أبكيكِ بالليلِ بالـ"بيداءِ تـعرفني"
بالسيفِ بالرمحِ بالقِرطاسِ بالقلمِ
بالخيلِ والخيلُ في الأوراقِ أخيلةٌ
يستنزفُ الشِّعرُ فيها آخرَ الـكَلمِ
أبكيكِ والشِّعرُ يبكي كالنديمِ مـعي
والكأسُ ما بيننا بحرٌ مِنَ السَّقمِ
أبكيكِ بالدمعِ حينَ الحزنُ يعصرني
كأنني الجرحُ مِن رأسي إلى قدمي
سطوري اليوم أعصابي و أوردتي
دواتيَ القلبُ و الحبرُ المُراقُ دمي
أوراقُ شعريَ أشـلائي أبـعثرها
على دروبكِ يـا قـدِّيـسةَ الألـمِ
أسيرُ أُمـطرُ أشواقاً إلـيكِ فهل
أتاكِ مِـرسالُ أشواقي مـعَ الدِّيمِ
وهل سَمعتِ هزيمَ الرعدِ في شفتي
يهزُّ فـي الليلِ أستاراً مِـنَ الظُّلمِ
يخطُّ بالبرقِ جرحاً في السماءِ وللـ
سماءِ كالقلبِ جـرحٌ غيرُ مُـلتئمِ



يا قدسُ مازلتِ كالأشـجارِ واقـفةً
فهل قتلتِ الردى في قـلبكِ الهَـرِمِ
أحجاركِ البيضُ شابتْ كالزَّمانِ وما
زالتْ تقاومُ كفّي ناحـتِ الصَّـنمِ
ملامحٌ صَقلَ التَّـاريخُ هـيبتـها
بالنَّارِ حتى تجـلّى مـعدِنُ الشَّممِ
سموتِ حتى سما فيكِ الثرى وبدَتْ
أجداثُ جندُ صـلاحِ الـدينِ كالقِممِ
لم يرتضوا الأرضَ سجـانَّاً لوثبتهم
و لم يمدّوا يدَ المـهزومِ للـعدمِ
أكبادهم لم تزلْ حـرَّى تُـنازعهم
مِنْ ألفِ عامٍ إلى الثاراتِ كالحِمَمِ
فكيفَ قامتْ مِنَ الأجداثِ نخوتهم
ونخوةُ العربِ " الأحـياءِ " لم تَـقُمِ



هـذي الوجوهُ التي بالكـادِ أعرفها
ليستْ وجوهَ بني العـبَّاسِ و الحَـكَمِ
عشرونَ عرشاً و جيشاً في الحسابِ إذا
جمعتُهم لم يساووا سـيفَ مُـعتصمِ
" عشرونَ " هلْ زدتُ أم أنقصتُ مِنْ أحدٍ
أخافُ أنْ يخطئ التَّـاريخُ بالـرَّقمِ
نـحنُ المـلايينُ أجـسادٌ مـبعثرةٌ
على خـريطةِ ذئـبٍ جـائعٍ قَـرِمِ
يصطادنا الموتُ مِنَ شبَّاكِ غُرفتهِ
كقـاتلٍ يتسلَّى ساعـةَ السَّـأمِ
لم نتعظ بـعدُ ما زالتْ حـناجرنا
في قبضةِ الرومِ أو في قبضةِ العجمِ
ندورُ حول رحى التَّاريخِ مذ نُقشِتْ
أولى البُطولاتِ في الألواحِ و الرُّقُمِ
نفاوضُ الموتَ خوفَ الموتِ واعجبي
هل للضباعِ مـواثيقٌ مَع الغـنمِ
مِنْ يومِ أن خـلعَ الجـندي بِـزَّتهُ
ضاعت فـلسطيننا في هـيئةِ الأمـمِ



يا شِـعرُ قـلْ أيَّ شيءٍ لا أصدُّقهُ
تقرَّحَ القلبُ مِـنْ معزوفةِ السَّـدَمِ
كُنْ خمرةً دونَ لونٍ دونَ رائـحةٍ
وكـذبةً يدَّعـيها وجـهُ مُـبتسمٍ
الفِـكرُ في هـذهِ الأيَّـامِ مهلكةٌ
وتهمةُ الصِّدقِ أمستْ أعظمَ التُّهَمِ
ماذا يقولُ الذي في قـلبهِ وجـعٌ
يـدُّقُ تحتَ ضلوعِ الصدرِ كاللـغمِ
خـذوا لساني وبيعوني حناجركم
يا أمَّـةَ الطبلِ و التَّصفيقِ و النَّغمِ
كي أجعلَ السيفَ "سوسو" في معاجمكم
وأجعلَ الـ لا على الأوراقِ كالـ نَعَـمِ



الخيلُ و الليلُ لغوٌ فـي دفـاترنا
إنْ لم نكنُ أمَّـةً بالسَّـيفِ والقلمِ
ما قيمةُ العلمِ المرفوعِ في زمـنٍ
لا يجعلُ الرأسَ مرفوعاً معَ العَلمِ
لن أكتبَ الشِّعرَ بالحبرِ الذي غرقتْ
فيهِ العظائمُ فـي مُـستنقعِ اللـممِ
ولن أصالحَ صمتي حينَ تـصفعني
يـدُ الحقيقةِ حتى البُـكمِ و الصممِ
عصرُ المجانينِ هذا لن يُسامحني
إذا تشدَّقتُ بينَ النَّـاسِ بالحِـكَمِ
قلْ أيَّها الشِّعرُ لي ما شئتَ مُتَّهماً
وجهي فلا وجهَ عندي خارجَ التُّهمِ
سأشعلُ الثورةَ الحمراءَ في لغتي
و أضربُ الرَّعدَ في قيثارةِ الحُلمِ
وأطلقُ الجنَّ و الأشباحَ في وطنِ الـ
ـقيانِ و الخمرِ و الغِلمانِ و الخدمِ
و أجلدُ الصَّمتَ حتى يشتفي نزقي
ويصرخ الصَّمتُ في زنزانةِ الصممِ
سأجعلُ الشِّـعرَ كابوساً يـؤرقكم
فمن يشأ أن يـرى الشَّيطانَ فـلينمِ


الشاعر : إبراهيم الطيّار

16 - 10 - 2010