اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Abu Aljrah مشاهدة المشاركة
إعادة إنتاج الأخطاء – الترباني وقصة "العميل الروسي" نموذجاً

أيها الإخوة، من أبرز الظواهر التي تكرس الفرقة بين المسلمين إعادة إنتاج الأخطاء التي ننتقدها! فقد تنقد أمرا، فإذا بك في نقدك تقع في عين ما انتقدته وتُخرجه في قالب آخر وأنت لا تشعر! ولعل من نماذج ذلك حلقة الكاتب جهاد الترباني التي وصف فيها د. أيمن الظواهري بالعمالة لروسيا. علما بأن هدف الكلمة الأهم ليس الدفاع عن شخص د. أيمن ولا عن تنظيمٍ بعينه، وإنما مناقشة منهجية طرح الكاتب وهذه الطريقة في تقاذف التهم بالعمالة والجاسوسية وأثرها على اجتماع كلمة المسلمين.
نَقَد الكاتب الغلو والغلاة، لكنه في نقده وقع في عين أخطائهم التي ينتقدها وينتقد أهلها. وَلْنتجاوز هنا خلطه لتنظيمي القاعدة والدولة ووضعه لهما في بوتقة واحدة، لنعود ونتساءل: (ما أهم ما يُنتقد على أهل الغلو؟):
أولا: تخوين الناس واتهامهم بالظن والشبهات...وهذا عين ما وقع فيه الكاتب حين اتهم قيادة تنظيمٍ مسلمٍ عالمي بالعمالة بناءً على تصريح مزعوم لضابط استخبارات روسي سابق.
لو سلمنا بأن هذا الضابط (ليتفينينكو) أسلم بالفعل كما نقل الترباني عن مصدر مجهول عن والد ضابط الاستخبارات الروسية (الذي لا نعلم أشيوعي هو أم نصراني أم ماذا؟!) عن ابنه الذي أمضى حياته ضابطا في جهاز استخبارات عمله الخداع والكذب، لو سلمنا أن هذا الابن أسلم وكتم إسلامه.
ولو سلمنا أنه حسن إسلامه وأصبح عدلا ثقة تؤخذ شهادته على غيره، فأين صرح ليتفينينكو بأن الظواهري عميل استخبارات روسي؟!
اكتفى الترباني بقوله أنه مما قاله ليتفينينكو في بريطانيا أن الاستخبارات الروسية زرعت الظواهري كجاسوس.
أين ذكر ليتفينينكو ذلك؟ في أي مؤتمر أو مقابلة؟ ما المصدر؟ كيف يمكن للقارئ أن يعود ويتأكد من تصريح ليتفينينكو بذلك؟ لا يهم. يكفي أن الترباني اطلع! سبحان الله.

وبالمناسبة، فالترباني مولع بما يشبه قصص السبق الصحفي وبالــ"حقائق" التي لا يكتشفها إلا هو بعد مرور سنوات بل أكثر من قرن عليها! حيث يقول في كتابه 100 من عظماء الإسلام ص 300 أن الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لينكولن كان مسلما، وأحد "أدلته" على ذلك أن "سيرة هذا الرئيس الأمريكي لا تصلح إلا أن تكون سيرة لرجل مسلم" على حد قوله! علما بأن لنكولن مات قبل قرن ونصف ولم يقل أحد معتبر بإسلامه ! كما أن الترباني يُحَضر القراء على غلاف كتابه للحديث عن "الرجل الذي أنشأ دولة البرازيل الإسلامية" على حد تعبيره!

وكذلك ليتفينينكو تم اغتياله في 2006، أي قبل تسعة أعوام. ومع ذلك، لم يكتشف تصريحه الخطير حول "عمالة الظواهري" إلا الترباني!...ولنا أن نتساءل: كيف لم تكتشفه أمريكا نفسها! إذ لو اكتشفته لطارت به ونفَّرت به المسلمين عن عميل عدوتها روسيا وزعيم التنظيم الذي استهدف مصالحها! وكيف لم تكتشفه الأنظمة العربية الموالية لأمريكا على الأقل والمعادية للتنظيم وزعيمه، إذ لو اكتشفته لكان حديث إعلامها صباح مساء.
أم أن هذا التصريح كان خاصا بالمخابرات البريطانية؟ إذا كيف اطلع عليه الترباني؟
فليعذرنا الكاتب، لكن الله أمرنا حين نسمع اتهاما كهذا بلا بينة أن نمتثل قوله تعالى:
(لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين)...نعم، هذا الكلام إفك مبين. لن نتهم نية صاحبة لئلا نقع نحن أيضا في إعادة إنتاج الأخطاء، لكن نقول للكاتب: كلامك
تُهَم بلا بينة فهو إفك مبين فاتق الله في المسلمين.
المؤلم أنه مع ضعف استنارة المسلمين بكتاب الله تعالى ستجد من يقول: (ولماذا لا يكون كلامه صحيحا؟)! سبحان الله! ليس هذا ما أمرنا الله به إن سمعنا اتهاما بغير دليل لمسلم، بل أن نظن ببعضنا خيرا ونقول: (هذا إفك مبين).
لماذا لا يكون الترباني هو العميل ويريد تشويه سمعة المجاهدين؟ لماذا لا أكون أنا العميل وأريد أن أصد عمن يكشف العملاء؟ لماذا لا تكون أنت أيها القارئ العميل؟! إذا فُتح هذا الباب فلمن شاء أن يتهم من شاء ويقال بعد ذلك: (ولماذا لا يكون الكلام صحيحا؟)!!
ألم تُتهم حماس من قبل بالعمالة لإيران، بل وبالعمالة للموساد اليهودي على اعتبار أنها اتُّخذت ذريعة للتنكيل بأهل فلسطين؟ ألم يتهم الإخوان بالعمالة لبريطانيا، بل ألم تتهم القاعدة أيضا بالعمالة لأمريكا على اعتبار أن عمليات سبتمبر اُّخذت ذريعة للحملة الأمريكية الغربية على العالم الإسلامي؟! وليت المتهمين يتفقون أولا ثم يخبروننا: أهي عميلة لأمريكا أم لروسيا؟!
أي تفتيت يحصل للمجتمع الإسلامي بتقاذف الاتهامات بهذا الشكل والبعد عن هدي القرآن في التعامل مع التهم.
وحتى يدعم الكاتب تهمته أتى بشهادة أخرى للـBBC أن الظواهري سُجن في روسيا، وبشهادة الظواهري على نفسه أنه سُجن هناك. ماذا فعل في السجن؟ لا شك أنه تم تجنيده! لا تفسير غير ذلك! أهكذا تكون البينة في الإسلام يا هداك الله؟!
أعود فأقول: وقع الكاتب في خطأ الغلاة حين اتهم وأساء الظن بلا دليل معتبر شرعا.

- ثم وقع في خطأهم في فتح باب التكفير على مصراعيه. فعندما يلقَّن الناس أن زعيم القاعدة عميل مخابرات روسية مجند لتشويه الإسلام فما حكمه إلا الكفر؟ وكم ستفتح مثل هذه التهم باب تكفير مسلمين بتهمة العمالة بناء على شهادات غامضة مدعاة! أهذا هو "المنهج" الذي يقول الكاتب أنه لا يهمه الحديث عن شخص الظواهري بقدر ما يهمه تعليم الناس المنهج!

-ثم وقع في خطأ الغلاة في الفجور في الخصومة. فالغلاة إن خالفوا أحدا من الناس فكريا لم يناقشوا فكره نقاشا شرعيا منضبطا بل طعنوا في نواياه وفي انتماءاته، واستباحوا نقل كل تهمة ونقيصة عنه بلا تثبت. وكذلك كان طعن الكاتب في د. أيمن، حتى أنه حمله ومجموعته احتمالية أن يكونوا هم من اغتال د. عبد الله عزام رحمه الله، والدليل: (حامت حولهم الشكوك) حسب تعبيره!

- ثم وقع في خطأ الغلاة في التحقير من جهود الآخرين. فالغلاة لا يعترفون لمخالفهم بفضل. وهذا ما فعله الكاتب للأسف حين اختزل تاريخ القاعدة في قتل الأبرياء وتشويه الإسلام.
أنا شخصيا أتحفظ على بعض ما فعلته القاعدة وأخالفها فيه. لكن هذا شيء، وأن نصورها وحشا مجرما لا خير فيه البتة مع صورة تنين يخاطب عقول الأطفال كما جاء في الحلقة فهذا أمر آخر!

- وإن كان نَقَد الغلاة في الغلاة جهلهم وقلة علمهم فلا أدري هل الاتهام بهذه الطريقة الهادمة لأركان القضاء الشرعي، هي هو دليلُ عِلمٍ لدى الناقد؟!

- ثم وقع في خطأ الغلاة بعدم إنصاف خصمه. أعود فأقول: لي تحفظات على أعمال قامت بها القاعدة، وليس هذا مقام تفصيلها. لكن مع ذلك لا ينكر المتابع المنصف استدراكها لبعض أخطائها. وقد صدر من قيادات الجماعة عبر السنوات الماضية توجيهات فيها توجه واضح نحو الرحمة وتقدير السياسة الشرعية وتعظيم الدماء المحرمة والحرص على أُلفة المسلمين. ومع ذلك يصر الكاتب على وصفها بكل ما يخالف هذه المعاني، ويصر على وضع القاعدة وتنظيم الدولة في بوتقة واحدة على الرغم من أن تنظيم الدولة يعتبر بعض تلك التوجيهات ضربا من الانحراف، وعلى الرغم من التباين المنهجي الذي أصبح ظاهرا بينهما.
ولا أدري هل اطلع الترباني على هذه التوجيهات وعلى هذا الاختلاف أم لم يطلع؟ هل سلسلة التوجيهات الجهادية لمن اتهمه الترباني مثلا تدعو إلى قتل كل من ليس مسلما وإلى التكفير وترويع الأبرياء؟ وإن كان الكاتب قد اطلع أفليس من الإنصاف والأمانة في عرض الواقع أن يذكر ذلك للمتابعين؟ وإن كان لم يطلع أفيكون أهلا للحكم على الجماعة وقائدها؟
- أيها الإخوة إذا رأى المسلم من أخيه المسلم إقبالاً على الخير وتداركا للأخطاء فينبغي له أن يشجعه ويثني عليه ويحثه على المزيد، لا أن تشعره أنه مرفوض على كل حال.
والعجيب حقيقة...العجيب أن الترباني يختزل إخوانه في هذه الصورة السوداوية في الوقت الذي يهش ويبش ويؤلف الاشعار ويخلع الألقاب على الزعماء المشاركين فيما يُسمى "عاصفة الحزم"!! أفهؤلاء تبرئ من تهمة العمالة وبهم تحسن الظن وتسيئه بإخوانك؟!
ألم يحض الكاتبُ متابعَ حلقته على محاكمة أفعال التنظيمات المقاتلة إلى أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم إن كانوا على صواب؟ جميل! وليتك تحاكم أفعال الحكام كذلك إلى أفعال النبي!
ولنا أن نسأل: عندما يصف الترباني تنظيما بالتطرف، فما تعريف التطرف لديه؟ وما تعريف الإسلام المعتدل؟ أهو إسلام الحكام الذين طبل لهم من أجل "عاصفة الحزم"؟

بعد هذا، إن كان في كلام الكاتب هداه الله سوء ظن وفتح باب التكفير وتحقير لجهود الآخرين وفجور في الخصومة وعدم إنصاف وقلة علم شرعي وتربية للنشء على إسقاط الخصم الفكري وكراهيته، فهل ترك من صفات أهل الغلو شيئا لم يقع فيه؟! قد بدأ في عرض تاريخ المسلمين بداية استبشرنا بها ونتمنى أن يعود إليها ويكون خطابه جامعا للمسلمين لا مفرقاً.
كما أتمنى لمن يرد عليه ألا يقع هو أيضا في نقده في إعادة إنتاج الأخطاء.

أيها الإخوة، قد ننتقد تصرفات ومنهجية جماعات منتسبة إلى العمل الإسلامي، لكننا ليس لنا أن نتهم بالعمالة ولا أن نحاكم النوايا، بل نصف الأعمال بالشرعية وغير الشرعية. وبهذا نوازن بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوقت ذاته الذي نحرص فيه على جمع كلمة المسلمين والتأليف بين قلوبهم وإعطاء الفرصة للمخطئ أياً كان أن يصلح خطأه.
والله تعالى أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله.

د.إياد قنيبي

دخلت لأنقل مقال الدكتور اياد فك الله أسره لأنه يدحض شبهات الأخ جهاد ترباني فوجدتك قد وضعته ووضعت رد الأخ آس الصراع فجزاك الله خير الجزاء !
كنت قد وصلت بكل حماس للحلقة ال8 عندما سمعت أنه عرض الحلقة الثالثة عشر وصدمت عندما سمعت عن كلامه "الغير منصف والغير عقلاني" فيها .. ومن ذلك الوقت ولم يعد لدي نفس الحماس للاكمال مع انني أحبذ تجاوز قوله ذاك والاستفادة مما يطرحه لأنها معلومات قيمة ومهمة جداً ..
مع أن قوله اضافة إلى تصرفاته أضعفت من مصداقيته في داخلي لا شعوريا ! تخيل أنه حذف كل التعليقات التي نسخت مقال الدكتور اياد لديه وحظر أصحابها /حسبما قرأت من عديد من الأخوة/ .. وهذا صعقني أكثر من الحلقة نفسها لأنه بذلك يحاول جعل صفحته كحظيرة تجمع له كلمات الشكر والثناء فحسب !
هدانا الله وإياه سواء السبيل