إنَّ الانسجام اللغوي من أهم الوسائل للنجاح الاقتصادي ، " فالإنتاج الصناعي يتطلب أساليب موحدة ومنظمة كما يحتاج إلى سكان متحركين ومتجانسين ، وعلى درجةٍ عالية من التعليم وهذه المتطلبات تعني استعمال لغة واحدة وموحدة ، عن طريقها يمكن أن يتواصل جميع أعضاء المجتمع الذين يشاركون في العملية الاقتصادية " كما يشير إلى ذلك جلنر في كتابه " الأمم والوطنيَّة " .

ويتحدث كولماس عن مؤشرات التعدد اللغوي ، وارتباطها بمتوسط دخل الفرد أو نصيبه من الناتج القومي في بعض بلاد العالم ، فيلاحظ تدني متوسط دخل الفرد في البلاد التي تتعدد فيها اللغات مقارنة بالبلاد التي يقل فيها هذا التعدد ، ففي بريطانيا التي يبلغ سكانها 57 مليون نسمة بلغ متوسط دخل الفرد في عام 1988م ما يقارب 12810دولار ، بينما بلغ دخل الفرد في الفلبين ذات التسعة والخمسين مليوناً من السكان الذين يتكلمون 164لغة ما يقارب 630دولار .
أما اليابان التي بلغ عدد سكانها سنة 1988م ما يقارب 122 مليون نسمة والتي يتحدث السكان فيها خمس لغات فقد بلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج الإجمالي 21020دولار ، بينما بلغ نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في إندونيسيا البالغ عدد سكانها 174مليون نسمة يتحدثون 659 لغة 440دولار فقط ، ويوجز المؤلف ما توصل إليه البحث العلمي في هذا المجال بعبارة جوناثان بول وهي أن " البلاد المجزأة لغوياً بشكلٍ كبير فقيرة دائماً "
وهكذا فإن العرب إذا كانوا يطمحون إلى تكتل اقتصادي كبير يواجهون به متغيرات المرحلة الحاضرة فإن من اهم الأدوات التي يجدر بهم الحرص عليها تهيئة بيئة متجانسة لغوياً ، ولا شك أن الفصحى - لا اللهجات - هي المرشحة لبلوغ هذا الهدف .
فهذه اللغة التي جعلها الله لكتابه الكريم ، ووعاء التراث المشترك ، جديرة بتحقيق كل متطلبات هذه المرحلة .

حتى بوحٍ قادم شكراً لكم