[ مرساة الطريق ] ... [ روايـــة ]

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    Abu Aljrah
    [ ضيف ]

    Book Icon [ مرساة الطريق ] ... [ روايـــة ]


    [مرساة الطريق]
    رواية تربوية..


    تأليف/ أبو ياسر
    FARS1010@GMAIL.COM







    جميع الحقوق محفوظة بشرط ذكر المصدر

    (1) ضياع حنان..
    بزغت شمس ذلك اليوم والأسئلة بدأت تتكاثر علي ؟ الحياة في مزرعة جدي بسيطة فمنذ نصحو للفجر تبدأ الأصوات اليومية المعتادة..صياح الديك..نباح الكلاب..أصوات المواشي يمنة ويسرة..ذهبت إلى جدي في محاولة مني لأفهم مايدور حولي جميع الأطفال منهم بعمري الكل ينادي أباه ..يذهب معه يجيء معه..أما أنا فلم أعرف كلمة أبي إلا في تلك الصور القديمة التي تحتفظ بها أمي..! مشيت صوب جدي في روتينه المعتاد..بين تلك الأشجار أسرعت إليه نظر إلي أهلا بسامي وضمني إلى صدره..جدي يحبني كثيرا..حاولت أن انطق بذلك السؤال تلعثم لساني..جدي أين أبي؟ نظر إلي جدي بنظرة عطف وحنان سيعود قريباً يا سامي لاداعي إلى تكرار الأسئلة كان عمري في تلك الأيام قرابة خمسة سنوات..ذهبت كالعادة حائر الفكر..تسللت إلى جارنا أبو أحمد لألعب مع أبنائه..ومن خلف الجدار..!! سمعت تلك الحروف التي أتمنى أن أصدح بها دائماً أحد أبناء أبو أحمد يناديه أبوي أين أذهب بالأكياس..شدتني كلمة أبي ضاق صدري سالت دموعي على خدي راسمة معنى الضياع..كفكفت تلك الدموع ذهبت إلى أمي لعلي أجد جواب يشفي ضميري..الجميع يظن أني لازلت صغيرا ولا أفهم مايدار حولي..!! بالعكس كنت احتفظ بما يقال فإن لم أعرف فحواه حاولت أسأل عنه أقراني...ناولت لي أمي صحن الفطور أخذت ما يسد رمقي ثم انطلقت إلى غدير عقب أمطار الأسبوع الماضي أقضي وقتي هناك حتى يعود المساء لا أريد أن ألعب مع الأطفال..أريد حلا لهذا التجاهل العجيب..هناك استلقيت..! على الأرض يالله السماء صافيه بلونها الساحر..والأرض تفوح منها تلك الرائحة التي لطالما أحببتها إنها رائحة تسبق المطر أو عندما يختلط الماء بالطين...بقيت على هذه الحالة أسبح في بحر الذكريات علي أجد أبي هناك..!! عدلت من جلستي هذي أصوات بعض المواشي قادمة نحو الماء...جلست أتأمل فيها..!! يالله حتى البهائم تحس بما أحس إذا فقدت أباها أو أمها ذهبت هائمة تبحث عنهم بين القطيع..الطيور من حولي تحس نفس الشعور...ذهبت لا أريد شيء يذكرني بأحزاني!!..ذهبت أتجول بين أسوار القرية الهادئة قابلت بعض فتيان القرية لماذا يا سامي لم تلعب معنا اليوم؟؟ صددت عنهم نعم اليوم زادت أحزاني فجميع من حولي يثير ذلك السؤال في خاطري...في المساء وبعد تناول العشاء ذهبت إلى فراشي كسير الطرف حائر الوجدان...وفي ساعة متأخر من الليل النوم أعلن الرحيل عني..!! قربت مني أمي تتحسسني سامي لماذا لم تنام قلت أمي أبحث عن أبي...تنحت عني وهي ترمقني في ظلمة الليل سامي...!!أبوك..

    ***


    (2) نفاد صبر..
    شعرت أمي بمعاناتي ابتسمت وهي تنظر إلي..سامي أبوك سافر خارج الديار لدراسة اللغة الإنجليزية..وكعادة الصغار يستفسرون عن أي كلمة تمر بهم..!حاولت أمي ترجمة ما قالت وبعد ما استوعبت هذا الأمر الذي كان سراً مر علي بعض الوقت..أخبرتني بأن قدوم والدي قبل رمضان المقبل بإذن الله...وضعت علي لحافي ثم ذهب إلى فراشها...هنا زال عني هم كبير..! كانت دموعي قد آن لها أن تتنفس بعد كبت المعاناة..نمت نومة مدموجة في أوهام وخيالات كثيرة..كم اشتقت لك يا أبي..لساني في شوق لينطق حروف الأبوة..في الصباح هرعت مسرعاً إلى أبناء جارنا أبو أحمد أخبرهم بالخبر..كنا صغار فلا أحد يستطيع أن يعبر عن ما في داخله فجميعنا يهتم بما يهمه..كم كانت فرحتي كبيرة ذلك اليوم أتيت جدي وهو جالس مع بعض كبار السن يحتسون القهوة..سلمت عليهم اقتربت من جدي...جدي كم باقي ويجي أبوي..ضحك جدي ومن حوله..! فهم لا يعيشون ما أعيش ولا يفكرون فيما أفكر..! قال لي ممكن أسبوع أو أسبوعين..أنا لا أزال صغير فالحسابات لا استوعبها ولكن أريد أن أغامر في هذا السيل من المعلومات...أمي لم تخبرني تظن أني لا أفهم ماتقوله وتظن أن ليس لي مشاعر..مشاعر الأطفال غالباً تكون أقوى من غيرهم..مرت الأيام بالحركة البطيئة...في الليل أتقلب على فراشي الساعات الطوال...وفي النهار أعيش خيالات كثيرة وأوهام...أفرح لأن أبي سيعود إلينا بعد طول غياب وأحزن لأن القدوم سيتأخر..!!وبعد مرور الأيام في سرعة بطئها...أتى خالي إلينا وأمرنا بأن نتجهز لاستقبال والدنا في المطار..ذهبنا إلى بريده وكانت رحلة أبي من واشنطن إلى جدة ثم إلى مطار بريدة...هناك في زحمة الناس..كنت لأول مرة أرى فيها الطائرات من قرب شيء عجيب يسجل في هذه الحياة الجديدة..!! طال الانتظار كنت عيني تتلقف الرايح والجاي..فجأة إذ بخالي يعانق أبي نظرت في ذهووول خفقات قلبي في ازدياد....أحقاً هذا أبي..نظر إلي أبي رفعني إليه بدأ يشمني ويقبلني ويضمني إلى صدره ودموع الفرح تسيل على خده..ركبنا السيارة متجهين إلى مزرعة جدي فقد أعد وليمة النقيعة لأبي..كانت المشاعر في تلك اللحظات لا توصف...أما أنا فبدأت أجمع الفروق بين تلك الصور التي مع أمي وهذا الصورة التي أراها على الهواء مباشرة..!! كانت رائحة الدخان تنبعث من فيء أبي ولحيته التي كانت تزين وجهه لم أعد أراها..قلت هذا وأنا أظن أن هذا الشعور مجرد خاص في أنا..!!هناك في المزرعة وبعد ما توقفت سيارتنا أقبل جدي إلينا مسرعاً بأجمل عبارات الترحيب يحيينا ونزل أبي مسرعاً إليه يقبل رأسه كان الموقف في جهة مظلمة من المزرعة وبعدما دخلنا كان المجلس يفيض بالناس ... جلست بجانب أبي وأنا لم استوعب منظر أبي وكذلك لباسه الإفرنجي..!!بعد انتهاء العزيمة وانصراف الناس أقبل جدي وعلامات الغضب على وجهه..!!


    ***
    (3) حقيقة مرة..
    ارتفع صوت جدي على أبي..!! لم يسبق أن رأيت جدي بهذا المنظر..ذلك الجد الحنون العطوف وفجأة تنهار أعصابه وتحمر أوداجه...كنت أحاول استوعب ما يجري أمامي..!!حفظت من ذلك المشهد كلمة يرددها جدي (رحت من عندنا بهندام الصلاح وجيت بهندام الردى) لو كنت أدري انك تفعل هذه الأفعال كان ما زوجتك بنتي لكن الشكوى لله راحت أيامك البيض يا سعد..!! أبي تلعثمت حروفه وحار فكره محدق طرفه للأسفل..!!وبدأ يتفوه أبي بكلمات يريد بها التهرب من هذا الموقف المحرج..عرفت حينها أن أبي لم يكن كسابقه..!!لقد أصبح لقمة سائغة للأفكار الغربية..!!بدأت أمي بجمع العفش لنرحل إلى بيتنا في الرياض..انفتحت الدنيا على والدي فهو الآن في طور بناء قصر مشيد...لذلك استأجر شقه ريثما ينتهي البناء..في الطريق إلى الرياض كانت أعصاب أبي في توتر..!! أدار المسجل على إذاعة(..) ورفع صوت الموسيقى...أمي تضجرت فخفضت الصوت وقام أبي بضرب يدها بقوة وهو لا ينطق بكلمة واحدة..يتمتم بكلمات فحواها أن الناس لماذا يتدخلون في حرياتنا الشخصية يقصد بذلك جدي...كنت انظر لتلك اللحظات نظرة تشاؤم...!! إذا بداية المشوار تعالي أصوات فكيف بمنتصفه..!!يالله كم أحبك يا جدي ودعناك وودعنا تلك المساكن التي تربينا في بساتينها إلى قفزة الحضارة نصارع آلامها...!لم تكن أمي كسائر النساء تتفاعل مع الحدث في لجته وإنما كانت حضيفة فهي تعرف كيف تتعامل مع الموقف برزانة..كانت تحاول أن تمتص غضب أبي بهدوء..في الرياض كان أثاث الشقة بعضه لم يكتمل ذهبنا إلى بيت جدي من أبي فجدي قد توفى منذ زمن بعيد ولكن جدتي وبعض أعمامي الذين لم أراهم إلا مرة واحد أقصد بذلك لم تحتفظ الذاكرة بهم إلا من قريب..بعد تناول وليمة العشاء عندهم انصرفنا إلى تلك الشقة البئيسة...لا أعرف أحد من الصغار أفضض له همومي والجيران الكل أغلق بابه حياة بعيدة كل البعد عن تلك الروابط الاجتماعية التي عشتها في قريتنا... حاول أبي امتصاص فراغي بشراء(لعبة كمبيوتر العائلة) ووضع في البيت صحن فضائي مهول من ضخامته يبث الداني والقاصي...! فأبي لم يعد يهتم بالشؤون العربية فقط بل بالشؤون الغربية..!! كان يحاول أن يتحلل من جميع القيم والعادات الإسلامية..أنا لم أزل طفل والفطرة بدأت تتلاشى مع هذه الأحداث المريرة..!!

    ***
    (4) نظرة أخيرة..
    بدأت حياة التطور والرقي كما يصفها أبي تخط مسارها بيننا..! جل حديث والدي عن الغرب وعن ما شاهده بعينه هناك حتى أصبحت أمي تتخاصم معه في الكلام لكثرة ما يتردد على مسامعها من تمجيد وتلميع وتمييع للحقائق..!! أما أنا فلم تكن الخصومات تعنيني الكثير المهم أني ألعب في رغد وسكون وجميع ما أرغب فيه يأتيني دون عناء..في صبح ذلك اليوم وكالعادة انهض في الصباح مبكراً يوم الخميس كي أشاهد التطورات الكرتونية ومتابعة المشاهد منذ البداية..كنت مستلقي على الأرض مستنداً يداي أتابع بعمق تلك الحكاية...أبي قد أحضر الفطور وفي هذه الأثناء أتى اتصال على هاتف البيت..رفعت أمي السماعة إذ به خالي..ارتفع الصوت قليلاً..صاحت أمي يــــــــــا سعد بسرعة أبوي في المستشفى حالته خطيرة..نعم انه جدي أغمي عليه أثناء عمله المعتاد في المزرعة ويبدو أن حالته في خطر..هناك في بريدة كان الأقارب قد تجمعوا من كل حدب وصوب قد هالهم الخبر..! لحظات ساخنة بعدها سمحوا لنا بالدخول ثلاث أشخاص ثلاث أشخاص..دخلت مع أبي..كان جدي صوته مبحوح جدا..كلما دخل عليه أحد شد على يده أوصاه بتقوى الله..نعم كانت كلمات أثرت في من حضر ذلك المشهد...يمسح العرق عن جبينه جدي ويهتف بكلمات حقرت الدنيا في عيوننا وشد من عزم الحاضرين ليصبروا في البلايا والمصائب..عندما رأى أبي حاول أن ينطق ولكن أعياه التعب أشار بيده إلى أبي أن تعال أدن مني..وضع كفه في كف أبي وشدها سالت دمعات تعبر عن ما في خاطره تجاه أبي لم يستطع أن ينطق بكلمة..حينها دق جرس الإنذار..!! هرع الفريق الطبي مسرعاً....لحظات ويأتي الخبر..(مات مساعد) لا تسل كيف كان الخبر ضج الممر بالبكاء وتعالت الأصوات..أما أنا لم أزل صغيراً فبكيت لبكاء الناس...رحمك الله يا جدي فلم تزل تلك اللحظات عالقة في ذهني..بموت جدي مساعد رحمه الله كانت فرصة لأبي لتصبح أمي تابعة لما يرنوا إليه..

    ***


    (5) حروف هجاء..
    وبعد عدة أيام من الفاجعة وكما جرت العادة ننسى ما حل بنا من أسارير وأحزان..!! ولكن أنى لي أن أنسى ذلك الجد الحنون ... ولا تزال بصماته منهج في حياتي !....وبعد أن استقرت الأوضاع في بيتنا أصبح أبي يشوقني للدراسة ويعلمني بعض التمهيدات للعام الدراسي المقبل.. هناك في زحمة الطلاب حاملاً حقيبتي وكيس قد وضعت فيه فطوري...وبعد حفل استقبالنا..أخذنا جولة تعريفية على المدرسة..ومن أهم شيء ركزواْ عليه هو كيف الطريق إلى دورات المياه "أجلكم الله"...!! في الفصل بدأ الروتين المعتاد فترة تعارف وبعض الأسئلة عن أحوال الطلاب وأين قضوا تلك الإجازة...كنت أنتظر الدور يأتي علي بشوق لكي أعبر عما عبر عنه زملائي...كان الأستاذ يجول في الفصل ويختار اختيار عشوائي حتى يتشوق الطلاب..عندما أتى الدور علي سألني كما سأل أصحابي ولكن أضاف سؤال آخر...!! كم تحفظ من كتاب الله..!! هنا حرت في الإجابة وأجبت لاشيء..!! قال ولا الفاتحة قلت وما الفاتحة...! هنا استغرب الأستاذ الإجابة..!! وكرر السؤال على الطلاب فتطاير الطلاب كلاً يريد الإجابة...بعضهم يحفظ الإخلاص والفلق والناس وبعض يزيد قليلاً أما الفاتحة فجميعهم يحفظها أما أن فلا..!! وكل ذلك راجع إلى تربية أبي المترفة لي وغفلته عن هذا الأمر العظيم..ازددت غيظاً وغبطة لماذا لم أحفظ مثل هؤلاء لم أتمالك نفسي أن بكيت بصوت عاليٍ في الفصل أخذ الأستاذ يهدي من روعي وأعطاني بعض الحلوى...ولكن لا يزال يحرقني ذلك السؤال " كم تحفظ من كتاب الله"...وبعد أن أمرنا بالانصراف إلى بيوتنا مشى معي الأستاذ واضعاً يده على رأسي...وقال يا سامي إن شاء الله تحفظ الفاتحة وتحفظ القرآن كاملاً...خرجت من المدرسة فإذا أبي ينتظرني في الخارج...ركبت السيارة وأنا أتنفس الصعداء وعلي آثار البكاء سألني ما بك يا سامي...فأعاد انبثاق الشجون وجهشت بالبكاء..

    ***
    (6) صواب الغلط..
    أخذ يقبلني ويحاول أن يرفع معنوياتي ويدلي علي بكلمات علها تحببني في المدرسة ظناً منه أن لم أتأقلم معها...سكتُ أشهق في بكائي وسرنا إلى البيت...وفي أثناء الطريق سألت أبي سؤال ملؤه البراءة المقهورة لماذا يا أبي لم أحفظ الفاتحة..؟ نظر إلي لم يستوعب ما أقول...!! صمت يترجم هذا السؤال الخاطف...يا سامي ستحفظها ولكن ليس اليوم..هل طلب منك الأستاذ أن تحفظها.. أجبته بحسرة.. جميع الطلاب يحفظونها إلا أنا يا أبي...! عندما نرجع إلى البيت أخبر أمك حتى تساعدك في حفظها.. وهكذا مرت الأيام وأنا لا تزال تواجهني نقوص تجاه ديني..حتى في ذات مرة سأل معلم الرياضيات من صلى منكم الفجر اليوم..؟ كنت من ضمن الذين لم يرفعوا أيديهم بل لو سألني متى وقتها لحرت في الجواب.. وكلما قلت لوالدي شيئاً حاول أن يلف الموضوع فأبي حضوره إلى المسجد قليل وصلاة الفجر لا أذكره يصليها..قلت له ذات مرة سؤال غضب مني وبدأ يشتمني....يا أبي لما لا توقضني إلى صلاة الفجر وكان يقرأ إحدى الجرايد رمقني بنظرة حتى ظننت أني قلت خطأ ونهرني وأمرني أن أحل واجباتي وعلق بكلمة " أنت لا تزال صغير"..!! أذهب إلى أمي أشكي لها الحال فلا ترد جوابا...مرت الأيام وأنا في حيرة من أمري لا أدري ما العمل في هذه الظروف القاسية..في الصفوف الأولى كنت في مدرسة حكومية قريبة من بيتنا و إلا أبي يريد تسجيلي في إحدى المدارس الأهلية الكبرى ولكن ينتظر حتى ننتقل إلى قصرنا المشيد..!!


    ***


    (7) سرف الدنايا..
    ضجيج وأصوات مزامير كل هذا سمعته عندما دخلت قدماي قصرنا المشيد...لقد وضع أبي جميع أجهزة الطرب في بيتنا وكانت السماعات مركزية...!! عندما دخلت شعرت بدوخة عجيبة فالأصوات من كل ناحية بدأت أتجول في أرجاء بيتنا الجديد كان الدور العلوي لم يؤثثه أبي لأننا لا نزال عائلة صغيرة..!!! كانت شاشة التلفاز أكبر مني بأضعاف كثيرة..!! وضع فيها ألوان وأشكال من القنوات العربية والغربية..أمي لم تكن كالسابق فالإحساس عندها قد تبلد..!! هكذا عشنا في هذه الحارة الفارهة التي يظن من يقدم عليها أنها بيوت بلا أهل...!! فجميعهم أجساد ملقاة أمام شاشات العربدة والفجور لا حراك فيها...!! لقد تقطعت بينهم أواصر المحبة والألفة...نعم كأننا قد قطنا بلاد مهجورة...كنت في صف رابع ابتدائي أول محاولاتي للخروج من المنزل بحثاً عن منهم في سني...أتجول في الظهيرة ولا أجد شي إلا الصمت يقبع في أرجاء الحي...كان ذلك الحي يطلق على أهله أصحاب الرقي والتطور...!!! أغلبهم تم استبدال عقله بذاكرة غربية فأكثرهم قد عاش وترعرع هناك..!! فالطيور على أشكالها تقع...!! مسجد الحارة ربما لا يصلي فيه إلا الإمام والمؤذن..!! لا أقول أن سكان الحارة لا يصلون..!! ولكن لا يرون وجوب صلاة الجماعة..!! أبي أراه أحياناً يركع عدة ركعات بسرعة عجيبة وأحيانا بل نادراً يذهب إلى المسجد قد يكون لصلاة الجمعة..هكذا عشت في ظل هذا التأثير سريع المفعول ثقافتي استقيتها من التلفاز وبعض الألعاب التي يأتي بها أبي.. في العطل الصيفية لا أعرف كيف هي الحياة فيها وإنما تنقلات بين أرجاء أوربا أو في غابات أمريكا وهكذا..كنت أذكر أمي عندما قرر أبي أول رحلة رفضت رفضاً تاماً حتى اشتد النزاع....ومع ذلك يأمرها بأن تلبس حجاباً يليق بما سنذهب إليه بمعني قطعة صغيرة من القماش مزخرفة بأجمل الألوان..!! تلفها حول رأسها ولكن رفضت بشدة ولله الحمد لم تتنازل عن حجابها حتى الآن..

    (8) شراسة مغامرة..
    في المدرسة الجديدة الوضع يختلف عن تلك السابقة هذه من أرقى المدارس الأهلية وتلك من أردى المدارس الشعبية...دخلت الفصل كانت النفسية متوترة نوعاً ما بطبيعة الحال غريب بين هؤلاء الطلاب...في الفسحة جلست جانباً أرمق المارة...أحاول أن أسمع حديثهم جلهم يتحدث عن السيارات وذاك عن آخر الموديلات وذاك يقول أبي يقول إذا خلصت الابتدائية بشتري لك سيارة وذاك دباب وهلم جر... في هذه الأثناء دنى من طالب يحاول أن يشرك حبل الصداقة معي بالطبع فأنا أبحث عن من يصادقني وكنت أتحدث معه ونتجول في الفناء وبعدها أصبحت رفيق دربه في المدرسة وكان كذلك قريب من بيتنا... مرت الأيام وانتهى الفصل ولا زالت علاقتي بفيصل تزداد يوماً بعد يوم..فيصل شخص يعشق المغامرة فهو من مشكلة إلى مشكلة.. كانت مشكلتي أني لا أمانع من نقد الآخرين وبالعكس أحاول أن أصل إلى ما يطلبون مني...كانت مجموعة فيصل "الشلة" يوجهون النقد لي بأني إنسان جبان..!! لا يقبل التحدي ولا يعشق المغامرة..! حاولت أن أترقى في المصائب دون أن أجد رقيب علي أو أحد يسأل عني هكذا سارت أموري في الفصل الأول ولكن عندما ينقطعوا عني حتى أعود إلى ما كنت عليه إنسان أحب الهدوء وأكره المشاكل..

    ***

    (9) إلى متى يا أبي..
    للتو انتهيت من واجب الرياضيات أسرعت بعدها لأقضى ما تبقى من وقت الظهيرة بين ألعاب السوني...الأذان يصدح من حولنا ولكن أهل البيت قائلون..!! فاق أبي من نومه وذهبت برفقته إلى المسجد على الركعة الأخيرة كما هو حال أبي وكعادة الأطفال ينقرون الصلاة نقر دون أن يعلمهم أحد أو يوجههم...انتهيت من الصلاة في ثواني معدودة وبقي أبي يقضي ما فاته من الركعات..في هذه الإثناء تناول الإمام مكبر الصوت وبدأ يتكلم عن فضل القرآن وأهله وجهود حلقات التحفيظ وختم بكلمته بأن الحلقات في هذا المسجد تستأنف من هذا اليوم وهناك مسابقات وزيارات وبرامج مصاحبة... في حينها انتهى أبي من الصلاة وقام بي مسرعاً بي يريد أن لا أسمع ما تبقى من كلام الإمام...!! بعدما خرجنا من باب المسجد قلت أبي "أريد أن أسجل بالحلقة" قلتها على استحياء ورأيت وجه أبي قد تمعر وبدأ يلف يمين وشمال بالكلام وقال يا سامي أهم شي دروسك والقرآن تتعلمه بالمدرسة..!! قلت مدرس القرآن يقول إلي مسجل بالحلقة أزيده درجات قال لالا المدرس ما يقوله وأنا أقابل المدرس واكلمه..!! في اليوم التالي حضر أبي إلى المدرسة واستدعى مدرس مواد الدين وقال له معاتباً لماذا تحمس الطلاب على شيء لا يستطيعه آبائهم ..!!! رد بتلطف المدرس وما الأمر؟ قال أبي بأن المسجد بعيد عن بيتنا وأنا مشغول ولا استطيع أن أذهب به يومياً وأتابع الولد...هنا حار المدرس لا يدري ما يقول وختم المجلس بأن نحرص على أبنائنا من ثقافة الشوارع بقدر ما نستطيع...أقنع أبي المدرس بهذا الكلام المخالف للواقع..!! فالمسجد لا يبعد عنا سوى خطوات معدودة.. ولكن أبي هذا ما يغيضه وهذا السؤال الذي حيرني منذ دخول المدرسة 6 سنوات وأنا في محاولات مع أبي ولكن كل مرة أزداد حيرة من أمري... وأبعدت عن طريق الخير وانضويت إلى مجاميع الشر وبدأت حياة المراهقة...

    ***


    (10) محطة الفراغ..
    كانت المرحلة مابين المتوسطة والابتدائية مرحلة نفور من البيت والبحث عن منابر الشهرة بين أزقة شوارع الحواري نتجول ومن مهاوي الرذائل نرتع..! لقد أضافت العطلة الصيفية بفراغها القاتل أسلوب غير وثوب مشبع بثقافة الشوارع..! وكان السبب الأول هو إهمال أبي لي والأمر الآخر فيصل صاحب الأفكار الخسيسة..كنت أخرج من بعد العصر ولا أدخل البيت إلا بعد منتصف الليل أو قبيل الفجر وأنا لم أزل صغيراً في سني..كان أبي يحاول أن يعدل من هذا السلوك ولكن لا فائدة فقد انقطع الحبل.. كنت أتتبع أخبار التفحيط..وأبحث عن مهاراته..أتقلب على فراشي متى أصبح مفحط مشهور يتبادل الشباب مقاطع لي متى ومتى ومتى..؟! حتى تصبح مرموق في هذا الطريق لا بد أن تتعلم مهارات السرقة وكذلك لابد أن تبقى صفحات السوابق لديك سوداء حتى تكون بذلك صاحب خبرة وتجربة..كل هذا تزينه لي تلك الشلة التي أعلنت الولاء لها.. أحياناً أخرج بنزاع مع فيصل لأنه ينقد على عدم شربي للدخان..ولكن الدخان منذ أن كنت في مزرعة جدي وأنا أكرهه بسبب جدي لقد غرس في فؤادي أن لا فائدة فيه سوى المتاعب والأمراض فلذلك كنت مصراً على رأيي إلى غيره من الأشياء التي لم أستسيغها ولله الحمد..غير أن أهل الباطل يبذلون الغالي والنفيس في تلميع باطلهم كانت حياة المتوسطة حافلة بالأحداث فكل خطوة تصيح بأختها كل ذلك بحثاً عن الشهرة..

    ***

    (11) وشاح الزعامة..
    قام أبي بعد أن فلت اللجام بنقل ملفي إلى المتوسطة التي في الحي المجاور لنا ظن منه أنها عادية ولا تضم أسطول من أفراد الشوارع..!! دخلت المدرسة وكأن الأنظار ترمقني فعندي إحساس أني مشهور...وبالفعل كانت هناك نشوة جعلتني أقع في مشكلة من أول يوم مع أحد زعماء الشلل في تلك المدرسة...لا أعرفه وظننته أنه لا يحمل رتبة عالية في شلته وهو بالفعل عندما رأى انقضاضي عليه في طابور المقصف ظن أني أقوى منه مما جعلني أسحب البساط من تحته من أول يوم..وفي اليوم التالي أتي إلي يطلب الصفح..وهناك تم الاتفاق بأن يعلن السمع والطاعة لي هو وأتباعه...وبالفعل أصبحنا نتبادل الخبرات والتحدث عن المغامرات.. لا يكاد يخلو أسبوع من مطاحنة مع الشلل الأخرى.. رغم هذا كله إلا أنني لم أزل اهتم بالاختبارات فدرجاتي عالية ولله الحمد...تمر الأيام ونحن في تطور للانحدار في المصائب... كان هاجسي منذ دخولي في المرحلة المتوسطة أن أملك سيارة أجوب بها شوارع التفحيط حتى تكتمل سعادتي هكذا كنت أشعر..!! كان من معي من الرفاق لديهم خبرة في سرقة السيارات بل أحيان يعرضون علي أي سيارة اختاراها ولكن كنت أمقت هذا التصرف..!! ويستغربون مني أني لا أشرب الدخان ولا أسرق...!!! وكانت المشكلة التي أرقتني أني لا أنام إلا على هاجس السيارة ولا أصحو إلا عليه..كنت ألح على أبي كثيراً غير أنه متيقن بأني سأعطبها في شوارع التفحيط لما يرى من شراهتي بها فغرفتي تعج بأشرطة التفحيط..!!

    ***

    (12) تراحيب غير مقصودة..
    أصبحنا نعيش في البيت كل شخص يعيش همومه أبي يعيش في ترهاته مع بعض كتّاب الجرايد.! وأمي قد انهمكت على "النت" وبعض أوقاتها على التلفاز..وأنا في همومي وطموحاتي أصحو وأنام عليها..كان أبي له اجتماع شبه أسبوعي مع بعض سناكحة المقالات..!! أبي كان له مقال أسبوعي تنتظره جموع السناكحة بوافر الصبر..يسب ويشتم بل ويكذب حتى تبقى مكانته ثابتة عندهم..في أحدى الاجتماعات الوقت في منتصف العصر وقد اجتمعوا كعادتهم وبدأوا يتشاورون في ما بينهم..!! عن ماذا نكتب وينقدون بعض المقالات وينقحونها..بقي شخص تأخر لم يحضر الاجتماع وكان أبي ينتظره.. فجأة دق جرس البيت أمرني أبي أن أدع صب القهوة وأذهب لفتح الباب.. فتحت الباب إذ بشخص قد خط المشيب أجزاء من لحيته...سلم علي بابتسامة ساحرة..لقد وقع حبه في قلبي من النظرة الأولى وسألني من أكون قلت سامي.. قال بن سعد قلت نعم..ما شاء الله ما شاء الله حمد لله إذاً لم أخطئ البيت..أبوك موجود؟..قلت نعم وعنده ضيوف..قلت له تفضل قال لا ناد أبوك..! ذهبت إلى أبي قلت خويك رفض يدخل...قال أبي أبوحاتم ما يخلي حركاته..! وذهبنا إلى الباب ونظر أبي إذ به ليس صاحبه احمر وجهه وتلعثم لسانه وحار فكره...! تعانقا طويلاً وكانت عبارات ذاك الشخص رنانة وتنبض من أعماق قلبه وأبي قلت حروفه واكتفى بكلمة حياك تفضل أبو أنس.. دخل أبو أنس إلى البيت وسط جموع السناكحة..!

    ***


    (13) نكاية جرح..
    قام جميع من في المجلس في انبهار متعجبين.. كيف أتى هذا الشخص.! كانت الربكة في محياهم واضحة فلا يدرون من يكون؟ هل هو رجل الحسبة أم متطفل أم ماذا..لكن أبو أنس صاحب حنكة عجيبة رحب بهم وكأنهم ضيوف وهو رب المنزل..! وبعدها عرف أبي به وعرفهم عليه.. خفض أبو أنس نظره قليلاً بعدما علم أنهم من سقطة المتاع من الكُتاب.. ثم بدأ ينثر عليهم من ثقافته وكأنه ممسك بلجام الحديث يقلبه كيف ما شاء وكانوا في البداية لم يتفاعلوا معه غير أنهم بعد ذلك أصبحوا يتشوقون لما يقول وبدأ يكلمهم بأنهم غفلوا عن مواضيع كثيرة لم يتطرقوا لها في مقالاتهم وبدأ يضرب لهم الأمثال في ذلك حتى أكاد أجزم بأن كل شخص وضع في باله موضوع من تلك المواضيع التي تناولها أبو أنس في القضايا الاجتماعية...لم يطل أبو أنس ووضع فنجاله وختم بعبارات لم تزل تهز مشاعري.. قال الله المستعان نحن نغفل كثيراً عما خلقنا لأجله بل تجد بعضنا في أرض المقبرة يبيع ويشتري وذاك يسب ويشتم...ولكن يا أحبة هي حقيقة لا بد أن نتفهما أننا سنموت ولكن أين وعلى أي حال لا ندري..أستأذنكم وقام وخرجنا معه...وعند باب البيت ألتفت إلي واضعاً يده على كتفي..وقال سامي كم تحفظ من كتاب الله...كان السؤال كالسوط على ظهري..سكت وخفضت رأسي وقلت لا شيء إلا قليل...نظر باستغراب وقال يا سامي لا تقل لاشي وإنما اجتهد وستحفظ القرآن كاملاً بإذن الله...أبي حينها أصبح منحرجاً جدا...وخرج أبو أنس وقد أنكى في ذلك الهم...وكذلك أثر في من حضر ذلك المجلس..

    ***

    (14) إضراب قاتل..
    بين جموع الشلة هذا يأتي بكذبة وذاك يصدقه وهذا وذاك.. غير أني بينهم غارق في تفكيري كنت أتمنى أن أمتلك سيارة في القريب العاجل جميع رفاقي يشاركوني الهم كيف لا وأنا من يتصدر مجالسهم كما يتصدر أبي مجالس السناكحة...! فأنا أعرف أن أبي لا يبالي بالمال فالحال ميسور ولله الحمد.. كنت أفكر كيف أقنع والدي بالفكرة وإذا بأحدهم يطرح فكرة في الصميم...!! وهي أن أمتنع عن الأكل وأعتزل في غرفتي..!! كانت الفكرة ثقيلة غير أنها قد تكون الأنجع في ذلك..وبالفعل دخلت البيت وأغلقت الباب وأحياناً أجهش بالبكاء علهم يسمعون صوتي ويرأفون لحالي... شعرت أمي بأن هناك أمراً ما ؟ حاولت الدخول علي غير أن مغلق الباب تنادي بألطف العبارات لكن بالفعل أحسست أني أسير على تمام الخطة...! فبالضغط على أمي ستضغط حتماً على أبي..! وبعد فترة أتي أبي يحاول يفهم الوضع ولكن لا جدوى... في اليوم الثاني خرجت من الغرفة وأبي وأمي في الصالة قد تعكرت حالهم وما إن رأتني أمي لم تصدق جلست على استحياء بالقرب منهم سألتني ما بك يا سامي سكت ولم أجب وسألني أبي كذلك ولم أجب ثم حاولت استمطار دموعي ودخلت الغرفة مجدداً هنا جن جنون أبي وكأنه في قرارة نفسه لو أريد ما أريد سيرضيني...وبعد طرق للباب دام وقت طويل..فتحت الباب وأنا أجهش بالبكاء...ما بك يا سامي قلت يا أبي جميع رفاقي يمتلكون سيارات "إلا أنا وش فرقي عنهم"..هنا ضحك أبي مادام هذا الأمر المزعج لي وقال لا يهمك يا ولدي الأسبوع الجاي السيارة إللي تبيها قل هذي وأبشر بسعدك..
    ***

    (15) أمامك تحويلة..
    لم أصدق ما نطق به أبي.. وعلى الفور ذهبت أبشر أصحابي..فهذا يقول عليك بالكامري وذاك بالماكسيما وذاك وذاك...لم يكن النوم ليداعب جفوني في تلك الليلة فأنا أسرح وأمرح في أحلام اليقظة... تمر الأيام واللحظات وهي تمشي ببطء شديد... حاولت أن ألتقي بأصحاب الخبرة في مجال التفحيط وأستشيرهم عن ما هو الأفضل في ذلك وجدت أن تلك الفترة الأنظار متجهة إلى "الماكسيما" نظراً لخفتها وسرعتها الجنونية...وأتى اليوم المرتقب.. وأشرت إلى أبي إلى" الماكسيما" وبالفعل بعد ثلاثة أيام استلمت مفتاحها ليطير قلبي فرح... وبدأ يتوافد على الشباب كلاً يقول أنا صاحبك الوفي...وهكذا أصبح وأمسي وأنا أسير وراء مواكب التفحيط من شارع إلى شارع..أخرج العصر البنزين فل وأرجع في آخر الليل ولم يبقى فيه إلا القليل.. وهكذا تمضي الأيام حتى حانت ساعة الصفر... واستجمعت قواي لأخوض المغامرة في هذا المجال حتى أسمع ضجيج الجماهير وتصفيرهم لي..!!! ركبت أنا ورفاقي الوافين..!!! واتجهت حيث تجمع الشباب وبدأت أموج بالسيارة يمنة ويسرة وهكذا وبالفعل ضجت الجماهير من هذا الصغير( فأنا لا أزال في ثاني متوسط) راعي الماكس ومن هذا القبيل...في إحدى الشوارع كنت أحاول أتدرب على بعض الحركات ومعي رفاقي والشارع فاضي من الناس بل يكاد لا يمر معه..! غير أنه وسيع ومناسب للتدريب..! وانطلقت بأقصى السرعات حتى تكون الحركة في تمام الإتقان لا أدري أين ذهبت..!!! السيارة بدأت تتفلت مني ..!!! لا أسمع إلا أصوات انفجارات الكفر وصريخ الحديد يالله لا أرى أين طريقي...! فجأة إذ بي أشعر بدوخة شديدة وألم أسفل الظهر..أما رجلي فلا أستطيع تحريكها بل لا أشعر بأنها معي... صرخت رفاااقي ففروا هاربين..! حاولت الخروج من السيارة غير أن العمود قد حطم نصف السيارة وجمع الحديد بعضه على بعض..! التفت إليهم وقد سابقوا الريح مولين.. لم يبالوا بما حصل لي... بل لم يدنو مني ليتهم اتصلوا بالإسعاف..! ولكن كنت أنا الضحية وبدأت الشمس تحرقني وتلهب جروحي ولا أحد يمر من على ذاك الطريق..

    ***

    (16) إجازة مرضية..
    بقيت أُصارع الألم وأُقاسيه الشمس حارة جدا... بدأت أشعر بحالة غثيان وصداع شديد عندما أفكر في شيء أجد أني أنساه.. وهكذا مر بي ما يقارب الساعة وأنا أغط في سبات عميق..!!! أتى من أسعفني...أربعة أيام مضيتها في العناية المركزة في غيبوبة لا أدري من أتي ومن راح.. بعدها فتحت عيني إذ بأبي وأمي وعلى وجوههم الحسرة والقلق لا يعلمون ما هي نهايتي وما حل بي..!! أردت أن أتكلم ولكن أشعر بأن لساني ثقيل جدا..وكأني للتو في الحادث..!! بكى أبي من الفرح عندما رآني فتحت عيني لأن الطبيب يقول قد تستمر هذه الغيبوبة إلى أمد بعيد.. نظرت إلى قدماي وقد لفها غلاف ثقيل!! لقد هناك كسور مضاعفة في الفخذ والقدمين.. أشعر وكأن رقبتي قد انتفخت إذا بها قد لفت بقطع سميكة..! كان هناك كسر في إحدى فقراتها..من الآن وصاعداً سوف يصبح السرير الأبيض صديقي فترة شهرين كاملين.. كنت مدهوشاً فلحظات الحادث تمر بي كل حين..!! أزداد غيظي عندما أتذكر رفقاء "المصلحة" عندما يركضون مسرعين لم يلتفتوا إلي... كنت على أمل بأن يزوروني ويسلوني ويخففوا عني مصابي بل حتى جوالي لم يهمس برنة من تلك اللحظة.. كان الحادث بعد شهر من العطلة الصيفية.. وبقيت شهرين عانيت فيها من طفش والنكد والألم... أصبحت في سجن دون قيود ولا حراس... أهلي سئموا من تكرار الزيارة لي فأصبحت يوم أراهم ويوم يعتذرون لي بتفرغهم لمشاغلهم..!! تعرفت على أُناس كثر.. شد انتباهي وعلق في ذاكرتي منهم شاب مستقيم في مرحلة الثانوية كثيراً مايزوه أصحابه وأحياناً يفتحون الستار بيني وبينهم أتحدث معهم... فعلاً والله أحببتهم ورأيت في محياهم البشر والسعادة... بل أحياناً أتمنى أن أهلي لا يزوروني حتى أجلس معهم... يستقبلوني ببشاشة ودعاء ويودعوني كذلك..الله ما أطيبهم وأسعد مجالسهم.. مرة الأيام وخرج صاحبي وحزنت والله لخروجه من المستشفى لأني لن أرى تلك الوجوه مرة ثانية..!!

    ***


    (17) إعاقة مؤقتة..
    كانت الحياة في المستشفى مريرة لا أنساها من عمري ..! كنت في أيامي قبل الأخيرة على وشك الخروج .. قد بلغ بي الملل مبلغه كيف لا وأنا مستلقي على ظهري طوال تلك الفترة..!! كانت التقرحات التي في ظهري تؤلمني كثيراً من طول المكث على جنب واحد.. أذكر في أحد الأيام بعد العصر أهلي اتصلوا بي يعتذرون عن الحضور لوجود ضيوف عندهم بالبيت.. فجلست في صراع نفسي عندما أتذكر رفاق المحنة الذين جحدواْ كل معروف معهم وتركوني وحيد..! عندما أتذكر ذلك الموقف أزداد غبن وغيظ...! كانت الدموع تخط مجراها على خدي عليّ أفرغ ما بصدري.. وفجأة إذا بشخص يستأذن علي بالدخول قلت تفضل... رفع الستار إذ به ذلك الشاب الذي كان سريره بجانبي قبل فترة ..! يالله يا لها من فرحة غمرتني وأزاحت ما بقلبي من هموم وإذ ببعض رفاقه قد أتواْ معه... وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث حتى ارتفع صوت أذان صلاة المغرب واستأذنوني في الخروج.. خرجواْ جميعاً وبقي صاحبي أدلى إلي بهدية مصحف وبعض الكتيبات ووضع رقمه في طرف إحدى كتاباته... "يقول إذا خرجت أخي سامي لازم تواعدنا بزيارة" انصرفوا وتمنيت لو مكثو معي أكثر من ذلك... بعد عدة أيام أتي إلي الطبيب يبشرني بالخروج من المستشفى.. يا له من هم انزاح عن قلبي يا له من حمل ثقيل وودعت من هم في غرفتي واتصلت بأبي أبشره لينقلني إلى سريري في البيت..!! مرة الأيام وبدأت الدراسة ولكن ظروف إعاقتي المؤقتة لا تسمح لي بالذهاب إلى المدرسة... وبعد مضي أكثر من نصف الدراسة أصبحت أمشي بأربع أرجل..كنت أمشي بين جمع الطلاب في مرحلة الثالث متوسط بمعكازي.. كنت في حينها اشتهي لعب الكورة أتمنى أني أركض بأقصى سرعاتي... ولكن ظروفي الصحية لا تسمح... كان أول قرار اتخذته آن ذاك.. هو قطع جميع العلاقات مع أصحابي السابقين لأنهم يذكروني بمعاناة لا تزال تحرقني في صدري..!!

    ***
    (18) نمط جديد..
    بعد انتهاء الفصل الأول تم فك القيود عني.. لم أكن لأمشي عدة مترات إلا وأهوي إلى الأرض أشعر وكأني صبي صغير في فترة يخطو خطوة ويسقط تارة.. مرت عدة شهور لم أحني ساقي.. لذلك كانت مشيتي متعبة جداً... مع بداية الفصل الثاني كنت قد تجاوزت كثير من المراحل صرت أمشي لكن ببطء.. في فناء المدرسة أتى إلي رفاق المحنة يستهزئون بي ويتهكمون بمشيتي..!! كم والله كان في القلب من حرقة غير أني لا أزال ضعيف... حمدلله بعد مرور الأيام والعلاج الطبيعي وبعض التمارين عدت إلى حيث كنت ولله المنة... بدأت أمارس حياتي الرياضية بكل أمان.. عادت إلى نشوة المراهقة..!! وحرارة الانتقام...! ذهبت إلي من كان يتهكم بي..! لتبدأ المعركة الشرسة التي دامت تغلي في صدري منذ شهور وأيام..! لا أدري من هجم علي ممن سقط تحت جنازير أقدامي..! انتهت المضاربة بعد أن أمسك بي المرشد الطلابي وبعد نقاش طويل واستدعاء والدي تم نقلي إلى مدرسة أخرى بطلب من أبي خوفاً من استمرار المشاكل... انزاح عني هم كبير..!! وبدأت أبني شخصيتي الأصيلة السكون والهدوء..!! أصبحت متابع للمباريات ولبعض الأفلام والمسلسلات قليل ما أخرج من البيت أقضي بعض أوقاتي بين صفحات النت.. أصبحت أمقت شيء يقال له تفحيط بل بعض الأفلام عندما أرى فيها من هذا القبيل أعرض عنها....! مرت الأيام وفي منتصف الفصل كانت الأنباء تتوارد ببشائر الربيع..! لكثرة الأمطار في تلك السنة كنت اسمع هذا الكلام كثيراً في المدرسة غير أني لم أفرح كثير لأن بيتنا يهمه ربيع بريطانيا .فرنسا..إلخ من تلك الدول.. التي تعاقدت معي أبي كل سنة غير السنة التي أصبت فيها بالحادث..مع مرور الأيام كنت أشعر بقلق داخلي فكثيراً ما تنتابني مثل هذه الحالة حينها يصبح كل شيء ممل جدا... خرجت على عتبت بيتنا أرقب المارة..!! كان الجو غيوم ونسائم هواء عليل شد انتباهي في آخر الشارع سيارة "هايلكس" متعطلة جلست أمعن النظر فيها..!!
    ***

    (19) عربون صداقة..
    نزل من السيارة شاب طويل القامة ملتحي ونفذ عن يديه وفتح كبوت السيارة خرج دخان كثيف نزل من في السيارة شباب في أعمار الثانوي إلتفو حول هذا العطل.. دفعتني أسباب التطّفل لأعرف ما حصل لهم أتيت أمشي إليهم.. كيف حالكم يا مطاوعة سلامات.. التفت إلي صاحب السيارة مبتسم ومد يده لي ليصافحني.. ثم أردف بلطافة أعجبتني قال أبد سلامتك وأنت ساقك الله لنا بيتك قريب وأنت راعي فزعة لاهنت "جركل ماء" الموتر عطشان شوي..! صراحة وجدت دافعية واستجابة لسحر كلامه.. انطلقت مسرعاً إلى البيت.. أتيت بما يريد.. قام بفتح غطاء اللديتر..! وبدا البخار يشق طريقه.. ثم أسرعت إلى البيت واتيت بعصير لهم كان عددهم أربعة مع مشرفهم.. بعد أن رويت السيارة وقام بتشغيلها بسلام.. كان صندوق الهايلكس محمل بالخيام..!! قلت لهم مستغرب..! ما شاء الله المطاوعة يكشتون ولا أيش..؟ ضحك صاحب الموتر وقال لي ترى ما شفت شيء.. قلت لهم ممازحاً معكم مكان.. قال أبد حياك الله ولنا الفخر والله وشف المطاوعة في مكاشيتهم كيف..! اعتذرت منهم لأني أعلم علم يقين أن أبي سيرفض رفضاً تام... رجعت إلى البيت وقام بمناداتي بمنبه السيارة يلوح بيده أن جزاك الله خير وفي أمان الله... دخلت البيت وأنا أتمنى لو كنت رفيق لهم بعيداً عن أمواج الغواية.. لأني أرى في محياهم الأنس والسرور.. وجوههم تزينه الابتسامة وكلامهم يحليه صدق العبارة.. مرت الأيام وفكر مشغول بهم .. كان لذلك اللقاء أثر علي بأن صرت أرتاد الصفوف الأولى في المسجد.. وفي يوم السبت في مدرستي الجديدة.. كان مدرس الفقه.. يتكلم بعد انتهاء شرحه من الدرس عن التوبة كلام كان له قرع في صدري.. وتكلم أن المرء إذا لزم طريق الخير لابد له من أعوان يعينونه على عقبات هذا الطريق.. وهكذا كان حديثه حتى انتهت الحصة.. خرجت خلفه مسرعاً.. أستاذ ناصر.. التفت إلي وبدأت أشكو له ما أنا عليه وأني منذ الابتدائية وأنا أحاول الدخول في حلقات القرآن غير أن أبي يمنعني من ذلك والأستاذ منصت لكلامي حتى انتهيت.. وقال لي لا تقلق يا سامي عندك باب مفتوح عليك بالدعاء ألح على الله أن يفتح قلب أبيك حتى تظفر بالخير ألح فو الله لن يخيب الله رجاءك وستجد ما تقر به عينك..

    ***

    (20) أسئلة حائرة..
    لاحظ أبي انطوائي ما بعد الحادث وازداد ذلك في أيامي الأخيرة..!! حاول أن يغطي فراغي ما بعد المدرسة في مساعدته في مكتبه العقاري.. وكان العرض بالنسبة لي رائع.. بحيث أتشاغل عن همومي واقطع وقتي الممل..! مرت الأيام ونحن على هذا المنوال.. كنا عند إحدى الإشارات في شرق الرياض نتجاذب أطراف الحديث... فجأة صمت أبي وانقطع الحديث.. جلس يقلب ناظريه يمنة ويسرة ..! بل وذهب مع طريق لم أعتاده.. كنت أحاول أن أتكلم غير أن أبي قد فصل موجة الاستقبال وأصبح يسرح في تفكير عجيب تعابير وجهه زادت استغرابي..!! انتهى بنا المطاف عند جامع فسيح كانت السيارات تلتف من حوله...! نظرت إلى أبي مسجد ونحن في منتصف العصر.. بل صلينا سوياً في مسجد حارتنا..!! وضع أبي كفه على وجهه بعد أن صفعه صفعه قوية... وبدأ يهز رأسه يمنة ويسرة..!! فجأة انفرط أبي في البكاء.. صراحة بدأت ترتجف أطرافي وازداد نشيج أبي..! يا لله أبي أرجوك ما الأمر..؟؟ لا جواب سوى النحيب...!! كنت اسمع كلمة يرددها أبي في هذا الموقف " الله يذكر أيامك بالخير يا بو أنس" ..!! حاولت تهدئة أبي نزل أبي وأمرني بأن أقود السيارة رجوعاً إلى البيت...! كنت في تلك الفترة قد كرهت السياقة كرهاً شديداً....! طوال طريق الرجعة الصمت يخيم على السيارة.. أبي هدأت نفسه وبدأ يستغفر ويحوقل وتارة يدعو.. كنت حينها في غاية الاندهاش..!! تواردت الأسئلة في مخيلتي تريد جواباً... ما علاقة المسجد الذي توقف عنده أبي يحلق ببصره فيه حتى دمعت عيناه.. وما علاقة الموقف بأبو أنس؟؟ دخلت البيت وأنا في حيرة..! دخل أبي البيت وارتمى بجسده في الصالة.. ذهبت مسرعاً إلى المطبخ وأتيت بكأس ماء عله يطفئ عن أبي ما ألم به... جلست أمي بجانب أبي تسأل عما حصل له.. لم يرد لها جواباً.. ثم نادي بصوته المبحوح سامي.. ســـــامي..!!

    ***


    (21) الجزء المفقود..
    جلست إلى جانب أبي وعيناي تتوقد دموعها أبي ما ذا تريد ؟ كان الموقف له هيبته كيف لا والصمت يعم المكان ولا صوت إلا أنين أبي..!! نظر إلي أبي وقد تحدرت دموعه ! شد على كتفي و حروفه تتلعثم..!! سامي سامحني فقد أخطأت في حقك يا ولدي.. حركت كلمات أبي مشاعري وإن كنت لم أفهم فحواها..!! سكت لم انطق بكلمة وإنما واصلت العبرات تعبيرها.. سامي صحيح إني أبوك أشفق عليك لكنني ظلمتك يا ولدي بحرمانك أحلى أيام عمرك بأن جعلت لك صنوف البلايا ممهدة أمامك..! وحرمتك من مرابع ضميرك وهداية روحك.. حرمتك أن تتلذذ بكلام رب العالمين.. حرمتك من انشراح صدرك يوم أن العم بأسره يبحث عن هذا الانشراح في غير مرضاة رب العباد.. سامي أنا عشت أيام من عمري لا أنساها ولازلت أذكر طيفها حتى الآن..! عشتها في محاضن حلقات التحفيظ وحرمت إياها لأن جهلت ما أنا عليه بل وتنكرت له.. سامي أنا رجعت من تلك البلاد وأنا أظن أني قد أتيت بالتطور والنفع لأهلي ما علمت أنا المسكين أني ضيعت زهرة حياتي.. سامي لا تظن أن من ترك العنان لشهواته سعيد..!! لقد فكرت في الانتحار مرات ومرات من مرارة ما عشت في ظل هذه العيشة الزائفة.. سامي هاكها نصيحة مجرب.. أهل القرآن لا تبغي بهم بدلا.. حتى وإن قست الظروف عليك .. والله ثم والله ستذكر ما أقول لك ولو بعد حين.. هم والله من تعلمت منهم الخير وأنست بالقرب منهم..و لكن لما ابتعدت عن رياضهم حلت النكبة... فيا بني سامي ما ذا قلت في أمرك...؟ التفت إلي أمي وقد اختلطت دموع الفرح بالحزن.. آه يا سعد كم كان حلم لي بأن أراك قد عدت إلى مجراك الطبيعي..!! كانت الجلسة تغطيها الدموع الحارة.. نعم كان هذا الأمر الذي فقده من حياتي.. وكيف بي وأنا وجدته بعد تلك السنين..

    ***
    (22) عودة صادقة..
    شعت أنوار الهداية في بيتنا.. واعتلى صوت القرآن فوق مزمار الشيطان.. لم تكن عودة وتوبة أبي بالأمر الهين..! فمن وراءه ذلك الجمهور الذي ينتظر مقالاته بشوق..!! كتب في زاويته المخصصة مقال بعنوان " من خلف الكواليس" فضح فيه خطط ومؤتمرات السناكحة بكل وضوح وعلى المكشوف.. لم يكن المقال لينشر لولا أنهم اعتادوا بالمبادرة في عرضه دون تدقيق أو رقابه..!! ليسقط الفأس على الرأس... ضجت الصحف والمنتديات بل والمجالس بهذا الأمر..!! مما انتهى الأمر بعد مكالمة حارة من رئيس تحرير تلك الجريدة بإقالة أبي..!! أبي كان يضحك عندما قال له رئيس التحرير تلك الكلمة.. ظناً منه أن أبي تهزه مثل هذه التحديات.. لا تسل عن الاتصالات من رفقاء الظلام..! ورسائل العتاب واللوم..!! بعد عدة أيام هدأت العاصفة وذاع خبر أبي بين أهل الصلاح.. رفع أبي جواله متصلاً بشوق على حبيب قلبه ورفيق دربه أبو أنس معلناً تجديد عهد الصداقة ووفاء بالجميل ونكر نكرانه..!! كان أبو أنس في سفر وواعد أبي عصر يوم الخميس القادم بأن يشرف بيتنا.. ما أسرع الأيام وأحلاها.. كان أبي ينتظر قدوم أبو أنس بكل شوق.. هلَ البشر بمقدمه كان أبي يترنم بأجمل عبارات الترحيب ممزوجة بدموع الاعتذار وابتهاج الضمير..نظرت إلى ذلك الوجه المنير.. أمرني أبي بتقبيل رأسه .. ثم أمرني بالانصراف.. واستمر حديث أبي مع أبى أنس حتى الغروب.. بل أقسم أبي بأن العشاء حاصل هذا اليوم.. في المغرب جلست بينهم.. أتحسس ما يقال.. كانت الذكرى مدار حديثهم.. يتذكر أبي أيامه مع مشرفه أبو أنس في حلهم وترحالهم.. يسأل عن فلان.. ويترحم على فلان..!! ويسأل الله الهداية لفلان..!!! في جلستنا على مائدة العشاء التفت إلي أبي ودواعي السرور على وجهه ثم قال لأبو أنس هذا سامي سينضم إلى الركب.. ولكن هل لك أن تبحث عن شباب مكتبة قريبين منا..!! ابتسم أبو أنس وقال عندكم أقوى المكتبات نشاط "حلقات المهاجرين" كيف تفرط فيها.. علامات الإحراج بدأت على وجه أبي وقال تعرف أبو أنس نحن أبعدنا عن الشباب وليس لي بهم علاقة..!
    ***

    (23) الموعد المرتقب..
    أخرج أبو أنس جواله وبدأ يفتش في أرقامه بحثاً عن رقم "أبو مهند" مشرف حلقات المهاجرين .. لحظات ويرفع أبو مهند السماعة.. وشرح له أبو أنس حالي وقال هذا ولد أحد الأخوة عزيز على قلبي يرغب في مشاركتكم..!! سكت أبو مهند قليل.. وقال يا أبو أنس الوقت هذا صعبه شوي لأننا في آخر سنه لكن خله بداية الصيفية تكون بداية دخوله.. ابتسم أبو أنس وقال هذا هو المناسب..! وانتهت المكالمة.. التفت إلي أبو أنس وهو يرى في وجهي علامات البشر والسعادة.. قال الآن يا سامي اجتهد في دروسك ولا تهتم من الأمر وبإذن الله بداية الصيفية.. ستكون البداية المشرقة لك مع شباب الخير.. غادر أبو أنس دارنا وتركني أسرح في أحلام اليقظة..! أطلقت لخيالي العنان كيف ستكون حالي معهم وقد يئست من تصرفات أبي السابقة.. بالأمس القريب أبي يمنعني منهم واليوم أبي يدفعني إليهم..!! اللهم لك الحمد .. في المدرسة رأيت شاباً في صفي ملتزم وكنت معجب بشخصيته كيف لا وهو يتعرض لأنواع الاستهزاء والسخرية بينما هو لا يأبه بما يقال له.. بل إن صحت العبارة فقد وهبه الله لسان طليق.. يقطع به من يتجرأ على مخاصمته..!! أتيت إليه يحدوني الشوق.. ولم تكن لي معه أي علاقة.. غير أنه بعد عهدنا الجديد قررت أن أربط علاقتي معه.. أتيت إليه وهو خارج من فصله.. سلمت عليه وصافحته.. وتشابكت أكفنا ببعض.. نتجول في فناء المدرسة في وقت الفسحة.. وبدأت أتحدث معه هل هو ملتحق بحلقات التحفيظ.. فأجابني بنعم.. ثم بدأ يسترسل في شرح برامجهم.. ويتحدث عن رحلاتهم وأسفارهم.. وأنا صامت لا أنطق بكلمة وإنما أعيش في تصورات خيالي عما سأراه في العطلة القادمة..! وبعد فترة من تآخينا.. كنت أعرف أسماء طلاب حلقتهم وأنا لا أعرف أشكالهم من كثرة ما يتحدث عنهم.. وفي أيام الاختبارات كانت تغمرني فرحة عجيبة.. بل إن جل وقتي في التفكير فيهم.. حتى حانت ساعة الصفر..! وسلمت آخر ورقة اختبار.! وودعت مرحلة المتوسطة برمتها.. وأنا في سير للموعد المرتقب..!
    ***

    (24) احراجات مستجد..
    اتصل أبو أنس مخبراً أبي أن الشباب غداً عندهم طلعة في استراحة..وأعطى رقمي إلى أبو مهند..في اليوم التالي اتصل علي رقم أبو مهند وقد سجلته من أبو أنس.. صراحة كانت نبضات قلبي تزداد عندما رأيت رقمه على الشاشة.!!.سلام عليكم.. حياك الله الشيخ سامي..أنا الآن عند محل (..) وين ألف..! ووصفت له موقع البيت بتلعثم عجيب فشخص لا أعرفه وكذلك هو مسئول الحلقة.. أصوات منبه السيارة بجانب البيت.. خرجت فإذا الموقف محرج جداً جداً.. الهايلكس التي قمت بمساعدتهم قبل فترة..!!! وكذلك السيارة شبه مزدحمة..!! مجموع عددنا ست أشخاص.. خرج أبو مهند ذلك الوجه البشوش.. وعانقني معانقة شديدة.. يقول حيالله راعي الفزعات جزاك الله خير وبدأ يسترسل في الكلام..أنا ضاقت الكلمات في فمي.. بل كنت أرد بكلمات ليس لها شأن في الموضوع.. يسأل يقول ما قصرت معنا.. وأقول والله كلهم بخير..!! نزل الشباب يسلمون على (المستجد الحبيب..!!) ثم بدأت المهاوشة.. والله لتركب قدام والثاني يدفني وذاك يشدني.. صراحة كنت أعيش في قمة الإحراج.. ثم سارت المركبة بعد عناء.. ويأتي الموقف الآخر.. أبو مهند يقول من يباشر لضيفنا اليوم.. والشباب إزعاج كل واحد يريد ينزل... في الطريق إلى الاستراحة لم أكن أقوى أن انظر إلى الشباب في الخلف..!! أحاول أصد بنظري يمين ويسره.. دخلت إلى الاستراحة وكان بعض الشباب يلعبون والآخرين يسبحون..! وأنا أجر معي خيشة ملابس الرياضة.. التفت الشباب باستغراب فهناك شخص غريب عنا.. أتى أحدهم وسلم علي وأنا أمشي خلف أبو مهند بشكل تلقائي..!! ثم سأل ذلك الشخص ما اسم هذا المستجد..؟!! أخبروه باسمي وأنا لا أشعر.. ثم رفع صوته بالملعب (حيو ســـــــــــــامي) يالله تعبت من الاحراجات..! هنا عرف الشباب اسمي..التفت إلي أبو مهند وقال الآن رياضي.. شف إلي يناسبك وطب.. كنت أقدر الكورة بشكل عجيب.. وبدلت الملابس ودخلت الملعب على استحياء.. فلا أقوى أن أسأل أنا مع من؟؟ لكن الشباب ما قصروا فكل فريق ينادي لي.. دخلت ما أقرب فريق.. وفي حماس اللعب جاء ثلاثة حقدت عليهم بشكل عجيب..!!

    ***

    (25) انكسار حواجز..
    قاموا بشد جسمي دون سابق علم.. احمرار شديد على وجنتي.! لا أدري أن يقاد بي.. فجأة إذا بأمواج الماء.. تغمرني.. لم أفهم عمري إلا في منتصف المسبح بملابس الرياضة الثقيلة..!! هنا لم ينتهي المشهد قام احدهم بمحاولة تغريقي..!! لكن أحد الشباب تصرف في الوقت المناسب فقام بزجرهم وتوبيخهم.. خرجت من المسبح.. وأنا في رهبة.. ضاق صدري نوعا ما..!! بدلت ملابسي.. واستعديت للصلاة.. بين المغرب والعشاء كان هناك لقاء تعريفي..!! بدأ أبو مهند بمقدمة ثم قال أخونا سامي رجل له معروف على الشباب لا يُنسى..!! حنيت رأسي من ثقل الإحراج.. وقال الجميع يعرف اسمه ولكن أتوقع سامي في شوق لمعرفة أسماءكم.. والأرواح جنود مجندة..ثم عرف بنفسه وبدأ التسلسل يمضي.. لم أكن اهتم بالأسماء إلا عندما وصل الدور على الثلاثة وكانواْ بجانب بعض.. راكان وحمد وإبراهيم..! وانتهى التعارف ثم بدأ أبو مهند بعرض برنامج الصيفية.. فبعد أسبوعين سيبدأ (المركز الصيفي)..! كان أبو مهند يتحدث عن إعدادات المركز وبرامجه بأسلوب مشوق.. وأما عن البرنامج في هذين الأسبوعين.. فهناكـ حلقة بعد صلاة الفجر وهناك درس في كتاب التوحيد وقلطات وغيرها من البرامج.. وقام المشرف أبو يزيد بعرض تفاصيل البرنامج.. بعد صلاة العشاء.. كانت هناك مسابقة ثقافية.. من أحمس المسابقات التي مرت علي..!! كانت هذي المسابقة في بداية ظهورها وهي مسابقة الأسهم.. كنت أرمي السهم ولا أشعر إلا بارتفاع أصوات الشباب دالة على إصابة الهدف.. كان مقدم المسابقة يحاول تسهيل الأسئلة علي.. وكذلك الشباب يحاولون تحفيزي..بعدها كان رياضي حينها كنت في غاية الانبساط وكذلك بدأت تتكسر الحواجز بين الشباب.. وحفظت أكثر أسماء الشباب في الرياضي.. في نهاية الطلعة أتي إلي الشباب الثلاثة وأبدوا اعتذارهم وزال ما كنت حامله في صدري تجاههم.. في البيت كان أبي ينتظر مقدمي ويسألني عما رأيته.. ضحك بشدة لما أخبرته عن موقف الثلاثة وقال لا عليك يا سامي فهذا مما كان ثقل المزح فهو لا يفسد للود قضية.. يوم الجمعة كان يوم ثقيل علي لأني لن ألتقي بالشباب إلا يوم السبت وسأجلس فاضي ذلك اليوم..بعد أن ذقت طعم الأنس معهم..

    ***

    (26) خطوة تقدم..
    بعد صلاة فجر يوم السبت كنت في غاية النشاط والحيوية جلست في المسجد أنتظر مرور أبو مهند لي.. لحظات وجاء..في المسجد جلست أُقلب صفحات المصحف من أين أبدأ..! فجزء عم لم أحفظه بعد..! واستعنت بالله وبدأت من الناس.. بعد انتهاء الحلقة اجتمعنا في المكتبة.. انتظاراً للدرس.. أتى أبو مهند وبدأ يتكلم عن أهمية العلم بأسلوب مشوق وبأحرف بسيطة بعيداً عن التكلف.. وبدأ يسرد قصص السلف في مشوارهم في طلب العلم... حتى أصبح الجميع في غاية الشوق للعلم.. هناك طرح سؤال في الصميم.. وسأل كل واحد منا..! لماذا تطلب العلم؟.. صراحة عن نفسي جعلت أحسب حساباتي وأتفكر..! كانت إجابات الشباب صحيحة لكن قبل السؤال لم يكن يرتسم هذا الجواب ونستشعر هذا الشيء عندما نبدأ في طلب العلم.. والجواب باختصار أن نعبد الله على بصيرة... مرت الأسبوعين بأجمل لحظات.. وعزمات حماس.. كنا ننتظر بداية المركز الصيفي بشوق.. كانت أسرتنا "البيارق" واجتمعنا يوم الجمعة قبل سبت البداية للمركز.. لتوزيع الأعمال.. واختيار الدورات.. في يوم السبت كنت قد جمعت ملابسي الرياضية... وجلست انتظر واتصل على أبو مهند بشكل مستمر.. كان يراعي حماسي فلم يعاتبني بل يثني على هذا الحرص..! في المركز كانت جموع شباب الحلقات قد اجتمعت هناك.. كنت أبحث عن شبابنا.. وهكذا مرت أيام المركز في حماس ونشاط.. من تجهيز المقرات... والمسابقات والمنافسات.. كان من ضمن البرامج الثقافية إلقاء الكلمات من كل أسرة خمسة.. قام أبو يزيد بترشيحي.. صراحة كنت عندما أذكر أن عندي كلمة سألقيها بدأت أرتجف.. أخبرت أبي بالأمر وقام بإعداد كلمة من صفحة واحدة وأمرني بأن أتعود عليها في غرفتي حتى تتقنها ثم تأتي إلينا في الصالة وتلقيها علينا.. وبدأت أترنم بها وأدور في الغرفة لأحفظها.. وأتيت إلي أبي وأمي.. وبدأت ألقي على مسامعهم.. لما انتهيت من الكلمة. بدأت أشعر بثقة بنفسي خصوصاً بعد ما أطال المدح أبي... وقال أسأل الله أن يقر عيني بك وأنت داعية تنشر الخير بين الناس.. في المركز وقد حان الموعد المرتقب.. بعد أفرغ الإمام من السلام.. وثبت بسرعة إلى مكبر الصوت.. وعندما نظرت إلى صفوف المصلين بدأت تضيق أنفاسي وترتجف أقدامي..!! تحاملت على نفسي قليلاً.. ثم بدأت أتعتع ولكن الحمد لله انتهت الكلمة بعد عناء.. وخرجت من ذلك المركز وقد أحرزت هذه الخطوة إلى الأمام.. بعد انتهاء المركز كنا في استعداد لرحلة أبها..

    ***

    (27) لقطات جمالية..
    ارتسمت ذكريات جميلة عن مركزنا.. لقد انتهى وتمنيت لو طالت أيامه..بعدها كان هناك طلعة في استراحة نتقاسم فيها العمل لرحلة أبها.. كنت في غاية الحماس.. كنت ضمن مجموعة برامج الطريق.. تمنيت أن رفاقي الثلاثة معي خصوصاً وقد قويت علاقتنا ببعض في المركز ذهاباً وإياباً..! وفعلاً تم تجهيز البرنامج وتوزيعه بيننا.. ثلاثة أيام وانطلقنا نحث الخطى صوب الجنوب... كان الشباب اقترحوا من فقرات البرنامج من روائع القصص مع أبو مهند.. لم أكن أتصور أن الشباب يتشغفون إلى حديثه بهذه الصورة..! بالفعل أمسك المايك..! وبدأ يتحدث حدود ساعة وكأنها دقيقة.. كان يتكلم عن عبادة السلف وشدة حرصهم على الإخلاص.. وتشوقهم لقيام الليل وصبرهم على طلب العلم.. ثم بعدها كانت هناك فقرة عندي صراحة كان هناك نوع من الإحراج وطلبت من المسئول عن اللجنة يعفيني من تقديم الفقرة ولكنه أصر.. صراحة بتفاعل الشباب تشجعت وقدمت الفقرة على أفضل حال.. عند وصلنا أبها كان في منتصف الليل.. الجميع مجهدين جدا.. بسطت مفرشي وكنت أعاني في الرحلات من تأخر النوم..!! دقائق ولا اسمع إلا الشخير والغطيط..!! في هذه الأثناء قام فواز.. شاب نحيف وقصير القامة صاحب دعابة عجيبة..! لكنه وقت الجد لا ترى مثله..! قام وتوضئ وبدأ يصلي في ناحية الغرفة ويطيل الدعاء والتضرع..! لقد أثر هذا المنظر في نفسي الشيء الكثير.. كيف هذا الشاب الذي أتعب بطون الشباب بالضحك بهذه الجدية..!! في الصباح كانت تنقلات جميله.. أذكر في الحبلة كان هناك موقف لا أنساه.. ذُرفت فيه الدموع واعتلى فيه الصياح.. في التلفريك ونحن في نزولنا قام اثنين من الشباب بهز العربة بشدة حتى أيقنت أنّا سنسقط كان أحد الشباب(خوااف) يصيح بأعلى صوته شباب الله لا يحللكم ودموعه على خده وكذلك كان لي نصيب من التفاوض مع الشباب حتى أقسمت أني لن ارجع معهم إذا رجعنا..!! كانت الأجواء ممتعة لا يخلو يوم من هطول الأمطار.. وتصافي قلوب الشباب وتآخيهم مع بعضهم البعض موافقة لمسمى الرحلة (رحلة التآخي).. من اللقطات التي لا تزال في ذاكرتي..!! المشرف أبو يزيد يلقي الدرس والضباب يكسو الجلسة..عشرة أيام قضيناها في مناطق الجنوب.. واستقر مطافنا في النماص للتخييم..في طريق الرجعة جميع ملابس الشباب متسخة من الأمطار (والربصات الجميلة) ولا تسمع إلا الأصوات الجميلة.. كان هناك اثنين من الشباب.. (ما يطلبه المستمعون) عماد السوداني وإبراهيم.. رجعنا إلى الرياض والشباب جل حديثهم عن مواقف الرحلة الرائعة..

    ***
    (29) الهروب من المسئولية..
    بدأت الدورة الثانية وأنا في غاية الحماس والجد.. كنت أحفظ في البيت وأحياناً تسمع لي أمي وهكذا.. حتى وصلنا إلى نهاية الدورة .. وزاد فرحي عندما سُلمت ورقة الموافقة لرحلة الشرقية.. أعطيتها أبي وكان فرحه لفرحي.. كذلك أصحابي تم تسليمهم الورقة.. كانت الدورة تلك جميع الشباب تفوقوا فيها.. كانت الانطلاقة ظهر الأربعاء وحتى مساء الجمعة.. في يوم الثلاثاء اتفقت مجموعتنا..!! ذلك الاتفاق الذي قلب جميع المعايير..!! بأن نتخلف عن حضور المدرسة ونخرج للبر (للتطعيس)..!! كان حمد قد تكفل بإحضار جيب أخيه الجديد (ربع)..! ومن ثم نرجع مع وقت الانصراف إلى بيوتنا لنذهب إلى الرحلة.. بالفعل كانت الفكرة صعبة قليلاً لكن حمس بعضنا البعض.. في صباح ذلك اليوم أوصلني أبي إلى باب المدرسة.. تأخرت قليلاً حتى ذهب..! ثم اتصلت بحمد وإذ بصوت المنبه من خلفي... وكان بقية الرفاق معه.. ركان وإبراهيم.. واتجهت رحلتنا بعد أن أخذنا وجبة الإفطار معنا إلى طريق مكة بقرابة 130 كيلو..! كانت هناك رمال لم أرى مثلها في حياتي من ضخامتها ووعورة السير فيها..!! وبدأ الجيب يشق طريقه يمنة ويسره حتى غابت معالم الحضارة من حولنا لا أرى إلا رمال من أمامنا وخلفنا ومد أبصارنا..! توقفنا لنتناول الإفطار.. ثم أكملنا طريقنا نرقى عالياً ونهبط..!! كان حمد متهور نوعاً ما..!! فهو يأتي بأقصى سرعة ويرقى الطعس ولا يدري ما خلفه..كانت مخاطرة ولا أرعب من قطار الموت ..!! فجأة فجأة..!!! صعدنا طعس طويل بعد بلغ التعب بالجيب أيما مبلغ..!! وتشرفنا للجهة الأخرى كانت هاوية توصلك إلى نقرة كالفنجال..!!! وبدأ الجيب ينزل بتسارع..!! الفرامل لم يجدي إن لف السيارة من المؤكد انقلاب.. كانت الاقتراحات تنهال من هنا ومن هناك وذاك يقول فرامل وهذا يقول زد من السرعة..!! انتهى بنا المطاف..!!! بعد بخار كثيف..!! لقد انعدم اللديتر وبدأ يتسرب بخاره في الجو..!! كانت صدمة للجميع فضلاً عن إبراهيم الذي لم يستطع أن يتحرك من مكانه من هول الصدمة..!!! خرجنا من السيارة وإبراهيم يكفكف دموعه..!! وأطرافه ترتجف..! لا يدري ماذا يفعل..!! حاولنا فعل شي غير أن السيارة قد تعلقت واللديتر خرب..!! صعدت إلى أعلى الطعس عله يكون هناك إرسال لكن للأسف لم يكن هناك شيء..!!! كان الوقت الساعة 9:00والجو بدأ يلتهب حرا... والمصيبة تتضخم فالماء قليل..!!!

    ***

    (30) فقدان الغياب..
    نزلت إلى أصحابي وعلامات اليأس على وجوههم..!! حاولنا فعل شيء لكن لا جدوى..!! فالموتر لا نستطيع تحريكه ولو شبر واحد..!! هنا أحسست أننا في مأزق كبير كيف الخلاص منه لا أدري..؟ ومما يزيد "الطين بله" أنه لا يوجد أي بشر حولنا..! أصبحنا نتصرف بتخبط فكل شخص بفعل ما يخطر بباله..!! بدأ العرق يتصبب منا...! لا يوجد معنا سوى ربع جيك ماء..! قمت وأخذت الماء والجميع ينظر إلي بتعجب..!! قلت يا شباب ليس أمامنا سوى حل وحيد وهو أن أذهب بهذا الماء وابحث عن من يساعدنا ربما أمشي يوم كامل فأنا مستعد لكن الماء يبقى من نصيبي..!! وأنتم لا تجهدون أجسامكم..! وانتظروني هنا ...ووضعنا عمود في رأس الطعس وربطوا شماغ عليه..!! بالفعل كانت مخاطرة ودعت مكانهم وقلت لا تنسوني من الدعوات.. مشيت والأرض تتوقد وكأنها جمر.. العرق يسيل والجسم مرهق.. وعقلي شارد..!! كنت أمشي بتسارع حتى إذا انتصف وقت الظهر...!! انقطعت نعالي..!! وكدت أفقد صوابي فالأرض في عز حرارتها...!! التفت لا أرى إلا سماء زرقاء وأرض صفراء.. رفاقي لم أعد أعرف أين اتجاههم..؟ مشيت قليلاً فتحت عيني إذ بالسماء في وجهي..!! نعم لقد انتهى الماء والجسم بدأ يتعطل..!! لم يكن في قوة لأن أعتدل قائماً..!! نظرت يمنه ويسره لا أحد بالقرب مني.. قلت في نفسي أموت هنا ورفاقي أيضاً يموتون هناك حسبنا أن في صحراء واحدة متنا..!! الشمس تميل إلى الغروب..! وأنا أشعر وكأن حلقي أصبح يمتلي بالشوك من شدة العطش...!! أحياناً أشتم وأسب نفسي لماذا طاوعتهم على الذهاب وتارة أدعو وتارة أفكر في أهلي ماذا حصل لهم..!! إذ بالفرج يأتي أسمع صوت سيارة من بعيد..! جلست إذ به شاص بعيد بعيد..! عادت لي نشوة النشاط وكأني لم أصب بشي.. ركضت بأقصى ما يمكنني الشوك يلدغ رجلي..! لكن لا أُبالي..كنت أصيح وأنادي بأعلى صوتي.. لكن الشاص يواصل سيره وبسرعة.. ركضت حتى أصبحت أسير في خطه حتى رأيت "لمبة الفرامل" تشير لي بالبشر والسرور..هنا اختل التوازن عندي وكأن شوط كهربائي لسعني...سقط متمدداً على الأرض مشيراً لنفسي أن التحدي انتهى.. رجع راعي الشاص مسرعاً لي قلب جسمي فأنا على مشارف الموت.. فمي قد ابيض من العطش والتعب..!! انظر إليه أُريد أن أتكلم لكني شعرت أن هذي هي آخر لحظات حياتي..
    ***


    (31) انكشاف غمة..
    أمسك بيداي ورفعني مسرعاً وكأنني قطة قماش وضعني بجانبه..ثم شق غبار الريح مسرعاً إلى تلك الخيام المترامية..!! دخل بيت الشعر ووضع الفراش.. ثم وضعني عليه.. أنا أصبح كل شي في عيني يدور تارة أُميز لونه وتارة اللون أسود..!! في هذه الأثناء قام أبي بالاتصال على أبو مهند يتطمن عن حالي بعد أن علم أن جوالي مقفل..!! أبو مهند صابته الرهبة أعاد السؤال مرة ثاني سامي ما غيره..؟ أبي استغرب طريقة كلام أبو مهند..! أبو مهند علم أنه في مصيبة..قال سامي لم يذهب معنا اتصلنا على جواله عدة مرات لكن جواله مقفل..!! والبيت لا أحد يرد على جرس بابه..!! أبي وقف مشدوهاً.. لا يدري ما الأمر..؟ أغلق أبي السماعة..! وهنا علم أبو مهند سر غيابي أنا ورفاقي..!! اتصل على أهل باقي الشباب...! عمت المصيبة جميع أهلنا..! أبي ذهب ليقدم بلاغ للشرطة وكذلك باقي أهل المجموعة..!! أما في بيت الشعر قد بديت أستوعب ما حولي بعد أن تعذبت من تقسيط الماء في فمي..! أعطاني الرجل فنجال ماء.. ثم بعد فترة فنجال ثاني.. وبعد فترة أعطاني تمرة.. لم أتهنئ بطعم الماء..! إلا بعد فترة ما يقارب ساعة..!! ثم جاء بعدها بحليب ابل..!! لم أكن أحبه غير أن الجوع جعل كل شي حلو في عيني..! بعدها أخبرته أن رفاقي خلفي..!! قال يا أهبل ليش ما تكلمت من زمان..!! أخذ جيك ماء وقمنا وركبنا الشاص متجهين إلى المجهول..! فالظلام قد حل ولا يمكن لي أن أعرف اتجاهي.. ويسألني أين خوياك..! قلت أنا صراحة ما أدير حاجه بالبر.. نمشي في ظلام ثم قال لي هذا مكانك إللي لقيته به.. مشينا قليل وقلت حنا حولنا طعوس كبار..! ويمشي وكأن معه "قارمن" حتى أتينا حول مكانا كانت العلامة التي ركزناها ترفرف لنا..!! صحت له بأنهم خلف هذه العلامة.. نزلنا المكان في سكون..!! نظرت إذا بالشباب أمام السيارة متمددين..! وكأنهم جثث هامدة..! وقفنا على رؤوسهم ولم يشعرواْ بنا..!! قام الرجل بمهمته وعدل أجسامهم وبدأ ينقط عليهم الماء قلت صب الماء ليش هالتقسيط..!! قال إذا ما تبيهم صب الماء وشف وش يصير لهم..!! بالفعل حمد بعد الفنجال بدأ يستفرغ...!! قال هذا فنجال كيف هالكأس..! والحمدلله بدأت الحياة تدب في عروقهم من جديد.. أخذنا إلى بيت الشعر.. وأعطاهم من الحليب والتمر.. ووقتها كنا في نعاس شديد..!! قال استريحوا والفجر إن شاء الله نطلع موتركم..نمنا نومة لم نتلذذ بمثلها قط..! وقت السحر قام الرجل ووضع ذلك العشاء..!

    ***

    (32) سياط العتاب..
    وضع ذلك العشاء الذي لم أتلذذ بطعام مثله..! كان الجوع يدب في أجسامنا.. وشرعنا في الأكل.. حتى تورمت بطوننا..!! من كثرة الأكل..ثم بعدها أخذنا نتجاذب أطراف الحديث.. وقصة وصولنا إلى هذا المكان.. جلسنا حتى صلينا الفجر.. ثم أتى بالقهوة حتى أشرقت الشمس.. وقال مشينا لموتركم.. وشرحنا له إن اللديتر خربان... وصلنا إلى المكان المشوم.. فتح صاحبنا كبوت السيارة.. وقال لحمد شغل.. وبداً الماء يفور من جنب اللديتر.. وجلس يطرق بالشاكوش يمنه ويسرة.. ثم قال.. الموتر إن شاءالله صلح.. وقام بربط الواير في خلف وسحبه من أعلى الطعس.. ثم قال إذا ارتفع الموتر إلى نصف الطعس اكسر الطارة وحول وأنا وراك.. وبالفعل نجحت الخطة وخرج موترنا مصحوباً بأصوات موسيقية..!! من آثار الارتطام..! ومشى معنا حتى وصلنا إلى قارعة الطريق السريع.. وودعناه وشكرنا له ذلك المجهود الطيب والمعروف الذي لا ينكر.. عندما سرنا في طريق عودتنا والسرعة قد لا تتجاوز 50 خشية ارتفاع الحرارة في أي وقت..!! كنا في لحظة صمت وكأننا في حلم..!! أحداث مرت سريعة..! التفت راكان إلينا وقال يا شباب لولالا فضل الله علينا لكنا فريسة للسباع في هذه الصحراء..ولكنا في عداد الأموات..! في هذه الأثناء كانت هناك حالة استنفار من الشرطة والأقارب والجيران بحثاً عنا..!! عندما وصلنا تفتيش الرياض.. أخذ البطاقة العسكري ثم قال اسفطوا على جنب..!! وتم نقلنا فوراً إلى أقرب مركز شرطة.. وتم استدعاء آباءنا.. وتم الكشف عن تفاصيل الرحلة بالكامل.. عندما حضر أبي إلى القسم.. أو شيء فعله سدد إلي كف على خدي..! وعندما ضربني لم أكن ألومه فما فعلته فاجعة لنفسي فضلاً عن غيري..!! وكذلك بقية الشباب واجهوا ما واجهت... إلا حمد فقد كاد يجن مما لاقاه من أخوه صاحب الجيب.. دخلت البيت قبلت يد أبي بكيت معبراً عن ندمي وكذلك أمي اعتذرت بدموعي لها.. ثم دخلت الغرفة وأنا في ندم شديد.. لم أكن أتوقع أن تكون هذه النكبة..!! سبب في منع حمد من العودة للحلقة مجدداً بل كانت سبب في انتكاسته..! هداه الله.. وكذلك سبب لنفترق ولكن إلى أين..!!

    ***


    (33) عهد البداية..
    مر مساء الخميس بعواصف الندم..! أتقلب يمنة ويسرة عل النوم يأتي.. لكن الهم أرقني.. في يوم الجمعة كان الموعد المحدد لعودة الشباب من الرحلة التي كان من المقرر أن أكون أحد أفرادها..! ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن..! في المغرب اتصل بي أبو مهند..! عندما رأيت الرقم على شاشة الجوال أحسست أن الجرح سينزف من جديد..! تجاهلت الرد.!! وعاود الاتصال مرة أخرى تشجعت وقبلت المكالمة..! أخبرني بأنه بالقرب من بيتنا يرغب في مقابلتي..!! سلمت عليه وحمدلله على السلامة.. ابتسم وقال الحمدالله على سلامتكم..!! ركبنا السيارة وصرنا نتجول في الحواري القريبة..! أبو مهند كان يمهد الكلام.. حتى بديت أقص السالفة من البداية حتى النهاية..!! عندما انتهيت.. بدأ يصور لي الموقف المحرج وما واجهه من مشاكل جرا هذا التصرف..!! حتى سالت دموعي ولم أتمالكها.. قلت أبو مهند والله إني أعترف لك أن ما بدر منا هو خطأ.. وطلبي هو أن نكون من الليلة قد بدأنا صفحة جديدة.. نحرق فيها الماضي.. قال أحببت أوصل إلى ذهنك أن في الأصل مثل هذه التصرفات أصحابها ليس لهم مكان في الحلقة..!! ولكن أبو أنس كان في اتصال معي قبل قليل.. وألح علي أن ننسى ما مضى..! فالحمدلله على ما كان.. ولكن نبقى على قدر ما نقول..!! ثم نزلت في البيت وكأن الأزمة هذه استمرت شهور..!! في البيت أحببت أن اطمئن على رفاق الكارثة..! حمد لم يرد على جواله..! بل أرسل رسالة لم أفهم مغزاه فيها إلا بعد فترة وكأننا نحن السبب ونسي أنه صاحب الفكرة بل والمنظر لها..!! قبلها أرسل راكان رسالة..! كانت نهايتها أنه لن يماشينا كما كان في السابق..! يقول في ما معنى الرسالة أننا إذا اجتمعنا مع بعض لم نستفد ولم نرتقي ولكن كل شخص يبحث عن من يرقى بهمته..!! وأما إبراهيم فبدأ يتذمر من وضع أهله..! حيث أنهم يفكرون في منعه من مصاحبة الشباب..! في يوم السبت كنت محرج من الشباب فلذلك فكرت في الغياب..! ولكن يبقى أني قد اتفقت مع أبو مهند على البداية الجيدة..!! أتيت وكنت أحسب أن الشباب قد علموا بالخبر.. وتفاجأت أن الخبر لم يعلم به أحد..!! بعدها كبر في عيني أبو مهند.. وبالفعل كان هذا الأمر حافز لي بأن استمر على ما قلت..

    ***

    (34) مفترق طرق..
    أصبحنا اثنين بعدما كنا أربعة.. فقدنا حمد..! وراكان لم يعد يماشينا بعد ذلك اليوم..!! أصبحت أنا وإبراهيم مع بعض خصوصاً إنه معي في المدرسة.. وكانت المدرسة مجمع شلل إن صحت العبارة..!! نذهب ونأتي ونجلس سوياً.. كنت أنقد على إبراهيم استرساله مع بعض الأشخاص خصوصاً عندما يتكلمون عن سفاس الأمور..! كنت أقول إبراهيم مثل هالأشكال تضرك ولا تنفعك.. يا إبراهيم أنا عايشتهم وأعرف خفاياهم..!! وكان يرد علي بأنك تشدد في بعض الأمور..! لابد نعكس الصورة عن الملتزمين..! وش يمنع تضحك وتسولف معهم..! الأمور بدأت تتدهوراً..! وفعلاً أصبحت أعيش في غربة..!إبراهيم كما توقعت بعد فترة كثر غيابه مع الشباب..!! بل أحياناً أجلس وحيداً في فناء المدرسة..! لأنه صار يأتي إلى أماكن الشلل ويجلس إليهم..!! مرت الأيام وإذ بي أتفاجأ..!! بأن له طلعات وكشتات مع بعض طلاب الفصل..! ويتحجج بغيابه عن الشباب بانشغاله مع الأهل..!! لازلت أذكر ذلك اليوم الذي اقشعر منه شعر رأسي..! عندما دخل وقد أسبل الثوب ومسح الموس على خده..!! وينظر لي بنظرات ولسان حاله يقول "اقطع علاقاتك بي فلم تعد رفيقي بعد اليوم"..!! شعرت بالوحدة والخوف..!! كيف يا إبراهيم تنكبت الطريق..! بعدما كنت تقول لابد نعكس النظرة...!! هل هذا أسلوب الدعوة التي تقول..!! أصبح ذلك اليوم مثقل بالهموم..!! في الحلقة لم استطع أن أحفظ آية واحدة..!! وعلامات الهم على وجهي..!! ذهبت إلى أبو مهند وقلت أريدك بكلمة رأس..!! قال خلاص ترجع معي.. في السيارة بدأت أنثر همومي وما لاقيت في المدرسة وحال إبراهيم..! حنى أبو مهند رأسه قليلاً.. وقال يا سامي هذي بداية الطريق..! كم أعرف والله شباب كثير انتكسواْ وهجرواْ الهداية..! ولكن لا عجب يا سامي فالعجب كل العجب ممن ثبته الله حتى وافته المنية..!! فالفتن عظيمة والشهوات جسيمة..! فنحتاج إلى صبر وإلى صدق مع النفس...!! ويا سامي ستجد من يستهزي بك ويسخر بل يسب ويشتم..! ولكن هل نتنازل لمثل هذه الترهات.. لا بل هذا مما يزيد يقيننا بهذا الطريق... سامي الصحبة الصحبة في هذا الزمن هي من أعظم أسباب الثبات.. فأنا أقول الشباب أكثرهم يجتمع في مدرسة واحدة فلماذا لا تلحق بهم..!! تعينهم ويعينونك على الخير.. نزلت في البيت وقد اعتلت الهمة أعالي القمة... وزال ما في صدري من هموم.. وعزمت على أن أكون بداية الفصل الثاني مع الشباب في المدرسة.. بعيداً عن مهاوي الردى.. فيد واحدة لاتصفق...!!
    ***

    (35) نشاط الشوق..
    مع عودة الطلاب إلى المدرسة في الفصل الثاني..كنت قد حضرت إلى المدرسة التي يقطن فيها الشباب مبكراً.. جلست أترقب أي واحد من الشباب.. دخل عماد صاحب الدعابة (والصرقعة) انطلقت إليه فهو أول شكل أعرفه بين جموع الطلاب.. وجلسنا نتحدث ويحدثني عن حماس الحلقات هنا.. فهناك أربع جماعات مدرسية كل جماعة تحت إدارة حلقة يكون فيها طرح برامج والطلاب المتميزين يلتحق بالحلقة.. فهي بحق فكرة دعوية رائدة.. والشباب الآن في مقر الجماعة يجهزونها لاستقبال المستجدين في هذا الفصل.. فودنا تكون في لجنة الاستقبال.. لأن أسلوبك رائع.. وأي شخص توسم فيه الخير لا تتردد بدعوته لزيارتنا في المقر..! ذهبنا نريد الدخول لكن النظام منعونا.. فلذلك جلسنا حتى بدأ الطابور وافترقنا وأنا لا أعلم أين مقر الجماعة والوعد الفسحة..! عندما دخلت الفصل..كانت الحصة الأولى فترة يكثرها الصمت ثم بدأت الأصوات تعتلي شيئاً فشيء..!! كان بجانبي طالب عليه سيما الصلاح.. سألته من أين وكيف وهل أنت في حلقة..؟ أخبرني بأنهم قد نقلو من بيتهم من الحي الفلاني إلى الحي المجاور لنا..! كانت فرصة لنتبادل أطراف الحديث.. وكنا على وشك انتهاء الحصة الثانية..فأخبرته أن لنا جماعة ولازم يزورنا .. قال أنا خويك..! طلعنا بعدما رن الجرس صراحة لم أعلم أين مكان الجماعة.. دخلنا المقر وسجلواْ الأسماء.. وكان البرنامج طريف وممتع.. ولكن الغريب لم أرى الشباب..! في الحلقة سألت الشباب وكانت الطرافة..!! أني دخلت جماعة غير جماعة الشباب.. في اليوم التالي رجعنا إلى الأصل..! كان صاحبي المستجد ملازم لي فهو لا يعرف في المدرسة إلا أنا...! في الجماعة كان تقاسم الأعمال جداً رائع ويشعرك بروح البذل والدعوة.. فمن لقاءات واستضافات وبرامج ومسابقات... وكذلك الملتقى الأسبوعي وهو يوم الثلاثاء يكون هناك برنامج المغرب والعشاء رياضي والمقصد منه هو التعرف أكثر والتداخل مع طلاب الجماعة وشباب المكتبة.. صراحة كان هذا النشاط دافع ومرغب لي في الحضور للمدرسة.. ولعل من أولى ثمراته هو دخول صاحبي عبدالله معنا في الحلقة..
    ***

    (36) انبساط مشاعر..
    كان الفصل الدراسي نقلة نوعية لكثير من الشباب في الحماس وكذلك في ارتفاع الاهتمامات..!! ولعلي أنا أول تلك المجموعة حيث كان الفصل الأول فترة تأرجح..!! نعم فلم يكن هناك جدية بل تشتت في الأهداف... وكذلك الضغوط التي واجهتني من الأقارب والأصدقاء واستهزائهم بي..!! لو لا أن من الله علي بأب يشفق علي ومشرف يهتم لحالي..! لربما كنت في سلك من سقطواْ... فالاستقامة ليست مسألة مظاهر وأشكال ونكتفي..!! علمت من الفترة الماضية أن المخبر هو الجوهر.. وأن الأصحاب ليسوا سواسية فهناك من يرفع همتك ويعينك على الطاعة وهناك من يثبط من همتك ويخذلك عن الطاعات.. كنت أتحدث مع رفيقي الجديد عبدالله عن انطباعه عن الحلقة... فقال لم أكن أتوقع أن أجد مثل شبابنا السابقين ولكن ولله الحمد وجد من هم أفضل نحسبكم والله حسيبكم.. فكانت مصاحبتي له خير صحبة.. كان بعض الشباب يرسلون فيما بينهم عن أوقات الفرص مثل صيام الاثنين ودعاء الجمعة وغيرها من الفرص العظيمة التي تمر علينا في كل حين.. وكان هو من ضمن من يذكرنا بها..بالفعل أحسست أن كثير من الشباب تميزوا عن ما كانواْ عليه في السابق.. أذكر درس مشرفنا أبو يزيد في إحدى الطلعات بعنوان كان جميل ومعبر "قلي من تصاحب أقل لك من أنت" وكان من ضمن حديثه أننا في الحلقة الجميع فيهم الخير ولكن هناك شخص تشعر عندما تصاحبه أنك تجتهد وتتميز عما كنت عليه وترتفع همتك..! وهناك من إذا صاحبته ربما تفتر وقد تبقى على حالك...!! فكانت هذه الكلمات نقطة تحول وتغير مسار... وكان هذا أول درس يحضره صاحبي عبدالله.. وأْعجب به.. وبدأ يتحدث عن شبابهم السابقين ومواقفه معهم.. كانت هناك نعرات وتعصبات بل عندما يتحدث عن مجالسهم يقول تسمع الغيبة والسب والطعن في بعض وهذا هو الغالب..! صحيح كان هناك شباب لا غبار عليهم وكذلك مشرفين فعلاً قدوات... كان الفصل الثاني بداية موسم الشتاء.. وطرح مشرفنا أبو عمر فكرة بناء مخيم خاص بالشباب لأننا في الشتاء لا نحتاج الاستراحات بقدر ما نحتاج المخيم.. والأموال التي تصرف في الاستراحات ممكن تصرف في بناء مخيم لنا ولمن خلفنا وربما يعود علينا بشيء يدعمنا في مسيرتنا...!! كانت الفكرة متقبلة من الجميع وكان المخطط للعمل في المخيم الأسبوع القادم..
    ***

    (37) بناء ووصال..
    طرح تفاصيل خطة العمل في بيت أبو مهند.. وصراحة تفاجأت بأن أبو مهند لم يكن كما تصورت..!! كنت أظن انه تمر به ظروف مادية..! خصوصاً عندما أرى سيارته وعتقها...!! وتواضع ملبسه...!! ولكن عندما رأيته منزله هناك أيقنت أنه من عائلة نبيلة..!! ولكن ربما هو فضل العيش على هذه الحالة..! كان فناء البيت واسع بما تعنيه الكلمة وفي جانبه بيت شعر كبير..!! وهو الذي كان فيه الاجتماع.. وكان المطلوب من كل شخص 200 ريال دعماً لتكاليف البناء.. وكانت هناك عدة أماكن قد احتار فيها الشباب...!! ولعل الاختيار وقع على منطقة الثمامة.. خصوصاً أن هناك جهة تجتمع فيها مخيمات بعض الحلقات... وكان ذلك الأسبوع لم يكن فيه حلقة.. وبالفعل كان الجميع في شوق للعمل وكذلك للمخيم بعد انتهائه.. في يوم السبت ومع أول العصر تواجد الشباب هناك... وكانت الأرض قد تم تسويتها... ولم يبقى إلا بناء المخيم والجلسة والملعب.. كان الشغل جميل جداً.. وترتيب الشباب رائع.. كان هناك بعض الأمور تولى شغلها بعض العمال مثل السباكة وغيرها.. وكان تسليك المخيم قد تولى مهمته أبو عمر نظراً لاختصاصه وساعده بعض الشباب..أما بناء الدكة وباقي الأعمال هي للشباب... تقريباً ثلاث أيام وتم التشطيب.. ليصبح المخيم قريب على قلوب الشباب خصوصاً بعدما أفنوا فيه وقت وسال العرق من جبينهم على ثراه...! اذكر عندما أنهى الشباب "لياسة" الجلسة الخارجية ذلك الشغل الدقيق..!!! قام عماد بضغط يده على الزاوية.. لتترك تلك البصمة التي عندما أتى الشباب للمخيم تذكروها..!! ولعل من الذكريات التي لا تُنسى..!! هو درس أبو عمر "بناء الثقافة في زمن المتغيرات" كان درس جميل وبأسلوب مبسط.. وأذكر الشباب قد تفاعلواْ في النقاشات بشكل عجيب... أصبح المخيم جزء من برامج الحلقة.. صحيح كان البعد عائق نوعاً ما.. ولكن ليس لك إلا هو..!! والشباب تربطهم علاقة حمية به فليس البعد من يبدد العلاقة.. ولكن ربما كان البعد سبب في حلول بعض المصائب على الحلقة..!!!


    (38) محاكاة هموم..
    كنا في قلطة في بيت أحد الشباب... وكان الجو يضج بالسواليف وكل شخص يحادث من بجانبه.. كنت أسرق النظر لأحد الشباب ويرى على وجهه علامات الهم والغم.. يفرك أصابعه ويحني نظره... تعبيرات وجهه مشدودة نوع ما.. انتابني حاله فقلت لما لا أجلس بجانبه أسئلة عن همومه..!! أشرت إلى من بجانبه وتفاسح وجلست عنده..! سألته خالد كيف الأحوال.. هز رأسه يعني بخير.. يا لله ليس هذا خالد الذي أعرفه.!. باسم الوجه دعوب الطبع يعطي كل حال حقه تراه في الجد سباق وفي الهزل مرح... حاولت أتجرأ للغوص في الأسئلة الفاصلة..!! قال يا سامي أنا ضايق صدري مرة..!! قلت ليش..! ترى حنا إخوان وأي شيء تبي نساعدك فيه جاهزين.. وبعد عدة محاولات..!! قال أنا يمكن ما أقدر أروح مع الشباب في الأيام المقبلة...!!! ليش؟ قال أبوي تغير علينا... أصبح يشتم ويسب في أهل الصلاح ويهددني بعدم الذهاب مع الحلقة.. والسبب أعمامي...!! هم شلة فساد بيننا... يا لله كم يوم شتموني حتى خرجت من عزائمهم وأنا ابكي... وكم مرة ضربوني بل وكم بصقوا في وجهي... كل هذا لأني قصرت ثوبي واعتزلت أماكن لهوهم..!! عندما يشغلون بعض القنوات الهابطة أخرج في الملعب.. أحيان أتشجع وأنكر عليهم.. والآن أصبحت أعيش في دوامة بعدما صار أبي في صفهم... لم يقف معي إلا أمي.. هي من يدفعني إلى الحلقة دفع... بل تقبل رأسي لكي أخرج للشباب... ولكنها لا تستطيع أن تدفع الضرب عني..!أما الشتم فحدث ولا حرج ..لا أدخل ولا أخرج إلا على بعض الألفاظ البالية..!! يا سامي لا أخفيك أني كدت أن أنتكس عدة مرات...! لكني أجد نفسي مع الرفقة الصالحة أعيش في بحر من الأمان.. هم من يقف معي إذا احتجت هم من أفضفض لهم زفرات صدري.. هم من يكونوا يد العون لي على الطاعات ..أقاربي لا حاجة لي بهم... ولكن وضعي اليوم يختلف عن أمس..!! أبي في سفر هذه الأيام..!ولكن عندما يعود لا أظن أني سأكون كما كنت...! هنا تذكرت أيامي التي مضت كنت أعيش قريب من وضعه أبي يصرفني عن أهل الخير بقدر ما يستطيع ويزجرني وأبوه كذلك..!! انتهت القلطة وخرج الشباب.. وخرجت معه ممسكاً بيده.. قلت يا خالد ما من ضائقة إلا بإذن الله ستنفرج.. وشرحت له ما كنت عليه في السابق.. وقلت عليك بالدعاء واشك همومك لمن بيده قلوب العباد.. وستجد أبواب الخير مشرعة أمامك..

    ***

    (39) التماس ذكرى..
    في آخر العصر لم يبقى لي إلا وجه واحد على المقدار اليومي... كان الوجه صعباً نوعا ما..!! أتيت إلى أبو عمر وكنت اسمع وبالي مشغول لأن أكثر الشباب قد ركبوا سياراتهم لينطلقواْ إلى أحد الملتقيات الدعوية في جنوب الرياض.. أبو عمر فهم أني مشغول البال وكان يتبسم..! وقال لن تذهب من هنا حتى تسمع ما عليك..! وبعد جهد جهيد أنجزته ولله الحمد.. كان أبو يزيد في انتظاري.. وركبنا متجهين إلى الملتقى.. وأبو يزيد يتميز بالبساطة والدعابة مع كثير من الشباب... فلذلك رغم طول الطريق إلا إننا لم نشعر به... وكان فيه طبع عجيب عندما تسأله عن شيء لا يمكن أن يجيبك حتى يعرف وجهة نظرك ثم يجيبك..! وصراحة استفدت من هذا الأسلوب الكثير.. فهو أقرب لتفهم وجهة نظر الطرف الآخر قبل أن تقحم برأيك..!! في الملتقى كانت هناك جموع غفيرة من الشباب الصالح والطالح..!! أبو يزيد قال كل اثنين مع بعض والوعد الساعة 9:15 .. انصرفت أنا وعبدالله نتجول في الملتقى وأقسامه.. كانت الابتسامة على محيانا عندما نرى مثل هذه الجهود الطيبة والإقبال عليها.. كانت هناك شلل يمنة ويسرة... وقعت عيني على شخص ليس بغريب علي..!! يا لله حمد..!! بهذه الهيئة..!! كان مع رفاقه والسيجارة يلوح بها بيده..!! مسكت يد عبدالله واتجهت إليه..! عندما نظر إلي ألقى بالسيجارة.. واكتسى وجهه بالحمرة..!! رحب بي وأمسكت بيده...عبدالله تنحى عنا قليلاً... وبدأت أسأله عن أخباره.. وكان يسأل عن الشباب.. نعم لا يزال فيه خير... ولسان حاله متى تعود تلك الأيام ونظارتها..!! في نهاية حديثي معه..قال كلمة حركت مشاعري..قال الله يثبتك يا سامي.. والله إنكم في نعمة ما يعرفها ألا من فارقها..!! وألح علي بأن ابلغ سلامه إلى الشباب وودعني وذهب في سبيله.. رجعت إلى عبدالله أقص عليه حال حمد... ثم هزت مشاعري كلمة خاطفة من إحدى الشلل بجانبنا..!! اقشعر منها جلدي.. نعم فلقد أعادت لي شريط الذكرى.. سبحان الله هذه الكلمة كنا نقولها صباح مساء وكأنها من قويم الكلام..!! لكن عندما سمعتها الآن تغير إيقاعها في أذني...!! أحسست ببرود في جسمي لأني تذكرت نعمة الله علي بهذا الطريق... يالله كم من شخص يسب ويشتم في أهل الدين وهو والله لم يذق طعم الهداية... رجعت إلى البيت ولا تزال تلك الكلمة تسير في همومي..

    ***

    (40) محطة عبور..
    صوت منبه هايلكس أبو مهند عند الباب كانت الساعة9:30 يوم الجمعة...ذهبنا للمسجد الذي اعتدنا على سماع خطبه الجميلة... في الطريق كان مع أبو مهند معه ربع توله عود أظن سعرها يتجاوز 300 ريال..!! يطيب بها الشباب..!! أحد الشباب حركته كثيرة..! وكان راكب معي في الخلف... وبين عشية وضحاها انسكب العود على ثوبه...!! وفاحت الرائحة بقوة... لم يبقى فيها إلا بقايا شذى..!!! تلعثم لسانه واحمر وجه...!!! أنا أحسست برهبة الموقف وليس لي دخل بالموضوع.. فكيف بصاحبنا...!! سكت قليلاً... ثم قال يا أبو مهند..! نظر أبو مهند مع المراية الوسطى.. وقال صاحبنا المعذرة يا أبو مهند...!! الطيب انكب..!! لم أتوقع رد أبو مهند بهذا البرود..!! قال يفداك الطيب وصاحبه...!! يالله كم هي فرحة صاحبنا بهذا الرد..300 ريال لم تقم شيئاً عند أبو مهند..! في المسجد وصاحبنا بتلك البقعة البنية في ثوبه..!! ورائحة الطيب تفوح في كل مكان...كنا نحفظ ونسمع حتى الساعة11 ثم نقرأ سورة الكهف بعدها..كانت الخطبة عن أحوال المسلمين.. أبو مهند كان بجانبي...!! الدموع تبرق من على خديه..! كيف وهو يرى الأعداء قد أناخوا ركابهم يمنة ويسرة.. وشباب الإسلام في غفلة لاهين في دنياهم.. نسو أنهم سيسألوا عن هذا الخذلان.. نسوا أن التاريخ سينسج هذا التخاذل على صفحاته...!! عندما رجعنا للبيت حدثنا أبو مهند عن بعض البشريات... وكان المشرف عليه قبل عدة سنوات قد استشهد في بلاد الشيشان... وصاحبه فلان... هناك علمت وأيقنت أنهم لم يضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله إلا لعلو همتهم.. وإلا فمن يطيق البعد عن أهله ومن يطيق الجوع والعطش..من يطيق ألم الجراح..من يطيق سطوة الأسر..!! كل هذا يهون إذا كان الهدف نبيل..! جلست أتحدث مع أبي عن تلك الخطبة المدوية...!! وثارت شجون أبي..وبدأ يتصفح الماضي ويسترجعه...!! يذكر أصحاب له أيام حرب الأفغان الأولى... ما أجمل الحديث عن سير أبطال زماننا..!!كان ذلك اليوم..! محطة لنتحسس أخبار إخواننا ولو لم نسر في ركبهم..فحديثهم يعيد الفأل في نفوسنا المتذمرة.. ويحيي آمال الأمة..

    ***

    (41) ثلاثي المحبة..
    مع هبوب نسائم الشتاء وهطول الأمطار.. استلمت ورقة موافقة بعنوان "المخيم الثلاثي" كم هي فرحتي قوية.. بهذا البرنامج.. ستشاركنا حلقتين وهم حلقات طيبة وحلقات الأنصار.. أمامنا أسبوع لننجز البرامج الموكلة إلى حلقتنا.. وتمر الأيام كعادتها.. وجمعت أغراضي وكأنها رحلة إلى القطب الشمالي..!! كنت عندما أريد ربط عفشي إذ بأمي تأتي بكومة ملابس أخرى...!! انطلقت ركابنا نحو نفود الدهناء...تسع سيارات مابين جيوب وهايلكسات.. عندما وصلنا المكان.. كان هناك مجموعة هي التي تشتغل أما باقي الشباب يتفرجون..! وأتي أبو يزيد وقام برمي الأعمال على الجمهور..!! ليصبح المكان يضج بالحيوية..!! في الجلسة الافتتاحية في الخيمة الكبيرة.."3عمدان" كنا نتكل حول بعضنا وهكذا بقية الحلقات فلا أحد يعرف الثاني..شد انتباهي..!! ثلاث أشخاص أعرفهم جيداً...!! يالله كيف تجمعنا بعد طول غياب..!! هم من وقف معي في مصيبتي..هم من كنت انتظر قدومهم..هم من سقى حب الخير في قلبي..إنهم الشباب الذين كانوا يزوروني في المستشفى..وذاك الذي كان مرقد بجانبي...شدتني فرحة اللقاء لأجلس بجانبهم..بعدما نهى أبومهند وبقية المشرفين كلماتهم عن برامج المخيم.."ثلاثي المحبة"جلست إليهم كانت مفاجأة لهم فهم لم يروني عندما كنا ننزل العفش..لأن العدد كبير قد تجاوز الستين..!! ما أحلى تلك الليالي رغم برودتها ثلاث أيام تمنيت لو كانت شهر من متعة البرامج فيها وأُنس الأصحاب.. رأيت هناك شباب لا تسل عن أخلاقهم لا تسل عن جهدهم في العبادة..حتى في آخر الليل رغم برودة الجو.. تجد بعضهم ينتشر في ساحات المخيم منتصب قائم وذاك مبتهل يدعو.. بالفعل كانت أجواء إيمانية رائعة.. في التحلق للدروس ترى السمت العجيب..! الكل يصغي لما يقال..وذاك يشارك ويقول.. تجد التعاون فيما يطرح.. ثلاثة أيام وستين شخص أصبحنا وكأننا مع بعض منذ زمن بعيد..! أذكر في برنامج أخرج مكنونك! ألقى أحد شباب الأنصار قصيدة من تأليفه كانت من أجمل ما سمعت..وفي برنامج صراحة ومع وجود أولئك الشباب.. تكلمت عن بداية الهداية والمواقف التي مرت علي..وغيره من المشاركات الجميلة..في يوم الجمعة بدأت الغيوم تتلبد في السماء.. وكل شخص يجمع عفشه..ثم أتت المعاناة القوية.. وهي فك الخيام ودف السيارات المغرّزة لم نخلص من المعاناة إلا قبيل المغرب..لتغرب شمس المخيم بعدما أشرقت بالمحبة والوداد بل الفعل كانت لحظات قاسية..بعد ذلك أتت لحظات الوداع..فتجد من يأتي إليك ويطلب منك الصفح والحل...وذاك يعانق صاحبه..وذاك وذاك.أيام لا تُنسى استفدنا منها الكثير.. وتجد الجميع يطالب بمثل هذا المخيم في السنوات القادمة.. ولم نكن نعلم أن الفراق الأكيد سيطوي هذه الصفحات لتبقى في تاريخ الذكريات..!!
    ***

    (42) تاريخ لا يُنسى..
    في ثاني ثانوي وفي مخيمنا العامر.. الجو دافي وعلى أواخر الصيف.. كان هناك لقاء مع أحد المشايخ بعنوان "كيف نستقبل رمضان" كان أسلوبه رائع ومشوق خصوصاً عندما يضرب بعض الأمثلة من واقعنا..!لسان حال الشباب متى يأتي رمضان.. وكان باقي على الشهر الفضيل أسبوع واحد..! وكذلك كان هناك دورة علمية عن رمضان وعن مسائل الصيام.. قبل رمضان بيوم صراحة لم يكن لي أمور أو برنامج في رمضان غير برنامج الشباب..!! أتصل بي فواز صاحب الظل الخفيف..وقال أنا وثلاثة من الشباب سيكون لنا برنامج وهو أننا نجتمع في مسجد(..) أحد القراء من بعد صلاة العصر وحتى التراويح ثم نذهب للحلقة مع الشباب..!! لم يكن هناك مجال للتردد فوافقت على ذلك..! بالفعل كانت أيام جميلة نجلس من بعد العصر بعد الرجوع من الدراسة نتلو كتاب الله وحتى المغرب.. ثم بعد الإفطار نحفظ المقرر علينا في الحلقة.. وعندما نأتي بعد التراويح نسمع مبكرين وننصرف إلى بيوتنا.. وكذلك نصلي الفجر مع أحد الأئمة القريب من بيوتنا.. ونجلس نتلو حتى الإشراق ..نصلي حينها الضحى وننصرف إلي بيوتنا..كان اعتكاف مصغر.. انقطاع عن كثير الملهيات التي يتشاغل بها الكثير عن الاجتهاد بالطاعات.. أيقنت حينها أننا بحاجة إلى من يعيننا على الخير وإلا كيف سأطيق مثل هذا إلا إذا كان لي صديق معين أمثال هؤلاء..ولعل النصف من ذلك الشهر يوم لا ينسى عندما أتممت حفظ القرآن الكريم.. ختمت عند أبومهند لتواصله معي وتشجيعه لي بل كثير ما كان يسأل عن حفظي.. كان يقول أريدك في حلقتي لتنظم لبرنامج التميز ولم يكن ذلك إلا للخاتمين يحفظون فيه بعض المتون وتكون المراجعة بطريقة قوية لا يدخلها إلا المتميزون..في الآيات الأخيرة من سورة البقرة تلعثم لساني آيات نرددها في اليوم والليلة ولكن لرهبة الموقف ضاع الحفظ..أبو مهند يبتسم ومع ذلك دموعه تترقرق من على عيونه.. بعد أن انضويت إلى ركب الخاتمين.. قام وعانقني ويدعو بدعوات لم أفقهها..!! لأنني كنت أعيش في جو آخر..! وكذلك حال الشباب معي وكأنني سأزف إلى عروس من ما أسمع من التباريك والدعوات.. عندما دخلت البيت وبشرت أبي بالخبر قبل رأسي وقبلت يده ودموعه من على خده تنساب فرح بهذه البشارة وكذلك أمي..بل أصر أبي على وضع وليمة للشباب.. انتهى رمضان وودعنا كما مضت أيامه.. بعد رمضان اتصل الشباب يشاورون في موعد المعايدة كان أغلب الشباب مسافرين مع أهلهم فلذلك كانت المعايدة في سادس العيد... لبست جديد الثياب في ذلك اليوم واتجهنا إلى المخيم.. جميع الشباب تواجدواْ إلا سيارة أبومهند تأخرت لأن أبومهند مشغول وسيأتي مع المغرب.. ووليمتنا في هذا اليوم..!

    ***
    (43) أعمار معدودة..
    مع غروب الشمس وفرحة العيد... الابتسامة يشع بريقها من على الشفاه.. ما أحلى لحظات السرور.. وما أقساها إذا عقبها الحزن والكدر..!! أبومهند ومن معه قد تأخرواْ فلم يبقى على أذان العشاء إلا القليل..! سألت أبو يزيد عنهم.؟ وقال جواله ما يرد عليه.. اتصلت براكان وكذلك لم يرد..! اتصلت بفواز..! عماد..!! الجميع لا يرد على جواله..!! كررت الاتصال على أبو مهند أصبح الآن مقفل..!! وكذلك من معه..!! دلف الشباب إلى الملعب.. وجلست انتظر قدوم سيارة المطعم لأجهز العشاء.. عندما وصل صاحب المطعم إلى المخيم وكان هذا بعد ساعة ونصف من صلاة العشاء... أتى إلي أبو يزيد واستأذنني واعتذر لي عدم مشاركته للعشاء الليلة لوجود ظرف طاري له.. وانصرف وبقي مع الشباب أبو عمر.. قبل ما يشرع الشباب في العشاء كررت الاتصال على أبو مهند لعل وعسى أن يفتح جواله..!! يالله مقفل كم تمنيت والله وتشرفت لو حضر خصوصاً هو من ختمت على يده...بعد الانتهاء من العشاء الكل يدعو بالخير والضبط للقرآن.. انصرف الجميع ومضت الركاب إلى البيوت.. اليوم كان طريق الثمامة يعج بشباب التفحيط...!! يُعبرون عن فرحة العيد ولكن بطريقة خاطئة..!! يالله كم أمقتهم وأكرههم..! فأنا أعرف خفايا تلك الجموع... فجأة إذا بتجمهر عجيب في إحدى التقاطعات..!! دوريات وإسعاف وضجيج منبهات.. لا ترى إلا أنوار الدوريات تسطع على السيارات.. لم يهمنا الأمر..! وإذا بسيارة أحد الشباب ممن سبقنا في الخروج من المخيم متوقفة على جانب الشارع.!. وكذلك أمامه سيارة أبو يزيد وباب سيارته مفتوح..!! لم أرى الحادث من زحمة الناس..!! عندما نزلت شعرت بخوف عجيب.. نزلنا نتخطى الجموع.. يالله أبو يزيد وحوله بعض الشباب ذاك يبكى وهذا واضع شماغه على وجهه وذاك وذاك..! أحسست أن المصيبة قريبة منا...! يالله ما الأمر مالخطب..! هناك وبين زحمة الناس أشخاص قد استلقواْ على الأرض..!! الدماء قد كست ثيابهم وساحت من حولهم..!! انظر فلا أكاد أن أصدق ما تراه عيوني..أمسح الدمع وأعيد النظر..!! ازدادت خفقات قلبي وانتفضت أطرافي..أشد على يدي وأسأل نفسي هل هذه سيارة أبو مهند أم تشابهت في عيوني...؟؟ أتى أبو عمر يشق الصفوف قد هاله الخبر..! أتى إلى ذاك الرجل المسجى بشماغه..!! تحامى على نفسه وكشف عن وجهه..! وينظر في صمت عجيب..! والدمع يعبر عن المشهد نعم لقد ماتواْ جميعاً.. مات أبومهند ومات راكان،،فواز،،عماد..آجال معدودة وإن طال العيش بها..!

    ***


    (44) عبرة وداع..
    بدأ الطريق يشتد الزحام به.. فأمر رجل الإسعاف بنقل الموتى من على الطريق إلى الجهة الأخرى.. هب الناس وحملواْ الشباب بقي راكان قمت بحمله أنا ورجل الإسعاف.. والدم يثعب من جسده على ثوبي..!! يدي امتزجت بتلك الدماء الطاهرة..! لا أدري كيف حملته فجميع قواي منهارة..!! بعد فترة أتت سيارة الأموات وحملت رفاقي دربي... وحملت الأموات من السيارة الثانية..سيارة الكامري التي أضاعت مسارها بطيش مراهقة..!! لترتطم وتقتل تلك الأنفس العابرة سبيلها من غير ذنب..! قضاء وقدر ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون" بقي هناك شخص عزيز وقريب من قلبي..! خالد ربما لم يحضر معهم.. ويخطف هذه الخواطر ويأتي بالخبر أحد الشباب بأنه منوم بالعناية المركزة..!! سبحان الله هو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من ذلك الحادث.. انفض الناس وبدأ المكان يتنفس شيئاً فشيء..!! ليس أمامنا إلا أن نرجع إلى بيوتنا ننتظر خبر وموعد الصلاة عليهم ودفنهم... ركبنا السيارة صاحب السيارة لم يستطع التحرك..!! يمسح الدمع من على خديه يضع يده على رأسه.. سرنا ببطء شديد..! نسكت تارة ونصبر أنفسنا تارة ونبكي تارة.. يالله ما أقساها من لحظات... قال صاحبنا ودي أتطمئن على صحة خالد.. عندما وصلنا المستشفى... وطلبنا اسم المريض.. قالوا هو إن شاء الله بخير وتحدث معهم قبل قليل..! ولكنه متعب جداً ولا يمكن الدخول عليه حتى من أهله..!! تأخرنا كثير الساعة قريباً من الثانية والنصف...! أبي وأمي يتصلون علي من الساعة 12 وأنا لا يمكنني أن أرد فكونهم يتوجسون أفضل من أن أكلمهم وأخر باكيا فيحصل مالا يُحمد عقباه..!! نزلت عند البيت وعندما هممت بالدخول..!! اضطربت العبرات.. تنحيت عن الباب وبكيت حتى هدأت نفسي.. عندما دخلت وجدت أبي وأمي في الصالة ينتظروني والخوف على محياهم..!! نظرت أمي إلى الدم على ثوبي.. أبي كذلك.. صمت يخيم على هذه اللحظات..!! سامي وش السالفة..!! اتجهت إلى غرفتي مسرعاً.. لا أريد أن أنطق بحرف فالبكاء قريب مني..!! دخلوا معي أمسكني أبي بقوة.. سامي ما الأمر..؟؟ التفت إليهم وقد ضبضبت عيوني..!! أبي خوياي ماتواْ..!! فك أبي يده ونظر إلي وهو مشدوه..!! من؟؟ أبوي أبو مهند مـــــــات..!! ولم استطع أن أعد بقية الشباب..!! أبي وأمي عندما أكملت الحرف الأخير من أبومهند..! ارتفع بكائهم.. أبي لا يسمع بمثل هذا الشخص فهو يكن له خالص التقدير.. وأمي أصبحت تعرف عنه الكثير من كثر حديثي عنه..! دخلت الغرفة وأحكمت إغلاقها.. وجلست أحاول أن أهدي من نفسي.. فجسمي أصبح ينتفض وكأننا في برد قارص..!! أُصبرها واذكرها بأجره لعل السكون يعود إلى جسمي..

    ***

    (45) نظرة وداع..
    تذكرت هدي المختار صلى الله عليه وسلم.أنه إذا نابه أمر هرع إلى الصلاة.. قمت وتوضأت وبسطت السجادة في غرفتي.. وصليت ما كتب الله لي ودعوت الله أن يغفر لهم جميعاً وأن يصبرنا على فقدهم.. وأنا في أثناء الدعاء.. وردت رسالة على جوالي.. وكان هذا قبل الفجر بدقائق معدودة... لم انتهيت.. ذهبت مسرعاً لأقرأ الرسالة... تمنيت أني لم أقرأها...!! فقد جرحت الجرح مرة أخرى.. رسالة من أبو يزيد ونصها "إنا لله وإنا إليه راجعون..أحسن الله عزاء الجميع فقد توفي خالد قبل قليل وستكون الصلاة على الجميع عصر اليوم" أصبحت أعيد النظر وأدقق لعله خيال... ولكنها الحقيقة.. ذهبت إلى المسجد وجلست فيه حتى بعد الصلاة إلى قريب الإشراق.. النوم ليس له طعم بل لا أشتهيه بالرغم من تعب جسمي وإرهاقه..!!بعد صلاة الظهر ذهبت مع أبي إلى مسجد الراجحي..!! زحمة شديدة من أقارب الشباب ومن الحلقات الأخرى.. ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم..! بعد قليل جاءت سيارة الإسعاف وجاءت الثانية.. وقاموا بإنزال أحباب قلبي قد غطواْ أجسادهم وأدخلوهم إلى مغسلة الأموات... لحظات انتظار طويلة استمرت ما يقارب الساعة والنصف..ثم قالوا ليدخل الأقارب.. ثم بعدها وبعد محاولات من المشرفين.. دخل الشباب فقط.. منظر خفق له قلبي بقوة... عندما تنظر إلى حبيب هي نظرة أخيرة لك في هذه الحياة.. أدمت النظر أطلته..!! حتى أتى دوري وقبلت جبين أبو مهند ورائحة المسك والكافور تفوح في الأرجاء لم أنساها بل ستبقى عالقة في ذهني.. سبحان الله هذا أبو مهند الذي كان يعيش بيننا يوجهنا ويشجعنا بل ويسأل عنا إذا غبنا... وانظر إلى راكان سبحان الله هذا الذي شمر في الجد وختم القرآن قبلي بكثير شتان بين نظرتي لك عند دخولي مع الشباب ونظرتي لك الآن.. انظر إلى فواز ذلك الشعلة بين الشباب عندما يرى الشباب يغتابون شخص ويشتمونه يزجرهم ويوبخهم أيما توبيخ! لم أنسى رسائل التذكير بصيام الاثنين ودعاء آخر ساعة من يوم الجمعة.. انظر إلى خالد الذي عانى ما لاقاه في طريق الاستقامة شتم وضرب بل وبصق على وجهه كل ذلك لأنها سلك درب الهداية واليوم ألقى بالمعاناة خلف ظهره ولقي الأجر وجزيل الثواب إن شاء الله... عندما انظر إلى عماد صاحب الوجه البشوش من أرض السودان عاش مع الشباب أحلى الأيام لم تفرق بيننا تلك الحدود الكل سواسية تجمعنا الأخوة في الدين.. واليوم شدوا رحالهم بعيداً عن لهو دنيانا.. اللهم أرحمهم ولا تفتنا بعدهم..

    ***

    (46) فراق طويل..
    بعدها تم حمل الجنائز إلى مكان الصلاة... صففنا في الصف الأول مقابل باب الجنائز.. لحظات تأمل وتفكر حتى حان موعد صلاة العصر.. بعدما فرغ الإمام من الصلاة جلس يستغفر..ثم التفت وقام وفتح الباب..!! تقدم الإمام وقال المتوفون خمسة رجال.. كان المسجد يموج بكثرة المصلين... كبر وكبر الناس... عندما سلم هب الناس يبتغون الأجر في حملهم.. وقفت لم أتحرك وأرقب المنظر بهدوء شعر رأسي أقشعر..!! ثم انصرفت مع الشباب علنا نسبق الزحمة.. في المقبرة وبين زحمة الناس..وضعت الجنائز أمام بعض فهناك مجموعة كبيرة لم تشهد الصلاة عليهم في المسجد.. كنت أحاول أن أكفكف الدمع من عيوني.. سبحان الله أبو مهند عرفته ببشته الذي كان يلبسه في حياته... أكثر الشباب لم يستطع فعل شيء.. والبعض ومنهم أبو يزيد كانوا يجتهدون هنا وهناك.. خمسة قبور متجاورة..!! عادت بي الذكرى.. التفافهم حول أبو مهند في الحلقة وتسميعهم له..عندما انتهى الدفن.. تسمع نداء بعض من حضر "لمثل هذا فأعدواْ" وآخر يقول لا تنسوهم من دعواتكم فإنهم الآن يسألون..!! أبو يزيد عندما فرغ من الدفن أتى ليغسل يده من بقايا الطين..! في هذه الأثناء انفجر بالبكاء تجمع الشباب حوله..! وتجمع الناس ظن منهم أننا من أقاربهم.. وهكذا بقية من حضر.. وتوالى الناس معزين حتى شارفت الشمس على الغروب..! انفض الناس وبقي الشباب.. أبو يزيد متعب جداً..! وأتى أبو عمر وقال لجميع الشباب من حق إخواننا أن نقف مع أهلهم ونساعدهم في العزاء.. لذا سنتقسم إلى مجموعات كل مجموعة تمكث ذلك اليوم في بيت وهكذا حتى ينتهي العزاء.. عندما فارقنا أرض المقبرة وانقطع الوصال إلا بالدعاء لهم.. غابت شمس ذلك اليوم وقد أمسواْ في مصاف الأموات... اللهم أرحمهم وأكرم نزلهم ولاتفتنا بعدهم.. ما أسرع أيام الدنيا..!! سنتين عشنا فيها سوياً وتجمعنا على كتاب الله عزوجل كم ذهبنا وكم أتينا وتنقلنا في الأسفار وشتى الدروب.. واليوم وكلمح البصر ينصرفون من هذه الدنيا الفانية إلى آخرة باقية..!! بعد أيام العزاء.. رجعت إلى بيتنا.. وهدأت النفس بعد مرارة مالاقت..!! أسبوعين لم يكن هناك أي اتصال من الشباب ..!!! أُسلي النفس بذكرى محيا وتقاسيم تلك الوجوه عليّ لا أنساها..! فالعهد طويل ونسأل الله أن يجمعنا بهم في جنان الخلد..
    ***
    (47) مآثر فقيد..
    أسبوعين في انقطاع عجيب..!! كنت أشعر بفراغ قاتل..!! جلست حينا اقلب بعض الأوراق التي احتفظت بها.. كان من ضمن الأوراق صورة قد أخفيتها في الدرج ونسيتها..!! صورة أبي التي أخذتها من أمي في مزرعة جدي رحمه الله..!! الآن هي فعلاً صورة أبي.! أما في السابق فكنت لا أصدق بأنها له..!! أبو أنس لا حرمك ربي الأجر فقد تغير الكثير بسببك...! ومن بين الأوراق مجلة أول ما دخلت مع الحلقة.. كان فيها مقال لعماد فقد كان رحمه الله يمتلك أسلوب كتابي راقي.. أوراق كثيرة ولكن شدني بل وجعلني أسرح في فكر عميق..! كتيب "ما الهم الذي تحمله" للشيخ ناصر العمر حفظه الله.. عندما فتحت أول غلاف الكتيب..!!! كانت هناك كلمات مصفوفة على زاوية الصفحة بالخط الأحمر.. في ختامها "إهداء من محبك والداعي لك بالخير(أبومهند)" يالله يالها من حروف أعدت النظر فيها وتأملت فيما كتب...!! رحمك الله يامن كنت نبراس لنا في ملمات الطريق.. في نهاية الاسبوع الثاني وبعد أن بدأت الدراسة..اتصل أبو عمر يخبرنا أن هناك طلعة.. تجهزت وطلعنا في استراحة..!! فالمخيم بعيد..!! وطريقه وعر..! وملي ببعض شباب السخافة..!! هناك في الاستراحة الشباب لم تعد الابتسامة كما كانت.. بل أحيانا اخرج الجوال لأتصل على أحد الراحلين ناسياً..!! فأتذكر وأعود ويعود الحزن..!! كان أكثر حديث الشباب عن مآثرهم..!! شدتني كلمة لأحد الشباب الذين كنت أتوقع أنه سيترك الشباب.. لما كنت أرى منه بعض التصرفات وكثر الهزل.!. فقال بصراحة أدهشت الجميع.. يقول كنت أتحدث أنا وواحد من الشباب عن مباراة كانت بالأمس..!! ولا نريد الشباب أن يسمعوا حديثنا...وكنا متحمسين في التحليل الرياضي..!! فواز رحمه الله سمع ما نقول.. فأتى إلينا وقال كلمة أثرت في نفسي الشيء الكثير.. قال يا شباب وش الفايدة إللي جنيناها من التشجيع..! أولاً لأنفسنا..!! لاشيء...! ولأمتنا لاشيء بل والله خذلناها..! عندما أنستنا الكورة واخبارها أخبار إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها...بل وأصبحت جل اهتمامنا..! يا شباب لنرتقي بهممنا ولا تغرنا مثل هذه السخافات..!! ولا نسير إذا رأينا الناس سارواْ في الوحل..!! حينها تغيرت النظرة وراجعت حساباتي.. فوجدت ما قاله فواز هو عين الصواب.. ومن ذاك اليوم وكرهها وقع في قلبي.. وهكذا بقية الشباب وحديثهم عن مواقف لا تنسى مع من قضى نحبه..! بل بعد صلاة العشاء لم يذهب الشباب إلى الملعب بل طاب لهم الحديث والأنس بتلك القصص..حدث حديثهم لله درهم== ففي حديثهم شرب وإسكار..!!

    ***




    (48) فريضة عمر..
    استمر برنامج الشباب في مسيره هناك فرق بين الماضي والحاضر..!! أحياناً يعتذر المشرفون عن إقامة برنامج بسبب ظرف لأحدهم وهكذا حتى قرب موسم الحج.. الشباب تعودواْ أن يحج مجموعة منهم كل سنة وكان دايم الصحبة لهم أبومهند.. أما هذه السنة الوضع يختلف تماماً..!! المشرفين لن يحج منهم أحد..!! وخمسة من الشباب يرغبون في الحج وأنا منهم فلم يتسنى لي أن أقض فريضة العمر في السابق..!! أما في هذه السنة فأنا في عزم وشوق.. عندما سألنا المشرفين كانت علامات الإحراج على وجوههم.. أبو يزيد قال السنة هذه الظاهر كل واحد "يشوف له حملة"..!! بعد يومين قالوا حلقات الأنصار ستحج هذه السنة مع مشرفينهم فلماذا لا تصاحبوهم...!! كانت بالفعل فكرة رااائعة وجميلة.. كان هناك بعض الترتيبات والتنسيقات لبعض الأمور.. عندما حان موعد السفر.. جهزت أغراضي وسلمت أمري لله وودعت أهلي.. وانطلقت الرحلة.. تشق طريقها إلى أرض الحجاز.. كان أحد مشرفيهم فيه صفات تشابه أبو مهند في طريقة كلامه.. وفي أسلوبه في التوجيه.. وكان يتكلم عن أمور يجب أن نتفهمها في الحج.. وقال مهما تكلمنا عن الحج والمناسك لن تستوعب الفكرة إلا إذا كان هناك تطبيق عملي.. وبالفعل كنت أسمع وأبني تصورات ولكن في الواقع اختلفت النظرة تماماً..!! كان كثير ما يوصي الشباب بالترفق وأن لا ينزعجوا من تصرفات الحجاج فالناس كثير والطبائع مختلفة..!! عندما أتذكر ذلك المنظر العجيب في عرفات أناس من مشارق الأرض ومغاربها أسودهم وأبيضهم عربيهم وأعجميهم..!! كان منظر مؤثر في النفس.. تجد الجميع رافعاً يده يبتهل وذاك تسيل عبرته على خده يناجي ربه... كان منظر رهيب.. كان أكثر الشباب متخوف من رمي الجمار مما يسمع من الناس وأهله..!! عندما وصلنا إليها في أول العيد.. تواعدنا عند عمود ثم دخلنا.. بالفعل كان هناك تعب في الرجوع إلى مسارك الأصلي بل مشقة.. ولكن الحمد لله لم نصب بشيء إلا واحد من الأخوة كان طويل القامة..!! فلعل حصاة انجذبت ناحية رأسه..!! بعد انتهاء موسم الحج وقد أصبحنا علماء في فقه الحج..!! كانت الرحلة ميسرة ولله الحمد.. في الرياض أصابتني حمى.. جعلتني طريح الفراش مدة يومين تقريباً.. في حينها اتصل بي أبو يزيد يسلم ويتطمن على الصحة وقال أريدك في أمر ضروري..!! قلت أنا متعب ولا استطيع الخروج من البيت..!! وبعد يومين وقد تشافيت بحمدالله.. قال أريد مقابلتك وكنا سنذهب إلى عزيمة عند أحد الأقارب..!! فقال المغرب سوف أقابلك قلت ولكن عندنا عزيمة..! قال مجرد كلمتين في أمر مهم ..! قلت خيراً إن شاء الله..!!!

    ***


    (49) انتقال عاصف..
    أتى أبو يزيد وسلم علي معايداً وداعي لنا بالقبول.. ثم قال نأخذ من وقتك دقائق..! ركبنا في السيارة وأخذ يتجول بالحارة..! وأرى على وجهه علامات غريبة...!! واشعر أن هناك أمر يخجله من مصارحتي به..! لحظات ثم قال أخي سامي صراحة الموضوع لا أدري كيف أبدأ فيه أو ندخل في صلبه...!! الأمر يتعلق بوضع الحلقة..!! سامي أنت على مشارف نهاية مرحلة ثاني ثانوي..!! ولذا فأنت بعد فترة قصيرة ستكون في ثالث..!! وستكون حينها أكبر الشباب الموجودين وأكثرهم معاشرة للشباب وأعرفهم بالبرامج..!! كانت كلمات أشبه ما تكون بطلاسم لم أفهم فحواها..!! ثم أردف بكلمة جعلتني أغص في كلامي..!! قال يا سامي الحلقة لا ولن تستمر..!! أقولها لك يا سامي بكل صراحة لن يعد بعد اليوم حلقة يقال لها المهاجرين...! يا سامي الحلقة يديرها مشرفين فقط وكنا نؤمل أن نستمر ونعود أفضل مما كنا عليه..!! ولكن هي ظروف الحياة..!! أما أنا فأبي أصبح يرقد على السرير الأبيض وليس له غيري من الأولاد ولذا لن استطيع حضور برامج الشباب..!! وأما أبو عمر فبعد الحج أي من الآن لديه تطبيق في تخصصه خارج منطقة الرياض..!! هذا هو الأمر الذي جعلنا نطوي خيام الآمال في هذه الحلقة..!!! يا سامي ستهاجر حلقاتنا إلى حلقات الأنصار بإذن الله..!! فهي أقرب حلقة لدينا وكذلك أنسب مكاناً وشبابا..!! وهم أفضل بكثير منا في برامجهم وأطروحاتهم خصوصاً بعد رحيل أبومهند..! الله يذكره بخير..!! كم كان مجداً وباذلاً ما بوسعه في برامج الشباب.. فلم تكن الفائدة منه للشباب بل نحن استفدنا منه الكثير..!! يا سامي صحيح أن الأمر شديد على النفس بأن نفترق بعد لقيا..!! ولكن حسبنا أنا على الخير اجتمعنا ولن نفترق..!! أنا لم أخبرك بالأمر إلا لثقتي بأنك ستقنع كثير من الشباب فهي لحظات حاسمة ! قد يسقط فيها بعض الشباب إذا لم يكن هناك قناعة بالأمر..!! عندما نزلت إلى البيت وشد على يدي وطلب الصفح وقال أرجو أنك تقبلت الوضع.. هززت رأسي وأنا مقتنع ! ولكن هي في الحقيقة أمر صعب على نفسي وعلى نفوس الشباب..!!
    ***


    (50) انتقال جديد..
    ركبت مع أهلي وذهبنا للاستراحة.. خيام الحزن خيمت على فكري..! كان بعض الأقارب يسلم ويبارك ولا أدري ما يقول..! حتى قال أحدهم سامي وراك ضايق الخاطر..! حاولت أصرّف الموقف و أتعذر بأني كنت متعب بعد الحج.. تنحيت عنهم وجلست في طرف المجلس..! أحاول أن أدرك الخبر..! سبحان الله ما أسرع الأيام وما أقسى أحداثها..!! عندما عدت إلى البيت.. عاود المرض والتعب جسمي..! فلم تعد لنفسي رغبة في الأكل ولا في الكلام.. أبي لاحظ الأمر..!! وجلس بجانبي وقال يا سامي سلوكك تغير بعد الحج..! الواحد بعد الحج يستبشر بالخير ويفرح بنعمة الله عليه التي حرمها كثير من المسلمين.. مدري وش اللي صاير..!! أخبرت أبي بالأمر..! وكأني أراه وقد أرخى أعصابه..! تبسم وقال يا سامي هذه سنة الله في هذه الحياة لقاء ويعقبه فراق شئنا أم أبينا..!! لا داعي للحزن وما تدري لعل الله يكتب لكم أُنس أفضل مما كنتم عليه.. والأخوة المشرفين بذلواْ ما بوسعهم..!! فكيف تستمر الحلقة وهم لا يستطيعون إلى ذلك سبيل..! وثق يا سامي أن الحلقات هدفها واحد ولكن الاختلاف في آلية البرامج..!! قد يكون ترك المجموعة القديمة ثقيل على النفس وهذا بطبيعة الحال الشاب يحب دائماً الانتماء إلى المجموعة ولكن ثق تمام الثقة أنه بعد فترة ستكون الحلقة الجديدة هي مجموعتك وسيقوى وصلك بها بإذن الله.. كانت كلمات والدي لها وقع على قلبي وهدأت من نفسي.. بعد أسبوع وعلى مشارف العودة للدراسة من جديد.. وصلتني رسالة من أبو يزيد تفيد بأن هناك لقاء مهم..! وهو أن يكشف الستار عن المفاجأة..!! اتصل ببعض الشباب يسأل ويستفسر فطرت فكرة وهو أن نقوم بتجهيز هدية تذكارية للمشرفين تقديراً لجهودهم..!! بعض الشباب تفاجأ بالخبر..!! وبعد عدة محاولات اقتنع على مضض..! وقام شباب الدفعة التي تلينا بالتكفل بوجبة العشاء.. في الاستراحة وبين العشاوين..!! كانت هناك اللحظات الحساسة.. طرح الأمر والقضية وكان أكثر الشباب تقبلها بصدر رحب.. عندما تنظر لأخ عزيز على قلبك في لحظة وداع بلا شك أن المشاعر جياشة..!! بعد العشاء أخذ الشباب رياضي ختامي مع المشرفين..! ثم بعدها حضر المشرف العام لحلقات الأنصار.. واستقبلوه الشباب.. ثم تكلم دقائق بسيطة رحب فيها بالجميع وقال حلقات المهاجرين وحلقات الأنصار هم في الحقيقة حلقة واحدة فطريقتنا لا تفرق عن طريقتكم الشيء الكثير وكذلك برامجنا.. وصراحة جميع الأخوة في حلقات الأنصار مستبشرين بالأمر وهذا من فضل الله.. وبهذه المناسبة سيكون مسمى الحلقة يناسب الحال..!! سيكون بإذن الله مسمانا"حلقات الهجرة" نعيد في هذا المسمى حال وذكرى الصحابة عندما هاجروا إلى المدينة... وأسأل الله أن يبارك في جهودكم وأن يجعلكم عند حسن ظننا بكم.. سيكون لنا لقاء يجمع جميع أفراد "حلقات الهجرة" في القريب العاجل بإذن الله.. ريثما يتم توزيع بعض المهام والتقاسيم على الجميع...بعدما انتهى اللقاء وودعنا أبويزيد وأبوعمر ولسان حالهم قد يطول الفراق بيننا.. ولكن نلتمس الصفح منكم.. ولا تنسونا من صالح دعائكم..

    ***
    (51) لقاء المؤاخاة..
    عندما عدت إلى البيت وقد أعطاني أبو يزيد ورقة سطر فيها هو وأبوعمر بعض المقالات يحثون فيها الشباب على دروب الخير وبعض الأمور التي تهمنا.. فقمت بوضع تلك الورقة في رف الذكريات المحسوسة..!! أوراق كثيرة قد تراكم عليها الغبار..!! ولكن أنا أحب مثل هذا الفعل لأن التأمل في الذكريات سلوى على مر الزمان..!! عندما قدم أبي من عمله..! وعلامات البشر والسرور على محياه..! وألقى في حجري مفتاح سيارة..!! وقال لعلك بدأت تحن لقيادة السيارة بعد أن هجرتها فترة طويلة..!! انظر إلى المفتاح وانظر إلى أبي ابتسمت ابتسامة زاحت عن فؤادي بعض الهموم..!! سيارة الأكورد..! كنت معجب بها وأحياناً أحدث أبي عنها وعن مواصفاتها..!! فلعله فطن لمرادي دون قصد مني..!! قبلت يداه ورأسه..!! وقال نحن الآن نحتاج إلى خدمتك وكذلك الشباب يحتاجون إلى وقفة منك لهم..!! فكم تعبواْ في مرورك ولعله من رد الجميل لهم.. فأتوقع بعد ذهاب أبو يزيد وأبوعمر هناك نقص في السيارات عندكم..!! في اليوم التالي اتصلت بأبوعامر المشرف العام على حلقتنا الجديدة "حلقة الهجرة" أخبره بأني أرغب في مرور الشباب..!! ضحك ولا أدري مالسبب..؟ ثم قال سبحان ميسر الأمور نحن الآن نتناقش في قضية المرور ووجدنا أننا بحاجة إلى سيارة حاجة ماسة..! وساقك الله لنا لتزف لنا البشارة..!! في يوم الأربعاء كان هناك الموعد لنلتقي جميعاً في إحدى الاستراحات لقاء أخوي يطرح فيه برنامج الحلقة للفصل الثاني وكذلك تقاسيم اللجان وغيرها من التقسيمات..!! كان شعوري ولأول مرة أمر الشباب لا يوصف..! بل أحدهم جلست انتظره عند باب بيتهم قرابة الخمس دقائق حرص مني أن لا يتخلف أحد..!! في اللقاء كان الجو مختلف تماماً فقد قامواْ بالتكلف في استقبالنا وكذلك البرنامج المطروح.. وفيه نوع من التجديد وهناك وليمة تكفل بها أحدهم.. تغيرت مشاعر كثير من الشباب وكان هناك انبساط وأريحية..!! تم إعلان التقسيمات وربط التآخي بيننا هنا أصبحنا بالفعل حلقة واحدة.. الكل خرج من اللقاء وعلامات التفاؤل على محياه.. وهنا أيقنت حقيقة كلام أبي.. بل شعرت بحماس ذكرني بأول أيام دخولي مع حلقات المهاجرين..!! هناك كان الجو أخوي ممزوج بالفرح والسرور وهو ما تعودت نفسي لقياه في مثل هذه المجاميع..

    ***


    (52) شجن نكوص..
    بعد مرور الأيام وهي في سيرها إلى القمة مع حلقاتنا الجديدة.. كنت في بداية تملكي للسيارة أبحث عن أي غرض للأهل أو الشباب لا أبالي ببعده.. بل كان هناك غرض للشباب بعيد ألحيّت على أبوعامر حتى ذهبت إليه..في إحدى الأيام طلبت أمي أن نذهب إلى أخوالي بالقصيم..! كان بالفعل طلب جميل..!! أتمنى أن أطوي طرق طويلة..!! وافقت على ذلك بكل ثقة وشغف..! قالت أمي حينها عندما تعود من طلعتكم الأربعاء نذهب إن شاء الله.. بعد انتهاء برنامج الشباب انطلقت إلى البيت وأخذنا أغراضنا.. وشققنا الطريق صوب ضواحي بريده.. كنت في الطريق أمشي قريب من السرعة العالية لأن أحيانا أتحمس مع الشريط أو أسهي..عندما وصلنا هناك أنخنا ركابنا.. وكان عند خوالي عزيمة في البر من يوم الخميس..في اليوم الثاني ذهبت أنا وأحد أبناء خالي نشتري بعض الأغراض للعزيمة..في المحطة لمحت شخص تكهربت الذاكرة عندي عندما نظرت إليه..!! من يكون حاولت أن أتذكر حاولت ولكن لاجدوى.. اسمه على طرف لساني..!! ولكن..! خرج ذلك الشاب مع رفاقه ولم أتذكر اسمه..!عندما أكملنا شراء الأغراض وسرنا إلى مكاننا..لمحت سيارتهم..! فحدقت النظر هناك حنيت النظر وضاق صدري لقد عرفت من تكون..!! سبحان مقلب القلوب..بعد فترة مريت من عند مكانهم وهو متواجد معهم..!! أمرت ابن خالي يقف بالقرب منهم.! قال مالأمر؟ قلت ثواني وسأعود إليك..! عندما نزلت شعرت بتثاقل.. وأتى اللعين ليثبط من عزيمتي مالك ومالهم!! ولكن استعنت بالله وذهبت إليهم عندما رأوني قادم إليهم قامواْ بإزاحة المعسل وآلات طربهم..! سلمت عليهم وعانقت صاحبي وهو يحاول أن يبدي لهم أني لا أعرفه..! وعرفت مراده ولم أتفاعل بالحديث معه وكأنني شخص عابر ولا أعرفه لما رأيت من تغير وجهه وشحوبه..! تحدثت بكلمات يسيرة عن حقيقة السعادة.. ثم أهديت لهم شريط كان معي في السيارة.. عندما هممت بالانصراف خرج صاحبي مسرع معي.. يالله الدموع في محاجر عيونه.. عانقته معانقة لقاء بعد فراق حياك الله يا إبراهيم وين أيامك..قال يا سامي وقفت معي وقفة ولا ألومك في ذهابك من المدرسة.. فكم والله تجرعت غصص ونكبات بعد أن ترك رفقة الشباب..لله دركم أوصيك وأنا المحتاج أرجوك ألزمهم ولا تتركهم.. وبدأ يسأل عن الشباب..ثم أردف بكلمة أرعدت في جوفي شظايا الذكريات..!! قال ما أخبار أبومهند فقد كان على وصال معي كثير ما يتصل بي بل ويرسل لي.. ولكن من فترة لم يأتي منه أدنى وصل.!! .لا رسالة ولا اتصال.. تضبضبت الدنيا في عيوني.. نظر إلي وهو لم يكمل حديثه.. سامي مالأمر؟ شددت على يده وقلت أحسن الله عزاءك لقد توفي أبومهند وهو أربعة من الشباب فواز وراكان وعماد وخالد.. يالله وكأن الذي مات أبوه أو أمه.. بكى بصوت مرتفع..أتى رفاقه من جلستهم وقد انتابهم الأمر..!! حاولت أن اهديه واستأذنتهم في الانصراف..فقد طال انتظار ابن خالي..!! رجعت حينها والنفس في توتر فمتى يصفو الجو إلا وتأتي الذكريات بسانبكها وتعكره.. أدركت والله أننا في نعمة افتقدها الكثير ممن زلت بهم القدم..! اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك جعلتها قرينة لي في كل دعاء..

    ***

    (53) عقوق الكسل..
    كنت أحياناً عندما يطول البرنامج مع الشباب يوم الأربعاء ونرجع للبيت متأخرين خصوصاً بعد توصيل الشباب..! يكون صباح الخميس النوم فيه له طعم آخر نعم فلا أدري ما يدور حولي إلا مع أذان الظهر عادة..!! أتت إلي أمي وأنا في غلط النوم..! حولت أن توقضني بعد عدة محاولات من انهماكي بالنوم لم أفتح إلا عين واحد حتى لايطير النوم..! قالت سامي قم ياولدي جب لنا فطور..!! يالله أقول في نفسي بعد شوي قوميني وهكذا حتى تأتي صلاة الظهر وأنا على هذا المنوال..!! عندما قمت الظهر تمنيت أني قمت ولبيت ما طلبت أمي ولكنها النفس الأمارة بالسوء وكان لهذا الموقف شاهد في كتاب الذكريات لم استطع تذكره.!!. وفي إحدى الأيام وبعد رجوعي من الدراسة كنت متعب أيما إتعاب وأريد النوم..!! أتي أبي وسلمت عليه وقال يا سامي ودنا نوصل للبنك نوقع بعض الأوراق ونأتي في الحال فقلت لأبي خلها بعد العصر الآن ودي أنام..!! وقال على مضض إذاً خذ راحتك وأنا بروح لوحدي..!! جلسة مرة وقبل النوم أتفكر في بعض تصرفاتي خصوصاً مع أهلي..! كان يؤرقني حالي مع النوم..! في ذلك الأثناء تذكرت كلام لأبوعمر مشرفنا السابق كان وقعه على نفسي مثل السياط..! كان يتكلم عن بر الوالدين وذكر نقاط مهمة وذكر بعض السير التي تبعث في النفس الإقبال على الأعمال أمثال البر..!! كان من ضمن ما قال لماذا نفضل لذة النوم على طلب لأحد والدينا ولو فرضنا أن النوم ذهب عليك بكامله ثق أنهم لن يأتواْ إليك إلا لحاجتهم لك..!! يا شباب لنعلم أن وراءنا يوم ميقاف ووقوف طويل لنقدم له ما نستطيع..!! البر ليس بالسهل على النفوس بل يحتاج منا إلى تضحية بأوقاتنا وملذاتنا بل ونفوسنا..!! لو نظرنا في سيرة نبي الله إسماعيل كيف قدم إزهاق روحه من أجل البر بأبيه إبراهيم عليهما السلام..!! ونحن نتكاسل أن نقطع النوم ولذته ونغفل نفوسنا عن أجور البر بالوالدين كان كلامه طويل ولكن بالفعل ملامس لواقعنا.. وقال النفس عندما تعودها على مقولة نعم وتروضها على ذلك سيأتي يوم ترفض وتمقت مقولة لا أولا أستطيع..!! وليس البر عندما يطلب منك تنفذ فحسب بل من أعظمه أن تقوم قبل ما يطلب منك..!! ولا ننسى إدخال السرور عليهما فهم أحق بالسرور من أصحابك..! عندما تذكرت ذلك الكلام تذكرت أني حينها قد عاهدت نفسي أن لن أفرط في أي أمر يوجه لي واليوم نسيت أني أخذت العهد على نفسي...!! فكررت العهد وسأمضي عليه بإذن الله ما استطعت..

    ***


    (54) أُنس الأسى..
    في نهاية الفصل الثاني من ثاني ثانوي وعلى عتبة الاختبارات..كان المقرر رحلة مع الشباب إلى المنطقة الشرقية.. كان حظي لا يوافق مثل هذه الرحلة..!! سوف يسافر أهلي طوال العطلة الصيفية ولن أشارك الشباب في المركز الصيفي ولا في الدورة القرآنية ولا كذلك العلمية..!! كان أكثر الشباب متحمس للرحلة فكثير ما يتحدثون عنها في قلطات الاختبارات..!! عندما يسألني أحدهم أسكت وأقول إن شاء الله لأن المحاولات جارية لإقناع الأهل..! ذهبت أستشير أبوعامر وقال يا سامي أهلك أولى من الشباب صدقني إنهم يفرحون بك عندما تفرغ لهم ولو جزء يسير من وقتك..! قلت ولكن السفر سيطول ولن يكون هناك أي برنامج وأنا كنت أتمنى أن أختم القرآن أو نصفه مرة أخرى..! قال صحيح إن الشباب لهم أثر في حفظك ولكن ما المانع من أن تحفظ وتستمر في مراجعتك طوال سفركم..!! فهي فرصة تفرغت بها عن كثير من المشاغل.. ثم قال لا تشغل بالك الآن ذاكر واجتهد ولعلي أعطيك برنامج يتناسب مع وضعك حينها... وكنا نذاكر جميعاً في المسجد متفرقين في أرجائه..! كان التفكير في هذا الأمر مسيطر على تركيزي..! أتى أبي إلي بعد أن فرغنا من الاختبارات وقال لعلك تذهب مع الشباب في رحلتهم هذه وبعدها سنسافر طوال الصيفية..! وما أخرنا الرحلة إلا لأجلك..! صحيح إننا سنقطعك من كثير من برامج الشباب..! ولكن السنة القادمة سنفرغها لك معهم..! كنت فرح بهذا الخبر بأن أذهب للشرقية وفي نفس الوقت حزنت لأني سأبتعد كثيراً عن الشباب بعدها.. كانت لحظات جميلة قضيناها على البحر والسباحة فيه رغم حرارة الجو وشدة الرطوبة..! كانت زيارات متميزة لبعض الأماكن وبعض المشايخ.. صلينا الجمعة في مسجد الشيخ خالد الراشد -فك الله أسره- أخذنا جولة بحرية كانت رائعة بحق.. لم تستمر ساعات الأنس إلا ويعقبها الأسى.. عندما رجعنا إلى الرياض وأنا أبحث عن أغراضي وسط أكوام العفوش المتناثرة.. أخذت حقيبتي..وودعت الشباب لأنها بالفعل لحظة قاسية على القلب..كثير من الشباب يعتب علي لماذا يا سامي كل هذه المدة..! وذاك يقول مدري كيف بنعيش في المركز الصيفي دون صيحاتك أنت وفلان.. وذاك وذاك..!! أتى أحد الإخوة في ثالث ثانوي وقال لابد أن نراك في نهاية العطلة وحاول أن تحضر اللقاء التوديعي لدفعتنا لأنني على علم أننا بعد الشباب قد يطول الفراق بيننا فلا تحرمنا شوفتك..!!


    ***
    (55) ترحال الشوق..
    اتصل بي أبوعامر في اليوم التالي وكان هذا بعد صلاة الظهر.. وقال متى بتسافر.؟ قلت إن شاء الله مع المغرب..قال أجل بصلي العصر معك وبعطيك الأغراض..عندما تقابلنا بعد الصلاة أخذني إلى سيارته وأعطاني كيس متوسط الحجم في كتب وأوراق.. ودعني قائلاً أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.. الله الله بالجد ولعلي أراك تفوقك على الكثير من أقرانك..ذهبنا إلى رحاب الحرم المكي.. مكثنا هناك ما يقارب ثلاث أسابيع..!! كانت أول الأيام ثقيلة على نفسي.. ولكن مع تفاعل أبي معي بدأت أسير على الخطة التي رسمتها لنفسي.. وضعت لي فترتين صباحية ومسائية أحفظ فيها وأراجع الظهر وكذلك بعد العشاء..ثم حينها إذا كان لدي نشاط قرأت بعض الكتب.. فعلاً استمتعت بها بل أصابني شغف تجاهها.. ثم بعدها ذهبنا إلى المدينة ومكثنا أسبوعين.. هناك فعلاً بدأت أشعر بما أنجزه وكذلك اتصالات أبوعامر المستمر لي زادت من حماسي.. وسؤال الشباب وتردد اتصالاتهم بعد المركز وخروجهم منه وما حصل لهم كانت تؤنسني وتسليني في هذا الترحال..في المدينة كانت هناك حلقة قد أتت من الكويت ربطتني بهم معرفة رائعة.. كان لهم درس علمي بين المغرب والعشاء ودعوني لذلك والحمد الله استفدت الشيء الكثير منهم.. وأصريت على دعوتهم على وجبة عشاء.. ثم بعدها افترقنا ولا يزال الاتصال معهم مستمر..! وبعدها ذهبنا إلى ينبع وجلسنا ما يقارب الأسبوع ونظراً لشدة حرارة الجو ورطوبته لم نطق العيش فيها أكثر من أسبوع.. ثم ذهينا إلى الطائف وجلسنا فيه فترة جميلة خصوصاً عندما كنا نحضر جميعاً بعض المحاضرات والدروس ومع ذلك برنامج الحفظ مستمر ولم أكن أتوقع أن تتيسر أموري إلى هذا الحد..كنا قد ذهبنا إلى أبها ورجعنا قبل قدوم الشباب إليها لما وجدنا فيها من الزحمة الشديدة وأماكن العوائل قليلة..!! ذهبنا حينها إلى الباحة جلسنا فيها حتى حان عودة الشباب.. فأخبرت أبي بالأمر بأن الشباب عندهم لقاء وداعي وأتمنى حضوره.. وافق أبي بعد أن قضينا هذه الرحلة الطويلة الممتعة والمفيدة..! وعدت إلى الرياض كي ألتقي بالصحاب خصوصاً بلغ الشوق الزُبى..!!

    ***


    (56) جلسة فراق..
    عندما رجعنا إلى الرياض كان قبل قدوم الشباب من رحلة أبها بيوم أو يومين.. عندما رجع الشباب اتصل بي أبوسعود وقال نحن في الطريق ونحتاج مساعدتك لنا في توصيل الشباب قلت ما فيه مانع إن شاء الله.. وصل الشباب بعد بزوغ شمس يوم الأحد..هناك في المسجد وضع الشباب رحالهم بعد رحلة بذلك الباص الذي كثيراً ما عكر صفو الجو..! بخراباته المفاجأة..!! سلمت على الشباب وتعانقنا بعد أن فصلت بيننا عدة أيام وأسابيع بل وشهور..!! كان الشباب في غاية التعب فالسفر قطع من العذاب..! أخذت قدر ما يكفي سيارتي بل وفوق قدرها..!! وأوصلتهم إلى بيوتهم.. سيكون لقاء الفراق يوم الأربعاء..قام بعض الشباب بتجهيز بعض الهدايا للقاء.. في يوم اللقاء كانت الأجواء والمشاعر جياشة..!! تم إكمال البرنامج حتى أتى الموعد المرتقب بعد صلاة العشاء..! بعد الصلاة قام أحد الأخوة الخريجين..! بإلقاء كلمة عن الأخوة كانت بالفعل حروف رائعة تحكي ما نعانيه أحياناً عندما يتخرج بعض الشباب من الحلقة ويبتعد عنهم..! ومع ذلك ننساه ونقطع اتصالنا به..لماذا؟بعدها توجه الشباب إلى مقر جلسة فراق..!! الشباب في ضجيج حديثهم..! ثم تنحنح أبوسعود بصوته الفخيم وخيم الصمت على الجميع في لهف لما يقول..! من شدة وقع كلماته ظننت أني أنا الذي سأودع الشباب..! كان الأخوة الخريجين..! لا يلامون عندما لا تملك العبرة إلا السقوط..! لا ترى على سيما وجوههم إلا علامات الحزن..! ثم بعد أن فرغ من المقدمة الوداعية..! جعل الفرصة للأخوة ليتكلمواْ عن ما في خواطرهم..! وكذلك يجيبون على أسئلة الشباب لهم..! تكلم أحدهم عن نقطة حساسة يعاني منها البعض..! وهي الحزازيات عندما يعيش الإنسان فترة من السعد والأنس ثم يصير أي مشكلة مع الشباب ثم يقوم بعدها وينسى الماضي ولحظاته وكأنه يعيش دائماً في مشاكل..!! وهي في الحقيقة مشكلة بسيطة ومن شخص واحد ولكن الشيطان وجدت بغيته وأمنيته..!! ليفسد الود ويقطع روابط الأخوة والحب في الله.. كانت هذه الكلمات كافية بأن نخرج من ذلك اللقاء وقد حققنا وتلافينا الأمر المر..!! في نهاية برنامج ذالك اليوم..!! ودع الشباب بعضهم بعض ذاك يطلب العذر والسموحة وذاك يطلب الصفح عن أخطاءه فيما سلف..! وذاك يطلب صالح الدعاء.. يالله موقف صعب على النفس هنا أيقنت أن لمثل هذه اللحظات ستمر علينا ولكن بعد حول من العمر نقضيه في تلك الرحاب..! كان بعض الأخوة الخريجين لا يملك سيارة وعددهم خمسة..! فطلبت من أبوعامر أن أرجعهم إلى بيوتهم علنا نكسب أكثر وقت ونأنس بهم..عندما نزلت آخرهم..قال كلمة قالها قلبه قبل لسانه..! أجمل اللحظات عندما يمرك الشباب وينزلونك عند البيت ولعل اليوم هو آخر ما نستمتع به من تلك اللحظات.. وحلني يا سامي فزللنا كثير..! ولا تقاطعنا ولو بدعواتك..!!

    [TABLE="align: center"]
    [TR]
    [TD]ولن أنسى موقفنا للوداع ‍
    ولم يبقى لي دمعة في الشؤون ‍



    [/TD]
    [TD] وقد حان ممن أحب الرحيل
    إلا غدت فوق خدي تسيل



    [/TD]
    [/TR]
    [/TABLE]


    ***

    (57) استقبال متجدد..
    بعدما رحل عنا الصحاب الذين لطالما عشنا معهم فترة من الزمان من أروع الفترات في حياتي..! كان شعور بعض الشباب محبط عندما يقول من للشباب مثل فلان وما أدري كيف نعيش مع الشباب بدون فلان..! هو في الحقيقة شعور الجميع تذكرت كلمة لأبو يزيد عن مثل هذه العبارات.! وكان يقول الله يذكره بالخير كم عشنا مع الشباب وكنا نقول مثل هذه الكلمات ومع ذلك يأتي من هم أفضل من صفاتهم فلا تحزن وسترى بعينك وواقع تجربتك..! فكنت أقول للشباب مثل هذه الكلمات حتى تسكن مشاعرهم.. بعدها كنا على مشارف استقبال دخول المستجدين في الحلقة.. وكما تعودنا في بداية كل سنة..! يتكرر مثل هذا البرنامج الشيّق والممتع..! كان البرنامج علينا..اجتمعنا وبدأنا نجمع الأفكار لنخرج ببرنامج مثالي ويؤدي المطلوب وهو تداخل الشباب واندماجهم مع بعض..!! أتى أبو سعود ووصى بعض الشباب أن يحاولواْ أن يكسروا الحواجز مع المستجدين..!! وبالفعل في تلك الاستراحة وعندما دخل الشباب المستجدين وعددهم قرابة العشرة تذكرت أول يوم دخلت فيه مع الشباب..! وعندما تعرضت لتأليف قلب ولكن بشكل آخر..!! رحم الله من توفى منهم وهدى الله من انتكس..! عرفت حينها أن الشاب راح يندمج أكثر مع من وقف معه في اللحظات الأولى.! فلهذا حرصت أن أوصي الجيد من الشباب أن يدخل معهم.. الحمدلله تم البرنامج على أفضل حال..! ورأيت ثمرته في الحال.! بعده تجدهم يضحكون ويتحدثون دون أي تحرج..!! وكذلك في الرياضي حفظت أسمائهم..!! وبعد العشاء أخذت أكثر أرقامهم ومثل هذا التصرف محبب للقلب عندما يطلب منك رقمك..!! عندما رجعنا إلى البيوت كان معي اثنين من المستجدين وكان تصورهم عن الشباب وبرامجهم نظرة ممتازة بل تجد الحماس فيهم..! استثمرت هذه اللحظات وجلست أحدثهم عن الشباب وعن بعض الأنظمة في الحلقة.. وعن مواقف جميلة مع الشباب وكانواْ بالفعل متفاعلين..!! كنت عندما أرى لحظات أُنسهم وفرحهم..! أتمنى لو كنت في مكانهم..! أتمنى لو طالت الأيام ولا أفارق مثل هذه الجموع..! أنا أعلم أنني في ثالث ثانوي ستمضي بي الأيام بأقصى سرعاتها وأقف يوماً ما..! على عتبة الوداع..!!
    ***

    (58) تفاعل استقبال..
    مع بزوغ شمس الجد والمثابرة..! وقد أصبحت في صفوف ثالث ثانوي خرجت إلى المدرسة وقد أتيت بما طلبه الشباب من الاجتماعي..! ضمن برنامج الاستقبال في الجماعة المدرسية.. وقد تم توزيع البرنامج على الشباب الذين في المدرسة معنا..!! كانت الدعاية لبرنامج الاستقبال منتشرة في أرجاء المدرسة..! وكذلك الأخوة في الجماعات الأخرى..! كان توقعنا أن الحضور متوسط تفاجأنا بهذا الزخم العجيب..! أصبحنا نحول الجلسة إلى صفوف خلف بعض..! بل كان مكان التقديم ضيق نوعاً ما..!! في نهاية الوقت تم توزيع جدول البرنامج..! كان من ضمن البرنامج يوم مفتوح وهو كل أسبوعين يكون في الفترة المسائية من المغرب إلى وجبة العشاء من يوم الاثنين.. شد انتباهي من بين الحضور شابين مستقيمين ودائم مع بعض..!! وكذلك في برنامج اليوم المفتوح كانواْ متواجدين ومتفاعلين..! سألني أبوسعود عنهم هل هم في حلقة قلت لا أعلم.. قال أنت شف وضعهم وإذا لم يكونوا في حلقة حاول ترغبهم في برامج الشباب وتوضح لهم الصورة..!! لم أجد وقت للحديث معهم خصوصاً مع زحمت البرامج في المدرسة..! كانت العلاقة بهم مجرد سلام فقط..! في ثالث أسبوع كنت منشغل بتجميع بعض الأغراض في الجماعة ولم أخرج من المدرسة إلا متأخر..! شغلت سيارتي وكما عودتها لا تمشي حتى تسخن وزيادة..! عندما مشيت رأيتهم متظللين في إحدى زوايا المدرسة قد ألهبهم الحر بسمومه..!! ويبدواْ عليهم علامات الإرهاق..! فتحت النافذة وسلمت عليهم.. وقلت تفضلواْ قالوا لا أخونا سيأتي ولكنه تأخر فكررت و ألحيت عليهم التفتواْ على بعض وعلامات التردد على وجوههم..!! بعدها ركبواْ رحبت بهم وقلت هذا الجوال اتصل على أخيك وأخبره أنك ستأتي معي.. لما اتصل وجد أن أخوه متعطل بسبب الكفر..! ثم بعدهم أخذت أسألهم عن انطباعهم عن البرنامج في الملتقى..! وكان كلامهم ينبع بالحماس.. ثم سألتهم هل هم في حلقة..! نظرواْ إلي ولسان حالهم طال الانتظار..! كانواْ في حلقة في حي..!! والآن انتقلواْ بالقرب من حينا وفي بيت ملك..! أخبرتهم ببرنامج الحلقة والشباب فأبدواْ الموافقة وبشغف..! قلت بإذن الله موعدنا الأربعاء القادم في إحدى الاستراحات.. وبعدها أخبرت أبوسعود بالأمر واستبشر بهم وقال مثل هؤلاء لا يُفرط فيهم لما رأى من تفاعلهم وحسن سمتهم..
    ***
    (59) تآلف قلوب..
    في عصر الأربعاء انشغلت ببعض الأغراض للأهل.. واتصل علي أحدهم وقال ما أدري وش صار على الموضوع ابتسمت قليلاً..! لأني نسيت أنهم في غاية الحماس وانتظار هذه اللحظات أحر من الجمر..! حاولت الاستعجال ومن ثم مررت بعض الشباب الذين كنت أمرهم وتوجهت إلى أصحاب الانتظار..! الشباب الذين معي استغربواْ هذا الطريق الذي سلكته وبعدها دخلت في حارة..! قال أحدهم في واحد بتمره هنا..! أخبرتهم بالأمر حتى يستعدواْ لتأليف قلوبهم والاندماج معهم..! مع العلم أنهم كانواْ لا يزالون في عداد المستجدين..! ولكن كما هي الأيام اليوم أنت على حال وغداً على غيره..! عندما أقبلت على بيتهم كانواْ جالسين على عتبة الباب قد طال الانتظار وأوشكت الشمس على الغروب..! ولم تكن عادتي التأخر ولكن اليوم بظروفه..! نزل الشباب يسلمون عليهم وكان أحد الشباب راكب بجانبي ولكن عندما أتى الأخوان أصر على الكبير أن يركب أمام..! وهذا الشخص الذي كان بجانبي لم أرى مثل شخصيته في حياتي عجيب طبعه لا يعرف التكلف بسيط في المعاملة صريح في الكلام..! وهذا الذي جعلنا نحرج كثيراً من تصرفاته..! والشباب يكنونه أبوحاتم..! وصلنا الاستراحة والشباب على وشك الصلاة..في المغرب كان هناك برنامج على إحدى الأسر وكان متميز ويحمل هدف نبيل.. يتكلم عن الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان الطرح متنوع وممتع في نفس الوقت.. بعد صلاة العشاء أتى أحد المشايخ وتكلم قرابة النصف ساعة وكان كلام جميل عن الإلتزام الأجوف ومظاهره وكان يتميز بان الحديث مشترك فمن لديه مشاركة يطرحها ومن لديه تعليق يداخل وهذا كذا وتفاعل الشباب كان عجيب جداً.. في نهاية اللقاء به ابتسم الشيخ وقال الظاهر قطعناكم من الرياضي وضحك الشباب.. وقال هذه هدية متواضعة أشرطة للشيخ العايد بعنوان الإلتزام الأجوف.. وقال لعل اللجنة العلمية عندكم تضع مسابقة عليه حتى تعم الفائدة للجميع.. وانصرف الشيخ وأكملنا البرنامج في الملعب.. وانتهى برنامج ذلك اليوم وجميع الشباب يلفهم تآلف وتآخي رهيب.. عندما رجعنا إلى البيت.. وصلتني رسالة من أبوسعود تأثرت لها كثير يحثني فيها على الاحتساب في الدعوة فجميع من كنت سبب في هدايته ودخوله مع الشباب هو في موازين حسناتك فلا تنس تعاهد نيتك في كل عمل تقوم به..
    ***

    (60) سؤال الجواب..
    كنت في البيت أحل بعض الواجبات المدرسية وكنت منهمك في التفكير لحل واجب تعسر علي..!! بعدما فرغت وكان اليوم جمعة شرعت في ترتيب الدروس ليوم السبت.. عندما أنهيت الترتيب قطع الصمت المطبق صوت الجرس.. نادى عليّ أبي وقال جب الشاهي والقهوة أبو أنس قد أتي لزيارتنا.. أتيت مسرعاً بما طالبه أبي فكم هي الفرحة تغمرني بالجلوس مع ذلك الرجل..!! دلفت إلى المجلس قبلت رأس أبو أنس..!! آه كم لحديثه من سحر..!! يسترسل في الكلام وبفوائد متناثرة.. عندما هدأ المجلس التفت إلي وقال هاه يا سامي بشر هل أتممت حفظك..! هنا ابتسمت لأني وجدت جواباً لسؤاله عكس ما كان في السابق ولازلت احتفظ بذلك الموقف الذي حرك في فؤادي نشوة الإيمان... قلت أبشرك أتتمته ولله الحمد والمنة.. تهلل وجهه ولهج لسانه بالتكبير والحمد... قال لك عندي هدية خاصة يا سامي بهذه المناسبة.. وبدأ يسال عن أحوال الشباب..!! وقال احرص أشد الحرص على من معك ولا تحقر الكلمة الطيبة أينما سنحت لك الفرصة..!! عندما خرج أخذني معه إلى السيارة وأخرج مجموعة كتب وتوله عود تشابه العود الذي كان مع أبو مهند رحمه الله..!! عندما أخذتها أمسك بيدي وقال يا سامي أنت حملت أمانة عظيمة إياك أن تقصر في حقوق ما أعطاك الله من حفظ كتابه احذر أن تقرأ في القرآن نهي وتأتيه وأمر وتجتنبه.. القرآن يا سامي هو حجة لك او عليك..! تعاهده في الصلوات وفي قيام الليل وفي أوقات انتظارك.. اقرأ في التفسير وستجد أنك لا تمل منه.. واعلم أن كلام الناس لن ينفعك مثال ذرة جاهد النية في ذلك.. عندما أنهى كلامه قلت له أبوأنس استضافتك مع الشباب هي والله شرف لحلقتنا..! ابتسم وقال لا مانع نسق مع مشرفينكم واتصل علي وبإذن الله تتيسر الأمور ثم مضى وانصرف..!! رمقت سيارته حتى توارت عن الأنظار.. يالله ما أطيب كلامه وما أشد وقعه.. عندما دخلت البيت فتشت تلك الهدية كتب في السيرة وقصص التابعين.. هذه بغيتي من الكتب فالقصص أتلذذ بقرأتها.. عندما نظرت إلى التوله وكأني أشم تلك الرائحة التي لا يزال شذاها في مخيلتي..!! وتزداد فرحتي عندما تيقنت أنها نفس الرائحة بل كررت ذلك مراراً ووجدتها نفس النتيجة..!! كم أعاد شذاها صفحات لا تنسى من عمري.. رحمكم الله فكم تعلمت منكم الكثير.. دعائي لكم كلما مر طيف ذكراكم بأن يبلغكم الفردوس الأعلى..

    ***
    (61) ضيف الكرم..
    في الحلقة عندما أنهيت التسميع.. جلست انتظر أبو عامر حتى ذهب الذي يسمع عنده.. وأتيت إليه وأخبرته بما دار بيني وبين أبو أنس وقلت هو يرحب باللقاء مع الشباب.. فرح أبو عامر بالخبر وقال أبو أنس صاحب خبرة طويلة في الحلقات ويملك أسلوب لا يمل..!! ومن زمان نبحث عن أمثال أبو أنس ويعلم الله كم أفرحتني بهذا الخبر.. وقال اجل لعل برنامج المسابقة يوم الاثنين يبدل بهذه الاستضافة ولكن بعد ما يرد عليك خبر.. قلت بإذن الله.. وعندما اتصلت به قال الوقت مناسب جداً.. ولكن لدي شرط..! قلت وما هو؟ قال فطور الصائمين علي ولا أحد من الشباب يجيب شيء..!! صراحة انحرجت أيما إحراج..! قلت يا أبو أنس الشباب عددهم كثير..! قال كم بالعادة اللي يصومون عندكم..؟ قلت حول الـ 15 إلى الـ 20..! قال لا عليك وهذا شرطي..! قلت بإذن الله.. وعندما اتصلت بأبو عامر زعل علي قال ليش وافقت صعبة مرة..!! قلت هو قال لن آتي إلا بهذا الشرط..!! وصادف يوم الاثنين أكثر الشباب صائمين.. قبل الأذان بربع ساعة اتصل علي أبو أنس وقال أنا عند الباب خرجت أنا وبعض الشباب نحمل ما قد أتى به أبو أنس من أشكال من النعم..! عندما رتبنا الوضع دخل الأخوة الصائمين ليستغلواْ ما تبقى من الوقت في الدعاء.. كان منظر يرفع الهمة وأنت ترى جموع الشباب في إخبات وتضرع.. بعد الصلاة كان موعدنا مع اللقاء..عندما شرع أبو أنس في الحديث قال سأتكلم عن موضوع بسيط وبعده يكون المجال مفتوح لطرح الأسئلة... عندما بدأ في أغمار الموضوع كنت أرى الشباب مشدودين لما يقال..! بل في غاية الحماس والانسجام..! كان يتكلم عن الأخفياء في العبادة وعن الإخلاص.. بل ومما شد الشباب عندما يضرب أمثلة معاصرة بل أحياناً من واقع الشباب الذين كان معهم في القيام و الصيام والخشوع والصدقة والذكر وغيرها من العبادات.. ثم ترك ما تبقى من الأسئلة للطرح العام.. ولم أكن أتوقع هذا السيل العارم من الأسئلة حتى صدح أذان العشاء وقال هنا نقف والمعذرة على عدم إكمال ماتبقى من الأسئلة.. لم يقف الأمر هنا بل بعد الصلاة كان هناك مجموعة من الشباب ينتظرونه.. لا أدري ما هو السر الذي جعل الشباب وانكبابهم بهذا الشكل.. ربما لبساطة الشيخ أو لروعة أسلوبه.. المهم أني لم اشهد كمثل هذا الحماس من الشباب.. قمنا بجمع أغراض الشيخ ووضعها في سيارته.. عندما هم بركوب السيارة.. وجهت له رسالة شكر على إجابة دعوته وتشريفه لنا في حلقاتنا وعلى ضيافته لنا في محلنا..! في طريق العودة وتوصيل الشباب وصلتني رسالة من أبوعامر.."يقول لا حرمك ربي الأجر على هذا التنسيق الرائع فكم استفدنا منها الشيء الكثير ولعلك تكرر التنسيق مع أبو أنس في المرات القادمة"

    ***


    (62) غرابة طبع..
    أبو حاتم ملك قلوب الشباب ببساطته وتواضعه.. يحكي عن نفسه أنه تربى منذ صغره على الجلوس مع كبار السن والسماع لحديثهم حتى دخوله مع الشباب ولا يزال..!! لذا عندما تجلس معه تظن أنك تجلس مع مسن قد تجاوز الستين من عمره..!! جل حديثه عن أحداث قديمه ربما كان أجداد أجدادنا يتحدون عنها..!! كنت عندما أراه لا أدري لماذا أضحك وبقوة فكيف عندما يتكلم...!! كان بما تعنيه الكلمة "شايب" بل حتى في تلاوته للقرآن أشعر وكأني اسمع صوت جدي رحمه الله..! كان عندما يخرج الشباب إلى الملعب يجلس ولا يذهب ومن يجلس معه يعطيه من حكايا الماضي وهذا هو ديدنه..!! كان أحد المستجدين انطوائي نوعاً ما وأحيانا يفضل الجلوس على اللعب..! ومن المصادفات أن جميع الشباب ذهبواْ للملعب وبقي صاحبنا وأبو حاتم..!! وكما هي عادته جلس بجانبه وجلس يحدثه ويسأله عن الأسماء التي في تلك السالفة وكان صاحبنا متضايق من تصرف أبو حاتم..!! لما رأيت المشهد جلست أضحك حتى آلمني بطني من شدة الضحك..!! هذا المستجد في الغالب لا يحب أن يتحدث إليه احد وأتى أبو حاتم وزاد الطين بله..!! كان لديه حماس في الدعوة غير أنه لا يجيد فنونها فما في قلبه تجده على طرف لسانه..!! أوكله أحد المشرفين أن يكلم فلان عن حضوره وينتبه لنفسه..!! أنا كنت بالقرب من ذلك الشخص..! فأتى أبو حاتم وقلت في نفسي ما هو جديد المواقف من ذلك الرجل العجيب..! فأتى إليه وقال يا فلان ما أدري ليش حضورك ضعيف..! قال ذاك ظروف ومن هذه الأعذار..! فقال أبو حاتم ما في قلبه دون أي تنسيق..!! قال انتبه لنفسك "ترى والله ممكن تنتكس وبعدين المشرفين زعلالين عليك" أنا لم أكمل سماعي لما يقوله..!! هل أضحك أم أبكي وكان الكلام وبعض الشباب موجودين أي في العلن..!!! فكان بالفعل على السليقة ولكن قد تأتي هذه البساطة بما لا يحمد عقباه..!! كان يعجبني أنه شديد في الإنكار على الغيبة فلا يعرف المجاملة فيها..!! كان يقول "أترك الناس في حالهم مالنا ومالهم" ..! حريص كل الحرص على بره بوالداه..!! كان يعاني من ضعفه في حفظ القرآن ولم أكن أشعر بهذه الحرقة التي في صدره..! إلا في إحدى الرحلات رجع معي فكان يسألني عن كيفية حفظي فأخبرته..!! وقال أنا تعبت أحفظ يقولها بصوت متحشرج..!! قلت لا عليك هون على نفسك وعليك بالدعاء وأنت حفظك قوي بدليل حفظك للقصص والحكايا والأشعار..!! وأتوقع مشكلتك في كثرة الهواجيس الحفظ يا أبو حاتم يحتاج إلى تركيز مركز..! وبعدها ولله الحمد أصبح يسمع بالأثمان بعدما كان يعسر عليه حفظ نصف وجه..!!

    ***
    (63) ضوابط ومحاذير..
    في الحلقة أتى إلي أبو عامر وقال أرغب في مساعدتك يا سامي.. قلت لك ما تشاء إن استطعت...!! قال سيارتي سأضعها في الورشة القريبة وأريدك أن تمرني هناك لتوصلني إلى البيت.. قلت له وبابتسامة ما طلبت شيء يا بوعامر... أخذت ربعي بعد الحلقة وصليت بالقرب من الورشة.. ثم مررت أبوعامر.. هممت أن أوصله أولاً..! ولكنه رفض..! وقال وصل الشباب وألح علي بذلك.. وعندما أوصلتهم..! عدل من جلسته صوب اتجاهي..!! وعلمت أنه يريد أن يحرك موجة الحديث لأمر يهمه..! وبالفعل فكما توقعت فعلامات وجهه توحي بذلك..! قال يا سامي مهما أثنيت عليك فلن أوفي قدرك وحرصك على الشباب بل وتوجيهك لهم..! بل أنت قدوة لكثير من الشباب أصبحواْ يتأثرون حتى بحركاتك وهذا شيء جميل.. ولكن لاحظت أمر قد لا يكون يليق بك..! خصوصاً أن من خلفك يتأثرون بما تفعل بل ويكون هذا واضح في من تمرهم للحلقة..!! ثم رفع بيده شريط قد سقط تحت..!! وقلبه يمنه ويسره وقال هذا ما أقصد..!! نظرت إليه شريط أناشيد ليس فيه ما يعيب..!! وقال يا سامي الأناشيد كالملح في الطعام..!! ولكن مشكلتنا أنها أصبحت ملازمة لنا في كل شؤوننا...!! والله أن هذا التصرف غير مناسب أن يتربى شباب الجيل على مثل هذا الأمر..!! حينها تصبح قلوبنا قد امتلأت بها ولم يبق للمواعظ مكان ولا لكتاب الله والتلذذ بسماعه وتدبره مكان..!! صراحة يا سامي لاحظت هذا الشيء في الشباب تجدهم عندما نذهب إلى التسجيلات ينقضون وبسرعة إلى رفوف الأناشيد متجاهلين باقي الرفوف..!! بل ويتشغفون للجديد منها..! بينما هناك ثلة بسيطة من الشباب تسأل عن التلاوات وجديدها..! أخي سامي لا يفهم من كلامي أني ضد الأناشيد لالا ولكن بالقدر المطلوب..!! وهذه معلومة أضفها لديك..! أن كثير ممن انتكس آخر عهده بالاستقامة النشيد..!! فلنكون متزنين في هذا الأمر.. وليس كل شريط كتب عليه أناشيد نأخذه فهناك كثير من جديد تلك الأشرطة أمره مريب تشك أنه مصدر من لدن تسجيلات إسلامية...!! لما تسمع فيه من أصوات تكاد لا تفرق بينها وبين أصوات المعازف والموسيقى..!! وخذ هذه هدية شريط قيم يتكلم عن مدار حديثنا شريط "الأناشيد ضوابط ومحاذير" للشيخ محمد المنجد حفظه الله فقد استفدت منه الكثير فلا تحرم نفسك الفائدة منه واسمعه من معك من الشباب وأهده لمن تحب بعد الفراغ من سماعه...!! ثم بعدها نزل عند بيتهم ولا يزال صدى تلك الكلمات العابرات في أذني.. بل وكأنه أيقظني من سبات عميق..

    ***

    (64) فتيل الحقد..
    سلطان أحد المستجدين الذي أجده قريب من قلبي..! افرح بلقياه والحديث معه.. لم أكن أتوقع يوم من الأيام أن علاقتي به ستصبح رأساً على عقب..! وهذا هو شأن سوء الظن وما يفعل.! كنا في إحدى الرحلات في روضة خريم.. وكنت أقطع الفطور ومع واحد من الشباب وهو فتيل المشكلة وسلطان..! في هذه الأثناء قال سلطان كلمة يقصدني فيها..! تفاجأت بها وانصدمت..!! تمعر وجهي وقلت علها زلة لسان.. بل لم أصدق بخروجها من ذلك الشخص..!! في العصر كنت أتمشى أنا والذي كان معنا في الحادثة وبدأ يتحدث عن الشباب وسقطاتهم وهذا ديدنه رغم رزانة شخصيته إلا أن هذه الخصلة الذميمة فيه..! ثم تحدث عن سلطان وزاد الطين به..! وفسر ما قاله بأمر آخر..!!! هنا أظلمت الدنيا في وجهي..!! وبدأت نار الكره تلتهب في صدري يوماً بعد يوم..!! إذا قسم المشرفين المرور أرفض أن يكون معي..! وكذلك في البرامج أصبحت أكره الجلوس بقربه..! حاول أبو سعود التدخل في المشكلة غير أني زدتها غموض...! حتى في إحدى المرات قال أبو سعود لسلطان أنت مع سامي فلما رأيته قادم إلى سيارتي أوقفته وقلت سلطان انتظر شوي وكلمت أبو سعود قلت لا يمكن أن يكون معي البتة..!! ثم ذهب سلطان منكسر الخاطر مع شخص آخر..!! علم حينها أني أكرهه أيما كره..!! وكلما حاولت امتصاص الغضب وتذكرت ما قاله زدت حنقاً عليه..! هكذا مرت الأيام..! أصبح سلطان ليس كما كان عليه كثير الصمت شارد التفكير..!! ابتسامته التي كانت لا تفارق محياه اضمحلت واختفت..!! تكلم أبو عامر معي كثير.. وقلت أنا لم أتكلم فيه ولن أزعجه غير انه لا يكون بالقرب معي هذه هي علاقتي معه مع الشباب..!! قال الرجل متأثر بل حفظه أصبح ضعيف جداً كل هذا بسبب تفكيره الكثير وانطوائه على نفسه...!! أتى إلي بعد فترة وكنت جالس أرقب الجوال في شاحن السيارة ولم أنتبه إلا وهو واقف عندي..! وصافحني وقال يا سامي أسألك بالله وش اللي غيرك علي..!! قلت له أنت أبخص بنفسك رجاءً لا تكثر النقاش وخلني بحالي..!! كنت أرى عيناه تتبارق الدموع فيها من الهم الذي يجده..!! أغلقت على نفسي الأبواب تجاهه..! كان يرسل لي أظن أي رسالة تصله عله أن يكسر هذا الحاجز الغريب..!! كنت أسمع بعض الكلمات عن سلامة الصدر وغيرها غير أن مشكلتي مع سلطان ألتمس لها الأعذار وأقول هذا من حقي..! أنا أرد السلام عليه غير أن الابتسامة صعب علي خروجها له..! وهكذا تمضي الأيام وكنت أظن أني على صواب والحق معي..!!

    ***

    (65) نبرات معاناة..
    كنا في الطريق إلى إحدى المحاضرات وبما أن المسجد سيكتظ بالزحام كما هو المعتاد عندما يعلن اسم ذلك الشيخ الجليل..! لذلك حاولت التبكير عليّ أظفر بمكان مناسب..! عندما وصلنا المسجد كان الترتيب على ما يرام فقد وجدنا موقف بعد كلفة..!! نزلت ونزل من كان معي من الشباب وكانت هذه المحاضرة على مشارف شهر رمضان المبارك.. وحديث الشيخ عن أيام رمضان واستغلال الأوقات كان من أروع ما سمعت..! عندما انتهت المحاضرة خرجت عند صاحب المساويك..! في هذه الأثناء قام بدفي مع الجنب شخص متطفل..!! لم ألقي له بالاً.. وكرر الفعلة وكان متلثم بشماغه كنت أظنه من البرد..!! عندما نظرت إليه عرفته من نبرة صوته..! يالله كم فرقت بيننا الأيام..! كان احد الشباب الذين عندما كنت في أولى ثانوي كان هو في ثالث..!! سبحان الله ما أطيب نفس هذا الشخص.. لا تجلس معه إلا وتخرج بفائدة.. سألته عن دراسته في الطب وقال الحمدلله الأمور على ما يرام..!! وكان ما شاء الله عليه من المتميزين في التحصيل الدراسي..ثم سألته عن رفيق دربه وليتني لم أسأله..!!! كان ذلك الشاب من أندى الشباب صوت في التلاوة ومن أضبطهم في الحفظ.. كان دائماً ما يراجع هو وصاحبي هذا لا تراهم إلا مع بعض...!! قال منقطع عنه فترة..!! قلت دائماً مع بعض وغريبة هالانقطاع..!! أمسك بيدي وقال الرجال ما هو على خبرك..!!! هنا أحسست بقشعريرة في جسمي..!! وعلمت ما يقصد دون أن يكمل..!! طأطأت رأسي كلي ندم عندما اسمع مثل هذه الكلمات...!! ومع زحمة الناس الخارجين من المسجد لم نكمل الحديث مع بعض.. ودعت صاحبي.. ومضيت في انكسار إلى سيارتي..!! ولا أدري ما حل بي..!! عندما أوصلت الشباب بقي واحد منهم وقال أريد يا سامي في موضوع..!! أنا في وقتها كنت أعيش في عالم آخر من الهموم وخشيت أن ينكى الجراح مرة أخرى.. وقفت عند بيتهم وقلت آمر..!! قال يا سامي أنا موضوعي طويل..! قلت لا عليك أنا لست مشغول..!! عندما بدأ يسرد أحداث حياته ومن ثم تسلط أقاربه عليه وكرههم له وكذلك استجابة أهله لكلام الناس..!! تذكرت معاناة خالد رحمه الله..!! فقلت مالاقاه خالد وما كان يحدثني به علها أن تخفف ما يجده..!! وختمت حديثي معه أن الابتلاء الذي نواجهه عندما نلتزم طريق الهداية هو من التمحيص والاختبار لنا في هذه الدنيا.. فخير قدوة لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. سُب وشُتم وقذف بأخس العبارات ومع ذلك صبر وظفر..! فلا تحزن وأعلم أن ما أصابك أصاب كثير من إخوانك المستقيمين..! ثم حدثته عن ما سمعت اليوم عليّ أفضفض ما بصدري ويستفيد من الحوادث العبر.. فالثبات ليس بأيدينا وإنما يحتاج إلى صدق مع الله ودعاء والتجاء..

    ***


    (66) أوراق قضية..
    في ليلة الشهر الفضيل تاج الشهور.. كان لنا لقاء في المخيم وكان هناك ندوة عن كيفية استغلال الشهر كان الجميع متفاعل فيها بل طالب أكثر الشباب بطباعة ما كُتب فيها وبالفعل تم توزيعها على الشباب.. رمضان هذا يختلف عن سابقه..!! فقد فقدت من كان يحمسني ويشجعني..!! كنا نصبر بعضنا في الجد في استغلاله..!! واليوم بقيت المهمة لي بأن أشجع الشباب..! رغم صعوبة الوقت مع أيام الدراسة في رمضان..!! كان عددنا قرابة الرابعة..!! وبالفعل بدأنا في هذا البرنامج..! وكان بعض الشباب قد اتفقوا ببرنامج قريب من برنامجنا..! كثير ما نصلي عند قارئ محدد وإذا رغبنا في التغير يكون بشكل مقل..! وبعد التراويح ننصرف إلى الحلقة مع الشباب وهكذا.. كان صاحب الفتيل..!! الذي كان معي أنا وسلطان في ذلك الموقف مع مجموعتي..!! وبدأت تتجلى لي شخصية هذا الشخص العجيب الذي كان بالفعل يتفنن في قلب الحقائق..!! بل أمور وقفت عليها بنفسي غير أني انصدمت بهذه النتيجة..!! سكت وتغاضيت عن تلك الهواجيس التي تطرق فكري تجاه هذا الشخص..!! كنت أقول أحيانا هو كذاب أم صادق فيما يقول..!! كنا عندما نفطر أحيانا في المسجد يبدأ صاحبنا في الغوص في تحليلاته الغريبة للأمور..!! لم أكن أبالي بهذا الأمر..! لكن الذي جعل صدري في ضيق ونكد هو موضوع سلطان هل كان مظلوم أم أن ذلك الموقف خارج نطاق القياس لتصرفات هذا الرجل..!!! عندما بدأت الإجازة قبيل أيام العشر.. عزمت الشباب في بيتنا وكانت آخر قلطة في ذلك الشهر..!! عدد الشباب كثير والوقت ضاق علي عندما قلط الشباب..!! كانت علامات التعب والإرهاق على وجهي فقام بعض الشباب في مساندتي وكانت هذه طباعهم لالا تتغير ومنهم أبوحاتم...!! عندما هدأت الجلسة ولم يبقى سوى الطيب والبخور..!! تكلم أبو عامر عن البرنامج في العشر ستكون العمرة بعد غد وثم التوجه إلى المدينة لاعتكاف ما تبقى من العشر..!! يالله هذه هي الأيام التي ننتظر نسيم عبيرها منذ بداية رمضان..

    ***

    (67) نسيان تعب..
    أخذت الفطور الذي أعدته أمي لنا.. وبقايا أغراضي.. ثم قبلت رأس أمي وأبي مودعاً لهم وطالباً دعواتهم بالتيسير لنا في هذا السفر.. كان آخر شخص يمره الشباب بالباص هو أنا...!! ثم سار الباص يشق طريقه وقبيل الغروب متوجهاً إلى أرض الحجاز..!! البرنامج في هذه الرحلة يختلف تماماً عن أي رحلة غيرها..!! كانت فيه جوانب إيمانية من سماع لتلاوات عاطرات وبعض المحاضرات...!! وجلسة فوائد..! كان رغم جديته إلا أنه ممتع فتغير الروتين المعتاد بحد ذاته مشوق للنفس..!! كان هناك فرصة لتلاوة القرآن وقراءة لبعض الكتب.. ثم بعدها كان المجال مفتوح لمن لديه أي مشاركة يدلي بها..! كنت أستمتع بسماع أحاديث أبوحاتم وقصصه فهو أنيس تلك الرحلة.. قبيل الطائف تعطل الباص..!! ليتعكر الصفو بعد الأنس..!! أكثر الشباب كان يغط في سبات عميق فالنوم في الأسفار له نكهة خاصة عند البعض..!! كان الجو بارد ومع ذلك كانت الحرارة مرتفعة جداً..!! نزل المشرفين وأمرواْ الشباب بالبقاء في أماكنهم..! بعد تقريباً ساعة تمكن أبو سعود من تحديد المشكلة مجرد سلك انفصل عن مكانه..!! لذا لم ندخل الحرم إلا قبل الفجر بساعة ونصف..!! زحام شديد جداً حتى نصل إلى السطح أخذنا وقت طويل وجهد قاسي..!! لم تنتهي العمرة إلا بعد اشتداد الشمس وتصبب العرق..!! أكثر الشباب عزمواْ على الفطر لأننا على سفر آخر صوب المدينة..!! عندما وصلنا أول محطة على طريق المدينة..!! لا تسمع إلا هتافات الشباب كل يشخص يرغب في المباشرة على الشباب..!! أبوحاتم كان مستغرب جداً ما يحصل هو لا يعلم أن الفطر في السفر مشروع...!! كانت نظراته تسترق المشهد باستغراب..!! قال كلمة أنستنا التعب الذي نشعر به..!! قال "عيب عليكم والله عيب مطاوعة ولا ! تفطرون في نهار رمضان !!" حينها لاترى إلا دموع الضحك...!! بل حتى أبوعامر طال ضحكه حتى جلس يمسك بطنه من شدة الألم..!! وكان أبوحاتم يزعله جداً أن تضحك من كلامه..!! شرح له أبوسعود المسألة وحاول أن يفهمه حتى بعد جهد جهيد اقتنع بالأمر..!! وقال أنا بنزل أجيب لكم الفطور..!!!

    ***


    (68) انقضاض هجر..
    في مواقف الحرم المدني أنخنا رحالنا هناك... لم يبقى على صلاة الظهر إلا حدود ساعة ألا ربع...!! لذلك أصدر أبو سعود ذلك القرار الصارم..!! لا أحد ينام إلا بعد الصلاة...!! كنا في غاية التعب كل تفكيرنا النوم ولو على أرصفة المواقف...!! كان الوقت كله نوم..!! بعد المغرب أخذنا تصبيرة والبعض فضل النوم على الأكل..!! المهم مر ذلك اليوم فترة استعادة لما فقدناه من طاقة..!!! لا أدري كيف صلينا التراويح...!! في يومنا التالي بدأ البرنامج بجديته المعروفة..!! كان من الحوافز فطورنا يكون خفيف كالمعتاد (دقة)..! وخبز وروب..!! بينما بعد التراويح من أنجز مقداره له وجبة دسمة..!! ومن تجاوز نصف مقداره له وجبة خفيفة..!! ومادون ذلك فطيرة "لوزين"..!! فكان بالفعل محفز أصاب المقتل عند بعض الشباب..! في تقسيم المجموعات تم تقسيم سلطان في مجموعتي بالغلط..!! فكنت حينها قد سئمت الاعتراض في كل حين..!! قلت لعله تغير عن سابقه..!! بعد ثلاث أيام قضيناها في ذلك المعتكف انكشف المستور عن أبعاد القضية..!!! صراحة في حينها صدمت بل ضاقت الدنيا وأظلمت في وجهي...!! أمسكت ببعض خيوط القصة وعرضتها على صاحب الفتنة..!!! ثم أنكر ما قاله...!! يالله ما أقسى الجحود..! حينها بلغ بي الغضب مبلغه وكدت أن أخرج عن طور سيطرتي...!!! ثم علل وبرر موقفه أني أنا فهمت غلط وهو يقصد كذا وكذا..!! حاولت استرجع الذاكرة..!! ختمت تلك الجلسة الحاسمة بأن لا يجلس معي ولا أسمعك تتكلم في أحد من الشباب...!! كدت من فرط وحر ما في صدري أن أنثر الدموع علها تخفف ما بي..!! حسبنا الله ونعم الوكيل..!! بالأمس كانت المودة قد بلغت علاها مع أخي سلطان واليوم أتنكر له بل وأكرهه وأكره الجلوس بالقرب منه...!! ملعون أنت يا إبليس..!! انتهزت الفرصة وبلورتها في خاطري حتى كبرت وأشعلت نار البغض بعد المحبة..!! في تلك اللحظة التي اختلطت فيها الفرحة مع الهم والحزن...!! تخيلت نفسي مكان سلطان هل أُطيق هذا الهجر..!! بل جزمت لو كنت مكانه لكنت ربما في عداد المنتكسين...!! شاب كانت البشاشة والابتسامة لا تفارق محياه..!! وأتيت أنا وبكل ثقة وأجزم أني محق لا وبل متفضل عليه في كثير من الأمور..!! ومن ثم تتلاشى تلك الابتسامات والضحكات..!! أصبح سلطان قرابة الشهر يعيش في انطواء عجيب..!! آآه ما أقسى الظلم من الإخوة..!! بقيت أعيش في هم وفكر طويل..!! بأي عذر أعتذر وبأي وجهه ألتقي به..!! اتخذت قراري بعد أن عرضت تفاصيل المشكلة لأبوعامر..!! فحاول تهدئة ما حل بي خصوصاً تجاه صاحب الفتنة..!! وقال إحسان الظن واجب فربما هو قال كلام وأنت فهمته غلط فالخطأ وارد..!! واقترح يكون اعتذارك قوي جداً حاول تجهز هدية وتنسق كلامك وتشرح له دون أن تسبب مشكلة مع أي واحد من الشباب..!! ولو تخليها إذا رجعنا للرياض تعطي سلطان الهدية يكون الجو أصفى من الاعتكاف الآن حاول تحسن المعاملة معه وتظهر له الاحترام والتقدير..!! وتذكر أن الشيطان قد أخذ عهد على نفسه وحيلته التي فرق فيها بين الناس سوء الظن فاحذر أن تقع في شراكه..!!

    ***

    (69) عودة رحال..
    بعد الانتهاء من السحور في آخر يوم من أيام الاعتكاف بقي ليلة أو ليلتين وينتهي هذا الشهر المبارك.. بعد صلاة الفجر جلسنا حتى الإشراق وكالمعتاد في درس التفسير مع أبوعامر.. ومن ثم ودعنا المدينة بعد شد الرحال متجهين إلى الرياض..! ما أجمل أيام الاعتكاف وما أحلاها أجواء إيمانيه وأخوية.. ستبقى في أعماق الذاكرة لأنها ربما آخر رحلة لي مع الشباب إلى هذه المنطقة..!! في هذه الرحلة ألقيت عن أكتافي حمل ثقيل..! وزاح الهم تجاه أخي سلطان..! هو لا يعلم أني ندمت على ما فعلت لأني أريد أن أجعل اعتذاري مقرون بهدية..! بل كان تعاملي معه في الرحلة لا يدل على انتهاء القضية..!! في طريق العودة قضينا وقت طويل في النوم..! وأبو سعود لم يجد من يسانده ويحرسه من النوم...!! صحوت وسط مزامير من الشخير المزعجة..!! نظرت إلى قائد الباص.. لا أحد بجانبه كل ما أراه رؤوس قد طأطأت..!! قمت وتخطيت الأماكن حتى وصلت بجانبه ولسان حاله "أتيت في الوقت المناسب" جلسنا نتحدث وطال حديثنا حتى وقفنا عند أول محطة بعد هذا الانقطاع الطويل..!! حينها بدأ الشباب يصحصحون شيئاً فشيء وبدأ مشوار الألغاز والحكايا.. كان أبو عامر ممسك بعجلة الحديث والجميع مصغين له.. سأله أحد الشباب عن مدى اهتمامه بالتاريخ والسير..! قال هذا العلم محبب لي منذ الصغر.. وقوي ميولي له في نهاية المرحلة المتوسطة بل قرأت حينها مجلدات ضخمة في التاريخ..!! ولم يكن لي آلية معينة أسير عليها مجرد ما أرى كتاب في السيرة أو التاريخ أشتريه..!! ومن ثم وجهني احد المشايخ على طريقة منظمة سرت عليها وحضيت بكم من المعلومات لا بأس به في هذا المجال..! وسأله أحد الشباب عن تبحره في بعض المسائل العلمية..! قال أنا لست متخصص في الفقه ولكن لدي طبع أني عندما تعرض لي مسألة تحيرني أبحث فيها ومن ثم أقرا حتى آخذ تصور كامل عنها وعن فروعها ثم أسال شيخ عن حكمها ولا أريده يقول يجوز أولا يجوز..! إنما أريده يبين لي لماذا يرجح هذا القول لذا أجد أني بعد هذه العملية قد رسخت المعلومة لدي فترة طويلة..!! ثم بعد كلامه بدأ يسرد روائع القصص من سير سلف الأمة يقطع بها طول الطريق حتى وصلنا الرياض قريب من العصر..كان فطورنا عند أحد الجيران.. وفكري يراودني عن كيفية اعتذاري لسلطان في أقرب وقت قبل انقضاء رمضان..

    ***


    (70) ميثاق الأخوة..
    في اليوم التالي ذهبت من الظهر أشترى أغراض الهدية.. كان المبلغ الذي أخذته من والدي مناسب جداً.. شريت مصحف صغير وكتاب شباب الصحابة للشيخ محمد الدويش وعطر ثم بعدها ذهبت إلى سوق الاتصالات واشتريت أفضل الجوالات في تلك الفترة..!! ذهبت إلى أحد محلات الهدايا وغلفتها انتهيت من تجهيزها مع أذان العصر..!! صليت بالقرب من بيت سلطان..! ثم اتصلت عليه أظنه تردد كثيراً في الرد..! فلم يتوقع أن اتصل عليه..! عندما رد كانت نبرات الارتباك واضحة من صوته..! قلت أنا عند بيتكم..!! ازداد ارتباكه..! فمالذي أتى بي في هذا الوقت ظن المسكين أن هناك برنامج مع الشباب لم يعلم به..! قال أنا الآن جاي أنا بالمسجد..! عندما قدم علي نزلت باشاً في وجهه ثم لما صافحني عانقته..! سلطان هنا ارتسمت فوق رأسه علامة تعجب..!! بالأمس كنا مع بعض واليوم تعانقني وكأنك لم تسافر معنا..! ثم قبلت رأسه والمسكين لا يدري مالأمر..؟ شددت على يده عذراً يا سلطان عذراً وكأنني أحل تلك العقد التي ضيقت الخناق عليه منذ فترة نظر إلي وقد سبقت دموعي دموعه..!! لم يستطع أحدنا أن يكمل الحديث اكتفينا أن نعبر عن مشاعرنا بهذا الصمت الحزين..!! قلت اركب معي..!! كفكف دموعه وصارحته بالأمر دون ذكر للتفاصيل..! أخبرته أني فهمت قصد كلمة قلتها لي بالغلط..!! كنت قاسي معك في التعامل وكان حاني نظره يتذكر تلك اللحظات القاسية عندما أرفض ركوبه معي..! وكل كلمة أقولها أقول معها عبارات الاعتذار كما كان صدري منشرح رغم البكاء...!! صارحني بحاله..! أوقفت السيارة جانباً لأني لا استطيع رؤية ما أمامي من هذه الدموع الطليقة التي ليس لها عنان...!! قال يا سامي كدت أن تجني علي أحسست بفتور بل وكره للشباب وكنت أصر على نفسي في الحضور كنت أقول هؤلاء هم المطاوعة وهذه هي أساليبهم..! مالي ومالهم كانت تراودني نفسي بالانتكاس وترك الخير وأهله...! ومع ذلك كنت أصبر نفسي كنت قبلها لا أسمع بمثلك يا سامي في تعاملك وحفاوتك بنا ولكن سرعان ما تبدلت الأمور والمصيبة أني لا اعلم ماهو السبب..! وحاولت أن أسألك غير أنك زدت النار لهيب..!! يالله كنت كما ظننت..!! طلبت منه و ألحيت عليه قلت أرجوك يا سلطان أن تنسى الماضي وتمحاه من ذاكرتك أرجوك...!! قال يعلم الله اليوم هو أسعد أيامي خلال هذا الشهر قد أزحت بأول حروف الاعتذار هموم أحرقت جوف فؤادي...!! والآن أشعر بروح التفاؤل والحماس الذي كنت أشعر به عندما دخلت مع الشباب في الأيام الأولى...!! عندما وصلت عند بابهم أخرجت الهدية ومددتها له...!! احمر وجهه رغم اسمرار بشرته...!! قال "وشدعوه"..!! قلت هذه هدية والهدية لاترد..!! شكرني ونزل..!! لم يبقى سوى بضع دقائق على الفطور أسرعت وأنا في غاية الانشراح مما منّ الله به علينا بإخوة الدين وأنعم بها من نعمة.. وأخذت العهد على نفسي أن لا أجعل لسوء الظن على صدري طريق..!

    ***
    (71) تقلب أطوار..
    كان غروب ذلك اليوم إعلاناً لرحيل شهر رمضان...!! ما أسرع الأيام..!! ذهبنا إلى ديارنا نعايد الأقارب هناك حتى قرب موعد الدراسة من جديد..! بعد رجوعنا من القصيم.. لم يتبقى على الاختبارات سوى أقل من شهر..! في المدرسة كان الشباب كتلة واحدة في العمل في برامج الجماعة..!! غير أن هناك واحد من الشباب متقلب الأطوار..!! تراه مع الشباب يظهر بمظهر الاستقامة..! وعندما تراه في المدرسة تجد العكس..!! الثوب يصل إلى أنصاف الكعب..! بينما مع الشباب ربما يصل إلى نصف الساق..!! وكذلك هيئة شماغه تجد مرزامه مع الشباب وكأنه محراب مسجد...!! بينما في المدرسة ينقلب رأساً على عقب..!! غريب أمره..! والأدهى والأمّر..!! أنه يحاول أن يقلل من اللقياء بالشباب في المدرسة فكثير ما يقضي وقت الفسحة في الفناء بعيد عن الشباب..!! وعندما تقابله يتمعر وجهه ويحاول يتصدد..!! بل عندما أمرّه أحياناً تجده يختبي عن أعين المارة في حارته وكأنه مجرم ..!! مسكين يا هذا...!! عندما تضعف شخصية الرجل وينهزم لمجرد كلام الناس وتضعف عنده العزة بدينه...! تصدر منه مثل هذه التصرفات..!! بل يتهرب كثيراً من تكاليف الشباب..!! أتى أبوحاتم وكان في ذلك الوقت قد تولى منصب رئاسة اللجنة الدعوية..!! صارم أنت يا أبوحاتم..! فأمر صاحبنا أن يجهز كلمة للطلعة القادمة.. فوافق على مضض..! في الطلعة صاحب كلمة المغرب نسيها وكلمة العشاء عند صاحبنا لم يجهزها..!! هنا بلغ الغضب بأبوحاتم..!! وخرج فحسبته يريد أن يلقي كلمة..!! فبدأ يتكلم بما لا يفقه من شدة الغضب...! يقول " يا شباب الواحد يصير قد المسؤولية ليه نتهرب من إلقاء الكلمات وليه وليه..." الموقف صعب جداً أبوعامر كان الإمام فامسك بيد أبو حاتم وكان واقفاً بجانبه.. وأجلسه ثم تحدث أبوعامر عن الالتزام بالمواعيد..!! وأن الكلمات لا تحتاج جهد إنما تحتاج إلى ترتيب..!! وبعض الشباب يضع لنفسه حواجز ضد الإلقاء وكأنه عندما يقف أمام أصحابه كأنه سيقاد إلى الإعدام...!! والمسالة ترجع إلى العزم والإرادة فمن يرغب في تطوير نفسه سيجد الباب مفتوح أمامه وأما من جلس ولم يفعل شيء لنفسه فهذا سيبقى على حاله...!! بعد هذا الموقف الحاد بفترة تم نقل أبوحاتم وتوليته على الاجتماعية لأن الشدة فيها مقبولة..!!! وبالفعل أصابتنا التخمة من كثرة الأنعام..!! أعجبني في أبوحاتم أنه حريص كل الحرص.! على بقايا الطعام أن تصل إلى المحتاجين أو بعض العمال المهم لا يبقى شيء بعده..! ولعل في انتقاله إلى الاجتماعية خير كثير..

    ***

    (72) فضفضة مخاوف..
    بين الفصلين وبعد أن اخذلنا صولات وجولات مع اختبارات ثالث..!! كان الجميع مشتاق للرحلة المعلنة..!! نريد أن نأخذ فترة استجمام نستعيد فيها نشاطنا ونفضفض عن أنفسنا.. الأجواء ربيعية لذا كانت الرحلة تخييم في إحدى الفياض القريبة..! ذهبنا قبل الشباب لطق الخيام أنا ومعي أربعة من الشباب...!! عندما انتهينا منها كان الوقت على آخر العصر والشباب قد أتواْ..!! كنا في غاية التعب والجوع..!! عندما أتى الشباب كان قد أتى معهم مستجد...!! قد أتى مع أبوعامر..!! كان هذا الشخص لا تظهر عليه العلامات الاستقامة..!! ثوب مخصّر وطويل..!! فيه نعومة واهتمام فائق بنفسه..!! كان يشمئز من بعض تصرفات الشباب ومزحهم مع بعض..!! كانت حياة البر صعبة بالنسبة له..!! أظنه مرض عقب تلك الرحلة..!! كانت البرامج في المخيم من أقوى البرامج بل من حماس الشباب لم يتخلف عن تلك الرحلة سوى واحد من الشباب ولظروف طارئة..!! وكذلك الإعداد في البرامج غاية في الحماس والتجديد في الطرح...!! وكان الرياضي جميل جداً أحد الشباب أتى "بددسن" قديم لهم وكان لا يكاد يمشي متر إلا ويهوي في الأرض وبعد عناء يطلع وهكذا طوال الرحلة..!! رئيس اللجنة الاجتماعية أبوحاتم صاحب الكرم والولائم حمس الشباب على شراء "تيس" وأخذ الشباب مع أبوسعود دورة في فن تقشير الذبيحة..!! الجو في الليل بارد جداً وكان هناك حراسة ليلية..!! يمر الدور على كل اثنين خلال فترة التخييم ساعتين ثم يستلم من بعدهم..! كان آخر الليل من نصيبي أنا وسلطان.. عندما أتى موعدنا كان النوم يحاصرني غير أن الشباب ألزمونا بذلك..!! حطيت إبريق الشاي على جانب النار نقطع هذه الساعتين في السواليف وشرب الشاي..!! في سكون الليل وصمته..!! كنا نسمع نباح كلاب من بعيد..!! غير أنها بدأت تدنوا شيئاً فشيء..!! كان الخوف واضح علينا...!! وكذلك من سبقونا في الحراسة يتوهمون سماع أصوات غريبة وهكذا..! ليس هناك مصدر للضوء غير النار التي أمامنا...!! أخذت خشبة حطب بيدي استعداداً لساعة الصفر...!! في هذه الأثناء خرج أبوعامر بكشافه من الخيمة..!! فالأصوات قريبة جداً..!! أخذ يرميها بالحصى حتى هربت ولم يسمع لها صوت..!! ذهب وتوضأ ثم بعد فترة أتى إلينا وأكمل الحديث معنا..!! صاحبنا المستجد لما سمع بالقصة..! وكأنها أصعب لحظات الحياة عنده..!! بعد انتهاء المخيم وكما تعودنا تمنينا لو طالت أيامه..!! تعلمنا فيه معاني الشدة وصور الإيثار ولحظات الإخاء والمحبة..!! لم يكن الترفيه جل وقتنا بل كان هناك دروس وكلمات وبرامج علمية تجعل للرحلة نكهة خاصة تجمع صنوف شتى من البرامج..

    ***

    (73) أعذار واهية..
    ما تبقى من الإجازة تم عقد فيه الاجتماعات مع الشباب لتطوير البرامج المدرسية والتجديد فيها.. أما المشرفين فقد أوعدونا ببرامج تختلف تماماً عن السابق..!! مع مرور الأيام كان يراودني شعور الفراق بأنه كل يوم يدنواْ مني..!! كانت دفعتنا "ثالث ثانوي" لنا لقاء مستمر مع المشرفين يتم فيه عرض البرامج وتنسيقها وحل لبعض الاستشكالات التي تمر على الحلقة..!! كان هناك ثلاثة من دفعتنا توهمواْ أن الإنسان لما يصل ثالث ثانوي لابد له من الانقطاع التام عن الناس وعن المشاغل الأخرى...!! كان أحدهم حبيب وفيه خير عظيم ولكن اللذان معه أثرواْ عليه كثيرا..!!أتى إلي وقال يا سامي انتبه لدروسك وترى الشباب ما ينفعونك ومن هذا القبيل..!! قلت عموماً هذه وجهة نظر احتفظ بها لنفسك..!! والأثنين اللي معك شرعي وأنت طبيعي..!! فما فيه مقارنة بينكم..!! إذا كنت جاد في طرحك جرب نفسك أسبوعين واحكم..! هل تغير شيء..!! كانت نيتهم حسنة بحكم ضغوط البيئة والجو المحيط بهم لأن في ثالث الكل يحرص عليك...!! بل تجد الصالح والطالح يحرصك على المذاكرة حتى تصبح تعيش في أجواء غريبة..!! قام الثلاثة وأخبرواْ أبوعامر بوضعهم فقال لهم كلام رائع..قال أي وقت فاضين فيه تعالواْ للشباب...! بعد مرور الأيام والكل مجتهد كانواْ يلتقون بعض المرات مع بعض.! يتحدثون ويفضفضون على أنفسهم شيئاً فشيء..!! طلعة للبر و"الثمامة"..! ثم "خرارّة"..! وكل هذا في وسط الأسبوع ويتحججون بالمذاكرة...!! لقد تم تحطيم الفكرة الأساسية وتم اغتيالها..! وأصبحواْ حتى وقت الدراسة يغابون..!! كنت أحياناً ألتقي بهم لأنهم ليسواْ في مدرستنا إنما في مدرسة أهلية...!! أسألهم عن حالهم ويقولون نحن في جد واجتهاد..!! بل بدأت تظهر منهم كلمات جريئة..!! "خل الشباب ينفعونك و..و..و.." صراحة أشفقت عليهم..! لأني والله موقن بأن الشباب خيراً... بل كنت أقول لهم طيب ما هو معقولة كل أوقاتكم مذاكرة تعالواْ للشباب ولو فترة بسيطة..!! لكن الشيطان وجد فرصة وثبت فكرة..! افتقدناهم كانواْ في بداية أمرهم يمرون على الشباب ويجلسون معهم في الطلعات وغير..! أما اليوم لم نراهم منذ أمد بعيد..! أصبحت دفعتنا خمسة أشخاص بعد ما كنا ثمانية..!! من بقي استفاد.. بل وأفاد..!! فالشاب مهما كان قدره فهو بحاجة إلى من يعينه على الخير لا من يقتل أوقاته في سفافس الأمور..!! بل أحياناً كنا نعتذر عن الحضور لظروف طارئة ومع ذلك المشرفين مقدرين لنا ومحترمين أوقاتنا..! ومن عرف قدر نفسه رتب أعماله وقسمها على ساعات اليوم..!! فهناك ساعات كثيرة هي في الحقيقة فرص ثمينة لمن يريد استغلال وقته كثير ما نغفل أو نتغافل عنها..!!

    ***


    (74) يقظة هداية..
    بعد مرور الأيام في ظلال القرآن ورحاب الأخوة.. كان صاحبنا مشاري المستجد تتغير حاله إلى الأفضل بدأت تظهر معالم الاستقامة على مظهره بل أصبحت الخشونة تكسوه بدل النعومة..! يالله كم كانت تسحرني سجداته وحسن صلاته.. بينما الكثير من الشباب ينقرها وبشدة وكأنه مطارد..! كان إذا دخل المساء أراه يخرج من جيبه الأذكار ويقرأها حتى يكملها حريص كل الحرص على ذلك.. كان بعض الشباب هم في الحقيقة لاهم لهم إلا التثبيط وهم قلة غير أن لكلماتهم تأثير على الشباب..!! كانوا عندما دخل صاحبنا تصدر منهم عبارات لا تليق بشباب ظاهرهم الخير يقولون عنه (خكري) وما إلى ذلك من العبارات السافلة..! دون أن يحاولوا الاندماج والحديث معه..! بل تركوه يصارع الوحدة في هذا المجتمع.! ولكن تلافى هذا الوضع ثلة من الشباب يعيشون هم الدعوة وتألف القلوب.. كنا في احد البرامج وكان مسابقة متنوعة منها لقاء مباشر وتم الاختيار لهذا الشاب"مشاري".! من ضمن الأسئلة انطباعك الأولي عن الشباب..! قال كلمة رفعت من همم الشباب..! وزادت من حماسهم.. يقول ظاهرة رأيتها في الشباب دون استثناء.. رأيت الابتسامة ملازمة لمحياكم لا تكاد تفارقه لحظة واحدة شدني ذلك المنظر كثيراً أيقنت أنكم تعيشون في أنس واطمئنان..! فصبرت نفسي رغم شعوري بأن بعض الشباب لا يلقي لي بال..! حتى بعد فترة من هذا الصراع رأيت أن الشباب يحتفون ويهتمون بي..! أصبحت أشعر بأن لي مكانة عندكم...!! أحببت اللقياء بكم بل كنت أنتظر البرامج بشوق..!! تأثرت بما أراه فيكم..! كن أحاول محاكاة ما تفعلون..! حتى تذوقت ذلك الأنس عندما فصلت ثيابي الجديدة فوق كعبي هناك أحسست بالفرح رغم سخرية رفاقي وأقاربي مني..! أيقنت أن السعادة في طريق العبادة... كنت عندما أمنع نفسي من أي شهوة عارمة أشعر بهذا الشعور..!! عرفت نعمة الله علي ومنته سبحانه بالهداية..!! كان ما قاله صاحبنا غير ملامح كثير من وجوه الشباب..!! وحينها كانت انطلاقة ذلك البطل في دروب الخير والرفقة الصالحة...!! كان صاحب همة عالية.. يريد أن يحضى بكل خير.. مكانه في المسجد معروف لا يتخلف عن الصف الأول..!! كل هذا في موازين حسنات من وقف معه وجلس إليه حتى اتخذ القرار الشجاع..
    ***
    (75) استباق الأحداث..
    في صباح ذلك الخميس كانت طلعتنا إلى ضواحي مدينة الرياض تحديداً بالمزاحمية.. كان عنوان تلك الطلعة "وثبة تقدم" ناسب هذا الشعار بداية العام الجديد.. عندما وصلنا المزرعة كانت هناك جلسة افتتاحية لعرض البرامج وتكريم للمتميزين كسراً للروتين الذي تعودنا عليه أن يكون التكريم في آخر الطلعة..!! بعدها بدأ أبوعامر في درسه الرائع وبحكم تخصصه بالسيرة جعل يسرد قصص من تميزواْ وبرزواْ من السلف وغيرهم.. ثم يذكر مراحل التقدم في سيرة الشخص وما هي العوامل التي ساعدته على ذلك.. كان بحق درس مشوق وفريد في طريقة عرضه.. الجميع متفاعل ومتشوق لما سيقوله.. ختم درسه ببعض التساؤلات كانت هي محور ولب الموضوع..! ما هي الجوانب التي غيرتها خلال سنة..! أم ستبقى على حالك أينما هبت بك الريح طرت بها..!! ما هو تخطيطك للأيام القادمة بل السنوات السبع..!! إن أمد الله في عمرك.. ماذا رسمت لنفسك لتكون عليه بعد سبع أو خمس سنوات..!! اجعل لنفسك فرصة للتفكير في ذلك وعش خيالك وارسم خطتك باتزان فلا إفراط ولا تفريط.. والسيل أول قطره...!! كان ما قاله أخذ حيز كبير من تفكيري..!! بل بعض الشباب استغرق في التفكير لأنه بالفعل سؤال نغفل عنه..!! بعد انتهاء الدرس وبداية اشتداد الحرارة مع بداية الصيف..!! هب الشباب إلى بغيتهم إلى بركة السباحة..!! ولا يمكن أن الشباب يسبحون بهدوء دون تغريق الآخرين..!! بعد الظهر كان الجميع متعب لذا كان البرنامج رائع جداً "قيلولة" حتى وجبة الغداء..!! في المجلس الجميع تخيم عليه غيوم التعب والنوم..!! متفرقين في أرجاء المجلس..! كنت مستند إلى يدي انتظر قدوم النوم..!! وجلست انظر إلى الشباب وأتخيل كيف سيكون وضعنا بعد خمس سنوات..!! كنت أقول فلان يصلح يصير مدرس وفلان خطيب وفلان مهندس وهكذا..!! لم أكن أعلم أن الواقع سيختلف تماماً..!! من الشباب من انتهى أجله قبل بلوغ هذه الفترة في حوادث السير..! والبعض انتكس على عقبيه واعتزل طريق الهداية غارقاً في بحور المعاصي والهموم..!! والبعض اصطفاه الله شهيد يدافع عن حرمات الإسلام أمثال مشاري فقد تخضبت بلاد الشيشان بدمائه..!! كان يقال لك شاب مدلل متنعم لا تعرف للخشونة طريق واليوم ألجمت من تكلم فيك بطيب أفعالك... ومنهم من أصبح داعية إلى الخير بكلماته ومواعظه أمثال سلطان..!! ومنهم من أصبح مدرس يربي الأجيال على معالي الأخلاق.. ومنهم ممن لم أراه أصبحواْ مشرفين على حلقاتنا "حلقات الهجرة" بعد حين..!! ومنهم من أصبح كاتب مرموقاً كما يظن.!! شاهراً قلمه يسب ويطعن في أهل الدين في زوايا الجرايد والمجلات...! أمثال صاحب الفتنة والإشاعات نعم كنت صاحب فتنة ولا تزال..!! هكذا كانت أوضاع الشباب بعد مرور السبع سنوات..!! انتهت الرحلة ولا تزال تلك الجلسة باقية في أذهان الجميع..

    ***

    (76) تضافر جهود..
    مضى الفصل الثاني وتصرمت أيامه وذهبت كما تساقط أوراق الخريف..الوضع بالنسبة لباقي الشباب لا يهمهم كثير..! أما بالنسبة لدفعتنا فيعلمون أن تسارع الأيام هو في الحقيقة دق لجرس التأهب للرحيل..!! منّ الله علي بالختمة الثانية لكتابه... ومنّ علي بصديق وفي نراجع وإياه سوياً في المدرسة وأوقات الإجازات أصبحت تربطني به علاقة قوية.. في آخر زيارة في ذلك الفصل كانت لأحد مكاتب دعوة الجاليات وأجزم أن الجميع خرج بفائدة عظيمة..!! عندما أنهينا الجولة على مرافق المكتب وآلية عملهم.. كان الشيخ المشرف على المكتب موجود.. فكلمه المنسق للزيارة بان نجلس معه فوافق... وجه إليه أحد الشباب سؤال عن دورنا مع مكاتب الدعوة؟ فتكلم كثيراً ومن ضمن حديثه..ما هو دورنا مع العمالة الموجودين في بيوتنا..!! ثم تكلم كثيراً عن الخادمات وما هو دورنا الدعوي فركز الشيخ على جانب الأخلاق فقال أنت بأخلاقك وتعاملك هذا بحد ذاته دور دعوي كبير..! وتكلم عن الضابط الشرعي في التعامل مع المرأة الأجنبية وركز وشدد على هذا الأمر..! انتهت الزيارة وقد أعطوا الجميع بعض الهدايا.. أما الشيخ فأهدى شنطة تحوي العديد من اللغات وقال هذه فكرة مجربة بإمكانكم الاستفادة منها في رحلاتكم وفي تعاملكم مع عمال المحطات وغيره.. كانت هذه الزيارة آخر برامج الفصل لم يبقى إلا القليل وثم عادت هموم الاختبارات مرة أخرى...كنت أحيناً أذاكر مع الشباب وأحياناً في البيت وهكذا..!! حتى بعد مذاكرة الأيام الأخيرة مع الشباب نسيت أحد دفاتري في مكان جلوسي...!! والساعة قرابة11:30 اتصلت بأبوسعود اخبره بالأمر قال أنا في المسجد..! استغربت مكوثه بالمسجد في هذا الوقت وهم في إجازة منذ أسبوع..!! عندما أتيت المسجد وجدت أن المشرفين جميعهم متواجدين..!! كنت في غاية الإحراج.!! كان لديهم اجتماع..! ترددت كثيراً في الدخول..! عندما دخلت وسلمت عليهم أخذت الدفتر مسرعاً أريد الانصراف.! فقال أبوعامر "معليش بناخذ من وقتك شوي" المشرفين محتارين في الرحلة بعد الاختبارات ودنا تختار حتى تتكافآ الآراء..!! ترشح المدينة وينبع ولا الشرقية ولا مكة والطائف..!! قلت مجرد رأي مكة والطائف أنسب..!! ثم خرجت..!! ولا زلت أقدر وأحترم تلك الجهود المبذولة..!! كم ضحواْ من أوقاتهم وأموالهم في خدمة الشباب..!! بل لا أكاد أذكر غياب لهم إلا قليل.. فنعم التربية تلقيناها منهم ونعم الأخوة عشناها معهم..

    ***

    (77) عهد الوفاء..
    بعد العراك والنزال الشديد مع اختبار الكيمياء خرجت متأخر جداً.. كانت القلطة عند سلطان وقد ألح علي وأكثر الإلحاح...!! فأتيت تطيب لخاطره وإلا في الحقيقة كنت متعب جداً فالليل كان نومي قليل..!! عندما دخلت كان الشباب قد اجتمعواْ... تم توزيع أوراق الموافقة لرحلة "مكة والطائف" سعدت بهذا الاختيار والشباب كانواْ متحمسين لذلك..!! وعندما أتيت البيت أعطيت أبي الورقة وعلى الفور وقع عليها.. وقال بالتوفيق ياولدي..! كان يبقى على نهاية الاختبارات وبداية الإجازة ثلاث أيام..!! ولكن تجري الرياح بما..!! لقد أصابت أبي حمى شديدة..!! كنا في الصيف ويجعل عليه أكوام من البطانيات ومع ذلك كان يرتجف..!! قلت نذهب للمستشفى.! غير أنه رفض..!! اشتد الأمر فبعد جهد جهيد ألقى بنفسه في السيارة وانطلقت أنا وأمي إلى المستشفى..!! تم تنويمه.. وقال الدكتور لماذا التأخر..!! المهم جلس أبي حتى المساء وهو لا يزال نائم...!! والرحلة فجر الغد..! أخذت الجوال واتصلت على أبوعامر معتذراً منه...! قال جلوسك بجانب أبيك واجب لابد منه والله يوفقك ويشفي أبوك في القريب العاجل... أصبح أبي عندما يفكون عنه المغذي تعود عليه الحمى..!! قرابة ثلاث أيام مكثها في المستشفى.. وبعدها خرج وكان لا يزال يعاني منها.. بل لم تعد له شهية للأكل مما زاد من ضعف جسمه.. الحمدلله بعد مرور اليوم والنصف تشافى وعاد كما كان..!! كان يراعي شعوري وقال ليش ما رحت يا سامي مع ربعك..! قلت والله لا يطيب لي هناء وأنا أراك طريح الفراش وأعظم أُنس هو عندما أقف مسانداً لك يا أبي في ملمات الحياة..! عذراً فمهما بذلت لك فلا يعدل ذلك إهدائك لي هذه الرفقة الصالحة.. ابتسم أبي وعادت به الذكرى..!! وقال تعتذر من ماذا..!! أنا الذي أجد الحرقة في صدري بحرمانك لها وأنت كل فترة تلح علي وتجهل ما يكنه الصدر في تلك الأيام..!! عندما عاد الشباب كنت في استقبالهم حتى نساعدهم في التوصيل..!! بعد ذلك لم يتبقى على بداية المركز الصيفي قرابة أسبوع ونصف...!! وهناك يكمن الشوق فآخر لحظات العيش في تلك الأكناف هي هذه الأيام القليلة..! فكنت حريص كل الحرص أن لا يفوتني شيء منها..

    ***

    (78) شهادة الختام..
    عندما خرجت نتائج ثالث ثانوي الحمدلله كانت النتيجة قريب مما توقعت وكذلك باقي دفعتنا.. غير أن الذين تركواْ الشباب دفارة واجتهاد...!! كانت نتائجهم متدنية جداً.. فخسرواْ الشباب والدراسة معاً وكل شخص مرهون بما عملت يداه..!! مع بداية المركز وكذلك الدورة القرآنية المكثفة..!! فهذه ثانية دورة أحضرها مع الشباب..! في المركز كان الشباب متحمسين خصوصاً أننا أصبحنا نسيطر على المراكز الأولى في السنوات الماضية.. الجميع مجتهد في مهمته.. فهؤلاء في ديكورات المقر والأشكال الخارجية.. وهؤلاء في البرامج وتنسقها.. وهكذا.. كنا نحن شباب ثالث في المركز عموماً هم المسئولون عن المتابعة في لجان المركز والأسرة... كانت تصادفنا في أواخر المركز مشكلة التقديم والهم الذي يصاحبها..!! قدمت على كلية الهندسة بالقصيم وتم قبولي الحمدلله.. نعم! سنرحل من الرياض إلى مسقط الرأس..! وهذا هم يصارع فكري.. وما أسرع أيام البرامج الصيفية..! كنت في الدورة القرآنية قد أخذت القرآن كامل غير أن التقديم وبعض الأشغال فوتت علي بعض الشيء..!! فحماس الشباب في الدورة الصيفية شيء لا يوصف..!! يجبرك الموقف على الحماس حتى ولو كنت مثقلاً بالهموم..! منّ الله علي بمجموعة المرور الجديدة بشباب غاية في الحرص والاجتهاد..!! لو تأخرت دقيقة تنهال علي الاتصالات..!! كنت أتمنى لو رجعت بي الأيام وكنت مثلهم..!! في المركز كان هناك لقاءات خاصة بشباب ثالث في جميع الحلقات... يكون هناك دروس ودورات معدة لنا لما بعد التخرج..!! أتى أحد الملقين وكان يتكلم عن الاستقامة وتكلم كلام جميل.. خلاصة الأمر أن يضع الإنسان له برنامج يتناسب مع ظروفه ويشمل كثير من احتياجاته.. وأن يحرص أشد الحرص على الصحبة الصالحة فهي من أعظم أسباب الثبات بعد الاعتصام بالله عزوجل.. وأن يتغافل عن أخطاء الأخوة ويجاهد نفسه على ذلك أشد المجاهدة.. ومرت الأيام كعادتها وبين عشية وضحاها أصبحنا نقف على أطلال المركز الصيفي وختام الدورة القرآنية...! يالله ما أجمل تلك الأيام وما أحلاها.. بالأمس نرتب المقرات واليوم برنامج لضف عفشنا منها..!! في الدروة القرآنية كنا نكتب الاستمارات للتسجيل واليوم نستلم شهادة الختام.. وتقضت فرحة اللقياء كبرق= وسمانا أظلمت بعد إلتماع..آه لو تدري بحزني والتياعي =حين قالواْ أشرقت شمس الوداع..بقي أمامي وأمام رفاق الدفعة آخر محطاتنا مع الشباب (رحلة أبها).. ثم يأتي وقت الرحيل المر..!!

    ***
    (79) حداء الفراق..
    اجتمعت دفعتنا مع المشرفين في بيت أبو عامر قبيل الرحلة.. وأوكل المشرفين مهمة الرحلة لنا.. أبوعامر يقول نحن في هذه الرحلة ضيوف شرف فالرحلة منكم وإليكم ونبغى إبداعاتكم الختامية..!! بدينا بتقسيم الشباب وترتيب الأعمال وتنسيقها..أسبوع من انقضاء الدورة القرآنية والمركز كان مرحلة إعداد وتخطيط لرحلة أبها.. ثم بعدها سارت ركابنا إلى جبال عسير.. من نعم الله علينا كانت جميع أيامنا هناك لا تخلو من هطول للأمطار.. ولا تسل عن حال الشباب عندما ينزل المطر..!! كانت البرامج إبداعية بكل ما تعنيه هذه الكلمة..!! لم يكن فيها برنامج سبق أن قدم للشباب..!! في منتزه سحاب كانت أول محط ركابنا لذلك كان الشباب متشوقين للتمشية والتنقل في تلك الغابات.. عندما نزلنا الأغراض كان الجو بارد والوقت مبكر جداً فالشمس لم يحتمي شعاعها..!! جلس الشباب يتحدثون ويستغرقون في السواليف والتعليق على بعضهم.. حتى بدأ يشرع أبوسعود في درسه وكان عنوانه يجذب السامع..!! تكلم عن الفضول وعن أربعة أنواع منه..!! في المأكل والمشرب والكلام والنظر.. كلام غاية في الجمال..! أطال كثيراً في الحديث عن النظر وقال نحن في بداية هذه الرحلة المناطق هنا يجتمع فيها الناس من كل حدب وصوب.. لذا احرص أن يكون لنظرك فضول..! وقال بعض الشباب في فضول الكلام لايسكته إلا النوم..!!! وهكذا عرج علي باقي المواضيع مع إثراء الشباب ومشاركتهم له.. ثم انفض الشباب يشقون هامات الجبال.. وصلنا عند منبع ماء وكان الوقت ظهر والجميع قد عطش من شدة الجهد المبذول..!! شربنا حتى روينا من ذلك الماء الزلال البارد..!! في الحبلة عندما نزلنا في "التلفريك" تذكرت ذلك الموقف في أول رحلة لي لأبها مع الشباب..! وذكرت القصة للشباب..! ما إن وطئت أقدامنا ارض الوصول تحت..!إلا وصوت أزيز الرعد فوق رؤوسنا وبدأ المطر يصب بشدة..! فرجعنا أدراج طريقنا للأعلى..!! في القرعة وضع برنامج خاص بتلك المنطقة لتضاريسها الجغرافية جلسنا فيها من الصباح حتى منتصف الليل..في إحدى فتراتها كان هناك درس أخذه أكثر الشباب على المباشر..!! الماء قليل..! والذي يسكب الماء على الشباب للوضوء أبوسعود..! أحد الشباب كان يغسل العضو أكثر من أربع مرات..! هناك ثار غضب أبوسعود..!! وزجر صاحبنا..!! وتكلم بعد الصلاة عن الوسوسة..! وقال هذه ألعوبة الشيطان في أهل الدين..! يأتي إليك من باب الكمال في الطاعات وهو في الحقيقة مفسدها و منقصها..!! والإنسان إذا لم يلتفت لهذه الأمور ولم يلقي لها بال خلص من هم كبير وعاش مرتاح البال..!! وقال ليس في الوضوء فحسب بل في الصلاة والأذكار وغيرها من الطاعات يحرص الشيطان على إفسادها.. كان ما يقوله عدل مفاهيم كثير من الشباب تجاه هذا الأمر كانت المقالب مما يزعجنا في ليالي تلك الرحلة أظن هناك لجنة لتقسيمها بين الشباب..!! وتفنن عجيب في صنعها.. ولكن المحاكمات وعقوباتها هدت من شراستها..! فالحرمان من الأكل في الرحلة أشد العقوبات..!! بعد وصولنا إلى آخر أيام الرحلة..! لا أدري لماذا أصبحت أعيش في فكر عميق..! انظر إلى تلك الوجوه وأسأل نفسي هل سنفترق بعد كل هذه الأيام والسنين..!! في طريق العودة بعض الشباب لا ينشد إلا أناشيد الوداع فكأنه يحكي حالنا..!! عندما شارفنا الوصول غلى الرياض..أخذ اللاقط أبوعامر وتكلم عن انجازات الرحلة وما انعم الله به علينا من التيسير ثم أردف في كلامه ونشكر إخواننا شباب ثالث عفواً أقصد الجامعيين..! على ترتيبهم واجتهادهم في الرحلة وإن كنا في الحقيقة قد دنونا من عتبة الوداع ولا أدري كيف سنطيق فراقهم..!! كم حركت كلماته مكامن الدموع..!! فالأيام بتسارعها لا تراعي لنا شعور..!! نزلت عند البيت.. والشباب يهتفون بعبارات الوداع من كل أرجاء الباص..!! تلك اللحظات كانت من أصعب أيام حياتي أيام معدودة... ويحل الفراق المر..!!

    ***



    (80) لحظة رحيل..
    بعد مرور قرابة الأسبوع ونصف بعد الرحلة..!! كان موعدنا مع الوداع.. كنت في هذه الفترة كثير السرحان..!! أحياناً لا أفهم ما يقال لي..!! كنت أسأل نفسي مراراً هل سيأتي يوم وأبتعد عن تلك الرحاب.. التي أمضيت فيها من عمري ثلاث سنوات.. أجلس وأذهب مع الشباب ربما أكثر من أهلي..!! هم في الحقيقة فكري وهمي سؤالي دائماً عن جديدهم..!! وصلت إلي تلك الرسالة من أحد شباب الدفعة التي بعدنا...!! يستعرض فيها برنامج الرحلة معنونة بـ (رحلة وداع) آه ما أقسى الوداع على قلبي..!! عندما بزغت شمس ذلك اليوم أهلي توجهواْ إلى القصيم لحضور عرس خالي..!! وقد ألح علي أبي بالذهاب معهم وأخبرته أني سأحضر بعد برنامجنا فوافق.. مررت الشباب وتوجهنا إلى مزرعة احد الشباب في تمير..!! وصادفت قربها من القصيم حتى يتسنى لي حضور عرس خالي..!! أخبرت أبو عامر بظرفي فقال نقدم الجلسة الوداعية إلى المغرب.. في طريقنا إلى تمير كانت نظرات الشباب لي فيها استغراب..!! بل احدهم يقول عجزت اقنع نفسي إنكم ستتركون الحلقة..!! يقول صراحة إذا سمعت حلقات الهجرة أول ما يتبادر لذهني أنتم..!! قلت ياشباب إللي قبلنا مرواْ على هذا اليوم وحنا بنمر عليه وأنتم ستمرون عليه..!! لكن الواحد يستغل وقته مع الشباب عله يخرج بأكبر فائدة..!! وهذي سنة الله بالحياة ما من لقاء إلا ويعقبه فراق شئنا أم أبينا..!! في برنامج العصر بعض الشباب ذهب يسبح بالبركة والبعض يلعب كورة بالملعب..!! وكنت حريص على مشاركة الشباب في جميع برامجهم في هذه الرحلة..!! فأخذت مع الشباب في المعلب كذا شوط وذهبت للشباب في البركة...!! عندما انتهيت من السباحة..!! كنت جالس على جانب البركة..!! أرقب الشباب.. انظر إلى صفاء الأخوة والمحبة والأنس الذي يعيشونه..! فهم لا يشعرون بما أشعر..!! بعد صلاة المغرب وقد حان الموعد المرتقب..!! في هذه اللحظات كنت أشعر ببرودة في جسمي وخفقات قلبي تزداد شيئاً فشيء..! خرج أحد الشباب يلقي كلمة..!! لم استوعب ما يقوله..!! اجتمع الشباب في بيت الشعر..!! ونحن يخيم علينا الصمت..! أصبحت أشعر في تلك اللحظة كأنني جالس بين غرباء علي وكأنني لا أعرفهم..!! ثم تكلم أبوسعود..!! ووقفاته في الكلام المرعبة..!! وبدأ يمدح ويثني..!! ويذكر المواقف والذكريات..!! كنت عندما أرفع نظري للشباب تحاول الدموع الخروج..! غير أني تمالكت نفسي..!! تكلم من معي عن ما في خواطرهم..!! حتى أتى الدور علي وكنت آخرهم..!! خنقتني العبرة في البداية وسكت لحظة..! ثم بدأت أتكلم لا أدري ماذا قلت غير أن ما في قلبي خرج على لساني..!! حكيت قصتي التي يجهلها كثير من الشباب بل المشرفين لا يعرفونها..!! تكلمت عن معاناتي في الطفولة..!! وعن مرحلة بداية انجرافي في طريق الضياع والتفحيط..!! كنت أظن أنه منتهى السعادة..!! حتى تيقنت أنها طريق والله التعاسة محفوف بأصحاب المصالح والمقاصد الخبيثة..!! حتى حصل لي الحادث وانكشف عوراهم..!! تركوني أسبح في دمائي وآلامي..!! ولم يلتفتواْ لي إنما انتهت المصلحة وولواْ هاربين..!! تكلمت وقلت يا شباب احذرواْ كل دعاياتهم وأكاذيبهم..!! يا شباب البعد عن طريق الحق هو الكدر والضيق في الصدور..! لا سعادة إلا في طريق الهداية..!! والله أحلى أيام عشتها في هذه الدنيا هي هذه الأيام..! وكم تمنيت والله لو طالت الأيام وجلسنا معكم..!! الصحبة الصالحة هي في الحقيقة مرساة الطريق وسبب للثبات على الاستقامة..! إياك أن تحدثك نفسك عن الابتعاد عنهم..!! كنت أحمد الله عزوجل على هذه المنّة العظيمة..!! أني قضيت فترة من حياتي معكم.. سبحان الله كنت لا أعرف أي شيء عن هذه الحياة في حلقات التحفيظ..! ولكن ساق الله لنا من يعيد للبيت نوره وسكينته..!! شيخنا أبو أنس أدعو له في سجودي بأن يوفقه ولا يحرمه الأجر..!! يا شباب هذه نصيحة مجرب.. من ترك الهداية وانتكس ظاناً أنه في سعادة.. فهو والله كذوب..!! جلست مع بعض الشباب الذين انتكسواْ كثير منهم يتمنى الرجوع ولكن المعاصي كبلته وقيدته..!! انتهى اللقاء والجميع يعلم بأني على سفر فالوقت ضاق بنا..!! هنا تفجرت دموع الرحيل..!! كنت أنظر إلى عيون بعض الشباب وهي تبرق وتغص في دموعها..!! صافحتهم وعانقتهم معاهداً بأن نبقى في وصال على مدى الأيام..!! ودعت تلك الديار ومن فيها..!! والدموع تخط سبيلها..!! ثلاث سنوات قد تزيد قليلاً لم أنسى شذاها وعبيرها..!! فقدت أعز رفاقي فيها والبعض فرقتنا فيها الدنيا بدناءتها..!! واليوم ودعتهم.. البعض كان وداعي له وكأنه آخر لقاء لي معه في هذه الحياة..!! والبعض ودعته كآخر عهد له في الاستقامة..!!! في الطريق وحدي أسير فالذين ذهبواْ معي اليوم لن يرجعواْ معي..!! انهالت علي رسائل الشباب ما بين داعي ومعتذر ومحب..!! سدد الله خطاكم وثبتكم على الحق..!! فصنائع المعروف يصعب أن يعدها من عاش معكم فأنتم بحق مرساة الطريق..
    [ تمّت ]

    حمّل الرواية كاملة في ملف واحد من هنا

    http://fars1010.googlepages.com/MRSAT.html

    ¦رواية مرساة الطريق¦
    تأليف: أبو ياسر (همس الريشة) – منتدى المعالي




  2. #2

    الصورة الرمزية أأبو محمد

    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المـشـــاركــات
    956
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: [ مرساة الطريق ] ... [ روايـــة ]

    وأخيييييييييييييييييييييييييراً تمت قراءة الرواية بالكااامل ولله الحمد <<<من يومين مخلصها وتوني افضى

    الرواية مشوقة ، خاصة من بدايتها ..
    احداث رائعة ، من البداية .. وحتى النهاية ،
    وفوائد عااابره ،
    وعبــر كثيييرة ،
    فعلاً استفدت منها ،
    من شدة شوقي لها ، اتابعها وانا بوقت المحاضرة ، لها طعم خاص
    جزاك الباري خيراً على حرصك بما يفيد به إخوانك .. فهذه سمات طلاب العلم أمثالك يا أبا الجراح

    أخيراً ..
    أفدنا بما لديك ، وشاركنا بما تستطيع ، وأتحفنا بقلمك
    ولاتنسانا من دعائك

    دمت بخير ..
    محبك في الله : أبو محـمد

  3. #3

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: [ مرساة الطريق ] ... [ روايـــة ]

    إبداااااع
    ماشاء الله
    و أسلوب في قمة الروعة
    استمتعت بقراءتها .. جزيت خيراً

  4. #4

    الصورة الرمزية كونآنية

    تاريخ التسجيل
    Oct 2013
    المـشـــاركــات
    18
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: [ مرساة الطريق ] ... [ روايـــة ]

    رائعة جداً عشت الروآية اصلاً خخخ ...
    تجنن وتحزن بس حقيقية او لا
    خاصة الفصول الاولى مؤثرة لدرجة البكاء
    يسلمو قصة رووووعة بما تحملة الكلمة
    جزاك الله خير الجزاء ..

  5. #5

    الصورة الرمزية الاميرة لين

    تاريخ التسجيل
    May 2012
    المـشـــاركــات
    1,041
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: [ مرساة الطريق ] ... [ روايـــة ]

    حقا
    القصه رااائعه
    ذكرتني بمعلمي الشهيد الشيخ سعيد حمزه
    ادعوا له بالرحمه
    وجزاك الله خيرا استمتعت حقا بقرائتها

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...