|[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 24 من 24
  1. #21

    الصورة الرمزية Yonko Akagami

    تاريخ التسجيل
    Mar 2015
    المـشـــاركــات
    551
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~



    قلمٌ رصاص

    ولأني عشقتُ الرسم طفلةً، فقد كنت أحلمُ أني سأكبر يوماً وأقفُ على شاطئ المحيط

    أرتدي تنورةً زاهية الألوان، وقميصاً أبيض، مهملةً خصلاتِ شعري المموجة، تاركةً إياها لعبثِ الرياح

    محاطةً بكل أدواتِ الرسمِ الاحترافية، ومجموعةٍ من علبِ الألوانِ النادرة

    تهمسُ في أذني الفراشاتُ الملونة، وتلهمني موسيقى الأمواج السحرية.


    أمسكُ فرشاتي كفنان، أحدد بألواني القدر، وأرسم مصائرَ الشعوب، وأقلبُ كل الأنظمة.


    أعيد تصويرَ كلِّ الوجوه، كما أراها أنا، لا كما رسمتْ هي نفسها، أحيلُ الدموعَ ابتساماتٍ

    وتنهمر شلالاتُ دموعي فوق نجومِ الابتسامات، أرسم أمطاراً ملونةً تتساقط على حقولِ الياسمين

    وأرسم عيوناً صادقةً كثيرة، وأرسم أكفاً متشابكة، وغيماتٍ صغيرة، ترتاح فوقها رؤوسُ الساهرين

    وسجوناً كبيرة على قضبانها ستائرُ حريرية، أخبئ بها أشباحَ ماضينا الشوهاء.


    وأُلون الأرض كلها خضراء، تشقها خيوطٌ زرقاء كثيرة، أما اللون الأصفر، فسألغيه من الخارطة

    أرسم غدي، وأرسم الذكرى، وأذوبُ مع ألواني في لحظاتِ الآن


    وها أنا اليوم، أقضي سنواتِ شبابي، في معطفٍ أبيض، في مشفى كبير، يبدو لي كسجنٍ صغير

    بين صورٍ قاتمة، لا لون فيها سوى الأبيضُ والأسود، أفتش في درجاتِ اللون عن سرِ ِالألم

    وأكتب كلماتٍ جافة في تقاريري، ربما تبعث الحياةَ في نفوسِ الآخرين، لكنها لا تبعثُ الحياةَ في نفسي أنا


    وبين الفينةِ والأخرى ...

    أسترقُ من زمني لحظاتٍ، أمسك فيها
    قلمي الرصاصَ المتهالك

    لأشخبط بعض خطوطٍ غامضة، على هامشِ أوراقي، يمد الواقعُ مخلبَه سريعاً، فيمحوها !



  2. #22

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    أغنيةٌ وحلم


    {{
    أغنيةٌ قديمةٌ تنبعث في قلب البستان.. تتمايل الأزهار مرددةً أصداءً عذبة.. ظلٌ باهتٌ يظهر من خلف الشجرة.. طرف الفستان الأبيض يتطاير مع النسمات.. وصوتٌ ملائكيٌّ بعيد لا يزال يردد أغنيةً لم يمحها الزمن..}}


    للمرة العاشرة ربما، يسقط الكتاب من بين أصابعي التي كانت تُحكم عليه بإخلاص..

    صوت ارتطام الكتاب بالأرض أفزعني وقطع عليّ حلمًا كنت أعيشه..

    انحنيتُ لألتقط الكتاب وفركتُ عينيّ بإنهاك..

    لم أسمع من قبل عن شخصٍ يغفو أثناء سيره! لعلّني الأول!

    من المستحيل أن أتمكن من الدراسة وأنا أتحرك.. لا يمكنني التركيز مطلقًا حينها..

    ومع ذلك لم أجد مفرًا من حمل كتابي وذرع الغرفة جيئةً وذهابًا علّ هاتين العينين تطيعانني وتتوقفان عن الانغلاق من تلقاء نفسيهما!

    وها هي النتيجة.. إنني أغفو أثناء سيري!

    تنهدتُ وألقيتُ ببصري نحو ساعة الحائط.. وهي مهمةٌ وجدتُها في غاية الصعوبة نظرًا لارتفاع الساعة المرهق لعينيّ!

    تبقت ثلاث ساعاتٍ فقط حتى موعد الاختبار.. ولا تزال عدة صفحاتٍ ترمقني بتشفٍّ واضح، بينما حروفها تتراقص أمام عينيّ دون أن تكوّن كلمةً واحدةً مفهومة!

    أفلتت شتيمةٌ من بين شفتي رغمًا عني.. ألقيتُ الكتاب من يدي وضربتُه بالجدار بقوة!

    ارتحتُ قليلاً لانتقامي الوهمي من عدوي الذي صنعتُه لنفسي.. ضبطتُ منبه هاتفي ليوقظني خلال ساعتين..

    ثم ألقيتُ نفسي في سريري وغصتُ في نومٍ عميق..

    ~

    {{
    لا تزال تغني.. النسمات تزداد برودة.. ينقطع صوتها فجأة.. تلتفت.. وتنظر نحوي مباشرة.. لا يزال فستانها الأبيض يتطاير.. تمد يدها برفق لتبعد خصلات شعرها الذهبية عن عينيها.. تبتسم ابتسامة دافئة تقهر برودة النسمات، وتهمس: إنه جميلٌ بالفعل.. هذا العالم! }}

    فتحت عيني فجأة وقفزت من فراشي دون مقدمات.. لقد تأخرت!

    في اللحظة التي ألقيتُ فيها ببصري نحو هاتفي بدأ منبهه بالرنين..

    تبًا! دائمًا ما يحصل هذا! أستيقظ مباشرةً قبل أن يرن المنبه.. وإن لم أضبطه لا أستيقظ أبدًا!

    كدتُ ألقي بالهاتف نحو الجدار، لولا أن تذكرتُ في اللحظة الأخيرة أنه لا يستطيع احتمال الصدمات ذاتها التي يتحملها رفيقه الكتاب..

    استعذتُ بالله من الشيطان، ونهضتُ أخيرًا لأغسل وجهي وأستعد للخروج..

    لم يطل الأمر حتى وجدتُ نفسي غارقًا في مقعد الحافلة الذي تمكنتُ أخيرًا من حجزه متجهًا نحو جامعتي.. الجامعة التي أكرهها من كل قلبي!

    لماذا أكرهها؟ يكفي أن شخصًا مثلي يرتادها.. هذا سببٌ كافٍ للكراهية..!

    أخذتُ أحدق في انعكاس وجهي على نافذة الحافلة.. هذا الوجه.. أكرهه..!

    أحدّق بهاتين العينين العسليتين الواسعتين.. إنهما تطابقان عينيها تمامًا.. فلماذا إذًا هما مختلفتان بهذا القدر..؟

    لماذا لا أزال حيًا؟ كان يجب أن أموت منذ زمن.. ولكني سأعيش.. وسأستمر في عيش هذه الحياة بكل الكراهية التي أحملها.. فحياتي هذه هي الثمن الذي يجب أن أدفعه.. هي الكفّارة التي عليّ أداؤها.. عش.. وتألم.. ولا تنس..!

    قريبًا سأصل ذلك المبنى العتيق الأصيل الذي أنفقتُ عدة سنواتٍ من حياتي في أروقته.. عابثًا لاهيًا ساخرًا.. عدا في سنتي هذه..

    سأشاهد الوجه المقيت لأرفع بروفيسورٍ في كلية العلوم.. ذلك الأجنبي ذو الأنف الدقيق والعيون الثعلبية والنظارة الضخمة ذات الإطار الأسود التي لا تتفق مع أي شيءٍ في مظهره..

    سيرمقني بنظرةٍ صامتةٍ كعادته.. لن يبالي إن كان ما ينتظرني اليوم اختبارٌ أو محاضرات مملة..

    سينتظرني بصمت.. ثم سأنضم إليه وإلى فريقه الصغير.. المكوّن من شابين مختلين أبعدهما العلم عن الواقع فيما كان يجب أن يقربهما منه..

    وسنتابع العمل على بحثنا.. ذلك البحث الذي أكرهه أكثر من أي شيءٍ آخر.. ذلك البحث الذي جئتُ أنا بفكرته..!

    ولكن.. لماذا أشعر الآن بأني أوشك على نسيان كل هذا؟

    آه.. يبدو أني سأغفو مجددًا.. لماذا أراها الآن..؟ لماذا أرى ملامحها الملائكية في هذا الوجه البغيض الذي يطالعني من النافذة..؟

    لماذا امتلكنا الأعين نفسها.. المتشابهة جدًا.. والمختلفة جدًا..

    لماذا بالرغم من صوت محرك الحافلة المزعج واهتزازها المريع وكأنما أجلس على خشبةٍ مسطحة يسحبها أحدهم على الطريق.. لماذا بالرغم من كل ذلك.. يتسلل صوتها العذب إلى أذنيّ مرددًا الأغنية ذاتها.. ككل يوم..؟

    ~

    {{
    كانت ابتسامتها أرق من أي وقتٍ مضى.. كانت الآن تدندن اللحن بهدوء وانسجام.. تقلب ناظريها بين الأزهار وبيني.. توقفت الألحان فجأة وضحكَتْ بخفوت.. خطت نحوي كما لو كانت تخطو على غيومٍ غير مرئية.. وضعت كفيّ بين يديها الصغيرتين وهمست: شكرًا لك! إنه فعلاً جميل..!}}

    أيقظني زميلي في المقعد وهو يهزني بغلطة ويصيح دون تهذيب: هيي! هيا انهض! ألم ينقرض بعد أولئك الذين ينامون في الحافلات؟

    شتمته في سري، وشكرته في سري كذلك.. فقد وصلنا.. ولن أكون سعيدًا إذا فاتني الاختبار بسبب إحدى غفواتي الغبية!

    سارت خطواتي برتابة مملة تتكرر كل يوم.. أرفع بطاقتي الجامعية في وجه الحارس.. تتتابع خطواتي دون أن تنظر حتى إلى أين تتجه..

    تدلف من الباب الزجاجي العملاق.. وأمامي أراه كما تنبّأت!

    لماذا يجب أن يكون وجهه هو أول ما يستقبلني هنا؟

    إنها غلطتي لأنني لم أمتع ناظري بتأمل جمال باحة الجامعة، وبخلتُ بنظرةٍ من عينيّ تعانق شيئًا أفضل من هذا الوجه!

    ابتسم بحنانٍ أكرهه وهتف: إنه يومٌ جميل أليس كذلك؟ لديك اختبارٌ اليوم، صحيح؟

    أجبتُ بفتورٍ اعتاده مني: أجل.. وسألتحق بكم فور انتهائه..

    ردّ عليّ بسعادةٍ مصطنعة، أو على الأقل أنا أراها كذلك: عظيم! سنكون بانتظارك إذًا..

    والتفت ليتابع طريقه.. ثم توقف لبرهة.. بدا مترددًا قليلاً ثم حسم أمره وأضاف دون أن ينظر إليّ: فأنت هو العقل المدبر لهذا المشروع في النهاية!

    ثم تابع سيره في الرواق الطويل حتى اختفى في آخره..

    بقيتُ أحدق في لا شيء.. كان ذلك قبل ثلاث سنوات.. كان هذا البروفسور النحس يعطينا محاضرةً في كيمياء الدماغ.. وطلب من كلٍّ منا كتابة مشروع بحث يمكن القيام به في هذا المجال..

    لا أحب أن أتفاخر بذاتي ولكنني عبقري مقارنة بمستوى الذكاء الطبيعي الذي يتمتع به غالبية البشر..

    أنا عبقري لدرجةٍ أكرهها..

    لطالما كرهتُ الدراسة والعلم والبحث.. كون ذكائي أعلى من ذكاء بقية أقراني لا يعني أن عليّ أن أقضي وقتًا أطول منهم بين الكتب والأوراق.. ولا يعني أن عليّ تجاوز العديد من الصفوف وكأنني في سباقٍ مع الزمن نحو ماذا، لا أدري!

    لقد بقيتُ سجين هذه الكتب طوال سنوات دراستي، حتى تذوّقتُ طعم الحرية بمجرد أن وطأت قدماي عتبة الجامعة!

    تراخت القيود المفروضة عليّ قليلاً، فأنا صرتُ رجلاً وأجيد اتخاذ قراراتي..

    لم يعلموا بأن قراري الأول سيكون سحق كل هذا العلم تحت قدميّ..!

    لم أنقطع عن الجامعة، ولكني قضيتُ سنواتٍ فيها لاهيًا عابثًا بلا همٍّ أو هدف أو أيّ شكلٍ من أشكال الجدية أو الاهتمام..

    حتى جاءت تلك المحاضرة المشئومة..!

    فبينما ذلك البروفسور ذو العينين الثعلبيتين يثرثر بشيءٍ ما حول كيمياء الدماغ.. تراءى أمام ناظري مشهدٌ قديم كان قد توارى خلف أستار الزمن!

    وجهها المشدوه وهي تنحني بلهفة تاركةً شعرها الأشقر ينساب بنعومةٍ على كتفيها، وتهمس بغير تصديق: أحقًا يمكنك فعل ذلك؟

    وصوتٌ مألوفٌ أكثر من اللازم يجيبها: أعدكِ بذلك!

    لماذا زارتني تلك الذكرى في تلك المحاضرة بالذات؟ ولماذا اختفت طوال السنين الماضية؟

    المشروع الوحيد القديم الذي كنتُ قد اخترت العمل فيه بنفسي.. حلمي..!

    حلمي الذي نسيتُه.. وحلمها كذلك.. أتراها لا تزال تذكر؟ أتراها تنتظر؟

    وهكذا وبشبه دافعيةٍ للعمل، واصلتُ الليل بالنهار لمدة شهر كامل حتى أنهيتُ كتابة مشروعي في صفحاتٍ نسيتُ عددها لكثرتها!

    لا أزال أذكر نظراته المصدومة العاجزة عن التصديق عندما قرأه..

    استدعاني وقال بصوتٍ يرتجف وعيناه تلتمعان من خلف نظارته السميكة: لو لم أعرف كم أنت عبقري لما صدقتُ أنك من كتب هذا! لماذا تضيع عبقرية كهذه في لهوٍ لا فائدة منه؟ إن نجح مشروعك هذا فستكون قفزة كبيرةً للعلم! أتعي خطورة هذه الصفحات لو تمكنا من تحويلها إلى حقيقةٍ على الأرض؟!

    وبينما استمر يثرثر بانشداه وحماسةٍ شديدتين.. كنتُ أقاسي أعتى مشاعر الندم..

    لماذا بالضبط تهورتُ وقدمتُ هذا الشيء لهذا المخلوق؟ أما كان أسهل عليّ تقديم أي شيءٍ ليصمت فحسب؟

    كانت كلمة "عبقري" تتردد كثيرًا في حديثه الذي لا يتوقف.. كلمة أعادت إلى نفسي ذكريات سنوات قضيتها في قفص الكتب الأسود..

    وهكذا ودون أن أعقّب بشيءٍ آخر، سحبتُ الأوراق من بين يديه وأعلنت: أسحبُ بحثي.. بإمكانك أن تضع لي صفرًا!

    والتفتُّ مغادرًا الحجرة تشيعني نظرته المصدومة بغير فهم..

    ليست غلطتي أن امتلكتُ دماغًا عبقريًا.. وأعتقد الآن بأني مجرد مسخ لا يستحق دماغًا كهذا!

    كان هذا –كما ذكرت- قبل ثلاث سنوات..

    استمر البروفسور بإزعاجي طويلاً بعد تلك الحادثة.. ولكني لم أعبأ له.. بل بدأتُ أهمل دراستي أكثر وكأني أنتقم منه بهذا!

    فعقلي العبقري كان أصغر من عقل النملة! لذلك أنا أكره هذا الدماغ.. وأكرهني –أنا صاحبه- أكثر!

    لكن حلمي القديم لم يتلاش تمامًا بعدها.. فقبل عامٍ واحد، وبينما كنتُ أستعدُّ للخروج إلى الجامعة متأخرًا كعادتي شعرتُ بيدٍ تشدني من الخلف..

    التفتُ فإذا بي أمام عينيها الساحرتين مباشرة.. كانت ترتدي فستانًا أبيض جميلاً.. وكانت خصلات شعرها الأشقر لا تزال تنساب بنعومةٍ على كتفيها كالعادة..

    همست ببطء: أخي.. هل لا يزال تخرجك بعيدًا؟

    تأملتها بصمتٍ للحظات.. ما الذي تعيه ابنة الثلاثة عشر ربيعًا عن العالم؟

    أجبتها: ربما.. وربما أنتظركِ لنلتحق بالجامعة معًا!

    لم تدرك لهجة السخرية في حديثي فامتلأ وجهها هلعًا وقالت: هذا يعني أنه لا يزال بعيدًا؟!!

    لم أفهم ما يرعبها في الأمر هكذا وقلت: وإن يكن.. ما المشكلة؟

    تراجعت بضعف وقالت محتجة: ولكنك وعدتني! وعدتني بأن أرى العالم!

    وخزتني كلماتها مثل إبرةٍ حادة.. ثم عاد عقل النملة لديّ للعمل، وشعرتُ بأنها تريد أن تضغط عليّ وتقيدني كما فعل جميع من سبقوها..

    فقلتُ صائحًا في وجهها دون ذنبٍ ارتكبَته: ما الذي تعنينه؟ أنا حرٌّ في فعل ما أريد! كان مجرد حلمٍ سخيفٍ على أية حال! أنت عمياء! وستبقين كذلك طوال حياتك!

    لم يسبق أن رأيتُ وجهها ممتقعًا كما كان في ذلك اليوم.. بدت وكأنها شخصٌ لا أعرفه..

    كانت عيناها تخترقان فؤادي وكأنما هي تبصرني وهي تردد: ولكن.. أنا.. كنتُ أنتظر.. ظننتُ أنك.. ستفعل.. ستجعلني أرى.. لقد.. لقد وعدتني! أنا.. أنا..

    وابتلع نشيجها المتصاعد بقية كلماتها.. تجاوزتني وخرجت من البيت وهي تجري باكية..

    شعرتُ بمدى فداحة ما ارتكبتُه.. التفتُّ لألحق بها وأعتذر عن قسوة كلماتي.. ولكني وبمجرد أن التفت.. تمنيتُ أنني لم أمتلك هاتين العينين يومًا.. تمنيتُ لو لم أبصر يومًا.. تمنيتُ لو مت قبل أن أرى هذا اليوم..!

    لا أستطيع تذكر التفاصيل.. كل ما أتذكره هو صوت المكابح المختلط بصوت الصراخ.. الشاحنة الضخمة تلتفّ في الطريق بعنف.. الدم الأحمر على الفستان الأبيض.. الخصلات الشقراء التي سُحقت تحت العجلات السوداء الضخمة.. ساقاي اللتان رأيتهما تتحركان دون أن أشعر بهما.. صوتي الذي سمعته يخرج بكلماتٍ لا أدري ما هي.. ذراعاي اللتان تمتدان تحملان جسدًا لا معالم لوجهه.. ولا نبض لقلبه.. وفقط!

    وحتى الآن.. لا تزال تزورني في أحلامي.. تشكرني على حلمٍ لم أحققه.. وعلى وعدٍ لم أفِ به..

    لعلّها طريقتها الخاصة في الانتقام مني.. في التأكد من أنني لن أنسى أبدًا..

    أو ربما لأن الموضوع كله بدأ بحلم.. فعندما كنا لا نزال غضين، حدثتها ذات يومٍ أنني رأيتها في حلمي.. ترتدي ثوبًا أبيض وتغني وهي متكئةٌ على شجرة بلوط ضخمة..

    كانت لا تزال في ربيعها الخامس وقتها.. سألتني: هل كنتُ جميلة؟

    كانت لا ترى نفسها حتى في أحلامها.. تلك الطفلة التي وُلدت بخللٍ في مركزها البصري.. ولم ترَ شيئًا من هذا العالم يومًا..

    تمنيتُ أن أريها العالم.. ولو لمرةٍ واحدة.. تمامًا كما رأيتها صورةً في دماغي..

    لو درستُ بجد.. وعرفتُ كيف تتكون هذه الصورة في الحلم.. لربما أمكنني بطريقةٍ أو بأخرى أن أنقل هذه الصورة إليها.. إلى دماغها.. لعلّها تراها كحلمٍ جميل!

    هكذا بدأ الأمر كله.. بفكرةٍ طفولية.. وحلمٍ طفولي.. ووعدٍ طفولي.. "أعدكِ بأنني سأُريكِ العالم يومًا..!"

    أفيق من أفكاري المتراكمة لأنتبه إلى أنني سأتأخر عن موعد الاختبار إن لم أسرع إلى القاعة الآن..

    فأتحرك ساحبًا خلفي خطواتي المتثاقلة..

    بينما لا تزال هي هناك.. تردد لحنًا قديمًا عند شجرة بلوط كبيرة..


    ~ تمت ~
    التعديل الأخير تم بواسطة تشيزوكو ; 9-7-2015 الساعة 06:16 AM

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...