السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جلست أفكر في شيء أسلي به نفسي حتى أشعر بالنعاس في يوم كانت الرياح فيه تهب بشكل مخيف، فأخذت أنظر إلى الماضي القريب واستشعرت المذلة التي نعيشها في هذه الأيام وكيف أصبحت دولنا محل هزل أمام الدول الأجنبية بسبب الجهل و السلطة المعترض منها في بعض الدول التي وصلت إلى ما يسمى بالحرب الأهلية، وتحولت تلك الليلة إلى ليلة مخيفة تناسب تلك الرياح التي كنت أشعر بأنها على وشك إلتهامي.
فـ "دُنْياكُم يا ناس حَيَرَتْني "شرعت أنادي بصوت عالٍ وأقول: دنياكم يا ناس حيرتني
سألني احد المارة وكان شابا: أولست منا؟
قلت بثقة: لا ليس بعد الآن.
قال متعجبا: لماذا؟
قلت بعد أن أخذت نفسا عميقا: لست من دنياكم يا ناس لكني من دنيا الذين امنوا وعملوا و اجتهدوا وواصلوا مسيرهم.
قال: ألا ترين بأننا نعمل ونكد ونجتهد، ألم تقارني حالنا قبل عام 1950 و الآن.
قلت: غَريبٌ أَمْرُكُم يا عَرَب، غَريبٌ أَمْرُكُم يا عَرَب...
أخذت أرددها حتى قال لي: افهميني واعلميني فربما أكون بهذه الحياة جاهل.
قلت: عجبا أن تقولوا إن كان الأفضل ممكنا فالجيد ليس كافيا.
قال: نعم والله قلنا.
قلت: إذاً أين هو النمو الحضاري الذي نشهده في الدول المتقدمة كاليابان؟
قال: اليابان مستقلة لأكثر من 100 عام، كما أن عدد سكانها قليل بالنسبة إلى عددنا نحن في الدول العربية، أضيفي إلى معلوماتك أننا نعيش في بيئة صحراوية لا يمكننا الزراعة ولا استخراج الماء العذب ونعتمد على تحلية ماء البحر كي نبقى على قيد الحياه.
قلت: حقا!!
قال: لم الحيرة الآن، ألم تفكري في هذه الطريقة؟
قلت بنبرة اشبة بالخبث: لا والله فكرت، ولكني احترت لجهلك أيها العربي.
قال: كيف هذا؟
قلت: أتعلم أن نسبة الزراعة في أراضي اليابانية لم تتجاوز 16% بغض النظر عن أن معظم هذه الأراضي الخالية من الزراعة أو لا يهتم بها أحد.
قال: ها أنت أظهرت عيبا في اليابان.
قلت: أوليست نهضة اليابان بنيت بعد محنة هيروشيما ؟ أتعلم أن اليابان ازدهرت خلال عشر سنوات بعد تلك المحنة وارتفع إقتصادها كثيرا وعادت هيروشيما إلى ما كانت عليه وضعفه في تلك العشر سنوات.
قال: تلك اليابان ونحن أين؟
قلت: هذا ليس عذرا، ألستم تأكلون ما يأكله سكان اليابان؟ ألستم في أمن واستقرار كاليابان؟ ألستم تملكون شبابا كشبابهم؟ ألستم تملكون عقولا كعقولهم؟ إذا لماذا لم تصلوا كما وصولوا؟
قال: حيرتني حقا.
قلت:مع اني فتاة في الرابعة عشر إلا أنني أَهْدُفُ إلى صلاح هذه الأمة وعودتها إلى ما كانت عليه في العصر الأندلسي بل وأكثر من ذلك.
قال: إذا أخبرينا إلى أين نتجه؟
قلت: لكم الحرية، لا أتدخل في ما تقومون به لكني أريد منكم أن تفكروا قليلا... ماذا لو حاولت الدول الصناعية مقاطعتكم، ألا ترون بأنكم ستعيشون عصرا أشد جهلا من عصر الجاهلية أين عقولكم، وأين أدمغتكم؟
توقفت لبرهة وأكملت قائلة: رغم عمري الذي لم يتجاوز الخامسة عشر، لي تجارب مختلفة لما مررت به من صعوبات في الحياة والتعايش مع الناس، إن أردتم التطور ولديكم العزيمة والإمكانية فمن الأفضل لكم أن تأخذوا عِلْمَ الدول المتطورة ولا تنظرون إلى ما هم أدناكم، أليس العِلْمُ فريضةً على كل مسلم ومسلمة؟
إكتفى بقول: صدقت.
قلت: تقارن الشعوب بالأُخرى بالعِلم والتقدم من جميع نواحيه لا بعدد السكان.
قال: ماذا عن حيرتك للعالم العربي؟
قلت: ألم يقل الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمَنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأصْلَحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِنْ
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُواْ التَّي تَبْغِي حَتَى تَفِيِءَ إِلى أَمْرِ الله فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ الله يُحِبُ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمُ واتَّقُواْ الله لَعَلَكُمْ تَرْحَمُونَ (10).{سورة الحجرات}.
قال: أجل.
قلت: ألم ترى القصف في ليبيا والمظاهرات التي حدثت وتحدث سوريا و اليمن وغيرها حتى وصل الأمر إلى الحرب الأهلية، من واجبكم أن تقاتلوا الظالم إن لم يعد إلى صوابه.
لم يستطع ذلك الشاب قول شيء فقد حاصرته بالأدلة والبراهين التي تثبت مصداقية قولي واكتفى بالنظر إليَّ كنظرة الطفل الجاهل إلى حديث عالم، وفرأيت بأن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر أكثر من تلك الثواني، فقلت: انظر إلى الأمور من عدة زوايا فمن الخطأ أن يُنظر إليه من زاوية واحدة، وقارن نفسك بمن هو أفضل منك كي تندفع إلى التقدم ولا تنس شكر الله على النعمة وتخيل دائما حالها عند زوالها، وتعلم بأن الحياة جارية ولم يركد ماؤها بعد.
توقفت لأخذ نفس عميق ثم أكملت: لا طاقة لنا ولا قوة كي نواجه العالم بالسلاح لكننا قادرون بإيماننا و حسن نيتنا إيصال رسالتنا إلى الملايين عبر الإبداء بالرأي من خلال وسائل الإعلام.
كانت تلك آخر كلماتي، استودعته الله وغادرت المكان مستشعرة ما كان يدور في بال ذلك الشاب الذي أتضح لي بأنه تأثر من كلامي، وانطلقت بإتجاه الشارع الآخر أنادي " دنياكم يا ناس حيرتني " على أمل أن أقابل شخصاً آخر وأعيد له نفس ما قلته لذلك الشاب علي أوقظ نفس أخرى غافلة في سباتها العميق.
"مُذَكِرَةُ قَلْبٍ حَيٍّ يَعيشُ وَسَطَ عالَمٍ مَيْتٍ"
المفضلات