن ستصعقني!! هذه أقدم خدعة في التاريخ..
- دعـ.. ( و صيحة ألم بلا ملامح كأنها صدى صفير الرياح بين الجبال)
- إنْ لم تخبرني بما اريد معرفته أيها الآلي فسأكسر شيئاً آخر.أفهمتَ؟
كان في قمة السعادة و هو يكسر أحد المدفعين لكنه سمع صوتاً خافتاً كالأزيز و رأى بعينيه شرارة زرقاء متوهجة تنطلق من خصلة في شعر الآلي –الذي حسبه مستعارا - و أخرى من خصلة أخرى و ثالثة و رابعة و... حتى صارت كل شعرةٍ تتوهج مصدرةً ذلك الصوت المخيف و هي تتلوى في خطوطٍ منكسرة و في لمح البصر تحولت فوهة المدفع –السليمة- إلى يد عادية بأصابع آدمية ؛ فاتسعت طبقة معدنية لتدخل فيها أخرى ثم تتسع و تدخل فيها التي تعلوها و هكذا حتى تلاشت الفوهة كلها و لمْ يبقَ شيء و قبل أن ينعدم صوت احتكاك المعدن كان جزءاً آخر يتركب في موضع الفوهة على شكل كف بشرية ثم –أمام عيني ”مازن“ –تشكلت صورة وهمية غطَّت الرجل الآلي من أعلى و قبل حتى أن يزول صوت احتكاك المعدن، تركب جزء في لمح البصر يماثل الكف و يحل موضعها -تحت يدي "مازن"- ، و في الوقت ذاته كان ساعداً معدنياً تتجمع أجزاؤه -أمام عيني "مازن"- لتعوض عن المدفع المكسور -على يدي البيتا- و تنتهي بيد لا يفرق بينها و بين يد بني البشر غير بريق المعدن -تماماً كالكف التي تركبت قبل ثوانٍ معدودة- ،و ما إن انتهى الآلي من تركيب تلك الأجزاء حتى زاد توهج الشرارة و حجمها في رأسه، بينما انبثقت مادة رغوية -بلون الجلد الآدمي- من فتحات في جسد الآلي لتغطيه حتى أخمص قدميه، و تشكلت صورة ليزرية -إلكترونية- كفنته على هيئة ملابس عادية، و حتى وجهه المعدني الجامد اتخذ هيئة أقرب ما يكون إلى البشر -بعدما غلفته تلك المادة- ، ثم قال و "مازن" لا يزال يثبته جاعلاً وجهه إلى الأرض بنبرة شامتة ساخرة:
- أتمنى أن تحب طعم الكهرباء!!
و ما إن أتمّ عبارته حتى تضخمت تلك الشرارة بصورةٍ مهولة فلامست أنامل "مازن" في لحظة و صعقت كامل جسده في التي تليها!!
و لعدة دقائق، ظلّ "مازن" يهتز متشنجاً مصعوقاً غير قادرٍ على جذب يديه بعيداً عن مصدر تلك الصاعقة الكهربائية الفظيعة ألا و هو جسد "قنطار" .أخيراً...توقفت الصاعقة و راحت تتلاشى تدريجياً إلى داخل الجسد الآلي أو تنقشع في الهواء.و ببطء..راحت أصابع البيتا تنفلت واحداً واحداً عن ساعدي "قنطار" -الجديدين- ،و عيناه لا تزالان خاويتين جامدتين و ببطء أكثر..انفرجت شفتاه و خرجت الكلمات من بينهما بلا نبرة مميزة :
- كيف؟؟ كـيـف فـعـلت هـذا؟؟لـمْ أمـتْ رغـم أنـنـي لـم أفـلـتـك..كـيـف فـعـلـتَ هـذا؟
قالها و هو ينهض متثاقلاً عن "قنطار" الذي أجابه في اعتزاز:
- أيها الأحمق..لقد حذرتك، على كل حال فإن تلك الفتحات التي خرجت منها تلك الرغوة لم تنغلق مباشرة بعد خروج تلك المادة، إنما زحفت مادة لاصقة غاية في القوة ذات شفافية عالية، و حالما بدأت الصاعقة ثبتت تلك المادة اللاصقة يديك حتى تتلقى الضرر دون إهدار شرارة واحدة...
- و كـيـف لـمْ أمـت رغـم أنـنـي تـلـقـيـتُ كـل الـصـاعـقـة ؟
فأجابه الآلي و هو ينهض عن الأرض في ثقة المنتصر و هو يوليه ظهره :
- لأن الكهرباء التي صعقتكَ بها مقدارها لا يتعدى الـ100 فولت. هذا هو كل ما في الأمر.
- بل هذا هو كل ما أريد معرفته!!
و مع التفاتة "قنطار" عندما سمع "مازن" يقول عبارته هذه في سخرية واعية، جاءته لكمة في موضع عظمة الترقوة -لدى البشر- أطاحت به عدة أمتار حتى ارتطم جسده بجدار إحدى البنايات الصامتة و راحت صورة الملابس تهتز فتتلاشى و تعود و تتلاشى و تعود و ..... رأى "مازن" يقف شامخاً يضرب قبضته اليمنى في راحة يسراه متهكماً ثم قال بصوت جهوري و هو يتقدم من الآلي :
- أحسبتَ حقاً أنني سأتأثر بكهربائك الضعيفة هذه ؟! أنتَ لمْ تستوعب حقيقة خصمكَ حتى الآن، أليس كذلك؟
و بصرامة مخيفة أتبع :
- أنتَ تقاتل البيتا أيها الآلي.
بدا "قنطار" متهالكاً كقطار قديم و هو ينهض مبعداً جسده المعدني عن الجدار بينما عيناه معلقتان بعيني خصمه ، حقاً تلك الصورة في الملف لم تكن معدلة..هناك بريق تحدٍ يلتمع في مقلتيه اللتان لا تزالان كمقلتي صقر جامح..إنّ صقر ألفا يتقدم نحوه في ثبات رغم الطلقة التي أصابت ركبته قبل قليل ..لا يمكن أن يحدث هذا..
إنْ أصابَه ذلك البيتا بضربة أخرى كهذه قد يتوقف عن العمل، و تتعرض الآنسة لخطر جسيم بينما هو قد صار خردة -سكراب يعني- ..ما كان عليه أن يخالف أوامرها..مهمته هي الدفاع لا الهجوم..لقد دُمِّر خزان مدفعيه بالكامل..و الصاعقة التي يسمح برنامجه باستخدامها لا تؤثر في خصمه، أنفدت أسلحتك هكذا يا "قنطار"؟ ماذا تقول لـ"شيماء" عندما تراك ركاماً ؟ هل ستدع البيتا يحطمك؟؟
تضاربت هذه الأفكار في عقله الإلكتروني و هو يرى "مازن" يتابع تقدمه..
ظل "تامر" جالساً في السيارة و هو يراقب الموقف، كان يغلي من القلق، راح يرسل إشاراتٍ إلى صديقه الآلي المنكوب، لكم ما من استجابة، لقد تضرر جهاز الاستقبال في جسد "قنطار" ،و حتى لو وصلته تلك الإشارات فلن يجيب؛ لا ينوي "قنطار" أن يهدر طاقته المتبقية في إرسال الإشارات.. و بصوت متوتر همس "تامر" لنفسه :
- ترى هل تقبل الآنسة ذلك العمل إن تحطم "قنطار"؟؟
و بخوف غريب بالنسبة لآلي، دفن "تامر" وجهه بين كفيه و قال في حرقة -أريد أن أشتري هذا الآلي أيضاً- :
- أين أنتِ يا آنستي الصغيرة ؟
رن الجرس و تعالت التنهدات و الزفرات الحارة بعد انتهاء درس العلوم في فصل الفتاتين، و علتْ الثرثرة و زادتْ في فصل "شيماء" بعد حصة كاملة من الرياضيات، جمعت المتحولات الثلاث أغراضهن ثم غادرن الفصول فالتقين و ودعن بعضهن على أمل لقاء آخر في صفوف ألفا -إن شاء الله- . و حين عبرت الفتاة بوابة المدرسة نظرت إلى الطريق المزدحم باحثةً عن آلييها ،عجباً..أين ذهبا؟ في العادة يظلان أمام البوابة من بداية الدوام و حتى نهايته.أين هما يا ترى؟؟ مطت شفتيها في حنق ثم أخرجت جهازاً صغيراً من حقيبتها يشبه الآلة الحاسبة ثم ضغطت أرقاماً معينة بسرعة شديدة فتغيرت شاشة الآلة، و صارت كشاشة الراصد، ظهرت بقعتان حمراوان و في أعلى اليمين تراصت أرقام : 1740 متراً، فتساءلت همساً :
- ما الذي جعلهما يقطعان تلك المسافة ؟ إنها تزيد عن الكيلومتر و 700 متر،كيف هذا؟
لكنها هزت كتفيها و ابتسمت بينما هي تعيد الجهاز إلى حقيبتها بعد أن أعادت ضغط الأزرار لإغلاقه، ثم قالت بنبرة مرحة :
- على كل حال، حان الوقت لأنشط دورتي الدموية..
و بعد ان أغلقت السحاب سارت إلى شجرة طويلةعريضة الأغصان وارفة الظلال متوارية عن الانظار، ثم هتفت :
- "شداد" أبقِ حقيبتي هنا و لا تسقطها .
ثم قذفت بها لأعلى و ما كادت الحقيبة أن ترتد إليها حتى علقت بذيل أبيض شق طريقه إليها من بين الأغصان ثم سمعت زمجرة خافتة، فابتسمت في رضا، و استدارت بعد أن ألقت نظرة على ساعة يدها -التي ليست سوى جهاز GPS صغير من ابتكارها - ثم أخذت نفساً عميقاً و انطلقت تركض على طول الطريق بسرعة خرافية حتى أن أحداً لم يرها و إنما بعض الناس لمحوا أوراقاً تتطاير بين ذرات التراب المتناثر في عقبها !!
ها هو "مازن" يقبض على كتف "قنطار" بقوة انثنى لها معدنه القوي و يكور قبضته الضروس لينهال بها على رأس الآلي في ضربة قاضية لما رفض أن يدلي بأية معلومات طلبها "مازن" و مع فارق 10 سم فحسب ،توقفت اللكمة أمام عيني الآلي اللتين أصيبتا بأضرار جسيمة من شدة ما تلقتا من الضربات، كيف توقفتْ؟! لقد شقّ خنجر مزخرف المقبض الهواءَ ليحول بين التحطيم و بين رأس "قنطار" ،مما جعل "مازن" يلتفت بحركة حادة إلى رامي الخنجر، فوقعت عيناه على فتاةٍ في زي مدرسي، تقف على بعد أمتار قليلة، على وجهها ابتسامة هادئة..مريحة..لكنه شعر بغصة في حلقه حالما رآها، و شمل نفسه ضيق لا مبرر له، لكنعبارتها اخترقت أذنيه بنبرتها المرحة التي بثت فيه حنقاً كأنما هما اعداء منذ الصف الاول الابتدائي حينما قالت:
- كم أنتَ همجي يا هذا ! أهكذا يتصرف البيتا الألفيون؟
أفلت "مازن" الآلي المنهك -الذي صار مبتسماً حالما سمع صوت الفتاة- و اعتدل في وقفته محدثاً إياها بلهجة حادة :
- و مَن تكونين أنتِ أيتها المزعجة؟ كنتُ أؤدي عملي قبل أن تقاطعينني يا هذه..
اتسعت ابتسامتها و تحولت من الهدوء إلى السخرية و هي تجيبه :
- لنقل أنني صديقة لهذا الآلي..صديقة لا تحب أن يتضرر أصدقاؤها.
حاول أن يعبئ صوته بأكبر قدر من التهكم و هو يقول :
- إن كنتِ حقاً لا تحبين أن يتضرر هذا المعدني (و هو يشير بيده إلى "قنطار" ) فاعلمي أنكِ ستجمعين أشلاءه بعد قليل..
قالها و هو يرفع يده في تحدٍ واضح استعداداً لتحطيم رأس "قنطار" الذي كان يبتسم -لسبب ما- و قبل أن تهوي قبضة البيتا على الآلي هتفت الفتاة :
- "قنطار" ،الدرع !
و بلمح البصر أحاط جدار كروي الشكل فيروزي اللون بالآلي حال دون وصول الضربة إلى رأسه المعدني -غير الفارغ- ،ثم نهض في ثقة -و الدرع لا يزال محيطاً به- متجهاً إلى الفتاة و وجهه -المغطى بمادة كالجلد البشري- يبدو شاحباً ،ليس من أثر الضربات و الارتطام المتكرر بالأبنية، بل بسبب نظرة العتاب و اللوم على وجه الفتاة، التي ظهر من خلفها رجل آخر يسير متلكئاً يقدم رجلاً و يؤخر أخرى و قد ارتسمت على وجهه أمارات التوتر و القلق ، و فجأةً، سرت في جسده انتفاضة عندما سمع الفتاة تقول له معاتبة :
- لمْ أتوقع أن تفعل هذا يا "تامر". ربما يدخل "قنطار" نفسه في أمر كهذا، لكن أنتَ لا..لقد خيبت أملي فعلاً..
لمْ ينعقد لسانه كما يحدث في العادة، و لمْ يطرق برأسه مطأطأً إياها في حرج بل هتف :
- آنستي ،أنا لمْ أقصد هذا..لم أستطع إيقافه و لم أجرؤ على تركه يذهب وحده،أعلم أنني اخطأتُ لكن برامجي تحتم علي أن أساعد الأشخاص الجيدين، و "قنطار" ليس بسيئ على الإطلاق.
كادت تقول شيئاً عندما قاطعها "مازن" متهكماً :
- تساعد الأشخاص الجيدين!! "قنطار" ليس بسيئ!! أأنتم في فيلم رسوم متحركة للأطفال أم مسلسل خيال علمي لإنقاذ العالم؟!
مطت الفتاة شفتيها في حنق ثم قالت :
- الجيدون و السيئون ليسوا أوهاماً أيها الهمجي، أم (و صارت نبرتها خبيثة) تفضل أن أقول: أيها البيتا "مازن" ؟!
قطب حاجبيه و هتف بها قائلاً :
- كيف تعرفين اسمي يا فتاة؟؟ و الأهم من هذا، كيف وصلتِ إلى هنا -قبل قليل- و رميت الخنجر دون أن أشعر بوجودك؟
قالها و هو يحكم أصابعه حول قبضة مسدسه متأهباً لسحبه في أية لحظة، بينما أجابته في برود :
- يبدو أن لديكَ اسئلة كثيرة، لكنني لن أجيبك (حسب "مازن" للحظة أنه يراها تخرج له لسانها) على كل حال( و دست يدها في جيب "مريولها" ثم أخرجت ظرفين و لوحت بهما له)..خذ هذين، و لا تضيعهما أيها البيتا الهمجي!
قالتها و ألقت بهما أرضاً ثم استدارت مع الآليين متجهةً إلى السيارة -التي كان "تامر" يركبها منذ قليل- و لكنها توقفت بغتة و التفتت إلى "مازن"، أو إلى الخنجر الذي رمته منذ قليل ثم بسطت راحة يدها عمودياً نحو السلاح و فجأة..قفز "مازن" جانباً متفادياً مروق الخنجر المباغت جانبه عائداً إلى يد الفتاة التي ابتسمت في سخرية ثم تابعت طريقها باتجاه السيارة، و بعد لحظات كانت المركبة تبتعد حاملةً ثلاثتهم و التراب الثائر من خلفهم يحجب الرؤية عن "مازن" الذي أعاد عينيه إلى حالتهما البشرية الطبيعية، تنهد ثم تقدم نحو المظروفين - ولا أعرف كيف لم يطيرا حينما تحركت السيارة- ،رفع حاجبه الأيسر مستغرباً من أسلوبها الأشبه بأساليب العصابات، لكنه انحنى يلتقطهما ثم راح يقلبهما بين أصابعه متسائلاً في نفسه عن محتواهما، لكنه دسهما في جيبه ثم بدأ يشق طريقه عبر المباني المهجورة حتى وصل -لا ادري كيف احتملَ الحرارة - إلى طريق سريع فاتجه إلى سيارة متوقفة على جانب الطريق فطرق النافذة المجاورة للسائق الذي كان غافياً و من ثمَّ استيقظ على صوت النقر، فألغى القفل حتى يشغل "مازن" المقعد الذي بجانبه ، و قد فعل ، و هو يحمد الله على صلابة جسده و ضعف نلك الطلقات من الآلي و إلا خسر ساقه كلها، فانطلقت السيارة بهما تنهب الطرقات نحو الفندق بمنطقة السالمية.
في تلك الغرفة المظلمة، جلست "شيماء" في مواجهة الآليين اللذين بدا عليهما الإحراج و الخزي، و قالت لهما في عتاب :
- "قنطار"، "تامر"، لمَ تصرفتما هكذا؟ أنتما تعلمان خطورة مواجهة ذلك الشاب، و رغم ذلك ذهبتما لقتاله، و بِمَ؟ بالأسلحة النارية ..
قنطار : - أنا السبب يا آنسة، لا تلومي "تامر" فقد استغللتُ برنامجه لأجعله يأتي معي .
تامر : - إن "قنطار" يبالغ، آنستي. أوامرنا و دوائرناالكهربائية دفعتنا لذلك؛ فحمايتكِ هي الأولوية عندنا.
شيماء : - لمْ أبرمجكما على حمايتي رغماً عني، أمْ أنَّ ما أجنيه من تزويدكما ببرامج العقل الذاتي..خسارتكما ؟!
تامر : - أعتذر يا آنسة..و أنا مستعد لتلقي العقاب.
قنطار : - أنا ايضاً مستعد.
شيماء : -أما انا فلستُ مستعدة لأعاملكما بأسلوب السيد و العبيد (ثم ابتسمت في حنان يتعارض مع سنها الصغيرة) ..نحن أصدقاء .
ثم نهضت و نظرت إلى "تامر" الذي بدت السعادة عليه -رغم أنه آلي- بعد أن قالت عبارتها الأخيرة، و حدثته :
- "تامر" هل أنهيت { مُشَتِّتَ الموجات} أم ليس بعد؟
- أنهيته تقريباً آنستي.
- هذا جيد، أحسنتَ، لكن اجعله صغير الحجم قدر المستطاع.
ثم التفتت إلى "قنطار" و بلهجة عملية -متناسية ما حدث- قالت :
- "قنطار" اجمع المعلومات عن الصيد الجديد، حاول أن تنتهي في غضون نصف ساعة، فبعد أقل من ثلاث ساعات سأبدأ العمل الجاد..
- حاضر يا آنسة. و أسرع الآليان ينفذان ما طُلب منهما بفرح بعد أن سامحتهما مخترعتهما البارعة التي أضافت برنامجاَ للتأثر في "تامر" بينما اكتفتْ بالعقل الذاتي في "قنطار" خشية أن يعميه الغضب يوماً و يستخدم أسلحته الخطرة التي لم يستطع تفعيلها ضد "مازن" لأن استخدامها بغير إذنصريح من "شيماء" لهو أمر لا تقبله دوائر "قنطار" قط.. بينما جلست الفتاة أمام الشاشة كعادتها و راحت تقرأ التقرير الذي يخص صقر ألفا مرةً تلو مرة و هي تلعق سكاكر ملونة -يبدو أن العباقرة مجانين دائماً-.
اجتمع الرفاق السبعة في الشقة الفندقية مجدداً، و أخبرهم "مازن" بما جرى -مع حذف الجزء المتعلق بوقوف شعره لمَّا صُعِق- كما عرض على عضوي النخبة المظروفين؛ و لأن "درادران" كان غافياً كعادته؛ فقد كان "سياف" هو مَن يرى محتوياتهما. و في أثناء إطلاع الجاما عليهما، كان "هانز" متلهفاً ليتبين ما إذا كانت الفتاة التي تحدث عنها "مازن" في قصته هي نفسها "شيماء" أم لا، فانهال على "مازن" بالأسئلة التي تشعرك بسرعة بديهة صاحبها:
هانز : هل كانت تستخدم الخنجر ببراعة؟
مازن: تقريباً.
هانز : أكانت تبتسم ابتسامة بريئة ؟
مازن: في رأيي أنها كانت ابتسامة صفراء كابتسامة ساحرات ديزني الشريرات . (أمانة نقل المعلومات تتجلى بوضوح هنا) .
هانز : أأنتَ واثق؟ على كل حال فقد كانت مرحة، أليس كذلك؟
مازن: بل كانت متهكمة ، سخيفة و خبيثة..
هانز: ربما هي ليست أختي إذاً. هل عرفت ما اسمها؟
مازن: بالطبع لا، و إن كنتُ أتوقع أن يكون : شريرة القرن الحادي و العشرين ، أو: ملكة السخافة، أو...
بمقاطعة حازمة -مهذبة لكن حازمة- من سياف :
- كفى يا "مازن"..تلك الآنسة دافعت عن آليها فحسب، و لمْ تتعمد مضايقتك..
أشاح "مازن" بوجهه في حنق و هو يتمتم بألفاظ لا داعي لذكرها بين هذه الأسطر، بينما كان "سياف" مستغرقاً في قراءة محتويات المظروفين و ملامحه تزداد حدة لحظة تلو اللحظة و في النهاية طوى الصفحات التي قرأها (ليمنع "سميث" من التطفل) ثم طرد الرباعي إلى الخارج بلباقة كما يفعل دائماً مقاطعاً بذلك محاولات الاستهزاء المتبادلة (يا لك من ضعيف يا "هانز"، لقد جرحتك أختك الصغرى جرحاً عميقاً في أولى دقائق القتال..يا لك من مبتدئة يا "ميرا"، لقد تحرك لسانك كـ"الراديو" عندما خفتِ من "رندا" تلك، يا لك من رعديدة...و من هذا الكثير! ).
أخيراً ،تأكد "سياف" من خروجهم جميعاً و عدم وجود أي مُلِمِّع أُكَر عند الباب، ثم قال محدثاً باقي النخبة :
سياف : "مازن" ،"درادران" لقد تأكد الأمر. أخت "هانز" هي نفسها تلك العالمة التي كلفتُ بحمايتها مع "درادران" .
مازن : كان الأمر واضحاً منذ البداية ،فلا رابط آخر قد يجمع بين مهامنا .
سياف : ربما، لكن الأهم أن تلك الآنسة خطرة فعلاً.
درادران : (بنصف عين) و المعنى ؟
سياف : إن أحد المظروفين يحتوي خطاباً رسمياً، يعد تسليمه يداً بيد من المدير إلى المرسَل إليه أحد قوانين ألفا العرب الأساسية.
درادران : أتحاول القول أن المدير يستأمنها أكتر من المعتاد ؟
سياف : لعلك محق.. لكن هذه الرسالة صورة طبق الأصل عن الخطاب الرسمي و ليست الأصل في حد ذاته.
مازن : (في تشفٍ واضح) لعلها استخدمت مهارتها بالحواسيب و الإلكترونيات في نسخ الخطاب أو سرقته -إن صح القول- من حاسوب المدير.
سياف : هذا هو رأيي أنا أيضاً ، و لكن المظروف الثاني يحوي رسالة من نوع مختلف. (و أعطاها لـ"مازن" ) ،رجاءً اقرأها بصوت عالٍ.
مازن : بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إلى صقر ألفا العنيف/ أقصد اللطيف:
أولاً، لا تحية لك..ثانياً: اعلم أنكَ لن تجد "رعد" بأسلوبك الغريب هذا، الجرائد لن تكشف عن شيء؛ لذا سأتفضل عليك و أقدم عرضاً -و إن كنتَ لا تستحق-.. إذا أردت أيها البيتا أن تُنْهي مهمتك، فتوجه الليلة في الخامسة مساءً إلى الموقع الموضح بالخريطة المرسومة في ظهر الرسالة..قد تجد "القرصان" هناك أيضاً لكنني أضمن لك أنه لا ينوي إثارة أية مشاكل. بالمناسبة، استعد لتكره يوم تسلمكَ هذه المهمة....
صائدة المكافآت/ شيماء☻ إعصار ☻
يعض "مازن" شفته السفلى في غضب و هو يرى الخارطة لكنه ينحي خلافاته الشخصية جانباً و يرفع عــينيه إلى "سياف" الذي بادله النظرات ،كلاهما يعرف شيئاً واحداً، تلك الفتاة تم إرسالها من قِبل المدير - السيد/ رءوف- لهدف معين، إنها لم تبذل ذرة من جهدها عندما تقاتلت مع "هانز" سابقاً، لقد تحدد زميل "مازن" الجديد : صائدة المكافآت /شيماء الإعصار.
- لا تدعا خيالكما يسبح بكما بعيداً..
قالها "درادران" و هو يعدل من وضع استلقائه، سأله "مازن" متعجباً :
- "درادران"، ماذا تعني؟ تلك الفتاة المزعجة هي زميلتي الجديدة السخيفة، لا مجال لأن تكون شيئاً آخر.
- يا صديقَيّ..إنها صائدة مكافآت.أي أنها لا تتبع ألفا أصلاً. كما أنها لم تدرس السنوات الثلاث في صفوف ألفا بعد..و باعتبار أنها عالية الذكاء فقد تضم تلك السنوات في عام واحد على أقل تقدير، ربما ستصير زميلةَ لكَ فعلاً يا "مازن" لكن ليس الآن على الأقل، و مَن يدري؟ لعلها ترفض العمل معكَ بعد عامين أو ثلاث؛ تمسكاً بالقيم الإسلامية.
عقد "مازن" ساعديه أمام صدره و راح يحدق في نقوش البساط ،بينما علَّق "سياف" بصره به محاولاً الولوج إلى خبايا عقله الباطن، لكنه لقي حاجزاً قوياً فعلاً، إن "مازن" يفكر بعمق حقاً يستحيل معه اختراق أفكاره.
إن "شيماء" تلك تشعره بالضيق، بالغضب، كيف تحدثه و تكتب إليه بهذه الفظاظة؟ كيف تَحدَّث الآلي و قرر، و بدت عليه أمارات الخزي أمامها بينما هو مجرد صفائح متلاصقة ؟؟ كيف وصلتْ إلى تلك المنطقة المهجورة بدون أن يشعر حتى بوجودها ؟ و كيف...؟
<<مازن>>
انتشله هتاف "سياف" من غمرة تساؤله و شروده فالتفت إليه و هو يقول كلمات من طراز: هاه..ما الأمر..هل كنتُ شارداً؟ ..
اعتدل "درادران" جالساً ثم قال محدثاً صقر ألفا الشارد :
- "مازن" منذ وقع الحادث قبل عامين و أنتَ ترفض الزمالة، و حجرتيْ الإنعاش و العناية المركزية تشهدان حتى هذه اللحظة..هدئ أعصابكَ قليلاً، و رتب أفكارك. هل ستذهب أم لا ؟؟
أسند البيتا القلق ظهره إلى المقعد، و دون مقدمات..ابتسم في هدوء و أجاب :
- سأذهب.
بادله "سياف" و "درادران" ابتسامة : الحمد لله أَدِيْك عقلتَ أهوه، أُمَّال أقلقتنا عليك ليه بس؟؟
عاد "درادران" لغفوته، و "مازن" راح يمعن النظر في الخارطة و اتصلَ بسائق السيارة الذي كُلِّفَ بأن يقل النخبة إلى الأماكن المختلفة في الكويت ليخبره عن الموعد و المكان. بينما دخل "سياف" إلى المطبخ يعد بعض الطعام للغداء *.
(*) إن "سياف" يجيد الطبخ حيث تعلمه في اكواخ التدريب للمتحولين في اليابان قبل عدة سنوات عندما كان يُطلب منه أن يعد الطعام لكل المتدربين.
إنها الخامسة مساءً، جلس الناس -عوام و متحولين- على ذلك الشاطئ يمرحون و يشوون اللحوم، و في بقعة بعيدة نوعاً ما عن مياه الخليج، انتقى "مازن" و "هانز" و "رشا" ثلاث مقاعد في الموقع الذي حددته الخارطة -ليتني أكون بهذه الدقة-، جلسوا هناك لبعض الوقت منتظرين حدوث أي شيء، لكن هيهات ، لا شيء مختلف قد يحـ...لحظة..ما هذا..هناك بائع مثلجات يرفع صوته على زبونة لديه..يبدو أنها ترفض إعطاءه ثمن المثلجات ،يا للهول، لقد انتزع المال من بين أناملها بالقوة..مسكينة تلك الشابة ،إنها تتراجع في ذعر،يبدو أنها خائـ..إنها تلوح بهراوة ضخمة -كهراوات الـ"فايكنج"- و تلقي بكل ثقل تلك الأداة على البائع. كل الناس يصرخون و يتدافعون راكضين بعيداً عنها بينما تضع هي الهراوة على عاتقها في زهو و دماء البائع تجري عبر جرح عميق إلى الرمال ..إنها تمسك بالرجل من ملابسه و تقذف به وسط الجموع المذعورة لتزيدها ذعراً. ها همالمصطفين يبتعدون صارخين مجدداً، حتى المتحولين المتدثرين بينهم كأنهم أناس عاديــــون يــسرعون بالهرب.قد يظـــن العوام أن تــلك الشابة مصـــابة بمــشكلة نفسية، لــــكن المتحولين يـــعرفون..إنها "رعد".."رعد" المطلوبة للعدالة بسبب شج رءوس العوام و إصابة المتحولين بالصمم. إنها تضحك في تلذذ و هي ترى ذلك الخوف في عيون الجـــميع.. لحظة..هناك شخص جالس بهدوء.. هذا مــرفوض ..لا أحد يتعامـــل مع "رعد" بلامبــالاة و ينـــــجو بحياته. هكذا أسرت في نفسها و هي تتقدم من ذلك الجالس. نهضت "رشا" و هتفت في "مازن" :
- ما الذي تفعله يا "مازن"؟ لقد هشمت البائع، و هي ذاهبة الآن لتهشم شخصاً آخر. هل ستتركها تفعل ذلك؟؟
- ذلك الآخر عقله في رأسه يعرف خلاصه ، الجميع يفر إلا هو..فليرى نتيجة أفعاله بنفسه..
المفضلات