البئر

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: البئر

  1. #1

    الصورة الرمزية Yonko Akagami

    تاريخ التسجيل
    Mar 2015
    المـشـــاركــات
    551
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي البئر


    كان ذلك في إحدى الليالي حالكة الظلام ، والتي يتوق للمرء فيها الحديث والإستماع الى الحكايات المرعبة المخيفة، تلك الليالي التي لا حدود للخيال فيها ، والتي كلما ازداد خوفك فيها ، حضرت وظهرت تلك الحكايات أكثر،
    فعندما يشتعل الخيال نفقد سيطرتنا عليه .

    كنت صغير السن وكنت كلما فكرت في الحكايات والقصص والخرافات المخيفة أتذكر جدتي ، ولسبب ما كنت واثقاً أنّ هناك صلةً ما بين تلك الحكايات وجدتي العجوز، وكنت أظنّ في صغري أنه كلما تقدمت بالإنسان السنين كلما أصبحت حكاياته بعيدةً عن الواقع بالنسبة لصبيٍّ مثلي.

    فقد رأيت في جدتي وتجعدات وجهها سرداباً عميقاً ينقلني عبر حكاياتها إلى قلب التاريخ.
    أقنعت أخي الصغير بزيارة جدتي معي رغم صعوبة هذه المهمة . فإخوتي كانوا على قناعة أنّ زياراتٍ كهذه لا تحركها سوى مؤامرة خسيسة مني ، وهي رغبتي في سماع الحكايات التي تجعل المستمع يلتفت حوله ووراءه خوفاً .

    وكثيراً ما كنت عند استماعي لحكاياتها أرى في مخيلتي طريق العودة إلى البيت وماذا قد يحدث لي ، ورغم ذلك كان الإدمان على سماع حكاياتها وحبّ المغامرة يطغيان على خوفي كل مرة . و كان منزل جدتي يبعد مسافةً لا يستهان بها عن بيتنا ، وخلال ذهابنا كنّا نضطرّ لعبور مقبرة الحي القديمة والتي فقدت قبورها معالمها وأصبحت قبوراً دارسةً تتوسطها غرفةٌ قديمة من طينٍ. تستخدم لتخزين توابيت الموتى وأدوات حفر القبور وطاولة من خشبٍ قديمة لغسل الموتى وكنّا نخاف هذه الغرفة خاصةً في ساعات الليل .

    قطعنا المقبرة مسرعين وعند وصولنا رأينا جدتنا تجلس على عتبة دارها وعند رؤيتنا تهلّلت أساريرها فرحاً وانهالت علينا بالعناق والقبل فرحةً بهذه الزيارة المفاجئة .... بدأت بالتملّق والتودد لجدتي كي تحكي لنا حكاية من تلك الحكايات التي حدثت في عصرها ، والخوف يتملكني أن تردّ إليَّ طلبي وترفض ، فما حاجتي بها إن رفضت ؟؟ فوظيفة الجدة العجوز أن تحكي لأحفادها الحكايات لا أن تلعب معهم وتلاعبهم .


    سوف أحكي لكم حكاية حدثت قبل أكثر من خمسة وستين عاماً عندما كنت أبلغ من العمر السادسة عشرة ، إلا أني أخشى عليكم فهذه الحكاية مخيفة جداً ، فقلت بلهفةٍ وانفعال : أعدك أننا لن نخاف أبداً ، فقد عبرنا لتونا مقبرة الحارة ومررنا بجانب غرفة الطين ونظرنا اليها دون خوف .



    قالت جدتي :
    حدثت هذه الحادثة في أحد فصول الصيف ، ففي هذا الفصل تكثر الأعراس ويكثر تجوال الناس وزياراتهم وتخرج الحيوانات من جحورها تتجول وتتنقل بحثاً عن الطعام .. كانت قريتنا ملتقىً ومركزاً لجميع ألقرى الصغيرة المجاورة ، توفر لهم الإحتياجات الطبية والتجارية والمنزلية .

    وكان الطبيب شومان صاحب تلك العيادة الوحيدة الموجودة في قريتنا وفي المنطقة يداوي أيضاً سكان تلك القرى ورغم أنه لم يكن من سكان قريتنا وكان أعزباً قد تجاوز الخمسين إلا أنه كان جميل الهندام رشيقا في مظهره ، يحترم الناس ويحترموه وكنّا نرى فيه شخصاً مخلصاً وشخصية ذات تأثير في قريتنا أكثر من تأثير المختار الذي ورث المخترة أباً عن جد .

    وكان سكان تلك القرى يأتون إما لزيارة الطبيب للتداوي وإمّا للمتاجرة ببضائعهم ومقايضتا ببضائع بديلة لم تكن تتوفر في قراهم ولست أدري لماذا كان هؤلاء الناس يؤمّون قريتنا يومي الأحد والخميس فقط وقلّما رأينا قادما من تلك القرى عدى عن هذين اليومين .

    في تلك الأيام كانت الحياة أكثر سعادةً ، حيث سادت المحبة بين الناس بلا مقابل .
    حدثت هذه الحادثة في إحدى القرى الصغيرة المجاورة لقريتنا وكانت تتوسط تلك القرية بئر ماءٍ عميقة تخدم أهالي القرية وتزودهم بالماء طيلة أيام السنة ، وكانت الحمير والبغال هي الوسيلة التي ينقلون على ظهورها الماء
    كانت النساء عادة من يقمن بتأدية هذه المهمة ، فالرجال يقضون أوقاتهم إما في مزارعهم وإمّا في المقهى يتجاذبون أطراف الحديث حول أمور الرجال ، فتزويد البيت بالماء كان من مهام النساء. وكانت النسوة تملأ صناديق الحديد وجرار الفخار التي كانت تحملها الحمير في ساعات الصباح فكنَّ يلقين "بالدلّةِ" المربوطة بحبلٍ طويل إلى قاع البئر وينتشلنها عندما تمتليء ليفرغنها في الصناديق والجرار وهكذا كان نمط الحياة ، تلتقي النسوة في الصباح تتحادثن وتتناقلن الأخبار والإشاعات ويعدن بعدها إلى بيوتهن لإكمال أعمالهن .

    كانت تعيش في تلك القرية إمرأة مات زوجها في ريعان شبابه إثر حادث مؤسف وقع له ، فقد ذهب في إحدى الليالي لجلب الماء لبيته عوضا عن زوجته الحامل في شهرها الأخير ، وكان هذا الزوج مولعا شديد الولع بزوجته يحبها وتحبه فأعفاها من القيام بأي عمل شاق خلال فترة حملها إيماناً منه أنه إذا توفرت وسائل الراحة للمرأة الحامل تلد مولودا موفور الصحة بارع الجمال .

    وكما أسلفت سابقاً فقد ذهب لجلب الماء من تلك البئر وكانت ليلة حالكة الظلام ، ربط حماره وبدأ بإنزال الدلة إلى قاع البئر وما ان امتلأت حتى بدأ بسحبها إلى أعلى فزلّت قدمه فوقع في البئر العميقة واختفى ، ولم تثمر محاولات أهل القرية من انتشاله أو العثور عليه فظنوا وتقوّلوا كما بدا لهم وأنه ربما لم يسقط في البئر بل هرب أو اختطف أو قتل واختفت آثاره ، وهكذا انتشرت الإشاعات والأقاويل والتكهنات حول اختفائه .

    وعاشت تلك المرأة بعد أن ولدت إبنها وحيدةً مريضة حزينة حتى كادت تختفي عن الأنظار فربّت ولدها لوحدها حتى كبر وصار يساعدها ويخدمها .... لقد اعتادت أن تبعث ابنها والذي بلغ من العمر الثانية والعشرون لجلب الماء من تلك البئر وقضاء حاجياتها الأخرى حيث لم تعد تقوى على ذلك المشوار بنفسها ، وكانت كلما بعثته لجلب الماء تحذره مرارا وتكرارا من أن تزلَّ قدمه من على حافة البئر فيسقط فيها، كانت تسمي تلك البئر بئر الموت .

    كان مساءً حارا والناس في بيوتهم يتسامرون والنجوم تتوسط السماء تبثّ ذلك الوهج الذي يشعر الناظر اليه انه وحيد في هذا الكون ، أنه لاشيء ... خرج لجلب الماء لأمه الغالية يفكر في الصيف وفي الأعراس ًومحبوبته التي يراها كلما أتى لسوق قريتنا حيث كان قد عقد العزم على خطبتها والزواج منها ، نظر إلى السماء فإذا برعشة تهزه ، لقد كانت السماء صافية لدرجة ظنَّ أنه لو مد يده إليها للامست النجوم ، ورغم وحدته فقد كان سعيدا نوعا ما .

    وإذ وصل البئر ، ربط حماره وأنزل الصناديق الفارغة عنه وفتحها كي يملأها بالماء ، إلتقط الدلة وبدأ بإنزالها في البئر بسرعة كبيرة حتى إذا ارتطمت الدلة بالماء انتظر قليلاً حتى تمتليء وكان يعرف ذلك إذ كانت الدلة تستوي وتستقيم فيقوم الحبل بالإهتزاز ( وكنّا نقول عندما تمتليء الدلة يبدأ الحبل المشدود بالرقص ) بدأ يملأ صناديقه الأربعة الواحد تلو الآخر حتى وصل إلى الصندوق الأخير، رمى الدّلة فإذا به يشعر أنها ترتطم بشيء ما.

    حاول ثانية فامتنعت عنه ، ولم يقدر على رفعها فقد كان يبدو أنها عالقة بين الصخور
    بدأ قلبه يتصارع في صدره ورجلاه تتراقصان لا تقويان على حمله

    ما هذا الشيء الذي يمسك بالدلّة ؟ أيعقل أن يكون إنسان ؟

    جمع قواه وشدّ الدلو إلى أعلى بكل قواه فحرّرها ورفعها وأفرغ الماء الذي فيها بصندوقه الأخير ، وبقي على امتلاء الصندوق دلوٌ أخير فرمى دلّته للمرّة الأخيرة في البئر وعند امتلائها همّ برفعها وإذ بذلك الشيء يمسكها ثانية بقوّة أشدّ من المرّة الأولى حتى كاد الشاب يسقط في البئر ، فكر بترك الدلّة في قاع البئر والعودة إلى البيت ، لكن ماذا سيقول لوالدته ، لماذا لم يملأ الصندوق الرابع ؟

    إستجمع قواه مرة أخرى وهمَّ برفع الحبل إلّا أنَّ ذلك الشيء تمسّك بالدلّة بكل قواه هو الآخر فتعذّر على الشاب رفعها فنظر حوله فرأى وراءه حجرا مستديرا أسوداً ، التقطه بيده وهو يكاد يغمى عليه من شدّة الخوف وقذف بذلك الحجر بكل قواه إلى قاع البئر ، وإذا بصرخة قوية لا كصرخات البشر يسمعها آتية من قاع البئر ، وقع على أثرها أرضا من شدّة خوفه ورعبه ، كان ما زال يمسك بالحبل بيديه ، فاستجمع قواه للمرّة الأخيرة وشدّ الحبل إليه وانتشل الدلة من البئر بعدما شعر أن الحبل قد بدأ بالإرتخاء فترائى له منظرٌ صعقه لم يكن يتوقعه أبداً

    لقد كان الدلو مخضّباً بالدماء، وإذ رأى هذا المنظر كاد الدم يتجمد في عُروقِهِ فرمى الدلو من يديه وحمّل على حماره صناديق الماء وعاد مسرعا إلى بيته ... لم يحدّث والدته بما حدث إلا أنها لاحظت أنه كان يتصبّب عرقاً على غير عادته فعزت ذلك إلى شدّة الحرّ في ذلك اليوم .

    مرّ على هذه الحادثة ثلاثة أسابيع لم يشعر خلالها أحدٌ ممن كانوا يملأونها الماء من تلك البئر بحدوث أمرٍ غريب .
    صار بعد هذه الحادثة يملأ صناديق وجرار الماء في ساعات الصباح قبيل ذهابه إلى العمل في الحقول وكانت النسوة تأتي أيضاً في ساعات الصباح لتعبئة الماء والإلتفاف حول البئر التي كان بجانبها حوض ماءٍ يغسلن الملابس فيه أيضاً .

    وكما أسلفت لكم سابقا فإن موسم الأعراس يبدأ مع بداية الصيف وخاصّة في قريتنا الكبيرة نسبياً وكان الشبان يأتون من القرى المجاورة ليتفرّجوا على تلك الأعراس حيث كانت بمثابة مسرحٍ أو سينما تكسر روتين حياتهم تمدهم بقيمة إضافيّة للحياة الشاقة التي يعيشونها ، فقد كان للأعراس في قريتنا رونقاً تمتاز به حيث الموسيقى والغناء ، عدا عن رقصة الخيل التي كنّا ننتظرها بفارغ الصبر ، فقد كانت تلك الخيل مزركشةً بالخلاخيل بأرجلها والأجراس برقابها عدا عن الزينة التي كانت تغطي جسمها كله فكانت كلما تحركت أو رفعت أرجلها على أنغام المزمار كلما علا صوت الخلاخيل منسجماً مع صوت المزمار مما كان يزيدنا طرباً وبهجة وسرورا .

    كان ذلك الشاب كباقي الشبان من القرى المجاورة يأتي إلى بلدتنا مشيا على قدميه حيث كان يتوجب عليه المشي لمدة ساعة في كل اتجاه كي يصل إلى بلدتنا والعودة منها في آخر الليل إلى قريته ، وكان عليه أن يمرّ في طريقه مجبراً من إحدى المقابر المهجورة القديمة المخيفة بشكل خاص ، فهي تقع في الجهة الشمالية لبلدتنا وكنّا نسميها 'بمقبرة الشهداء' وكانت هذه المقبرة قد امتلأت بالقبور منذ أكثر من عشرين عاماً مما اضطر أهل قريتنا إلى تركها واستعمال مقبرة أخرى وما يميز تلك المقبرة أنّ قبورها علاوة على ضخامتها كانت مبنية كلها من الحجر، فقد سُوّر كل قبر فيها بسور حديدي عال ذي قضبان حادة شامخة نحو السماء يتوسط كل سورٍ كهذا باب حديدي مغلق بشكل دائم ، وكانت أرض تلك المقبرة بنية اللون خالية من الحجارة لا ينبت فيها عشبٌ ولا زهر قاحلة صيفًا شتاءً عدا عن أشجارٍ دائمة الخضرة عديمة الثمر .

    ومن كان يمرّ من تلك المقبرة في ليالي الصيف المقمرة الصافية كان يرى كيف كانت تلك الأشجار تظلّل بظلها تلك القبور بهدوء وسكينة ... كنت تسير فلا ترى شيئاً سوى الأشجار والتراب والقبور المسيّجة ، وفي أحد أيام الخميس لبس ذلك الشاب أفضل ملابسه وضبط هندامه وودّع والدته متجهاً لقريتنا لحضور أحد الأعراس وكانت الساعة قد تجاوزت الرابعة بعد الظهر بقليل وإذ وصل إلى القرية ظلّ متجهاً نحو مقهى " السرداب " لشرب بعض الشاي والماء البارد والتقاط أنفاسه من عناء المشوار .

    جلس في المقهى يترقّب عبور موكب العرس من أمام المقهى وعندما مرّ الموكب بالمقهى انضمّ إليه ذلك الشاب ، وكان الموكب متجهاً نحو ساحة القرية ، حيث كانت تقام على تلك الساحة الأعراس بعد طواف الموكب في حارات القرية وكلما مرّ الموكب ببيت من البيوت كان صاحب البيت يقدم للمارة الشراب والحلوى والفواكه إذا وجدت وينضمّ بنفسه مع المحتفلين وهكذا كان ينضم ويشارك هذا الفرح جميع سكان القرية رجالاً ونساءً وأطفالا .

    إنتهى العرس وتفرق الجمع إلى بيوتهم وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلاً وكان على ذلك الشاب أن يعود أدراجه إلى بيته وحيداً يفكر بالأعراس وبمحبوبته وكيف سيحدّث والدته عنها تلك الأم التي لم ترتسم البسمة على شفتيها إلّا نادرا ً والتي لم يعرها أحد إهتمامه طيلة تلك السنين التي ربت فيها ولدها وحيدها متحملة عناء الفقر والفاقة والمشقة والوحدة ما يعجز عنه الرجال .

    وعند وصوله منتصف الطريق رأى تلك المقبرة التي تتوسط طريقه وتعترضه فتذكر الحادثة التي حدثت معه قبل أسبوعين فارتعش جسمه وتسمّر شعره وخارت قواه حتى كادت رجلاه تعجزان عن حمله.

    دخل المقبرة مجبراً وبدا له هذه المرة سكون المقبرة وهدوءها على غير ما عهدهما سابقاً ، صار ينظر إلى القبور المسيجة وإلى الأشجار المورفة وظلالها وإلى ظله هو والذي بدا له أكبر هذه المرة ، بدأ يحثّ خطاه ويسرع في مشيته ، وفجأة ً سمع وقع أقدام خلفه يرافقه من جانبيه ، وقعٌ خفيف ليس كوقع أقدام البشر ، وكأنّ هذه الأقدام لا تلامس الأرض .

    لم يجرؤ على النظر الى الخلف ، فقد تملكه الخوف لدرجة أن نبضات قلبه بدت وكأنها تحثه أيضاً وتساعده على التقدم من شدّة نبضها ، بدأ يشعر أن هذا الشيء الذي يتعقبه قريب منه لدرجة أنه كاد يسمع همس أنفاسه .

    وفجأةً تقدم أحد المخلوقين وبدأ يسير أمامه ناظراً إليه ويا لهول ما رأى ، لقد كان مخلوقاً شديد السواد فاحم اللون قليل شعر الرأس والجسم لكن شعره ورغم قلته كان طويلٌ يشبه مسامير الحديد طويل الرأس رفيعه بشكل مذهل له لحية سوداء، وأذنان طويلتان حادتان منتصبتان إلى أعلى ، وعيناه غائرتان في جمجمته صغيرتان لونهما مائل إلى الحمرة براقتان ينبثُّ منهما شعاع كلما صاح أو صرخ ، يداه طويلتان رفيع الأصابع طويل الأظافر ، أما رجليه فكانتا وكأنما جردتا من اللحم مما زاد من طولهنّ ، ورغم نحالتهنّ إلا أنهن كنّ قويتان ومتينتان ومتماسكتان .
    كان هذا المخلوق يتخبّط في مشيته دون إحداث جلبة بتاتاً ، كان يسير حانياً ظهره وركبتيه ، وكلما تقدم خطوةً كلما غاص رأسه بين كتفيه بشكلٍ قبيح مرعب . أما قدمه فكانت ناتئة العظم طويلة الأصابع لا تكاد تلمس الأرض حتى ترتفع عنها .

    أما المخلوق الآخر فكان على شبهٍ بالأول لكنه كان بلا لحية ، صار المخلوقان يسيران وراءه تارة وبجانبه تارة ويتقدمانه تارة أخرى كانت تركض وتعدو وتدور حوله وتصرخ صراخاً ليس كصراخ البشر، تنظر إليه نظراتٍ غريبة فيها حزن وغضبٌ وكراهية .

    تقفز أمامه متسلقةً أسيجة القبور تدخل فيها وتخرج منها تصرخ وتصيح ، كان الذكر يحمل حجراً مستديراً أسوداً يهم بضرب الشاب فيعدل عن ذلك وتتكرّر العملية .. أما الأنثى فكانت تقترب بوجهها من وجه ذلك الشاب تنظر في عينيه تتفرّس ملامحه وكلما حاولت لمسه صرخ الذكر صرخةً تسمّر على أثرها شعر ذلك الشاب .

    لم يستطع الكلام ولا البكاء ولا الدفاع عن نفسه .لقد شلّه الخوف ، كانت الثواني تمر وكأنها دهور توقف الزمن وتجمدت المسافات وكان الشاب كلما تقدم في سيره بدت له نهاية المقبرة وكأنها هي الأخرى تتقدم إلى الأمام وتبتعد.
    توقف قلبه عن الشعور وعقله عن التفكير ، لم يكن هنالك وقت للبكاء
    يجب أن يخرج من هذه المقبرة المشؤومة ، بدأ يقرأ آياتٍ من القرآن في سريرته ويبتهل إلى الله .

    تصبب جسمه عرقا وأجهده التعب وفجأةً اختفت تلك المخلوقات .. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل عندما دخل بيته منهكاً خائر القوى ، نزع ثيابه بهدوء وتلقائية وآلية ودخل فراشه لينام ..

    وفي الصباح وعندما رأت الأم أن ابنها قد تأخر في نومه على غير عادته ، دخلت غرفته لترى ما حلّ به ، فرأته جالساً في زاوية الغرفة مقوقعاً جسمه مرتجفاً وقد تحول لون شعره الأسود إلى البياض وعيناه تنظران برهبةٍ إلى لا مكان .



    وهكذا يا أبنائي تنتهي حكايتنا لهذا اليوم ، أرجو أن تكون قد نالت إعجابكما .
    ولكن يا جدتي ماذا حلّ بذلك الشاب ؟
    لا أحد يعلم ، فما كانت هناك سوى إشاعات يتناقلها الناس عبر السنين ومن تلك الإشاعات أن ذلك الشاب
    لم يبرح غرفته أبداً ، وإشاعات أخرى تحكي أنه كان يقضي لياليه في تلك المقبرة وأخرى تقول أنه أصبح
    مجنونا يجوب طرقات قريته يصيح بأعلى صوته مقلدا صوت ومشية تلك المخلوقات .

    نظرت إلى أخي ونظر إلي فتذكرت المقبرة التي يتوجب عليّ عبورها فتملكني خوفٌ كاد يفقدني رزانتي
    فما كان مني إلا أن طلبت من جدتي السماح لنا بالمبيت عندها لأني كنت تعباً .. ابتسمت جدتي بسمة العارفة بما يختلج صدري من خوف ووافقت على طلبي هذا والذي غمرها بالسعادة .




    أقدم شكري وامتناني لأخي الحبيب كودو خالد
    على دعمه لي في الخفاء ، جزاه الله خير على ابداء رأيه و ملاحظته في القصة
    إن كانت نحوية او كـ ملاحظات عامة ووجهة نظره في بعض الأمور

    كل الشكر لك خلودي .gif" border="0" alt="" title="0" class="inlineimg" /> .





    التعديل الأخير تم بواسطة قصاصات حلم ; 19-5-2015 الساعة 09:51 PM

  2. 6 أعضاء شكروا Yonko Akagami على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: البئر

    و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ~

    قصة رائعة جداً ~
    هل تحكي الجدات حكايات مخيفة دائماً؟!
    لا أذكر أني سمعت حكايات الجدة قط!

    حينما هممت بقراءة قصة البئر اندمجت كثيراً و نسيت أنها حكاية تحكيها الجدة!
    بدت و كأنها قصة حقيقية، أجوائها مناسبة لما قبل النوم *()*!
    يال المرأة البائسة >_<
    راح زوجها عنها تاركاً عبء الحياة على عاتقنا
    و حينما كبر ابنها، رحلت أحلامه و ما بقي لها من أمانيٍّ بحادثة القبر التي تبعت حادثة البئر!

    ما سرُّ الدماء في البئر؟ ما كان وراءه؟ خلته والده بطريقة ما!
    وما سبب ظهور هذين المخلوقين الغريبين؟ و من هما! و ماذا أرادا تحديداً!

    ماذا حل بالأم و المحبوبة!

    سأفترض أنها حكاية الجدة التي تنسَ ذكر التفاصيل دائماً و تنهي الحكاية بعلو تساؤلات كثيرة في حجرنا الصغير ^.^

    أجدت، فاحمل القلم و لا تكل ~.~

    في حفظ الرحمن >_o

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المـشـــاركــات
    791
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: البئر

    لي عودة




    لديك أسلوب قصصي جميل جدا و رائع يشد القارئ ويعيشك جو القصة


    لم تحدثني جدتي بالقصص المخيفة ..
    لكن يارجل لم أتوقع نهاية مفتوحة هكذا..لكن هذا ما جعلها مخيفة أكثر

    نخاف من الأمور التي لا نعرفها ...من المجهول

    و كان منزل جدتي يبعد مسافةً لا يستهان بها عن بيتنا ، وخلال ذهابنا كنّا نضطرّ لعبور مقبرة الحي القديمة والتي فقدت قبورها معالمها وأصبحت قبوراً دارسةً تتوسطها غرفةٌ قديمة من طينٍ.
    ياحبيبي ..كملت -_

    ننتظر جديك

    شكرا لك
    التعديل الأخير تم بواسطة مهند. ; 19-5-2015 الساعة 02:19 AM

  5. #4

    الصورة الرمزية بوح القلم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المـشـــاركــات
    3,354
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: البئر

    آه أنا ما ورطني بقراءة الموضوع .. كيف أستطيع النوم اليوم T.T

    أعتقد أن الجدات تحب أن تقص حكايات الرعب وهذه صفة مشتركة بينهن

    كانت جدتي رحمها الله تحكي لنا حكايات كثيرة بعضها تقشعر له الأبدان مع المؤثرات التي تقوم بها كخفض الصوت أو الكلام ببحة مخيفة

    وكانت تشخص ببصرها بطريقة مرعبة فلها عينان كبيرتان جدا بلون رمادي تحيطها التجاعيد كنت أرتعد من الرعب

    وبعض الحكايا لم أعرف نهايتها لأنني أهرب في منتصف الحكاية ..
    لكني أكملت هذه الحكاية إن كنت تسأل ^^"

    بالفعل كنتما شجاعين أنت وشقيقك أن بقيتما لنهاية الحكاية أتعلم لو كنت مكانكما لما قطعت هذا الطريق لو كانت حياتي بمروره ^_^

    وكما قالت قصاصات هناك تساؤلات كثيرة جعلتها تبدو كقصة واقعية بالفعل فالواقع دائما ما يحيطه الغموض

    سلم قلمك لقد أخرجت لنا الحكاية بسياق جميل وتناسق للكلمات بديع

    سلمك ربي ورزقك من خيره ما يغنيك عن غيره

    حماك الله






  6. #5

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: البئر

    بالمناسبة ~
    أتحب قراءة روايات الخيال العلمي؟!
    مؤخراً بدأت أقلام عربية تكتب في هذا المجال
    جرب قراءتها فعسى أن تثري خيالك و تدفعك للكتابة فتبدع بإذن الله ~

  7. #6

    الصورة الرمزية Yonko Akagami

    تاريخ التسجيل
    Mar 2015
    المـشـــاركــات
    551
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: البئر

    حياكم الله جميعًا أشكركم على هذا المرور الذي يثلج الصدر

    قصاصات : لكٍ مني كل التحية، هي الجدة ماذا سنجني منها سوى قص الخرافات xD
    لا بد ان يكون الكثير من كلامها مبهم وغير موضح تقمصت دور الجدة في القصة ^^
    ولم أطلع على الروايات ذات هذا التصنيف، لكن لم لا ؟! بإقتراب الأجازة كل شيء ممكن :")

    mp3: أشكر مرورك أخي، واشكر تعقيبك على المواضيع سواء بتقييم او بشكر او رد

    بوح : أهلًا بالمبدعة، لا عدمنا مرورك بوح تشان ، اهي مخيفة لهذه الدرجة؟؟ يبدو ذلك >_<"
    اللهم آمين ولكم مثل ما دعوتم .



  8. #7


    تاريخ التسجيل
    Oct 2013
    المـشـــاركــات
    46
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: البئر

    مشكووووووووور

  9. #8

    الصورة الرمزية قنـاع

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    المـشـــاركــات
    203
    الــــدولــــــــة
    جزر القمر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: البئر

    تمتلك أسلوبا
    المحتوى به مقدار مناسب من التفاصيل، المقدار الذي لن يُشعر القارئ/ة بالملل أبدًا

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...