السماء..تبكي!

[مهند.]

السماء..تبكي!
‏.
‏.

سحب قبعته من على رأسه ليظهر شعر قد لفه الشيب وأكتسى لونا رماديا سوى بعض الخصلات التي سلمت من ذلك الشبح الذي لم يترك أثرا على شعره وحسب بل على سائر جسده ،و رسم تجاعيدا على ملامح وجهه الهادئة، ظهرا محودب وعكاز ليكون قدم ثالثة تعينه بعد أن أصبحت قدميه بالكاد تحمله، جلس على الكرسي الخشبي الموضوع بتلك الحديقة ليراقب أشجارها والأزهار المتناثرة بألوان متعددة، و سمائها.. سمائها زرقاء ملبدة بالغيوم الكثيفة لتحجب بعض ضوء الشمس، تلك السماء هي الشيء الوحيد الذي بقي كما هو مرت سنين عديدة تغير كل شيء من حوله حتى هو لكن بقيت هذه السماء وفية لكل الذكريات، بقيت لتذكره بماضيا بعيد..حين كان يأتي إلى هذا المكان، وهو في عمر الخامسة يلعب مع بعض الفتية أويتشاجر ،يتصالح و يتحدث ،يضحك و يبكي وفي النهاية يراقب تلك السماء، تعلق بها منذ صغره أصبحت ونيسه بعد أن أصيب بحادث أفقده القدرة على التحدث ليناجيها بصمت وتفهم ما يقوله..تبادله الحديث أحيانا بسقوط حبات من المطر..ثم تغير كل شيء بعد أن أصبح شابا يافعا أضطر أن ينتقل من هذه المنطقة للعمل، نسي السماء لفترة وتخبطت به سفينة الحياة ، منحته أصدقاء عاش معهم
حياة قصيرة ، فترة كانت بطعم الحلوى تشعرك بعطش بعدها لكن لا تريد أن تفقد طعمها فتترك نفسك تعاني الظمأ ومن ثم ترشف رشفة تذهب بطعم الحلوى بدون أن تطفئ ظمأك وتظل رغبتك تشتهي طعم الحلوى.
‏.
‏.
عاد إلى منطقته وعاد إلى السماء التي لم تفارقه بل بقيت معه في كل أوقاته، حين تزوج ، وحين رزق بمولوده الأول، حين توفي والده، وعندما مرضت زوجته، شهدت هذه السماء الكثير من ذكرياته وشاركته أيامه بحلوها ومرها،بأملها بشغفها، لتصبح دفتر ذكرياته وألبوم صورا يذكره بتلك الأيام التي عاشها بماضيا ما زال يلوح في فكره كل ما تأملها.
‏.
‏.
مرر يده على رأسه وهي ترتعش ثم رفع قبعته ولبسها، لتذرف عينه دمعة كانت أسيرة لوقت طويل، نزلت قطرة مطر وتبعتها أخرى وبدأ هطول خفيف للمطر،، فاجئه صوت طفل إلى جانبه يصرخ بأعلى صوته لرفيقه وهو يشير إلى السماء قائلا "أنظر، السماء..تبكي"

mp3 ‏‎ ‎