حبك محفوظ في قلبي رغم الفراق! (حب من عبق التاريخ)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 7 من 7

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المـشـــاركــات
    44
    الــــدولــــــــة
    فلسطين
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حبك محفوظ في قلبي رغم الفراق! (حب من عبق التاريخ)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    **
    حبك محفوظ في قلبي رغم الفراق! (حب من عبق التاريخ)

    في زمن الفروسية العربية الأصيلة، حيث كانت تحتل مكانة عظيمة في نفوس العرب، إذ أن من يحظى بلقب "فارس" لديهم؛ فكأنما حيزت له مجامع الخيرات، ووصل إلى أعلى الدرجات، مما جعل الفرسان يتصدرون المراتب العليا في طبقات ذلك المجتمع، فإن اجتمعت لأحد الفرسان ميزة الحنكة التجارية، إضافة إلى شرف النسب؛ فقد تربع على قمة القمم..
    في ذلك الزمن؛ نشأت بطلة قصتنا "زينب"، وترعرعت في أحد بيوت مكة العريقة، لتكون أولى ثمار حب طاهر جمع والديها تحت سقف واحد.. ولم يكن أحدٌ ليبالغ إن قال بأن ذلك البيت كان من أسعد البيوت وأهنئها، بل وجمع الكمال كله، فالأم سيدة حكيمة من أشرف العائلات، ولها جاذبية كبيرة تفوقت بها على قريناتها، فقد اشتهرت بجمالها وحسبها ومالها وشخصيتها الفريدة.. مما جعل جميع الرجال يتوددون لطلب يدها، غير أن شخصا واحدا فقط، تمكن من التسلل إلى شغاف قلبها حتى استوطن فيه.. إنه ذلك الشاب الوسيم بهي الطلعة، الخلوق الشجاع، والذكي المحنك الذي ما عرف العرب من هو في مكانته بينهم.. فأي سعادة حظيت بها تلك الطفلة، في أحضان والدين متحابين متفاهمين، وعلى درجة كبيرة من الأخلاق!
    وكأن الحب أبى إلا أن يولّد معه حبا آخر.. فزينب التي نشأت في كنف والدين متحابين، لم يكن غريبا منها أن تستقي بذلك الحب كله؛ لينعكس على صفاتها وأخلاقها، بل ومظهرها أيضا... حتى بدت كحورية حسناء تتهافت نحوها القلوب.. ولكن... أنى لهم الوصول إليها!!
    شاب واحد فقط امتلك حق التردد على ذلك البيت الطاهر وكأنه بيته.. كيف لا وهو بيت خالته التي عدته بمثابة ابنها، حتى زوجها عامله كابن له، بل كان يحبه ويكرمه لحسن أخلاقه وشهامته وأمانته، ولم يخف على أحد ما يكنه ذلك الشاب لذلك البيت من الحب والولاء، فقد كان سرعان ما يهرع لزيارة بيت خالته كلما عاد من رحلة من رحلاته الكثيرة- التي كان مولعا بها - حيث يقص أخبار تلك الرحلات على خالته.. وابنتها تصغي له باهتمام بطبيعة الحال.. ولا شك أن هذا كان من أكثر ما يسعده..
    ومرت الأيام وكبرت زينب، فيما كان "هو" ينتظر اللحظة الحاسمة بترقب، بل ولم يخف على أي شاب آخر بأن مجرد حلمه بالوصول إلى "زينب"؛ سيكون مستحيلا ما دام ابن خالتها موجودا في الطريق!!
    كيف لا.. وهو من أبرز فرسان العرب، بل ومن أبرز تجّارهم أيضا!! مما جعله يحتل مكانة مروموقة في قومه، هذا إلى جانب حسبه ونسبه ومكانته من والديّ "زينب"... باختصار.. إنه "أبو العاص بن الربيع"؛ فمن يجرؤ بعد ذلك كله على تجاوزه!!
    وأخيرا... زار أبو العاص بيت خالته تلك الزيارة التي أعد لها عدة طويلة.. فاستقبله زوج خالته بحنوه وبشاشة وجهه المعهودة... فلما رآه شعر بالحرج الشديد.. فجلس صامتا، لا يدري من أين يبدأ الحديث.. وكأن زوج خالته أدرك ما يدور بخاطره، فسأله عن حاجته بحنان ليستوثق من طلبه، فلم يستطع أبو العاص سوى أن يردد حروفاً قليلة بحياء:
    - أذكر زينب.....
    وصمت..
    فتبسم زوج خالته، وأخبره بأنه سيستأذن صاحبة الحق أولا..
    مرت اللحظات على أبي العاص ثقيلة حرجة.. لم يكن يشك في القبول، لكن الموقف بحد ذاته له هيبته..
    كانت الأم تنتظر هذه اللحظة بشوق، فدخلت على ابنتها وأخبرتها بطلب ابن خالتها، فما كان من الفتاة إلا أن صمتت وأرخت عينيها حياء، وقد اصطبغ وجهها بالحمرة، فتهلل وجه الأم بشرا، لتزف البشارة إلى البيت بأسره..
    كانت فرحة لا توصف، حبيبين جديدين على وشك أن يبدآ قصة حب جديدة، تبشر بحياة سعيدة، لا ينغصها شيء... هذا ما كان يُخيل لجميع من حضر حفل الزفاف ذلك اليوم، غير أن للقدر حبكة قصصية أخرى... لم تخطر على بال بشر!!
    انتقلت زينب إلى بيت زوجها، وقد أهدتها أمها قلادة غالية عليها، بثتها كل الحب، وكأنها تهديها رمزا من رموز ذلك الحب الذي نشأت في أكنافه، ليلازمها في حياتها وبيتها الذي أصبح مهدا جديدا له..
    ورغم أن أبا العاص استمر في رحلاته التجارية، إلا أن ذلك لم يؤثر في علاقته بزينب، بل كان ذلك يزيد من قربهما لبعضهما البعض، إذ يبقى الاثنان على موعد يتجدد باستمرار بعد كل رحلة، ولطالما شدى أبو العاص بأشعار يذكرها فيها خلال غربته عنها، حتى لم يبق أحد في مكة، لم يعلم بمقدار حبه لها..
    وكان من ذلك..
    ذكرت زينب لما ورَّكت إرما
    فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
    بنت الأمين جزاها الله صالحة
    وكل بعل سيثني بالذي علما
    لكن الأيام لا تدوم على حالها، والبيوت تتعرض لمحن باستمرار، لتختبر صدق أهلها!! وقد آن الأوان لأصعب اختبار أن يظهر في حياة هذين الحبيبين...
    كان ذلك بعد إحدى رحلات أبي العاص بن الربيع، حيث كانت زينب تنتظره بشوق شديد، وهي متلهفة للقائه لتخبره بخبر عظيم هز أرجاء مكة، وكلها أمل أن يكون عند حسن ظنها..
    ولم يكد يدخل الباب حتى هرعت نحوه مستبشرة، دون أن يخفى عليها ملاحظة غشاوةٌ من حزن تغطي وجهه، فعزت ذلك لطول السفر، فأسرعت تخفف أحماله، وقلبها يخفق بشدة، إذ لم تعد تطيق الانتظار لتخبره..
    لقد بُعث أبي نبيا برسالة الاسلام، لعبادة الله وحده ونبذ الاوثان، وقد أسلمتُ مع أمي وأخواتي، وقد أسلم أبو بكر وعثمان.. حتى ابن عمي الصغير علي قد أسلم، وأرجو أن تكون من السابقين للاسلام ..
    وأمام صمت أبو العاص، مع تلك الغشاوة التي علت وجهه؛ نبض قلب زينب بوجل..
    ما بالك يا ابا العاص!! هل سيفوتك شرف السبق إلى الاسلام!! أيعقل أن لا تكون أحد السابقين لهذا الدين العظيم!!!!
    وأخيرا باح أبو العاص بمكنونات صدره..
    أرجوك اعذريني وافهميني.. لم أكن لأكذّب والدك فهو صادق أمين، وثقتي به كبيرة، ولكن... لا يمكنني اتباع دينه.... أنت تعرفين مكانتي بين القوم، فهل تقدرين وضعي؟؟؟
    أسقط في يد زينب، وغشيها هم كبير لم تحسب له حسابا!!! زوجها وحبيبها وابن خالتها أبا العاص بن الربيع سيبقى على شركه؛ خشية أن يظن الناس بأنه تخلى عن دين آبائه وأجداده، إرضاء لزوجته!!! أي مصيبة هذه!!
    دمعت عيناها ولكنها بذلت جهدها لتقبّل الأمر، فهي تعرف زوجها جيدا، وتدرك ما يعنيه هذا الأمر له، فهو من فرسان قريش وتجّارها المرموقين، وله كبرياؤه بينهم...
    ولم يهن على أبا العاص رؤية حزنها، فضمها إلى صدره بحب..
    أعدك بأن لا أدع هذا الأمر يعكر صفونا، وسأبذل جهدي للوقوف إلى جانبك ما حييت..
    وهكذا لم تجد زينب بدٌ من التسليم بهذا الواقع المرير.. هي مسلمة مؤمنة تبذل جهدها لمساندة والدها وأمها في هذه الدعوة الجديدة، وزوجها مشرك وله مكانتته ومجلسه في صفوف المشركين، الذين يعملون على محاربة والدها من أجل القضاء على دعوته!!!
    ومع ذلك كله.. بقيت له زوجة وفية محبة، تدعو له بالهداية دائما، وقلبها يحترق ألما كلما رأت زوجها مصرا على شركه، فيما يتزايد عدد الرجال المقبلين على الاسلام... لماذا يا أبا العاص.. لماذا!!!!!!!
    ولم يقف الأمر عند هذا الحد.. بل بدأت المحن تتوالى على أهلها الواحدة تلو الأخرى.. ومهما حاول الزوجان أن يتظاهرا بأن الأمور لم تؤثر عليهما.. إلا أنهما لم يكونا بمعزل عما يحيط بهما.. وربما كان بيتهما هو أقل البيوت تضررا في تلك الظروف العصيبة التي زلزلت بيوت مكة، حتى قرر المشركون إمعانا في إيذاء النبي، العمل على تطليق بناته، لعلهم يشغلوه بهمهن عن متابعة دعوته!!
    فطلق ابنا أبي لهب، ابنتا الرسول صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم، والذي كان فكاكا لهما من رجلٍ؛ أعلن العداء جهارا لابن أخيه! بل ويكفي أنه كان فكاكا لهما من حماتهما سليطة اللسان حمالة الحطب!!
    وعندما وصل الأمر بالمشركين ليطلبوا من أبا العاص تنفيذ الحكم في حق زوجته، زينب ابنة محمد، على أن يزوجوه من يختار من نساء قريش؛ وقف لهم بالمرصاد وبقوة..
    كلا.. لا أطلق زينب أبدا، ولا يمكن لجميع نسائكم وفتياتكم أن يحللن محلها مهما حاولتم..
    حتى يئست قريش منه على مضض.. ولم يكن أبا جهل ليسكت عن ذلك، فأضمر له الكيد..
    حتى إذا اجتمعت قريش في أحد مجالسها ذات مرة، يتحدثون عن أحوالهم وما ينوون فعله؛ علق أبو جهل باستفزاز:
    لا تنسوا أن هناك بيننا من ينقلون الأحاديث لزوجاتهم، فيفشون الأسرار....
    غير أن أبا العاص لم يحتمل تلك الاهانة الصريحة، فنهض من مجلسه بغضب، صارخا فيه بحمية..
    من تقصد يا هذǿ؟ وضّح كلامك إن كانت لك الجرأة على ذلك!
    ولولا تدخل الرجال بينهما لما هدأ ابن العاص حتى ينال منه..
    كانت تلك الحوادث تحدث، وزينب لا تنفك عن الدعاء لأبي العاص الذي ما تخلى عنها، رغم كل ما أصابه من قومه بسببها، ليرسم بذلك أسمى لوحات الحب والوفاء، فلم تنسَ له ذلك أبدا.. وأصبحت رحلات أبي العاص أهون عليها من رؤيته في مكة مصرا على شركه، فيما تزداد أعداد المسلمين يوما بعد يوم..
    غير أنها كانت تؤمل بأن تكون الأيام القادمة أفضل، فلم تكن لتفقد الأمل بالله أبدا.. ولكن لله سنن، فيها اختبارات وابتلاءات يمحص من خلالها عباده، ليرى صدقهم..
    فجاء الحصار الظالم ابتلاء عظيم للمؤمنين، بل ولبني هاشم جميعا.. كان قرارا بلغ فيه الظلم منتهاه عندما أعلنت قريش حصارها لبني هاشم، الذين انحازوا في شعب أبي طالب، حماية للرسول صلى الله عليه وسلم، لقد أُعلن القرار ببنوده على الملأ.. فلا يتزوجون منهم ولا يبتاعون ولا يشترون.. وصمد بنو هاشم والمسلمون إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم في الشعب، الذي كانت فيه زوجته خديجة إلى جانبه، مع ابنتاهما ام كلثوم وفاطمة.. أما رقية فقد كانت في الحبشة مع زوجها عثمان، في حين كانت زينب لا تزال في بيت زوجها أبي العاص ابن الربيع، ترقب تلك الأحداث بحزن وألم، فلم تكن لتقف مكتوفة اليدين وهي ترى أهلها والمسلمون الضعاف يتضورون جوعا، فعزمت أمرها لتكون ضمن أولئك الذين يحملون الطعام سرا لشعب بني طالب إذا جنح الظلام.. ولم يكن أبا العاص ليخفى عليه ألمها الشديد، فلم يكن ليمنعها ويحول بينها وبين ذلك، بل كان من أكثر الداعمين لها في ذلك الموقف.. طوال ثلاث سنوات مريرة من الحصار..
    حتى إذا ما فُك الحصار وفُرج عن المسلمين بعد تلك المحنة العصيبة- وذلك بعد أن وقف بضعة رجال من قريش موقف رجولي عادل، في قصة سطرها التاريخ- حلت فاجعة جديدة، وكأن المحن أبت إلا أن تتوالى على زينب وعلى المسلمين، فلم تكد الفرحة تغمرهم بانتهاء الحصار، حتى فجعوا بموت السيدة خديجة التي أنهكها المرض والاعياء خلال السنوات الثلاث.. وكان مصاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيها عظيما، فهي أحب الناس إليه، زوجته الحبيبة التي وقفت إلى جانبه بكل ما تملك، ليقول عنها فيما بعد:
    "ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها ؛ قد آمَنَتْ بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذا حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء"
    تلى ذلك وفاة أبو طالب العم الحاني الذي كان درعا لابن أخيه رغم مخالفته لدينه!! حتى سمي ذلك العام بعام الحزن... وقد كان الحزن فيه حزنا بمعنى الكلمة...
    حاول أبو العاص بذل قصارى جهده للتخفيف عن زوجته التي بلغت آلامها ذروتها بفقدان أمها، ومصاب أبيها، لا سيما وقد وجدت قريش فرصة لتنال منه بعد وفاة عمه... هذا إلى جانب قلقها على أخواتها.. لا سيما اختها الصغرى فاطمة، التي كانت بمثابة ابنة لها.. فأي ألم بعد هذا كله!!.. وهي مع ذلك حريصة على القيام بحقوق زوجها، الذي كان يكفيه منها حبها الكبير له، ومشاعرها الفياضة تجاهه..
    ومرت الأيام.. ولا يزال أبو العاص على شركه، وحبه في الوقت نفسه.. ولا تزال زينب على ايمانها وحبها.. يؤكد على ذلك طفليهما الصغيرين أمامة وعلي، الذين حاول والداهما غمرهما بالحب، ليعوضا عن كل تلك الأحداث العصيبة التي تحيط بهما، إلى أن بدأ المسلمون بالهجرة سرا أو جهرا إلى المدينة، إذعانا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ليجن جنون قريش، فبدؤا بحبك الخطط خشية أن يفر الرسول من بين أيديهم، فينشر دعوته بين العرب دون أن يملكوا له شيئا... وازداد عدد المهاجرين، ولم يبق في المدينة إلا القلة القليلة... وأخيرا حانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، في حدث عظيم، أصبح تاريخا للمسلمين يؤرخون بها الحوادث والايام!! وهاجرت أخوات زينب كما هاجر معظم المسلمين.. هاجرت رقية مع زوجها عثمان مع المهاجرين السابقين، ثم هاجرت أم كلثوم وفاطمة.. وهكذا.. وجدت زينب نفسها وحيدة في بيت زوجها.. الذي كان يشعر بحزنها وآلامها حتى إن لم تقل له شيئا.. فلا يملك إلا أن يحاول تعويضها عن كل ذلك حبا وحنانا واحتواء، فيما كانت أقصى أمنياتها في ذلك الوقت؛ أن يسلم لتهاجر معه ومع أولادهما، ليلتحقوا جميعاً بركب المسلمين..!!
    وأخيرا.. جاء أصعب موقف وجدت زينب نفسها فيه... المشركون في مكة.. سيخرجون لمحاربة المسلمين في المدينة... ووالدها قائد جيش المسلمين، الذين تسأل الله لهم النصر والتمكين، أما زوجها فهو فارس من فرسان قريش الأقوياء، ووجوده في المعركة ضروري جدا أمام قومه، لذا سيخرج في جيش المشركين!!
    والدها في جانب... جانب الحق الذي تؤمن به وتتمنى نصره، وزوجها في جانب المشركين!! جانب الباطل الذي تخشى أن يلقى حتفه في ظلاله، فيكون فراقها له أبديا!!!
    ولم يكن أبو العاص محبا للخروج في تلك المعركة، ولم يكن يرغب بقتال المسلمين، ولا حاجة له بذلك، وقد حاول طمأنة زينب بأن خروجه للمعركة شكلي فقط، ولكن... أنى لها أن تطمئن!!
    مرت تلك الأيام ثقيلة عصيبة على قلب زينب، لم تجد أمامها شيئا تفعله فيها سوى الابتهال إلى الله بدموع عينيها، وبكل ما يحمله قلبها من حرقة، أن ينصر والدها والمسلمين، ويرد لها زوجها سالما ويهديه لطريق الحق المستقيم..
    وبقيت متأهبة تتبع الأخبار بقلق، حتى جاءها الخبر اليقين.. لقد انتصر المسلمون، ووقع زوجها بالأسر!
    وعرفت أن أهالي الأسرى بدؤا بافتداء أسراهم، فهرعت إلى مالها لتفتدي به زوجها، غير أنها لم تجد لديها ما تفتديه به أغلى من قلادة أمها الراحلة خديجة.. فدمعت عيناها تأثرا لذكرها.. وذكرى ذلك اليوم..الذي أهدتها فيه هذه القلادة.. يوم زفافها إلى أبي العاص بن الربيع..!! وها هو أبو العاص في الأسر... أفلا تفتديه بقلادة كانت وما زالت رمزا للحب!!
    وهكذا حزمت أمرها، وأرسلت أغلى ما تملك؛ لفداء زوجها حبا ووفاء..
    وكأن القلادة أبت أن يكون ذلك آخر عهدها في سلسلة الحب، فما أن رآها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى عرفها، فرق لها رقة شديدة، ودمعت عيناه تأثرا لذكرى خديجة..
    كان موقفا مهيبا اختلطت فيه المشاعر، أبو العاص يرى وفاء زوجته "زينب" له، وهي تفتديه بأغلى ما تملك، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يذكر زوجته الحبيبة خديجة التي كانت نعم المعين له، فما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلم، إلا أن استأذن صحابته الكرام بقوله:
    (إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيْرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الذي لها)
    ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم، إلا ليسارعوا لتلبية رغبة حبيبهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا بصوت واحد دون أي تردد وبكل حب:
    نعم.. نفعل يا رسول الله..
    تلك القلادة... لم تكن مجرد قلادة، بل كانت رمزا قويا للحب والوفاء...
    (يتبع)

  2. 14 أعضاء شكروا مدرسةالفروسية على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...