في الجنة

في عالم الجمال والأنوار والفتنة، والحب المتجدد في قلوب أهلها حول المياه والخضرة الساحرة، والقصور الفارهة، والطرقات الفسيحة، والبحيرات والشلالات والسفن واليخوت والمركبات والطائرات المترفة..كان لبلال خشف هناك..خشف لنعلي ذلك الشريد الذي تتقاذفه قبضات قريش، فتحتضنه تجاويف الجبال والخوف وغيرانها..يرجف يصبغها بالدماء والبكاء..بلال الأسود كان هناك كالملاك.

يقول صلى الله عليه وسلم : (دخلت الجنة ليلة أسري بي، فسمعت في جانبها وجسا، فقلت: يا جبريل ماهذا؟ قال: هذا بلال). واستمر خشف بلال حتى بعد الإسراء، فقد قال عليه السلام له: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة.
قال بلال: ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة، من إني لا أتطهر طهورا تاما، في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي).
بلال في الأرض..في مكة سلعة تباع وتشترى، وتعرض في الأسواق. لا يملك بيتا، ولا يملك نفسه، لكن في أعماقه بلال آخر..بلال مسلم حر مزق الشرك والخضوع..يتبختر في القصور هناك..هناك في النعيم..في الجنة..سيدا من سادات الأرض والسماء والإسلام. سيدا في عالم الجنات حيث لا عين رأت مثل ذلك الحب والجمال والأنوار، ولا أذن سمعت، ولا خطر شيء من ذلك في خيال بشر..مهما هام وأبدع وتألق، أو غاص عوالم الأحلام والأماني. أشرع الله أبوابها للموحدين، ونثر مفاتيحها في دروب الجميع، فمن تخلف فلا يلومن إلا نفسه.

من كتاب السيرة النبوية لمحمد الصوياني أنصحكم بقراءته فلا أظن أن هناك كتاب سيرة أفضل منه!