روايتي الأولى (آدم)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 22 من 22
  1. #21

    الصورة الرمزية Bheeg Kun

    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المـشـــاركــات
    4,319
    الــــدولــــــــة
    ساموا الغربية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: روايتي الأولى (آدم)

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ,,

    من مشاركات الاعضاء تبدو القصه ممتعه ,
    ليتك تعيد رفع الفصل الاول حتى نبدأ القراءة
    او تقوم بكتاتبه نصا في اول مشاركه ^^"

    في أمان الله

  2. #22


    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المـشـــاركــات
    36
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: روايتي الأولى (آدم)

    الفصل الثاني عشر
    "اليوم هو أزل لا يتجدد عبرت به ثلة الأولين ووصل إلى الآخرين بشكله الوحيد ،وحين ينتهي دوره في إخبار الناس بحياتهم في صباحه مرة بعد مرة ،فإن قرنهم يكون قد ولى ،وقرن غيرهم يكون وصل" "وإن تحدثوا في حساب وتعداد ،فهو عملة واحدة ،تلقى في أيديهم ليشتروا بها" "وإن تقدم شرق المدينة بدقيقة من النور على أهل غربها ،فسيتأخر الغرب عنه بقدر سبقه من الوقت. وكل ساعة حائط في المدينة تنقلب إلى اليمين ،تقابلها ساعة في جسد الناظر إليها تنقلب إلى اليسار ،وعند الالتقاء..يرجع المرء إلى الكمون ،وتبقى دقات الساعة فوق رأسه مع مشتر آخر. وإذ قرن المدينة رحل وإذا قرن أخرى أقبل"
    خاطب الرجل المعمر أصحابه المحزونين على جانبيه ،وشد على يدي أقربهما إليه وهو يقول:"أتدرون ماقال ربي في الحياة التي تعيشونها بكل ما فيها من سنوات الكبد ،قد قال أن الدنيا كماء أنزله من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح.."
    "وحبيبي عليه السلام وصف وجوده فيها كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"
    "افترون أن جعلها ربي ورسوله شيئاً عابراً أفتجعلونها غير ذلك!!"
    "ستنتهي ساعة العسرة ،لأن لكل شيء أجل محدد ،فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". وإذ أحس خمول إرادتهم تعين مكاناً غير مجلسهم ،وجلس فيه. ثم نظر إلى أثر كلماته أزالت زرقة وجوه بعضهم ،وبقيت قطعه السوداء في وجوه الآخرين. قال الشيخ بصوت خفيض:"يغطيه غشاء يتشرب الإيمان بسرعة وببطء ،والقلوب الغلف لا تنفذ إليها كلمات الحق". ونظر إلى سنام الدابة التي ترعى في جدب الفلاة ،فتراجعت عمامته عن ناصيته ،ونظر إلى السماء فوقه فوقعت على الأرض. وإذ أطل في مجلس قومه لم يلق أحداً وأصغى لحديثهم عند الشجرة فسمع قول حارسه ورد حارسته.
    "لقد أمهلنا العدو شهراً فلننظر ما نصنع فيه. فصحراؤنا خلو من الخير ،وأيدينا خلو من السلاح" وردت المرأة في شيء من الغلظة:"وإنك لم تخبرنا عن أهلك في المدينة ،لو عرفناهم لأرسلنا إليهم أن يشتروا لنا السلاح ويأتون إلينا بالخبر"
    -قد أتوني به ،وأما السلاح فشراؤه عمل ليس بهين. وتحدث حسن بصوته المتزن فقال في رفق:"ليس عليك من حرج يا صاحبي ما فرطت فينا من شيء ،وصاحبك بذل فينا مساعي يبذلها الأب لابنه الوحيد" ونظرت المرأة إلى الرجلين قد استأثرا بالحديث لوحدهما وتجاهلا حديثها ووجود الكهل ،فالتهب في عينها الغضب. وليس الكهل يهتم لحديث الجنود أو يحكم رأيا ،فقد ذهب إلى سيده يطلب منه الحكمة ويحفظ العلم. وأطال الرجال لقاء التشاور عند الشجرة ،وأطلع حسن صاحباه عن عزمه في زيارة المدينة:"سأرجع إليها. إني جندي خبير بعدة الحرب ،فأنا مقاتل محض". "وأنا سأعرف الخبر اليقين من ناصري في المدينة ،فالخبر فقط هو ما يقدر عليه" قال هادي معقباً بسرعة. أما رفيقة لم تحدث بكلمة ،وسأل حسن رفيقه مستفسراً:"هل تثق بأهلك في المدينة يا هادي؟" وتضايق الرجل لشك صديقه المغلف باللطافة فقال مستسلماً:"إنها امرأة يا صديقي ،وامتحنت أمانتها بعهد صغير" وتبينت الدهشة في وجه الرجل والمرأة ،وقالت الأخيرة في خيبة:"مساعدك امرأة إذن". وكانت دقيقة الصمت التي مرت بأصحاب الكهف شديدة الوطء على قلوبهم ،قلبوا خلالها فكرة الفناء في الحرب القادمة وضياع حكمة الشيخ ،في محل تفكيرهم وقال هادي بسرعة:"إن في المدينة أهل لنا ونصرة. أخبرتني صاحبتي أن أحداً يدعى بنور الحق يرسل للناس أن يؤمنوا بربهم. إن الحق سيغزوهم في المدينة قبل معركتنا معهم" قالت رفيقة وهي تنهض:"ليس يمنع الخطر عن شيخي تشاجر أفراد لا نعلم عنهم ،ولكن يمنعه محنك يدبر أمرنا في ضيق عدد الرجال". وركنت إلى مرتفع صغير تفكر وتقدر ،وجلس الرجال في ضيق شديد. وتقدم الشيخ إلى مجلسهم واستقبله حسن فأجلسه وأظهر إليه البشر وقد غفل أن للشيخ عينان في أسفل ترقوته ،وقاطع الشيخ حديثه المصطنع في نبرة حزم ثابتة:"أيها الأبرار فاسمعوني ولا تقاطعوني ،إنما علق الله في صدوركم مضغاً حية وفي صفوف جند المدينة إنها في سبات طويل. أفلا ترون رجلاً دخل داراً في الليل أنه غانم بسبي عظيم؟ إن المعركة المباشرة لن ترد بأس جراراتهم فابحثوا في المدينة علكم ترون ثغرة تدخلون إلى عدو الله منها ،واصبروا واثبتوا في مواجهة شرهم فإن يكن منكم مأئة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين". واسترجع القوم الأمر الفارق كلمات الله التي ختمت على قلوبهم ،وكلمات الوالد التي ختمت في قلوب عدوهم حين كانوا صغاراً لينين. إنهم اطمأنوا ثم سعدوا ثم ضحكوا وراح بعضهم يسلي بعضاً. قال الشيخ في أثر تبدل حالهم إلى هذا الهناء:"وهو الذي أضحك وأبكى ،فبأي مغيرٍ بعده أتبدله؟". إن أصحاب الكهف وإن عرفوا حزنهم فقد لجوا ساخرين من شجارهم العقيم ،ولقد صفت قلوبهم حتى تنتظر تقلباً يعتريها ويرسل مهجته إلى الوجه فيحيله بهياً أبيضاً أو كالحاً أسوداً."إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء". قال الشيخ ورد الكهل جانبه:"إن لربنا الأعضاء أيها الشيخ؟" أجاب الشيخ وهو يرفع يديه إلى حجره:"نعم أيها الطيب ،ولكنها ليست كأعضاء البشر. ولا يعبر بالخاطر صحيح وصفها وهيئتها. إني لا أدري لعل قلبي يرتد عن الإيمان غداً ،أو يميل إلى فعل أو قول يسخط الله علي. أيها الصاحب إن خفت مثلي نوازع القلوب فاسأل خالقها أن يثبتها على الهدى ،وأن يصرّفها على سبيل الرشاد"
    - ليس قلبك مثل قلوبنا ،فأنت عشت الأعوام تملأه من نور الله. أفترى إن تغيرت أفئدتنا وقاتلناك أفأنت قاتلنا؟
    - قد أقاتلكم وأنتم على الحق ،قد أقاتلكم وأنا على الباطل.
    فأسكت الكهل متأملاً في خشوع ،هاهو قلب الإنسان الذي يعول عليه الشيخ الكثير من الخير ،والشر ومصائر الأجساد يدق مرة ومرة بين أضلاعه ،ساعة حبيسة حريتها هي سجن الجسد في سكن تحت الأقدام. تلك الروح من الروح الأولى وهي عائدة إليها في أجل مكتوب محفوظ. إنه ينظر خلال مخيلته إلى اليوم الأخير وتسابق الناس في أخبار الكتاب إلى رب الكتاب ليلقوا الحساب ،كلهم أوتوا أرواحهم التي كانت في الدنيا ،من غير خطأ أو نسيان. وحين يفكر الكهل فإنه يغفل عن الحوادث فيما حوله وينسى كل حديث سابق تأمله ،ثم ينقطع نظره في الأمر مفاجأة ويعود ينظر بعينيه وقد نسي صراعه العقلي ،ولا يذكره. ومن شأن من كان مثله أنه لا يتقدم ولا يفهم إذ الفكرة في أولها يبدأ دائماً حواراً طويلاً في كل مرة ،لا يزيد ولا ينقص. لقد غادر رفيقاه إلى المدينة وبقي مع سيده وحارسته رفيقه. وكذلك فإن الثلاثة انتظروا لوقت طويل.
    لقد كان لأهلهم في المدينة بحث عميق في تحقيق شأنهم وتعرّف مكيدة أصحابها ،ورحلت التي كان هادي في دارها إلى دار أم إلياس في وقت مبكر من يوم الأثنين ،ودقت الجرس. وحين ظهرت لها امرأة جميله بوجه ممتلئ ومسحة من الحزن تُذبله سألت بأدب:"أنت أم إلياس؟ أنا أعتذر..لكن هل لي بالقليل من وقتك؟"وأجابت المرأة قول المرأة فعلاً فتراجعت وفتحت الباب أكثر فتقدمت الفتاة إلى الداخل. وبعين المخبر الشاهدة صدّقت مظاهر المكان واتخذت سبيلاً إلى الأريكة. ونظرت إلى مضيفتها بامتنان وخفضت رأسها لها مرتين ثم قعدت وجعلت حقيبتها الكبيرة على الأرض. قالت بنبرة ودية وهي تبعث بورقة صغيرة إلى الأم:"في الواقع إني أفتش في الأمر لأرضي شيئاً في نفسي..لن أنشر كل ما أتوصل إليه في الصحيفة ،من حقك طبعاً أن ترفضي أي سؤال ،ومن حقك أن تسألي" "إن حرس المدينة يطارد شيخاً كبيراً وعدداً من الفارين ،إن ابنك المفقود كان صاحباً للمسن..أفلا ترين الأمر غريباً أن يرحل في منتصف المعركة؟ سمعت أنه يحب سيده ويقدره كثيراً"
    - اعتقدت أيضاً ان طفلي ذاهب وراء شيخه ،لكن المحقق في القضية أخبرني أن طفلي غادر قبل إطلاق سراح الشيخ ،ثم إن الجيش لا يعتقد بوجوده مع جماعة المتمردين. كل الذي أعرفه أنه راحل إلى مكان قصي جداً..طلب إلي ألا أقلق عليه.
    - وماذا تعتقد الأم في نية ابنها؟
    - إنه ولد غامض ،وازداد جهلي به بعد لزومه الشيخ.
    - ماهي آخر أخبار بحثهم؟ هل خبروا بشي؟
    وحركت المرأة رأسها علامة النفي وأرسلت نظرها إلى الأرض. واستفسرت الصحفية عن صحبة ابنها هل يعرفون شيئاً ،فأجابت الأم بفتور:"لقد اتصلت بصديق ابني فور غيابه وسألته عنه ،فرد علي أنه لم يتصل به منذ زمن طويل. وقد تعاملت الشرطة مع الموقف رغم معارضة أولياء الأمور إجراء استجواب آخر لأبنائهم"
    - هل أستطيع أخذ أرقام الاتصال؟ أريد التحقيق مع هؤلاء الأطفال.
    - سأحرص أن أجلبها لك.
    - أشكرك كثيراً ،أريد أن تعلمي أيتها الأم أن مساعدتك لي تصنع درباً للوصول إلى مكان ابنك. إن المدينة تشتعل ،في عالمها الوهمي إنها تشتعل.
    نظرت أم إلياس إلى حقيبة المرأة في حيرة شديدة ،ثم أفصحت ببعض التردد:"أتعتقدين أن طفلي غادر المدينة حقاً؟ آه أشعر أني لن أراه مجدداً"
    - لا تبتئسي أيتها الأم ،ستجده الشرطة قريباً.
    وتهيأت للنهوض ورفعت حقيبتها الثقيلة واستدركت بسؤال صغير:"أنت لا تعتقدين أن أحداً قام باختطافه ،أليس كذلك؟" أجابت المرأة وهي تقودها إلى الباب لتخرج:"لقد حسبت الشرطة هذا الاحتمال ،لكنها رجحت أنه خرج بمفرده". وشكرت كل منهما الأخرى وأحنت الصحفية رأسها مرة أخيرة ،وارتحلت. قلبت في هاتفها أرقام الاتصال برفقة الصغير واختارت رقماً لتتصل به بعد وقت الدراسة ،واستأجرت سيارة لتصل إلى وجهتها التالية. خاطبها السائق الذي سيطر الأبيض على خصل شعره:"من النادر أن أقل أحداً من محطة القطار إلى السجن ،إلا مجرم قرر الرجوع إليه بعد الهروب" ثم قهقه بصخب فاشمأزت منه ،وقال ببعض الجدية في صوته:"أيتها الآنسة الطريق طويل ،وإني طاويه بالحديث عن أصحابي الذين أضحوا غرباء هذه الأيام. إنهم يتصلون ببعضهم عبر أسلاك الهاتف وكلما دعوتهم لنلتقي على الأرض جعلوا أصابعهم في آذنهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً. إنهم يتبعون شخصاً يقال له نور الحق يبدو سيداً في أرضهم الوهمية..وإذا ما اجتمعت بهم تحدثوا عن حكمته ورسائله التي يرسلها كل وقت إلى رواد هذا العالم". ثم أرخى صوته وزاد من نغمة الجدية فيه ،فقال:"أيتها الآنسة هل تؤمنين أن لأجسادنا خالق؟"
    - هل تؤمن أنت بهذا؟
    - أفكر فيه من حين لآخر.
    - وماذا ترى؟
    فالتفت إليها يحمل وجهه نظرة معبرة قائلاً:"أيتها الآنسة هل تريدين أن توقعي بي.." فتفتق جفناها حتى ظهر البياض ونظرت في وجهه مطولاً ،ثم أحست سلوكها القبيح فأعادت رأسها إلى ظهر المقعد وقد احمرت وجنتاها وتخدرت أناملها وراحت تعتذر:"أنا لا أبتغي منك شيئاً يا عم..أتدري..يظهر لي أن المسيطر قدر أن يؤلب أهل المدينة على بعضهم. أتدري أنا خائفة من اختلاف قريب ،من حرب توشك أن تبدأ. أخبرني ما فعل المتحكم بمكان الداعي على أرضه الوهمية؟" رد الرجل رافعاً صوته باطمئنان:"إنني سعيد بالعيش هنا في أرض البشر الحقيقية ،أنا لا أتبع أخبار ذلك الرجل..أيتها الآنسة ألا تصلك رسائله؟" ردت في شيء من الخيبة:"ليس دائماً..أجزم أنهم أغلقوا عدداً من قنوات بثه لئلا يفتن الناس" ثم أضافت بعد لحظة من الصمت:"أن تكون باحثاً عن الخبر لهو أمر تطفلي مزعج ،غير أني أحقق الآن لأجل أحد الأشخاص ،لذا أجبر على اختراق قانون الأدب"
    - أن تكون مديناً لأحد..ذلك على الإنسان عسير.
    ردت في حياء:"ليس الواقع رد للجميل بل هو رغبة شخصية لأكرمه". أوقف الرجل سيارته ودعاها للنزول قائلاً:"ذلك أقصى ما تصله سيارة مدنية. تمشين بعض الأمتار ثم تصلين البوابة. أتمنى لك التوفيق". ألقت له تحية بكفها ومضت مسرعة عبر الطريق ،ووصلت المكان ورفعت رأسها تحدق في الأسلاك الصاعقة البعيدة. قدمت وثيقة إلى الحارس خلف نافذة المبنى الصغير ،فطلب منها أن تنتظر ريثما ينهي اتصالاً بالمدير. وأجاب صوته عبر الأثير وهو يرحب بالضيفة ويدعوها إلى مكتبه. وحطت الفتاة قدميها الصغيرتين داخل الحصن واتخذت سبيلاً إلى مكتب الإدارة الذي أرشدت إليه. إنها سلكت كل درب سلكه المحقق حين قدم لزيارة المدير وكل شيء كان كما كان ،غير ضياء الشمس الذي سطع على سطوح المكاتب الملساء والجلبة التي تميز المكان عن هدوئه بعد منتصف الليل. لم يلتفت إليها أحد طوال مسيرها إلى غرفة المدير بالرغم من نظرات التعجب والرهبة التي تبثها لواحظها تصديقاً لأدغال المكان وأجسام الرجال الضخمة. ولقد استقبلها المدير بعناية وكان لا يجد حرجاً من مقابلة أحدهم وأعماله متراكمة فوق طاولته ومئات الأشخاص ينتظرون. قال:"نحن نفيد بعضنا البعض. عديني أن تأخذي بقدر ما تعطين" فقالت بلهجة تحمل معنى تقديرياً كبيراً:"نعم يا سيدي ،لست أبغي الحصول على علاوة بقدر الفضائح التي أنشرها في صحيفتي ولكن أريد أن أعرف أين تتجه المدينة. إني أتيتك أسأل عن رجالك الذين هربوا ما أنت خابر بهم ،وأسألك عن رجل سيء الطبع قبيح الوجه ،له شعر طويل" تحدث المدير وهو يتوقف بين الكلمة والأخرى:"أما رجالي فهم مفقودون منذ اليوم الثاني لهروب المسن السجين ،ولحق بهم جندي يقال له هادي. رجل قدم يده ثمناً لحماية الشيخ ،هم في فلاتهم يرموننا ونرميهم ،وسنطبق عليهم قريباً. أما دميم الوجه فقد فقدناه منذ فترة ،بعد أن قضى إجازته لم يعد إلينا. إنه رجل سيء الطبع والجبلة ولقد كان يشرف على ممرضة الشيخ منذ بداية أسرها ،في تنقلها بين السجون"
    - إنها تتلقى تعذيباً قاسياً ،ألم يتقدم أحد للشكوى بشأنها؟ ثم أيها المدير إني لا أفهم انتشار الوباء بين جنودك بهذه السرعة ،ألا ترى معي أنكم أخطأتم في تنشئة الجنود؟ أليس يفترض أن يكون الجندي سداً منيعاً في شأن الطلقات التي تصيبه؟ تلك الطلقات يا سيدي ألا تصيب البدن والعقل؟ ألا تصيب القلب؟ ألا تربونهم على فراغ صدورهم من العواطف والأحلام ،أنا حقا لا أفهم وجود الضعف في أجسادهم العنيدة.
    وتفرس المدير في وجهها بدأ بحاجبيها المقوسين ورمشيها الوارفين ،ثم نظر طويلاً في شفتها التي اصطبغت بلون الدم ،قال:"قد تكونين محقة ،جنودنا يموتون في الحرب لأن قلوبهم خاوية من أية عاطفة ،أو على الأرجح تفيض بعاطفة الهلع ذلك هو فراغها الذي يحركهم ،ويوقفهم" "حسنا إذا أردت زيارة الفرد الذي سيمنح بحثك قوته فقط لو تكلم ،سأمنحك مذكرة موقعة باسمي. لن يسائلونك إن فعلت حتى وإن كانت أيام العذاب الأخير" قالت بسرعة:"شكرا لك يا سيدي ،ستدخلني وقد منعت عنها الزيارة. شكراً جزيلاً لك". ولقد استدعى المدير مساعدته فأتته بسجانة نحيلة يظهر لسانها الطويل كلما ضحكت أو تكلمت وترسل نظرات ماكرة إلى الفتاة التي تنحني قرب المدير. قالت لها وهما يقتسمان الممر الضيق مشياً إلى زنزانة المقصودة بلهجة كريهة:"إذن فقد سمح لك المدير بمقابلتها..حسنا أرجوك أن تتخيلي أبشع الصور أيتها الفتاة الرقيقة. العناد شيء غير محبب أبداً. حسناً من هنا" وفتحت الباب فأطلت الصحفية إلى النائمة في ظلمة المكان وأمسكت قلبها بكفها وهي تقول:"هل تشعلين ضوءاً؟" أجابت السجانة:"سأترك الباب موارباً ،أسرعي".
    تحركت الفتاة نحو الجسد الهامد بسرعة فلامست ساقها إبريقاً معدنياً كان مائلاً فوقع وأحدث ضجة خفيفة وساح ماءه حتى غشى رداء السجينة المهترئ وذراعها الممدودة فانتبهت إلى الزائرة بعينين خائرتين. رفعت الفتاة الإناء وهي تعتذر ثم جففت ما أصاب السجينة من البلل. قالت وهي تخلع سترتها لتدثر الأخرى بدفئها:"إنها نسمات الخريف. يجب أن تبقي دافئة". وحين رأت الثوب الفضفاض يحيط بالجذع الهزيل تحطم قلبها وغاصت في مشاعر الأسى. إن الثعلبة حذرتها من شناعة المنظر الذي تراه أمامها ولكنها لم تعتبر. وتشنج وجهها وأطرافها وهي ترقب السجينة تزحف على الأرض صوب زاوية قذرة فيها حفرة سوداء ومقعد خشبي صغير. وطلبت إلى الزائرة بصوتها الضعيف قائلة:"أريد أن أقضي حاجتي هل تلتفتين إلى الناحية الأخرى". قامت الفتاة إلى الباب ووقفت خلفه فإذا المرأة الآثمة تلقي حذائها فوق حشرة صرصار وتسويها بالأرض. قالت وهي تلمحها خارجه:"أخذت وقتاً أقل مما اعتقدت"
    - سأرجع حالما تنتهي.
    - تقصدين ذاك الشيء..لماذا..نحن نستخدمه لتعذيب الشرفاء أيضاً. أنظري إليها في الوضع الذي لا تحب ،ذلك ممتع للغاية.
    - أتجدين سعادة في إيذاء الناس؟
    - أنا أقوم بعملي فقط. عملي كمعذبة يحتم علي أن أصل بسجينتي إلى أقصى درجة من الألم النفسي والجسدي ،ولست أرى في ذلك عيباً.
    - حسناً لماذا اخترت أن تكوني في هذا المكان؟
    - يا للمثالية العرجاء..أيتها المرأة الفاضلة مكاني هنا أو هناك ،هذا لايغير من الواقع شيئاً. وعملي الذي تكرهين سيقوم به شخص آخر.
    - لماذا يعذب الناس بعضهم؟ لماذا لا يمكن فض النزاعات إلا بالسلاح؟ إن الممرضة وقومها يحملون رأياً..لماذا لا يعرضونه على الملأ؟ ألا تجدين خنق أصواتهم مظلمة كبرى في حقهم؟ نحن لا نعلم من الدنيا كل شيء بعد ،فلماذا..لماذا لا نعتبر رأيهم صائباً؟
    نظرت السجانة إلى المرأة في ارتياب ثم قالت في غير ارتياح:
    - أخبرتك من قبل إنه العناد الذي يسيطر على بعض الأفراد ،فماذا ينتظرون غير القمع! ثم لا تتحدثي في هذه المثاليات معي هنا في هذا المكان(وغمزت بطرفها) فقد تحبسين. لكني في الحقيقة غير جديرة بملاعبة فتاة غبية مثلك ،أحببت في الممرضة دهاءها..وعنادها أيضاً.
    ولما أن ضاق بالزائرة الحال ذكرت فدخلت وسمعت المرأة من خلفها تصرح:"لم تبقى غير دقيقة ،أسرعي". قعدت على ساقيها ومدت يمينها تصافح المحتضرة وقبضت كفها على الأصابع الذابلة تقدم المعطف. قالت بلطف:"لا أريده..استعمليه تستطيعين أن تقولي أني أعرتك إياه ،سلميه لي عند خروجك في ذلك اليوم"
    - من أنت؟ من جانب المحقق وأصدقاءه..إن كنت أتيت لتأخذي اعترافي فاخرجي.
    - لست تبعاً لأي أحد. فقط..أردت أن أسألك شيئاً هل يسيء القوم معاملتك هنا؟ إني أراه تعمداً للقتل وليس لسحب اعتراف...
    وقاطع حديثها سعال طويل عنيف خرج من صدر رفيقتها في علو وهبوط ،وأمسكت بكتفيها ونادت طالبة للمساعدة ،ولكن لا مجيب غير صدى صوتها الهاتف في سراديب المكان الرطبة. وأجابت الممرضة سؤالها وهي تسعل بين الكلمة والتي تليها:"ما أنت؟ أقول لك أنني بخير. شكراً لطيب مشاعرك".
    - استمعي إلي..أنا صحفية أحقق في الأمر..أفيدك أني سأنقل خبرك هذا إلى سماء المدينة ليعلم الناس أنك تعذبين لأنك تشهدين بوجوده وليس لأنك قتلت رجلاً ذات ليلة. إنهم يحقدون عليك هنا لأنك تحملين هديه في قلبك فيزيدون من ويلات العذاب. العاملون هنا تفاعلوا مع فكرتك فعذبوك..وليس يعنيهم أمر القاتل في منزل الهادي.
    وأخذت نفساً طويلاً بعد خطبتها الطويلة ثم نهضت ومضت إلى الباب ،ونادتها الممرضة راجية منها أن تسمع وتفهم:"أيتها الفتاة الطيبة ،قد حرقتني سياط العذاب لأنني لم أعترف ،ولم يكن لها أن تلمسني بمقصد آخر. أيتها الطيبة ما فعل إلهي بهم ،أخبريني أرجوك"
    - إلهك؟ لقد ثوى أهلك إلى مكان بعيد ،إنهم بخير. إن كان ذلك الولد هو القاتل فعجلي بالاعتراف أرجوك فليس له أثر في المدينة.
    رفعت الممرضة وجهها إلى السماء تنظر إليها بين قضبان الشق الصغير ،وقالت بامتنان وبصوت خافت:"كنت أعرف ،كنت أعرف..إنهم منتصرون لأنه ناصرهم". ألقت الزائرة نظرة أخيرة على المكان لتنقل وصفه بالدقة التي يرتضيها ضميرها الحي ثم رحلت برفقة الجندية إلى الخارج. "هل ما قلته لها داخل في التحقيق الذي تكتبين؟ لدي إحساس أنك تساعدين أحدهم". قالت بصوتها الصاخب وردت الفتاة في وثوق:"إني أبحث عن الحقيقة وأعلم بها الناس ،ذلك جل ما أبتغيه"
    - حقاً! أتمنى ذلك. لكن لا تبحثي كثيراً حتى لا تكوني يوماً ما في مركز البحث!
    - أتعلمين أنت تملكين جانباً لطيفاً ،بيد أنك تخفينه بهيئتك العنيفة وكلماتك التي تلقينها في آذان الرجال.
    فتلقى خدها صفعة قوية ،وأخرى قوية ،ولكمة حطت في بطنها فصرخت في ألم. صاحت السجانة في الممر بصوتها الذي يزعج الآذان:"كيف تسمحين لنفسك أن تكلميني كصديقة؟ أنا امرأة برغم كل ما يقولون. وهل يشترط في الأنثى أن تكون وديعة؟ أذهبي إلى بيتك بسرعة". وتجمع وفد سجانات النهار يشهدن هذا الانفجار الرهيب لم تعتده غرفات السجن الهادئة. وغادرت الزائرة وهي تضع يداً على بطنها ،وتفرق الجمع فكان كأن لم يجتمع قبل هنيهة ،ولحظات. وإلى المدينة عادت هالكة من التفكير والتدبير وقصدت منزلها محطة قبل مقر العمل. وعرفت أن في الدار أحداً وتمنت فصدقت أمنيتها رأس أحمر جالس إلى جذعه ،من شجرة التين. وخفت إليه فألقت حملها وأمسكت فرعاً عالياً في اشتياق ،تعيض بهذا عن حرارة كفيه ،قالت:"أنت بخير إذن! إني خشيت أن أصابك بعض بأسهم في المرة الماضية. لا تعلم كم ظلت أجراس الشرطة تصيح في ليلتك إذ غادرت..أنت بخير..أنت بخير". ودعته إلى طعام فاعتذر قائلاً أنه قد حظي بالفعل به. فاقتربت من مقعده من الشجرة وهيأت لها حيزاً فجلست فيه. ثم سردت عليه وقائع اليوم فأنصت لها في انتباه شديد. قالت:"أي صاحبي ذلك الولد إلياس أعرف أصحابه الذين ابتغيت وصالهم. إن أمه دعتني لزيارتها مرة أخرى ،إن أردنا مبحثاً" رد في جمود:"ليس عليك أن تتصلي بهم ،سألقاهم بنفسي ،ذلك سيودي بك إلى الهاوية".
    - وماذا إن عرفوا أنك أتيتني وحملت علمي عنهم ،فثقفتهم؟
    - قد زرت الأم ذات يوم ،وأخذت منها علماً بشأن صديق ابنها..
    - أخذت حقاً؟
    - استمعي إلي تلك الأم في شتات وضياع فلن تتأكد إن أنا كنت آخذاً أم لم آخذ. أنا لا أريد أن أزج بك إلى تهمة حتى وإن كنت خارجة منها كالشعرة من العجين..ولكن أظن أني مجبر على هذا. لا أستطيع أن أزور المرأة الآن فقد تقتلني بسلاحها الموجود في حلقها فيجتمع على جثتي الناس. أنا في الحقيقة لا أريد أن أحدث لك كل هذه الآلام ولن أحدثها أبداً.
    فرمقته طويلاً وقالت:"هادي ،أرجوك أشركني في تعبك ستجدني من الصابرين" رد بسرعة وهو ينظر إليها بعزيمة وإصرار:"إلى متى تعتقدين سأكتم أمري؟ إني ناشره قبل أن تنشر شمس الأثنين أشعتها ،اليوم القادم ليس بعده أو بعيده ،ذلك قرار أكيد" فبدا في وجهها العجب والغضب الرؤوف ،صاحت:"لم أنت متعجل هكذا؟ دعني أدعمك أرجوك. أسمع..لطالما اعتقدت أن دينك الذي أنت عليه إن شاركتك فيه ،سيقربني إليك زلفى..لكني قرأت من وحي نور الحق وجذبني كلامه وعلمه. فإن مشاركتي الآن في معتقدك و.." والتفت إليها ينتظر تتمة الحديث ،ولم تكمل. قال وقد مر بالبستان رائحة طيبة:"أصغي إلي ،أنا لا أدعوك إلى القتال معنا ولكن أدعوك إليه. إلى الله الذي رفع سبع سماوات وبسط سبع أرضين ،إلى من يراقب حديثنا الآن. عندما تؤمنين به فذلك مبلغ هنائي وسعدي ،وإن كشفت نفسي ثم نشرت علمي ،وحميتك ضريبة الاجتماع معاً ،فأنا سعيد..إن كنت تسعين لإسعادي"
    - نعم أنا أريد مشاركتك في نفسك ،وفي معتقدك..أريد القرب منك.
    فتحول نحوها بكامل جسده وربت بيده على خصلاتها البنية ،فقال:"لا أملك الوقت لمثل هذا ،لا تنظري إلي ،لا تلحقي بي. إني لن أبني لك بيتاً أو أنجب لك طفلاً ،إني لن اقترب منك أكثر..فأنا لا أجيد غير هذه الحركة". خفضت نظرها عن ملاقاته متمنية أن تنزع من رأسها كف الامتنان الكبيرة. قالت بشجاعة وعبرة تتراكض في حلقها:"أنت كريم ،تريد أن تقود أهل المدينة إلى دين الهدى ،أنا أتفهم اهتمامك..سأكون منتظرة لك..عندما تعود..والواحة التي تجد فيها الظل إبان سعيك" قال والكلمات تتلاحق في حديثه السريع:"لا أنت لم تفهمي أن هذه هي الزيارة الأخيرة ،ستبقين في ذكري شخص جاد علي بماله ونفسه ،ولكن لا أعد بيوم أطرق فيه بابك فتقدمين لي كوب الشاي" وأسكت عن الحديث ونهض ،قال:"أعتبر نفسي مسئولاً عن مشهد السجينة الذي مزق فؤادك.." قاطعته بسرعة:"ذلك من أجل عملي.."
    - بل هو من أجلي أنا. أسمعي ألا أسلمي له؟ سأعلمك كيف تعبدينه خمس مرات في كل يوم وليلة.
    ولقد شهق قلبها بالحب لربها ولمن حببها فيه ،فتهادت في الأنحاء كلمات الشهادة ،تنطقها حرفاً حرفاً ،قالت مولية وجهها إلى السماء:"ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع هادي لله رب العالمين". وتيقنت إذ ذاك أن جملتها قد وجدت مسمعاً حياً ،وليس بمسمع بشر.
    تلك الصبية لم تحزن لذهاب رفيقها وقد وعدها أن يعيد نقودها مع رسول في وقت قريب. إنها ستتبعه وتتشبث به بالطريقة التي لا تغضبه في صفوف الجيش الخلفية حيث تجتمع الممرضات ورسل الخبر. ذلك ما عزمت عليه ،فهي لم تحزن. وبجرأته التي لا تعترف بحذر عبر مسالك المدينة وفجاجها بعد أن ودع نصرته ،والتحق بصديقه في ظل قريب. قال وقد رآه غافياً يحادث نفسه:"وفي أرض العدو نجد الأمن ،وتحت ظلالهم" وتقدم منه فجلس جانبه وسمعه يقول:"أتيت إذن ،كيف كان الأمر؟" رد متهرباً:"على أفضل حال. وأنت؟ أمر بك مزعج هنا؟"
    - لم يأت أحد. إن المدينة هادئة على غير عادتها في النهار..إنني أعني رفيقتك هل أفضت إليك بشيء؟
    - لقد انتهى الأمر. وأحسبها الآن من عباد الله الصالحين.
    - ماذا عن حديث الجنود؟ ماذا عن صوت المدينة؟
    - لم أطلبها المزيد يا..أخي..ألم يآخي الشيخ بيننا؟
    ورمقه حسن بنظرة يأس ،إنه لن يفيد بحديث أو يبشر بخبر. وافترق الاثنان ووعدا أن يلتقيا في مكانهما هذا بعد ساعة من غروب الشمس. وانطلق هادي يحقق في شأن الغلام حِبّ الشيخ ،فتحدث إلى صبي من هاتف عمومي على الطريق. "إن كنت تحب الرجل المسن ،فتعال إلى الميدان الكبير بعد ساعة". قال هذا أربع مرات متتالية ثم تلفت يمنة ويسرة وغادر الغرفة. سار على الطريق الذي أتى منه وتوقف فدخل مقهى صغيراً يلجأ إليه المحبطون والمحزونون فيجدون فيه الراحة. واتخذ مجلساً أمام شاشة في آخر الدكان ،وخطت أنامله على سطحها كلمتين متصلتين"نور الحق". وفاجأه خطاب النادل وهو يقول:"كثيرون يبحثون عن هذا الشخص. يبدو أنني في عمري هذا لم أعد أفهم العالم. حسن..ما طلبك؟"
    - لا أرغب بشراب. شكراً لك.
    وقطب جبينه في استهجان لقلة ذوق العامل ،تلصصه حول ما يبحث عنه. وعقد حاجبيه ثانية وهو ينظر لآلاف المناقشات التي تدور بين الكلمتين ورسائلهما اليومية. قرأ"إن نور الحق شخص عادل ،ومفكر حقيقي ،هل زارتكم كلماته هذا اليوم؟ (هل تعتقد أن هناك شخص أعلى منك ،وإذا كان رأيك أن البشر سواسية..فهل لديك اعتقاد بوجود من هو أعلى منهم علماً ،وقوة ،وفضلاً؟ انشر فكرتك الخاصة وناقشها مع الآخرين)".
    "نور الحق ليس له وجود ،إنه وجه وهمي لمنظمة شقية ،لا تؤمنوا بأفكاره"
    "نور الحق شخص عبقري ،لو حكم المدينة لأحالها إلى جنة لا يظلم فيها أحد أحداً"
    "هل يرسل رسائله كل يوم؟ لا يصلني منها إلا اثنتين في كل أسبوع"
    "أنا سأحاول البحث عنه؟ لي صديق يحجب قنواته ،سيعمل على تتبعه وكشفه في القريب"
    "أعتقد أن مقاليد الحكم في يد أسوأ رجل في المدينة ،هل نصرخ جميعاً؟"
    "هاي ،ما تعتقدون هيئته تكون؟ ربما يكون امرأة! أو رجلاً وسيم. لكني أرجح أنه ذو مظهر سيء"
    "إنها خزعبلات وألاعيب ،أعرف أنها حيل الفقراء. أن يجعل الناس طبقة واحدة عند من لا نعرفه ،ولا نراه."
    "هاي حصلت على معلومات بشأن منزل قديم كان يجتمع فيه شرذمة مشكوك في أمرهم..ما رأيكم أن ننظم رحلة إليه؟ بالمناسبة سمعت أن مصيبة حلت فيه قبل فترة ،جريمة قتل وحشية! هل سيذهب معي أحد! أفضل لو كن فتيات يركنّ إلي حال الخوف!!"
    "ما لمشكلة في الطبقة الدانية من المدينة؟ أنا فرد منهم وأجزم أنني خير وأفضل من أعاليها ،من يصموننا بالحثالة ،بطونهم منتفخة بالمال النجس"
    "أنا فتاة يتيمة ،حتماً سأشترك في أي مغامرة متهورة فقد أردت الموت منذ زمن"
    "يمكنك أن تنظر إلى الحروف التي يبعثها إلينا ،إنها صور من كتب بالية لكنها مليئة بالعلم. تمعن في المعاني (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). هل درست الآثار؟ أنا عالم بها ربما يمكنني أن أعرف من أولنا ومتى سيقدم آخرنا. ربما نور الحق مبشر منهم. لكن هذه المدينة تحيط نفسها ببحر كبير وبيداء لا تنتهي..ربما سأستأجر سفينة وأختار البحر"
    "قرأت الكثير ممن يحفرون قبورهم بأيديهم..ربما نور الحق يشاهد هذا ويضحك الآن"
    "لقد دخلت إلى مكتبته ووجدت العديد من الكتب..لكنهم أغلقوها. أرشديني إلى قناته الأخرى أرجوك يا زهرة"
    "هذا الشخص لو وجدته لجعلته بطلاً لعملي القادم ،لن أذكر اسمه لكي لا يعرفني أحد"
    انتهت منحة البحث وتقدم هادي فدفع ،وودعه النادل بأسنانه الصفراء النتنة. وأحس أنه المقصود في أحاديث المارين من حوله فتنهد وتمنى لو ابتاعت ريحانة قميصاً أوسع من الذي يرتديه. وبدا انكسار ضوء الشمس الأحمر على الأحمر أعلاه حارقاً ويهيج عين الناظر. ووصل مكان الاتفاق فوجد صبياً قصيراً يجول حوله في شيء من التوتر. حياه فانتبه إليه ودعاه إلى مجلس قريب فأجاب بعد لحظة من التردد. سأله هادي عن أصحابه فنظر له الغلام قليلاً ثم أفصح قائلاً:"أنت الصوت على الهاتف؟ إن أصحابي لن يأتون"
    - لماذا؟ أنا رجل صادق. إذن انقل هذا لأصحابك ،إن الشيخ كلفني أن أقول لكم هذا(أنتم في موضع الصواب ،أثبتوا على الحق ،أنا لم أتخل عنكم وستكونون سندي في وقت قريب. لاتنسوا أطيعوا آبائكم وقبلوا أمهاتكم قبل ذهابكم للفراش. أنا أدعو لكم. أثبتوا يا أحبابي).
    ونظر الصبي مطولاً في وجه محدثه ثم صد عنه ونظر إلى البعيد ،وبدا لهادي غرقه بتقليب مقالة الشيخ في رأسه الصغير. وانتبه الاثنان إلى صبي متعلق بجذع عال من شجرة يفتش بناظريه ،وعرفه الطفل فأسرع نحوه. ناداه وهي يخف إليه:"نحن هنا..تعال". وقفز الصبي من علوه إلى الأرض وتأوه قليلاً وهو يدلك ساقه بيد واحدة ،ثم هرول إلى مجلسهم.
    - هل غيرت رأيك وانضممت إلينا؟
    - هل هذا هو السيد الذي اتصل بنا؟. قالها وهو يفحصه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه. ورد صاحبه معاتباً:
    - عليك أن تكون أكثر أدباً في حديثك معه ،إنه رسول الشيخ.
    ونهض هادي وخطى اثنتين ثم قال:"أنتما أتعرفان شيئاً بخصوص صديقكما المفقود؟" ورد الصبي الواقف ببعض الغلظة:"لا نعرف شيئاً. قد مللنا هذا السؤال. ذلك الصبي كان صديقاً حميماً للشيخ ينظر إلينا وكأننا دخلاء ،هو لم ينسج وشائج صداقة معنا ،بل كان صبياً متكبراً"
    - الكبر شيء ليس بجميل. لم تخبراني عن اسميكما؟ وأنا بعد لم أخبركم عن اسمي.
    قال الطفل الذي أتى أولاً:
    - أنا هشام ،وهذا غسان. نحن مقربان منذ البداية. في الحقيقة أنا لم أحضر مع الشيخ سوى مجلساً مفرداً ،فإنك ترى أني لا أعرف عنه الكثير. وددت لو سألته عن أشياء وأشياء(ثم أكمل بانكسار) لكنه رحل. (ثم قال بحماسة مفاجأة):بما أنك صديق سيدي فلابد أنك تعرف الكثير..ما أخبرك في أمر الجن؟ وأين الملائكة؟
    نظر هادي إلى وجهه الذي اندفع فيه الدم وعينه التي لا ترمش ،قال:
    - أما الجن فقد لقيت أحدهم..شيخ يظهر ويختفي ويفعل المعجزات ،وأما الملائكة فأعرف أنهم طيبون طاهرون ينقلون رسالة الله إلى مصطفيه من الدعاة..آسف إنني لا أعرف الكثير.
    رجع الصبي المتحمس بتعبير خائب وخفض رأسه ينظر لحذائه ،أما الآخر فقد انشغل بحك رأسه في غير اهتمام كبير. قال هادي وهو يهم بالمغادرة:"هشام وغسان ،شكراً لكما(ثم نظر ناحية الأول واستطرد) أخبر صديقك بالذي أخبرتك به". وأولاهما ظهره فسمع صوت الأخر يقول بهدوء:"أنت الرجل المطلوب ،أليس كذلك؟ أنت لم تخبرنا عن اسمك" ولم يلتفت إليه هادي إذ كلمه وجاوز مقعداً آخر ،فتبعه الصبي وهو يقول:"أتعلم كم عرضت الشرطة على جثتك؟ الكثير من النقود..وبالطبع التسهيلات". ولحق بالصبي صديقه وهو يرجوه أن يترك رسول الشيخ ،فرد في كبرياء:"إنني غير مهتم ،رغم أنني من طبقة وضيعة والمكافأة ستحركني منها..(ونظر إلى العابرين) إلا أنهم لن يتركونك بالتأكيد" ثم ربت على ظهره وهو يقول:"كن حذراً". فتركهما هادي وهو يشير لهما من البعيد:"ستكونون في كتيبتنا قريبا يا رجال!". وقفل راجعاً إلى الظل مكان اللقاء ،وانتظر.
    ولقد غربت الشمس كلياً ولكن حسن صديقه لم يأت فتضايق وتأمل خيراً ،وضاق صدره أخرى فنهض. وأوصله إلى الجادة التي أشار إليها حسن رجل نحيل ،بائس المنظر لم يهتم لتقاسيم وجهه أو بروز عضله ورضي بالقليل. وترجل هادي من مركوبه وجال بين الأزقة في سكون الليل وحدق بعينه عله يعثر على رفيقه الضائع. ونادته عجوز تجلس إلى سلم قصير فأجاب ندائها واقترب. قالت مكشرة عن بقية أسنانها:"أي رأس هذا الذي أراه؟ دعني أعقد خيط الدم(شعره) هذا في ثوبي فإنك حينها ستكون بخير". وعرف هادي فيها ما أرادت خيراً وهي قصدت مأرب المال. فأعرض عنها وأكمل طريقه ،فخاطبته بصوتها الخشن المتعرج:"سأجعلهم يلحقون بك ،أبنائي سأجعلهم يؤذونك" ثم نفضت ردائها الغليظ عن كتفيها فقفز أمامه ثلاثة أقزام يتلاحقون ،قالت وقد لمحت دهشته:"اخفض لي جناحك يا هذا ،فكل من يمر أمام عيني لا يعود سالماً" خاطبها بسرعة:"أتخوفين الخلائق بهذا؟ أنا لا أريد أن أعلق نفسي ببشر" فزمجرت بغضب وأوقعت بردتها فدخل فيها الثلاثة وهم يتضاحكون ،صاحت بهم الحيزبون:"اخرجوا ،لم أقصد أن أدخلكم..قد أسقطتها سهواً ،أخرجوا وآذوه". فتقدم الثلاثة منه وأحاطوا به وأصدروا صوتاً قبيحاً صاخباً ،فتراجع هادي إلى الوراء وحاول التخلص منهم ،صدع بصوت عال:"أعوذ بالله منكم ،أعوذ بالله منكم". فكان ما كان في يومه ذاك وصرخت المرأة بغضب:"من هذا ،من ذا الذي تعوذ به من قوتي؟" ثم قفزت في خفة غير معهودة على من مر بعمرها وقالت في هلع:"ربما ،ذلك الرجل..في الحارة المجاورة..إن الناس يتوافدون إليه بكثافة" وتحركت إلى موقف هادي فجذبته من ياقته وهي تصرخ:"أخبرني عنه..هل يحرسك من شري دائماً..لن أدعك حتى تخبرني". ولم يكن هادي بحاجة لسماع شخص بصوت هذه العجوز ،ولم يكن بحاجة إلى اشتمام رائحة فمها النتنة. قال لها بسرعة وهو يحل أصابعها النحيلة من ثنايا قميصه:"إنه أقوى منك ومنه ،إنه من قالإنه كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) ،إنه الله".
    - حسن ،أخبر سيدك شيئاً ،أنا سأصيبه بكيدي فلينظر ما يفعل.
    واقشعر جلد هادي حين سمع كلماتها المتكبرة ،فصاح فيها:"إنك تقولين كلاماً كبيراً ،لقد حاولت إيذائي فلم تقدري فكيف ستؤذين من حماني من أذاك؟"
    - ستكون حياتك شقية ،أيها الشاب. (ثم استدركت) يبدو تابعك بخير.
    فرد متعجباً :
    - تابعي؟
    وابتعدت وهي تتسخط بصوت خفيض. سار مكتئباً يفتش عن وسيلة يتصل خلالها برفيقه ،وتألم كثيراً إذ لم يجد. وجلس على سور قصير ونظر إلى القفر وراءه ،واستذكر تحدي الساحرة فاقشعر جلده ثانية ،ولاذ بذراعية تضمانه من سكاكين البرد. ولكن ساعة مضت فقرر أن يسير تارة ثانية وغير في اتجاهه. وألفى ضجيجاً يقترب من أذنيه كلما اقترب خطوة إلى وجهته ،وأضواء ساطعة. وجد نفسه وسط باحة تبدو لسهار الليل ،يسمرون فيها ويسكرون..ويغنون أو شيئاً من هذا. وسأل مقامرَين جلسا إلى بعضهما يلعبان الورق عن رجل بارز الصدر كبير الرأس ،أرأوه في الجوار؟ لكنهما نظرا إليه بغير ألفة فاستحب بعداً عنهما ،ولم يكن راغبا بالدخول في مشاحنة تهدر وقته. وجاوز ساحتهم إلى شارع تنيره مصابيح الجسر الذي يعبر فوقه ،فأبصر سترة صديقه تضيء في آخره. ومشى إليه فألفاه ينهي خطاباً مع رجل سمين ،نبهه بضربة خفيفة على كتفه:"أين أنت؟ هل نسيت الموعد" رد حسن ببعض الاستغراب:"لم أنسه ،اعتقدت أنه يمكنني العثور على أسلحة هنا. أنا آسف لقد اندمجت في عملي".
    - لا عليك ،لكن ،هل هذا المكان آمن للحديث؟
    فتلفت الرجلان وهمسا لبعضهما:"هل لاحظت هذا؟".."نعم لاحظته ظل يظهر ويختفي" وقال حسن بهدوء شديد:"هل نتقدم؟ أو نتعامل معه؟" رد هادي بصوت أهدأ:"لا أجد المكان مناسباً لمناورة..الأجساد ثائرة هناك"
    - إذن سنتقدم قليلاً.
    وتقدم الرجلان حتى بلغا منطقة هادئة ،ومازال الظل يلاحقهما في سكون ،وأخبر حسن صاحبه بنيته في نظرات عينه وأخرج خنجره فأمسكه وضعية الهجوم ،واقترب إلى التابع فأشهره في وجهه. ويالتعبير الذي أخذ ملامحه آنذاك ،مزيج الدهشة والتحفز والعنف الذي يتطلبه القتل ،أو الهجوم. قال بقسوة:"من أنتِ" ولكن محيا الفتاة ظل واجماً لا يدرك شيئاً ،وسحبها حسن إلى صديقه الذي اقترب هو الآخر ،فدهش وصاح:"دعها إنها رفيقتي". فهرعت الفتاة إليه وهي تبكي وظلت ترتعش في ذراعيه لربع ساعة أو يزيد ،قال لها لما أن استعادت هدوءها:"أكنت تتبعين أثري؟ لماذا تفعلين هذا؟" قالت وهي تحاول الوقوف بمفردها:"ظننتك بحاجة إلى المساعدة..آ..أعني أني سأفيدك" رد وهو يسدل ذراعيه حول جانبيه:"ماذا لديك؟"
    - إن..رجلاً يشك أنه نور الحق ،سيلقي خطاباً في الاستاد الرياضي هذه الليلة..ربما إذا حضرنا ،ربما نتحالف معه.(فنظر الرجلان لها طويلاً فقالت بسرعة) أعني أن تحالفكم معه سيدمغ الأعداء أكثر من قوة صغيرة..ألا ترون هذا؟ بالطبع سأوفر تذكرة الدخول.
    - تذكرة؟
    - لقد كان الحضور مفتوحاً للجميع ،ولكن أعداد المقبلين فاقت مساحة المكان. من حظي الجيد أني كنت في المقدمة وإلا لما حصلت عليها.
    واستحسن الجنديان فكرتها فذهبا بصحبتها بعد أن غلفا وجهيهما بكمامة تخفي معظم ملامحهما ،واستقرا بعيداً عن بعضهما لكي لا يثيرا الشكوك. وقبل أن يصعد رجل فارع الطول أدعج العينين خفيف الشارب يبدو في الثلاثينات من سنوات قضاها حياً إلى منبر يطلع إلى الجمهور الحاشد ،رن الهاتف بين الاثنين فاهتز المقعد بأكمله مرتين إلى أن أخذته بكفها ،وأغلقت أذنها الأخرى كي تستمع إلى المتحدث على الخط. قال:"كيف أنت؟ أردت أن أخبرك أن توقفي نشاطك وتأخذي إجازة منذ الغد ،ماذا تقولين؟" ردت في استهجان وهي تعلي صوتها ليسمع:"لماذا أيها المدير؟ هل تقول لي أن أترك كل شيء وأرحل؟ لقد وصلت نقطة حرجة..سيكون تحقيقاً رائعاً"
    - أخبرتك..هذا أمر..ليس مني بل من عند من هو أكبر مني. لقد اتصلوا الآن وأجبروني أن أوقف التحري بشأن القضية ،وليس بوسعي عصيانهم.
    ومرت لحظة صمت طويلة ،قطعها صوتها الهادئ وهي تقول:
    - فماذا إن لم أفعل؟
    - فأنت لا تنتمين لصحيفتي بعد الآن.
    قالت بنفاد طاقة:"حسن ،فهمت. سأوقفه" رد منهياً حوارهما:"حسن فعلتِ. أتمنى لك عطلة سعيدة حتى تجدي موضوعاً آخراً". واختفى صوته الأجش في أذنها وقبضت على الهاتف بين أصابعها في قهر ،ولاحظ هادي أمرها فسألها:"ماذا حدث؟" قالت وهي ترقب الطويل يبدأ خطابه:"لقد أوقفوه ،لكنني لن أوقفه".
    - هكذا إذن.
    وبدأ أدعج العين خطابه فاستمع الناس له وأنصتوا ،وخيم على المكان صمت مطبق. وبصرخة واحدة تزعزع هدوء المكان ونظر هادي بفزع إلى حمامة السلام وقد أصبحت جريحة تحت قدميه واختلط دمها القاني بثوبها الصافي الذي رآه في المرة الماضية. واستمعت الآذان إلى خطوات رجال الأمن الراكضة وهي تلحق بملثم قصير ،وتوقفت مكبرات الصوت عن نقل الصوت وتدافع الناس وبقي نحيل الوجه منتصباً إلى منبره.
    إلى الفصل الثالث عشر بإذن الله


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...