أمس عرف أحمد أبو الخير و عائلته باستشهاد شقيقه رشاد , من آثار التعذيب في المعتقل , الذي دخله قبل سبعة أشهر
في الثمانينات , كان يُعدم كلّ أسبوع المئات في باحات السجون , حين كان الموت هو الطريق الوحيد للخروج من المعتقل , و كان الآلاف من العائلات خارج هذه السجون لا تعرف عن مصير ابنها إلّا الدعاء , العائلات التي كان يُعتقل من يقدّم لها رغيف خبز , كانت سنين تجمع ثمن رشوة لزوجة ضابط لتعرف أيّ خبر عن ابنِها .
هل تعرفون كيف عاش الأب الذي بقي ثلاثين عاماً يرفض التسليم أنّ ابنه الوحيد قد أُعدم في تدمر , حتى استشهد هو في الثورة ؟
هل تعرفون كيف عاشت فتاة إحدى عشرة سنة , وهي تنتظر خطيبها ... بينما كان تراباً ؟
هل تعرفون كيف عاشت زوجة القياديّ الإخواني التي أحضروها للفرع و هدّدوه باغتصابها أمامه إن لم يعترف , فطلب دقائق للتفكير وحده في زنزانته , فلمّا دخلوا عليه كان قد انتخر ؟
هل تعرفون كيف عاش الشيخ الذي أعدموا أبناءه الثلاثة في تدمر أمامه , و أطلقوا سراحه هو ؟
هل تعرفون كيف عاشت امرأة ثمانية عشر عاماً في السجن لا تعرف شيئاً عن أهلها , مرميّة هكذا وحدها في العدم , لتعرف حين تخرج إلى "الحياة" أنّهم قُتلوا جميعاً .
هل تعرفون كم أباً ترك أبناءه أطفالاً أو أجنّة , و ظلّوا يحلمون ربع قرن بأبوّتهم , لأنّها المعنى الوحيد المتبقّي ليشعروا بجدوى الانتظار المستحيل , فلمّا خرجوا وجدوا شباباً غريبين يستصعبون أن ينادوا رجلاً لم يعرفوا غير اسمه أباً ؟!
هل تعرفون في الثورة كم أمّ ماتت حزناً , و هي تفكّر بتعذيب ابنها في المعتقل ؟!
أم هل تعرفون كم فتاة انتحرت بعدما لم تحتمل تذكّر عريها المحاط بالكهرباء و السجائر و "عار" الاغتصاب و نظرات المحيطين ؟!
أم هل تعرفون عن الأب الذي لم يجد أحداً يدينه ألفي ليرة ليقبل المستشفى إدخال ابنته , بعدما رماها له الفرع شبحاً تنزف من رحمها , فماتت بين يديه على باب المشفى ؟!
أم هل تعرفون عن الشاب الذي كان يتسلّى به الضابط , فيعرّيه و يعذّبه أمام
السجينات ؟!
لا أحد يعرف , لا أحد كان مهتمّاً , كانت الحياة تسير بكلّ طبيعيّتها , و المطاعم تقدّم أطباقها الفاخرة , و العصافير تغرّد ... و ما زالت
أخي أحمد أبو الخير , يصطفيهم الله و يجتبيهم , لم يرد الله إلّا أن يقرّبكم إليه أكثر , و لتكتمل في قلبك أوجاع هذه العائلة السوريّة الكبيرة , للشهيد الرحمة و المجد و صحبة الأنبياء , و لك بسمة الصبر و النصر كما يليق بك , ثائراً جميلاً .
المفضلات