رُوى أن عُمَرَ بن الخطاب رضى اللهُ عنه استعمل (أى جعله والياً) على حمص عُميرَ بنَ سَعد . فلما مضت السنةُ كَتَبَ إليه عُمَرُ رضى اللهُ عنه أن أقدم علينا .
فلم يشعُر عُمَر إلا و قد قَدِمَ ماشياً حافياً , عكازته بيده , و إداوته (إناء يوضع فيه الشراب) و مِزودة (إناء يوضع فيه الطعام) و قصعَتُهُ (إناء للطعام و الشراب) على ظَهرِه .. فلما نظر إليه عُمَر قال لَهُ : (يا عُمَير, أأجدبنا أم البلاد بلاد سوء ؟؟)
فقال : (و لِمَه يا أمير المؤمنين ؟ و قد جئتُك بالدنيا أجُرُها بقرابِها) .
فقال لَهُ : (و ما معكَ مِن الدنيا ؟)
قال : (عكازة أتوكأُ عليها , و أدفع بها عدواً إن لقِتُه , و مِزودٌ أحمِلُ فيه طعامي , و إداوةٌ أحمِلُ فيها ماءً لِشرابي و لِطهورِي .. فواللهِ يا أمير المؤمنين , ما الدنيا بَعدُ إلا تَبعٌ لما معي).
فقام عُمَرُ من مَجلسه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر رضى الله عنه فبكى و دعا , ثم عَاد إلى مجلسهِ فقال : (ما صنعت في عَمَلِكَ يا عُمير ؟)
فقال : (أخذت الأبلَ مِن أهلِ الأبلِ , و الجزية من أهل الذمّةِ عن يدِّ و هم صاغرون , ثم قسمتُها بين الفقراءِ و المساكين و أبناءِ السبيل , و الله يا أمير المؤمنين لو بقى عندي منها شىء لأَتيتُكَ بِه) .
فقال عُمر : (عُدّ إلى عَملِك يا عُمير) .
فقال : (أُنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تردني إلى أهلي) . فإذن له .
فأتى أهلَهُ . فبعث عُمَر رَجلاً يُدعى "حبيب" بِمائة دينارٍ و قال لهُ : (اختبر لي عُمَيراً , و انزل عليه ثلاثة أيّام حتى ترى حالَهُ , أهو في سَعَةٍ أم في ضيق ؟ فإن كان في ضِيق فادفع إليه الدنانير) .
فأتاه حبيب , فنزل عليه ثلاثة أيام , فلم ير له عيشاً إلا الشعير و الزيت , فلما مضت الثلاثة أيام دفع إليه الدنانير , و قال : (قد بعث بها أمير المؤمنين إليك) .
فدعا عُمير بفرو خَلِق لامرأته , فجعل يَصُر منها الخمسة دنانير و الستة و السبعة و يبعث بها إلى إخوانه من الفقراء , إلى أن أنفذها .
فقدم حبيب على عُمَر و قال : (جئتُك يا امير المؤمنين من عند أزهد الناس , و ما عنده من الدنيا قليلٌ و لا كثير) .
و لما رَجِع عُمير من عند أهله , أمر له عُمَر بوسقين من طعام , و ثوبين .
فقال : (يا أمير المؤمنين , أما الثوبان فأقبلهما و أما الوسقان فلا حاجة لي بهما , فعند أهلي صاع من بُرٍّ و هو كافيهم حتى أرجع إليهم) .
وَ رُوى أن عُمَرَ رضى اللهُ عنه صَرَّ أربعمائة و قال للغلام ( على ما أعتقد هو "أسلم" ) : (اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح , ثم تربص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنعُ) .
فذهب بها الغلامُ إليه , و قال لهُ : (يقول لك أمير المؤمنين عُمَر اجعل هذه في بعض حوائجِك) .
فقال : (وصَلَهُ الله و رَحِمه) .
ثم دعا بجارية و قال لها : (اذهبي بهذه السبعة إلى فلان و هذه الخمسة إلى فلان ..) حتى أنفدها .
فرجع الغلامُ إلى عُمَر و أخبره , فوجده قد أعد مثلها لمُعاذ بن جَبل , فقال : (انطلق بها إلى مُعاذ بن جبل , و انظر ما يكون من أمره) .
فمضى إليه و قال له كما قال لأبي عُبيدة بن الجراح .. ففعل مُعاذ كما فعل أبو عُبيدة , فرجع الغلام و أخبر عُمَر ,
فقال :{إنهم أخوةٌ , بعضُهم من بعض , رضى اللهُ عنهم أجمعين} .
المفضلات