السؤال أولًا: متى وُلِدَ النبي صلى الله عليه وسلم؟!
والسؤال في موضعه ومكانه، إذ كيف يحتفل بميلاده من يحتفل، وهو لا يعلم متى وُلِد؟!
يذهب بعض المتشككين إلى القول بأن عام الفيل ليس هو عام مولده صلى الله عليه وسلم، لأنه العام الموافق 570 ميلادية، وهو عام كان أبرهة الحبشي مشغولًا فيه بقتال الفرس.
ويقول بعض آخر إن القرآن الكريم لم يذكر سنة مولده صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا يثبت أن تكون عام الفيل...
وكان الرد على الفريق الثاني قبل الأول، إن القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ مهمته تسجيل ميلاد ووفاة كل الناس، ولا حتى الأنبياء، هذا أولًا، والرد عليهم وعلى الفريق الثاني كذلك في أقوال صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها قول ابن عباس: "وُلِد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل"، وهذا ما لم يختلف عليه أحد من الصحابة والتابعين والمؤرخين العدول.
عام الفيل كان عامًا مهمًا في تاريخ العرب، لذا كانوا يؤرِّخون به، لذا أرَّخوا ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لم يؤرخوا يوم ميلاده بالتحديد، لأنهم لم يكونوا يعلمون بأنه سيكون النبي، لكن أرخوا العام والشهر، ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلِد في ربيع الأول في عام الفيل، والخلاف؛ إذًا؛ حول أيام الشهر، أو حول بعض أيام الشهر، فبعضهم (سيرة الرحيق المختوم) يذكر أن الولادة كانت في 9 ربيع الأول، والغالب العام على أن الولادة كانت في 12 ربيع الأول، لكن الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم وُلِد أحد أيام الاثنين في ربيع الأول، ويبقى الخلاف هل هو في 9 أم 12 أم في يوم آخر.
هذا بالنسبة إلى تاريخ الولادة، أما تاريخ الوفاة فلا خلاف أنه كان في 12 ربيع الأول عام 11 للهجرة، وبالتالي الذكرى التي ننتظرها كل سنة، ليس مؤكدًا أنها ذكرى ولادته، لكن مؤكد أنها ذكرى وفاته صلى الله عليه وسلم، وإذًا، نحن نهنئ بعضنا يوم وفاته على وجه التأكيد بأنه قد وُلِد! فهل هذا منطقي؟!
لن أدخل في الجدال القائم حول مشروعية الاحتفال بيوم ولادته، أو أن هذا بدعة كون الصحابة والتابعين لم يفعلوا هذا، بل كونه صلى الله عليه وسلم نفسه لم يفعل هذا، وبالتأكيد رسول يعلم أنه آخر الرسل والأنبياء لن يتوقف ليحتفل بيوم ميلاده، أو بمناسباته الشخصية لأن حياته قامت على الدعوة إلى الله تعالى، ثم إن الاحتفال بيوم الميلاد لم ينقل عن أحد في عصره، لا بعد الرسالة، ولا حتى أيام الجاهلية نفسها، بينما من يهنئون بعضهم بيوم ولادته صلى الله عليه وسلم _إن كان يوم ولادته فعلًا_ يستدلون بحديث صيامه يوم الاثنين، وبقوله "يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي" وإن كان الرد يأتي حاضرًا وسريعًا، بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتحين يوم ميلاده من كل عام ليصومه، بل إنه صام الاثنين لأنه "يوم تعرض فيه الأعمال على الله" كما صام الخميس، ولم ينقل عن صحابته أو التابعين أن أحدهم قد تحين يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم ليصومه اقتداء به، ودلالة هذا على مشروعية وسنة الصيام يوم الاثنين، لا يوم الولادة.
ولكن، حتى هذا يرد عليه، لو لم يكن ليوم ولادته صلى الله عليه وسلم قيمة كبرى، لما كان أخبرنا بأن ذلك أحد أسباب صيامه يوم الاثنين، كان يمكنه الاكتفاء بالقول "فيه أنزل علي"، و"يوم تعرض فيه الأعمال على الله"، لكن بالإضافة إلى هذين الأمرين العظيمين، هناك "يوم ولدت فيه" فهو أمر عظيم كذلك، ولا يمكن إنكار عظمة هذا اليوم، وكما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم قيمة، أو لنقل إشارة واضحة إلى قيمة يوم ولادته العظيمة، فماذا يمنع أن نعطي نحن هذه القيمة الكبيرة ليوم ولادته؟! ولتكن القيمة وفقًا لعادات مجتمعنا، طالما أنها لا تخالف جوهر الدين ولا تنفي العقائد أو تبطلها، أي بتبادل التهاني، ولا أقول بأن نخصص اليوم لإقامة الحفلات، فهذا ما قد يكون مستنكرًا، فللتذكرة نحن لا نعلم بيوم ميلاده بالتحديد، لكن نهنئ بعضنا بأن الرحمة المهداة للعالمين قد ولد قريبًا من هذا التاريخ، أما أن نحتفل، فلنتذكر بأننا نحتفل يوم وفاته، ولنثق بأن هذا أمر قد جاوز الحد في إظهار الفرح بمثل هذا الحدث العظيم.
وما كلامي هذا إلا نوع من اجتهاد شخصي، قد يخطئ وقد يصيب، ولكن مما استدللت به لا أرى التهنئة بيوم ميلاده صلى الله عليه وسلم بدعة بأي حال من الأحوال، ولكني لا أذهب إلى مشروعية إقامة الحفلات.. ثم إننا للأسف الشديد بعدنا كثيرًا عنه وعن سيرته وعن سننه، بعدنا شخصيًا وانعكس ذلك في تربية أولادنا، فكيف نربيهم على خطاه ونحن أنفسنا بعيدون عنها كل البعد؟ فليكن ما نظنه تاريخ مولده فرصة على الأقل لالتقاط الأنفاس لتعريف الأولاد بشيء من سيرته، حتى يظل اسمه على ألسنتهم وفي أذهانهم، ولنحاول ذلك بأسلوب محبب، لا بمجرد إمساك كتاب والبدء بالقراءة به وهم لا يصدقون متى ننتهي ليذهبوا إلى اللعب أو ليأخذوا السكاكر، فلن نستفيد من ذلك شيئًا إلا إضاعة الوقت فقط، وحبذا لو كانت هناك مسابقات للأولاد تقدم إليهم قبل ذلك حول سيرته وما يظهر لهم رحمته الكبرى صلى الله عليه وسلم حتى يحبوه من قلوبهم.. ومن يدري لعلنا إن فعلنا ذلك سنة بعد أخرى عدنا بهم إلى محبته صلى الله عليه وسلم، فعدلوا بأنفسهم المسار ثم بالجيل القادم من بعدهم لتختلف من بعدها الأمور، ويظل اسمه وتبقى سنته في الأذهان والقلوب، فلا يكون هناك حاجة إلى محاولة يتيمة في يوم واحد في السنة، وعندها، ربما لا يبقى من يفكر هل الاحتفال أو التهنئة بالمولد النبوي سنة أو بدعة؟ بل يمر عليهم ذلك اليوم كغيره من الأيام.
والله تعالى أعلم.