|[ عندما يكون الموت في أقسى صوره حياة ]| - ضمن مسابقة في قصصهم عبرة -

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 11 من 11

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي |[ عندما يكون الموت في أقسى صوره حياة ]| - ضمن مسابقة في قصصهم عبرة -









    ككل الصباحات الأخيرة في مكاني هنا ، إشراقة الصبح تبدو مختلفة تمامًا عن إشراقته في بلدتي الصغيرة .


    هنا الشمس تشرق بلا إشعاع يصلني سوى خيط دقيق يتسلل من أقصى يسار سقف معتقلي ،

    بديهي أن الشمس لم تختلف ولم تتغير أو تحتجب لكنها عيناي ، عيناي هي من اختلفت ،

    نعم هي لم تصب بالعمى بعد ، ولكنه كذلك نوعًا ما ، فهذه العصابة السوداء تكاد لاتغادر عينيّ ليلًا ،


    إنني الآن أعدها جزءًا من جسدي ، هي وهذه القيود التي تحتضن كفي خلف ظهري المتقوقع على نفسه كمن يضم نفسه اليه ،


    ليس لأني بلغت من الكبر عتيًا -فأنا لم أكمل بعد عامي الثلاثين -


    ولكن ذلك الحقيــر المتصلب أمام زنزانتي مع رفاقه هو من قيد رجلي بهذه الطريقة


    مما اضطرني إلى أن أتقوس هكذا في معظم وقتي هنا .


    كنت أتألم في بادئ الأمر ولكني الآن اعتدت ذلك ، بل أعتقد أني أفضل طريقة التقييد هذه إذا ما قورنت بما ينتظرني في حال استقام تقوس ظهري هذا من تعذيب ، ولكنهم لا يتركون لي الخيار هنا ، إلا عندما يحين موعد الصلاة .


    قبل أن تتنفسوا الصعداء وتظنو أني أحظى ببعض السلام في صلاتي ، أطمئنكم أنهم حتى في موعد صلاتي يمارسون طقوسهم التعذيبية على جسدي ،

    بدءًا من ماء الوضوء البارد جدًا في أيام الشتاء التي نمر بها هنا إلى تسليط كلابهم علي حالما أكبر للصلاة


    فأسجد على نباحها و أركع على أسنانها المغروسة في فخذي وسيل من لعابها النجس يغطي قدميّ العاريتين .


    هذا غير سيل الكلمات النابية التي يمطرونني بها فتشمل عائلتي وديانتي وربي و نبيي وصحابتي بلا استثناء .


    حسن، هنا لا يحق لي أن أغضب أبدًا أبدًا ، جربت مرة أن أخرس علجًا تهجم على ربي بألفاظ لاتليق ولكني لم أنم بعدها لثلاث ليال من لسعات خوذة الكهرباء التي ألبسوني إياها لمدة أربع ساعات .


    جيد أني لم أشعر بها كلها فقد فقدت وعيي بفضل ربي مبكرًا جدًا أبكر مما كانو يودون
    ولكنها كانت مرتي الأخيرة التي يسمح لي فيها بالإغماء من لسعات الكهرباء ، وجب علي بعدها أن أحتفظ بعقلي واعيًا و إلا كان علي أن أستيقظ على دش بارد ممايزيد من ألمي تحت خوذة الكهرباء هذه .


    حاولت أن أحرك نفسي قليلًا ، لم أتعب بعد فلم يمضِ على صلاتي للفجر سوى ساعة


    هذا يعني أن أمامي متسعًا من الوقت لأبقى متقوسًا هكذا ، قبل أن يحين موعد الإفطار


    ، هه يسمونه كذلك ولكنه ليس كذلك أبدًا في الحقيقة هو أقرب إلى أي شيء سوى الطعام ،

    في أرحم حالاته يجيء على هيئة خبز متحجر و كأس ماء مملح وحفنة من بياض مصفر كان جبنًا يومًا ما ،

    أما في الحالات الأخرى أظن أنهم يقدمون لنا -عفوًا- فضلات كلابهم ، فما أراه في الصحن المستدير غير صالح للنظر فضلا عن كونه صالحًا للإستهلاك البشري .



    لا ضير ماداموا يقدمون لنا ماءً مملحا فهذا يعتبر كافيًا نسبيًا


    الجنود هنا ليسو بشرًا أبدًا ، أظنهم مسوخًا من نتائج تجارب أسيادهم في معاملهم الكيمائية .


    صدقًا ، هؤلاء يحملون هيئة قد تبدو بشرية لكنهم لايمتون للبشرية بصلة ، لأني لا أعتقد أن بشريًا بإمكانه سلخ جلود أحياء دون أن يرف له جفن .


    لاتشمئزوا لكنها الحقيقة ، لايعرفون من الكلمات سوى أقذرها وأبشعها وأحقرها ،

    و لايعبدون شيئا لأنهم يشتمون كل معبود


    الله ، المسيح ، الصليب ، النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بدون استثناء رغم انه لا نصارى بيننا !


    يستخدمون أجسادنا لابتكار وسائل التعذيب ، الإنسانية الوحيدة الموجودة هنا تكون موتًا


    فلاصور أخرى للإنسانية هنا ، كل شيء أبعد مايكون عن الحياة ببليون سنة ضوئية


    وحده الموت هنا يستحق أن يكون :حياة !


    هنا لا فروق عمرية ولا مرض يشفع لصاحبه فالأعمى والمعاق فكريًا يحظون بذات حصص التعذيب .


    ابن الخامس عشر يعاني من حصص التعذيب كما يعاني ابن الخمسين غير أن الأفضلية الوحيدة للفتية الصغار هو أنهم يقضون نحبهم مبكرًا


    فالرب يلطف بهم ، فلا ذنوب يطهرون منها مثلنا .


    أسامة هو الوحيد الذي طالت مدة بقائه هنا ، وعندما أقول بقاؤه أنا لا أعني ذاك البقاء الذي يتطلب تنفسًا من زفير وشهيق فقط ،


    أسامة حتى أنفاسه كانت عذابًا فهو قد بذل مجهودًا أعظم منا جميعًا حتى في تنفسه ،

    أظنه كان يضخ ثاني أوكسيد الكربون من جسده ضخًا و يسحب الأوكسجين بمجهود أكبر ..


    حسب ماكنت أراه من حصص تعذيبه ، حتى عندما يغيب عن ناظري لم تكن صرخاته تهدأ رغم بعد زنزانته عني ، في بادئ الأمر كنت أظنه مجرد طنين يعاد في ذاكرتي ولكني أيقنت لاحقا أني أستقيظ وأنام على صرخاته
    لم يكن يسمح له بالنوم أبدًا على مايبدو .


    مازلت أتذكر ، أسامة كان يسكن في ذات بلدتي كم كان الفتية يسخرون منه دائمًا لخوفه الشديد من كل شيء حتى من ظله ، ربما لأن حياته مذ بدأت لم تحمل أي صورة للحياة


    لم يمتلك والدين أبدًا ، فقد اُلتقط من أمام الجامع ذات صباح ، لم يكن من بلدتنا ؛ لأننا حيث نعيش لايملك المرء حقًا في إخفاء نمله فضلًا عن أن تخفي امرأة تكور بطنها .


    نساء البلدة لا يعجزهن شيء في سبيل نبش الأسرار ، وثرثرتهن عنها ، بالتأكيد كانت لتصل إلى آذاني أن هذا الطفل يعود لفلانة حظه التعس رمى به هنا في أفقر بلدة يمكن أن يعيش فيها البشر .


    هنا بالكاد يعيلون أطفالهم في حال قدروا على حمايتهم من الموت جوعًا


    على الأقل هذا مالم يحدث لأسامة فهو لم يمت جوعا ، كان يتنقل بين بيوت البلدة ليعيش


    فكلما ضاق الحال بأسرة ولم تقدر على إطعامه رمت به لعائلة الأخرى وهكذا إلى أن أكمل عامه التاسع ،

    فاختار هو أن يتخذ الشارع مسكنًا له ، لا شيء يفعله سوى الاختباء من أطفال البلدة في النهار و النوم على طرف الرصيف ليلًا ، لم يكن به سوءًا سوى أنه مصاب بفوبيا من كل شيء :


    الظلام ، الارتفاع ، الظل ، الصوت العالي ، وكل شيء يصلح لأن يُخَاف منه ، وهذا ماجعل له جمهورًا من الأطفال بشكل فريد


    فهو لا يكاد يظهر أمامهم إلا ويبدأ مارثون الركض وراءه ورميه بكل مايصلح أن يُرمى به


    ورغم ذلك كان له سمت وقور فلم يتغيب عن صلوات الجامع يومًا ، و كنت أراه غالبًا يحضر معنا دروس العم سمير في الجامع ، رغم هئيته المثيرة للشفقة إلا أن في ملامحه جمالًا يشرح الفؤاد


    كنت أسر عندما أراه يبتسم ، ونادرًا ماكان يحدث !


    سألته يومًا:ماذا تتمنى ..؟


    فأجابني بعد سكوت : ليس هناك شيء محدد فقط أريد أن أعيش بسلام


    ماكان يقصده هو ذاك السلام الذي يعكره أطفال البلدة عليه ، لم يكن يقصد أكثر من ذلك أكاد أجزم !


    فهذا الرأس الأشقر الصغير لم يدر بخلده يوماً أن يُرمى في عالم كهذا الذي أسكنه الآن ،

    مسكين أسامة !



    ماكاد يبلغ عمره الثالث عشر حتى رمى به حظه هنا معنا ، كان ضمن الحملة التي شنتها قوات النصيرية على بلدتنا التي ماكادت لتثور كما يجب بعد حتى خرجوا لإخراسها


    ، فلم يتركوا فيها شيئًا ، منحوا الموت لكل مايحمل ملامح الحياة من شجر أو إنسان أو حيوان


    و اقتادوا ممن كتب الله لهم عمرًا بالبقاء لزنازن الإعتقال ، و أي بقاء فيها ؟!


    كنا شبابًا ورجالًا وبضع أطفال من بينهم أسامة ، سقط منهم طفلًا ميتًا بركلة واحدة من علج حقير يقتادنا


    مسكين أسامة هاهو الآن في عالم أكاد أجزم أنه سيختار إيذاء أطفال البلدة على العيش فيه


    ، فلاحياة هنا ، فقط هو ممر للموت ولكن أي موت ؟ لا تعلم .


    فقط عليك أن تقاسي هنا وتقاسي وتقاسي حتى تفضي بك معاناتك للموت .


    وهذا ما سيدركه أسامة بعد هنيهات ، فهو لن يتحمل العيش لأكثر من يوم أو هكذا كنت أظن


    صبيحة إدخاله للزنزانة أُدخلت قبله لزنزانتي بعد استقبال بماء كبريت حارق على جسدي وجلدي بعدد لامذكور .


    رأيته يُسحب على وجهه الدامي وقد ملأ صراخه كل شيء واهتز له كل شيء إلا آذان العلج الذي يسحبه .


    كان يصرخ بطريقة أقرب ماتكون للجنون ، لا أعلم بأي طريقة استقبلوه ، ولكني أجزم أن استقباله كان اجراميًا بدرجة عمق صرخاته وأكثر ، وكانت تلك بدايةً فقط


    فحالما علم الأنجاس أن الطفل مصاب برهاب من كل شيء ، صاروا يتلذذون بخوفه ويتفننون في حصص تعذيبه ويبتكرون أساليب تعذيب لم تستخدم معنا نحن الكبار ولا فيمن بمثل سنه


    كهرباء ، جلد، حرق ، الماء البارد ، الكلاب ، وكل شيء ، كل شيء من شأنه أن يطلق صرخاته حظي به أسامه .


    والغريب أن الاسبوع قد مر وهو لو يمت كغيره من الصغار على الأقل لحكمة أرادها ربي وخفيت عني ، كانت دعوتي كل ليلة رب عجل بموته وأرحه .


    أسامة كان يحظى بمشاهدة كل حصص التعذيب الفريدة لغيره من السجناء وهو تحت التعذيب ، وهذا امتياز شيطاني لم يحظَ به أكبرنا سنا ، فيجتمع له عذابان -نفسي و جسدي - و استنادًا على صرخاته المستمرة أظنه لم يحظَ حتى بحق الإغماء مرة واحدة كما حظيت بها أنا .


    حتى لحظات النوم لا أظنه حظي بها يومًا ، رأيته يجر على وجهه أمام زنزانتي عشرات المرات في أوقات الظهيرة


    طبعا لاتسألوا لماذا ؟ هذه طريقة سريعة لتسليخ ظهره من الجلد الذي ما اكتمل نموه بعد منذ آخر مرة سحب فيها هنا


    كنت أنسى ألمي في حصص تعذيبي عندما أسمع صرخاته ، لم يكن يصرخ بشيء مفهوم ، كلمات لاترجمة لها في بعض الأحيان تتخللها لفظة يا الله وصرخات حادة .


    ظل هكذا لثلاثة أسابيع


    اعتاد السجناء على صرخاته كنت أسمعهم ، بعضهم يصرخ بيا الله كلما سمع صرخة أسامة ، ولا أظن بأن أحدًا لم يدعُ له بأن يموت في أقرب وقت


    رأيته يخرج من غرفة الكهرباء لأكثر من مرة في ذات الأسبوع يقطر ماء وعيناه جاحظتان لكنه يمشي على قدميه تحت ركلات سجانه الحقير ، لم يمت وكأنه يجاهد ليعيش .




    ثلاثة أسابيع و لم يمت أسامة ، ماتبقى طفل حي غيره ، بل إن بعض كبارنا قد ارتقت أرواحهم للفردوس وهو باق متشبث بروح يأبى عليها أن تخرج .


    ثلاثة أسابيع ولم يمل هؤلاء العلوج من جعله أداة تسلية بين أيديهم ، وابتكار أساليب للتعذيب على جسده ، حتى جاءت حصة تعذيب رفيقي سامر الفريدة


    -حصص التعذيب الفريدة ليست إلا حصص تعذيب كغيرها ، إلا أنه يسمح لك في هذه الحصة أن تموت بطريقة يبتكرها سجانك


    وهي الحصة التي لم أحظَ بها بعد ، ولا أظنها ستطول فهنا لايحتفظون غالبًا بمن لهم مثل طبعي ، فأنا لا أصرخ ولا أبكي بعد حادثة الكهرباء تلك أبدًا .


    ومن حظ سامر أن عقلية سجانه الوحشية اختارت له الموت سلخا ، فُرض علي أن أحضرها أنا و أسامة ، نظرت إليه
    لم يكن هو ذاته ، بل هيكلًا أسمر يحمل اسمه فقط .
    لم يتبقَ في وجهه مايرى، عيناه منتفختان بشكل هائل لايُتَصور على عكس جسده الذي غدا جلدًا أسمر متقشرًا .


    لا أعلم ماذا فعلوا به حتى أحالوه لهذا المنظر المأساوي ، يكفيك أن تنظر إليه ، لتدرك حجم بشاعة هؤلاء المسوخ


    أسامة لم يكن يصرخ بل كان هادئًا جدًا جدًا أكثر من هدوئي أنا ، اختلطت صرخات سامر ونداءاته بيا الله بضحكات علج سامر وصديقيه


    لم أنظر كثيرًا ، لم أستطع رغم أني ضربت على رأسي مرارًا لأنظر لكنه أمر فوق طاقتي ،


    استرقت النظر لأسامة كان ينظر لسامر ، يداه مقيددتان خلف ظهره


    ولم يغض بصره عن جسد سامر حتى آخر لحظة .
    الأمر الذي ماقويت عليه أنا ، ظننته فقد عقله أو بصره أو أي شيء إلا أن يكون واعيًا لمايحدث

    وهذا ماكان ، فعندما وقفت لأعود لزنزانتي ركل الحقيرُ أسامة ليذكره بأن عليه الوقوف


    ولكنه سقط ، بعد أن تهشمت العظمة التي من المفترض أن تكون ذراعًا من قوة ركلة الجندي
    ، لا أعلم منذ متى استسلم للموت وحرر روحه


    ولكني سعدت حقا بكون روحه ارتقت أخيرًا ، أو لكونه حظي بأمنيته التي أخبرني بها ذات يوم.


    لم يكن قدره أن يحظى بها في الدنيا ، ولكنه مؤكد سيحظى بها هناك في الفردوس سيعيش أخيرًا في سلام و أي سلام..!


    فتح باب الزنزانة ، وغشيني ظل الجندي وهو يقف على فخذي..ويتمتم بكلمات نابية مذيلًا بها:


    استيقظ يا ( *^٪#$@! ) فأنت ستنام كثيرًا بعد اليوم ...


    سحبني من رجلي عبر الممر ، ووجهي يمسح بالأرضية المسفلته


    أستطيع أن أتعرف على الطريق جيدًا رغم أني لا أراه ، لكني أرى أني حظيت بسجان أقل وحشية من سجان سامر .


    حصتي الفريدة قد أتت ، ويبدو أنني سأودع الدنيا تخت خوذة الكهرباء ، ولكن يبدو أن موتي سيأتي مبكرًا ، مبكرًا جدًا حتى قبل أن يلبسوني إياها


    أغمضت عيني..و استسلمت للسلام ..


    انتهى


    العبرة المستقاة :

    [
    الصبر على الأذى في سبيل الدين وأشياء أخر ]

    اللهم عجل بنصر أخواننا في شتى بقاع الأرض وأهلك أعداء الدين وأقر أعيننا بنصر الأمة

    اللهم آمين




    التعديل الأخير تم بواسطة أثير الفكر ; 21-11-2014 الساعة 09:21 PM

  2. 2 أعضاء شكروا أثير الفكر على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...