إن التركيز بهذا المعنى يجعل الشخص يعيش حاضره ،

و هذا
لا يعني انفصاله عن الماضي أو المستقبل حيث ذلك غير ممكن علميًا ،

و لكنه ممكن جدًا في
لحظة التركيز لأن هذا هو الذي يريده الله لنا :

"
فإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له و انصتوا "



لأن الشخص في هذه الحالة يدخل مرحلة التوحد مع القرآن في الاستماع و الانصات

أو في الخشوع في الصلاة و على العموم فإن هذه هي أهم مراحل السلام الذهني
.




و السؤال الذي يفرض نفسه :

ما الذي نستفيده من التدرب على التركيز ؟ و هل تلك الفائدة تستحق بذل الجهد ؟


لنرى :


1- التركيز من حيث المبدأ أحد متطلبات الإسلام اللازمة ، قال تعالى :

"
فويل للمصلين " لماذ ؟



جاء الجواب بعدها :


" الذين هم عن صلاتهم ساهون " :

فهم ساهون ، غير خاشعين ، و لا مركزين على ما يقولون أو يفعلون .


2- التركيز هو الطريق إلى السكينة و الطمأنينة و هذا مطلب غالي ،

و السكينة مرتبطة بوحدانية الله و استشعارها
:

"
فعلم مافي قلوبهم فأنزل السكينة عليهم "



لأن تركيزهم في تلك اللحظة على رمز المسلمين الروحي - توحيد الله - و لم يُجه إلى غيره :

" أحد أحد "




3-
التركيز على الشيء الواحد في الوقت الواحد يحقق الاتقان .

كحال الموظف الذي يؤدي العمل أمامك من السهل جدًا أن تلاحظ و تحس الفرق بين شخص مركز على

عمله و آخر يعمل و يرد على الاتصالات المتكررة
- مالم يكن هذا عمله -


أو شخص يقرأ القرآن و يكثر من قطع القراءة لاكمال " هرجة " أو الدردشة بشيء غير مهم أو توبيخ طفل عابث و نحوه


لماذا ؟


لأن التركيز على شيء معين يركز الطاقة الذهنية - بؤرة الانتباه - على العمل موضوع الساعة ،

و هذا استنتاج طبيعي يمكن أن يحس به أي شخص .



4- التركيز على علاج القلق :



القلق ببساطة يحدث نتيجة تشتت الذهن في أودية و مسالك شتى من شؤون الحياة ،

في حين أننا إذا ركزنا على الأمر حللناه بطريقة عقلانية و عملية و سلكنا الطريق الصحيح للتعامل

معه و هنا يحل الهدوء و السكينة و الطمأنينة محل التشتت و هو سبب القلق و لهذا أمر الله نبيه بقوله :


" وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون ."



و العلاج :


لا تسمح للتشتت الذهني بأن يسيطر عليك ، أما عن كيفية ذلك :

" فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين .وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين "

و هنا تدرك أيها القارئ أن الأمر لا يعدو كونه مجرد فعل طبيعي للناحية البشرية عند الناس

من حيث الفعل و ردة الفعل و لن يعود صدرك يضيق بما يحصل .



5- التركيز صفاء للعقل و الجسم " أرحنا بها يا بلال " لأن الصلاة الخاشعة كلها تركيز .


6- التركيز يدرب قوة الملاحظة شريطة أنذهب به بعيدًا نحو التوتر

و لكن بتوجيه الانتباه فقط برفق و بدون عصر الذهن .



7- التركيز في المجالات الروحية متعة ذهنية للشخص و رحمة من الله ، قال تعالى :


"
و إذا قُرئ القرآن فاستمعوا له و أنتصتوا لعلكم ترحمون "



8- التركيز طريق نجاح في ميادين الحياة ، قال تعالى :

" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون "

فالذكر لا معنى له و لا تأثير له على قوة الثبات إلا مع وجود التركيز .


9- التركيز لا يعني بحال من الأحوال الانعزال عن الناس فهذه حياة غير عملية ،

و لكن المطلوب أن يركز الشخص على النشاط في وقت أدائه و في لحظته ثم يتواصل مع الناس ~>
و هذا هو طريق النجاح .



10 - التركيز يجعل الشخص يحس بنفسه و ما حوله و بذلك يميز أفعاله

و مدى تأثيرها على نفسه و الآخرين إيجابًا و سلبًا و الله جلَّ و علا يقول
:

"
قل انظروا ماذا في السماوات و الأرض "



أي ننظر حولنا حتى يكون في مقدورنا نتيجة التدريب على النظر و التأمل

أن نتخذ القرارات الواقعية عندما يوفقنا الله على التركيز

و النظر في أنفسنا و ما حولنا و بين أيدينا و في نطاق بصرنا .



11- هذا بالإضافة إلى فوائد أخرى كثيرة سوف أعرضها لاحقًا .