رحلة في عالم الأساطير

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    الصورة الرمزية kaw Matsuda

    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المـشـــاركــات
    203
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رحلة في عالم الأساطير








    يتابع المناظر خارج النافذة، بعينيه اللوزيتين، تأكيدًا لم يكن هناك ما يُغري بالمشاهدة فهذا المبنى المتهالك مُطل على أرض رملية .. انتشرت فوقها بضعة مبانٍ قيد الإنشاء .. عمال وضجيج آلات حديدية فقط
    " بيض و ممم ماذا أيضًا ؟ كيس من الطحين صحيح ؟ "
    كان لارتطام الكتاب بسطح طاولته الخشبية صوتًا مفزعًا نبهه من سرحانه فورًا، وهذه طريقة الأستاذ المفضلة ليوقظ البليدين أمثاله من أحلام اليقظة حين تزوروهم في وقت خاطئ، تنحنح بصوت خفيض وهو ينظر لتلك العينين المختبأتين خلف نظارة طبية سميكة الأطراف، يبحث عن لمعة غاضبة أو متوعدة .. استدارت الرؤوس صوبه في ذات اللحظة التي نطق فيها المعلم :
    - بما أن الدرس مفهوم لك انهض وأجب على السؤال
    هذا ما ينقصه ! طالع لوح الكتابة وهو يحكّ مؤخرة رأسه بتوتر دون أن يتزحزح من مكانه .. بطبيعة الحال كانت ستنهال العبارات الساخرة عليه لكن ليس في حضرة وجود هذا المعلم
    الصف الثالث من المرحلة الابتدائية أسوأ كوابيسه، يتمنى أن يتخلص منه سريعًا، بل من المدرسة بأكملها .. أشار له المعلم بعينيه، فعضّ شفته السفلى بقلق، كان سيقف لتوه لكن أنقذه دخول معلم آخر إلى الفصل، وشوش في أذن أستاذهم ليعلن الأخير انتهاء الدرس قبل أن يجمع أغراضه ويرحل
    تنفس هو الصعداء " حمدًا لله .. كنتُ سأقع في ورطة كبيرة "
    دفع الكرسي إلى الوراء ثم نهض ليغادر إلا أن تجمهر بعض الفتية الكبار حول طاولته حال دون ذلك .. قلّب عينيه في الابتسامات الملتوية والنظرات الماكرة، ليدرك بعد فوات الأوان أنه تأخر في الهرب ولن ينجو من قبضتهم هذه المرة !


    ....


    " إلى المحرقة يا كل شيء "
    دمدم بينه وبين نفسه بنبرة حانقة وهو يتلمس الجرح الموسوم على جبينه ثم زفر بغيظ .. قطع الغيوم تلتحم ببعضها حاجبة ضوء الشمس لكنها لا تلبث أن تفترق من جديد .. كان يسير على جانب الطريق الترابي يقصد الوصول للدكان القريب عند المنعطف .. صاحبة البيت ترغب بخبز كعكة وأوصته مرارًا على التأكد من شراء الأغراض قبل العودة للمنزل .. دلك جبينه ووجنتيه بعصبية، كيف سيفسر وجود هذه الجراح ؟ ليس الأمر وكأنها ستهتم لما أصابه على أية حال لكن ...
    - أوه يبدو أنك تواجه وقتًا عصيبًا يا صاح
    التفت لينظر لصاحب الصوت إلا أنه بشكل غير متوقع سقط أرضًا مغشيًا عليه واختفى كل شيء ...


    النسمات اللطيفة تتخلل ثيابه وتداعب خصلات شعره، استيقظ لتوه لكنه أبقى عيناه مغلقتان .. كان مستلقيًا على ظهره بهدوء، رأسه يتوسد أرضية صلبة، ظنها تلك الخاصة بحجرة نومه .. حجرة ؟ سحبه التساؤل للتذكر
    صاحبة المنزل والأغراض، التي طلبتها منه .. باعد بين جفنيه بحركة سريعة لتستقبل ناظريه رقعة السماء الواسعة وقد توسطها البدر المنير .. مهلا كم الساعة الآن ؟ هل هبط عليه الليل بدون أن يشعر ؟! ثم لماذا لا يوجد سقف يحد من مجال رؤيته، أين هو بالضبط ؟!
    استوى جالسًا وألقى نظرة خاطفة على المكان، ليتبين له أنه يجلس بمفرده على سطح مبنىً ما .. هذا غريب، لا يذكر أنه أتى إلى هنا .. نهض وتقدم من حافه السطح، أطل برأسه بحذر، لا شيء سوى أضواء المدينة، وأمواج السيارات التي تعبر الشوراع بسرعة متفاوتة .. هزّ رأسه، هذا ليس الوقت المناسب، عليه أن يرجع الآن .. لا شك أن ربة البيت انتظرته طويلاً .. سيواجه سخطها بصمت، فلن تصدق ما حدث معه مهما حاول شرحه .. نزل الدرجات الكثيرة التي قادته لباب كبير فتحه وغادر المبنى أخيرًا ......


    طرق الجرس عدة مرات ولم يتلق أي رد، فرك كفيه بتوتر، أهذا عقابه ؟ حرّك المقبض للأسفل ولدهشته فُتح الباب بكل يسر ! تسلل بخطوات حذرة، مدخل البيت غارق في الظلام على غير العادة، حين ولج الصالة لاحظ الإنارة المنبعثة من التلفاز، من خلف شاشته المربعة عرضت أوجه لشخصيات عديدة تتحدث لكن أصواتهم لم تكن ظاهرة .. قطّب متعجبًا هل نسيتْ السيدة إغلاقه ؟ لا يهم من الأفضل له أن يهرب لغرفته قبل أن تمسك به، فيما لو كانت مستيقظة طبعًا، وقبل أن يفرّ انتبه للانتفاخ البسيط الماثل على المقعد الكبير المواجه للتلفاز، اوه إنها نائمة هنا بالفعل .. تحرك بسرعة وركل بقدمه شيئًا لم يتبين ماهيته، لكنه أصدر صوتًا عاليًا، وهذا أكثر من كاف ليوقظ تلك الراقدة، " ااخ يا للحظ ! " همس بها وهو يغمض عيناه، لكن يا للعجب لم تصدر من المرأة أية حركة وهذا ليس من عادتها أهي مريضة يا ترى؟ تردد في إلقاء نظرة عليها، "ربما تكون بخير وحين تراني لا بد أنها ستعاقبني على فعلتي" .. دارت هذه الهواجس في ذهنه ومع ذلك وجد نفسه يقف بإزائها .. نطق بخفوت :
    - سيدتي
    ظلت على وضعيتها مما حداه لرفع طبقة صوته :
    - سيدتي ؟
    ابتلع رمقه قبل أن يتجرأ ويكشف جزءًا من الغطاء، وفرّت تلك الشهقة المرتعبة من شفتيه، تجمّد في محله قليلاً ثم انطلق إلى مكبس الضوء وأشعله لينتشر النور في المكان، عاد بجوار المقعد وسحب الغطاء كاملاً لتتبين له الكارثة بوضوح .. زلزلته الصدمة وأحدثت في قلبه دويّا هائلاً ! منذ البداية لم يكن هناك أي شيء على طبيعته .. ما الذي حدث هنا ؟!
    الرأس مخلوع، والجسد مقطّع لأوصال متجمعة جنبًا لجنب بطريقة مبعثرة
    ما هذا ؟! كومة لحم مختلطة بدماء، وأصابع مبتورة و ... غطى فمه بيده والخوف يدبّ في خلاياه .. تراجع للوراء مذهولاً ودهس شيئًا ما، أبعد قدمه لينظر إليه بعينين متسعتين، هذا خاتم السيدة، ومَضتْ في ذهنة حقيقة واحدة، إن جثة المرأة ممزقة شر تمزيق وهو لا شأن له، لكنهما يعيشان مع بعضهما فقط، ولا ريب أن أصابع الاتهام ستتوجه إليه أولاً .. واحد، اثنان، ثلاثة، وأطلق ساقيه للريح هاربًا من المنزل ومن الحي بأكمله ..توقف لاهثًا أمام منزل معلم التاريخ في مدرسته .. إنه الشخص الوحيد الذي يحترمه ويعامله على أنه إنسان، بغض النظر عن لونه وشكله ومذهبه، استقبله سابقًا في بيته وقضى معه وقتًا مسليًا .. لا شك أنه إذا شرح له الأمر سيصدقه ويقف معه، أجل إنه يحبه ولن يخذله
    دارت كل تلك الأفكار داخل عقله بوتيرة متسارعة، يشبه إيقاعها نبضات قلبه التي تقرع عظام قفصه الصدري بعنف بالغ ! لم يدرك أنه ظل ضاغطًا على الجرس كل هذا الوقت حتى رأى الباب يفتح ويطالعه وجه معلمه الغارق في الدهشة :
    - ما بك ؟ ما المشكلة ؟!
    كان لا يزال يتنفس بقوة، أراد أن يتكلم إلا أنه شعر بجفاف شديد في حلقه أسكته مجبرًا .. تراجع المعلم قليلاً وحاجبيه ينعقدان باستغراب :
    - لا بأس ادخل
    قاده إلى غرفة الضيوف .. جلس الصبي على أقرب مقعد وحاول جاهدًا تمالك أعصابه
    - سأحضر لك ...
    قاطع حديث أستاذه صوت البكاء الذي ارتفع من إحدى الغرف، فاعتذر منه وذهب للخارج .. حين عاد كان يمسك بيد طفلة صغيرة تبلغ الثالثة من العمر، تخبيء رأسها خلف ظهر المعلم وتسير بتعثر .. دفعها الأخير للأمام بلطف، لتصبح مواجهة للفتى ثم ابتسم قائلاً :
    - هذه ابنتي، أتذكرها ؟ يبدو أن صوت الجرس أخافها
    ركّز بصره على الصغيرة التي علقت الدموع بأطراف أهدابها ولم يقل شيئًا


    - سأحضر كأس ماء وأنتِ ابقي هنا مع هذا الفتى الظريف .. اتفقنا ؟
    عبست الطفلة وشدّت ثياب والدها، ليخرجان في النهاية معًا .. وقف الفتى بتردد، الأحاسيس السيئة تجتاحه وتشتته أكثر .. هذه الفرصة المناسبة للهرب، ليس عليه أن يخبر المعلم بأي شيء .. ماذا لو اتهمه ؟ تجاوز باب الغرفة وعبر الممر ليجد في منتصفه تلك الطفلة تلعب بسيارة صغيرة وتحركها في الهواء، توقف برهة في مكانه ليراجع قراره لما لا يبقَ و...
    شهق بخوف حين أحس بملمس شيء على ذراعه، أبعدها سريعًا لتكتسي الأرضية ببضع قطرات حمراء، أمسك يده بتوجع وفي ذات اللحظة طرقت سمعه زمجرة خافتة غريبة، رفع رأسه وحدّق بمعلمه بذهول .. أو من كان يفترض به أن يكون كذلك ! فتلك العينان الصفراوتان، والفم المكشر عن أنياب حادة لامعة، والفروالرمادي الكثيف، والمخالب الطويلة، كل ذلك لا ينتمي إلى البشر إطلاقًا !
    شلّ الفزع جسده، بلغ قلبه حنجرته، واختفى الأكسجين من الهواء .. هذه ساعة موته لا ريب !
    - يبدو أنك تواجه مشكلة ...
    عاد الجزء المفقود من ذاكرته، ليدرك كل شيء ويعلن في اللحظة التي انقضّ عليه فيها هذان المخلوقان - وأحدهما كبير الحجم والآخر أصغر - أن أسوأ كوابيسه وأشدها فزعًا، صار متمثلاً أمامه في مواجهة لمستذئبين على أرض الواقع هذه اللحظة !



    - تمت -


    أنهيت القصة بأعجوبة ولله الحمد .. لا أدري إن كانت تمت لعالم المذئوبين بأي صلة .. تبدو أشبه بقصة سفاحين !
    مع ذلك أقول : شكرًا لكِ بوح فقد أتحتي لي أداء تجربة فريدة
    المهم لا أنسى أن أصحح تلك المعلومة بشأن "كرهي للمستذئبين" كنت أعني مصاصي الدماء البغيضين فقط ><
    .. أرجو أنكم استمتعتم بقراءة الجنون أعلاه .. آه ومن لديه عنوان مناسب فليقترحه علي وأكون له من الشاكرات
    في أمان الله .


    التعديل الأخير تم بواسطة kaw Matsuda ; 12-2-2016 الساعة 10:41 AM

  2. 10 أعضاء شكروا kaw Matsuda على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2

    الصورة الرمزية سينورا

    تاريخ التسجيل
    Jun 2012
    المـشـــاركــات
    1,679
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: رحلة في عالم الأساطير

    السلام عليكم
    يبدو أن الفرائس....أقصد المتنافسين قد كثرو

    أعجبتني القصة فكرة الطالب المسكين و موت السيدة...إضافة لركضه إلى المعلم (أو المستذئب)

    بنسبة للعنوان ممكن "
    نهاية الفتى الظريف"
    لأن المعلم نادي طالبه بـــ"الفتى الظريف"

    شكرا على القصة مرة أخرى

  4. #3

    الصورة الرمزية بوح القلم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المـشـــاركــات
    3,354
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: رحلة في عالم الأساطير

    ياللهول وليمة ذئاب وأنا التي رأفت بالصغيرة وحزن قلبي من أجلها

    ظننته سيكون هو المستذئب بما أنه لا يتذكر كيف وصل إلى السطح ربما لا يذكر أيضا كيف هجم على المرأة

    كما كان يحصل مع دكتر جيكل فهو لا يتذكر كل ما يقوم به عندما يصبح الـ مستر هايد شيء كانفصام الشخصية

    كان بودي وأنا أقرأ الفقرة التي ترك فيها المعلم طفلته مع الولد الظريف لو باستطاعتي تنبيهه لأن لا يفعل

    لم أرغب بقراءة مشهد كون الفتاة وليمة الوحش لأكتشف بعد قليل أنها هي الوحش ><

    وكان يجب أن يكون تعاطفي مع الفتى المسكين

    قصة جميلة ماتسودا ونهاية غير متوقعة سلمت حروفك

    العنوان ؟ لست بارعة باختيار العناوين ما رأيك بـ " وليمة للذئاب "


    مع ذلك أقول : شكرًا لكِ بوح فقد أتحتي لي أداء تجربة فريدة
    أوه ماتسودا أنا من يشكرك لإمتاعنا بهذه القصة الجميلة ومن خلال تجربتك الفريدة علمنا أنك بارعة بهذا النوع من القصص

    بالتوفيق
    التعديل الأخير تم بواسطة بوح القلم ; 14-2-2016 الساعة 12:43 AM

  5. #4

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,622
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Etoile Icon رد: رحلة في عالم الأساطير

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    يالله شدة التعاطف مع الفتى
    جميل أبحرت معه في عالمه
    كانت مليئة بالغموض وتشوقت حدي
    سلمتِ لهذا الأبداع
    بالتوفيق في السباق
    في حفظ المولى،،

  6. #5

    الصورة الرمزية kaw Matsuda

    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المـشـــاركــات
    203
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: رحلة في عالم الأساطير

    شكرا لكل من رد أو عبر دون رد
    وكذلك شكرا ﻻقتراح العناوين
    وعن موضوع أنك خدعت يا بوح
    ليظهر لك في اﻷخير أن المجني عليه هو الفتى الظريف
    فأقول : كم هو رائع استخدام اﻷساليب الملتوية
    شعور منعش فعلا !

    احم .. في أمان الله .

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...