قلمٌ رصاص

ولأني عشقتُ الرسم طفلةً، فقد كنت أحلمُ أني سأكبر يوماً وأقفُ على شاطئ المحيط

أرتدي تنورةً زاهية الألوان، وقميصاً أبيض، مهملةً خصلاتِ شعري المموجة، تاركةً إياها لعبثِ الرياح

محاطةً بكل أدواتِ الرسمِ الاحترافية، ومجموعةٍ من علبِ الألوانِ النادرة

تهمسُ في أذني الفراشاتُ الملونة، وتلهمني موسيقى الأمواج السحرية.


أمسكُ فرشاتي كفنان، أحدد بألواني القدر، وأرسم مصائرَ الشعوب، وأقلبُ كل الأنظمة.


أعيد تصويرَ كلِّ الوجوه، كما أراها أنا، لا كما رسمتْ هي نفسها، أحيلُ الدموعَ ابتساماتٍ

وتنهمر شلالاتُ دموعي فوق نجومِ الابتسامات، أرسم أمطاراً ملونةً تتساقط على حقولِ الياسمين

وأرسم عيوناً صادقةً كثيرة، وأرسم أكفاً متشابكة، وغيماتٍ صغيرة، ترتاح فوقها رؤوسُ الساهرين

وسجوناً كبيرة على قضبانها ستائرُ حريرية، أخبئ بها أشباحَ ماضينا الشوهاء.


وأُلون الأرض كلها خضراء، تشقها خيوطٌ زرقاء كثيرة، أما اللون الأصفر، فسألغيه من الخارطة

أرسم غدي، وأرسم الذكرى، وأذوبُ مع ألواني في لحظاتِ الآن


وها أنا اليوم، أقضي سنواتِ شبابي، في معطفٍ أبيض، في مشفى كبير، يبدو لي كسجنٍ صغير

بين صورٍ قاتمة، لا لون فيها سوى الأبيضُ والأسود، أفتش في درجاتِ اللون عن سرِ ِالألم

وأكتب كلماتٍ جافة في تقاريري، ربما تبعث الحياةَ في نفوسِ الآخرين، لكنها لا تبعثُ الحياةَ في نفسي أنا


وبين الفينةِ والأخرى ...

أسترقُ من زمني لحظاتٍ، أمسك فيها
قلمي الرصاصَ المتهالك

لأشخبط بعض خطوطٍ غامضة، على هامشِ أوراقي، يمد الواقعُ مخلبَه سريعاً، فيمحوها !