السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي ولكم ~
كنتُ هادئة البال مرتاحة لا ينغصّ عليّ شيءٌ وكأنني في هدوءٍ ينتظر العاصفة، فإذ بجرس غرفتي يرنّ.. فقمت من أحلاميَ الدافئة أردّ على من بالباب.. فلم أجد أحداً إنما مظروفٌ بنيّ مهترئ مرميّ أسفل قدمي.. و خفت وفتحته على عجل وإذ بورقة صفراء باهتة تسقط منه..
أمسكت الورقة الصفراء الباهتة..وأنفاسي ترتجف..إنه إخطارٌ بالهدم.. كيف يعقل هذا؟! كيف سيهدم كل شيء.. هكذا.. دونما سبب.. مقنعٍ على الأقل.. و تحسست جدران غرفتي وتأملت الشقوق التي لم ألحظها يوماً والآن فقط أعترف بوجودها..
.. لم أعرف ماذا أفعل، ولكنني اجتذبت كل أضلاعي المهددة بالانهيار وأخذت أفتش في الدروج عن أوراق ثبوتية ولم أنتبه لما في داخلها أو لم أعرهم الانتباه فقد هرولت زاحفة نحو مبنى الوزارة حيث ترسل الشكاوى.. أريد أن أتفاوض.. بل أريد المساومة.. فشيء واحد على الأقل أفضل من لا شيء..
وعلقتُ آمالاً كبيرة على حائط المكتب القديم، ولم أجد رداً.. بل وجدت جدارية تعليقات من سبقوني ووقفوا في نفس المكان والموقف.. فلم أعرف لماذا قد كنت أحضرت قلماً في حقيبتي وأخرجته.. ومثلهم حفرت الحائط في زوايتي.."قلبي مهدد بالانهيار دونما سبب"..
و هنا فقط بدأ قلبي بالارتجاف.. أحسّ بأن التهديد ممتثل أمامه.. يتربصه.. فوضعت يدي على صدري.. أريد حماية من بين أضلاعي..
وفجأةً..
مرّ من جانبي عامل نظافة عجوز وقال: إن كان وصلك إخطار، توجهي للبلدية وليس هنا.. فصاحب المكتب..قد وصله إخطار مماثل منذ زمن..
وتمالكت أنفاسي.. وبحثت مجدداً بين أوراقي.. لكن العجلة دائماً ما تغفلني عن كثيرٍ من الأمور.. ففقد كنتَ سبب انشغالي بك وعنك.. ونزلت مسرعة متجهة نحو مبنى البلدية الذي تزاحم الناس عند بوابته..
أكلهم مهددون؟! أكلهم وصلهم إخطار بالهدم؟! أكلهم تائهون مثلي؟! أكلهم لديهم ما لا يرضون فقده؟!
وحصلت على دور بعد عناء شديد برقم99.. ووقفت في الطابور.. والصف يتآكل شيئا فشيئا.. وأنا أرى الخارجين محمولين يجرهم اثنان من الموظفين.. وبدأت أخاف حقاً.. بدأتً أخاف عليكَ..
حتى وصل دوري.. وهوى قلبي خوفاً وذعراً..
وتذكرتكَ فأنت من أحمله في قلبي وخفت أن أفقدك إن كان الإخطار صحيحاً.. وضغطت على قلبي مخافة إيذائه..
وجلست أمام رئيس البلدية.. ومددت له الورقة الصفراء الباهتة وقلت مرتجفة: ما هذي ؟!
ولمحها، وحدّق بي..
و أنا أكرر السؤال خائفة: ما هذي؟!
فأومأ بلا وقال : من اللون.. إنها إخطار بالهدم!
و صمتُّ لا أعرف ماذا أقول..
وكأنه عرف ما يدور في قلبي.. وقال متسائلا: أتعرفين ماذا سنهدم؟!
فأومأت بنعم و أنا خائفة مرعوبة..
وقال مبتسماً مكشراً عن أنيابه: أتعرفين لماذا؟!
فأومأت بلا وأنا باهتة باردة الجلد..
وقال مبتسماً: لعدم وجود إثبات ترخيص!
فانكمشت على نفسي وأخذت حقيبتي أفتش عن الشيء الذي طالما نسيت أمره.. أين الترخيص.. أين.. بالتأكيد هناك ورقة ترخيص.. لايمكن أن أكون قد أضعتها في طريقي.. لا..
مهلا..
لا..
متى أصدرتُ ترخيصاُ من البداية؟!
وعندها فهمت الأمر..
لقد بنيتك دونما ترخيص..
فالتجئت للرئيس متوسلة: أرجوك ابحث لي عن أي ترخيص.. بالتأكيد ستجد ترخيصاً إضافياً هنا أو هناك.. أرجوك من أجلي..
فاقترب مني وقال: سنهدم قلبك لأنه بنى شيئاً دونما ترخيص.. وموعد الهدم حالما تخرجين من هنا..
وتذكرت من أحب مجدداً.. وندمت للحظة..
وقال: التالي
وأنا ما زلت أعيش لحظة الندم..
واحتذبني الموظفان..ورموني خارجاً وأنا كما أنا أعيش لحظة الندم..
طالما سيتم الهدم الآن.. فأنا نادمة كثيراً..
نادمة لأنّ كل شيء سيهدم دونما معرفته..
لماذا لم أخبره؟!
لماذا لم أخبره بالذي بنيته له قبل أن يشرعوا بالهدم؟! لو أخبرته أكان سيخرج لي ترخيصاُ من أجلي..
وخرجت من مبنى البلدية..
وفجأة..
وقعت أرضاً.. واعتصر قلبي ألماً..وعرفت أن الهدم قد بدأ..
وذلك ببساطة.. لأنني أحببته دونما ترخيص.. ولم يكن لي أيّ سبيل بذلك.. فلأذوق وبال أمري..
تمت ..
المفضلات