الحلـــــــــــــــــم (الفصل التمهيدي من رواية مدرسة الفروسية )

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المـشـــاركــات
    44
    الــــدولــــــــة
    فلسطين
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي الحلـــــــــــــــــم (الفصل التمهيدي من رواية مدرسة الفروسية )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    كما هو واضح من العنوان، أضع بين يديكم الفصل التمهيدي لرواية "مدرسة الفروسية" كاملا، وذلك لإتاحة الفرصة لمن لم يتمكن من الحصول على الرواية، للاطلاع على عالمها وفكرتها، علما بأن هذا الفصل هو مجرد تمهيد لعالم رواية "مدرسة الفروسية" وأبطالها؛ وعلى رأسهم بطل القصة الرئيس "علاء نور الدين منصور"...
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسهل مشروع الرواية، فلا تنسونا من صالح دعائكم، ونذكركم بأن الرواية متوفرة بفضل الله في مكتبات جرير ^^



    والآن... اترككم مع القصة... علما بأنكم قد تجدون بعض الأخطاء المطبعية أو الاملائية التي تم تداركها فيما بعد، ولكنني قمت بنسخ الفصل كما هو من الملف المتواجد أمامي حاليا!!! -_-



    مدرسة الفروسية
    ******************






    الفصل التمهيدي: الحلــــــــــــــم

    بعد ثمانية وأربعين عاما من مقتل الخليفة عبد السلام أوروج، وتفكك الخلافة إلى سبع وستين منطقة اسلامية مستقلة، بدأت مملكة رامان تعلن مد أطماعها نحو أكثر تلك المناطق أهمية، والتي كانت تُدار من قِبَل الخليفة مباشرة، لخصوبة أراضيها ووفرة مياهها، والأهم من ذلك؛ لموقعها المميز الهام والذي يعد البوابة الرئيسة لسائر المناطق الأخرى..
    وهكذا.. اندلعت الحرب في ( منطقة المروج الخضراء)، بعد أن رفض أحرارها الخضوع لذلك العدوان الظالم..
    وفي غابة كبيرة على مشارف مدينة (شمس)- إحدى مدن منطقة المروج الخضراء البارزة- أخذت سيدة شابة ملتحفة بغطاء ساتر من رأسها لأسفل قدميها، تحث الخطا بسرعة باتجاه المدينة، وهي تحاول التواري عن الانظار قدر استطاعتها، عندما اعترض طريقها رجل بدا في اواخر العقد الرابع من عمره، فارتبكت قليلا إذ لا يوجد من تطلب منه النجدة هنا إن ما أراد بها هذا الرجل سوءا، لكنها سرعان ما حافظت على رباطة جأشها وهي تذكر هدفها الذي خرجت من أجله، فسألته بجرأة:
    - ماذا تريد؟
    لكن الرجل الذي حملق فيها بوقاحة شديدة؛ اقترب منها باسما:
    - هل نسيتني بهذه السرعة يا أسماء؟؟ إنني ما زلت أحبك، وجئت لأقدم لك عرضا أثبت فيه وفائي بعد مـ...
    فقاطعته أسماء، وهي تتراجع للخلف، وقد احمر وجهها غضبا:
    - كيف تجرؤ على قول هذا، ألا يوجد لديك حياء!! إنني سيدة محترمة وأمٌ لثلاثة أطفال، فما الذي تريده مني بعد هذا كله!!!
    فعلق عليها الرجل متعمدا اثارة مشاعر الضعف في انوثتها:
    - تقصدين طفلين فقط.. فقد قُتلت ابنتك.. انني أعرف كل شيء عنك وأتابع أخبارك منذ ذلك الحين..
    إلا أن اسماء بدت أكثر تماسكا رغم ما أثار في نفسها ذلك الكلام القاسي من ألم، إذ لم يمض على مقتل ابنتها الصغيرة ذات الأعوام الثمانية اكثر من شهر! فتابع الرجل كلامه - وهو ينفث في عود كيومار لم يفارق شفتيه- متنهدا:
    - للأسف لم تفلح تلك السنوات كلها في اطفاء النار المشتعلة في داخلي..
    وتابع بانفعال:
    - لماذا رفضتني يا أسماء وقد كنت سأضمن لك الحياة الرغيدة الكريمة الهانئة؟!!
    انتفض جسد أسماء بشدة لسماع ذلك، وعادت بها ذاكرتها لأكثر من ثلاثة عشر عاما للوراء، عندما كانت في اوائل العشرين من عمرها، ولم يزل الشباب يتنافسون لخطبتها، لما اشتهر عنها من حسن خلق وجمال و نسب كريم، لا سيما وانها ابنة التاجر المعروف (عبد القادر ابراهيم)، الذي يتمنى الجميع مصاهرته، إلا انها لم تجد في اي واحد منهم من يشاركها "الحلم" الذي لم يزل يراودها، وهي ترى ما آلت إليه أحوال الأمة من تفكك وهوان، حتى جاء ذلك اليوم الذي طرق ( داغر) بابهم خاطبا مستعينا بشفاعة عمتها وتزكيته لها، لعلها تنجح في اقناعها.. يومها أخذت تبكي بحرقة، بعد الحاح عمتها الشديد، وهي تحاول الرد عليها بصوت متهدج:
    - كلا لا استطيع العيش معه ولن أرضى به أبا لأطفالي، إنه ليس صاحب الخلق و الدين الذي يفكر بإعادة مجد أمتنا الضائع، ولا اظنه يهتم بذلك أصلا..
    فقاطعتها عمتها بلهجة من يهمه مصلحتها:
    - اسمعيني يا ابنتي.. لا تكوني واهمة و عودي الى واقعك، وكفاك تغنيا بأحلام واهمة، فلا يوجد بين الشباب كلهم من يوازي داغر مكانة، و جميع الفتيات يتمنين الزواج منه! انها فرصة لا تعوّض فلا تركليها بعنادك!
    فقالت اسماء بتوسل:
    - أرجوك يا عمتي لا تتعبي نفسك معي أكثر، فانني أقدر موقفك هذا واهتمامك بي وبمصلحتي، ولكنني افضل الموت الف مرة على أن أعيش مع رجل لا هدف له ولا غاية سوى التفاخر بمنصبه وماله وجاهه، في حين أن منطقته ترزخ تحت رحمة رامان، ولا أحد يدري ما الذي يمكن أن يحدث، إن تخاذلنا أكثر..
    مرت تلك اللحظات بذاكرة أسماء كومضة برق، فيما كان داغر لا يزال يصر على سؤاله:
    - لقد رفضتني و رفضتِ المال والمنصب والجاه، بل وحبي الكبير لك من أجل ذلك المتهور؛ الذي قادنا إلى الدمار وقد كان بامكاننا العيش في بلادنا بأمن وسلام! وهاهو قد أصبح مطاردا لا يأمن على نفسه ولا يضمن لها النجاة عوضا عن أن يضمنها لبلادنا! .. اريد ان اعرف.. لماذا فضلتِ صعلوكا مثله علي؟؟؟
    لم تستطع أسماء السكوت أكثر فردت عليه بحدة:
    - عليك أن تلزم حدودك عندما تتكلم عن قائد عظيم مثل نور الدين، وإياك أن تحلم بمقارنة نفسك به، فهو رجل حقيقي، وليس من الجبناء أمثالك..
    فأطلق داغر ضحكة- اشمأزت لها نفس أسماء- وقال:
    - لكم تعجبني منك هذه الصراحة.. انني مستعد لفعل أي شيء من أجلك، فلن تعود المدينة آمنة بعد اليوم، سأصطحبك معي ولن أمانع باصطحاب طفليك ايضا لـ..
    لم تستطع أسماء احتمال سماع المزيد من كلامه فقاطعته بغضب:
    - ما هذا الهراء الذي تتحدث عنه، ألا يوجد لديك مروءة!!
    فأسرع يجيبها:
    - انني أحبك يا أسماء، ولم أعد احتمل البعد عنك أكثر..
    كادت اسماء أن تصاب بالغثيان، لكنها ردت عليه بثقة الواثقة:
    - أفي مثل هذه الظروف تقول مثل هذا الكلام!! أي حب هذا الذي تتحدث عنه، والرجال الأحرار يموتون دفاعا عن كرامتنا، ألا تخجل من نفسك؟؟ لقد كنت أخشى أن يتعرض لي رجل من جنود رامان، أما أن يكون ذلك الرجل هو أنت، فهذا عار عليك.. بل ان أمثالك عار على مدينتنا..
    فأجابها بلا مبالاة واضحة:
    - فلتقولي ما تشائين، فلوعة الحب لا يحكمها هذا المنطق، و لن يمنعك مني أحد الآن..
    ولأول مرة شعرت أسماء بالخوف الشديد، فتلفتت حولها لعلها تجد طريقة تخرج بها من تلك الورطة، بعد أن لم تعد تأمن على نفسها منه، ثم خطرت ببالها فكرة فقالت:
    - لو كنت تحبني حقا لتركتني وشأني، ولم تُثِر حولي الشبهات بكلامك هذا معي..
    عندها بدا على داغر أنه تفهم موقفها قليلا، فقال لها بلطف:
    - لا تقلقي فالمكان آمن...
    فانفجرت أسماء غيظا وغضبا، كالذي استفد آخر ما تبقى في جعبته من صبر، إذ عرفت ما يقصده بقوله:
    - ما الذي تظنه بي أيها الوقح!! هذه إهانة لا أقبلها أبدا!!
    وبسرعة اتخذت موقع الدفاع عن النفس، وهي تقول بقوة:
    - فلتعلم أن زوجة نور الدين تستطيع تدبر أمرها، فالله معها...
    فأطلق داغر ضحكة مجلجلة قبل أن يقول:
    - يبدو أنك لا تفهمين.. فلو كنتُ سأتسبب بإيذائك لفعلت ذلك من قبل، فأنا أعرف كل شيء، وأعرف أنك عائدة للتو من المخبأ الذي يلتجيء اليه نور الدين ورجاله...
    أُسقط في يد أسماء وقد تملكها قلق شديد على زوجها القائد نور الدين، فتمالكت نفسها بصعوبة لعلها تعرف أبعاد ما يرمي إليه داغر، فيما تابع هو كلامه وقد سره اهتمامها بما سمعته:
    - كان عليك أن تكوني مدينة لي، من أجل مستقبل أطفالك على الأقل، فكما أخبرتك من قبل؛ المكان لن يعود آمنا هنا، ولن يطول الأمر كثيرا مع اولئك الرجال، ولكن اطمئني فسأكون عونا لك ولأطفالك و نـ.....
    لم تستطع أسماء احتمال سماع المزيد، أو اخفاء مقتها الشديد له في تلك اللحظة، وقد بلغ السيل الزبى، فصرخت به وهي تتخذ من جديد موقفا متحفزا للقتال، دفاعا عن نفسها إن لزم الأمر:
    - ايها الخائن.. وتسألني لماذا رفضتك!!! أكنت تظن بأنه يمكنني- بعد هذا كله- احتمال العيش لحظة واحدة مع خائن مثلك أيها الجبان!!! انك وأمثالك لأخطر علينا من رامان بأسرها، فبأفعالكم تجرأت علينا..
    عندها تيقن داغر بأنه لا سبيل إليها، فكشر عن أنيابه مزمجرا بغيظ:
    - دعي نور الدين ينفعك إذن..
    واندفع نحوها بشكل مخيف، فيما قفزت أسماء للخلف بذعر- رغم استعدادها المسبق لأي حركة تبدر منه- فالتوت قدمها، وبسقوطها المفاجيء الذي كتمت معه صرخة ألم شديدة- خشية أن تلفت نظر جنود رامان إليها- توارد الى ذهنها مائة خاطر وخاطر، حول ما يمكن لداغر أن يفعله بها، إذ لم يكن لديها أدنى فكرة عن نواياه، فلم تجد سوى تفويض امرها لله، ملتجئة اليه، وصورة نور الدين لا تفارق ذهنها..
    لقد مر على زواجهما ثلاثة عشر سنة، وما زالت ترى فيه الرجل المخلص والصديق الوفي والزوج المحب، الذي يشاركها الحلم نفسه، لم تكن تعلم قبلها انه يكن لها فيضا من المشاعر حتى ارتبطت به، لقد كان هبة الله إليها، وسفينة النجاة التي انقذتها من الغرق في بحر داغر الملحاح وأمثاله، بعد أن اشتد بها الكرب خشية أن يرضخ والداها لتلك الضغوط فيرغمونها عليه، يومها تقدم نور الدين طالبا يدها.. ذلك الشاب الذي كان يبحث عمن يشاركه حلمه الكبير ويعينه عليه، فأحبها بالسماع عنها قبل أن يراها، وعندما رآها ازداد لها حبا، وما زالت كلماته ترن في أذنيها يوم أن وُقّع عقد الزواج بينهما " لقد سمعت عنك فأحببتك، وعندما رأيتك ازددت لك حبا، وكأن الله قد قذف به إلى قلبي قذفا، فدعوت الله أن يجعلك أمّا لأطفالي، لنحقق حلمنا العظيم بانشاء جيل صالح يعيد المجد لأمتنا، فاجعلي التقوى وثاق قلوبنا، فـ (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)"، وها هي لا تزال تحفظ كلماته عن ظهر قلب، رغم تلك السنوات.."التقوى هي ميثاق الحب بيننا، فهي ميزان الحب وحاضنته"، وهكذا كتب الله لحلمها بالاستمرار ليكبر معها يوما بعد يوم، الحلم الذي لم تتنازل عنه حتى هذه اللحظة، والذي لخصته بجملة واحدة، أجابت بها على كل من سألها عن سبب تفضيلها لنور الدين على غيره من الخاطبين: " لأنني أريد أن أنجب قائدا صالحا بإذن الله، مثل الصحابي الجليل ( العلاء بن الحضرمي) رضي الله عنه "، كان حلمها منصبا على اعداد جيل صالح يعيد المجد لأمته، أما أن تشارك بشكل مباشر في مواجهة رامان فهذا فوق احلامها، فمنذ أن علمت بقيادة نور الدين لفرقة من الرجال الأحرار لمواجهة العدوان، وهي تقوم بمهام ايصال الطعام والأخبار، وكم كانت سعادتها كبيرة بذلك متيمنة بذات النطاقين، السيدة اسماء ابنة ابي بكر رضي الله عنهما..
    مر كل ذلك سريعا في ذهن اسماء لحظة سقوطها على الأرض، فدمعت عيناها.. يارب احفظني بحفظك فلا تمسني يده بسوء...
    وقبل أن يقترب منها داغر، قفز شاب - في مطلع العقد الثالث من عمره- نحوه ليفاجئه بضربة عرقلته وكادت أن تشل حركته في لمح البصر، فسقط أرضا متأوها بألم شديد وعيناه تتقدان شررا، لكن الشاب مفتول العضلات، و الذي بدى متأهبا كأسد جسور ليزلزل الأرض من تحت قدميه، حدجه بنظرات جمدت الدم في عروقه، ففر هاربا كفأر مذعور..
    عندها التفت الشاب إلى أسماء ليطمئن عليها فوجدها قد استطاعت النهوض من سقطتها رغم الألم، فأرخى عينيه موجها حديثه إليها بأدب، رغم ثقته من جواب سؤاله:
    - أنت زوجة القائد نور الدين منصور، أليس كذلك؟
    صمتت أسماء بحيرة شديدة إذ لم تكن واثقة تماما من هوية هذا الشاب، وما إن كان من الحكمة الرد عليه، ولم يخف على الشاب ما يدور بخلدها فأسرع يبريء نفسه من أي ظنون قد تراودها بشأنه:
    - انني اقدر موقفك وأتفهمه تماما، فما أحوجنا لأخذ الحيطة والحذر خاصة في هذه الأيام، ولكن ثقي بي أرجوك، فأنا قادم للالتحاق برجال نور الدين..
    وتنهد بضيق:
    - صدقيني هذه هي الحقيقة رغم انني لا أملك أي دليل لاثباتها..
    وقبل أن تحزم أسماء أمرها باتخاذ أي قرار بشأنه، فاجأها نور الدين بظهوره على حين غرة، ليقف في مواجهة الشاب قائلا:
    - ما الذي تريده؟
    وما إن وقعت عينا الشاب على نور الدين، حتى تهلل وجهه مستبشرا، فقال بابتسامة ذات معنى:
    - ألا تذكرني يا معلمي؟؟
    و رفع كم قميصه كاشفا عن ذراعه، وهو يشير إلى جرح غائر فيها:
    - ألا تذكر هذه!! انني صالح شريف..
    عندها انفرجت أسارير نور الدين، وكللت وجهه المنير ابتسامة مشرقة:
    - ما هذه المفاجأة يا أخي! الحمد لله الذي كتب لنا اللقاء مجددا..
    لكنه استدرك بطبيعته الحذرة:
    - ستحدثني بكل شيء لاحقا..
    ثم التفت نحو أسماء التي ارتبكت قليلا من نظراته، خشية أن يكون قد استمع لكلام ذلك الرجل معها قبل ظهور صالح، فأرخت عينيها حرجا، وأدرك نور الدين ما جال بفكرها؛ فابتسم مطمئنا:
    - الحمد لله على سلامتك يا عزيزتي، كيف هي قدمك الآن!!
    فأجابته أسماء وهي تحاول تحريك قدمها:
    - ان شاء الله ستكون بخير..
    وتابعت بتردد:
    - منذ متى وأنت هنا يا نور الدين؟
    فابتسم نور الدين:
    - وهل كنت تظنين أنه بإمكاني تركك تعودين وحدك في مثل هذا الوقت!!
    فحاولت أسماء مداراة حرجها، وهي تسأله مصطنعة الغضب:
    - كنت تخدعني اذن وأنت تظهر اعتمادك علي وثقتك بي، فهل تستخف بقدرتي إلى هذا الحد!!
    عندها سعل صالح بطريقة مهذبة، مشيرا إلى وجوده، في محاولة لانهاء شجار زوجي مرتقب قبل أن يبدأ، وانقاذا لنور الدين من مأزق مؤكد، فالتفت إليه نور الدين باسما:
    - هذا مشهد طبيعي..
    لكنه بتر عبارته، بعد أن التقطت اذناه الخبيرتان صوتا ما، ولم يكن هناك وقت للشرح فحمل أسماء بين ذراعيه، ليقفز بها مختبئا بين الأشجار بمهارة أذهلت أسماء نفسها، في حين اتخذ صالح موقع حماية ظهريهما إن لزم الأمر، بخبرة المتمرس على مواجهة الأزمات، فما أن وصل جنود رامان المكان حتى كان ثلاثتهم قد تبخروا كقطرة ماء!!..
    ***
    تناول نور الدين بضع لقيمات على عجل في منزله، وانهمك في ترتيب حقيبة أعدها لسفر طويل عندما دخلت عليه اسماء بقلق:
    - ما هو الموضوع الهام الذي ستحدثني عنه يا نور الدين؟
    فترك نور الدين حقيبته ووقف أمامها يتاملها بنظرات حب قبل أن يقول:
    - تذكرين حلمنا يا أسماء..
    فأومأت برأسها ايجابا وعيناها تترقرقان بالدموع، دون أن تقوى على النطق، بعد أن استشعرت في صوته نبرة مودع، وقد عاد بهما الزمان إلى أول لقاء جمعهما بعد الخطوبة، عندما باغتته أسماء بأولى أسئلتها المفاجئة:
    - هل توافق على أن تُكنى بأبي العلاء؟
    فنظر اليها بدهشة لذلك السؤال المباغت الذي جاء دون مقدمات، فأسرعت توضح غايتها وقد احمرت وجنتاها خجلا:
    - منذ أن قرأت سيرة الصحابي الجليل، القائد الولي الصالح ( العلاء بن الحضرمي)، وأنا أحلم بإنجاب قائد مثله، يعيد المجد لأمتنا، لذا وددت لو أسمي ابني الأول إن رزقني الله به، علاء تيمنا باسمه، ولعل الله أن يعلي به راية الحق..
    عندها ابتسم نور الدين بانشراح صدر، قائلا:
    - لقد راودني الشعور نفسه بعد اطلاعي على سيرته أيضا رضي الله عنه، وأسأل الله أن يرزقنا هذا الابن الصالح، وسنختار له اسم علاء إن شاء الله..
    فتهلل وجه أسماء بشراً وكادت أن تقفز من شدة الفرح، لولا حرج الموقف، فقالت بحياء:
    - اتفقنا، جزاك الله خيرا..
    تنهد نور الدين، وقد مرت تلك الذكرى العطرة في مخيلته كطيف عابر، قبل أن يتابع:
    - لقد مر على زواجنا ثلاثة عشر عاما، ما فتئنا نذكر فيه هذا الحلم، ونخطط له، وقد أكرمنا الله بعلاء واخوته..
    وصمت قليلا وقد استعبر:
    - نسأل الله أن يأجرنا في مصيبتنا بابنتنا هناء، و يبارك لنا بأخويها علاء وبهاء..
    ثم قال ممهدا لموضوعه الهام:
    - أسماء.. أنت تعلمين مكانتك العظيمة في قلبي، وتدركين تماما مقدار ما أكنه لك من حب، تعاهدنا معا أن نحفظه بتقوى الله في السر والعلن...
    وصمت قليلا، فيما غاص قلب أسماء في أعماق صدرها وكاد أن يتوقف عن النبض تحسبا لما يمكن أن يفاجئها به زوجها الحبيب، فمرت لحظات الصمت عليها كدهر طويل أتى على ما تبقى من صلابتها قبل أن يتكلم نور الدين أخيرا:
    - أريدك أن ترحلي مع ولدينا علاء وبهاء، فستهاجر مجموعة جديدة من مدينتنا اليوم، فقد قابلت جارنا السيد مروان قبل أن آتي وأخبرني بأنه على استعداد ليكون هو وأسرته رفيقكم في السفر..
    صعقت أسماء بذلك الخبر الصادم، ولم تعد قدماها تقويان على حملها، إلا أنها تجلدت أمام زوجها قدر استطاعتها، وهي تقول له:
    - لقد عاهدتك على الوقوف إلى جانبك دائما يا نور الدين، ولا يمكنني الابتعاد عنك في هذه الظروف، سنعمل معا..
    لكنه قاطعها بلطف:
    - أرجوك يا أسماء، خذي أطفالنا وارحلي..
    وتابع بلهجة كشف فيها عن ضعفه لأول مرة:
    - انني بشر يا عزيزتي، و لي قلب أخاف أن ينشغل عليكم وأنتم هنا.. لذا أرجو أن تفهميني فأمامي مسؤولية كبيرة ولن أعود إلى هذا المنزل بعد اليوم..
    عندها لم تجد أسماء ما ترد به عليه، وقد تذكرت ما واجهها في الغابة مع داغر، عِوَضا عما سمعته من تعرض جنود رامان للنساء، فحبست أنفاسها خشية أن تنهار أمامه بالبكاء وهي تسمع كلمات الفراق الذي بات محتوما عليهما، فأومأت برأسها علامة الموافقة دون أن تنطق بكلمة..
    فابتسم نور الدين:
    - انني أثق بك يا أسماء، واعتمد عليك.. وسيكون علاء معك رجلا يعتمد عليه ان شاء الله..
    عندها انهمرت الدموع غزيرة على وجه أسماء، وارتمت على صدره تجهش بصوت مخنوق، فضمها إليه بحب كبير، مشجعا لها بقوله:
    - أنت زوجتي الحبيبة ، أسماء الصامدة الصابرة، فاثبتي يا عزيزتي وكوني كما عرفتك دائما.. فحلمنا الكبير جدير بالتضحية، و مهما حدث فالعهد بيننا باق إن شاء الله، ومن يتق الله يجعل له مخرجا..
    *****


    أرجو أن يكون الفصل قد حاز على رضاكم، فإن كان لديكم أي تعليق- مهما كان فلا تترددوا بإضافته، وجزاكم الله خيرا ^^

    لا تنسونا من صالح دعائكم (:
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  2. 5 أعضاء شكروا مدرسةالفروسية على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2


    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المـشـــاركــات
    44
    الــــدولــــــــة
    فلسطين
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الحلـــــــــــــــــم (الفصل التمهيدي من رواية مدرسة الفروسية )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ~~خالد~~ مشاهدة المشاركة
    الفصل راااائع جدا *^* أعجبني فيه شدة الصوت الإسلامي الذي تتضعضع أمامه الرذيلة :") وما يؤسفني أنه مجرد تشويق للرواية، إلا إن كان لمسومس تتمة حصرية >> على الأقل فصل ^^" سأحرص بإذن الله على اقتناء الرواية ودعم المشروع ^_^ على الهامش: يمكننا أن نكسوا حروفنا الجلباب الإسلامي حتى بالأساليب غير المباشرة: على سبيل المثال: الأسلوب الساخر.. تماما كالذي يستعمله اللبراليون والعلمانيون ضد الإسلاميين.. وأرى هذا الأسلوب ناجعا لو طبقه الإسلاميون.. ويكون الهزء بالأفكار لا بالأشخاص طبعا.. أعني أن نبين فساد بعض الأفكار بأساليب مختلفة، وليس فقط بالأسلوب المباشر الذي نتخذه دائما.. ربما يكون كلامي غير واضح؛ ولكن هذا ليس موضع البسط فيه ^^" وفقك المولى لما فيه الخير، وأدام قلمك ذائدا عن حمى الدينفي حفظ الله ~
    جزاك الله خيرا اخي الكريم لهذه الكلمات المشجعة، وكنت أود لو بامكاني نشر الرواية كلها الكترونيا ليتسى للجميع قراءتها (فحاجتي لآرائهم هامة جدا بالنسبة لي) ولكن لعله خير تأخر مشروع النشر الالكتروني لأسباب خارجة عن الارادة، ولعله خيريسعدني جدا قراءتك للرواية وابداءك الملاحظات عليها، فهذا سيفيدني جدا ولك جزيل الشكر** وشكرا للاضافة المفيدةوصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المـشـــاركــات
    44
    الــــدولــــــــة
    فلسطين
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الحلـــــــــــــــــم (الفصل التمهيدي من رواية مدرسة الفروسية )

    السلام عليكم (:
    يسعدني إخباركم أنه أصبح- والحمد لله- بإمكانكم الآن قراءة رواية "مدرسة الفروسية" مجانا على النت لأول مرة؛ عن طريق موقع سبيستون، كوكب مغامرات في قسم المنتديات ^^

    وجزاكم الله خيرا لاهتمامكم ولا تنسونا من صالح دعائكم (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...