الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فها قد عدنا إليكم بعد غياب دام لفترة طويلة بعض الشيئ لنضع بين أيديكم
القانونين الرابع والخامس من سلسلة قوانين البيت المسلم
ليس هناك أهم من قضيتين فى حياة البيت المسلم هما: (تنظيم العلم وتنظيم العبادة).
وأهم ما يدخل فى باب العلم العلوم المفروضة والعلوم المطلوبة، وأهم ما يطالب به المسلم فى باب العبادات إقامة الفرائض والواجبات والسنن والآداب،
وينبغى أن يتعاون أهل البيت على إقامة هذين المطلوبين ليكون أهل ذلك البيت مذكورين عند الله فى الملأ الأعلى ينطبق عليهم قول الله تعالى فى الحديث القدسى:
"ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه".
قال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: {واذكرن ما يتلى عليكن من آيات الله والحكمة}. فهاهنا مفهوم ومضمون،
أما المفهوم : فيدل على أن هناك تالياً يتلو عليهم القرآن والحكمة، فهناك إذن تعليم،
وأما المضمون: فهو أمرهن بالتذكر، فهناك إذن تعلم. ومن هاهنا كان لابد من تنظيم العلم والتعليم الشرعيين بأن يكون لأهل البيت جلسات علمية تفقيهية.
وقد يكون البيت المسلم مقراً لدروس نساءٍ ورجالٍ من غير أهل البيت، وقد يكون لأهل البيت حضور في مجالس للعلم في المسجد أو في بيوتٍ أخرى.
المهم هو تنظيم العلم داخل البيت بحيث يشمل كل سكانه: الأطفال والرجال والنساء، وينبغي أن يكون هناك طموح عند أهل البيت بأن يحصل كل منهم ثقافة إسلامية،
وثقافة معاصرة، وثقافة تخصّصية.
ومما يدخل في تنظيم العلم أن يكون في كل بيت مكتبة، وأن يكون هناك اعتياد على المطالعة، وأن يكون هناك دفع نحو تلقي العلم. ومع تنظيم العلم فلابد من
تنظيم العبادة وخاصة الصلوات وقراءة القرآن وشغل الأوقات بالأذكار والدعوات، واعتياد صيام الفرائض والنوافل، وأهم شيء يحتاج إلى مزيد تذكير وتركيز
هو اعتياد إقامة الصلوات في أوقاتها، واعتياد إقامة الجماعة في البيت لمن فاته حضور الجماعة في المسجد.
ومن المناسب أن يشعر أهل البيت جميعاً بمزيد الاهتمام بالمناسبات الأسبوعية، كأن يظهر اهتمام الجميع بيوم الجمع في الإكثار من الصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيه، وغسل الجمعة، والتبكير إلى الصلاة فيه، وأن يذكر بسنية صيام يومي الإثنين والخميس وصيام يوم عرفة وتاسوعاء وعاشوراء،
ومن المستحسن التذكر بالمناسبات الإسلامية في بعض الشهور كفتح القدس في رجب وحادثة الإسراء والمعراج فيه، وينبغى أن تخص المناسبات السنوية بمزيد من عناية
كصوم رمضان وقيامه وإقامة سننه ونوافله والاهتمام بأشهر الحج.
والمناسب أن تربط العبادة بالعلم الخاص بكل مناسبة كأن تقرأ السيرة للشمائل في شهر المولد، وكان أحد زملائنا يبعث من يدرس السيرة والشمائل بعد كل صلاة في شهر المولد.
ولعله من المناسب أن تزداد الدروس العلمية في المساجد أو في البيوت في بعض المناسبات.
مامن سنةٍ ولا فريضة تترك إلا ويترتب على تركها عقوبة فطرية، ومامن محرم يرتكب إلا وتترتب عليه عقوبة فطرية، فترك سنة السواك عقوبته تلف الأسنان،
وعقوبة عدم الاعتدال فى الطعام والشراب تلف الأجسام، وهكذا فى كل مخالفة لدين الفطرة توجد عقوبة فطرية. والمسلم مكلف بالنسبة للطعام والشراب:
أولاً: بعدم الإسراف: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
ثانياً: بألا يأكل أو يشرب ما يضره وبالأخص المحرم.
ثالثاً: بأن يأكل ويشرب باعتدال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه،
فإن غلبته نفسه فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".
رابعاً: ألا تظهر فيه السمنة، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم جيلاً فى معرض الإنكار فقال: "ويظهر فى السّمن" فالمسلم مكلف فى نفسه وفى أهل بيته أن يراعى
هذه الأمور، وهذا يقتضى مراعاةً لما يدخل للبيت من طعام أو شرابٍ ويقتضي تنظيمها للأكل والشرب، ولنوعية الطعام والشراب، وتنظيماً لوجبات الطعام وكميتها.
فالسمنة أثر عن أخذ الجسم طعاماً فيه حُريرات كثيرة.
ومن هاهنا فلابد أن يراعى فى نوعية الطعام وكميته ألا تكون أكثر من حاجة الجسم، والعبرة للمحصلة النهائية لمقدار الحُرايرات.
والاكتفاء بإقامة الصلب تقتضى أن يكون الطعام والشراب فيهما ماتمس حاجة الجسم إليه من أنواع البروتينات والفيتامينات وهذا يقتضى تخير نوع الطعام.
ولابد أن يلاحظ فى الطعام والشراب الأثمان المعقولة والمقدار المعتدل، وأن يكون طيب المنبت طيب المطعم فلا ضرر دينى ولا دنيوى.
وهكذا فإن تنظيم الطعام والشراب يدخل في باب السياسات اليومية المهمة، ولابد من رعاية أهل البيت صغاراً وكباراً في هذا الموضوع المهم.
ومما تجدر ملاحظته أن يبعد البيت وأهله عن الدخان فضلاً عن غيره من المأكولات أو المشروبات المحرمة، وأن تعالج قضية النهم، وأن يعوّد أهل البيت على مجاهدة النفس
فى الطعام والشراب بحيث لا يكون هناك إفراط ولا تفريط، ومع تنظيم الطعام والشراب في البيت لابد أن تنظم الرياضة، فهي المكملة لدور الطعام والشراب
وهى التى يمكن أن تزيل الآثار الضارة للطعام والشراب.
والرياضة طريق من طرق الوصول إلى القوة التي ندب إليها المسلم. ففي الحديث الصحيح: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
وعلى هذا فينبغي أن تدخل الرياضة فى البرنامج اليومي لأهل البيت، بحيث لا يمر يوم على أهل البيت إلا وللقادر فيه رياضته اليومية، وأبسط أنواع الرياضة رياضة المشي،
وينبغي أن يُخص الأطفال بمزيد عناية في الرياضة، فقد جاء في الأثر "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ومروهم أن يثبوا على الخيل وثباً".
فالرشاقة وأنواع الرياضات التي توصل إلى القوة، كل ذلك مطلوب ويجب أن يربى أهل البيت عليه . إنه كما ينظم أهل البيت أورادهم فى الذكر وتلاوة القرآن
ينبغى أن ينظموا أوقات الرياضة، وينبغى على رب الأسرة أن يوجه أولاده نحو اكتساب المهارات فى أنواع من الرياضة خاصة الرياضات التى تجعل الجسم رشيقاً وقوياً،
وأن يختار لأولاده النوادى الأمينة على أجسادهم وأخلاقهم.
وقد جرت عادة بعض الناس أن يبدأوا يومهم بالصلاة وبالأوراد وتلاوة القرآن وبالمشي الطويل وتلك عادة حسنة أن يبدأ الإنسان يومه بما يفيد الروح والقلب والجسد.
وكما يجب على المسلم أن يراعى عدم الإسراف فى الطعام والشراب فإنه ينبغى أن يراعى ذلك فى لباسه وفى كل معيشته، فتكديس اللباس والحاجيات غير الضرورية مَضيعةٌ للمال، مَفسدة للنفس، فاللباس بقدر الحاجة، والأثاث بقدر الحاجة، وكل حاجة تشترى للبيت ينبغى أن يفكر فيها ما إذا كانت ضرورية أو لا.
فكل ما يستغنى عنه ينبغي ألا يدخل البيت فالاقتصاد نصف المعيشة، ولا شك أن الاقتصاد شيء والشح شيء آخر. فالمسلم منهي عن البخل والشح،
ولاشك أن ضرورات عصر تختلف عن ضرورات عصر آخر وضرورات بيت تختلف عن ضرورات آخر. والعبرة ألا يشتري شيء إلا وهو ضروري للاستعمال.
وكما يلاحظ ما يدخل إلى البيت، فإنه يلاحظ الاستعمال داخل البيت، فلا يستعمل شيء إلا بقدر وبالضرورة، فلا تضاء الأنوار إلا لحاجة، ولا يسرف في استعمال الماء،
ولا يُلقى الطعام إلا لحيوان. وينبغي أن يعتاد أهل البيت جميعاً أن يحاسب بعضهم بعضاً على كل ما هو إسراف ولكن بأدب ولطف.
وكما يلاحظ أهل البيت ما يستعملونه في البيت وما يدخلونه إليه، فإنهم يحافظون على مبدأ الاقتصاد خارج البيت وخاصةً ما له علاقة بشراء السيارات واستعمالاتها.
ومما نلفت إليه النظر خاصةً ألا يتورط الإنسان بالدخان أو المسكر أو القمار إلى غير ذلك مما لا ينبغي للمسلم أن يقاربه.
ومن جوانب الاقتصاد المهمة تعامل الإنسان مع أغراض البيت عامةً والقابلة للكسر خاصةً، فالتعامل الحسن مع الثياب والستائر يطيل أمد استعمالها وفي ذلك اقتصاد،
وتجنب إسراف، والتعامل اللطيف مع أدوات المطبخ يطيل حياتها، والتعامل اللطيف مع الأواني الزجاجية يجنب الإنسان إسرافاً، وقد جرت عادة الكثيرين أن يتساهلوا
فيضعوا الأواني الزجاجية بين يدي الأطفال فيكسرونها وهم يضحكون ويضحك الأهل، وذلك سوء أدب من الولد ومن الأهل، صحيح أننا لا نعاقب الطفل
إذا كسر معه شيء بشكل اضطرارى ولكنا نعاقبه لنجنبه تكرار مثل ذلك.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يرزقنا الإخلاص فى أقوالنا وأفعالنا
وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
ونخبركم بأنه سيتم تأخير موضوع النقاش قليلاً لبعض الظروف وكذلك الإمتحانات
وجزاكم الله خيراً
المفضلات