بسم الله الرحمن الرحيم.. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين …

أما بعد /


فإن قلوبَنا أمانة يجب أن نقوم بحقّها، وكثيرًا ما يشتكي المسلم قسوة من قلبه ويقول: أريد أن أُعالج هذا القلب المريض، فكيف أُليِّنُهُ؟ وكيف أُرقِّقُهُ؟ وكيف أجعله عامرًا بذكر الله؟

هذه القلوب يا عباد الله لابد لها من تعاهد ومراعاة.

وإعمار ومداواة، هذه القلوب التي إذا صدئت بكرِّ الذنوب وتواليها عليها صار صاحبُها بعيدًا عن الله عاملًا بالمعاصي. قال ابن القيم: «في القلب شعث لا يلمّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الإجماع عليه والعزاء إليه». - وقال الحسن البصري: «من خاف الله، أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء». - وقال الإمام أحمد: «الزهد في الدنيا قصر الأمل». - وسئل الجنيد عن الزهد فقال: «استصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب». - وسئل أبو سليمان الداراني عن الزهد فقال: «ترك ما يشغل عن الله». - قال ابن القيم: «لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الإيمان، وإما من فساد في العقل، أو منهما معاً». والدنيا دار شقاء، دار كبد ونصب وعناء، نعيمها زائل، وسعادتها مكدرة، عسلها ممزوج بسمها، وسعادتها ممزوجة بتعاستها، ظل زائل وعارية مستردة ما لها من دوام، سراب يحسبه الظمئان ماء حتى إذا أتاه لم يجده شيئا، خدعت الكثير بزخرفها وخداعها ومكرها وزينتها فلم يفطنوا إلى حقيقتها وأنها عجوز غبراء شمطاء متزينة تبدو كالعروس.
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]