في إحدى قرى المسلمين الأعاجم رجل جاوز أشد العمر بخمس سنوات ومع
ذلك لا يصلي ؛ لكونه لا يعرف هل تصح صلاته أم لا ؟ فأهل قريته يؤكدون له أنه
لا تصح منه صلاة مطلقاً !! ربما اشتاقت نفسه للصلاة فيدخل المسجد يريد الصلاة
معهم ، فيردونه من بين صفوفهم ؛ فربما صلى في مؤخرة المسجد غير متيقن
بصحة صلاته ، وربما خرج ولم يصلِّ مقتنعاً بقول ( فقهاء قريته ) الجهلاء .
بعض المسلمين لا يصافحه إذا لقيه ، والآخرون يجتنبونه أصلاً .
عاش هذا المسلم حياة تعيسة مزدرياً لنفسه ، لو كان يعاني من مرض معد لطلب علاجه مهما كلفه ثمنه لينتهي بؤسه ، ولكن مشكلته أكبر من ذلك ؛ فأهل قريته يعدونه من أنواع النجاسات التي يجب أن يتنزه عنها المسلمون ، وللقارئ أن يستحضر منزلة النجاسات ليعلم مدى الاحتقار الذي كان يقابل به .
ما أقسى هذا الشعور ! صار هو الذي يبتعد عن الناس ومجالستهم قبل أن يجرحوه بابتعادهم عنه .
صرخ في وجه زوجته يوماً : « دعيه ؛ فلأن يعذب شهرين أهون عليه من أن يعيش مثلي معذباً طول عمره » ، زوجته المؤلفة التي أسلمت قبل ولما تعرف كثيراً عن الإسلام - صاح بها عندما عاتبته في كونه لم يكن هناك من حاجة لختان ابنهما ؛ فقد مرض الولد بعد الختان شهرين كاملين .
كان من رحمة الله بهذا الرجل أن مر بقريته طالب علم من بلاد العرب ، بل أن يدخل المسجد وذلك الرجل منزوٍ في آخره بحالة تلفت النظر ، فيسأل عن سبب ذلك ، فيعرف قصته ويتقطع لها قلبه ، وعند إقامة الصلاة دعاه من مؤخرة المسجد وثبته في الصف الأول والرجل يرفض ويأبى ، ويُحسَم الموقف بتصميم ذلك الداعية .
عيون الناس تشاهد في دهشة ماذا يجري ؟! ولكن ألسنتهم لا تمتلك أن تخالف ذلك الداعية ؛ فهو عندهم منسوب إلى بلاد العرب أعرف الناس بأحكام الإسلام ؛ فكيف يعترضون ؟! انقضت الصلاة والمصلون على دهشتهم يتوقعون تفسيراً لما يحدث .
شرع ذلك الداعية بالكلام ، كان مما قاله لهم : « إن مسلماً لم يختتن في صغره لظروف مر بها ، ثم لم يختتن في كبره لظروف أخرى لا يكون نجساً أبداً ، وإن لم تكن له أعذار صحيحة ، وإنه يجب على هذا المسلم أن يختتن من فوره وإنه يأثم بتأخره » .
ما أن انتهى من تعليمه لهم حتى قام المصلون نحو أخيهم المبرأ من تهمة النجاسة التي حالت بينه وبينهم دهراً يصافحونه ويعانقونه وكأنما دخل الإسلام لتوه .(قصة واقعية ذكرها أبو عبد الرحمن العامري في مجلة البيان وقال حدثني بها حاضرها أخي الفاضل أبو الحسن الحيداني حدثت بإحدى قرى كمبوديا (
هكذا يظلم الجهل الناس ، بل هذا بعض ما يفعله الجهل بأهله ؛ فهو أكبر سلاح للشيطان في صدور أعدائه المؤمنين .
ما كان أحوج هؤلاء الناس إلى حديث واحد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تنتهي به معاناة أخيهم وهجرهم له ؛ هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « سبحان الله ! إن المؤمن لا ينجس » أخرجه البخاري .
هكذا يظلم الجهل الناس بل ويظلم حتى أصحابه أفلا يجب علينا بعد هذا أن نجد ونجتهد لطرد الجهل عنا وعن إخواننا بدعوتهم إلى العلم والتخلي عن الجهل والجهلاء أليس من جعل الشرك توحيدا من أجهل الجهلاء أليس من جعل البدعة سنة والسنة بدعة من اكبر الجهلاء أليس من جعل أعداء الله أولياءه من أجهل الناس أليس من جعل العلماء الربانيين عملاءا أمريكيين أجهل من حمار أهله.
هذه فقط قصة واحدة من آلاف القصص التي سببها الجهل
ويكفي ان الله أباح صيد الكلب المعلم ولم يبح صيد الكلب الغير معلم الجاهل
ورحم الله أبا البقاء الرندي في قصيدته المشهورة في رثاء الأندلسلمثل هذا يذوب القلب من كمد........ إن كان في القلب إسلام وإيمان
فعلينا أيها الإخوان أن نواظب على طلب العلم والحضور لمجالس العلم وأن نترك الكبر والحياء والعجز ولتكن بدايتنا من رمضان ولنتعلم كيف نحمل الكتاب وكيف نقرأه ...ستجني من ثمار العجز جهلا = وتصغر في العيون إذا كبرتا
ونتعلم تلاوة القرآن الكريم ومطالعة بعض التفاسير المختصة مثل تفسير السعدي ومختصرات ابن كثير...
وقال الشعر الالبيري الاندلسي في قصيدته المشهورة
وتُفقد إن جهلت وأنت باق = وتوجد إن علمت ولو فُقدتا
وتذكر قولتي لك بعد حين = إذا حقا بها يوما عملتا
وإن أهملتها ونبذت نصحا = وملت إلى حطام قد جمعتا
فسوف تعض من ندم عليها = وما تغني الندامة إن ندمتا
إذا أبصرت صحبك في سماء = قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا
فراجعها ودع عنك الهوينى = فما بالبطء تدرك ما طلبتا
ولا تختَل بمالك والهُ عنه = فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس مغن = ولو مُلك العراق له تأتا
سينطق عنك علمك في ملاءٍ = ويكتب عنك يوما إن كتمتا
وما يغنيك تشييد المباني = إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت المال فوق العلم جهلا = لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بون = ستعلمه إذا طه قرأتا
أقوال مأثورة ... قالوا في الجهـــــــــــل :
كفى بالمرء جهلا أن لايعرف قدر نفسه
الجاهل صغير وإن كان شيخا والعالم كبير وإن كان حدثا
إن أعجب لشيء فعجبي لرجال تنمو أجسامهم وتصغر عقولهم
الجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديق غيره
الجاهل من كان جهله في إغراء ورأيه في ازدراء فقوله سقيم وفعله ذميم
الحكيم يناقش في الرأي والجاهل يجادل في الحقائق
لا غنى كالعقل ولا ميراث كالأدبولا فقر كالجهل
الجاهل يؤكد والعالم يشكك والعاقل يتروى
أقل الناس قيمة أقلهم علما فما أضعف الإنسان إذا لم يستطع أن يرفع من قيمة نفسه
الجاهل أعز من أن يكتشف جهله والعالم يمنعه التواضع من التباهي بعلمه
لا فقر أعظم من الجهل
الصخب والصياح ورفع الأصوات شأن الجهال
الجهل شر الأصحاب
احذر من الجاهل إذا تملك
الجهل آفة كلها شر
لا تتهافت على الجاهل فتتهم في فطنتك ومروءتك
الجاهل أجهل من عقرب وأجهل من فراشة
لسان الجاهل مفتاح حتفه
هذا ما تيسر إراده ولله الحمد وهذا الموضوع عبارة عن بحث كنت قد ألقيته أمام حفل في دار القرآن بالمغرب أمام أحد شيوخي وهو أحد خريجي الجامعة الإسلامية
المفضلات