[قيمـة الزمن عند العلماء]

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    الصورة الرمزية زَهـرة خَضراء

    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المـشـــاركــات
    865
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي [قيمـة الزمن عند العلماء]




    هنـا سأوردُ لكم مقتطفاتٍ من كتـاب "قيمة الزمن عند العلماء" لِـعبد الفتاح أبو غدّة، وأسألُ الله التوفيق والسدادَ وحُسن القراءةِ والانتفاعَ ..

    روَى البخاريُّ في صحيحِـه، عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أعذَرَ اللهُ عزَّ وَجلَّ إِلَى امرِئٍ أخَّـر عُمرَه حتى بَلَّغَـه ستينَ سنَـةً"، وروَى الإمامُ أحمد فِي مسندِه، عن أبي هريرةَ أيضًا قال: قال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عَـمَّرَه اللهُ تعالى ستينَ سنةً، فقد أعذرَ إليه في العُمُر".
    أَي: أزالَ عُذرَه ولَم يُبقِ له موضعًـا للاعتذار، إذْ أمهَلَـهُ طُولَ هذه المُدَّةِ المديدةِ من العُمُرِ.

    قالَ الإمام فخر الدين الرازي -رحمه الله تعالى-، في تفسيره، في تفسير سورة (العَصر)، مَـا ملخصُهُ ومعنـاه:
    "أقسمَ الله تعالى بالعصرِ -الذي هو الزمن-، لمـا فيه من الأعاجيب، لأنه يحصل فيه السرَّاءُ والضرَّاءُ، والصحةُ والسَّقَمُ، والغِنَى والفقر، ولأنَّ العُمُرَ لا يُقوَّم بشيءٍ نفاسـةً وغلاءً.
    فلو ضَيَّعتَ ألفَ سنـةٍ فيمـا لا يعْنِي، ثم تبتَ وثَبتَت لك السعادةُ في اللمحَة الأخيرة من العمر، بَقِيتَ في الجنة أبدَ الآباد، فعَلِمتَ أن أشرفَ الأشياءِ حياتُك في تلك اللمحة، فكان الزمان من جملة أصول النِّـعَم، فلذلك أقسم اللهُ بـه، ونبَّـه سبحانه على أن الليل والنهار فُرصةٌ يُضِيعها الإنسانُ! وأن الزمانَ أشرفُ من المكان فأقسَمَ بـه، لكون الزمانِ نعمةً خالصـةً لا عيبَ فيها، إنمـا الخاسِر المَعِيبُ هو الإنسـان" انتهى.

    قال الإمام ابنُ القيم -رحمه الله تعالى-، في كتابه (مدارج السالِكين)، وهو يتحدَّث عن منزلـة الغَيْرة وشمولِهـا لكثير من الأمور، فذكـرَ منها الغَيرةَ على الوقت بقولـه:

    الغَيرة على وقتٍ فات، وهي غيرةٌ قاتِلـة، فإن الوقت وَحِيُّ التَّقَضِّي -أي سريع الانقضاء- أَبِـيُّ الجانب، بَطيء الرجوع. والوقت عند العابدِ: هو وقت العبادة والأوراد، وعند المُريد: هو وقت الإقبال على الله، والجمعِيَّـةِ عليه، والعكوفِ عليه بالقلب كلِّـه. والوقت أعزُّ شيء علي، يغارُ عليه أن ينقضي بدون ذلك، فإذا فاتَـه الوقتُ لا يُمكنـه استدراكه البتـة، لأن الوقت الثانِي قد استحقَّ واجبَـه الخاصَّ، فإذا فاتَـه وقتٌ فلا سبيلَ له إلى تداركِـه.

    ومعنَى أنها (غيرةٌ قاتلـةٌ) أي أن أثرهـا يُشبه القتلَ، لأن حسرةَ الفَوْتِ قاتِلـة، ولا سيمَـا إذا علم المتحسِّرُ: أنه لا سبيل لـه إلى الاستدراك. وأيضًا فالغيرةُ على التفويت تفويتٌ آخَر، كما يقال: الاشتغالُ بالندم على الوقتِ الفائت تضييعٌ للوقتِ الحاضر، ولذلك يقال: الوقتُ كالسيف إن لم تَقطَعْه قطعَك.

    فالوقت منقضٍ بذاتِـه، منصرِمٌ بنفسه، فمن غَفَلَ عن نَفسِـهِ تَصَرَّمَتْ أوقاتُـهُ، وَعظمَ فواتُـهُ، واشتدَّت حسرَاتُـه، فكيف حاله إذا علمَ عند تحقُّقِ الفَوْتِ مقدارَ مـا أضاع، وطلب الرُّجعَى فحِيلَ بينه وبين الاسترجاع، وطلبَ تناولَ الفائتِ، وكيف يُـرَدُّ الأمس في اليوم الجديد؟! {وَأَنَّى لَهُمُ التَّـنَاوُشُ مِـنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}؟! ومُنعَ مما يحبه ويرتضيه، وَعلمَ أن ما اقتناهُ ليس مما ينبغي للعاقل أن يَقْتَنِيـه، وحِيلَ بينه وبين مـا يشتهِيـه ..
    فَيَـا حَسَرَاتٌ، مَـا إلى ردٍّ مِثلِهَـا .. سبيلٌ! ولـو رُدَّت لهَــانَ التحَسُّـرُ.
    والوارداتُ سريعـة الزوال، تمرُّ أسرع من السحاب، وينقضي الوقت بما فيه، فلا يعودُ عليك منه إلا أثَرُه وَحُكْمُـه، فاختَـر لنفسك مـا يعود عليك من وقتك، فإنه عائدٌ عليك لا محالـة، لهذا يُقال للسُّعَداء في الجنة: {كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًـا بمَـا أَسلَفْتُـم فِي الأيَّـامِ الخَاليَـةِ}[الحاقة:24]
    ، ويقال للأشقياء المعذَّبين في النار: {ذَلِكُم بِمـا كنتُم تَفرحُونَ فِي الأرضِ بِغَيْـر الحَقِّ، وبمَـا كنتُم تَمرحُونَ}[غافر:75]. انتهى بتصرف يسير.
    جميعُ المصالح تنشأُ من الوقتِ
    فمن أضاعَـه لم يَستدركه أبدًا
    وقال الإمام ابنُ القَيِّـم أيضًـا، في كتابه (الجواب الكافِي لمن سأل عن الدَّواء الشافي): "أعلَى الفِكَـرِ وأجَـلُّها وأنفعُهـا ما كان للهِ والدارِ الآخرة، فمـا كان للهِ فهُـو أنواعٌ، ... ، النوعُ الخامسُ: الفِكرَةُ في واجِبِ الوقت ووظيفتِـه، وجَمْـعِ الهَمِّ كلِّـه عليه، فالعارفُ ابنُ وقته، فإن أضاعَـه ضاعت عليه مصالحُـه كلهـا، فجميعُ المصالح إنما تنشأُ من الوقت، فمتى أضاع الوقتَ لم يستدركـه أبدًا.



    نُقلَ عن عامر بن عبد قَيْس أحد التابعِين الزهَّـاد: أن رجلاً قال لـه: كَلِّمْنِي، فقال له عامر بن عبد قيس: أمسِكْ الشمسَ. يعني أوقف لي الشمسَ واحْبِسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن متحركٌ دائبُ المُضِيِّ، لا يعود بعد مروره، فخسارتُـه خسارة لا يمكن تعويضُها واستدراكهـا، لأنَّ لكل وقتٍ ما يملؤه من العمل.

    قال الصحابي الجليل عبدُ الله بنُ مسعود -رضي الله عنه-: "مَـا نَدمْتُ على شيءٍ ندمي على يوم غربَت شمسُـه، نَقَصَ فيه أجلي، ولم يزِدْ فيه عملِي.
    وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: إنَّ الليلَ والنهار يعملان فيك، فاعمَلْ فيهمـا.
    وثال الحسن البصري -رضي الله عنه-: "يـا ابنَ آدم، إنما أنت أيامٌ، فإذا ذهب يومٌ ذهَبَ بعضُك. وقال أيضًا: أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتِهم أشدَّ منكم حرصًـا على دراهمكم ودنانيرِكم.

    وقال أبـو هلال العسكري في كتابِـه (الحث على طلب العلم والاجتهاد في جَمْعِـه): "كان الخليلُ بن أحمد -الفراهيدي البصري، أحدُ أذكياء العالـم، المولود سنة 100، والمتوفي سنة 170 -رحمه الله تعالى- يقول: أثقَلُ الساعاتِ علىَّ: ساعَـةٌ آكلُ فيهـا". فاللهُ أكبرُ، مَـا أشدَّ الفَنَـاءَ في العلم عنده؟! ومـا أوقدَ الغيرةَ على الوقتِ لديه؟!.

    وهذا الإمام أبـو يوسف القاضي (يعقوبُ بن إبراهيم الأنصاري الكوفي ثم البغدادي)، المولود سنة 113، والمتوفي سنة 182 -رحمه الله تعالى-، صاحبُ الإمام أبي حنيفة وتلميذُه وناشِرُ علمِـه ومذهبِـه، وقاضي الملوك الخلفاء العباسيين الثلاثة: المَهْدي والهادي والرشيد، وأوَّل من دُعِي: قاضيَ القُضَـاة، وكان يقال له: قاضي قضاة الدنيـا:
    يُباحثُ -وهو في النَّزْعِ والذَّمَـاءِ: النَّفَسِ الأخير من الحياة- بعضَ عُوَّاده في مسألـة فقهية، رجاءَ النفع بها لمستفيدٍ أو متعلمٍ، ولا يخلي اللحظة الأخيرة من لحظاتِ حياته من كَسْبها في مذاكرة علم وإفادة واستفادة.
    "قال تلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي ثم المصري: مَرِضَ أبو يوسف، فأتيتُـه أعودُه، فوجدتـه مُغمًى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألة؟ قلتُ: في مثل هذه الحالة؟! قال: ولا بأسَ بذلك، ندرس لعلَّـه ينجو به ناجٍ ..
    ثم قال: يا إبراهيمُ، أيّمـا أفضل في رمِي الجِمـار -أي في مناسك الحج- أن يرميهـا ماشيًا أو راكبًا؟ قلتُ: راكبًا، قال: أخطأتَ، قلتُ: ماشيًا، قال: أخطأتَ، قلتُ: قُل فيها، يَرْضَى اللهُ عنك.
    قال: أمَّـا ما كان يُوقَفُ عنده للدعاء، فالأفضلُ أن يرميَـه ماشيًا، وأمَّـا ما كان لا يُوقَفُ عنده فالأفضل أن يرميَـه راكـبًا. ثم قمتُ من عنده، فما بلغت بابَ داره حتى سمعْتُ الصراخَ عليه، وإذا هو قد ما، رحمة الله عليه.
    هكذا غلاءُ العلم عند السلف، يتذاكرون به ويبحثون في مسائِله ومشكلاتِـه حتى عند الموتِ ووَدَاع الحياة! فلله دَرُّهم ما أحبَّ العلم إلى قلوبهم.

    وجاء في (توالي التَّـأنيس بمعالي محمد بن إدريس) أي الإمام الشافعي، للحافظ ابن حجر، صـ105، "قال ابنُ أبي حاتم: سمعتُ الـمُزَنيَّ يقول: قيل للشافعي: كيف شهوتُك للعلم؟ قال: أسمعُ بالحَرْف -أي بالكلمة- مما لم أسمَعْـهُ، فَتَودُّ أعضائي أن لها أسماعًا تتنعَّمُ به مثلَ ما تنعَّمَت به الأذُنان. فقيل له: كيف حِرصُك عليه؟ قال: حرص الجَمُوع المَنُوعِ في بلوغ لـذَّتِـه للمال. فقيل له: فكيف طلَبُك له؟ قال: طلبُ المرأةِ المُضِلَّـة ولدَها ليس لها غيره". وبمثل هذا الشغف والعِشق للعلم يتكوَّن النبوغُ والإمامـةُ فيه.

    وهذا محمد بن سَلام البِيْكَنْدي شيخ البخاري، المتوفي سنة 227، كان في حال الطلب جالسًا في مجلس الإملاء، والشيخُ يحدِّث ويُملي، فانكسر قلم محمد بن سلام فأمرَ أن يُنادى: قلمٌ بدينَـار، فتطَايَرَت إليه الأقلامُ. حكاه الحافظ العيني في (عمدة القاري).
    - وروى الإمام أحمد والإمام أبو عيسى الترمذي، ولفظُ الحديث وإسنادُه المسوق هنا هو للترمذي.
    قال الترمذي: "حدثَنا عبدُ بنُ حُمَيدٍ، قال حدثنا محمد بنُ الفضل، قال حدثنا حمَّـادُ بنُ سَلَمةَ، عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من بيتِـه -وهو في مرض موته- يتكئُ على أسامـة بنِ زيد، وعليه ثوبٌ قِطْرِيّ قد توشَّح به فصلَّى بهم.
    -الثوبُ القِطْرِيُّ هو نوع من الثياب التيكانت تُحمَلُ إلى الحجاز من قَطَر، البلدِ المعروف المجاورِ القريب من المملكة العربية السعودية، والنسبة في الثياب إليه يقولون: قِطْرِي، على خلاف القياس، فَكَسَرُوا القافَ وسكَّنوا الطاء للتخفيف كما في كتاب (النهاية) لابن الأثير. وتوشَّـحَ بثوبِـه: لَبِسَـهُ.-
    ثم قال الترمذي بعد رواية هذا الحديث: "قال عبدُ بن حميد -وهو شيخ الترمذي-: قال محمد بنُ الفضل: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أوَّلَ ما جلس إلىَّ، فقلت: حدثنا حمادُ بنُ سلمةَ، فقال: لو كان من كتابِك، فقُمتُ لأخرجَ كتابي، فقبَضَ على ثوبي ثم قال: أَمْلِـهِ علىَّ، فإنِّي أخاف أن لا ألقَاك، فأَمْلَيتُـه عليْـه، ثم أخرجتُ كتابي فقرأتُـه عليه" انتهَى.
    قال الأستاذ محمَّدُ كُرْدعَلِي، في كتابه (كنوز الأجداد)، في ترجمة الإمام ابن جرير الطبري: "وَمـا أُثِرَ عنه أنه مـا أضاعَ دقيقةً من حياته في غير الإفادةِ والاستفادةِ، روَى المُعَافَى بنُ زكريا عن بعض الثقاتِ، أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري -رحمه الله تعالى- قبل موتِـه، وتُوفي بعد ساعةٍ أو أقلَّ منها، فذُكرَ له هذا الدعاءُ عن جعفر بن محمد، فاستدعى مَحْبَرةً وصحيفةً فكتبه، فقيل له: أفي هذهِ الحال؟! فقال: ينبغِي للإنسان أن لا يَدَعَ اقتباسَ العلم حتى الممات".



    قال ابنُ عقيل -رحمَـه الله تعالى-، في فاتحة القسم الأول المطبوع من كتابه (الفنون): "أمَّــا بعدُ فإنَّ خيرَ ما قُطِعَ به الوقتُ، وَشُغِلَتْ به النفسُ، فتُقرِّب به إلى الربِّ جلَّت عظمتُـه: طَلبُ علمٍ أخرجَ من ظلمة الجهل إلى نور الشرع، وذلك الذي شغلتُ به نفسي، وقطعتُ به وقتي.
    فما أزال أعلِّق ما أستفيدُهُ من ألفاظ العلماء، ومن بطونِ الصحائف، ومن صَيْدِ الخواطر التي تنثُرُهـا المناظراتُ والمُقابَسَاتُ، في مجالس العلماء، ومَجامع الفضلاء، طَمَعًا في أن يعلق بِي طرفٌ من الفضل، أبعُدُ به عن الجهل، لعلي أصل إلى بعض ما وصَلَ إليه الرجالُ قبلي.

    ولو لم يكن من فائدته عاجلاً إلا تنظيفُ الوقت عن الاشتغال برُعُونات الطباع، التي تنقطع بها أوقات الرَّعَاع، لكَفَى، وعلى الله قصْدُ السبيلِ، وهو حسبي ونعم الوكِيل." انتهى
    يقول بهاءُ الدين بن النحاس الحلبي كما في ترجمته في (بغية الوعاة) للسيوطي:
    اليومَ شيءٌ وغدًا مثلُـهُ .. مِـنْ نُخَبِ العلم التي تُلتَقَطْ
    يحصِّلُ المرءُ بها حكمـةً .. وإنمـا السَّيْلُ اجتماعُ النُّقَـطْ

    قال ابنُ الجوزي:
    "ينبغِي للإنسان أن يعرفَ شرَفَ زمانِـهِ وقدرَ وقته، فلا يُضيع منه لحظة في غيرِ قُربة، وُيُقَدِّم -فيه- الأفضل فالأفضل من القول والعمل. ولتكن نيتُـه في الخير قائمة من غير فتور، بما لا يعجزُ عنه البدنُ من العمل، كما جاء في الحديث الشريف: "نِيَّـةُ المؤمنِ خيرٌ مِن عمَلِـه" -هو جزء من حديث ضعيف أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) 228:6، عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-. وأورده الهيثمي عنه في (مجمع الزواد) 61:1 و 109، والسيوطي في (الجامع الصغير) 292:6 بشرح الُمنَاوي- وقد كان جماعةٌ من السلف يبادرون اللحظات، فنُقِل عن عامر بن عبد قيس -أحد التابعين العباد الزهاد- أن رجلاً قال له: (كَلِّمْنِي) فقال له عامر: أَمْسِك الشمس.
    وقد رأيتُ عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيبًا! إن طال الليل فبحديثٍ لاينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزَلٌ وسمَر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق -وكان ابن الجوزي يعيش في بغداد- فشبَّهتُهم بالمتحدثين في سفينةٍ وهي تجري بهم، وما عندهم خبر! ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزادِ والتهيؤِ للرحيل، فاللهَ اللهَ في مواسم العمر، والبِدارَ البِدارَ قبل الفوات، ونَافِسوا الزمان.
    وأعوذ بالله من صحبةِ البطالين، لقد رأيت خَلقًا كثيرًا يَجرون معي فيما اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد: خدمة! ويطيلون الجلوسَ، ويُجْرون فيه أحاديثَ الناس وما لا يعني، ويَتخلله غِيبةٌ. وهذا شيءٌ يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه الـمَزُورُ، وتشوَّق إليه، واستَوْحَشَ من الوحدة، وخصوصًا في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزِجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.

    فلما رأيت أن الزمان أشرفُ شيءٍ، والواجبَ انتهابُه بفعل الخير، كرهتُ ذلك وبَقيتُ معهم بين أمرين: إن أنكرتُ عليهم وَقعتْ وحشةٌ لموضع قطعِ المألوف، وإن تقبَّلتُـه منهم ضاع الزمان، فصرتُ أدافع اللقاء جهدي، فإذا غُلِبْتُ قَصَّرتُ في الكلام لأتعجَّل الفراق. ثم أعددت أعمالاً لا تمنعُ من المحادثة، لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمانُ فارغًـا، فجعلتُ من الاستعداد للقائهم قَطْعَ الكاغد -أيْ قصَّ الورق- وبَرْيَ الأقلام، وحَزْمَ الدفاتر، فإن هذه الأشاء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيعَ شيءٌ من وقتي.
    ولقد شاهدتُ خَلقًـا كثيرًا لا يعرفون معنى الحياة، فمنهم من أغنَـاه الله عن التكسب بكثرة مالـه، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظرُ إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومُنكر. ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم من يقطع الزمان بحكاية الحوادث عن السلاطين والغَلاء والرُّخْص إلى غير ذلك، فعلمتُ أن الله تعالى لم يُطْلع على شرف العمر ومعرفةِ قدرِ أوقات العافية إلا من وفَّقَـه وألهمه اغتنامَ ذلك، {وَمَـا يُلَقَّـاهَـا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فُصِّلَتْ:35]. نسأل الله -عز وجل- أن يعرِّفَنا شرفَ أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامِـه.

    وقد كان القدماءُ -يعني السلف- يَحْذَرون من تضييع الزمان، قال الفُضَيلُ بن عياض: أعرِف من يَعُدُّ كلامَـه من الجمعة إلى الجمعة. ودخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلَّنـا شغلناك؟ فقال: أصدُقكم، كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم. وجاء عابدٌ إلى السَّرِي السَّقَطِي، فرأى عنده جماعة، فقال: صرتَ مناخَ البطَّالين، ثم مضى ولم يجلس.
    ومتى لانَ المَزُورُ طَمِعَ فيه الزائر فأطال الجلوس، فلم يسلم من أذى. وقد كان جماعةٌ قعدوا عند معروف الكرخي، فأطالوا، فقال: إنَّ مَلَكَ الشمس لا يفتُر عن سَوْقِهـا، فمتى تريدون القيام؟!
    وكان جماعة من السلف يحفظون اللحظات، وكان داوُد الطائي يَستفُّ الفَتِيتَ، ويقول: بين سفِّ الفَتِيتِ وأكل الخبزِ قراءةُ خمسين آية. وكان عثمان الباقلاويُّ دائمَ الذكر لله تعالى، فقال: إني وقت الإفطار أُحِسُّ برُوْحي كأنها تخرُجُ، لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر. وأوصى بعض السلف أصحابه فقال: إذا خرجتُم من عني فتفرَّقُوا، لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه، ومتى اجتمعتم تحدثتم.

    واعلم أن الزمانَ أشرفُ من أن يُضيَّعَ منه لحظةٌ، فإن في (الصحيح) عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غُرِسَت له بها نخلةٌ في الجنة" -الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- رواه الترمذي في (جامعه) 511:5 في الدعوات، والحاكم في (المستدرك) 501:1 في الدعاء. وقال الترمذي فيه: "حديث حسن غريب". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". انتهى- . فكم يُضيِّع الآدميُّ من ساعاتٍ يفوته فيها الثوابُ الجزيل؟! وهذه الأيام مثلُ المزرعة، فهل يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر أو يتوانى؟
    والذي يُعين على اغتنام الزمان: الانفرادُ والعزلةُ مهما أمكن، والاختِصارُ على السلامِ أو حاجةٍ مهمة لمن يلقَى، وقلةُ الأكل، فإن كثرته سببُ النوم الطويل وضياعِ الليل. ومن نظر في سِيَرِ السلف، وآمن بالجزاء، بَـانَ لـه ما ذكرتُه.
    وقد كانت هممُ القدماء من العلماء عليَّـة، تدل عليها تصانيفهم، التي هي زُبْدَةُ أعمارهم، إلا أن أكثر تصانيفهم دَثَرَت، لأن همم الطلاب ضَعُفَتْ، فصاروا يطلبون المختصرات، ولا ينشطون للمطولات، ثم اقتصروا على ـا يَدرُسُون به من بعضها، فَدَثَرَتْ الكتب ولم تُنْسَخ!
    فسبيلُ طالب الكمال في طلب العلم: الاطلاعُ على الكتب التي قد تخلَّفت من المصنفات، فليُكثِر من المطالعة، فإنه يرى من علوم القوم وعُلُوِّ هِمَمِهم مـا يَشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجِدّ. وما يخلو كتاب من فائدة.

    وأعوذ بالله من سِيَرِ هؤلاء الذين نعاشرهم، لا نرى فيهم ذا همة عالية فيَقتدي بها المبتدي، ولا صاحبَ ورع فيستفيد منه المتزهِّدُ، فاللهَ اللهَ، وعليكم بملاحظةِ سِيَرِ القوم، ومطالعةِ تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثارُ من مطالعةِ كتبهم، رؤيةٌ لهم كما قال:
    فاتَنِي أن أرَى الديارَ بطَرْفي .. فلعلِّي أَرَى الديارَ بسَمْعِي
    وإني أُخبرُ عن حالي، ما أشبعُ من مطالعةِ الكتب، وإذا رأيت كتابًـا لم أره فكأني وقعت على كنز.
    ولقد نظت في ثَبَت الكتب -أي فهرس الكتب- الموقوفة في المدرسة النظامية، فإذا به يحتوي على ستة آلاف مجلد، وفي ثبَت كتب أبي حنيفة، وكتب الحُمَيدي: -محمد بن فَتُّوح الأندلسي البغدادي صاحب ابن حزم-، وكتب شيخنا عبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وكتب أبي محمد الخشّاب وكانت أحمالاً، وغيرِ ذلك من كل كتاب أقدر عليه، ولو قلتُ: إني قد طالعتُ عشرين ألفَ مجلد -أي كتاب- كان أكثر، وأنا بَعْدُ في الطلب.
    فاستفدتُ بالنظر فيها من ملاحظة سِيَر القوم، وقَدرِ هِمَمِهِم وحِفظِهم، وعباداتهم، وغرائبِ علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرتُ أستزرِي ما الناسُ فيه، وأحتقِرُ هممَ الطلاب، ولله الحمد" انتهَى.

    وقال الإمام ابنُ الجوزي أيضًا -رحمه الله تعالى-، في رسالته اللطيفة التي نصحَ بها ولدَه، وسمَّاهـا: (لَفْتَةَ الكبِدِ في نصيحةِ الولدِ)، حاضًّـا لولَدِه على حفظ الوقتِ: "واعلَم يـا بنيَّ، أنَّ الأيام تُبْسَطُ ساعاتٍ، والساعاتُ تُبسطُ أنفاسًـا، وكلُّ نَفَسٍ خِزانةٌ، فاحذَر أن يذهَبَ نَفَسٌ بغير شيءٍ، فتَرى في القيامة خِزانة فارغةً فتندَم ..
    وانظُر كل ساعةٍ من ساعاتك بماذا تذهَبُ، فلا تُودِعْهـا إلَّا إلى أشرف ما يمكن، ولا تُهمِلْ نفسك، وعوِّدْهـا أشرفَ ما يكون من العمل وأحسَنَه، وابعَث إلى صندوقِ القبر مـا يَسرُّك يوم الوصول إليه". انتهى.



    "قال السَّديد الدمياطيُّ الحكيمُ بالقاهرة، وكان من تلاميذِه -أي علاءِ الدين ابنِ النفيس-: اجتمع ليلةً هو والقاضي جمالُ الدين بنُ واصِل، وأنا نائمٌ عندهما، فلما فرغَا من صلاة العِشاء الآخرة، شرَعَـا في البحث، وانتقلا من علم إلى علم، والشيخ علاء الدين في كل ذلك يبحث برياضةٍ ودون انزعاج، وأما القاضي جمال الدين فإنه كان ينزعج، ويعلو صوتُـه، وتحمرُّ عيناه، وتنتفخُ عروقُ رقبتـه، ولم يزالا كذلك إلى أن أسفر الصبحُ.

    فلما انفصل الحال قال القاضي جمالُ الدين: يا شيخ علاء الدين، أما نحن فعندنا مسائل ونُكتٌ وقواعد، أمَّــا أنت فعندك خزائنُ علوم."
    كان علاءُ الدين ابنُ النفيس في عِلَّتِـه التي توفِي فيها، فأشار عليه بعضُ أصدقائه الأطباء، بتناولِ شيءٍ من الخمر، إذْ كانت علته تناسبُ أن يتداوى بها على ما زعمُوا، فأَبَى أن يتناول شيئًـا من ذلك، وقال: لا ألْقَى اللهَ تعالى وفي باطني شيءٌ من الخمر.

    قال الإمام ابنُ القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (روضة المحبين):
    وحدَّثَنِي شيخُنـا -ابنُ تيمية- قال: ابتَدَأَنِي مرضٌ، فقال لي الطبيب: إن مطالعتَك وكلامك في العلم يزيدُ المرضَ، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمُك إلى علمك، أليستِ النَّفسُ إذا فَرِحَت وسُرَّتْ قَوِيَت الطبيعةُ، فدَفَعَتْ المرضَ، فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تُسرُّ بالعلم، فتقوَى به الطبيعة، فأجدُ راحةً، فقال: هذا خارج عن علاجِنا.

    قال الإمام الحافظ ابنُ رجب الحنبلي -رحمَه الله تعالى- في كتابه (فضل علم السَلَف على الخَلَف): "فليسَ العلمُ بكثرةِ الرواية، ولا بكثرةِ المقال، ولكنَّـه نورٌ يُقذَفُ في القلب، يفهَمُ به العبدُ الحقَّ، ويميز به بينه وبين الباطِل، ويعبِّر عن ذلك بعباراتٍ وجيزة مُحصِّلَةٍ للمقاصد. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أُوتِيَ جوامعَ الكَلِمِ، واختُصرَ لك الكلامُ اختصارًا، ولهذا ورد النهيُ عن كثرة الكلام، والتوسُّعِ في القِيل والقال"

    قال الإمام الأديب أبو على الحسن ابنُ رشيق القَيْرَواني، في كتابه (العمدة في محاسنِ الشعر، وآدابه، ونقدِه):
    "وممـا يجمعُ الفكرةَ استلقاءُ الرجل على ظهره، وعلى كل حالٍ فليسَ يفتحُ مُقْفَلَ بحارِ الخواطرِ مثلُ مُبَاكَرَةِ العمل بالأسحار، عند الهُبوب من النوم، لكون النفسِ مجتمعةً لم يتفرَّق حسُّهـا في أسباب اللهو أو المعيشة أو غير ذلك ممـا يُعييهـا، وإذ هي مُستريحةٌ جديدةٌ كأنما أُنشِئَت نشأةً أخرى، ولأن السَّحَرَ ألطفُ هواءً وأرقُّ نسيمًا ، وأعدل ميزانًـا بين الليل النهار.
    وإنما لم يكن العَشِيُّ كالسَّحَر -وهو عَدِيلُـهُ في التوسُّطِ بين طَرَفَيْ الليل والنهار- لدخول الظُّلمةِ فيه على الضياء، بضدِّ دخول الضياء في السَّحر على الظُّلمةِ. ولأن النفسَ فيه كالَّـةٌ مرضة من تعَب النهار وتصرُّفها فيه، ومُحتاجةٌ إلى قُوْتِهـا من النوم مُتشوقَةً نحوَه.
    فالسَّحَر أحسنُ لمن أراد أن يصنعَ -أي يصنعَ الشعر أو يُؤلِّفَ أو يُنشِئ أو يَدْرُسَ المعضلاتِ والمشكلات- وأما لمن أراد الحفظَ والدراسة فالليلُ، قال الله تعالى وهو أصدقُ القائلين: {إِنَّ نَاشِئَةَ الليلِ هي أشدُّ وطْئًا وأَقْوَمُ قِيلاً}[المزمل:6]

    ولحفظِ الوقتِ وكسبِـه ذكروا قديمًـا في أوصاف طالب العلم الذي يُؤَهَّـلُ لتحصيل العلم، ويُرجَى له النبوغ فيه: أنه ينبغي أن يكون سريعَ الكتابة، سريعَ القراءة، سريعَ المشي.
    وسُرْعَـةُ مشيه ليتمكن من الطواف على الشيوخ في وقتٍ قليل، أما سرعة كتابتِـه وقراءته فلاختصار الوقت وحفظِـه لأعمال أخري، وللازدياد من العلم فيه أيضًـا. وهذه الأوصافُ لا شك أنها تساعد على زيادة التزوُّد من العلم والشيوخ، بأقلِّ مدةٍ من الزمن والعمر.
    وكنتُ زدت عليها وصفًا رابعًـا، وهو: أن يكونَ سريعَ الأكل، لأنه إذا لم يكن كذلك، وكان بطيءَ الطعام طويلَ الغرامِ به، فاتَـه الوقت الذي جمعه بسُرعة القراءة والكتابة والمشي، بطُول وقت دخولِ الطعام وخروجِـه، ولم يُحسن التصرف في وقته، ولا عرفَ كيف يستفيد من امتثال النصيحة على وجهها.

    قال الإمام القاضي عياض -رحمه الله تعالى- في كتابه (الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى) -صلى الله عليه وسلم- 109:1، في الفصل السابع من الباب الثاني: "لم تزل العربُ والحُكَماء تتمادَح -أي تتفاخر- بقلَّـة الغذاء والنوم، وتذُمُّ بكثرتهما، لأن كثرة الأكل والشرب دليلٌ على النَّهَم والحرص والشَّرَه، وجالبةٌ لأدواء الجسدِ وخَثَارَةِ النفْس -أي ثِقَلِهـا وعدم نشاطها- وامتلاءِ الدماغ. وقِلَّتَهما دليل على القناعة ومِلكِ النفس، ومسبّبَةٌ للصحة وصفاءِ الخاطر وحِدَّةِ الذهن.
    كما أن كثرة النوم دليلٌ على الضعف والفُسُولـةِ -أي عدم الهمَّـة في أمور الدنيا والآخرة- ومسببةٌ للكسل وقَساوة القلب وغفلتِـه وموته، وتضييع العمر في غير نفع. وكثرةُ النوم من كثرة الأكل والشرب، وفي حكمة لقمان: يا بنَيَّ، إذا امتلَأت المَعِدةُ نامَت الفكرة، وخَرسَت الحكمة، وقعَدَت الأعضاءُ عن العبادة.
    وقال سفيان الثوري: بقِلَّـةِ الطعام يُملَكُ سهَر الليل. وقال سحنون: لا يصلُحُ العلمُ لمن يأكل حتى يشبع". انتهى.

    قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إياكم والبِطْنَـة، فإنها مكسَلَـةٌ عن الصلاة، مَفْسَدةٌ للجسم، مُؤَدِّيَـةٌ إلى السَّقَم، وعليكم بالقَصْدِ في قُوْتِكم. فهو أبعَدُ من السَّرَف، وأصحُّ للبدن، وأقوى على العبادة، وإنَّ العبدَ لن يَهلِكَ حتى يُؤثِـرَ شهوتَـه على دينه.

    - البِطْنَـة: الامتلاء الشديد من الطعام. [المُعجم الوسِيط]

    قال الإمامُ المربِّي أبو الفرَج ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-، في رسالته اللطيفة الناصحة لوَلَـدِه، المسماة (لَفْتةَ الكَبِدِ في نصيحة الولَد): "الكسلُ عن الفضائل بئس الرفيقُ، وحبُّ الراحة يُورِثُ من الندم مـا يربو على كل لذَّةٍ، فانتبِـه واتعَب لنفسك، واندم على ما مضى من تفريطك، واجتهِد في لحَـاقِ الكاملين ما دام في الوقت سعَـة، واسقِ غصنَك ما دامت فيه رطوبةٌ، واذكُر ساعتك التي ضاعت، فكَفَى بها عِظَـةً، ذهبَت لـذَّةُ الكسل فيها، وفاتت مراتبُ الفضائل ..
    وإنما تقصرُ الهممُ في بعض الأوقات، فإذا حُثَّتْ سارت، وما تقفُ همَّـةٌ إلا لخَسَاسَتِـها، وإلا فمتى عَلَت الهمَّـةُ فلا تَقنَـعْ بالدُّون.
    إذا ما عَلا المرءُ رامَ العُـلا .. ويَقنـعُ بالدون من كانَ دُونَـا
    ثم اعلَم أن طلب الفضائلِ منها نهايةُ مُرادِ المجتهدين، ثم الفضائل تتفاوتُ، فمن الناس من يرى الفضائل: الزُّهْدَ في الدنيـا، ومنهم من يراها التشاغُلَ بالتعبّد.
    وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل، فإذا حصلا رفعَـا صاحبَهما إلى المقام الأسمَى، فتلك الغايةُ المقصودة، وعلى قَدْرِ أهل العزم تأتي العزائمُ، فينبغِي أن تسموَ همَّتُـك إلى الكمال، فإن خَلقًا وقفوا مع الزُّهد، وخَلقًـا تشاغَلوا بالعلم، ونَدَرَ أقوامٌ جمعوا بين العلم الكامل والعمَل الكامل.
    وليس كل ما يُراد مُرادًا، ولا كلُّ طالبٍ واجدًا، ولا كل مبتدئٍ بأمرٍ محمودٍ مُكمِلاً مـا بدَأ به، وما كل ما يهوَى امرؤ هو نائلُـه، وكما قال أبو الطيب:
    ومـا كلُّ هاوٍ للجميل بفاعِل .. ولا كلُّ فَعَّـالٍ لهُ بمتَمِّمِ
    ولكن على العبد الاجتهاد، وكلٌّ مُيسَّـرٌ لمـا خُلِقَ لـه، واللهُ المُستَعَان سبحانه". انتهى بزيادة يسيرة وتصرف يسير.

    قال الفقيه الشاعر الأديب عُمَارةُ اليمني:
    إذا كـان رأسُ المال عمرَك فاحتَـرِزْ .. عليه من الإنفاق في غير واجبِ
    فبَيْن اختلافِ الليل والصبحِ مَعْرَكٌ .. يكُرُّ علينـــا جيشُـــه بالعجــائِـــــبِ

    قال الإمام أحمدُ بن فارس الرازيُّ اللغويُّ -رحمه الله تعالى-:
    إذا كان يُؤذِيك حرُّ المَصِيف .. ويُبْسُ الخريف وبَرْدُ الشِّتَـا
    وَيُلْهِيــكَ حُسنُ زمـانِ الربيــعِ .. فأخذُكَ للعلمِ قُلْ لي: مَتَى؟!

    قال المتنبي:
    هُو الجَدُّ حتى تفضُلُ العينُ أختَـها .. وحتى يكون اليومُ لليومِ سيّـدًا

    الجَدُّ: الحظ


    التعديل الأخير تم بواسطة زَهـرة خَضراء ; 26-3-2013 الساعة 05:41 PM

  2. الأعضاء الذين يشكرون زَهـرة خَضراء على هذا الموضوع:


  3. #2

    الصورة الرمزية [ اللــيـــث ]

    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المـشـــاركــات
    4,329
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: [قيمـة الزمن عند العلماء]

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


    الشيخ عبد الفتاح أبي غدة كتابه قيم فهو مفيد في بابه ..رحم الله مشايخنا جميعا ورحم الله االشيخ أبا غده وتجاوز الله عنه .
    جزاكم الله خيراً

  4. #3

    الصورة الرمزية احبكو

    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    المـشـــاركــات
    145
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: [قيمـة الزمن عند العلماء]

    الله يجززاك كل خخير ,.
    يعافيك ربي ع طرحك للموضوع ,,

  5. #4


    تاريخ التسجيل
    Apr 2013
    المـشـــاركــات
    27
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: [قيمـة الزمن عند العلماء]

    جزاكم الله خيراً ونفع بكم

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...