حدثت
المعجزة بعد وصول آن إلى منزل هيلين بشهر واحد..

ففي أحد الأيام وعندما كانت
هيلين تقف أمام ساقية الماء وتحمل كوزاً في يدها..

اقتربت
آن بإصرارها المعتاد وألقت قطرات من الماء فوق يد هيلين.. وظلت تكرر حروف الكلمة "ماء" بأصابعها في يدها..


وفي حين كان تيار من
الماء البارد ينهمر على إحدى يدي هيلين.. كانت معلمتها تكتب بإصبعها على يدها الأخرى كلمة water .. في البداية ببطء ثم بعد ذلك بسرعة..

وقفت
هيلين ساكنة وكل تركيزها منصب على حركة إصبعها..

وفجأة..!

شعرت بحالة
وعي ضبابية لشيء كان منسياً..! بالإثارة المصاحبة لفكرة عائدة..!

فجأة تكشف أمامها غموض
اللغة ..!

فجأةً فهمت.. ليس فقط أن هذه
الإشارات على يدها هي اسم لهذا الماء..

ولكن أن للأشياء
أسماء..! وأنها تستطيع التواصل مع الآخرين عن طريقها..!

فرحت
هيلين بالكلمة الجديدة التي عرفتها.. وأصابتها نوبة فرح عجيبة..!

أخذت تمد يدها إلى
معلمتها طالبة أن تسمي لها كل ما تلمسه من أشياء..!


وهكذا بدأت المعجزة تتحقق..!





وبدأت رحلة
آن في تعليم هيلين الكلمات..

بدءا
بأسماء الأشياء.. ثم الأفعال والصفات..!

لم يكن سهلا أن تتعلم
هيلين كلمات مثل ماذا ولماذا وكيف..!

ولكن يد
آن لم تتركها لوحدها.. بأصابعها الساحرة أخرجتها من عزلتها..!

كل شيء كانت
هيلين تلمسه كان يتحول إلى كلمة.. الأرض والهواء والماء كلها انتقلت إلى هيلين بواسطة هذه اليد الرحيمة الأمينة..





علمت
آن هيلين كيف تلعب.. علمتها كيف تضحك.. وامتلأت قلوب أسرتها بالسرور..

لم تكن تترك الدنيا من حولها
صامتة.. بل جعلتها تسمع بأصابعها تثاؤب الإنسان وصهيل الحصان وخوار البقر وثغاء الحمل..

نقلتها إلى
عالم اللمس.. وجعلتها على اتصال بكل شيء يمكن الإحساس به أو لمسه.. ضوء الشمس وعصف الريح وصرير الباب والصوت الجميل..!

وعلمتها معنى
الحب..!







منذ تلك اللحظة بدأت
هيلين رحلتها مع المعرفة.. تلك الرحلة التي لم يكن زادها فيها إلا العزيمة والإصرار والإرادة..

فبعد مرور عام تعلمت
هيلين تسعمائة كلمة.. واستطاعت كذلك دراسة الجغرافيا بواسطة خرائط صنعت على أرض الحديقة.. كما درست علم النبات..!

وفي سن
العاشرة تعلمت هيلين قراءة الأبجدية الخاصة بالمكفوفين وأصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين عن طريقها..!

وأصبحت القراءة بطريقة "
برايل" متعتها المفضلة..

وانكبت على
الكتب تلتهم ما تقرؤه أصابعها..

وعن طريق القراءة تعلمت
الكتابة وتمكنت منها.. بل فاقت في أسلوبها الأدبي أقرانها من المبصرين..!




عندما وصلت
هيلين إلى العاشرة من عمرها أصرت على تعلم الكلام والنطق..

فاستجابت
المعلمة لطلبها، وذلك بعد أن لاحظت أن هيلين يمكنها فهم الأصوات وتمييزها عن طريق لمس حنجرة المعلمة وتحسس الذبذبات الصوتية بواسطة اللمس..!

أخذت
سوليفان تلميذتها إلى معلمة قديرة تدعى سارة فولر تعمل رئيسة لمعهد للصم في بوسطن..

وبدأت المعلمة الجديدة مهمة تعليمها الكلام بوضعها يديها على
فمها أثناء حديثها لتحس بدقة طريقة تأليف الكلمات باللسان والشفتين..!

لم يكن
الصوت الذي تصدره هيلين مفهوماً للجميع في البداية، فبدأت هيلين صراعها من أجل تحسين النطق واللفظ..

وأخذت تجهد نفسها بإعادة
الكلمات والجمل طوال ساعات مستخدمة أصابعها لالتقاط اهتزازات حنجرة المدرسة وحركة لسانها وشفتيها وتعابير وجهها أثناء الحديث..

كافحت ألمها ويأسها جنبا إلى جنب مع معلمتها
آن.. وانقضت فترة طويلة قبل أن يصبح باستطاعة أحد أن يفهم الأصوات التي كانت هيلين تصدرها..

وعاما بعد عام تحسن
نطقها أكثر فأكثر..


بل وأتقنت
هيلين الكتابة وكان خطها جميلا ومرتبا..!







وكبرت
هيلين وهي تنتقل من مدرسة إلى مدرسة.. وتنتقل معها آن..

كانت تجلس إلى جوارها وتنقل لها
بأصابعها كل ما يقوله الأساتذة في المحاضرات..!

وكثيراً ما أرهقت عينيها
بالقراءة لتنقل لها كل ما قرأت بالإضافة إلى ما تتابعه هيلين بنفسها عن طريق برايل..

تقول
هيلين عن معلمتها:

{{

كم هي قريبة إلى نفسي معلمتي.. لدرجة أني نادراً ما أفكر في نفسي بمعزل عنها..

لا أدري فيما إذا كان استمتاعي
بجمال الأشياء من حولي يعود في أغلبه إلى أمر فطري لديّ، أو بسبب تأثيرها في..

وأشعر أن وجودها لا يمكن
فصله عن وجودي، أفضل ما عندي ينتمي إليها، ولا توجد في داخلي موهبة، أو أمنية، أو متعة إلا أيقظتها بلمستها الحانية..

}}