أقصوصة

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: أقصوصة

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية غصنُ البَانِ

    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المـشـــاركــات
    1,461
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Book Icon أقصوصة

    بسم الله الرحمن الرحيم


    توفّي والدها قبلَ أن تُقبل على هذا العالم المليئ بكلّ شيء، ثم لحقته والدتها بعد ولادتها بثلاث سنوات... بقيت هي وأخوها ذو الأربعة عشر ربيعًا، يصارعان (الحياة) لوحدهما تمامًا... ومن لهما غير الله في دولةٍ لا يعرفون فيها أحدًا؟ كانوا أغرابًا تمامًا... يقتاتون الحزنَ والهمَّ كل يوم، يحاول أخوها جاهدًا توفير خبزٍ فقط له ولها لئلا يموتا جوعًا.


    كبرا معًا... عاشا كلّ تفاصيل حياتهما معًا، أحبّا بعضهما أكثر من أي شيء، فهي لم تعرف قطّ غيره رجلًا ولا ترى الحياة بدونه، وهو لم يعرف ولم يحبّ فتاةً غيرها، كانا يكمّلان بعضهما، كان هو الصديق، الأب، الأخ، الرجل اللذي تحتاجه هي، وهي كانت الأم والصديقة والأخت اللطيفة، اللتي مهما بدت معالم الضعف وقلة الحيلة والجوع عليها، إلا أنها غاية في الرقة في تعاملها معه.


    تألّما معًا كثيرًا، لكنهما فرحا أكثر، كانتا لحياة بالنسبة لكل واحدِ منهما هي الطرف الآخر، يستيقطان معًا قبل بزوغ الفجر بقليل، يغسلان وجهيهما ويتبادلان أطراف الحديث، أحيانًا يتابعون حديث الأمس، وأحيانًا يفتحون موضوعًا جديدًا... يصلّيان الفجر وينطلقان للعمل، تذهب هي إلى سيدة عجوز تسكن على بعد عدة أميال من منزلهما، كانت تلك السيدة ميسورة الحال، تقطن منزلًا قد يصنّف على أنه كبيرٌ -بعض الشيء- بالنسبة إلى امرأةٍ واحدةٍ تعيش فيه، تساعدها على التنظيف والترتيب والخياطة وتسلّيها إلى غروبِ الشمس، ثم تقبض منها أجرها، ويختلف أجرها من يومٍ إلى آخر، فمرة تأخذ طعامًا، ومرة مبلغًا من المال، ومرة ملابس لها ولأخيها اللذ يبدأ يصبح رجلًا...


    في هذه الأثناء يساعد أخوها صيّادًا على اصطياد السمك وبيعه في سوق السمك، وحتى غروب الشمس. يلتقيان في المنزل بعد ذلك وفي داخل كلّ منهما شوقٌ إلى الآخر، يُطعمان بعضهما ويتحدّثان ويتبادلان السعادة، ثم يعودا مرةَ أخرى إلى النوم، وعلى تلك الحال...

    ذات يوم، استيقظت هي ولم يستيقظ أخوها من نومه، استغربت، فهزّته لتوقظه، استيقظ، لكنه لم يكن كعادته مبتسمًا متفائلًا مفعمًا بروحه الجميلة، علّل ذلك بأنه سهر حتى ساعةٍ متأخرة، بدا وجهه شاحبًا قليلًا، كأنه يحمل همّ أمرٍ ما استعصى عليها فهمه، حاولت جاهدةً فهم مايجري لكنّها لم تستطع...


    تلك الفترة، انتشر وباءٌ ما في البحر، ماتت على إثره الكثير من الأسماك، وفقد كثير من الصيادين أعمالهم وخسروا الكثير، فأثر ذلك -بطبيعة الحال- على الشابّ الكادح... لم يخبر أخته بذلك، ربما لم يرد أن يجعلها تشعر بالحزن، ربما لم يحبّذ أن تشعر أخته بالضيق، لم يدرِ لماذا آثر الصمت وعدم إخبارها بما حصل، وهي -حتمًا- قد لا تعلم فهي لا تخالط أحدًا ولا تتكلم مع إنسان غير أخيها وتلك السيدة العجوز، فأما تلك العجوز فهي الأخرى في شبه عزلة ولا تلتفت لما يجري إلا متأخرًا جدًّا!

    بدأ أخوها في التآكل من الهم... فقد بريقه ففقدت هي الأخرى بريقها، تقريبًا باءت كل محاولاتها بالفشل في إخراجه من هذا الحزن المفاجئ، وحتى بعد علمها بأمر السمك والبحر، لم يتغيّر شيء.

    مضى أسبوعان وهما على هذه الحال، أخيرًا بدأ يرجع إلى طبيعته ويستعيد عافيته، عادت ابتسامته لوجهه المشرق وعادت بالتالي ابتسامتها لوجهها اللطيف، لكنّه ربما عاد سعيدًا -وغريبًا بعض الشيء!- أكثر من اللازم... أصبح يجمع أموالًا أكثر، ويأتيها ليبشّرها بذلك وهي تفرح لفرحه، لكنّ قلبها الصغير كان ينقبض قليلًا وتجهل سبب انقباضه، لكنّها تتجاهل ذلك، فالابتسامة اللتي تعلو وجه أخيها أهمّ عندها من كلشيء!

    عاد الأخ تدريجيًّا لحالة الكآبة الغريبة تلك... لكن هذه المرة بشكل موحش وقاسٍ أكثر! حتى أصبحت ذلك اليوم ولم تجده بجانبها... اعتلاها خوفٌ رهيب، وصدمة ألجمت لسانها، وحزن عظيم بدأ يتسلل إلى قلبها وروحها... تأملت سريره، طبقه اللذي يتناول طعامه فيه، خنقتها غصّةٌ ما!

    بعد عدّة أيّام، وجدت ورقةً أسفل الباب، مهترئةً بعض الشيء، تحمل رائحته، هرعت إليها وحملتها، احتضنتها وقبّلتها قبل كل شيء، ثم فتحتها، قرأت شيئًا أدمى قلبها، مكتوبٌ بيدٍ بدا لها أنها كانت ترتجف، وقلمٌ باهتٌ جدًّا:

    "بسم الله الرحمن الرحيم
    أختي الحبيبة، لا يسعدني أنكِ استيقظت ولمتجديني معكِ، ولا تحسبي ذلك عليّ هينًا، لقد كنت أبكي لوحدي كل يوم لأنني كنت على علمٍ بقدوم هذا اليوم لا محالة.

    أختي الصغيرة، قد لا تستوعبي ذلك، لكنني مضطرٌ للابتعاد عنكِ، سآزوركِ أو أوافيكِ بأخباري كلّما سنحت لي الفرصة.

    أحبكِ"


    قلبها الصغير لا يستوعب شيئًا... الشيء الوحيد اللذي يستوعبه هو رغبته الجامحة بوجود أخيها إلى جانبها، فالحياة لم تعد حياةً بعدم وجوده، ولا الفرح ما عاد فرحًا وهي لا تدري لماذا وإلى أين ذهب... أدركت الحزينة -في تلك اللحظة فقط- أن العالم أكبر مما كانت تتخيل، أدركت كم هو موحشٌ ويحوي الكثير من الظلمة، أدركت أن قلبها يجب أن يتألم، أدركت أن وحده القادر على المستحيل هو الواحد الأحد الصمد...
    هكذا فقط... ببساطة... تجويفٌ ما أصاب قلبها، فضعف، ضعف كثيرًا... العديد من التساؤلات تجتاح رأسها، كيف سيبدو العالم بدونه؟ كان هو البصر بالنسبة لها، هو حواسّها الخمسة، هو هذه الحياة!


    بضع سنواتٍ مرّت، وهي لا تدري أين حبّها الأول وسندها، ولا تدري هل هو على قيد الحياة أم قد ابتلعه التراب، عاشت بقية عمرها في منزل العجوز، تبكي كلّ ليلة وتنتحب، وتجهل السبب، ذبل وجهها وأحاطت الهالات السوداء عينيها الواسعتين، لا زالت تفكر به كلما استيقظت صباحًا، وتحترق لأجله كلما خلدت إلى النوم...




    ليست النهاية.
    -





    شيءٌ ما: أحسبني لم أراجعها ولم أنقّحها، فتجاوزوا عن أخطائي ونبّهوني عليها (أعني النحوية والبلاغية والإملائية). ولك -أيّها القارئ- مطلق الحرية في رسم النهاية، ارسمها كما تحبّ، اجعلمها سعيدَيْن، أو أشقياء إن أردت! فوالله إني أجهلها أنا الأخرى...
    لا تنسوا إخوتنا المسلمين في كلّ مكان من دعواتكم.

    دمتم بلا أوجاع.


    التعديل الأخير تم بواسطة أَصِيلُ الحَكَايَا ; 16-3-2013 الساعة 07:55 AM سبب آخر: زادكِ الله وأرفدكِ مزيدًا من صادق زاد القلم أخية ~

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...