"يُخطِئُ الضِّعـافُ من الكُتَّـابِ وبخاصَّـة في أيامِنـا هذه .. إذا حَسِبُوا الفصاحـةَ العربيَّـةَ قبيلاً واحدًا مِنَ اللفظِ الرقيقِ المأنوسِ؛ ولقد تجدُ بعضَ هؤلاء الضعفاءِ وإنّـه ليرَى في الكلامِ الجزْلِ المتفصِّحِ مـا يرى في جمجمةِ الأعاجمِ إذا نطقُوا فلَم يُبيّنوا؛ وإنّمـا هي العربيَّة، وإنمـا فصاحتُهـا في مجوع مـا يطَّردُ بِـه القول؛ والفصاحةُ في جملتِهـا وتفصيلِهـا إحكامُ التناسبِ بينَ الألفاظ والمعانِي، والغرضِ الذي يتّجه إليه كلاهمـا؛ فمتى فُصِلَ الكلامُ على هذا الوجـه وأُحكمَ على هذه الطريقـةِ، رأيت جمالَـه واضحًا بيِّنـًا في كل لفظٍ تقومُ به العبارةُ، من النَسجِ المُهلْهلِ الرقيقِ، إلى الحَبْكِ المُحْكَمِ الدقيق، إلى الأسلوب المندمجِ الموثَّقِ الذي يُسرَدُ في قوة الحديد؛ إذ يكونُ كلُّ حرفٍ لموضعِـه، ويكون كلُّ موضعٍ لحرفِـه، ويكون كل ذلك بمقدارٍ لا يُسرف، وقياسٍ لا يُخطئ، ووزنٍ لا يختلف؛ وهذه هِي طبيعـةُ الفصاحة العربيّـةِ دون سائر اللغاتِ، وبهـا أمكن الإعجازُ في هذه اللغةِ ولم يُمكن في سواهـا".

[وحي القلم .. مصطفَى صادق الرافعي]