هاهي الرابعة فجرًا تدقّ برتابة
لتفتح ساعتي البيولوجية عينيها بنشاط
أجول في أنحاء البيت موازيًا خطواتي مع ركلات البندول المكتومة لجوف الساعة الخشبية
ويستيقظ عطش الكافيين في دمي، فأقوم بتحضير توليفة خاصّة من الشاي الأخضر لا تخلو من شعار (تويننجز) الممهور على أحد مكوناتها
وبعد لسعةٍ من الغلاية وشتيمةٍ حانقة، أملأ الكوب الضخم المدعو بـ(الدلو) حتى حافّته
تأتي هنا نشوةٌ لتذوق طعم معجون الأسنان، لأترك الشاي حتى يَخدر
ولا أنتهي من شطف أسناني إلا حين تصبح حرارة الشاي كحرارة الغرفة تمامًا؛ حتى أن غمس إصبعي فيه لا يحرك أيّ عصبون!
أحمل الشاي إلى غرفة الجلوس، حيثُ مصباحُ نيون أبيض يتيم ... هل قلت من قبل أنني أكره مصابيح نيوتن الصفراء؟
يقول العلماء -الذين لا تعرف أي مجال هم علماء فيه- : أن الجو الذي تستذكر دروسك فيه يجب أن يكون مشابها لجو قاعة الامتحان؛ ليعمل الارتباط الشرطي في عقلك.
أظن أنني سأقوم بالعكس، لذا سيلزمني أن أحظر الاختبار بمنامتي أو زيّ مريحٍ مثلها، وسأصطحب معي علكة مطليةً بمعجون الأسنان، وعود أراك، وقنينة شاي أخضر، يلزمني كذلك أن أرتدي جوارب ثقيلة لأتمكن من خلع حذائي دون المعاناة من قضمة صقيع، ومقعد بجوار الجدار كما ينصحني أصدقائي دومًا لتجنب أبراج المراقبة المزعجة ...
أصحوا من أفكاري بعد وصولي لقاع (الدلو)، ثم أُقنع نفسي بمذاكرة النقاط الأساسية في دورس الاختبار القادم، يقطع عليّ ضميري البائس هذا الخير ويحرّضني على افتتاح مشروع مشاهدة جديد
وهنا أركل الاستذكار وضميري لأبحث عن كتابٍ في غرفتي
يا لها من دهشة! يختنق هواؤها -غرفتي- برائحة غريبة!
ليست رائحة حوض السلاحف، فهنّ قد امتلكن مسبقًا مكانًا رسميًّا في رائحة الغرفة
وليست رائحة أحد الزيوت العطرية التي تختنق أختي بها سلاحفي المسكينات
وليست كذلك رائحة عفن
بل رائحة إنسانٍ غريب
ولا يوجد شيءٌ كقوة حاسّة الشم عندي بعد زكامٍ طويل
من أتت هذه الرائحة؟
آهه! هاهو مرجع الخيمياء الحيوية! أكان هو ما أبحث عنه؟ وها هو دفتر ملخصاتي! اجتهادات بداية الفصل الدراسي المشرقة ينبغي عليّ عصرها وتحليلها في هذه الليالي الكحلية.
ماذا كنت أفكر فيه قبل أن أجدها؟ لا أذكر، ولا أظنه بالأمر المهم ..
ألقي على المرآة المغبرّة نظرةً استعراضيةً ناعسة
أهناك رائحةٌ غريبةٌ أم أنني أهذي؟
المفضلات