|| العميل || في قصصهم عبرة (3) ||

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي || العميل || في قصصهم عبرة (3) ||


    (( ملاحظة: أي تشابه بين هذه القصة والقصص الأخرى المشاركة في الفعالية هو بمحض الصدفة ^^" ))


    العميل



    أمام جدار السور المتهالك.. الممتلئ بخربشات الطفولة ورسومات الحياة..

    وقف عشرات الرجال.. مقيدي الأيدي والأقدام.. مكممي العيون والأفواه.. وجوههم متجهة نحو الجدار.. لا يرون الحياة عليه.. فهو اليوم جدارٌ للموت..

    خلفهم اصطف الجنود.. يحملون رشاشاتهم.. يوجهونها بحذر نحوهم.. كانوا الأكثر ذعراً في المكان..

    خلف سورٍ شبكي عالٍ يعزل خلفه الجدار ومن أمامَه.. اجتمع حشدٌ من الناس.. معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ..

    كانوا يبكون.. يصرخون.. يعترضون.. دون أن يسمعهم أحد..

    هو كان معهم.. يحاول المرور من بينهم بجسده الصغير.. يحاول رؤيته للمرة الأخيرة.. يبحث عنه بعينيه البنيتين الواسعتين.. كل أيام أعوامه الثمانية لم تخل منه يوماً.. فكيف يصدق أنه سيفقده؟

    استطاع أخيراً المرور عبر الحشود ليلتصق بالسور الشبكي.. رآه.. أراد المناداة باسمه ولكن الكلمات احتبست في حلقه..

    لمح رجلاً بجواره يعرفه.. أراد الاقتراب منه.. التمسك به.. علّه يجد عنده بعض المواساة..

    ولكنه عندما نظر إلى وجه الرجل.. رآه قد ابتسم! ابتسم قناع الزيف على وجهه..

    لم يكن هذا وحده ما سبّب الرعب للفتى.. لم يكن هذا وحده ما حرمه النوم ليالي وجعله يرتجف في فراشه طوال الليل..

    فبينما كان يحدق في رعب إلى الرجل إلى جانبه.. سمع صوتاً يصرخ:

    نااار!

    والتفت بسرعة ليرى الأجساد تتمزق.. والدماء المسلمة تسيل..

    ليرى أكثر المشاهد رعباً في حياته!







    صوت الباعة المتجولين ونداءاتهم.. صوت الطيور المغردة.. والسيارات العابرة.. صوت تحيات الصباح المتبادلة..

    كل هذه الأصوات اختلطت معاً.. دخلت مع شعاع الشمس المتسلل عبر فتحة في الستائر.. وأيقظته من سباته العميق..

    نهض يفرك عينيه.. نظر حوله.. تنهد بعمق وهمس:
    عشر سنواتٍ مرت.. ولا زال ذات الحلم يراودني!






    عشر سنواتٍ مرت على الحادثة الجلل التي أصابت قريتهم.. أعدم جنود الاحتلال العشرات من رجال القرية أمام مرأى من ذويهم.. والتهمة هي التخطيط لعملٍ ثوري!

    كان هناك.. كان لا يزال في عامه الثامن وقتها.. وشهد بأم عينيه إعدام والده مع باقي رجالات القرية..

    وحتى بعد عشر سنوات لا زال يعاني من أطياف تلك الذكرى تزوره في كل ليلة..

    ما أرعبه أكثر كانت الابتسامة المخيفة التي رآها إلى جانبه..

    أبو يوسف.. كان صديقاً مقرباً للعائلة.. يسمر معهم في الليل.. يتنزه معهم في الأحراش.. يساعدهم عند النوازل.. كان والده يقول له دائماً أنه بمثابة أخٍ له..

    تذكر طفولته وهو يجري خلفه ويناديه بالعم
    أبي يوسف.. تذكر كيف كان يشعر بالأمان معه حين يغيب والده.. تذكر رعبه وصدمته حين اكتشف قناع الزيف الذي يعلو وجهه.. حين رأى ابتسامته..

    استعاذ بالله حين تذكر وجهه.. نهض من فراشه.. فعملُ يومٍ جديدٍ ينتظره..





    بعد أن أنهى صلاته وإفطاره واستعد للخروج.. سمع طرقاتٍ على باب منزله..

    فتح الباب ليرى وجهه أمامه.. بشعره الأشيب وابتسامته العريضة التي تكشر عن أسنانٍ صفراء.. استعاذ بالله في سره.. ثم قال بفتور:
    ما الذي جاء بك في الصباح يا أبا يوسف؟

    أجاب وابتسامته تزداد:
    ألن تناديني بالعم كما في الماضي؟


    • ........


    • لا تكن فظاً.. جئت لألقي تحية الصباح على ابن أخي الحبيب!


    • لا داعي لتتعب نفسك..



    • ممن ورثت هذه الفظاظة؟ والدك رحمه الله كان سمحاً!


    • لا تتحدث عنه!


    • أنت حقاً سريع الانفعال! اسمع.. ألم تغير رأيك بشأن الدكان؟ سأدفع لك ضعف المبلغ الذي عرضته عليك آخر مرة.. ما رأيك؟ عرضٌ كهذا يأتي مرةً في العمر! لن أزيد قرشاً واحداً على المبلغ! أنت لا تحتاج الدكان على أية حال.. فعندما تُعلَن النتائج تكون قد تخرجتَ من الثانوية! وأنت قد عوّدتنا التفوق فلا نتوقع أقل منه.. فما حاجتك للدكان عندها؟ إنه يشغلك عن دراستك فقط.. بعه واسترح منه!


    • مهما تحدثت فجوابي لن يتغير.. للمرة المليون أقول لك الدكان ليس للبيع!


    أنهى جملته وغادر المنزل متوجهاً للدكان ومتجاوزاً الرجل الكريه الذي اختفت ابتسامته العريضة وحلت بدلاً منها نظرة كراهيةٍ عميقة..





    منذ الحادثة قبل عشرة أعوام عرف كل أهل القرية أن
    أبا يوسف عميلٌ لجنود الاحتلال.. فقد كان هو من بلّغ عن الرجال الذين تم إعدامهم..

    الجميع يكرهه ويتجنبه.. ولكن ماذا عساهم يفعلون وهو تحت حماية المحتل؟

    كان يفكر بهذا وهو يفتح الدكان مسمياً بالله.. ويجلس على كرسيه المعتاد خلف طاولة الحسابات..

    على هذا الكرسي العتيق.. جلس والده يوماً.. نظر إلى نفس المشهد الذي ينظر هو إليه الآن.. البضائع المتكدسة.. باب يدخل منه النور القوي.. وعبره ترى الناس تسير في الطريق تتبادل التحيات بابتسامات كبيرة تقبع خلفها الكثير من الحكايات التعيسة.. وهل هناك حكايات سعيدة في ظل المحتل؟

    كان هذا الدكان لوالده رحمه الله.. أحبه كثيراً.. لذلك لن يفرط فيه يوماً.. حتى مع أعباءه الكثيرة.. لن يبيعه أبداً.. خصوصاً لذلك الكريه.. وهل يبيعه له ليستغله في التجسس على أبناء قريته؟؟

    نظر إلى الطاولة أمامه.. كان هناك قلمٌ عتيق.. بالرغم أنه لم يعد يكتب منذ سنوات.. إلا أنه احتفظ به.. كما احتفظ بكل قطعةٍ كانت تحمل رائحة والده.. دفتر ملاحظات صغير.. نظارة قراءة مكسورة الإطار.. كتاب تاريخي قديم صفحاته مصفرة ومهترئة.. و....

    فتح الدرج الصغير.. أزاح بعض الأوراق وأخرجها.. مطواةٌ سوداء.. لا يزال نصلها حاداً رغم السنوات الطوال.. كيف لا وهو يحدّ نصلها كل يوم؟ كان يفعل ذلك لسببٍ يجهله.. ليس فقط لأنها تذكره بوالده.. أو لأنها تحمل رائحته.. بل ربما لأنها تحمل تصميمه.. عزمه.. شجاعته..

    قطع عليه تأملاته دخول أحدهم إلى الدكان.. دسّ المطواة في جيبه.. أغلق الدرج سريعاً.. ونهض لاستقبال زبونه..





    يوم عملٍ شاقٍ آخر انتهى.. مع حلول الليل.. أحكم إغلاق الدكان وتوجه إلى منزله.. ألقى بنفسه على فراشه منهكاً.. لم يدرِ كيف غفا ولم يدرِ كم مرّ من الوقت على غفوته..

    ولكنه أفاق على صوت طرقاتٍ سريعةٍ خافتةٍ ومتواصلة..

    نهض متوجساً.. استعاذ بالله من الشيطان.. سار عبر العتمة نحو الباب.. وقف خلفه وقال بصوتٍ حذر:
    من هناك؟


    • افتح أرجوك!


    كان الصوت خافتاً ومتوتراً.. ابتلع ريقه.. مدّ يده نحو المزلاج ببطء.. أداره.. وفتح الباب.. وبمجرد أن فُتح.. اندفع جسدٌ إلى الداخل وأغلق الباب وراءه بسرعة!


    • من أنت؟؟!!


    • إنهم يطاردونني! الجنود! هل لي أن أحتمي هنا الليلة؟ أعدك أن أغادر عند الفجر!


    هدأ قليلاً.. أشعل المصباح ليرى وجه ضيفه.. ولكن ضيفه الشاب أطفأه بسرعة قائلاً:
    سيجدوننا أسرع هكذا!

    أومأ برأسه.. وأشار لضيفه بالدخول.. توجه إلى المطبخ عبر العتمة ليأتي له بكأسٍ من الماء..

    ناوله إياه فشرع الأخير يشرب بسرعة.. ثم تحدث لاهثاً:
    لقد قمتُ مع بعض الرفاق بعمل كمينٍ للجنود.. نسفنا سيارة! ولكن التعزيزات وصلت أسرع مما توقعنا.. طاردونا فتفرقنا.. وها أنا ذا!

    إذاً أمثال هذا الشاب موجودون حقاً! ظننتُ الأمل قد هجر هذه الأرض منذ زمن..

    فتح فمه ليتحدث ولكنه قوطع بصوت طرقاتٍ عنيفة وعالية على باب البيت!






    • تباً! ادخل تحت السرير!


    انصاع الشاب لأمره.. وتوجه هو نحو الباب شاتماً في سره الاحتلال وأذنابهم!

    فتح الباب وهو يتظاهر بالاستيقاظ من النوم لتوه:
    ماذا هناك؟ أحدث شيء؟

    كان يقف أمامه ثلاثة جنودٍ مسلحين بالكامل.. ومعهم
    أبو يوسف!

    لعنه في سره عندما لمح وجهه.. تحدث أحد الجنود قائلاً: أنت تخفي مطلوباً في منزلك! إن لم تسلمه حالاً ستنال عقوبةً شديدة!


    • لا أعرف عم تتحدث!


    تحدث
    أبو يوسف وقال: بل يعرف! إنه لا يشعل نوراً في منزله في الليل مطلقاً منذ أن أنهى دراسته.. لمحتُ نوراً من نافذته منذ قليل وقد اختفى بسرعة! المطلوب هنا أنا واثق!

    عضّ على شفته بحنق.. دفعه الجنود جانباً واندفعوا إلى داخل المنزل..

    أنصت لأصواتهم وهم يقلبون ويحطمون الأثاث وكل ما يعترض طريقهم.. استطاع سماعهم وهم ينادون بأنهم قد وجدوه.. وهم يسبونه ويضربونه ويقتادونه للخارج..

    كان يسمع كل هذا وهو يتأمل في وجه
    أبي يوسف.. أيمكن أن تصل الدناءة بأحدهم إلى أن يبيع دينه وأهله ووطنه من أجل حفنةٍ من المال؟؟

    غادر الجنود من أمامه وهم يقتادون الفتى.. لقد عرفه وودّعه في نفس اليوم.. ابتسم
    أبو يوسف له والتفت ليغادر هو الآخر..

    ظهر الفتى المغادر بدا كظهر والده في ذلك اليوم.. وابتسامة
    أبي يوسف كانت كابتسامة قناعه المزيف الكريهة..

    لعَجبه لم يشعر بالرعب.. شعر بالغضب.. بالكراهية تجتاحه.. أحسّ فجأة بأن في جيبه شيئاً لم يكن هنالك هذا الصباح!

    مد يده إلى جيبه.. إنها مطواة والده.. نظر مجدداً إلى الظهر الكريه الذي يغادر المكان..

    تراءى له شعره الأشيب.. أسنانه الصفراء.. وابتسامته الكريهة..

    لم يعد يشعر بشيء.. لمح الجنود يلتفتون بدهشة.. لمح الدهشة على وجه الفتى أيضاً عندما سمعوه يصرخ فجأة:

    الموت للخونة!!!

    وتزامناً مع صرخته هوى بمطواته على ظهر
    أبي يوسف وغرزها فيه عدة مرات!

    وبسرعة شديدة.. انطلقت رصاصاتٌ عديدة اخترقته! ترنح في مكانه.. تهاوى جسده.. سقطت مطواته في بركة دمائه السائلة..

    كل قطرةٍ من دمه لا زالت تصرخ حتى اليوم:
    الموت للخونة!!



    ~ تمت ~




  2. #2

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: || العميل || في قصصهم عبرة (3) ||

    الملاحظة فنانة

    الغريب أن نتشابه أنا وأنتِ رغم أننا مختلفتان
    كقطبا المغناطيس .gif" border="0" alt="" title="0" class="inlineimg" />

    هذه المرة استخدمت الأسلوب الوصفي ولم يقلّ في جماله عن السردي تبارك الله

    الموت للخونة !!


    قشعرت جسدي *^*

    أبدعتِ يا فتاة بمعنى الكلمة

    بوركت وبورك قلمك



  3. #3


    تاريخ التسجيل
    Feb 2015
    المـشـــاركــات
    20
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: || العميل || في قصصهم عبرة (3) ||

    يعطيك العافيه

    العاب طبخ

  4. #4


    تاريخ التسجيل
    Oct 2013
    المـشـــاركــات
    46
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: || العميل || في قصصهم عبرة (3) ||

    قصة جميلة ... شكراً لك

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...