صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

[ منتدى نور على نور ]


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 26
  1. #1

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]



    .
    صنع الرجال هي أعظم صنعة... وبناء الإنسان أشد من بناء ناطحات السحاب...
    وهناك رجال الواحد منهم بألف، كما أن هناك ألوفًا لا يساوون رجلاً واحدًا....
    وفي وسط الظلام الدامس، والأيام الحالكة، والليالي المفعمة بالسواد، يتراءى للناس شعاع من نور الله....فيبعث الله لهم من يجدِّد لهم أمر دينهم، وشئون حياتهم...
    فيقيض الله لهذه الأمة رجالاً يحملون همَّ هذا الدين، فيتركون الدنيا وزينتها، ويجعلون زخرفها وراءهم ظهريًّا...
    و(
    صلاح الدين الأيوبي) -رحمه الله- كان من هذا الطراز، رجلٌ أُمَّة...
    وهو إحدى معجزات الإسلام الباهرة، وإحدى آياته الظاهرة...







    لماذا الحديث عن صلاح الدين؟
    من هو صلاح الدين الأيوبي؟
    معلّم صلاح الدين
    صفات صلاح الدين
    صلاح الدين وحبه للجهاد
    لماذا دخل صلاح الدين إلى مصر؟
    هجوم الفرنجة على مصر
    صلاح الدين سيدا لمصر
    خيانات الشيعة ومحاولاتهم الفتك بصلاح الدين الأيوبي
    صلاح وحلمه بتحرير القدس
    تأسيس الدولة الأيوبية
    حقيقة الإختلاف الذي وقع بين نور الدين وصلاح الدين
    توسع الدولة الأيوبية
    موقف صلاح الدين من إختلال بلاد الشام مجددا
    المواجهة مع الفرنجة
    معركة حطين
    انتقام صلاح الدين من أرناط ملك الكرك الصليبي
    حصار الصليبيين لأهل عكا
    تحرير عكا وما حولها
    تحرير القدس
    حصار صور
    بقية فتوح الشام
    محاولة الصليبيين الاستيلاء على عكا
    الصلح مع الصليبيين
    أواخر أيامه
    ملخص فتوحات صلاح الدين
    أبناءه
    اعتلال صحة صلاح الدين الأيوبي
    وفاة صلاح الدين
    لماذا انتصر صلاح الدين؟
    الدولة الأيوبيّة بعد صلاح الدين
    مكانة صلاح الدين لدى العرب
    رأي الغرب في صلاح الدين
    رأي الشيعة في البطل صلاح الدين الأيوبي
    اهتمامه بالعلم ومحاربته السلمية للمذهب الشيعي
    كتب ذات صلة
    الخاتمة







    .......................................
    في إعداد الموضوع:
    aboalwleed
    جزاه الله خيرا

    .......................................

    في تصميم الموضوع:
    mohbaboo
    جزاه الله خيرا

    .......................................

    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 12:12 AM

  2. #2

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]





    لماذا الحديث عن صلاح الدين؟ أهو تغنٍّ بالماضي أم بكاء على الأطلال؟ أم أنه تحسر على الواقع المرير؟
    الحق إن الحديث عن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- أمر مطلوب، أو قُلْ: هو ضرورة إسلامية وفريضة شرعية؛ لأمور منها :
    ● أولا: لأن القدس في محنةٍ أشبه بما كانت عليه قبل ظهور صلاح الدين الأيوبي.
    ● ثانيًا: لأن الأمة اليوم ضلت طريق الهدى، وتنكبت طرق الصلاح، ودع عنك طريق السلام المزعوم.
    ● ثالثا: لأن أمتنا في حاجة إلى من تقتدي به في عصرٍ قَلَّت فيه القدوات، وندر فيه القادة الحقيقيون.
    ● رابعا: لأن أمتنا تنتظر مثيلاً لصلاح الدين الأيوبي؛ ليعيد لها عزتها وكرامتها.
    ● خامسا: لأن استقراء التاريخ أمر ضروري لتعرف الأمة كيف انتصر السلف؛ ليسير على الطريق الخلف أولاً؛ ولتعليم كيف أعيدت القدس لتعمل بنفس الطريقة على إعادتها ثانيًا.
    ● سادسًا: لأن التفاؤل بالنصر أمر مطلوب، ومهما علت دولة الباطل فإنها ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة؛ فلا داعي لليأس، ولا حاجة إلى القنوط، بل العمل العمل، فنحن بحاجة إلى عطاء الأغنياء، وبذل العلماء، وجهاد الأتقياء، ومثابرة الدعاة، وعزائم الرجال. نعم، بحاجة إلى لمِّ الشمل، وشحذ الهمم، وتكاتف القوى، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، وحسن التوكل على الله.







    لم يكن صلاح الدين -رحمه الله- من الأصل العربي الذي يتغنى به كثير من أدعيائه، والحق إن صلاح الدين -رحمه الله- كان من عائلة كردية، كريمة الأصل، عظيمة الشرف.
    والحق إن عراقة النسب لا تشفع لسوء الخلق، ورفعة الحسب لا تغني عن ضعف الدين، وهل كان أكثر عظماء هذه الأمة وبُناة هذه الحضارة إلا من مسلمي غير العرب؟
    وسَلْ عن ذلك التاريخ يخبرك بأسماء لامعة مثل البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من أهل العلم وقادة الجيوش.
    اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من (دوين) وهي بلدة في آخر أذربيجان وأنهم أكراد روادية، والروادية بطن من الهذبانية، وهي قبيلة كبيرة من الأكراد..




    الملك الناصر صلاح الدين ، يوسف ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب ، الدويني ثم التكريتي المولد، يلقب بأبا المظفر.



    ولد في سنة 532هـ ، في تكريت، وهي بلدة قديمة تقع بين بغداد والموصل، وكان أبوه حينها حاكمًا لقلعة تكريت.
    من غريب ما وقع، أن ولادة صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، صادفت إجبار أبيه على الخروج من تكريت، فتشاءم أبوه منه، فقال له أحد الحضور: فما يدريك أن يكون لهذا المولود ملكٌ عظيم له صيت.


    يقول ابن خلِّكان: "أخبرني بعض أهل بيتهم وقد سألته هل تعرف متى خرجوا من تكريت فقال سمعت جماعة من أهلنا يقولون إنهم أخرجوا منها في الليلة التي ولد فيها صلاح الدين فتشاءموا به وتطيروا منه فقال بعضهم لعل فيه الخيرة وما تعلمون فكان كما قال والله أعلم".



    لما هاجر نجم الدين أيوب من تكريت، كان نزوله إلى الموصل عند عماد الدين زنكي، فأكرمه، ونشأ الطفل صلاح الدين نشأة مباركة، درج فيها على العز، وتربى فيها على الفروسية، وتدرب فيها على السلاح، ونما فيها على حب الجهاد، فقرأ القرآن الكريم وحفظ الحديث الشريف، وتعلم من اللغة ما تعلم.





    كان أسد الدين شيركوه بحق الأستاذ الأول والمعلم الحقيقي والمكتشف البارع لقدرات ومواهب ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب صلاح الدين الأيوبي، وذلك منذ كان صلاح الدين فتى يافعاً حيث رأى فيه شيركوه بعين الخبير الفاحص أن الفتى الصغير يجمع بين عقل وحكمة أبيه نجم الدين أيوب، وشجاعة وفروسية عمه أسد الدين شيركوه، وزهد وورع أميره نور الدين، وهى خصال ثلاث كفيلة بأن ترشح هذا الفتى لقيادة الأمة فيما بعد. أدرك ذلك كله الأسد المعلم شيركوه في ابن أخيه فتعهده بالرعاية وضمه إليه وتولى تدريبه على فنون القتال وقيادة الجيوش وأساليب إدارة المعارك دفاعاً وهجوماً، كما تولى تعليمه فنون السياسة والمناورة والمفاوضة، حتى نضج الفتى اليافع وأصبح شاباً قوياً يصحبه أسد الدين في كل مكان وفي مدن الشام وهو بمثابة الذراع اليمنى له ومن لا يعرفهما يظن أن صلاح الدين هو الابن الوحيد والمقرب لأسد الدين، ولعل تعليم وتدريب صلاح الدين من أهم وأفضل أعمال أسد الدين شيركوه..





    كان رحمه الله مجاهدا عظيم الصفات شديد القوى ، عاقلا ، وقورا ، مهيبا ، , تقيا , ورعا , صابرا, شجاعا, عادلا, كريما سخيا, حليما, يعفو عند المقدرة.
    دوّن بهاء الدين بن شداد في هذا الكتاب هذه الصفات مؤيدة بأدلة واقعية , وقصص نادرة تحكي هذه الشمائل والأخلاق , وسأكتفي في هذا العرض بالإشارة إلى جملة منها أرادها فريدة فيه , ومن ذلك أنه مات رحمه الله, ولم يخلف ملكا ولا دار ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة ولا شيئا من أنواع الملاك.
    لم يختلف عليه في أيامه أحد من أصحابه ، وكان الناس يأمنون ظلمه ، ويرجون رفده ، وأكثر ما كان يصل عطاؤه إلى الشجعان ، وإلى العلماء ، وأرباب البيوت ، ولم يكن لمبطل ولا لمزاح عنده نصيب.
    ● قال الموفق عبد اللطيف : "أتيت ، وصلاح الدين بالقدس ، فرأيت ملكا يملأ العيون روعة ، والقلوب محبة ، قريبا بعيدا ، سهلا محببا ، وأصحابه يتشبهون به ، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفْلا بأهل العلم يتذاكرون ، وهو يحسن الاستماع والمشاركة ، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار ، وحفر الخنادق ، ويأتي بكل معنى بديع ، وكان مهتما في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه ، ويتولى ذلك بنفسه ، وينقل الحجارة على عاتقه ، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل ، والعماد إلى وقت الظهر ، فيمد السماط ، ويستريح ، ويركب العصر ، ثم يرجع في ضوء المشاعل ، قال له صانع : هذه الحجارة التي تقطع من أسفل الخندق رخوة ، قال : كذا تكون الحجارة التي تلي القرار والنداوة ، فإذا ضربتْها الشمس ، صلبت . وكان يحفظ "الحماسة" ، ويظن أن كل فقيه يحفظها ، فإذا أنشد ، وتوقف ، استطعم فلا يطعم ، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل ، لم يكن يحفظها ، وخرج ، فما زال حتى حفظها ، وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارا في الشهر ، وأطلق أولاده لي رواتب ، فأشغلت بجامع دمشق".
    ● قال العماد : "لا يلبس إلا ما يحل لبسه كالكتان والقطن ، نزه المجالس من الهزل ، ومحافله آهلة بالفضلاء ، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد ، حليما ، مقيلا للعثرة ، تقيا نقيا ، وفيا صفيا ، يغضي ولا يغضب ، ما رد سائلا ، ولا خجل قائلا ، كثير البر والصدقات ،وما رأيته صلى إلا في جماعة".




    كان صلاح الدّين شجاعا مقداما في الحرب , غير أنّه كان رحيما , كبير القلب حتّى مع أعدائه ومن ذلك أنّ لصوص المسلمين سرقوا طفلا رضيعا من الصليبيين , ولمّا فقدته أمّه باتت مستيقنة بالويل والثبور طول الليل حتّى وصل خبرها إلى ملوكهم فقالوا لها : إنّه رحيم القلب وقد أذنا لك بالخروج فاخرجي واطلبيه منه فخرجت حتّى وصلت السّلطان وذكرت له قصّتها فرقّ لها , ودمعت عينه , وأمر بإحضار الرّضيع وقد بيع في السّوق فارتدّه وأمر بدفع ثمنه إلى المشتري , ولم يزل واقفا حتّى أحضر الطّفل وسلّم إليها , فأخذته وبكت بكاء شديدا وضمّته إلى صدرها والنّاس ينظرون إليها ويبكون .
    علّق ابن شدّاد على هذه النّادرة بقوله:" فانظر إلى هذه الرّحمة الشّاملة لجنس البشر , اللهم إنّك خلقته رحيما فارحمه رحمة واسعة من عندك ".




    الجهاد في سبيل الله كان شغله الشاغل وقد استولى حبّ الجهاد على قلبه وسائر جوانحه استيلاءً عظيما بحيث ما كان له حديث إلا فيه , ولا نظر إلا في آلته ولا اهتمام إلا برجاله , ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحثّ عليه , وقد هجر في محبّة الجهاد أهله وأولاده ووطنه وسكنه وسائر بلاده , وقنع من الدنيا بالسكون في ظلّ خيمة تهبّ بها الريح ميمنة وميسرة...
    كان رحمه الله يقصد بوقعاته الجمع ولاسيما أوقات صلاة الجمعة تبركا بدعاء الخطباء على المنابر فربما كانت أقرب إلى الإجابة.
    كان رحمه الله ينفق على الجهاد حتى قيل لو حلف حالف أنّه ما أنفق بعد خروجه إلى الجهاد دينارا واحدا ولا درهما إلا في الجهاد أو في الإرفاد لصدق وبرّ في يمينه "
    كان رحمه الله شجاعا عظيم الهمّة , ولم يكن يستكثر العدو ولا يستعظم أمره قطّ , ومع هذا كان حريصا على ترتيب جنده وجيشه , يرتّب كل قسم من غير حدة ولا غضب يعتريه.
    كان رحمه الله يمرض وتعتريه أحوال صعبة في أرض الجهاد وهو صابر مرابط .





    هرب الوزير الفاطمي شاور من مصر من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة كعادتهم في ذلك وقتل ولده الأكبر طي بن شاور فتوجه شاور إلى الشام مستغيثا بالملك العادل نور الدين بن زنكي وذلك في شهر رمضان 558هـ ودخل دمشق في الثالث والعشرين من ذي القعدة من السنة نفسها فوجه نور الدين معه الأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدين في جملتهم في خدمة عمه وهو كاره للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان :
    أحدهما : قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه مستصرخا.
    الثاني : أنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
    كان نور الدين كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته وأمانته فانتدبه لذلك وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق في جمادى الأولى سنة 559هـ فدخلوا مصر واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها.
    لما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه في بلبيس، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها وأنها مملكة بغير رجال تمشي الأمور فيها بمجرد الإيهام والمحال فطمع فيها وعاد إلى الشام، وأقام أسد الدين بالشام مدة مفكرا في تدبير عودته إلى مصر محدثا نفسه بالملك لها مقررا قواعد ذلك مع نور الدين إلى سنة 562هـ
    بلغ نور الدين وأسد الدين مكاتبة الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على مصر أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد فتجهز أسد الدين وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق شاور والمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد الدين وجرت حروب كثيرة.
    توجه صلاح الدين إلى الإسكندرية فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الآخرة من سنة 562هـ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيد إلى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى الشام.
    عاد أسد الدين إلى مصر مرة ثالثة وكان سبب ذلك أن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع المصريين وأسد الدين طمعا في البلاد فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصر أما نور الدين فبالمال والرجال ولم يمكنه المسير بنفسه خوفا على البلاد من الإفرنج، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله
    ● يقول بن شداد: لقد قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت مع عمي باختياري وهذا معنى قوله تعالى :{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } البقرة:216
    لما أحس شاور بخروج الإفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 564هـ ولما علم الإفرنج بوصول أسد الدين إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد الدين أن شاور يلعب به تارة وبالإفرنج أخرى،وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564هـ ودام آمرا وناهيا و صلاح الدين يباشر الأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد الدين.
    ذكر المؤرخون أن أسد الدين لما مات استقرت الأمور بعده للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فبذل الأموال وملك قلوب الرجال وهانت عنده الدنيا فملكها وشكر نعمة الله تعالى عليه، وأعرض عن أسباب اللهو وتقمص بقميص الجد والاجتهاد، استعدادا لمواجهات مستمرة مع الصليبيين من جهة ومع خزعبلات الدولة الفاطمية من جهة أخرى.





    لما علم الإفرنج استقرار الأمر بمصر لصلاح الدين علموا أنه يملك بلادهم ويخرب ديارهم ويقلع آثارهم لما حدث له من القوة والملك واجتمع الإفرنج والروم جميعا وقصدوا الديار المصرية فقصدوا دمياط ومعهم آلات الحصار وما يحتاجون إليه من العدد.
    لما رأى نور الدين ظهور الإفرنج ونزولهم على دمياط قصد شغلهم عنها فنزل على الكرك محاصرا لها، فقصده فرنج الساحل فرحل عنها وقصد لقاءهم فلم يقفوا له.
    لما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع الآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إن نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم نزل الإفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من الخارج والعسكر يقاتلهم من الداخل ونصر الله تعالى المسلمين به وبحسن تدبيره فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.









    كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، ومن ثَم فقد كانت مصر نهبًا للثورات الداخلية بين الطوائف المختلفة، من مماليك أتراك وسودانيين ومغاربة.
    لما رأى القائد نور الدين محمود هذه الخلافات، وبدا له طمع ملك بيت المقدس أموري الصليبي في دخول مصر، أرسل نور الدين محمود من دمشق إلى مصر جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، يساعده ابن أخيه صلاح الدين، فلما علم الصليبيون بقدوم أسد الدين شيركوه، تركوا مصر، ودخلها أسد الدين، وقربه الخليفة الفاطمي، ثم لم يلبث أن عُيِّن وزيرًا بعد ذلك، ولم تستمر له الوزارة سوى شهرين، فاختار الخليفة ابن أخيه صلاح الدين وزيرًا خلفًا له.
    كان نور الدين محمود في دمشق يكثر من إلحاحه على صلاح الدين الأيوبي لتغيير خطبة يوم الجمعة وجعلها باسم الخليفة العباسي "المستضيء"، بدلاً من الخلفية الفاطمي "العاضد". وما كان ذلك طلب "نور الدين" وحده، بل كان طلب الأمة كلها، لكن صلاحًا -رحمه الله- كان يتريث ويتحين الوقت المناسب، فلما مرض الخليفة الفاطمي خطب الجمعة باسم الخليفة العباسي، وأصبح صلاح الدين الأيوبي سيد مصر، ليس لأحدٍ فيها كلمة سواه.



    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 12:20 AM

  3. #3

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]




    لم ينس الشيعة أن صلاح الدين الأيوبي هو الذي أزال دولتهم الفاطمية في مصر ومهد للسنة من جديد، لذلك حاولوا مرارًا الفتك به لإقامة الدولة الفاطمية من جديد، واستعانوا في هذه المؤامرات بالفرنج وكاتبوهم.
    يقول المقريزي في السلوك: "وفيها – أي سنة 569هـ - اجتمع طائفة من أهل القاهرة على إقامة رجل من أولاد العاضد – آخر خليفة فاطمي بمصر – وأن يفتكوا بصلاح الدين وكاتبوا الفرنج؛ ومنهم القاضي المفضل ضياء الدين نصر الله بن عبد الله بن كامل القاضي، والشريف الجليس، ونجاح الحمامي، والفقيه عمارة بن علي اليماني، وعبد الصمد الكاتب، والقاضي الأعز سلامة العوريس متولي ديوان النظر ثم القضاء، وداعي الدعاة عبد الجابر بن إسماعيل بن عبد القوي، والواعظ زين الدين بن نجا، فوشى ابن نجا بخبرهم إلى السلطان، وسأله أن ينعم عليه بجميع ما لابن كامل الداعي من الدور والموجود كله، فأجيب إلى ذلك؛ فأحيط بهم وشنقوا.. وتتبع – أي صلاح الدين – من له هوى في الدولة الفاطمية، فقتل كثيرًا وأسر كثيرًا، ونودي بأن يرحل كافة الأجناد وحاشية القصر، وزاجل السودان إلى أقصى بلاد الصعيد، وقبض على رجل يقال له قديد بالإسكندرية من دعاة الفاطميين يوم الأحد خامس عشر من رمضان، وبرغم قتل الخائنين المتآمرين إلا أن الفرنجة جاءوا حسب المكاتبة.
    نزل فيها أسطول الفرنج بصقلية على ثغر الإسكندرية لأربع بقين من ذي الحجة بغتة وكان الذي جهز هذا الأسطول غاليالم بن رجار متملك صقلية ولي بعد أبيه في سنة 560هـ.. ولما أرسى هذا الأسطول على البر أنزلوا من طرائدهم ألفًا وخمسمائة فرس، وكانت عدتهم ثلاثين ألف مقاتل، ما بين فارس وراجل وعدة السفن التي تحمل آلات الحرب، والحصار ست سفن والتي تحمل الأزواد والرجال أربعين مركبًا فكانوا نحو الخمسين ألف راجل، ونزلوا على البر مما يلي المنارة، وحملوا على المسلمين حتى أوصلوهم إلى السور، وقتل من المسلمين سبعة، وزحفت مراكب الفرنج إلى الميناء، وكان بها مركب المسلمين فغرقوا منها، وغلبوا على البر وخيموا به، فأصبح لهم على البر ثلاثمائة خيمة، وزحفوا لحصار البلد، ونصبوا ثلاث دبابات بكباشها وثلاثة مجانيق كبار تضرب بحجارة سود عظيمة، وكان السلطان – صلاح الدين – على فاقوس، فبلغه الخبر ثالث يوم نزول الفرنج؛ فشرع في تجهيز العساكر وفتحت الأبواب وهاجم المسلمون الفرنج وحرقوا الدبابات، وأيدهم الله بنصره.. وقتل كثير من الفرنج، وغنم المسلمون من الآلات والأمتعة والأسلحة ما لا يُقدر على مثله إلا بعناء، وأقلع باقي الفرنج في مستهل سنة سبعين".
    أرأيت كم حجم الخيانة ومقدارها لولا أن مَنَّ الله على صلاح الدين ورجاله ونصرهم، وبالطبع كما قال المقريزي بعد عناء وأرواح ودماء أسيلت، وما هذا إلا بفعل الشيعة.

    لم تكد تمضي هذه السنة 569هـ وتدخل سنة 570هـ حتى دبر الشيعة خيانة أخرى لإقامة الدولة الفاطمية والفتك بصلاح الدين.
    قال المقريزي : "وفيها جمع كنز الدولة والي أسوان العرب والسودان وقصد القاهرة يريد إعادة الدولة الفاطمية، وأنفق في جموعه أموالاً جزيلة، وانضم إليه جماعة ممن يهوى هواهم، فقتل عدة من أمراء صلاح الدين، وخرج في قرية طود رجل يعرف بعباس بن شادي، وأخذ بلاد قوص، وانتهب أموالها؛ فجهز السلطان صلاح الدين أخاه الملك العادل في جيش كثيف ومعه الخطير مهذب بن مماتي فسار وأوقع بشادي وبدد جموعه وقتله.
    ثم سار فلقيه كنز الدولة بناحية طود، وكانت بينهما حروب فر منها كنز الدولة بعد ما قتل أكثر عسكره، ثم قتل كنز الدولة في سابع صفر، وقدم العادل إلى القاهرة...".
    لم تكن هذه الخيانة مجرد مؤامرة للفتك بصلاح الدين السني الذي أزال دولة الشيعة في مصر، وإنما ترتب عليها أن استفحل خطر الفرنجة في بلاد الشام، وعندما عزم السلطان صلاح الدين على التوجه إليهم كان من أهم معوقاته خيانة الشيعة له في داخل سلطنته بمصر.
    قال ابن كثير رحمه الله: "استهلت سنة 570هـ والسلطان الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب قد عزم على الدخول إلى بلاد الشام لأجل حفظه من الفرنج، ولكن دهمه أمر شغله عنه، وذلك أن الفرنج قدموا إلى الساحل المصري في أسطول لم يسمع بمثله في كثرة المراكب وآلات الحرب والحصار والمقاتلة..
    ومما عوق الملك الناصر عن الشام أيضًا رجلاً يعرف بالكنز سماه بعضهم عباس بن شادي، وكان من مقدمي الديار المصرية والدولة الفاطمية، كان قد استند إلى بلد يقال له أسوان، وجعل يجمع عليه الناس فاجتمع عليه خلق كثير من الرعاع من الحاضرة والغربان وكان يزعم أنه سيعيد الدولة الفاطمية ويدحض الأتابكة التركية...."
    لما تمهدت البلاد، ولم يبقى فيها رأس من الدولة العبيدية – الفاطمية – برز صلاح الدين في الجيوش التركية قاصدًا البلاد الشامية، وذلك حين مات سلطانها نور الدين محمود بن زنكي، وأخيف سكانها، وتضعضعت أركانها، واختلف حكامها.. وقصده جمع شملها، والإحسان إلى أهلها، ونصرة الإسلام، ودفع الطغاة، وإظهار القرآن، وإخفاء سائر الأديان، وتكسير الصلبان، في رضا الرحمن، وإرغام الشيطان.. فدخل دمشق وجاءه أعيان البلد للسلام عليه فرأوا منه غاية الإحسان.. ثم نهض إلى حلب مسرعًا لما فيها من التخبيط والتخليط، واستناب على دمشق أخاه طغتكين بن أيوب الملقب بسيف الإسلام، فلما اجتاز حمص أخذ ربضها، ولم يشتغل بقلعتها، ثم سار إلى حماه فتسلمها من صاحبها عز الدين بن جبريل، وسأله أن يكون سفيره بينه وبين الحلبيين؛ فأجابه إلى ذلك، فسار إليهم، فحذرهم باسم صلاح الدين؛ فلم يلتفتوا إليه، بل أمروا بسجنه واعتقاله، فأبطأ الجواب على السلطان؛ فبعث إليهم كتابًا يلومهم فيه على ما هم فيه من الاختلاف وعدم الائتلاف.. وذكرهم بأيامه وأيام أبيه وعمه في خدمة نور الدين في المواقف المحمودة التي يشهد بها أهل الدين، ثم سار إلى حلب فنزل على جبل جوشن .







    هنا نزغ الشيطان الإنسي في قبل ابن الملك نور الدين محمود أن يحرض أهل حلب على قتال صلاح الدين وذلك بإشارة من الأمراء المقدمين، فأجابه أهل البلد بوجوب طاعته، على كل أحد، وشرط عليه الروافض منهم أن يعاد الآذان بحي على خير العمل. وأن يذكر في الأسواق، وأن يكون لهم في الجامع الجانب الشرقي، وأن يذكر أسماء الأئمة الاثنى عشر بين يدي الجنائز، وأن يكبروا على الجنازة خمسًا، وأن تكون عقود أنكحتهم إلى الشريف بن أبي المكارم حمزة الحسيني، فأجيبوا إلى ذلك كله، فأذن بالجامع وسائر البلد بحي على خير العمل وعجز أهالي البلد عن مقاومة الناصر، وأعملوا في كيده كل خاطر؛ فأرسلوا أولاً إلى شيبان صاحب الحسبة، فأرسل نفرًا من أصحابه إلى الناصر ليقتلوه؛ فلم يظفر منه بشيء؛ بل قتلوا بعض الأمراء ثم ظهر عليهم فقتلوا عن آخرهم فراسلوا عند ذلك القومص صاحب طرابلس الفرنجي ووعدوه بأموال جزيلة إن هو رحل عنهم الناصر وكان هذا القومص قد أسره نور الدين وهو معتقل عنده مدة عشر سنين، ثم افتدى نفسه.. وكان لا ينساها لنور الدين.
    في سنة 571هـ في رابع عشر ذي الحجة، وثب عدة من الإسماعيلية على السلطان صلاح الدين فظفر بهم بعدما جرحوا عدة أمراء والخواص.
    في سنة 573هـ لما خرج السلطان صلاح الدين من القاهرة لجهاد الفرنجة فتوجه إلى عسقلان فسبي وغنم وقتل وأسر، ومضى إلى الرملة وأشرف عليهم الفرنج، وقدمهم البرنس أرناط صاحب الكرك في جموع كثيرة فانهزم المسلمون وثبت السلطان في طائفة فقاتل قتالاً شديدًا، واستشهد جماعة وأخذ الفرنج أثقال المسلمين، فمر بهم في مسيرهم إلى القاهرة من العناء ما لا يوصف ومات منهم، ومن داوبهم كثير، وأسر الفرنج جماعة منهم الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري، ودخل السلطان إلى القاهرة فحلف لا تضرب له نوبة حتى يكسر الفرنج وقطع أخباز جماعة من الأكراد، من أجل أنهم كانوا السبب في هذه الكسرة.
    في سنة 584هـ ثار اثنا عشر رجلاً من الشيعة في الليل ينادون: يال علي! يال علي! وسلكوا الدروب وهم ينادون كذلك ظنًا منهم أن رعية البلد يلبون دعوتهم، ويقومون في إعادة الدولة الفاطمية فيخرجون من في الحبوس ويملكون البلد فلما لم يجبهم أحد تفرقوا.
    هذه بعض النماذج لخيانات الشيعة ومحاولاتهم الفتك بالملك الناصر – ناصر السنة – صلاح الدين رحمه الله، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.














    كان صلاح الدين -رحمه الله- مفعمًا قلبه بحب الجهاد شغوفًا به، قد استولى على جوانحه. وقد هجر -رحمه الله- من أجل ذلك أهله وولده وبلده، ولم يكن له ميل إلا إليه، ولا حب إلا لرجاله.
    يقول القاضي بهاء الدين بن شداد: "وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد، ولو حلف حالف أنه ما أتفق بعد خروجه إلى الجهاد دينارًا ولا درهمًا إلا في الجهاد أو في الأرفاد، لصدق وبرّ يمينه".
    إن لكل رجل همَّه، وهمُّ الرجل على قدر ما أهمه.
    صلاح الدين -رحمه الله- كانت حياته كلها جهاد، وكان يعود من غزو إلى غزو، ومن معركة إلى معركة، وكانت معركة حطين من معاركه التي كتبت له بأقلام من نور على صفحات من ذهب، وسطرت على جبين التاريخ شاهدة له بكل معاني الجهاد والتضحية.
    كان من كلام صلاح الدين -رحمه الله-: "كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين؟!!".

    يقول بهاء الدين بن شداد واصفًا صلاح الدين: "كان -رحمه الله- عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". وقال أيضًا: "وهو كالوالدة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، ويحث الناس على الجهاد، ويطوف بين الأطلاب بنفسه وينادي: يا للإسلام، وعيناه تذرفان بالدموع، وكلما نظر إلى عكا، وما حلَّ بها من البلاء، اشتد في الزحف والقتال، ولم يطعم طعامًا ألبتة، وإنما شرب أقداح دواء كان يشير بها الطبيب، ولقد أخبرني بعض أطبائه أنه بقي من يوم الجمعة إلى يوم الأحد لم يتناول من الغذاء إلا شيئًا يسيرًا لفرط اهتمامه".


    كما قال القائل:
    همم تفادت الخطوب بها ... فهُرِعن من بلد إلى بلد









    استقرت الأمور لصلاح الدين ونقل أسرته ووالده نجم الدين أيوب إليها ليتم له السرور وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق عليه السلام، ولم يزل صلاح الدين وزيرا حتى مات العاضد آخر الخلفاء الفاطميين 565هـ وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت دولة بني أيوب ( الدولة الأيوبية ).
    لقب صلاح الدين بالملك الناصر وعاد إلى دار أسد الدين فأقام بها، وثبت قدم صلاح الدين ورسخ ملكه.
    أرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته فلم يجبه إلى ذلك وقال أخاف أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد، ثم إن الإفرنج اجتمعوا ليسيروا إلى مصر فسير نور الدين العساكر وفيهم إخوة صلاح الدين منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب، وهو أكبر من صلاح الدين.








    ذكر ابن الأثير ما حدث من الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين باطنا فقال: "في سنة 567هـ حدث ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين وكان الحادث أن نور الدين أرسل إلى صلاح الدين يأمره بجمع العساكر المصرية والمسير بها إلى بلد الإفرنج والنزول على الكرك ومحاصرته ليجمع هو أيضا عساكره ويسير إليه ويجتمعا هناك على حرب الإفرنج والاستيلاء على بلادهم فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من المحرم وكتب إلى نور الدين يعرفه أن رحيله لا يتأخر وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز وأقام ينتظر ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هو فلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازما على قصد الكرك فوصل إليه وأقام ينتظر وصول صلاح الدين إليه فأرسل كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال البلاد المصرية لأمور بلغته عن بعض شيعة العلويين وأنهم عازمون على الوثوب بها وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها فلم يقبل نور الدين عذره، وكان سبب تقاعده أن أصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين فحيث لم يمتثل أمر نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها.
    وصل الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين أيوب وخاله شهاب الدين الحارمي ومعهم سائر الأمراء وأعلمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء فقام تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين وقال إذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه وكان ذا رأي ومكر وعقل وقال لتقي الدين اقعد وسبه وقال لصلاح الدين أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك أتظن أن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فقال لا فقال والله لو رأيت أنا وهذا خالك شهاب الدين نور الدين لم يمكنا إلا أن نترجل له ونقبل الأرض بين يديه ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعلنا فإذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه وهذه البلاد له وقد أقامك فيها وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء يأمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته ويولي بلاده من يريد وقال للجماعة كلهم قوموا عنا ونحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد فتفرقوا على هذا وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر.
    لما خلا أيوب بابنه صلاح الدين قال له أنت جاهل قليل المعرفة تجمع هذا الجمع الكثير وتطلعهم على ما في نفسك فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه عن البلاد جعلك أهم الأمور إليه وأولاها بالقصد ولو قصدك لم تر معك أحدا من هذا العسكر وكانوا أسلموك إليه وأما الآن بعد هذا المجلس فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي وتكتب أنت إليه وترسل في المعنى وتقول أي حاجة إلى قصدي يجبي نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك واستعمل ما هو أهم عنده والأيام تندرج والله في كل وقت في شأن والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب سكرنا لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل ففعل صلاح الدين ما أشار به والده فلما رأى نور الدين الأمر هكذا عدل عن قصده وكان الأمر كما قال نجم الدين أيوب وتوفي نور الدين ولم يقصده وهذا كان من أحسن الآراء وأجودها".



    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 12:30 AM

  4. #4

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]




    قال ابن شداد: "لم يزل صلاح الدين على قدم بسط العدل ونشر الإحسان وإفاضة الإنعام على الناس إلى سنة 568هـ فعند ذلك خرج بالعسكر يريد بلاد الكرك والشوبك وإنما بدأ بها لأنها كانت أقرب إليه وكانت في الطريق تمنع من يقصد الديار المصرية وكان لا يمكن أن تعبر قافلة حتى يخرج هو بنفسه يعبرها فأراد توسيع الطريق وتسهيلها فحاصرها في هذه السنة وجرى بينه وبين الإفرنج وقعات وعاد ولم يظفر منها بشيء ولما عاد بلغه خبر وفاة والده نجم الدين أيوب قبل وصوله إليه.




    ولما كانت سنة 569هـ رأى قوة عسكره وكثرة عدده وكان بلغه أن باليمن إنسانا استولى عليها وملك حصونها يسمى عبد النبي بن مهدي فسير أخاه توران شاه فقتله وأخذ البلاد منه وبلغ صلاح الدين أن إنسانا يقال له الكنز جمع بأسوان خلقا عظيما من السودان وزعم أنه يعيد الدولة المصرية وكان أهل مصر يؤثرون عودهم فانضافوا إلى الكنز، فجهز صلاح الدين إليه جيشا كثيفا وجعل مقدمه أخاه الملك العادل وساروا فالتقوا وهزموهم وذلك في السابع من صفر سنة 570هـ."





    كان نور الدين رحمه الله قد خلف ولده الملك الصالح إسماعيل وكان بدمشق عند وفاة أبيه ثم إن صلاح الدين بعد وفاة نور الدين علم أن ولده الملك الصالح صبي لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك واختلفت الأحوال بالشام وكاتب شمس الدين ابن المقدم صلاح الدين.
    تجهز صلاح الدين من مصر في جيش كثيف وترك بها من يحفظها وقصد دمشق مظهرا أنه يتولى مصالح الملك الصالح فدخلها في سنة 570هـ وتسلم قلعتها وكان أول دخوله دار أبيه، وهي الدار المعروفة بالشريف العقيقي.
    اجتمع الناس إليه وفرحوا به وأنفق في ذلك اليوم مالا جليلا وأظهر السرور بالدمشقيين وصعد القلعة وسار إلى حلب فنازل حمص وأخذ مدينتها في جمادى الأولى من السنة نفسها ولم يشتغل بقلعتها وتوجه إلى حلب ونازلها في يوم الجمعة آخر جمادى الأولى من السنة وهي المعركة الأولى.
    لما أحس سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل بما جرى علم أن صلاح الدين قد استفحل أمره وعظم شأنه وخاف إن غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى الأمر إليه فأنفذ عسكرا وافرا وجيشا عظيما وقدم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد.
    لما بلغ صلاح الدين ذلك رحل عن حلب في مستهل رجب من السنة عائدا إلى حماة ورجع إلى حمص فأخذ قلعتها ووصل عز الدين مسعود إلى حلب وأخذ معه عسكر ابن عمه الملك الصالح بن نور الدين صاحب حلب يومئذ وخرجوا في جمع عظيم.
    لما عرف صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد أن يصالحوه فما صالحوه ورأوا أن ضرب المصاف معه ربما نالوا به غرضهم والقضاء يجر إلى أمور وهم بها لا يشعرون فتلاقوا فقضى الله تعالى أن هزموا بين يديه وأسر جماعة منهم فمن عليهم وذلك في تاسع شهر رمضان من سنة570 هـ عند قرون حماة.
    سار عقيب هزيمتهم ونزل على حلب وهي الدفعة الثانية فصالحوه على أخذ المعرة وكفر طاب وبارين ولما جرت هذه المعركة كان سيف الدين غازي يحاصر أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار وعزم على أخذها منه لأنه كان قد انتمى إلى صلاح الدين وكان قد قارب أخذها فلما بلغه الخبر وأن عسكره انكسر خاف أن يبلغ أخاه عماد الدين الخبر فيشتد أمره ويقوى جأشه فراسله وصالحه ثم سار من وقته إلى نصيبين واهتم بجمع العساكر والإنفاق فيها وسار إلى البيرة وعبر الفرات وخيم على الجانب الشامي وراسل ابن عمه الصالح بن نور الدين صاحب حلب حتى تستقر له قاعدة يصل عليها ثم إنه وصل إلى حلب وخرج الملك الصالح إلى لقائه وأقام على حلب مدة.






    في سنة 572هـ استقرت الأمور بمصر والشام للدولة الأيوبية، وكان أخو صلاح الدين شمس الدولة توران شاه قد وصل إليه من اليمن فاستخلفه بدمشق ثم تأهب للغزاة من الإفرنجة، فخرج يطلب الساحل حتى وافى الإفرنج على الرملة وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 573هـ.
    كانت الهزيمة على المسلمين في ذلك اليوم، فلما انهزموا لم يكن لهم حصن قريب يأوون إليه فطلبوا جهة الديار المصرية وضلوا في الطريق وتبددوا وأسر منهم جماعة منهم الفقيه عيسى الهكاري وكان ذلك وهنا عظيما جبره الله تعالى بمعركة حطين المشهورة.
    أقام صلاح الدين بمصر حتى لم شعثه وشعث أصحابه من أثر هزيمة الرملة ثم بلغه تخبط الشام فعزم على العود إليه واهتم بالغزاة فوصله رسول " قليج أرسلان " صاحب الروم يلتمس الصلح ويتضرر من الأرمن فعزم على قصد بلاد ابن لاون ـ وهي بلاد سيس الفاصلة بين حلب والروم من جهة الساحل ـ لينصر قليج أرسلان عليه فتوجه إليه واستدعى عسكر حلب لأنه كان في الصلح أنه متى استدعاه حضر إليه ودخل بلد ابن لاون وأخذ في طريقه حصنا و أخربه ورغبوا إليه في الصلح فصالحهم ورجع عنهم ثم سأله قليج أرسلان في صلح الشرقيين بأسرهم فأجاب إلى ذلك وحلف صلاح الدين في عاشر جمادى الأولى سنة 576هـ ودخل في الصلح قليج أرسلان وعاد بعد تمام الصلح إلى دمشق ثم منها إلى مصر.








    كانت معركة حطين المباركة على المسلمين في يوم السبت 14 ربيع الآخر سنة 583هـ في وسط نهار الجمعة.

    سار صلاح الدين في ذلك الوقت بمن اجتمع له من العساكر الإسلامية، وكان قد بلغه عن العدو أنه اجتمع في عدة كثيرة بمرج صفورية بعكا عندما بلغهم اجتماع الجيوش الإسلامية فسار ونزل على بحيرة طبرية ثم رحل ونزل على طبرية على سطح الجبل ينتظر هجوم الصليبيين عليه إذا بلغهم نزوله بالموضع المذكور فلم يتحركوا ولا خرجوا من منزلهم وكان نزولهم يوم الأربعاء 21ربيع الآخر فلما رآهم لا يتحركون نزل على طبرية وهاجمها وأخذها في ساعة واحدة وبقيت القلعة محتمية بمن فيها ولما بلغ العدو ما جرى على طبرية قلقوا لذلك ورحلوا نحوها فبلغ السلطان ذلك فترك على طبرية من يحاصر قلعتها ولحق بالعسكر فالتقى بالعدو على سطح جبل طبرية الغربي منها وذلك في يوم الخميس 22 ربيع الآخر وحال الليل بين المعسكرين قياما على مصاف إلى بكرة يوم الجمعة فركب الجيشان وتصادما والتحم القتال واشتد الأمر وذلك بأرض قرية تعرف بلوبيا وضاق الخناق بالعدو وهم سائرون كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون وقد أيقنوا بالويل والثبور وأحست نفوسهم أنهم في غد يومهم ذلك من زوار القبور ولم تزل الحرب تضطرم والفارس مع قرنه يصطدم ولم يبق إلا الظفر ووقع الوبال على من كفر فحال بينهم الليل بظلامه وبات كل واحد من الفريقين في سلاحه إلى صبيحة يوم السبت فطلب كل من الفريقين مقامه وتحقق المسلمون أن من ورائهم الأردن ومن بين أيديهم بلاد العدو وأنهم لا ينجيهم إلا الاجتهاد في الجهاد فحملت جيوش المسلمين من جميع الجوانب وحمل القلب وصاحوا صيحة رجل واحد فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين وكان حقا عليه نصر المؤمنين ولما أحس القوم بالخذلان هرب منهم في أوائل الأمر وقصد جهة صور وتبعه جماعة من المسلمين فنجا منهم وكفى الله شره وأحاط المسلمون بالصليبيين من كل جانب وأطلقوا عليهم السهام وحكموا فيهم السيوف وسقوهم كأس الحمام وانهزمت طائفة منهم فتبعها أبطال المسلمين فلم ينج منها أحد واعتصمت طائفة منهم بتل يقال له تل حطين وهي قرية عندها قبر النبي شعيب عليه السلام فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران واشتد بهم العطش وضاق بهم الأمر حتى كانوا يستسلمون للأمر خوفا من القتل لما مر بهم فأسر مقدموهم وقتل الباقون.




    كان ممن سلم من مقدميهم الملك جفري وأخوه والبرنس أرناط صاحب الكرك والشوبك وابن الهنفري وابن صاحبة طبرية ومقدم الديوية وصاحب جبيل ومقدم الأسبتار.
    قال ابن شداد: ولقد حكي لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلاثون أسيرا قد ربطهم بوتد خيمة لما وقع عليهم من الخذلان.
    أما ملك الكرك الصليبي أرناط فقد كان كثير الغدر بالمسلمين , ويقطع الطريق عليهم , وقد غدر بحجاج المسلمين رغم المعاهدة التي كانت تربطه بصلاح الدّين، وكان قد استخف بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعندها نذر صلاح الدّين ليقتلنّه بيده إن وقع أسيرا , وقد وفى بنذره حين أسره.
    ما أن أكرم الله "صلاح الدين" في حطين، حتى جاءته رسالة على لسان المسجد الأقصى جاء فيها:


    يا أيها الملك الـذي ... لمعـالم الصلبـان نكّس
    جاءت إليك ظـلامة ... تسعى من البيت المُقَدَّس
    كل المساجد طهرت ... وأنا على شرفي أُدنـس







    لما فتح الله تعالى عليه بنصره في حطين جلس صلاح الدين في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد وعرضت عليه الأسارى وسار الناس يتقربون إليه بمن في أيديهم منهم وهو فرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين ونصبت له الخيمة فجلس فيها شاكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه واستحضر الملك جفري وأخاه و أرناط وناول السلطان جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها وكان على أشد حال من العطش ثم ناولها لأرناط وقال السلطان للترجمان قل للملك أنت الذي سقيته وإلا أنا فما سقيته وكان من جميل عادة العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن فقصد السلطان بقوله ذلك ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عينه لهم فمضوا بهم إليه فأكلوا شيئا ثم عادوا بهم ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم وأقعد الملك في دهليز الخيمة.







    أحضر صلاح الدين أرناط وأوقفه بين يديه وقال له: ها أنا أنتصر لمحمد منك ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل فسل سيفه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر وأخرجت جثته ورميت على باب الخيمة،فلما رآه الملك على تلك الحال لم يشك في أنه يلحقه به فاستحضره وطيب قلبه وقال له لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك وأما هذا فإنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء صلوات الله عليهم وبات الناس في تلك الليلة على أتم سرور ترتفع أصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر ثم نزل السلطان على طبرية يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر وتسلم قلعتها في ذلك النهار وأقام عليها إلى يوم الثلاثاء.





    طال حصار الصليبيين لعكا , فشرع صلاح الدّين في مفاوضة الصليبيين لإخراج المسلمين المحاصرين فيها سالمين , وقد كانت شروط الصليبيين صعبة , ومطالبهم من صلاح الدّين كثيرة، ومنها دفع المال , وإحضار صليب الصلبوت كما يسمونه ،ولمّا شعر أهل عكا بهذه الشّروط أرسلوا رسالة إلى صلاح الدّين قالوا فيها:" إنّنا قد تبايعنا على الموت , ولا نزال نقاتل حتّى نقتل ولا نسلم هذا البلد ونحن أحياء , فانظروا أنتم كيف تعملون في شغل العدوّ عنّا ودفعه عن قتالنا، فهذه عزائمنا , وإيّاكم أن تخضعوا لهذا العدوّ وتلينوا لهم".
    لما تأخرالمسلمين وصلاح الدّين عن تلبية شروط الصليبيين في دفع المال , وإحضار صليب الصلبوت كما يسمونه، ما كان منهم إلاّ أن أحضروا أسرى المدينة وعددهم زهاء ثلاثة آلاف أسير, وحملوا عليهم حملة واحدة طعنا بالسّيف , والمسلمون يشاهدون هذه الفعلة العظيمة الغادرة غير أنّهم لا يستطيعون تقديم العون والنّجدة .





    رحل صلاح الدين طالبا عكا فكان نزوله عليها يوم الأربعاء وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم الخميس مستهل جمادى الأولى سنة 583هـ فأخذها واستنقذ من كان بها من أسارى المسلمين وكانوا أكثر من أربعة آلاف نفس واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع لأنها كانت مظنة التجار وتفرقت العساكر في بلاد الساحل يأخذون الحصون والقلاع والأماكن المنيعة فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وكان ذلك لخلوها من الرجال لأن القتل والأسر أفنى كثيرا منهم.






    لما استقرت قواعد عكا وقسم أموالها وأسوارها سار يطلب تبنين فنزل عليها يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى وهي قلعة منيعة فنصب عليها المناجيق وضيق بالزحف خناق من فيها، فقاتلوا قتالا شديدا ونصره الله سبحانه عليهم فتسلمها منهم يوم الأحد ثامن عشرة عنوة وأسر من بقي فيها بعد القتل.
    ثم رحل عنها إلى صيدا فنزل عليها وتسلمها في غد يوم نزوله عليها وهو يوم الأربعاء العشرون من جمادى الأولى وأقام عليها ريثما قرر قواعدها وسار حتى أتى بيروت فنازلها ليلة الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى وركب عليها المجانيق وداوم الزحف والقتال حتى أخذها في يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور وتسلم أصحابه جبيل وهو على بيروت.
    لما فرغ من هذا الجانب رأى أن قصده عسقلان أولى لأنها أيسر من صور فأتى عسقلان ونزل عليها يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة من السنة وتسلم في طريقه إليها مواضع كثيرة كالرملة والداروم وأقام في عسقلان المجانيق وقاتلها قتالا شديدا وتسلمها في يوم السبت نهاية جمادى الآخرة من السنة وأقام عليها إلى أن تسلم أصحابه غزة وبيت جبريل والنطرون بغير قتال وكان بين فتح عسقلان وأخذ الإفرنج لها من المسلمين خمس وثلاثون سنة فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 548هـ.








    قال ابن شداد : لما تسلم صلاح الدين عسقلان والأماكن المحيطة بالقدس شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل فسار نحوه معتمدا على الله تعالى مفوضا أمره إليه منتهزا الفرصة في فتح باب الخير الذي حث على انتهازه بقوله من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يعلم متى يغلق دونه وكان نزوله عليه في يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة 583هـ، وكان نزوله بالجانب الغربي وكان معه من كان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة وحزر أهل الخبرة ممن كان معه من كان فيه من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفا خارجا عن النساء والصبيان.
    ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب المجانيق وضايق البلد بالزحف والقتال حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم.
    لما رأى أعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم وظهرت لهم إمارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم وكان قد اشتد روعهم لما جرى على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر وعلى حصونهم من التخريب والهدم وتحققوا أنهم صائرون إلى ما صار أولئك إليه، استكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان واستقرت الأمور بالمراسلة من الطائفتين.
    كان تسلمه في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب وليلته كانت ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب كيف يسر الله تعالى عوده إلى المسلمين في مثل زمان الإسراء بنبيهم وهذه علامة قبول هذه الطاعة من الله تعالى وكان فتحه عظيما شهده من أهل العلم خلق ومن أرباب الخرق والزهد عالم، وذلك أن الناس لما بلغهم ما يسره الله تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس قصده العلماء من مصر والشام بحيث لم يتخلف أحد منهم وارتفعت الأصوات بالضجيج بالدعاء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعة يوم فتحه وخطب القاضي محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي.
    ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمًا بعودة القدس إلى ربوع الأراضي الإسلامية والخلافة العباسية، وحضر ناس كثيرون ليسلموا على السلطان ومن هؤلاء الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي الشاعر المشهور هذا الفتح فأنشد السلطان صلاح الدين قصيدته التي أولها:

    هذا الذي كانت الآمال تَنْتَظِرُ ... فَلْيوفِ لله أقوامٌ بما نَذَروا
    هذا الفتوحُ الذي جاء الزمانُ به... إليك من هفوات الدهر يعتذرُ
    تَجُلّ علياه عن دح يُحيط به... وصفٌ وإن نظم المّدَاح أو نثروا
    لقد فتحتَ عَصيّاً من ثُغورهمُ ... لولاك ما هُدَّ من أركانها حَجَرُ


    وهي طويلة تزيد على مائة بيت يمدحه ويهنيه بالفتح.







    ● يقول بهاء الدين بن شداد في السيرة الصلاحية: "نـٌكس الصليب الذي كان على قبة الصخرة وكان شكلا عظيما ونصر الله الإسلام على يده نصرا ًعزيزا ً، وكان الإفرنج قد استولوا على القدس سنة 492هـ ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه منهم صلاح الدين، وكانت قاعدة الصلح أنهم قطعوا على أنفسهم عن كل رجل عشرين دينارا وعن كل امرأة خمسة دنانير صورية وعن كل صغير ذكر أو أنثى دينارا واحدا فمن أحضر قطيعته نجا بنفسه وإلا أخذ أسيرا وأفرج عمن كان بالقدس من أسرى المسلمين وكانوا خلقا عظيما وأقام به يجمع الأموال ويفرقها على الأمراء والرجال ويحبو بها الفقهاء والعلماء والزهاد والوافدين عليه وتقدم بإيصال من قام بقطيعته إلى مأمنه وهي مدينة صور ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له شيء وكان يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألفا وكان رحيله عنه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان من سنة 583هـ".



    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 01:38 AM

  5. #5

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]



    يقول بن شداد: لما فتح صلاح الدين القدس حسن عنده قصد صور وعلم أنه إن أخر أمرها ربما عسر عليه فسار نحوها حتى أتى عكا فنزل عليها ونظر في أمورها ثم رحل عنها متوجها إلى صور في يوم الجمعة خامس شهر رمضان من السنة(583) فنزل قريبا منها وسير لإحضار آلات القتال ولما تكاملت عنده نزل عليها في ثاني عشر الشهر المذكور وقاتلها وضايقها قتالا عظيما واستدعى أسطول مصر فكان يقاتلها في البر والبحر ثم سير من حاصر هونين فسلمت في الثالث والعشرين من شوال من السنة، ثم خرج أسطول صور في الليل فهاجم أسطول المسلمين وأخذوا المقدم والريس وخمس قطع للمسلمين وقتلوا خلقا كثيرا من رجال المسلمين وذلك في السابع والعشرين من الشهر المذكور وعظم ذلك على السلطان وضاق صدره وكان الشتاء قد هجم وتراكمت الأمطار وامتنع الناس من القتال لكثرة الأمطار فجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعل فأشاروا عليه بالرحيل لتستريح الرجال ويجتمعوا للقتال فرحل عنها وحملوا من آلات الحصار ما أمكن وأحرقوا الباقي الذي عجزوا عن حمله لكثرة الوحل والمطر وكان رحيله يوم الأحد ثاني ذي القعدة من السنة وتفرقت العساكر وأعطى كل طائفة منها دستورا وسار كل قوم إلى بلادهم وأقام هو مع جماعة من خواصه بمدينة عكا إلى أن دخلت سنة 584هـ
    ثم نزل على كوكب في أوائل المحرم من السنة ولم يبق معه من العسكر إلا القليل وكان حصنا حصينا وفيه الرجال والأقوات فعلم أنه لا يؤخذ إلا بقتال شديد فرجع إلى دمشق، وأقام بدمشق خمسة أيام. ثم بلغه أن الإفرنج قصدوا جبيل واغتالوها فخرج مسرعا وكان قد سير يستدعي العساكر من جميع المواضع وسار يطلب جبيل فلما عرف الإفرنج بخروجه كفوا عن ذلك.




    قال ابن شداد في السيرة :لما كان يوم الجمعة رابع جمادى الأولى من سنة 584هـ دخل السلطان بلاد العدو على تعبية حسنة ورتب الأطلاب وسارت الميمنة أولا ومقدمها عماد الدين زنكي والقلب في الوسط والميسرة في الأخير ومقدمها مظفر الدين ابن زين الدين فوصل إلى انطرسوس ضاحي نهار الأحد سادس جمادى الأولى فوقف قبالتها ينظر إليها لأن قصده كان جبلة فاستهان بأمرها وعزم على قتالها فسير من رد الميمنة وأمرها بالنزول على جانب البحر والميسرة على الجانب الآخر ونزل هو موضعه والعساكر محدقة بها من البحر إلى البحر وهي مدينة راكبة على البحر ولها برجان كالقلعتين فركبوا وقاربوا البلد وزحفوا واشتد القتال وباغتوها فما استتم نصب الخيام حتى صعد المسلمون سورها وأخذوها بالسيف وغنم المسلمون جميع من بها وما بها وأحرق البلد و أقام عليها إلى رابع عشر جمادى الأولى وسلم أحد البرجين إلى مظفر الدين فما زال يحاربه حتى أخربه واجتمع به ولده الملك الظاهر لأنه كان قد طلبه فجاءه في عسكر عظيم، ثم سار يريد جبلة وكان وصوله إليها في ثاني عشر جمادى الأولى وما استتم نزول العسكر عليها حتى أخذ البلد وكان فيه مسلمون مقيمون وقاض يحكم بينهم وقوتلت القلعة قتالا شديدا ثم سلمت بالأمان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى من السنة وأقام عليها إلى الثالث والعشرين منه، ثم سار عنها إلى اللاذقية وكان نزوله عليها يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الأولى وهو بلد مليح خفيف على القلب غير مسور وله ميناء مشهور وله قلعتان متصلتان على تل يشرف على البلد واشتد القتال إلى آخر النهار فأخذ البلد دون القلعتين وغنم الناس منه غنيمة عظيمة لأنه كان بلد التجار وجدوا في أمر القلعتين بالقتال والنقوب حتى بلغ طول النقب ستين ذراعا وعرضه أربعة أذرع فلما رأى أهل القلعتين الغلبة لاذوا بطلب الأمان وذلك في عشية يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر والتمسوا الصلح على سلامة نفوسهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم ما خلا الذخائر والسلاح وآلات الحرب فأجابهم إلى ذلك ورفع العلم الإسلامي عليها يوم السبت وأقام عليها إلى يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الأولى فرحل عنها إلى صهيون فنزل عليها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من الشهر واجتهد في القتال فأخذ البلد يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة ثم تقدموا إلى القلعة وصدقوا القتال فلما عاينوا الهلاك طلبوا الأمان فأجابهم إليه بحيث يؤخذ من الرجل عشرة دنانير ومن المرأة خمسة دنانير ومن كل صغير ديناران الذكر والأنثى سواء و أقام السلطان بهذه الجهة حتى أخذ عدة قلاع منها بلاطنس وغيرها من الحصون المنيعة المتعلقة بصهيون، ثم رحل عنها وأتى بكاس وهي قلعة حصينة على العاصي ولها نهر يخرج من تحتها وكان النزول عليها يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة وقاتلوها قتالا شديدا إلى يوم الجمعة تاسع الشهر ثم يسر الله فتحها عنوة فقتل أكثر من بها وأسر الباقون وغنم المسلمون جميع ما كان فيها ولها قليعة تسمى الشغر وهي في غاية المنعة يعبر إليها منها بجسر وليس عليها طريق فسلطت المناجيق عليها من جميع الجوانب ورأوا أنهم لا ناصر لهم فطلبوا الأمان وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر الشهر ثم سألوا المهلة ثلاثة أيام فأمهلوا وكان تمام فتحها وصعود العلم السلطاني على قلعتها يوم الجمعة سادس عشر الشهر.

    ثم سار إلى برزية وهي من الحصون المنيعة في غاية القوة يضرب بها المثل في بلاد الإفرنج تحيط بها أودية من جميع جوانبها وعلوها خمسمائة ونيف وسبعون ذراعا وكان نزوله عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر ثم أخذها عنوة يوم الثلاثاء السابع والعشرين منه.





    ثم سار إلى دربساك فنزل عليها يوم الجمعة ثامن رجب وهي قلعة منيعة وقاتلها قتالا شديدا ورقي العلم الإسلامي عليها يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب وأعطاها الأمير علم الدين سليمان بن جندر وسار عنها بكرة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر.
    نزل على بغراس وهي قلعة حصينة بالقرب من إنطاكية وقاتلها مقاتلة شديدة وصعد العلم الإسلامي عليها في ثاني شعبان وراسله أهل إنطاكية في طلب الصلح فصالحهم لشدة ضجر العسكر من البيكار وكان الصلح معهم لا غير على أن يطلقوا كل أسير عندهم والصلح إلى سبعة أشهر فإن جاءهم من ينصرهم و سلموا البلد.
    ثم رحل السلطان فسأله ولده الملك الظاهر صاحب حلب أن يجتاز به فأجابه إلى ذلك فوصل حلب في حادي عشر شعبان أقام بالقلعة ثلاثة أيام وولده يقوم بالضيافة حق القيام، وسار من حلب فاعترضه تقي الدين عمر ابن أخيه وأصعده إلى قلعة حماة وصنع له طعاما وأحضر له سماعا من جنس ما تعمل الصوفية وبات فيها ليلة واحدة وأعطاه جبلة واللاذقية، وسار على طريق بعلبك ودخل دمشق قبل شهر رمضان بأيام يسيرة، ثم سار في أوائل شهر رمضان يريد صفد فنزل عليها ولم يزل القتال حتى تسلمها بالأمان في رابع عشر شوال.
    ثم سار إلى كوكب وضايقوها وقاتلوها مقاتلة شديدة والأمطار متواترة والوحول متضاعفة والرياح عاصفة والعدو متسلط بعلو مكانه فلما تيقنوا أنهم مأخوذون طلبوا الأمان فأجابهم إليه وتسلمها منهم في منتصف ذي القعدة من السنة.




    بلغ صلاح الدين أن الإفرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة 585هـ فأتى عكا ودخلها بغتة لتقوى قلوب من بها و استدعى العساكر من كل ناحية فجاءته وكان العدو بمقدار ألفي فارس وثلاثين ألف راجل ثم تكاثر الإفرنج واستفحل أمرهم وأحاطوا بعكا ومنعوا من يدخل إليها ويخرج وذلك يوم الخميس فضاق صدر السلطان لذلك ثم اجتهد في فتح الطريق إليها لتستمر السابلة بالميرة والنجدة وشاور الأمراء فاتفقوا على مضايقة العدو لينفتح الطريق ففعلوا ذلك وانفتح الطريق وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا فأشرف على أمورها ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام وتأخر الناس إلى تل العياضية وهو مشرف على عكا وفي هذه المنزلة توفي الأمير حسام الدين طمان وذلك ليلة نصف شعبان من سنة خمس وثمانين وخمسمائة وكان من الشجعان.
    قال ابن شداد: سمعت السلطان ينشد وقد قيل له إن الوخم قد عظم بمرج عكا وإن الموت قد فشا في الطائفتين : اقتلاني ومالكا ... واقتلا مالكا معي
    يريد بذلك أنه قد رضي أن يتلف إذا أتلف الله أعداءه.

    قال ابن شداد: ثم إن الإفرنج جاءهم الإمداد من داخل البحر واستظهروا على الجيوش الإسلامية بعكا وكان فيهم الأمير سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب الهكاري والأمير بهاء الدين قراقوش الخادم الصلاحي وضايقوهم أشد مضايقة إلى أن غلبوا عن حفظ البلد فلما كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من سنة 587هـ خرج من عكا رجل عوام ومعه كتب من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه وأنهم قد تيقنوا الهلاك ومتى أخذوا البلد عنوة ضربت رقابهم وأنهم صالحوا على أن يسلموا البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدة والأسلحة والمراكب ومائتي ألف دينار وخمسمائة أسير مجاهيل ومائة أسير معينين من جهتهم وصليب الصلبوت على أن يخرجوا بأنفسهم سالمين وما معهم من الأموال والأقمشة المختصة بهم وذراريهم ونسائهم وضمنوا للمركيس لأنه كان الواسطة في هذا الأمر أربعة آلاف دينار ولما وقف السلطان على الكتب المشار إليها أنكر ذلك إنكارا عظيما وعظم عليه هذا الأمر وجمع أهل الرأي من أكابر دولته وشاورهم فيما يصنع واضطربت آراؤه وتقسم فكره وتشوش حاله وعزم على أن يكتب في تلك الليلة مع العوام وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه وهو يتردد في هذا فلم يشعر إلا وقد ارتفعت أعلام العدو وصلبانه وناره وشعاره على سور البلد وذلك في ظهيرة يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من السنة وصاح الإفرنج صيحة عظيمة واحدة وعظمت المصيبة على المسلمين واشتد حزنهم ووقع فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب.



    ثم ذكر ابن شداد بعد هذا أن الإفرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان ليأخذوها وساروا على الساحل والسلطان وعساكره في قبالتهم إلى أن وصلوا إلى أرسوف فكان بينهما قتال عظيم ونال المسلمين منه وهن شديد ثم ساروا على تلك الهيئة تتمة عشر منازل من مسيرهم من عكا فأتى السلطان الرملة وأتاه من أخبره بأن القوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرجال والعدد والآلات فأحضر السلطان أرباب مشورته وشاورهم في أمر عسقلان وهل الصواب خرابها أم بقاؤها فاتفقت آراؤهم أن يبقى الملك العادل في قبالة العدو ويتوجه هو بنفسه ويخربها خوفا من أن يصل العدو إليها ويستولي عليها وهي عامرة ويأخذ بها القدس وتنقطع بها طريق مصر وامتنع العسكر من الدخول وخافوا مما جرى على المسلمين بعكا ورأوا أن حفظ القدس أولى فتعين خرابها من عدة جهات وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة فسار إليها فجر الأربعاء ثامن عشر الشهر قال ابن شداد وتحدث معي في معنى خرابها بعد أن تحدث مع ولده الملك الأفضل في أمرها أيضا ثم قال لأن أفقد ولدي جميعهم أحب إلي من أن أهدم منها حجرا ولكن إذا قضى الله تعالى ذلك وكان فيه مصلحة للمسلمين فما الحيلة في ذلك قال ولما اتفق الرأي على خرابها أوقع الله تعالى في نفسه ذلك وأن المصلحة فيه لعجز المسلمين عن حفظها وشرع في خرابها فجر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان من السنة وقسم السور على الناس وجعل لكل أمير وطائفة من العسكر بدنة معلومة وبرجا معينا يخربونه ودخل الناس البلد ووقع فيهم الضجيج والبكاء وكان بلدا خفيفا على القلب محكم الأسوار عظيم البناء مرغوبا في سكنه فلحق الناس على خرابه حزن عظيم وعظم عويل أهل البلد عليه لفراق أوطانهم وشرعوا في بيع ما لا يقدرون على حمله فباعوا ما يساوي عشرة دراهم بدرهم واحد وباعوا اثني عشر طير دجاج بدرهم واحد واختبط البلد وخرج الناس بأهلهم وأولادهم إلى المخيم وتشتتوا فذهب قوم منهم إلى مصر وقوم إلى الشام وجرت عليهم أمور عظيمة واجتهد السلطان وأولاده في خراب البلد كي لا يسمع العدو فيسرع إليه ولا يمكن من خرابه وبات الناس على أصعب حال وأشد تعب مما قاسوه في خرابها وفي تلك الليلة وصل من جانب الملك العادل من أخبر أن الإفرنج تحدثوا معه في الصلح وطلبوا جميع البلاد الساحلية فرأى السلطان أن ذلك مصلحة لما علم من نفس الناس من الضجر من القتال وكثرة ما عليهم من الديون وكتب إليه يأذن له في ذلك وفوض الأمر إلى رأيه وأصبح يوم الجمعة العشرين من شعبان وهو مصر على الخراب واستعمل الناس عليه وحثهم على العجلة فيه وأباحهم ما في الهري الذي كان مدخرا للميرة خوفا من هجوم الإفرنج والعجز عن نقله وأمر بإحراق البلد فأضرمت النيران في بيوته وكان سورها عظيما ولم يزل الخراب يعمل في البلد إلى نهاية شعبان من السنة وأصبح يوم الإثنين مستهل شهر رمضان أمر ولده الملك الأفضل أن يباشر ذلك بنفسه وخواصه ولقد رأيته يحمل الخشب بنفسه لأجل الإحراق، وفي يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان أتى الرملة ثم خرج إلى "اللد" وأشرف عليها وأمر بخرابها وخراب قلعة الرملة ففعل ذلك وفي يوم السبت ثالث عشر شهر رمضان تأخر السلطان بالعسكر إلى جهة الجبل ليتمكن الناس من تسيير دوابهم لإحضار ما يحتاجون إليه ودار السلطان حول النطرون وهي قلعة منيعة فأمر بتخريبها وشرع الناس في ذلك.



    ذكر ابن شداد بعد هذا أن الانكتار وهو من أكابر ملوك الإفرنج سير رسوله إلى الملك العادل يطلب الاجتماع به فأجابه إلى ذلك واجتمعا يوم الجمعة الثامن عشر شوال من السنة وتحادثا معظم ذلك النهار وانفصلا عن مودة أكيدة والتمس الانكتار من العادل أن يسأل السلطان أن يجتمع به فذكر العادل ذلك للسلطان فاستشار أكابر دولته في ذلك ووقع الاتفاق على أنه إذا جرى الصلح بيننا يكون الاجتماع بعد ذلك ثم وصل رسول الانكتار وقال إن الملك يقول إني أحب صداقتك ومودتك وأنت تذكر أنك أعطيت هذه البلاد الساحلية لأخيك فأريد أن تكون حكما بيني وبينه وتقسم البلاد بيني وبينه ولا بد أن يكون لنا علقة بالقدس وأطال الحديث في ذلك فأجابه السلطان بوعد جميل وأذن له في العود في الحال وتأثر لذلك تأثرا عظيما.
    قال ابن شداد: وبعد انفصال الرسول قال لي السلطان متى صالحناهم لم تؤمن غائلتهم ولو حدث بي حادث الموت ما كانت تجتمع هذه العساكر وتقوى الإفرنج والمصلحة أن لا نزول عن الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت هذا كان رأيه وإنما غلب على الصلح.
    قال ابن شداد: ثم ترددت الرسل بينهم في الصلح و تم الصلح بينهم يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة 588هـ ونادى المنادي بانتظام الصلح وأن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة فمن شاء من كل طائفة يتردد إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور وكان يوما مشهودا نال الطائفتين فيه من المسرة ما لا يعلمه إلا الله تعالى وقد علم الله تعالى أن الصلح لم يكن عن مرضاته وإيثاره ولكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر ومظاهرتهم بالمخالفة وكان مصلحة في علم الله تعالى فإنه اتفقت وفاته بعد الصلح فلو اتفق ذلك في أثناء وقعاته كان الإسلام على خطر.
    ثم أعطى للعساكر الواردة عليه من البلاد البعيدة برسم النجدة دستورا فساروا عنه وعزم على الحج لما فرغ باله من هذه الجهة وتردد المسلمون إلى بلادهم وجاءوا هم إلى بلاد المسلمين وحملت البضائع والمتاجر إلى البلاد وحضر منهم خلق كثير لزيارة القدس .



    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 12:36 AM

  6. #6

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]



    بعد الصلح سنة 588هـ توجه السلطان إلى القدس ليتفقد أحوالها وتوجه أخوه الملك العادل إلى الكرك وابنه الملك الظاهر إلى حلب وابنه الأفضل إلى دمشق وأقام السلطان بالقدس يقطع الناس ويعطيهم دستورا ويتأهب للمسير إلى الديار المصرية وانقطع شوقه عن الحج ولم يزل كذلك إلى أن صح عنده مسير مركب الانكتار متوجها إلى بلاده في مستهل شوال فعند ذلك قوي عزمه أن يدخل الساحل جريدة يتفقد القلاع البحرية إلى بانياس ويدخل دمشق ويقيم بها أياما قلائل ويعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصرية.
    قال ابن شداد: وأمرني صلاح الدين بالمقام في القدس إلى حين عوده لعمارة مارستان أنشأه به وتكميل المدرسة التي أنشأها فيه وسار منه ضاحي نهار الخميس السادس من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ولما فرغ من افتقاد أحوال القلاع وإزاحة خللها دخل دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال وفيها أولاده الملك الأفضل والملك الظاهر والملك الظافر مظفر الدين الخضر المعروف بالمشعر وأولاده الصغار وكان يحب البلد ويؤثر الإقامة فيه على سائر البلاد وجلس للناس في بكرة يوم الخميس السابع والعشرين منه وحضروا عندهم وبلوا شوقهم منه وأنشده الشعراء ولم يتخلف أحد عنه من الخواص والعوام وأقام ينشر جناح عدله ويهطل سحاب إنعامه وفضله ويكشف مظالم الرعايا فلما كان يوم الاثنين مستهل ذي القعدة عمل الملك الأفضل دعوة للملك الظاهر لأنه لما وصل إلى دمشق وبلغه حركة السلطان أقام بها ليتملى بالنظر إليه ثانيا وكأن نفسه كانت قد أحست بدنو أجله فودعه في تلك الدفعة مرارا متعددة ولما عمل الملك الأفضل الدعوة أظهر فيها من الهمم العالية ما يليق بهمته وكأنه أراد بذلك مجازاته ما خدمه به حين وصل إلى بلده وحضر الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والآخرة وسأل السلطان الحضور فحضر جبرا لقلبه وكان يوما مشهودا علىما بلغني.
    لما تصفح الملك العادل أحوال الكرك وأصلح ما قصد إصلاحه فيه سار قاصدا إلى البلاد الفراتية فوصل إلى دمشق في يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة وخرج السلطان إلى لقائه وأقام يتصيد حوالي غباغب إلى الكسوة حتى لقيه وسارا جميعا يتصيدان وكان دخولهما إلى دمشق آخر نهار يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأقام السلطان بدمشق يتصيد هو وأخوه وأولاده ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا وكأنه وجد راحة مما كان به من ملازمة التعب والنصب وسهر الليل وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه ونسي عزمه إلى مصر وعرضت له أمور أخر وعزمات غير ما تقدم..








    أول فتوحاته الإسكندرية في سنة اثنتين وستين ، وقاتل معه أهلها لما حاصرتهم الفرنج أربعة أشهر ، ثم كشفهم عنه عمه أسد الدين ، فتركها ، وقدما الشام . ثم تملك وزارة العاضد ، واستتب له الأمر ، وأباد آل عبيد وعبيدهم ، وتملك دمشق ثم حمص ، وحماة ، وحلب ، وآمد ، وميافارقين ، وعدة بلاد بالجزيرة . وديار بكر . وبعث أخاه ، فافتتح له اليمن ، وسار بعض عسكره . فافتتح له بعض المغرب ، ولم يزل سلطانه في ارتقاء إلى أن كسر الفرنج نوبة حطين . ثم افتتح عكا ، وبيروت ، وصيدا ، ونابلس ، وقيسارية ، وصقورية ، والشقيف ، والطور ، وحيفا ، وطبرية ، وتبنين ، وجبيل ، وعسقلان ، وغزة ، والقدس ، وحاصر صور مدة ، وافتتح أنطرطوس ، وهونين ، وكوكب ، وجبلة ، واللاذقية ، وصهيون ، وبلاطنس والشغر ، وبكاس ، وسرمانية ، وبرزية ودربسان وبغراس ، ثم هادن برنس أنطاكية ، ثم افتتح الكرك بالأمان ، والشوبك وصفد وشقيف أرنون ، وحضر عدة وقعات.




    وفقًا لعماد الدين الأصفهاني، فقد أنجب صلاح الدين الأيوبي خمسة أبناء قبل مغادرته مصر في عام 1174م. ابنه الأكبر الأفضل وُلد في عام 1170م وأنجبت له زوجته شمسة التي اصطحبها معه إلى الشام ولده عثمان، وُلد في عام 1172م في مصر، ثم أنجبت طفلاً آخر في عام 1177م. بينما ذكر أبو العباس القلقشندي، أن ولده الثاني عشر وُلد في مايو سنة 1178م، بينما ذكر الأصفهاني، أن هذا الطفل كان ابن صلاح الدين السابع. كما وُلد له مسعود في عام 1175م ويعقوب في عام 1176م، وهذا الأخير من زوجته شمسة. تزوج صلاح الدين من أرملة نور الدين زنكي عصمة الدين خاتون في سبتمبر سنة 1176م، وانجبت له إحدى زوجاته غازي وداود في عامي 1173م و1178م على التوالي، وأنجبت له أخرى إسحق في عام 1174م وولدًا آخر في شهر يوليو من سنة 1182م.




    قال ابن شداد: وصلني كتاب صلاح الدين إلى القدس يستدعيني لخدمته وكان شتاء شديدا ووحلا عظيما فخرجت من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة 589هـ وكان الوصول إلى دمشق في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من السنة وركب السلطان لملتقى الحاج يوم الجمعة خامس عشر صفر وكان ذلك آخر ركوبه، ولما كان ليلة السبت وجد كسلا عظيما وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وكانت في باطنه أكثر منها في ظاهره وأصبح يوم السبت متكاسلا عليه أثر الحمى ولم يظهر ذلك للناس لكن حضرت عنده أنا والقاضي الفاضل ودخل ولده الملك الأفضل وطال جلوسنا عنده وأخذ يشكو قلقه في الليل وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم إلينا بالحضور على الطعام في خدمة ولده الملك الأفضل ولم تكن للقاضي الفاضل في ذلك عادة فانصرف ودخلت إلى الإيوان القبلي وقد مد السماط وابنه الملك الأفضل قد جلس في موضعه فانصرفت وما كانت لي قوة في الجلوس استيحاشا له وبكى في ذلك اليوم جماعة تفاؤلا لجلوس ولده في موضعه ثم أخذ المرض يتزيد من حينئذ ونحن نلازم التردد طرفي النهار وندخل إليه أنا والقاضي الفاضل في النهار مرارا وكان مرضه في رأسه وكان من إمارات انتهاء العمر غيبة طبيبه الذي كان قد عرف مزاجه سفرا وحضرا ورأى الأطباء فصده ففصدوه فاشتد مرضه وقلت رطوبات بدنه وكان يغلب عليه اليبس ولم يزل المرض يتزايد حتى انتهى إلى غاية الضعف واشتد مرضه في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه ولما كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب واشتد الخوف في البلد وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق وعلا الناس من الكآبة والحزن ما لا تمكن حكايته ولما كان العاشر من مرضه حقن دفعتين وحصل من الحقن بعض الراحة وفرح الناس بذلك ثم اشتد مرضه وأيس منه الأطباء ثم شرع الملك الأفضل في تحليف الناس.




    اشتد عليه المرض وتوفي بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ وكان يوم موته يوما لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغشي القلعة والملك والدنيا وحشة لا يعلمها إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنهم يتمنون فداء من يعز عليهم بنفوسهم وكنت أتوهم أن هذا الحديث على ضرب من التجوز والترخص إلى ذلك اليوم فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالأنفس.
    ذكر أبو جعفر القرطبي إمام الكلاسة إنني انتهيت في القراءة إلى قوله تعالى : هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فسمعت صلاح الدين ، وهو يقول : صحيح . وكان ذهنه قبل ذلك غائبا ثم مات.
    توفي صلاح الدين الأيوبي عن عمر يناهز 55 عاما.
    في ساعة موته كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها:" { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه وجبر مصابه وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا وقد حفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضيا عن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالباب من الجنود المجندة والأسلحة المعدة ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك لمحزونون يا يوسف وأما الوصايا فما تحتاج إليها والآراء فقد شغلني المصاب عنها وأما لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم وإن كان غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم والسلام".
    جلس ولده الملك الأفضل للعزاء وغسله، وأخرج بعد صلاة الظهر رحمه الله في تابوت مسجى بثوب فوط فارتفعت الأصوات عند مشاهدته وعظم الضجيج وأخذ الناس في البكاء والعويل وصلوا عليه أرسالا ثم أعيد إلى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضا بها ودفن في الصفة الغربية منها وكان نزوله في حفرته قريبا من صلاة العصر.



    لئن كانت روحه قد فارقت جسده، وانتقل بجسده وروحه عن دنيا الناس، إلا أن أعماله الخالدة حيّة يذكره الناس بها في كل آنٍ، ويتطلع الناس إلى مثلها في كل مكان.




    لم يكن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- ممن يبحث عن ألقاب زائفة، أو دنيا زائلة، لكنه كان داعية حق، ورجل معركة، وصاحب عقيدة، ومن ثَم فلم يكن انتصاره -رحمه الله- صدفة واتته، أو حظًّا أدركه، وإنما كان قدر الله بعد الأخذ بالأسباب، ومن هذه الأسباب:
    1- تقوى الله والاحتراس من المعاصي:
    يقول واصفوه: إنه -رحمه الله- كان خاشع القلب، غزير الدمعة، إذا سمع القرآن الكريم خشع قلبه ودمعت عينه، ناصرًا للتوحيد، قامعًا لأهل البدع، لا يؤخر صلاة ساعة عن ساعة، وكان إذا سمع أن العدو داهم المسلمين خرَّ ساجدًا لله قائلاً: "إلهي! قد انقطعت أسبابي الأرضية في دينك ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل". ومن جميل ما ذكر عنه أنه كان يواظب على سماع الحديث، حتى سمع جزءًا من الحديث وهو واقف بين الصفين، وقال في ذلك -رحمه الله-: "هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثًا".
    2- الإعداد الكامل والاهتمام البالغ بقضية التحرير:
    وقد بلغ من اهتمامه ألا يجعل لنفسه سكنًا، بل خيمة تضرب بها الرياح يمنة ويسرة، وقيل في وصفه: "كان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال". كما ظهر اهتمامه بصناعة الأسلحة، وبناء السفن، وعمل المفرقعات، وتركيب الألغام والمجانيق، وغيرها من أدوات القتال.
    3- توحيد البلاد:
    وهذا ما صنعه صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- من يوم أن ولي وزارة مصر، وأسندت إليه سلطنتها، حيث رفض المذهب الشيعي، وأبطل الدعاء للخليفة الفاطمي وجعله للخليفة العباسي.
    4- هدفه من القتال:
    لم يكن هدفه -رحمه الله- إعلاء صيته، أو تصيد الثناء من الناس، وإنما كان إعلاء كلمة الله. واسمع إليه حين يقول: "في نفسي أنه متى ما يسَّر الله تعالى فتح بقية الساحل، قسَّمتُ البلاد، وأوصيتُ، وودعت، وركبتُ هذا البحر إلى جزائره، أتبعهم فيها حتى لا أُبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت!
    .



    قسّم صلاح الدين دولته قبل وفاته بين أولاده وأفراد من عائلته، فجعل إمارة دمشق لابنه الأفضل نور الدين علي، وهو أكبر أولاده، وأوصى له بالسلطنة، وجعل الديار المصرية لولده العزيز عثمان، وإمارة حلب لولده الظاهر غازي غياث الدين، وترك الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدانًا كثيرة قاطع الفرات لأخيه العادل، وحماة لابن أخيه محمد بن تقي الدين عمر، وحمص والرحبة وغيرها لحفيد عمه شيركوه، أسد الدين شيركوه بن ناصر، واليمن بمعاقله ومخاليفه في قبضة السلطان ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي صلاح الدين.
    لم يلبث الخلاف أن دبّ بين أولاد صلاح الدين، مما جعل عمهم العادل يعزلهم ويقوم بتوحيد البيت الأيوبي تحت رايته. وكما فعل صلاح الدين من قبل، فعل أخوه الملك العادل، فقسّم أراضي دولته بين أبنائه وهو على قيد الحياة، ولكن هؤلاء الإخوة لم يكونوا على وفاق بعد وفاة أبيهم، فكانوا يُحاربون بعضهم بعضًا، بالرغم من أن الصليبيين كانوا يفيدون من هذا الخلاف.
    بعدهم جاء أولادهم، فلم يكونوا خيرًا من آبائهم في صلاتهم فيما بينهم وبين أبناء عمهم، ولكن واحدًا منهم استطاع أن يلمع في ظلام هذا الخلاف، ذلك هو "الصالح أيوب"، حفيد الملك العادل، الذي أعاد توحيد دولة صلاح الدين تحت سلطانه.
    لمّا مات الصالح أيوب تولّى ابنه توران شاه السلطنة، لكن مماليكه ائتمروا به وقتلوه، ثمّ نصبوا والدته "شجرة الدر" سلطانة عليهم، وبهذا زالت الدولة الأيوبيّة في مصر وقامت مكانها دولة المماليك.

    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 12:38 AM

  7. #7

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]



    شعار مصر الحالي هو العقاب المصري الذي اكتشف في قلعة صلاح الدين بالقاهرة.
    بالرغم من أن الدولة التي أسساها صلاح الدين لم تدم طويلاً من بعده، إلا أن صلاح الدين يُعَدُّ في الوعي العربي الإسلامي محرر القدس، ومع تصاعد مشاعر القومية العربية في القرن العشرين، ولا سيما في وجود الصراع العربي الإسرائيلي، اكتسبت بطولة صلاح الدين وقيادته أهمية جديدة، فقد كان في تحريره للقدس من الصليبيين مصدر إلهام لمعارضة العرب في العصر الحديث للصهيونية.





    استلهمت شخصيته في الملاحم والأشعار وحتى مناهج التربية الوطنية في الدول العربية، كما أُلِّفَت عشرات الكتب عن سيرته، وتناولتها المسرحيات والتمثيليات والأعمال الدرامية.
    لا يزال صلاح الدين يضرب به المثل كقائد مسلم مثالي واجه أعداءه بحسم ليحرر أراضي المسلمين، دون تفريط في الشهامة والأخلاق الرفيعة.
    هناك عدد قليل من المباني منذ عهد صلاح الدين ما زالت باقية، داخل المدن الحديثة. فقد كان صلاح الدين الأيوبي أول من حصّن قلعة القاهرة (1175-1183). ومن بين الحصون التي بناها "قلعة الجندي" في سيناء، والتي تطل على طرق القوافل التي يربط مصر بالشرق الأوسط، داخل تلك القلعة، عثر فريق آثار فرنسي عام 1909م، على عدد من الغرف المقببة الكبيرة المنحوتة في الصخر، بها بقايا متاجر وصهاريج مياه. كذلك يُطلق بعض المسلمين على أولادهم الذكور اسم "صلاح الدين" تيمنًا بهذا القائد، على الرغم من أن هذا الاسم كان لقبًا للسلطان الأيوبي خُلع عليه بعد إسقاطه الدولة الفاطمية وقتاله الصليبيين.




    بالرغم من كون صلاح الدين خصمًا للأوروبيين، فإنه ظل في الوعي الأوروبي نموذجًا للفارس الشهم الذي تتجسد فيه أخلاق الفروسية بالمفهوم الأوروبي، حتى أنه توجد ملحمة شعبية شعرية من القرن الرابع عشر تصف أعماله البطولية.
    على الرغم من المذبحة التي قام بها الصليبيون عندما احتلوا القدس في عام 1099م، فقد عفى صلاح الدين وسمح للمسيحيين الغربيين بالمغادرة مع بقايا الجيش المسيحي المنهزم، طالما أنهم كانوا قادرين على دفع الفدية التي فرضها عليهم. كما عومل الأرثوذكس (ومنهم مسيحيون عرب) معاملة أفضل لأنهم عادة ما كانوا يعارضون الغزو الأوروبي الصليبي.
    بالرغم من الاختلاف في العقيدة فإن القُواد المسيحيين امتدحوا صلاح الدين، خصوصًا ريتشارد قلب الأسد، الذي قال عنه أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالم الإسلامي؛كما رد صلاح الدين بأنه لم يكن هناك قائد مسيحي أشرف من ريتشارد. وبعد معاهدة الرملة، تبادل صلاح الدين وريتشارد الهدايا كرمز للاحترام المتبادل، ولكنهما لم يلتقيا قط وجهًا لوجه.
    قال عنه المؤرخون الأوروبيون أنه "من الحق أن كرمه وورعه وبعده عن التعصب؛ تلك الليبرالية والنزاهة التي كانت النموذج الذي ألهم مؤرخينا القدماء؛ هي ما أكسبه احترامًا في سوريا الإفرنجية لا يقل عن الذي له في أرض الإسلام."
    وعلى النقيض، ووفقًا لبعض المصادر، فخلال الحرب العالمية الأولى، أعلن القائد البريطاني إدموند ألنبي بفخر أن "اليوم انتهت الحروب الصليبية" رافعًا سيفه نحو تمثال لصلاح الدين الأيوبي بعد الاستيلاء على دمشق، وهي العبارة التي لازمت ألنبي طوال حياته، وهو ما احتج عليه بشدة ضد من يصفون غزوه لفلسطين عام 1917م بالحملة الصليبية. وفي عام 1933م، ذكر ألنبي أن أهمية القدس تكمن في أهميتها الاستراتيجية، ولم يكن هناك دوافع دينية لتلك الحملة. كما احتفلت الصحافة البريطانية أيضًا باحتلال الشام برسم هزلي لريتشارد قلب الأسد وهو ينظر إلى القدس وكتب تحتها عبارة "أخيرًا، تحقق حلمي". وبعد أن دخل الفريق أول الفرنسي هنري غورو المدينة في شهر يوليو من عام 1920م، ركل قبر صلاح الدين الأيوبي وهو يصيح "استيقظ يا صلاح الدين، قد عدنا تواجدي هنا يكرس انتصار الصليب على الهلال".





    بما سبق ذكره ـ باختصار جدًا ـ من شخصيته وحياته ، وجهوده العظيمة ، ومواقفه الكثيرة والكبيرة ، والتي لم يسع المقام لتفصيلها ، هو موقف ـ السنة ـ منه ، وهو يمثّل السنة وانتصاراتهم عن الكفار والمشركين ، ( فهل سنرى الفرح من إخوان اليهود والنصارى والصلبيب ؟ ) ،وموقفنا هو الثناء العطر والترحَم الحار ، والذكر السار ، على الأسد الهصور صلاح الدين الإيوبي رحمه الله وبطولاته وفتوحاته وشجاعته ،ويكفي أن نقول فخرًا وعزًا أن صلاح الدين الأيوبي هو من ( أهل السنة والجماعة).
    أما موقف ـ الإمامية الاثنا عشرية ـ من صلاح الدين رحمه الله:
    نقدم لكم ـ وثيقتين ـ ، تمثّل نظرة الشيعة، للأسد الشهم ( صلاح الدين الإيوبي ) رحمه الله ، وقد صرّح أحدهم فيه ، وأسقطه بضربة واحدة ، وأما الآخر ، فقد خفف وطأة حديثه بقول : بـ ( أنه بطل معركة حطين ) ، وماذا ينفع ( الجهاد والانتصار ) إذا كان ( سنيًا ) و ( بدون إمام معصوم ) ؟؟!!
    هذه الوثائق الإمامية المنحرفة عن الجادة ، وليس المقام ، مقام الردّ عليها ـ لإنها منقوضة عقلاً وأساسًا ، وإنما لكشف حقيقة القوم ، تجاه ( فاتحي الإسلام والمجاهدين من الصحابة رضوان الله عليهم مرورًا بصلاح الدين الأيوبي إلى عصرنا الحاضر وطعنهم في أحمد ياسين وغيره).


    ● الوثيقة الأولى من فتوى المرجع الديني (صادق الشيرازي):





    تعليق:

    قوله : (( وقضى على الخلافة الفاطمية ومذهب التشيع وكل ما يمت إليه بصلة )) يدل على أن (( صلاح الدين الأيوبي )) رحمه الله ، في نظرهم (ناصبي)!)
    وهل نسي ( المرجع الشيرازي ) جرائم ( الرافضة ) عبر التاريخ ؟
    وإن كنا ـ أشك ـ في مصداقيته ، لإن قتل النساء والاطفال ممتنع ـ في الحرب ـ إلا في حالة خاصة ذكرها أهل العلم في كتب الفقه واختلفوا فيها.


    ● الوثيقة الثانية من فتوى الشيخ (محمد باقر الإيرواني):





    تعليق:
    من واجبات الدين عند ( الإيرواني ) هو ( العمل بالتقيّة ) ، وذلك تخفيفه من ( إسقاط صلاح الدين ) و نصرة ( أحبابه وإخوانه من الصليب ) ، بألفاظ ظاهرها الرحمة ، وباطنها العذاب ، كقوله ( الانتصارات الرائعة).
    قوله : ( يضاف إلى ذلك إبادته للمكتبات العظيمة التي أنشأها الفاطميون ، وإتلافه للكتب التي سهروا طويلاً على جمعها وترتيبها ) وما يزال ، وسيزال ـ التراث الشيعي ـ مابين ضياع واتلاف واحتراق وانهيار ، وإلى حطام النار.
    أما تقسيمه للبلاد والأموال ، فنقول ( للإيرواني ) ، سرقة الدنيا لو ـ وقعت ـ أهون من السرقة باسم الدين وباسم ( الخمس ) من أموال الناس ؟ وأين ذهبت أموال المراجع ؟ هل أنفقوها على فقراء الشيعة أم قسموها لإبنائهم ؟ّ!
    والرد على هذه الكذبة ، يقول ابن شداد : ( أنه مات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما واحدا ذهبا صوريا ولم يخلف ملكا لا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة).
    نتيجة فاسدة وطعونات فاضحة يلفظها الرافضي بقوله : ( إنّ صلاح الدين إذا كان تحريره للقدس أمراً يستحق أن يفتخر به ، ولكن تصرفاته الرعناء ، ومطامعه الشخصية ادتْ إلى عودة الصليبين من جديد إلى القدس ، وإلى ضعف الدولة الإسلامية)، ومن قرأ سيرة البطل صلاح الدين كاملة فسيعرف حقيقة ماحدث منه مع الصليبيين.

    أخيرًا نقول:
    والله لن يحررّ الأقصى (من يطعن) فيمن حررّ الأقصى كـ أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه وكـ ( صلاح الدين ) وغيره، وأقرب دليل هو:
    هو حزب ( اللات والشيطان ) في لبنان ، هل استطاع أن يحرّر الأقصى ؟!! لم ولن يستطيع..
    ولماذا لن يحررّوه ؟ لأن الدعاوى إذا لم تقم عليها بينات واضحات ، فأصحابها أدعياء .





    ظهر صلاح الدين الأيوبي، في عصر كانت فيه الأمة العربية في وضع لا تُحسد عليه، من تمزق وضعف، يتهددها الخطر الصليبي، الذي كاد أن يأتي عليها، واستطاع بما تمتع به من عبقرية فذّة، وميزات قيادية هائلة، أن يجمع شتات هذه الأمة، ويكوّن قوة كبيرة، استطاع بفضلها أن يحقق انتصاراته على الصليبيين، تلك الانتصارات التي جعلته من الخالدين في التاريخ الإسلامي، وقلّ من كان يضاهيه من حيث التنزه عن الأهواء والمطامع الشخصية، ومن حيث العمل على تقديم الخدمات التي من شأنها أن تُسعد الأمة وتنهض بها.
    لم يكن صلاح الدين قائداً عسكرياً بارعاً في فنون القتال فحسب، وإنما كان أيضاً سياسياً ماهراً، استطاع أن يحظى بثقة الخليفة الفاطمي، رغم العداء المذهبي بينهما، وظل على وفاق مع سيّده نور الدين زنكي، مطيعاً له، رغم استفزازات نور الدين له، كما حصل على ثقة الخليفة العباسي، وبقي محافظا عليها حتى أخر لحظة من عمره، تلك الثقة التي أضفت على حكمه صبغة شرعية، مما جعل الجميع يُقر له بالسيادة، والولاء والتبجيل، والاحترام.







    لم يعرف العالم الإسلامي المدرسة قبل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وكانت أول مدرسة بنيت في ديار الإسلام هي المدرسة البيهقية في نيسابور، ثم المدرسة النظامية في بغداد. ثم أخذت المدارس تنتشر في العراق وخراسان وغيرها من البلدان الإسلامية.
    عندما ملك صلاح الدين مصر، "لم يكن بها شيء من المدارس"، فقام ببناء عدة مدارس للشافعية والمالكية. مقتدياً بالملك العادل نور الدين محمود زنكي. الذي بنى عدة مدارس في بلاد الشام للحنفية والشافعية،وقد تأسّى بصلاح الدين في إقامة المدارس في مصر والشام أقرباؤه وأمراؤه والأغنياء من الفقهاء وغيرهم.
    قد مهدت هذه المدارس الطريق أمام طلاب العلم لينهلوا من معين العلوم الشرعية والعربية وغيرها بأيسر جهد، وأقصر وقت. وأقل التكاليف. وأصبح طالب العلم غير محتاج إلى أن ينتقل من بلد إلى آخر يبحث عن المدرسين بل صار المدرسون هم الذين يأتون إليه في المدرسة.
    جعلت هذه المدارس من عهد صلاح الدين عهداً مشرقاً سواء في مصر أو بلاد الشام، إذ أصبحا محور استقطاب العلماء من جميع البلدان الإسلامية، لما كان يلاقيه الفقهاء من كريم العناية والرعاية، ولما كان يغدقه صلاح الدين عليهم من أُعطيات ومنح كثيرة، فقد بلغت المرتبات للفقهاء والمدرسين بدمشق في عهده حوالي ثلاثمائة ألف دينار، وكان عددهم حوالي ستمائة مدرس وفقيه.
    لكي يضمن صلاح الدين دخلاً ثابتاً للمدارس التي يُنشئها، كان يوقف عليها أوقافاً تكفي للإنفاق على الفقهاء (المدرسين) والدارسين، كما هُيئت لهذه المدارس كل أسباب الراحة ووسائل العيش، ليتفرغ الدارسون والمدرسون تفرغاً كاملاً للعلم.
    هدف صلاح الدين من إنشاء المدارس التي شيّدها هو: مقاومة المذهب الشيعي، عن طريق تعليم فقه أهل السنة. ولاسيما مذهبه وهو المذهب الشافعي، بالإضافة إلى أنها كانت مراكز لتثقيف الناس وتعليمهم لغتهم وأمور دينهم، وتبصيرهم بما يُحيق بهم من مخاطر تهدد وجودهم، فعملت على إثارة روح الجهاد في الناس، مما جعلهم يلتفّون حول زعيمهم، مما مكنه من تحقيق انتصارات باهرة على الصليبيين، حيث تمكّن من فتح أغلب معاقل الصليبيين التي كانت منغرسة في بلاد الشام.

    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 12:44 AM

  8. #8

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]


    المدرسة الناصرية: بناها صلاح الدين في مصر (الفسطاط) سنة 566هـ/ 1170م مكان سجن المعونة، وكان في ذلك الوقت وزيراً، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي.
    المدرسة القمحية: بناها صلاح الدين في أثناء وزارته، وجعل الدراسة فيها على المذهب المالكي.
    المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين بعد أن انفرد بحكم مصر، بجوار قبر الشافعي بالقرافة، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وأول من درس بها الفقيه الزاهد نجم الدين الخبوشاني (ت:587هـ/ 1191م)، وجعل له في كل شهر أربعين ديناراً عن التدريس. وعشرة دنانير عن النظر في أوقاف المدرسة، ورتّب له من الخبز في كل يوم ووقف ستين رطلاً، ورواتين من ماء النيل. ووقف عليها حمّاما بجوارها. وحوانيت بظاهرها وجعل فيها معيدين.



    المدرسة السيفية: أسسها صلاح الدين بعد أن أصبح ملكاً لمصر، جعل التدريس فيها على المذهب الحنفي، وعيّن للتدريس فيها الشيخ مجد الدين محمد بن محمد الجيني. ورتّب له في كل شهر أحد عشر ديناراً. وباقي ريع وقفها. يصرفه على ما يراه لطلبة الحنفية المقررين عنده. على قدر طبقاتهم.







    المدارس التي بناها في بلاد الشام أو أمر بتجديد عمارتها فهي:
    المدرسة الصلاحية: بناها صلاح الدين في دمشق، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي.
    المدرسة الكلاّسة: بُنيت في زمن نور الدين محمود زنكي. وأمر صلاح الدين بتحديد عمارتها سنة 575هـ/1179م.
    المدرسة الغزالية: أسست في عهد نور الدين محمود زنكي، وأهتم صلاح الدين بإصلاحها. وجعل قرية (حزم) من أعمال حوران وقفاً عليها. وعلى المشتغلين بها من العلوم الشرعية وجعل النظر والتدريس فيها لقطب الدين مسعود النيسابوري الشافعي (ت:578هـ/1182م).
    في سنة 576هـ/ 1180م أمر ببناء مدرسة في الإسكندرية خلال زيارته لها. كما أمر ببناء مدرسة كبيرة في الموصل.
    المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين في مدينة القدس سنة 588هـ/1192م. وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وجعلها وقفاً على أهل العلم، ولحد الآن يوجد كتاب وقفها منقوشاً على حجر كبير وُضع على باب المدرسة، ونصها كالآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم، وما بكم من نعمة فمن الله، هذه المدرسة المباركة وقفها مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين، أبو المظفّر يوسف بن أيوب بن شاذي محيي دولة أمير المؤمنين، أعزّ الله أنصاره، وجمع له بين خير الدنيا والآخرة، على الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه، سنة ثمان وثمانين وخمسمائة".
    هذه المدارس التي شيّد صرحها صلاح الدين، لا نجد شيئاً منها منسوباً إليه في الظاهر، وإنما تُنسب لجهات أخرى: كأن تنسب إلى الفقيه الذي درّس بها، أو إلى المكان الذي توجد فيه، أو غير ذلك، وهذا كما يقول ابن تغري بردي "صدقة السر على الحقيقة".
    مدرسة دار الغزل: جعلها صلاح الدين للمالكية، وأوقف عليها أوقافاً كثيرة.
    وإلى جانب المدارس، شيّد صلاح الدين أيضاً الجوامع الكثيرة والخانقات الصوفية، ولا يخفى أن هذه الأمكنة كان يُعقد فيها حلقات دروس في الفقه ومختلف العلوم الشرعية.






    من المدارس التي أُسست في عهده والتي بناها غيره من أفراد الشعب نذكر:
    المدرسة الإقبالية: أنشأها خادم صلاح الدين جمال الدين بن جمال الدولة وقسمها إلى قسمين أحدهما للشافعية والآخر للحنفية.
    مدرسة منازل العز: كانت في الأصل داراً تابعة للقصر الفاطمي في القاهرة، اشتراها الأمير تقي الدين بن عمر شاهنشاه بن أيوب، ابن أخي صلاح الدين، وجعلها مدرسة للشافعية سنة 574هـ/1178م. كما بنى هذا الأمير في دمشق المدرسة التقوية. وأنشأ مدرستين بالفيوم للشافعية والمالكية كما بنى مدرسة فخمة في حماة.
    المدرسة العادلية: عمّرها أخو صلاح الدين العادل أبو بكر أيوب، في القاهرة، وكان بناؤها متقناً محكماً لا نظير له في بنيان المدارس.
    المدرسة الشامية: بنتها أخت صلاح الدين ست الشام في دمشق، وهي من مدارس الشافعية.
    مدرسة الصاحبة: بنتها ربيعة خاتون في دمشق للحنابلة.
    المدرسة الأزكشية: بناها الأمير سيف الدين أيازكوج الأسدي. أحد أمراء صلاح الدين، وجعلها وقفاً على الفقهاء من الحنفية.
    المدرسة العاشورية: كانت داراً لليهودي ابن جّميع الطبيب كاتب الأمير بهاء الدين قراقوش، فاشترتها منه الست عاشوراء بنت ساروح الأسدي زوجة الأمير ايازكوج الأسدي، ووقفتها على الحنفية، وكانت من الدور الحسنة.
    المدرسة الفاضلية: بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت: 596هـ/1200م) سنة 580هـ/1184م. ووقفها على الشافعية والمالكية، ووقف بها ما يقارب مائة ألف كتاب.
    المدرسة العصرونية: أنشأها قاضي القضاة الفقيه شرف الدين أبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م).
    المدرسة القُطبية: بناها قطب الدين خسرو بن بلبل بن شجاع الهدباني في سنة 570هـ/1174. وجعلها وقفاً على الفقهاء الشافعية.
    المدرسة الارسوقية: بناها التاجر عفيف الدين عبد الله بن محمد الارسوقي (ت: 593هـ/1197م) في سنة 570هـ/1174م.
    الملاحظ في عهد صلاح الدين الأيوبي. أن الجامع الأزهر الذي بناه الفاطميون ليكون مركزاً لنشر عقائد الشيعة. لم يعد يحتل المرتبة الأولى بين مراكز العلم. بل أصبح في المرتبة الثانية من الأهمية، ويرجع ذلك إلى المدارس الكثيرة التي أحدثها صلاح الدين، ثم إلى نقله خطبة الجمعة من الأزهر إلى الجامع الحاكمي. وبقيت الخطبة معطلة بالجامع الأزهر إلى عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (ت: 676هـ/1277م).
    لا شك في أن هذا العدد الهائل من الدارس، خلال المدة البسيطة التي حكم بها صلاح الدين والتي تقارب العشرين عاما، إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمامه الكبير بالعلم والعلماء، وليس غريباً عليه أن يصدر عنه هذا الاهتمام إذا عرفنا أنه كان فقيهاً في المذهب الشافعي "فكان يحفظ القرآن، وكتاب التنبيه في الفقه الشافعي"، وكان يكثر من مجالسة العلماء والاستماع إليهم، ومناقشتهم. كما سيتضح لنا فيما بعد.
    صلاح الدين بتشييده صروح العلم، أضاف إلى سجله الحافل بالانتصارات العسكرية على أعداء الإسلام، سجلاً أخر لا يقل أهمية عن السجل الأول، خلّد ذكراه وهو بعث المذهب السنّي من جديد في مصر والشام والحجاز. بل وفي العراق، بعد أن كان من المحتمل أن يتلاشى، لو قدر للدولة الفاطمية أن يُمد في عمرها.
    إن صلاح الدين في إنشائه المدارس، لم يفرق بين مذهب وآخر، ولا بين الفقهاء. بل أنشأ مدارس لجميع المذاهب السنّية. وبذلك عمل على استبعاد العصبيات المذهبية وأشاد سياسة تقوم على استقطاب جميع أهل السنة من أجل صُنع جبهة موحّدة، ليقوى بها من محاربة أعدائه.




    منذ اللحظة الأولى لتسلم صلاح الدين الوزارة في مصر، كان في نيته القضاء على الخلافة الفاطمية، وإحلال مذهب أهل السنة مكان المذهب الشيعي فكان أول عمل قام به هو "تحسين موقع الإسلام السنّي". وذلك بعزل جميع القضاة الشيعيين من مناصبهم واستبدلهم بقضاة سنّيين. من أتباع المذهب الشافعي.
    قام سنة 566هـ/ 1171م، بإسناد قضاء مصر إلى الفقيه الشافعي صدر الدين عبد الملك ابن درباس الكردي (ت: 605هـ/ 1209م). وعهد إليه باستنابة قضاة عنه في البلدان المصرية. يدل ذلك على أنه كان بمنزلة قاضي قضاة. ولا شك أن تنصيب قاضي قضاة سُني، مع وجود الخليفة الفاطمي "إجراء له دلالته السياسية الواضحة".
    قام ابن درباس بتنفيذ ما أسند إليه من مهام وأثبت جدارة في عمله. فقام بنقل خطبة الجمعة من الأزهر إلى المسجد الحاكمي كما قام بإسناد مناصب القضاة في المدن المصرية إلى فقهاء من الشافعية أسهموا بدورهم في نشر المذهب الشافعي، وبذلك استعاد المذهب السني قوته. وأدى ذلك إلى ضعف المذهب الشيعي، واخذ نجمه بالأفول عن سماء مصر حتى وقتنا الحاضر.
    عندما دخل صلاح الدين دمشق سنة 570هـ/ 1173م. بعد وفاة نور الدين زنكي، أبقى على قضائها كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت: 572هـ/ 1176م). رغم ما كان بينهما من عداوة. عندما كان صلاح الدين في دمشق، قبل قدومه إلى مصر. وبعد وفاة الشهرزوري. أسند صلاح الدين قضاء دمشق إلى الفقيه شرف الدين عبد الله بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م).
    كان صلاح الدين كلما فتح بلداً فتح يولّي عليه قاضياً من أتباع المذهب الشافعي، وآخر من عيّن من القضاة قبل موته، هو القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم الشافعي. الذي عيّنه قاضياً على مدينة القدس وكان ذلك في سنة (588هـ/ 1192م).
    تجدر الإشارة إلى أن صلاح الدين، قد جعل قضاة مهمتهم، النظر في المنازعات والخصومات التي تقع بين أفراد الجيش. وأطلق عليهم قضاة الجند أو قضاة العسكر. ومن أشهر هؤلاء القضاة، القاضي بهاء الدين بن شدّاد، والقاضي شمس الدين محمد بن موسى، المعروف بابن الفرّاش.
    نظرا لاهتمامه بمذاهب أهل السنة. ولاسيما المذهب الشافعي، جعل القضاة والمدرسين في المدارس ممن يتبعونه، فلا غرابة إذن. أن يشيع المذهب الشافعي، وتصبح له الصدارة بين بقية مذاهب أهل السنة، وأدى ذلك إلى انحطاط منزلة المذهب الشيعي واندراسه. وانمحاء أثره، ولم يجرؤ أحد من أهل البلاد على إعلان تشيّعه.
    صلاح الدين بجعله القضاء على المذهب الشافعي بدل المذهب الشيعي يعتبر عمله هذا "كمن قام بانقلاب سريع لإجراء تغيير مذهبي، ولكنه لم يكن عنيفاً أو دموياً".






    القائد الناجح لا يقتصر نجاحه فقط على الوصول إلى كرسي الحكم، وإنما يتمثل نجاحه الحقيقي في قدرته على اختيار رجاله ومعاونيه. الذين يعتمد عليهم، في تسييره لأمور الدولة في مختلف المجالات من عسكرية. وسياسية. وإدارية. وغيرها. ومن هؤلاء الرجال الذي اعتمد عليهم صلاح الدين. الفقهاء الذين شغلوا أعلى المناصب في الدولة. فكان منهم الأمير في الجيش. وكاتب الديوان. والقاضي، والمحتسب، والمدرس، والخطيب.
    إذا كان صلاح الدين، قد حارب خصومه في الداخل والخارج بالسيف وغيره من أدوات القتال. فإن الفقهاء حاربوا الأعداء بأقلامهم وألسنتهم، عن طريق عملهم في القضاء. وتدريسهم في المدارس ووعظهم الناس في المساجد والخانقات فأدّوا دوراً هاماً في كشف زيف وبطلان مذهب الفاطميين. وفي إذكاء روح الجهاد في نفوس الجماهير. مما جعلهم يداً واحدة حول صلاح الدين. فمكّنه ذلك من تحقيق انتصاراته الخالدة على الصليبين.
    في بداية تسلم صلاح الدين للوزارة من قبل الخليفة الفاطمي العاضد (ت: 567هـ/1171م)، أدّى الفقهاء وعلى رأسهم الفقيه عيسى الهكّاري (ت: 589هـ/1193م) دوراً كبيراً في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين، أن يدخلوا في طاعته. وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت قدم صلاح الدين في الحكم.
    كان للفقيه زين الدين بن النجا (ت: 600هـ/ 1204م) أيضاً، دوراً مهماً في ترسيخ ملك صلاح الدين في مصر. حيث يعود الفضل إليه في كشف المؤامرة الكبيرة التي تزعّمها عمارة اليمني (ت:569هـ/ 117م)، والتي استهدفت قتل صلاح الدين وأنصاره. وإعادة الدولة الفاطمية بالتعاون مع الصليبيين الحشيشية الإسماعيلية في الشام.
    لا غرابة إذن، أن يولي صلاح الدين الفقهاء اهتماماً كبيراً، وأن يجعلهم موضع رعايته وعنايته. فحفظ لهم جميلهم، ووثق بهم، وقرّبهم إليه. ولكن ليس هذا هو السبب المباشر لذلك الاهتمام، وإنما يرجع السبب إلى أن صلاح الدين نفسه كان لديه إطلاع واسع على الفقه الشافعي، حيث كان يحفظ كتاب التنبيه. بالإضافة إلى أنه كان متديناً ورعاً، تقياً، زاهداً، محافظاً على تأدية صلاة الجماعة في وقتها، إلى غير ذلك من الصفات الحسنة التي رُبّي عليها، ويجب أن لا ننس، أنه أدرك الدور الخطير الذي يمكن أن يقوم به الفقهاء من حيث قدرتهم على كسب الرأي العام وتحريكه نحو الجهة التي يريدها.
    إدراكاً منه لدور الفقهاء الهام في المجتمع، اهتمّ بهم اهتماماً كبيراً، وأفاض عليهم من نعمه وإحسانه، وأغدق الهبات والأُعطيات، يدل على ذلك أن العلماء في دولته، كان لهم إقطاعات، وراتب يقارب الثلاثمائة ألف دينار. كما قام بتقريب الفقهاء إليه فأحضرهم مجالسه، وكان يحسن الاستماع إليهم ويناقشهم في كثير من المسائل. وليس هذا بالآمر المستغرب إذا عرفنا أنه كان ذا ثقافة دينية واسعة. حيث حفظ القرآن الكريم وكثيراً من الأحاديث النبوية. بالإضافة إلى معرفته الواسعة بالمذهب الشافعي.
    من مظاهر اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أيضاً، أنه كان كثير الاستشارة لكبارهم، فكان لا يقطع أمراً إلا بعد أخذ رأيهم فيه ويأتي في طليعة كبار العلماء الذين كان يستشيرهم: كاتب ديوانه القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت:596هـ/1200م). يقول فيه صلاح الدين: "لم أفتح البلاد بسيفي وإنما برأي القاضي الفاضل". ويقول أبو شامة في استشارة صلاح الدين الدائمة للقاضي الفاضل"... وكان لا يأتي أمرا إلا من بابه".
    بلغ من اعتماد صلاح الدين على رأي القاضي الفاضل أنه في سنة 588هـ/1192م، عندما نوى تأدية فريضة الحج، استشار القاضي الفاضل، فأشار عليه بعدم الخروج للحج خوفاً من رجوع الصليبيين إلى القدس. وكان صلاح الدين قد حررها من أيديهم. وبالفعل، فقد أخذ برأي القاضي الفاضل ولم يحج.
    من بين العلماء الذين أكثر صلاح الدين من استشارتهم: الفقيه زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في كشف مؤامرة عمارة اليمني، فقد جعله صلاح الدين من كبار مستشاريه، وكان يُسميه: عمرو بن العاص. بسبب دهائه وحسن حيلته. وكان كثيراً ما يأخذ برأيه لسداده. ويقول فيه أبو شامة (ت: 565هـ/1166م): "كان للفقيه زين الدين بن نجا. منزلة عالية عند صلاح الدين. أحسن السلطان إليه بالأعطيات والإقطاعات، وكان السلطان يستشيره، ويروقه تدبيره، ويميل إليه لقديم معرفته، وكريم سجيّته".
    منهم أيضاً: الفقيه أبو محمد عيسى بن محمد الهكّاري، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين الوزارة. في الدخول في طاعته. وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت مركز صلاح الدين. حيث جاء في الساعات الأولى لتولي صلاح الدين الوزارة. ويبدو أن صلاح الدين لم ينس له هذا الجميل، لذلك قرّبه إليه، وأكرمه إكراماً وكان كثير الاستشارة له.
    بلغ من اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أنه كان شديد الحرص على حضور دروس الفقهاء الوعظية، وكان في كثير من الأحيان يصحب أبناءه معه لسماعها، ولاسيما دروس الفقيه الزاهد زين الدين بن نجا، ودروس الشيخ أبو الفتوح عبد السلام بن يوسف التنوخي، كما حرص صلاح الدين على حضور مجالس المحدّثين، يقول أبو شامة: "وكان يسمع الحديث بقراءة الإمام تاج الدين البندهي المسعودي"، وفي أثناء زيارته للإسكندرية سمع (الموطأ) على العالم أبي طاهر أحمد بن محمد السَّلفي (ت: 597هـ/1201م).
    مما يدل على اهتمام صلاح الدين بالفقهاء، أنه كان يقوم بزيارتهم في بيوتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها: أنه عندما قدم إلى دمشق سنة (571هـ/1175م). قام بزيارة القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت:573هـ/1177م) في منزله. وأزال ما كان بينهما من سوء تفاهم قديم يرجع إلى أثناء إقامة صلاح الدين في دمشق قبل رحيله إلى مصر، وقام بتثبيته قاضياً لدمشق ونواحيها، ومن جملة الحديث الذي دار بينهما خلال تلك الزيارة قول صلاح الدين للقاضي الشهرزوري: "... ما مشيت إلا لأزيل ما في خاطرك من الوهم، وأعرّفك أن ما في قلبي لك نكرة. فطب نفساً. وقرًّ عيناً. فالأمر أمرك. والبلد بلدك"
    ولعمري هذه هي أخلاق العظماء من بني البشر. يحلمون عند المقدرة، بل ويتبعون الحلم الإحسان، وبذلك يجعلون من ألدّ الأعداء أصدقاء مخلصين. وهذه الحادثة إن دلت على شيء. فإنما تدل على أن صلاح الدين كان ذا نفسية صافية لا تعرف الحقد ولا البغض ولا الكراهية. وأن قلبه كان عامراً بالإيمان والتقوى وخشية الله سبحانه.
    في سنة 584هـ/1188ن. عندما ترك صلاح الدين (حلب)، سار إلى المعرّة، وهناك قام بزيارة للفقيه الزاهد أبي زكريا المغربي في بيته.
    لشدة ثقة صلاح الدين بالفقهاء، كان يتخير رسله ومبعوثيه إلى الخلفاء العباسيين والملوك والأمراء ومن الفقهاء، ممن اشتهر بسعة العلم، وحصافة الرأي، فقد قام صلاح الدين بإرسال وفد برئاسة الفقيه شمس الدين بن أبي المضاء إلى الخليفة العباسي المستضيء بنور الله (ت:575هـ/1180م)، وحمّله رسالة تتضمن إعلام الخليفة العبّاسي بعودة الخطبة باسمه في مصر، وفيها أيضاً يلتمس من الخليفة أن يُقلده البلاد التي يحكمها وكل ما يفتحه من بلاد، وقد نجح ابن أبي المضاء في مهمته. وترتب على هذه المهمة أن قام الخليفة بإرسال الخلع العباسية إلى صلاح الدين، وكتاب تقليد له بالبلاد التي يحكمها.
    كما أرسل الفقيه عيسى الهكّاري إلى الملك العادل نور الدين محمود زنكي، وحمّله رسالة، يتعذر فيها لنور الدين من تركه لمحاصرة قلعة الكرك. وقد نجح الهكّاري في مهمته، حيث أن نور الدين زال ما في نفسه، من شكوك وظنون ساورته حول إخلاص صلاح الدين له.
    مما يدلنا أيضاً، على تقدير صلاح الدين للفقهاء وحبّه لهم، أنه كان عندما يدخل الفقيه إلى مجلسه يستقبله أجمل استقبال، ويجلسه إلى جانبه، كأنه أعزّ الناس إليه.
    صلاح الدين، في الهبات والأعطيات الكثيرة كان يمنحها الفقهاء، كان يرى أن ذلك حق لهم في بيت المال، وليس منة منه، يقول: "إن هؤلاء ـ الفقهاء ـ لهم في بيت المال حق، فإذا قنعوا منّا ببعض، فلهم المنّة علينا".
    أخيراً: الفقهاء أحبّوه كما أحبّهم، ووقفوا إلى جانبه، ونصروه لم يخذلوه، وبلغ من درجة حبهم له، أنه عندما مات، أرادوا أن يحملوه على أعناقهم.
    التقى صلاح السلطان مع صلاح العلماء، فكان صلاح المجتمع، وكانت الانتصارات الخالدة، التي تزهو بها أجيال المسلمين على مرّ العصور، فهل نعتبر؟


    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 12:46 AM

  9. #9

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]



    مع كل هذا الاهتمام والتقدير للفقهاء، إلا أنه كان لا يُمكّن أحداً منهم من إظهار ما يخالف مذهب أهل السنّة ولاسيما في أمور العقيدة ويصفه أبو شامة بأنه كان مبغضاً للفلاسفة والمعطلة والدهرية ومن يعاند الشريعة.
    خير دليل على بغضه وكراهيته للفلسفة والمنتسبين إليها، وأنه كان يؤدّب أصحاب البدع وأهل الزندقة، أنه في عام 587هـ/1191م أوعز إلى ابنه الملك الظاهر غازي (ت:613هـ/1207م) حاكم حلب، يقتل العالم والفيلسوف أبي الفتح يحيى بن حبش السُهرَوَدي (ت:587هـ/1191م)* ، وذلك بعد أن أقنعه الفقهاء بضرورة التخلص منه، وإفتائهم بإباحة دمه، خوفاً على المسلمين من أن يُفسد عليهم عقيدتهم بآرائه الفلسفية التي تمس الذات الألهية، ومنعاً لحصول الفتن.







    يحلو لبعض المفكرين المعاصرين، أن يُصور مقتل السهروردي، أنه أحد أخطاء صلاح الدين الفادحة التي لا تغتفر، والتي جنت على الفكر الإسلامي جناية كبيرة، فأماتت فيه روح التفكير، فضعف مستوى العقل واعتراه الجمود، سيطرت عليه الأوهام.
    إن هذا الزعم فيه تجنًّ واضح على صلاح الدين، الذي لم يُقدم على الأمر بقتل السهروردي، إلا بعد أن أفتى جميع فقهاء حلب بوجوب قتله، وذلك لأنه في فلسفته مزج بين الحكمة اليونانية وديانات الفرس من مزدكية ومانوية ومذاهب الصابئة في الكواكب والنجوم، كما كان يعتقد بأن النبوة لا تنتهي، وأنها ضرورية من وقت لآخر، فهو ينكر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، كما يرى أن الولي المتأله (الإمام) الذي اجتمعت له الحكمة البحثية والتجربة الصوفية يكون خير وأفضل من النبي، بالإضافة إلى ذلك، كان يقول: إن الله يملك إن شاء أن يخلق نبياً، وسمّى نفسه المؤيد بالملكوت.
    لذلك رماه فقهاء حلب بالزندقة والإلحاد، وكتبوا إلى صلاح الدين، وحذروه من فساد عقائد الناس إذا أبقى عليه، فما كان من صلاح الدين، بعد أن ثبت لديه كفر السهروردي، إلا أن كتب كتاباً إلى ابنه الظاهر يأمره فيه بقتل السهروردي.
    ثم إنه لو لم يقتله لحدثت فتنة كبيرة، بين أنصار السهروردي وخصومه ممن يعتنقون مذهب أهل السنة عقيدة وفقهاً، تؤدي إلى إزهاق أرواح كثيرة، فينعكس أثر هذه الفتنة على تماسك الجبهة الداخلية، التي كان صلاح الدين حريصاً أشد الحرص، على أن تبقى قوية ومتماسكة، وموحّدة، لتحقيق أسمى أمنياته، وأمنيات المسلمين، بطرد الصليبيين من بلاد الشام، الذين شكّلوا أكبر خطر هدد الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت.
    ولا مجال في مثل هذه الظروف الصعبة والقاسية، لإفساح المجال أمام المناقشات الفلسفية التي تؤدي إلى تشويش الأفكار وتشتتها.
    لا شك في أن صلاح الدين قد رأي في التخلص من السهروردي، تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهذا أمر يتحتم العمل به فلأن تزهق روح واحدة أول من أن تزهق أرواح كثيرة، وأولى من أن يُمس الدين بسوء، وتتعطل أحكامه، وأي حاكم كان مكانه لابد من أن يفعل مثله.
    ربما كان وراء الدافع لقتل السهروردي، هو أن صلاح الدين خشي على ولده غازي، أن يُفتن بأفكار وآراء السهروردي، وهذا لو تم، فإنه لاشك. سيؤدي إلى حدوث انقسام في البيت الأيوبي، وهذا مما لا يسمح به صلاح الدين، لما يترتب عليه من أخطار، تؤدي إلى ضياع الجهود التي بذلها من أجل بناء مملكة موحدة وقوية، يضاف إلى ذلك أن السهروردي في فلسفته كان متأثراً بالمذهب الإسماعيلي الذي يقول أن أولاد علي بن أبي طالب هم صور للتجلّي الإلهي، لذلك اعتبره صلاح الدين ثائراً سياسياً يسعى للقضاء على حكمه. لذلك أوعز بقتله.
    إنه لأمر في منتهى الغرابة، بعد العدد الكبير من المدارس والمساجد والخانقات التي بناه صلاح الدين، واهتمامه بالعلم والعلماء بعثه نهضة علمية وثقافية واسعة في كل من مصر والشام، أن يُنسب إليه أنه قتل الفكر، وكان سبباً في جموده!




    تجدر الإشارة هنا إلى أن تأثير صلاح الدين في بعث المذهب السنّي، لم يقتصر على مصر وبلاد الشام، بل امتد إلى الحجاز واليمن اللذين فُتحا في السنوات الأولى من حكمه، بقيادة أخيه شمس الدولة تورانشاه (ت:576هـ/1181م) ، الذي أعاد هذه البلاد إلى سلطة الخلافة العبّاسية الروحية، حيث أمر بأن يخطب في أيام الجمُع للخليفة العباسي، واقتفى نهج أخيه في محاربة المذهب الشيعي.
    تأثير صلاح الدين في إحياء مذهب أهل السنة، وصل إلى بغداد نفسها عاصمة الخلافة العباسية، فنجد خلال الفترة التي حكم بها أن الخلافة العباسية بفضله، قد نُفخت فيها روح جديدة، فأكسبتها نشاطاً وقوة لم تألفها منذ فترة طويلة ترجع إلى وفاة الخليفة المعتصم (ت: 227هـ/ 842م)، حيث أصبح وجود الخلافة وجوداً حقيقياً، بعد أن كان صورياً، وصار للخليفة هيبة، ومارس صلاحياته الدستورية بشكل فعّال.
    أصبح بمقدور الخليفة أن يعزل أكبر المتنفذين في القصر من وزراء وكتاب ديوان وغيرهم، يدل على ذلك أن الخليفة المستضيء بنور الله، استطاع أن يتخلص من قطب الدين قايماز (ت: 570هـ/1174م)، وفي العام الذي يليه تمكن من عزل عماد الدين صندل المقتفوي عن الإستادارية، وولى مكانه ابن الصاحب هبة الله بن علي.
    أخر خليفة عاصره صلاح الدين، هو الناصر لدين الله (ت:622هـ/1225م) الذي خلف المستضيء، كان أيضاً يتمتع بشخصية قوية. كانت هل هيبة وكانت سيطرته على الأمور أكثر من سابقه يقول فيه السيوطي: كان الناصر قد ملأ القلوب هيبة وخيفة، فكان يرهبه أهل الأقطار، فأحيا بهيبته الخلافة...، وبلغ من تمكنه من السلطة، أن أمر بقتل مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب (ت: 583هـ/ 1187م)، وهو أستاذ دار الخلافة الذي كان متحكماً في أمور الدولة.
    كان أمراً طبيعياً، أن يرافق ازدياد قوة الخلافة، ازدياد قوة المذهب الذي تعتقده وتتبناه وهو المذهب السني، وأن يضعف المذهب المنافس لمذهبها، هو المذهب الشيعي.
    في عهد الخليفتين السابقين اللذين عاصرهما صلاح الدين، نجد انحساراً ملحوظاً للمد الشيعي، يدل على ذلك قول الذهبي (ت: 784هـ/1347م) "وفي أيامه ـ المستضيء بنور الله ـ اختفى الرفض ببغداد ووهى، وأما بمصر والشام فتلاشى"، كما أنه في عهد الناصر لدين الله، تعرّض الشيعة لمضايقات كثيرة، فضعفت شوكتهم، وقوي نفوذ المذهب السني.



    أن صلاح الدن كان باعث نهضة فكرية وعلمية كبيرة، انبثقت عن دُور العلم الكثيرة التي شيدها، مما كان له أثر في استقطاب كثير من العلماء من مختلف البلدان الإسلامية، كما أن هذه المدارس عملت على تثقيف الناس وتقوية العقيدة في نفوسهم، فأسهمت في تحقيق شيء من الوحدة الفكرية، مما كان له أثر كبير في بناء مجتمع قويّ ومتماسك، استطاع أن يتغلب على ما كان يتهدده من أخطار داخلية وخارجية على السواء، فأي انتصار عسكري أو تفوق حربي، لابد أن يصحبه تقدم علمي، وعقيدة نقيّة راسخة في نفوس أبنائها.
    المدارس التي شُيدت في عهده، كانت في أغلبها ضخمة وواسعة، تتوفر فيه جميع وسائل الراحة، كما أنّ المدرسين فيها كانوا يتقاضون رواتب عالية، وأن التدريس فيها كان على مذاهب أهل السنة.
    بسقوط الدولة الفاطمية، خسر المذهب الشيعي سنده الكبير، فأُبعد من مركز الصدارة ليأخذ مرتبة دنيا، فأخذت الصدارة مذاهب أهل السنة, ولاسيما المذهب الشافعي، ولذلك يمكننا أن نطلق على صلاح الدين لقب ناصر المذهب السنّي، كما ترتب على زوال الخلافة الفاطمية، أن فقد الجامع الأزهر درجته الأولى بين جوامع القاهرة.
    أن صلاح الدين كان صاحب ثقافة دينية واسعة، اهتم بالعلماء وقربّهم إليه، وكان لا يقطع أمراً إلا بمشورتهم.
    لم يكن صلاح الدين يتساهل في أيّ مسألة لها مساس بجوهر عقيدة أهل السنة، لذلك حارب الفلاسفة والمبتدعة، ولم يتهاون معهم.
    تأثير صلاح الدين في بعث المذهب السنّي لم يقتصر على مصر وبلاد الشام، بل شمل الحجاز واليمن والعراق.


    خلاصة القول:

    أن صلاح الدين، كان له الفضل الكبير في بعث ونشر مذهب أهل السنة فقها وعقيدة في أغلب البلاد العربية، لاهتمامه الزائد بالفقهاء والإكثار من إنشاء المدارس. ورسم الطريق لمن بعده في كيفية المحافظة على أن تبقى راية الإسلام مرفوعة، وفي كيفية المحافظة على أن يظل الدين الإسلامي نقياً خالياً من الشوائب والبدع والهرطقة.















    التعديل الأخير تم بواسطة aboabdullah ; 20-10-2011 الساعة 01:01 AM

  10. #10

    الصورة الرمزية aboabdullah

    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المـشـــاركــات
    665
    الــــدولــــــــة
    بلجيكا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]





    كانت سيرة صلاح الدّين ومازالت غنيّة بأحداثها الجسام , وفتوحها العظام...
    إنّها سيرة مجاهد عظيم قدّم كل ما يملك في سبيل الله ومن أجل إعزاز دينه وحفظ مقدساته واستعادة أولى القبلتين وثالث الحرمين ...
    كان – رحمه الله – عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال , وكان كالوالدة الثكلى يجول بفرسه من طلب إلى طلب , ويحثّ النّاس على الجهاد , ويطوف بين الأطلاب وينادي:" يا للإسلام " وعيناه تذرفان الدّموع...
    فهل للأمّة أن تحمل همّ تحرير بيت المقدس والأقصى كما حمل همّه صلاح الدّين؟!.
    أليس الوضع هو الوضع والحال هو الحال؟!
    تالله ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه اليوم بالأمس...
    أمة ممزقة إلى أجزاء، ومجزأة إلى أوصال، ومتقطعة إلى دويلات، في كل دولة ودويلة حاكم وسلطان، وفي كل محلة راية وأعلام، وفي كل زاوية رأي وفقيه، مع اعتزاز كل ذي موقف بمكانه، وإعجاب كل ذي رأي برأيه..
    كل ذلك مع ضياع القدس وانتهاب فلسطين، وانتهاك الحرمات وهتك الأعراض، وقتل الأطفال، ودك البيوت..
    فهل للمسلمين من صلاحٍ جديد يصلح الدنيا بالدين، ويجدِّد للناس دينهم؟!



    [TABLE="align: center"]
    [TR]
    [TD]شمل الهدى و الملك عم شتاته[/TD]
    [TD]و الدهر ساء و أقلعت حسناته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أين الذي مذ لم يزل مخشية [/TD]
    [TD]مرجـــــــوة رهباته وهباته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أين الـذي كانت له طاعاتنا[/TD]
    [TD]مبذولة ولربه طاعاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]بالله أين الناصر الملك الذي[/TD]
    [TD]لله خالصة صفت نياته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أين الذي ما زال سلطانا لنا[/TD]
    [TD]يرجى نداه وتتقى سطواته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أين الذي شرف الزمان بفضله[/TD]
    [TD]وسمت على الفضلاء تشريفاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أين الذي عنت الفرنج لبأسه[/TD]
    [TD]ذلا ومنها أدركت ثاراته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD] أغلال أعناق العـدا أسيافه[/TD]
    [TD]أطواق أجياد الورى مناته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]لم يجد تدبير الطبيب وكم و كم[/TD]
    [TD]أجدت لطب الدهر تدبيراته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]من في الجهاد صفاحه ما أغمدت[/TD]
    [TD]بالنصر حتى أغمدت صفحاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]من في صدور الكفر صدر قناته[/TD]
    [TD]حتى توارت بالصياح قناته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]لذ المتاعب في الجهاد ولم تكن[/TD]
    [TD]مذ عاش قط لِذاته لَذَّاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]مسعودة غدواته محمودة[/TD]
    [TD]روحاته ميمونة ضحواته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]في نصرة الإسلام يسهر دائما[/TD]
    [TD]ليطول في روض الجنان سنانه [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD] لا تحسبوه مات شخص واحد[/TD]
    [TD]فممات كل العالمين مماته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ملك عن الإسلام كان محاميا[/TD]
    [TD] أبداً إذا ما أسلمته حماته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD] قد أظلمت مذ غاب عنا دوره[/TD]
    [TD]لما خلت من بدره داراته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]دفن السماح فليس تنشر بعدما[/TD]
    [TD]أودى إلى يوم النشور رفاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD] الدين بعد أبي المظفر يوسف[/TD]
    [TD]أقوت قراه وأقفرت ساحاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD] الدين بعد أبي المظفر يوسف
    [/TD]
    [TD]أقوت قراه وأقفرت ساحاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]جبل تضعضع من تضعضع ركنه
    [/TD]
    [TD]أركاننا وتهدنا هداته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ما كنت أعلم أن طودا شامخا
    [/TD]
    [TD]يهوي ولا تهوي بنا مهواته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ما كنت أعلم أن بحرا طاميا
    [/TD]
    [TD]فينا يطم وتنتهي زخراته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]بحر خلا من وارديه ولم تزل
    [/TD]
    [TD]محفوفة بوفوده حافاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]من لليتامى والأرامل راحم
    [/TD]
    [TD]متعطف مفضوضة صدقاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]فعلى صلاح الدين يوسف دائما [/TD]
    [TD]رضوان رب العرش بل صلواته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]لضريحه سقيا السحاب فإن يغب [/TD]
    [TD]تحضر لرحمة ربه سقيانه [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]من للثغور وقد عداها حفظه
    [/TD]
    [TD]من للجهاد ولم تعد عاداته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]بكت الصوارم والصواهل إذ خلت
    [/TD]
    [TD]من سلها وركوبها غزواته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]وبسيفه صدأ لحزن مصابه
    [/TD]
    [TD] إذ ليس يشفى بعده صدياته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]يا وحشتا للبيض في أغمادها
    [/TD]
    [TD]لا تنتضيها للوغى عزماته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]يا وحشة الإسلام يوم تمكنت
    [/TD]
    [TD]في كل قلب مؤمن روعاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]يا حسرتا من بأس راحته الذي
    [/TD]
    [TD]يقضى الزمان وماانقضت حسراته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ملأت مهابته البلاد فإنه
    [/TD]
    [TD]أسد وإن بلاده غاباته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ما كان أسرع عصره لما انقضى
    [/TD]
    [TD] فكأنما سنواته ساعاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]لم أنس يوم السبت وهو لما به
    [/TD]
    [TD]يبدي السبات وقد بدت غشياته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]والبشر منه تبلجت أنواره
    [/TD]
    [TD]والوجه منه تلألأت سبحاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ويقول لله المهيمن حكمة
    [/TD]
    [TD]في مرضة حصلت بها مرضاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]وقف الملوك على انتظار ركوبه
    [/TD]
    [TD]لهم ففيم تأخرت ركباته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]كانوا وقوفا أمس تحت ركابه[/TD]
    [TD]واليوم هم حول السرير مشاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]وممالك الآفاق ساعية له
    [/TD]
    [TD]فمتى تجيء يفتحهن سعاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]هذي مناشير الممالك تقتضي
    [/TD]
    [TD]توقيعه فيها فأين دواته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]قد كان وعدك في الربيع بجمعها [/TD]
    [TD]هذا الربيع وقد دنا ميقاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]والجند في الديوان جدد عرضه
    [/TD]
    [TD]وإذا أمرت تجددت نفقاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]والقدس طامحة إليك عيونه
    [/TD]
    [TD]عجل فقد طمحت إليه عداته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]والغرب منتظر طلوعك نحوه
    [/TD]
    [TD]حتى تفيء إلى هداك بغاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]والشرق يرجو غرب عزمك ماضياً [/TD]
    [TD]في ملكه حتى تطيع عصاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]مغرى بإسداء الجميل كأنما
    [/TD]
    [TD]فرضت عليه كالصلاة صلاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]هل للملوك مضاؤه في موقف
    [/TD]
    [TD]شدت على أعدائه شداته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]وإذا الملوك سعوا وقصر سعيهم [/TD]
    [TD]رجحت وقد نجحت به مسعاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]كم جاءه التوفيق في وقعاته
    [/TD]
    [TD]من كان بالتوفيق توقيعاته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]يا راعيا للدين حين تمكنت
    [/TD]
    [TD]منه الذئاب وأسلمته رعاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ما كان ضرك لو أقمت مراعيا[/TD]
    [TD]دينا تولى مذ رحلت ولاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أضجرت منا أم أنفت فلم تكن
    [/TD]
    [TD]ممن تصاب لشدة ضجراته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أرضيت تحت الأرض يا من لم يزل
    [/TD]
    [TD]فوق السماء علية درجاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]فارقت ملكا غير باق متعبا
    [/TD]
    [TD]ووصلت ملكا باقيا راحاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أعزز على عيني برؤية بهجة الــ
    [/TD]
    [TD]ـــــدنيا ووجهك لا ترى بهجاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]أبني صلاح الدين إن أباكم
    [/TD]
    [TD] ما زال يأبى ما الكرام أباته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]لا تقتدوا إلا بسنة فضله
    [/TD]
    [TD]لتطيب في مهد النعيم سناته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]وردوا موارد عدله وسماحه
    [/TD]
    [TD]لترد عن نهج الشمات شماته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ولئن هوى جبل لقد بنيت لنا
    [/TD]
    [TD]ببنيه من هضباته ذرواته [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]وبفضل أفضله وعز عزيره
    [/TD]
    [TD]وظهور ظاهره لنا سرواته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]الأفضل الملك الذي ظهرت على الــ [/TD]
    [TD]ــــدنيا بزهر جلاله جلواته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]والدين بالملك العزيز عماده
    [/TD]
    [TD]عثمان حالية لنا حالاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]والملك غازي الظاهر العالي الذي
    [/TD]
    [TD]صحت لإظهار العلى مغزاته[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]ولنا بسيف الدين أظهر نصره [/TD]
    [TD]بالعادل الملك المطهر ذاته[/TD]
    [/TR]
    [/TABLE]






    المراجع:
    كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير
    كتاب "صلاح الدين الأيوبي" لأبو الحسن الندوي
    موقع إسلام ويب
    موقع إسلام أون لاين
    موقع قصة الإسلام
    موقع شبكة الدفاع عن السنة
    الموسوعة العربية
    موقع بوابة الإسلام






    لا تنسوا الدعاء لإخوانكم في سوريا وليبيا وفي كل مكان
    التعديل الأخير تم بواسطة aboalwleed ; 17-10-2011 الساعة 01:10 AM

  11. #11

    الصورة الرمزية aboalwleed

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    2,967
    الــــدولــــــــة
    الفلاح
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]



    أولئك آبائي فجئني بمثلهم .. إذا جمعتنا يا جَرير المجامعُ

    القائد الفذ البطل الشهم المسلم .. صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
    تعجز عن وصفه الكلمات ،، ويحار في مدحه الشعراء والكتاب ،، وتتزاحم في سرد سيرته العطرة كتب المؤرخين
    ناصر المسلمين وقطع دابر الصليبيين ، حرر ( المسجد الأقصى المبارك ) ولم يعامل الصليبيين بمثل ما عاملوا المسلمين حين دخلوا القدس فسالت على أيديهم فيها الدماء إلى الركب ، أما هو فعاملهم بالحسنى وترك لهم أملاكهم فيها ولم يرهبهم ولم يجازهم بمثل ما فعلوه من قبل ..

    استجاب لصرخةٍ تدعوه لتحرير البيت المقدس فهب وطار من عينه النوم حتى أقر الله عينه وأعين المسلمين بتحرير المسجد الأقصى المبارك ، فكتب الله له على قدر نيته وحقق له ما تمنى بعد جهد وجهاد ، وعمل دؤوب مخلص لرفع راية التوحيد في الأرض ..

    رحمه الله ما أحسن قيادته ، وما أشجع شخصيته ، وما أرفع مكانته

    نسأل الله عزوجل أن يعلي منزلته ويرفع درجته في عليين
    وأن يرحم قادة الإسلام العظام ، ويهب الأمة من يخرجها من الذل إلى العز ، ومن يحرر مقدساتها المنهوبة ، ويستعيد كرامتها المسلوبة
    إنه ولي ذلك والقادر عليه .

  12. #12

    الصورة الرمزية أنس أسامة

    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    المـشـــاركــات
    3,148
    الــــدولــــــــة
    سوريا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    أخي الغالي aboabdullah دائما تفاجئنا بإبداعاتك الخارقة و المميزة دوما موضوع مهم جدا ومهما قلت لن أوفي حقه فل موضوع ضخم جدا،أشكرك مليون مرة على هذا الموضوع الخارق و الجميل جدا، و أتمنى بأن يوفقك الله في الدنيا و الأخرة و أتمنى من الله بأن لا يحرمك من أجر هذا العمل، اللهم آمين

    تحياتي لك

    في أمان الله و رعايته

  13. #13

    الصورة الرمزية [ اللــيـــث ]

    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المـشـــاركــات
    4,329
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته ،،

    طلــعــــت علـيهــم بالصباح من الظبى يحــيط به ليل من النقع مظــــــلم
    فــــــســاء صبــــاح المــنـذرين لأنــــــه صـــباح به زرق الأسـنة أنــــــجــــم
    وجــيش بــه أســــد الكريهة غــضـــب وإن شئت عــقبان المـنية حـــــــوم
    يعفون عن كسب المغانم في الوغى فليس لهــم إلا الفـــوارس مغــــنم
    إذا قاتلوا كانوا سكوتا شــجاعــــة ولكن ظــباهـم في الطــلى تتكلــم


    يا حسرةً على أمّة يذهب صفوها و يسود كدرها..لله در أولئك العظماء,رجال ارتضوا ورود حياض مناياهم فرحاً و سروراً ,،
    و أبوا أن يصدروا عنها حتى
    تصيّرهم أوصالاً و أشلاءاً على مذبح المبادئ و الدعوات,،
    ليهدوا أمتهم سفراً
    ناصعاً بين أسفار التاريخ, و يجددوا لها أمجاداً طالما تغنّت بألحانها وبكت على أطلالها ،،
    و
    حقّ لأمثال أولئك أن يحملوا على الأكتاف إن حضروا ,، و أن لا ترقأ الدموع حزناً عليهم إن غابوا و أفلوا ,،
    ولكن يا أسفا على أمة تنكرت لرجالاتها و
    تمارت في عقائد روّادها ,، حتى اتُّخذوا سخريّاً و زاغت عنهم الأبصار ،،

    كان المسجد الأقصى يتراءى في ناظريه عند كلّ إعدادٍ يحضره أو عمل يرتبه أو جهاد يمارسه ،،
    و هكذا هم العظام,تعظم أهدافهم,و تنبل مقاصدهم,فإما أن تحاز لهم أو تفلق في سبيلها هاماتهم ،،

    بارك الله فيك أخي الحبيب أبـا عبد الله على هذا الموضوع الرائع الشيق الذي عرفنا بمن فقدته الامة هذه الايام ،،
    نسأل الله ان يكون منا من يحمل راية الجهاد ونعيد ما فقدناه بعد أن أتمه صلاح الدين بفضل الله ،،

    \
    \
    \
    وبارك الله في الأخ أبـو الوليد على المساهمة معك ،، والاخ محمد عبد الحق على الفواصل الرائعة ،،
    حفظكم المولى جميعا وبارك فيكم وسدد على الحق خطاكم ،،




  14. #14

    الصورة الرمزية أبو رويم

    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المـشـــاركــات
    4,560
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    ماشاء الله ماشاء الله
    موضوع متميز جدا أخى أبا عبد الله جزاك الله خيرا عليه وبارك فيك
    وجزى الله خيرا أخى أبا الوليد على إعداده الموضوع
    وجزى الله خيرا الأخ محمد على فواصله الرائعة
    وسأعود لاستكمال القراءة بإذن الله
    ودمتم فى أمان الله وحفظه

  15. #15
    Abu Aljrah
    [ ضيف ]

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    ماشاء الله تبارك الله ، جهد جبّار !

    جزاكم الله كل خير ...
    سلسلة [رجل بأمة ]

    جميلة جدًا ،

    بس ياليت تحطون وقت أكثر مابين الأجزاء ..،،

    لكي يتسنَ لنا القراءة ^^



    بارك الله فيك ونفع بكم

    ربما لي عودة بعد القراءة ...

  16. #16

    الصورة الرمزية ابن القلعة

    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المـشـــاركــات
    1,582
    الــــدولــــــــة
    المغرب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    أولا :

    جزاكم الله خيرا فهي أحسن ما يقال لمن بذل جهدا ظاهرا في إخراج هذا الموضوع الرائع

    وأروع من ذلك صحاب الموضوع والموضوع له جميعا معدين ومصممين وناشرين وفقكم الله جميعا

    لكن (هذه الكلمة مخيفة لدى البعض ) لدي إشكال وبعض الإضافات وكذلك التعقيبات

    فما كان من صواب فهو من الله فتقبلوه بصدر رحب وما كان من خطأ فاعذرونا عليه ووجهونا

    فهذا هو منهج المسلم الأخذ والعطاء


    وهو إحدى معجزات الإسلام الباهرة، وإحدى آياته الظاهرة...

    هل هذا الوصف والتعبير في حق أحد يجوز شرعا ؟؟

    ثانيا
    : لديا بعض الكتب كإضافات إلى الموضوع الرائع فتقبلوها منا

    1 ـ صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس للصلابي



    2 ـ صلاح الدين الأيوبي قاهر العدوان الصليبي للبيومي




    ثالثا: لدي تعقيب على بعض الكتب التي وضعت كمرجع لمن أراد الاستزادة والاستطالة في ترجمة

    هذا المجاهد المغوار والرجل العابد الزاهد الورع عليه رحمة الله وجمعنا الله به في جنانه ودار مقامته

    هل تم التأكد من هذه الكتب وخاصة كتب النصارى والمستشرقين ؟

    أما كتب جرجي زيدان فهي مليئة بالأكاذيب والأباطيل ...والدليل.

    نظرات شرعية في فكر منحرف سليمان الخراشي

    الجزء الأول والثاني

    الجزء الثالث والرابع



    وقفة مع جرجي زيدان للعشماوي

    تحميل

    أعلام وأقزام في ميزان الإسلام

    الواجهة

    المقدمة

    المجلد الأول

    المجلد الثاني

    جرجي زيدان في الميزان

    تحميل


    والمزيد من التعليقات على كتابه صلاح الدين وخاصة كتاب الشاعر العشماوي والخراشي

    إضافات

    "صلاح الدين" في سطور :


    ·
    * ولد في قلعة "تكريت" بالعراق سنة (532ﻫ = 1138م) .
    * نشأ وتعلم في مدينة "بعلبك" اللبنانية .
    * عاد إلى "حلب" بعد أن صار شابًّا والتحق بخدمة عمه "أسد الدين شيركوه" .
    * خرج مع عمه لاسترداد "مصر" وحمايتها من الوقوع في أيدى الصليبيين .
    * تولى الوزارة في "مصر" وعلى يديه سقطت الدولة الفاطمية .
    * عمل "صلاح الدين " أكثر من عشر سنوات متصلة من (570 ﻫ– 582 ﻫ) من أجل الإعداد لمواجهة الوجود الصليبي .
    * دخل في معارك مع الصليبيين وتوج انتصاراته في "حطين" واسترد بيت المقدس.
    * تصدى للحملة الصليبية التي قدمت من أوربا لاستعادة بيت المقدس .
    * عقد مع تلك الحملة صلحًا اشتهر بصلح الرملة .
    * قام بإنجازات حضارية، مثل : إنشاء المساجد والمدارس وبناء القلاع ، ومن أشهرها قلعة "الجبل" التي أقامها بالقاهرة .
    * تُوفي "صلاح الدين" بعد حياة حافلة بالجهاد في (27 من صفر 829 ﻫ= 4 من مارس 1193م) .

    "الجزيرة للأطفال" تهدم شخصية "صلاح الدين الأيوبي"














    مفكرة الاسلام:كشفت مصادر مطلعة عن ظهور مسلسل كارتون على قناة "الجزيرة للأطفال" القطرية، يتضمن هجومًا على المعاني الإسلامية والرموز التي لها تقديرهاواحترامها.
    وقالت صحيفة "المصريون" في تقرير لها عن مسلسل "صلاح الدين البطل الأسطوري" ثلاثي الأبعاد الذي تم بإنتاج قطري وإمكانات ماليزية واستغرق العمل فيه 3 سنوات، باحترافية شديدة وبعنصري إثارة وإبهار مميزين".
    وأضافت الصحيفة: "في بداية الحلقات يتقابل صلاح الدين مع لصة عربية تدعى "أنيسة" وفي البداية يتقاتل معها لاستعادة ما سرقته، ثم بعد بضع حلقات تساعده وتنقذ حياته وتشارك معه في بعض مغامراته كمعاونة".
    وبعد ذلك يقع صلاح الدين في أسر أشخاص يريدون أن يبيعوه في سوق العبيد ثم يقابل في معسكر الأسرشخصًا صليبيا يدعى "دانكن" فيضع صلاح الدين معه خطة للهرب سويًا وتنجح، ومنساعتها يترافقان في كل مغامراتهما، وينقذان بعضهما البعض، حتى أن المشاهديصبح أكثر تعاطفا مع ذلك الصليبي "دانكن" ولذكاء المؤلف يقول إنه من الفرنجة وليس الصليبيين حتى لا يجد رد فعل سلبيا من المشاهد.

    التعاطف مع صديق صليبي ضد فتاة عربية منتقبة
    وتقولالصحيفة: في إحدى الحلقات بعنوان "الشبح" وهو قاتل محترف وشخصية لم يرهاأحد، يقابل صلاح الدين فتاة عربية منتقبة في الشارع خائفة من الشبح،فيأخذها إلى شقته التي يسكن فيها بمفرده، ويبدأ دانكن وطارق في الهمزواللمز بطريقة قد يحرج منها الكبار وليس فقط الصغار، ثم تحدث المفاجأة بأنتلك الفتاة هي نفسها الشبح وسرعان ما تحاول قتل صلاح الدين، وهنا يبدأالمشاهد في التعاطف معه ومع صديقه الصليبي ضد الفتاة العربية المنتقبة.
    وكشفت "المصريون" أن كل من يقاتلهم صلاح الدين إما شكلهم عربي أو تركي، وفي إحدىالحلقات يتحدث صلاح الدين بطريقة غير مهذبة مع جده وجدته ويلاقي تعاطف المشاهد معه.
    ويقول مراقبون إن خطورة المسلسل تكمن في أنه ومع وجود عنصري الإبهار والإثارة فإنه يسيطر على عقول الأطفال المتابعين له بحيثأصبح "الواد الروش واللصة والصليبي" أبطالاً في نظرهم وهذا هو الخطر
    .
    لازالت لدي بعض الإضافات والتعقيبات...إلى الغد
    التعديل الأخير تم بواسطة ابن القلعة ; 18-10-2011 الساعة 06:56 PM

  17. #17

    الصورة الرمزية Nino chan

    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المـشـــاركــات
    1,389
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ...
    ...
    تعجز الكلمات حقاً في إيفاء حق هذا البطل المسلم الذي غيّر دولاب التاريخ في يوم من الأيام السعيدة =)
    ...

    ...
    حقا جزاك الله خيرا ... و جعل الله هذه الكلمات القليلة في ميزان حسناتك و حسنات من قرأها و اعتبر بها !...

    و ألا ليت ... نرى صلاح ثانٍ ... الأمر ليس بالمستحيل ...

    في امان الله و ر عايته

  18. #18

    الصورة الرمزية Guriin

    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المـشـــاركــات
    1,245
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    كيفك ؟؟؟

    تسلم وربي البحث مررررررررة را\ئع

    جاري الكبي <<< أفتك من أبله التاريخ

    جزاك الله خيرا بعدد نجوم السماء

  19. #19

    الصورة الرمزية 3ashQ kudo

    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    المـشـــاركــات
    683
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]

    موجود خرافي وعرض جمييل جدااا كيف لا وهو يدور حول أعظم أبطال الإسلام على الإطلاق إنه ((صلاح الدين الأيوبي)) موضوع شامل لكل أجزاء حياة هذا البطل المغاور
    جميييل جدااا الموضوع إبداع وموضوع خارق
    شكرااا لك


  20. #20

    الصورة الرمزية أسمـــاء

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    1,681
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صلاح الدين الأيوبي [رَجُــلٌ بــِـــــأمَّـــــــة][2]


    صلاح الدين ...قائد المسلمين العظيم وكاسب قلوب الإفرنج
    لطالما تساءلت كلما سمعت أو قرأت عن هؤلاء القواد الذين رحلوا وهم باقون

    أي أنواع التنشئة التي تلقوها وأي قلوب وعقول ملكوها لتصنع منهم أعجوبة التاريخ !

    آه يا يوسف ليتك تأتي لترانا فما عادت لنا قوة إلا على الصمت الذي يضحي ويمسي ضجراً متوسلاً آملاً أن اليوم هو يوم إعتاقه منا ! بتنا نخاف أن يمكر بنا صمتنا فتزل ألسنتنا بكلمة :إن اليهود أعدائنا

    أما من سبيل لعودة صلاح الدين ؟ أشباه صلاح الدين ؟ أو خلق جيل يؤمن ويقتدي ويحذو حذو صلاح الدين؟
    سئمنا من الهوان الذي غطانا حتى صرنا حكاية بمطلع عذب وجميل نعيده مراراً وتكراراً لنملئ نفوسنا بشيء من الفخر الذي ضاع منا ونعيد كنا وكنا .....
    ويطول الوصف إلا أن هذا الفخر لا يلبث إلا أن يستحيل مرارة نتجرعها أسىً على هروبه منا وأضحينا حكاية مضحكة للعالم الكبير و شماتةً تلحقنا من العدو الذي لا زال يروي عطشاً بدماء ليس لها حرمة في عرفه !
    إلى متى????????????


    اللهم يا قوي يا عزيز ارفع عنا الذل والهوان وانصر الإسلام والمسلمين وارفع راية التوحيد
    وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان ...



    كنت أهرب من هكذا مواضيع ولكنها حاصرتني وأبقتني أمام الأمر الواقع أقصد المرير ..
    مع احترامي وشكري للعاملين على الموضوع ....ليتنا نعطي هؤلاء الأبطال حقهم من الإكبار ولا سيما في أوقات كهذه فربما تواجد بيننا من يعرف ريتشارد قلب الأسد ولم يسمع بصلاح الدين قبله (بالمناسبة لم أسمع أبداً عن شرف اقترن بريتشارد فما عرف عنه إلا حبه للدماء والمجازر التي ارتكبها في حق المسلمين حينها )
    أتطلع إلى رحلات أخرى مع أعجوبة وأسطورة حقيقيةمن أساطير العرب والمسلمين !
    التعديل الأخير تم بواسطة أسمـــاء ; 19-10-2011 الساعة 02:40 AM

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...