الزهد : (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ))

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    الصورة الرمزية [مِسعَرُ حَرب

    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المـشـــاركــات
    2,871
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Post الزهد : (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ))

    الحمد لله على آلاءه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسماءه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه .
    وبعد ،،،

    إخوتي الكرام الأفاضل أحببت أن يكون أول موضوع لي في هذا المنتدى المبارك أن أقدم لكم اليوم نبذه مختصره عن الزهد والزهاد وأقوال إمام الزُهاد وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ونماذج من حياة الصحابة والسلف وأسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وإياكم من الزهاد العباد ويبارك لنا ولكم في حياتنا ويوفقنا على طاعته ويهدنا إلى صراطه إنه وليُّ ذلك والقادر عليه .

    أبدأ على بركة الله تعالى :
    الزهد
    معنى الزهد : ترك مالا ينفع في الآخرة ، وهناك فرق بين الزهد والورع فالورع : هو ترك ما يخشى ضرره في الآخرة .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الزهد: هو عما لا ينفع. إما لانتفاء نفعه . أو لكونه مرجوحا ، لأنه مفوت لما هو أنفع منه ، أو محصل لما يربو ضرره على نفعه . فالزهد من باب عدم الرغبة والإرادة في المزهود فيه . فالواجبات والمستحبات لا يصلح فيها الزهد . وكذا المنافع الخالصة أو الراجحة فالزهد فيها حمق . أما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد وكذا المباحات " .


    والزهد أنواع :


    1- زهد في الحرام وهو فرض عين .

    2- زهد في الشبهات ، وهو بحسب مراتب الشبهة .

    ( فإن قويت التحق بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحبا )

    3- زهد في الفضول : وهو الزهد فيما لا يغني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره .

    4- زهد في الناس أي فيما عندهم .

    5- زهد في النفس بحيث تهون عليه نفسه في الله ، وهذا أصعب الأنواع وأشقها .

    6- زهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما شغلك عنه .


    وأفضل الزهد : إخفاء الزهد ، وأصعبه الزهد في الحظوظ



    ,,,,والزهد قسمان زهد شرعي وزهد بدعي,,,,



    فالزهد الشرعي ينقسم باعتبار حكمه إلى قسمين :


    القسم الأول منه : ما هو فرض على كل مسلم وهو الزهد في الحرام .


    القسم الثاني منه : ما هو مستحب وهو الزهد في المكروه وفضول المباحات والتفنن في الشهوات المباحة ، وهو على درجات في الاستحباب بحسب المزهود فيه .



    مفهوم الزهد في الدنيا :

    ليس المراد بالزهد في الدنيا تخليتها من اليد وإخراجها ، وقعوده صفرا .

    وإنما المراد إخراجها من القلب بالكلية بحيث لا يلتفت الزاهد إليها ولا يدعها تساكِن قلبه وإن كانا في يده .

    فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك ، وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي في يدك .

    وهذا كحال سيد ولد آدم (صلى الله عليه وسلم) حين فتح الله عليه من الدنيا ما فتح ، فلم يزده ذاك إلا زهدا فيها .

    وكحال الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز الذي يضرب بزهدهم المثل مع أن خزائن الأموال تحت أيديهم .



    والذي يصحح هذا الزهد ثلاثة أشياء :

    1- أحدها : علم العبد أنها ظل زائل ، وخيال زائر ، وأنها كما قال تعالى فيها : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً }ونحوها من الآيات .
    وسماها سبحانه {مَتَاعُ الْغُرُورِ}ونهي عن الاغترار بها وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين بها، وحذرنا مثل مصارعهم وذم من رضي بها واطمأن إليها .
    2- الثاني : علمه أن وراءها دارا أعظم منها قدرا وأجل خطرا ، وهي دار البقاء ، فالزهد فيها لكمال الرغبة فيما هو أعظم منها .
    3- الثالث : معرفته بأن زهده فيها لا يمنعه شيئا كتب له منها .

    وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها .
    فمتى تيقن ذلك ثلج له صدره، وعلم أن مضمونه منها سيأتيه، وبقي حرصه وتعبه وكده ضائعا والعاقل لا يرضى ، لنفسه بذلك .


    فهذه الأمور الثلاثة تسهل على العبد الزهد فيها ويثبت قدمه في مقامه



    وأما الزهد البدعي :

    وهو الذي عليه حال كثير من المتصوفة الذين تركوا الكسب والاكتساب ولم يأخذوا بالأسباب ، وانقطعوا انقطاعا تاما عن الوسائل المشروعة لتحصيل الرزق . فأصبحوا بذلك عالة على الناس يتكففونهم ويعيشون على صدقاتهم وزكاتهم وأوقافهم ، وصاروا عضوا أشل في مجتمعاتهم ، فأوقعوا أنفسهم في محاذير كثيرة منها :

    1- دخولهم في الرهبانية التي نهى الشارع الحكيم عنها .
    2- مخالفتهم لأوامر الله لعباده بالسعي في الأرض وطلب الرزق الحلال .
    3- وقوعهم في مسألة الناس مع قدرتهم على طلب الرزق فاستحقوا بذلك الوعيد الشديد الوارد في هذا الشأن .

    فالواجب على المسلم الحذر من مشابهة هؤلاء في أحوالهم فالزهد المشروع إنما هو قلة الرغبة في الموجود لا قلة الرغبة في المفقود . وعلامة قلة الرغبة في الموجود إنفاقه في سبيل الله . فخلاصة القول : إنه من المعلوم أن كل دعوى لابد لها من دليل عليها ، ليثبت صدقها ويؤكدها ويبرهن عليها .
    قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

    وكذا الحال في دعوى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لابد لمدعي هذه المحبة من علامات وأدلة تؤكد دعواه وتبرهن صدق ما قاله. وما تقدم من علامات وأدلة تعد أبرز وأهم العلامات التي تدلل وتبرهن على صحة تلك الدعوى .

    وعلى العموم فكل عمل يعمله المسلم مما حث الشارع على فعله يعد ذلك دليلا على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، شريطة تحري الإخلاص في ذلك العمل وإرادة وجه الله تعالى به .

    وعلى هذا الأساس فإنه بقدر التزام المسلم بعلامات المحبة وحرصه على تطبيقها تتحدد درجة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ودرجة إيمانه كذلك .
    فمحبته همسا هي جزء من أجزاء الإيمان ، والإيمان كما هو معلوم يزداد بالطاعات وينقص بالمعاصي .
    فتزداد المحبة بمقدار الالتزام بتلك العلامات . وتنقص بمقدار البعد عنها .

    فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم من الدين ، وتحقيقها يكون عن طريق ما شرع في هذا الدين ، لا عن طريق البدع وما تهواه النفوس فالبدع قد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منها بقوله: (( إياكم ومحدثات الأمور )) وهذا الحديث يعني في هذا المقام أن ليس لأحد الحق في التعبير عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما جاء به النبي لا فعلى المسلم أن يدرك هذا الأمر وليحذر من سبل أهل الضلال والانحراف.

    قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} .



    أقوال النبيّ صلى الله عليه وسلم في الزهد :

    (1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي، فَقَالَ : (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )) ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري .

    وخرَّجه الترمذي قي جامعه وزاد في الحديث : (( وعُدَّ نفسك من أهل القبور )) وزاد في كلام ابن عمر : فإنَّك لا تدري يا عبد الله ما اسمُك غداً .

    وهذا الحديث أصلٌ في قِصَر الأمل في الدنيا ، وأنَّ المؤمنَ لا ينبغي له أن يتَّخذ الدُّنيا وطناً ومسكناً ، فيطمئنّ فيها ، ولكن ينبغي أنْ يكونَ فيها كأنَّه على جناح سفر : يُهَيِّئُ جهازَه للرحيل .

    وقد اتَّفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم ، قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنّه قال : { يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } .

    قال النووي رحمه الله : " أي لا تركن إليها ولا تتخذها وطنا ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق الغريب في غير وطنه " انتهى ، والغريب هو المقيم في غير بلده لقضاء حاجة ، يستعدُّ لمغادرة ذلك البلد متى تَمكَّن من ذلك ، وعابر السبيل هو المسافر الذي يَمرُّ بالبلاد مروراً دون إقامة بها حتى ينتهي من سفره ، ودار الغربة وعبور السبيل في هذا الحديث هي الدنيا ، والسير فيها للآخرة ، وذلك إنَّما يكون بتذكُّر الموت وقصر الأمل والاستعداد فيها للآخرة بالأعمال الصالحة ، كما قال الله عزَّ وجلَّ: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} .

    مِمَّا يُستفاد من هذا الحديث :
    1 ـ الحثُّ على استشعار الغربة في هذه الحياة ؛ ليستعدَّ فيها بالأعمال الصالحة . والتزهيد في الدنيا وأن لا يتخذها الإنسان دار إقامة .
    2 ـ فعل المعلِّم ما يلفت نظر المتعلِّم إلى وعي ما يلقى عليه؛ لقول عبد الله بن عمر: (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي )) .
    3 ـ مبادرة الصحابة إلى تنفيذ وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    4 ـ فضل عبد الله بن عمر بأخذه بوصية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وحث غيره عليها .
    5 ـ الحثُّ على المبادرة إلى الأعمال الصالحة دون كسل أو تأخير .
    6 ـ أنه ينبغي للعاقل مادام باقياً والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله .


    (2) عن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يَا رسولَ الله ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : (( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ )) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .


    نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ ... وأيّامُنا تُطوى وهُـنَّ مَراحِــلُ

    ولم أرَ مثلَ الموتِ حقـاً كأنَّـه ... إذا مـا تخطَّتْهٌ الأمــانيُّ باطِلُ

    وما أقبحَ التَّفريطَ في زمنِ الصِّبا ... فكيف به والشَّيبُ للرَّأس شامِلُ

    ترحَّل من الدُّنيا بـزادٍ مـن التُّقـى ... فعُمْرُكَ أيامٌ وهُنَّ قَلائِـلُ



    (3) وعن سهلِ بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
    ولابدَّ للإنسان من حملِ عُدَّةٍ .... ولاسيما إنْ خافَ صولَة قاهِر



    (4) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : " تَلا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ } ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ النُّورَ إِذَا دَخَلَ الصَّدْرَ انْفَسَحَ )) ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ لِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ يُعْرَفُ؟ قَالَ : نَعَمْ (( التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ ، وَالإِنَابَةِ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ ، وَالاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ )) .


    فحيَّ على جنَّاتِ عدنٍ فإنَّها ... منازِلُكَ الأولى وفيها المُخَيَّـم

    ولكنَّنا سَبـيُ العدوِّ فَهلْ تَـرَى ... نَعودُ إلى أوطاننا ونُسلِّـمُ

    وقَدْ زَعَموا أنَّ الغَريبَ إذا نَأى ... وشَطَّتْ به أوطانُه فهو مُغـرَمُ

    وأيُّ اغْترابٍ فوق غُربتنا التي ... لها أضحَت الأعداءُ فينا تَحَكَّمُ


    (5) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَأَقُولُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا آذَنْتَنَا فَنَبْسُطُ لَكَ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ، فَقَالَ : (( مَالِي وَلِلدُّنْيَا ، مَا أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرْكَهَا ))

    وما هذه الأيامُ إلاَّ مراحِلُ ... يحثُّ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدُ

    وأعجَبُ شَيءٍ لو تأمَّلت أنَّها ...مَنازِلُ تُطوى والمُسافِرُ قَاعِدُ





    (6) دَخَل سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى سَلْمَانَ ، يَعُودَانِهِ، فَبَكَى سَلْمَانُ، فَقَالا لَهُ : مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ : عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحْفَظْهُ مِنا أَحَدٌ ، قَالَ : وَذَكَرَ : (( لِيَكُنْ بَلاغُ أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا زَادَ الرَّاكِبِ )) .

    سبيلُكَ في الدُّنيا سبِيلُ مُسافرٍ ... ولابُدَّ من زادٍ لكلِّ مسافِر





    وصية (1):
    ومن وصايا المسيح عيسى - عليه السلام - لأصحابه أنَّه قال لهم : اعبُروها ولا تَعمُرُوها (أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ) ، ورُوي عنه أنَّه قال : من ذا الذي يبني على موجِ البحر داراً ، تلكُمُ الدُّنيا ، فلا تتَّخذوها قراراً . ( أخرجه أحمد في الزهد ) .

    حياة السلف رضوان الله تعالى عليهم :
    (1) وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا في بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عَلَيْهِ .
    قولها : (( شَطْرُ شَعير )) أيْ : شَيْءٌ مِنْ شَعير ، ، كَذَا فَسَّرَهُ التُرْمذيُّ .

    (2) وعن خَبابِ بن الأَرَتِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : هَاجَرْنَا مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى ، فَوَقَعَ أجْرُنَا عَلَى اللهِ ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأكُل منْ أجْرِهِ شَيْئاً ، مِنْهُمْ : مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ - رضي الله عنه - ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُد ، وَتَرَكَ نَمِرَةً ، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ ، بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ ، بَدَا رَأسُهُ ، فَأمَرَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنْ نُغَطِّي رَأسَهُ ، وَنَجْعَل عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الإذْخِرِ، وَمِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا . متفقٌ عَلَيْهِ .
    (( النَّمِرَةُ )) : كِساءٌ مُلَوَّنٌ مِنْ صوف . وَقَوْلُه : (( أيْنَعَتْ )) أيْ : نَضِجَتْ وَأَدْرَكَتْ .
    وَقَـوْلُه : (( يَهْدِبها )) أيْ : يَقْطُفهَا وَيَجْتَنِيهَا ، وهذه استعارة لما فتح الله تَعَالَى عليهم من الدنيا وتمكنوا فِيهَا .


    أقوال السلف رضوان الله تعالى عليهم :

    (1) كَتَبَ عُمَرُ بن الخطاب إِلَى أَبِي مُوسَى ( رضي اللهم عنهم ) : إِنَّكَ لَنْ تَنَالَ عَمَلَ الآخِرَةِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا .

    (2) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلِّ واحدة منهما بَنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإنَّ اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل .

    (3) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : " لَوَدِدْتُ أَنِّي مِنَ الدُّنْيَا فَرْدًا كَالرَّاكِبِ الرَّائِحِ الْغَادِي " .

    (4) قَالَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ رضي الله عنه : " تَابَعْنَا الأَعْمَالَ فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا أَبْلَغَ فِي طَلَبِ الآخِرَةِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا " .

    (5) قَالَ أبو موسى الأشعري رضي الله عنهم : " مَا يُنْتَظَرُ مِنَ الدُّنْيَا إِلا كُلُّ مُحْزِنٍ أَوْ فِتْنَةٌ تُنْتَظَرُ " .

    (6) ودخل رجلٌ على أبي ذرٍّ ، فجعل يُقلِّب بصره في بيته ، فقال : يا أبا ذرٍّ ، أين متاعُكم ؟ قالَ : إنَّ لنا بيتاً نوجه إليه ، قالَ : إنَّه لابدَّ لك من مَتاع مادمت هاهنا ، قالَ : " إنَّ صاحب المنْزل لا يدعُنا فيه " .

    (7) قَالَ سُفْيَانُ الثوري : " الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا : قِصَرُ الأَمَلِ " .

    (8) قال بعضُ الحكماء : عجبتُ ممَّنِ الدُّنيا موليةٌ عنه ، والآخرة مقبلةٌ إليه يشغتلُ بالمدبرة ، ويُعرِض عن المقبلة .

    (9) ودخلوا على بعض الصالحين ، فقلبوا بصرهم في بيته ، فقالوا له : إنَّا نرى بيتَك بيتَ رجلٍ مرتحلٍ ، فقال : أمرتحلٌ ؟ لا ، ولكن أُطْرَدُ طرداً .

    (10) وقال عُمرُ بنُ عبد العزيز في خطبته : إنَّ الدُّنيا ليست بدارِ قرارِكُم ، كتب الله عليها الفناء ، وكتب على أهلها منها الظَّعَن ، فكم من عامرٍ موثَّق عن قليلٍ يَخْرَبُ ، وكم من مقيمٍ مُغتَبطٍ عما قليل يَظعَنُ ، فأحسنوا - رحمكم الله - منها الرِّحلة بأحسن ما بحضرتكم مِن النقلة ، وتزوَّدوا فإنَّ خيرَ الزَّاد التقوى .

    (11) قال الحسن البصري : المؤمن في الدُّنيا كالغريب لا يجزع من ذُلها ، ولا يُنافِسُ في عِزِّها ، له شأنٌ ، وللناس شأن.

    (12) قال بعضُ السَّلف : ما نمتُ نوماً قط ، فحدثتُ نفسي أنِّي أستيقظ منه .



    أنشد بعضُ السَّلف :


    إنَّا لنفرحُ بالأيَّامِ نقطعُها ... وكُلُّ يومٍ مضى يُدني من الأجل

    فاعمَلْ لِنَفسِكَ قبلَ الموتِ مُجتهداً .... فإنَّما الرِّبْحُ والخُسرانُ في العَمَلِ


    دعاء :

    اللهمَّ ارحم في الدُّنيا غُربتي ، وارحم في القبر وحشتي ، وارحم موقفي غداً بين يديك



    وصية (2) :

    قال يحيى بن معاذ الرازي : الدنيا خمرُ الشيطان ، من سَكِرَ منها لم يُفِقْ إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين .

    أيا ويحَ نفسي من نهارٍ يقودُها .... إلى عسكر الموتى ولَيلٍ يذودُها




    لَفتة :
    الإخوة الأكارم إن الدنيا دار مرور وجسر عبور ، فينبغي للمؤمن أن يشتغل بالعبادة والطاعة وأن ينتظر المسافرة عنها ساعة فساعة ، متهيئا لأسباب الارتحال برد المظالم والاستحلال ، مشتاقا إلى الوطن الحقيقي قانعا في سفره ببلغة وسترة مستقبلا للبليات الكثيرة في سفره غير مشتغل بما لا يعنيه من الأمل الطويل والحرص الكثير .



    وأخيراً :
    إخوتي إن النفس عرضة للزلل والخطأ وكل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون فلا تبخلوا علي بالنصيحة والمشورة وفقكم الله لكل خير وبارك الله لكم في رمضان وختمه بالمسرات وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال وأعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة وأعاننا الله وإياكم على صيامه وقيامه .


    ألا رب ذي طمرين أشعث أغبرا ... يدافع بالأبواب إذ ظل معسرا

    مطيع يخاف الله في كل أمره ... يكاد مـن الأحـزان أن يتفطـرا

    ولو يقسمن ألفا عليه أبره ... وكــان حقيقا أن يجـاب ويجبرا



    <ولا تنسونا من صالح الدعاء>

  2. #2


    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    3,560
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الزهد : (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ))


  3. #3

    الصورة الرمزية ابوناصر211

    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المـشـــاركــات
    256
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الزهد : (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ))

    موضوع شامل ومفصل

    بارك الله فيك

    وجزاك الله خيرا

    ونفع الله بك الاسلام والمسلمين

    أشكرك
    ..
    .

  4. #4

    الصورة الرمزية [مِسعَرُ حَرب

    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المـشـــاركــات
    2,871
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الزهد : (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ))

    الأخ From Earth شكر الله لك وحياك الله

    الأخ ابوناصر211 بارك الله فيك أخي ولا شكر على واجب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...