الألفية الخامسة ، فعالية القلم القصصية :)

[أثير الفكر]

ابتسمت ببلاهة وهي تراقبه يقف أسفل نافذة شرفة غرفتها، كان يستند بظهره إلى حائط بلون نصيبها المكتسي بالرمادي ، يعد ذرات الرمل من تحت أقدامه المنتصبة منذ أكثر من ساعة ، هكذا هو ، دائمًا ما يتقمص دور المنتظر في كل المسرحيات التي يشارك فيها ، لربما يروقه ذاك الألم المندس خلف سويعات الانتظار التي تحبو بثقل لا متناهٍ !

سحبت الستارة السوداء التي تستتر بها إلى الأعلى قليلاً ، تعلم يقينًا أنه لن ينظر أبدًا إلى أعلى رأسه و إن أمطرت عليه السماء ذهبًا، لكنها تعودت دائمًا أن تتلذذ بمشاعر الخائفة من انكشاف مخبئها ، يعجبها ذلك، تعجبها تلك المشاعر التي تبنيها دومًا على رمال أحلامها الوردية إلى جانب تلك الأشياء الأخرى التي بنتها مسبقًا.

تنهدت بعمق وزفرت نفسًا مثقلا بذرات هواء خرجت على هيئة فقاعات وردية -أو هكذا خيل لها-
لا عجب فأقصى ما تصل إليه قصتها الرومنسية هي هاتي النظرات التي تختلسها له
رغم أنها لم ترَ عينيه بعد ، فدائمًا ما تراه محني الرأس هكذا وبنفس المكان، لكن لا يهم ربما يومًا ما ستثمر جهوداتها !

أحيانا تفكر بسذاجة أن عينيه ربما هي مثبتة أعلى رأسه مما يعني أنه يتأملها أيضًا من حيث لا تعلم
ابتسمت ببلاهة مرة اخرى وهي تتصور ذلك وتلاحقت أنفاسها طربًا وهي تنظر إلى فقاعة ظهرت أعلى رأسها تعرض مستقبلهما الوردي تحت عنوان :عيناك تجعلك اجمل ..


مؤكد لن يحب غيرها ، فلن ترضى به فتاةٌ بشكله الغريب هذا، مؤكد سيحبها بجنون لأنه سيعتبرها ضحت وقبلت بشكله ، لكن كيف ستعيش مع حبيب بعينين في أعلى رأسه؟ يبدو ذلك غريبا *بل مخيفًا*

نفضت عن رأسها استفهامها وهي تتمتم : بالحب ستتعايش مع كل شيء

يبدو أنها هكذا دائمًا ، تقنع نفسها باستنتاجاتها اللا معقولة وتصدقها ، ابتسمت ببلاهة للمرة المليون
رجعت تسترق نظراتها له ، ليس غريبا أن يبدو طيفه مكتسيًا بالضباب فهي لا تحبذ ارتداء نظارتها أثناء عمليتها الروتينية هذه ، لاتحب أن يشاركها شي في تأمله ، تريد أن تبدو غيورة فهم يقولون دومًا أن الغيرة دليل على الحب!!

استندت بمرفقها إلى طرف الشرفة وهي تقلب في ذهنها أحاديث صويحباتها معها *، كلماتهن كانت تفوح غيرة وحسدًا لامبررله ، تساءلـت مستطردة : مم!

وكعادتها أجابت نفسها : ربما من قصة ستنشأ قريبا بينها وبين محبوبها هذا

هه يالهن من متملقات ، تكاد تشعر الآن بمشاعرهن السوداء و ضحكاتهن الساخرة بها وبما تقول ، إنها ترن داخل قناتها الصوتية الآن فعلا.


زفرت بحنق وهي تطرد ثاني أكسيد الكربون عن فؤادها وتزفر معها كلمات صويحباتها وهن يصفنها بالمتعلقة بخيط من الوهم والنفسية أحيانًا وبكلمات لم تسعفها ذاكرتها لذكرها رأفة بها، مؤكد ستقطع علاقتها بهن، لكنها تفضل أن تؤجل ذلك إلى حين اكتمال قصتها حتى تنتشي بملامح الغيظ التي سيكتسي بها محياهن الحقود وهي في أقصى لحظات نشوتها

ضحكت من أعماقها مطولا ، وظهرت فقاعة أخرى فوق رأسها وهي تحمل بداخلها صويحباتها بمنظر الانسة منشن لحظة رؤيتها لتغير حظ سالي سيأتي ذلك اليوم حتما!!

و ابتسمت ببلاهة للمرة الواحدة بعد المليون ،أحست بأقدامها تتصلب تمامًا كذلك الحائط الذي يستند عليه محبوبها
أوه يبدو أنها غفلت عنه وهي تستعرض مستقبل صويحباتها الخائبات عند تحقق أحلامها

أبعدت الستارة عن وجهها قليلا و نظرت إلى الأسفل واتسعت حدقتا عينيها كعيني البومة وأكثر
تناثرت نظراتها يمنة ويسرة بخيبة ، كان قد تلاشى تماما *واخذ ظله ومسار خطواته معه*
تمامًا كما لم يكن ، حتى تلك الرمال التي وقف عليها لزمن ليس بالمدة القصيرة كانت قد ابتلعت أثر وقفته هناك*


تنهدت بأسى ، ليس غريبا فهذه المرة الالف الذي يختفي فيها هكذا سيعود غدًا بالتأكيد وستعود هي لإكمال سعادتها

أسدلت الستارة ككل مرة ، وعادت وهي تجر خطاها بثقل إلى أحضان سريرها الأبيض وأغمضت جفنيها بسعادة وهي تحتضن صورة محبوبها داخل رأسها

لم تكن تعي ما يجري فوق رأسها ، وغاب عنها جسد محبوبها الهلامي الذي انساب هابطًا إلى الأسفل ، شعرت بالبرودة ، شعرت بها تنزلق إلى عقلها ، تنزلق وتنزلق ، عرفت أنه لا يمكنها الهرب ، توقف قلبها عن النبض ، ودمعتها الصارخة لم تلقَ الوقت لتعلن عن حضورها !!

تمت