الفتاة ذات الشعر الاحمر

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    408
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي الفتاة ذات الشعر الاحمر





    بسم الله الرحمن الرحيم



    نحن الان في عام 1416 ه الموافق لعام 2016 م



    ترى ما هو اكثر ما يخيف البشر في حياتهم ؟



    هل الموت ؟



    هل المجاعة ؟



    هل الجن ؟



    هل اليتم ؟



    هل فقد الحب ؟



    هل فقر ؟



    هل المرض ؟



    هل ؟؟



    هل؟؟



    هل ؟؟



    القائمة لا نهاية لها من المخاوف التي تتربص بنا من كل زاوية ، ولكن الشيء الذي لا مفر منه أن لنا تجربة مع الخوف في كل لحظة .




    .

    .

    .

    .

    الفتاة ذات الشعر الأحمر

    .

    .

    .

    .

    .

    .

    يقال أنك الموت بعينة .. هل هذا صحيح ؟

    قالت الفتاة :

    هل أنت ميت ؟

    نظر ذلك الفتى إلى نفسه تحسس أطرافه ، تفحص ثيابه الممزقة ، تحسس الجرح الذي في رأسه ، تلمس قطرات الدم القليلة التي تعلقت بإصبعه .

    ثم قال :

    _ لا أدري ولكني أشعر بألم .. هل الأموات يشعرون بالألم ؟

    قالت الفتاة :

    _ نعم يشعرون بالألم ولكن ليس مثل هذا الألم الذي تعانيه ، إنه ألم سوف تجربه بيوم من الأيام .

    _ إذا أنا حي ولست ميت أليس كذلك ؟

    قالت الفتاة وعلى صوتها مسحة من الحزن :

    _ نعم أنت لا تزال على قيد الحياة .

    نظر ذلك الفتى الصغير لما هو حوله ، مدينة رسمت بالفحم ، أحجار متفرقة ليست مصفوفة ولا مرتبة ، كانت تلك المدينة بيوم من الأيام أرض حية ، والآن هي مثل وجه تلك الفتاة حمراء الشعر ، ميتة لا يدل على وجود البشر سوى بعض الأضواء المنتشرة ، التي تراها بين فينة وأخرى ، أو صرخات استغاثة لا مجيب لها إلا صرخات استغاثة أخرى .

    تلك الأرض ، ضربها زلزال ثم ثار بها بركان ثم جاءها طوفان ثم بعد ذلك كله بقية لوحة معلقة على تلك البلاد تقول لك أهلا بك في دوما .

    بين الدخان المتصاعد ورائحة البارود ، بين الأحجار التي كانت يوما من الأيام بيتا ، كانت دارا ، كانت مكان يجمع بشرا يسمون عائلة .

    فتاة لا يظهر من ملاحمها سوى الشيء اليسير ، شعر ناري مثل تلك الشعلات المتفرقة هنا وهناك ، بيضاء قد غطى جسدها طين الشارع ، بعينان تحكيان لك ما كانت عليه سوريا وما أصبحت الان .

    السماء تزنان بنجوم تخبرك أن للكون صانع , الأرض سوداء فاحمة ، ورائحة الموت في كل زاوية ، الناس تأكل كل شيء إلا جثث الأموات .

    وذاك الفتى فرح بأنه حي بعد نجاته من غارة جوية ، من قام بها ؟

    لا يهم.

    من بقي حيا هو الأهم .

    هذه الفتاة هي الموت ، هي الحياة ، هي كل شيء ، الكل راها ، ولم يراها أحد ، الكل يؤكد على وجودها مثل طائر العنقاء ، ولكن لا احد استطاع رؤية العنقاء , الكل يقول أنها هناك مثل التنين هناك ، خلف الجبال ، ولكن لا أحد رأى تنين .

    الفتاة هي اسطورة الموت التي يجتمع حول حكاياتها اهل سوريا بعد كل غارة ، بعد كل مذبحة ، بعد كل هجمة ، بعد كل مجاعة ، بعد كل وباء ، وقبل ذلك لم تكن موجودة .

    سألها الفتى :

    _ من انت ؟

    جلست .. مدت رجليها .. نظرت للسماء الزرقاء ، تلك السماء التي لم تعد تخفي النجوم خوفا من أضواء البشر ، لأن البشر ما عاد لهم نور .

    _أنت تعرف من أكون ، كلكم تعرفون من أكون ، حكايتكم عني بعيونكم الخائفة لا تنتهي ، خوفكم مني لا ينتهي ، من بين صدوركم وبين شفاهكم تذكرون وجودي كأنني أنا الرحيل ، أنني أنا الوداع الذي ليس له لقاء ، تذكرونني وكلكم يصفني بالذي يخافه ، وكلكم تخافون .

    نظر الفتى يمينا وشمالا كأنما تذكر شيء قد نسيه ، هم بالمشي لبضع خطوات لولا أن تكلمت الفتاة وقالت :

    _ هم سيأتون .. فقط أنتظر هنا وسوف يأتون .

    من بين الخرائب تقدمت طفلة صغيرة بثوب أزرق ممزق تجر لعبتها ، الطفلة مقطوعة اليد وقد فقدت نصف وجها ، الطفلة وضعت رأسها في حجر الفتاة و أغمضت عينها الباقية في صفحة وجهها الصغير .

    جلس الفتى بهدوء كأنما يرى ، طفلة تحتمي بصدر أمها ، كأنه يرى صغير ينام على صدر والده ، كأنما سجود أمام باكي بين يدي خالقه .

    شاب آخر تقدم وجلس بقرب الفتى ، قميصه مخضب بالدماء ، وقلبه مفقود ومكانه الهواء ، جلس وابتسم للفتى ، وضع يده على رأس الفتى وأخذ يداعب خصلات شعره ثم ينظر للسماء بسكون .

    تكمل الفتاة وهي تتحسس وجه الطفل النائمة على فخذها

    _ كلنا هنا زوار ، وكلنا راحلون ، منا من حان وقته وهناك من هو ينتظر ، كلنا نعلم وكلنا لا نعلم .

    شيخ يتوكأ على عصاه يجلس بقرب الفتى ، إنه جد الفتى وهو سبب الذي أبقاه حيا ، ظهره لم يعد موجودا ، هذا كل ما يمكن به وصف ذلك الشيخ ،يجلس بقرب الفتى ويأخذ برأس الفتى ويضعه على صدره يضمه ، ثم يقبله .

    الفتى لا يبكي ، ولكنه لا يبتسم ، كان يعلم ما آل إليه حال جده ، كان يعلم أن هنالك ثمن يجب أن يدفعه أحد ما ، ثمن لوقود الطائرة ، ثمن لحضن جده ، ثمن لبقائه حيا .

    _ إننا هنا زوار ، ولكل زائر وقت للرحيل ، الطيور في زرقت السماء سترحل، الحيتان في ظلمات البحر سترحل ، وأنت يا فتى سيأتي لك وقت للرحيل ، نحن ندفع كل يوم ثمن رغباتنا ، كل يوم ندفع ثمن حياتنا ، لا يهم من تكون ، رحلتك لها نهاية .

    حملت الفتاة الطفلة بين يديها ومضت في صمت وسكون مثل ظلمت الليالي ، مثل نسائم الصباح ، تبعها الشاب ، تبعها الشيخ الكبير ، وجلس الفتى وحيدا ، يراهم يرحلون ، يتركونه وحيدا خربا مثل ذلك الشيء بقربه الذي كان يسمى يوما من الأيام دار ، يسمى بيت ، يسمى عائلة ، دموعه تسيل ، وسكون الليل لا يخبر عن طائرة تحمل الموت ، ربما كانت تلك هي المرة الأولى التي تمنى فيها الفتى الموت .

    تلك الفتاة رافقت أخوه ، أخته ، والديه ، جدته ، ولكنه لا يكرهها ، لا يحقد عليها ، فهي الحياة ، فهي الروح ، هي الوجود الذي يجب ندفع ثمنه .








    كتبها

    dt- sherlock

    23/2/2016


    التعديل الأخير تم بواسطة بوح القلم ; 24-2-2016 الساعة 12:18 AM

  2. 7 أعضاء شكروا Dt-sherlock على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2

    الصورة الرمزية بوح القلم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المـشـــاركــات
    3,354
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الفتاة ذات الشعر الاحمر

    قصة بليغة محزنة رغم ما يكتنفها من غموض تجسيدك للمخاوف بشكل فتاة كان مؤثرا جدا أبكاني المشهد وأنا أتخيله

    رسمت كلماتك بؤسا ودمارا يعصف بالأرض ، دمارا لا أتمنى أن أراه على أرض الواقع رغم وقوعه

    فلكل شخص مخاوفه كما ذكرت ، ليس الموت وحده ما يخيف بل قد يكون الموت راحة للكثير من الناس

    أشعر بذاك الطفل الوحيد يصرخ مناديا من بين السطور : هل تعلمون من أنا ؟ ...

    أنا من آذاه الجوع أبرز رسم عظامه ، أنا من شرده الجور . أنا من أحزنه اليتم سرق عذب كلامه

    كم عذبني صوت أزيز أز يصفّر ، هل سأكون أنا المقصد ؟ أم ذاك الجار وتلك الجارة ..

    أنا من أرعبه لحن الغارة ، أنامن أبكاه البؤس بيوم زاره

    أبكي ترقّب هل أترك بيتي برضاي أم يجبرني دمار الحارة

    يا كل العالم ماذنبي ! أنا سوري أعبد ربي

    ثم .. تركت المنزل والحارة ، ضمتني طرقات وعرة ، تسترني أسمال قذرة

    أبكاني الجوع لأيام .. عذبني البرد بإيلام .. أبكي وحدي أذكر بشوق ضمة جدي ..

    يا مليارا زاد وزاد قد بيعت روحي بمزاد ... حياتي وبيتي وبسمة ثغري

    يا كل العالم ما ذنبي أنا عربي أحيا بصبري

    سلمك ربي وبارك أيامك شكرا لك



  4. #3

    الصورة الرمزية أأبو محمد

    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المـشـــاركــات
    956
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الفتاة ذات الشعر الاحمر

    تعبير بليغ ورائع
    بوركت على هذا الطرح
    لماذا وصفتها بالفتاة ذات الشعر الأحمر؟

  5. #4

    الصورة الرمزية Hope Tear

    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المـشـــاركــات
    8,025
    الــــدولــــــــة
    سوريا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الفتاة ذات الشعر الاحمر

    أبكتني كثييييراً ....
    عميقة الأثر، بليغة المعنى !
    تجسّد الواقع السوري الأليم بكل شبر فيه

    اللهم ياا فارج الهم وياا كاشف الغم
    فرّج عن أهلنا وإخواننا في سورياا ياا جبار ياا كريم

    شكراً لقلمك وحرفك ()

  6. #5

    الصورة الرمزية wreef

    تاريخ التسجيل
    Jun 2013
    المـشـــاركــات
    898
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الفتاة ذات الشعر الاحمر

    مشاء الله قصة مؤثرة ومعبرة واسلوبك جدا رائع في سرد القصة -

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...