الحلقة السابعة عشرة _ الطريقة السحرية!

الزمان: عام 2006م.
المكان: الفندق في مكة.
الحدث: أحد زملائنا في الرحلة، وكان قد قدم مع زوجه وطفلته، يسألني باهتمام: (هل لمستَ الحجر الأسود خلال العمرة)؟
الإجابة: (لا، لم أستطع الوصول إليه بهذا الزحام الشديد).
قال (بفخر): ولا أنا!
وقبل أن أستنكر سبب تفاخره، بما أنه لم يصل إلى الحجر الأسود، تابع (موضحًا): لقد عرفت طريقة تجعلك تصل إليه وتلمسه وتقبله.
وأضاف (بتوكيد): بل إن الشرطي الذي يقف بجواره، سيكون مجبرًا حتمًا على تأمين الطريق لك.
قلت (غير مصدق): لا يمكن!
أجاب (متحمسًا): بلى، وسأخبرك بالطريقة، الخطأ أننا نحاول الوصول إلى الحجر الأسود مباشرة، ولكن لو سرت بهدوء ناحية الزاوية، وأمسكت (الحبل) فقط، فلن يكون هناك مناص لرجل الأمن إلا أن يأخذك بيده لتلمس الحجر الأسود!
وأضاف _ قبل أن أقول شيئًا _ (بشهامة): سنصلي العصر هناك، ثم نطوف حول الكعبة، وسأقوم بإيصالك بنفسي حتى تمسك بالحبل، لتصل إلى الحجر الأسود.
أنا (مفكرًا بيني وبين نفسي): العبقرية تتسم بالأفكار البسيطة فعلًا! لقد وصلت إلى الحجر الأسود في رحلة سابقة، بصعوبة أقرب إلى المعجزة، والآن... الطريق إلى الحجر الأسود مضمونة!
طبعًا: كان الأخ قد انصرف إلى غرفته، وفعلتُ مثله، فقد كانت رحلتنا إلى مكة مرهقة، مع سائق لا أعتقد بوجود من هو أشد تعاسةً وبؤسًا على المسافرين منه، للأسف!
ومن دون أن أشعر: غفوتُ إرهاقًا... ثم....
ما هذا؟ ولولة وبكاء بصراخ عنيف يرج الطابق بأكمله!
ترى؟ هل اشتعلت النار في الطابق!!
ولكن: يا للألم! الأخ نفسه، صاحب الطريقة السحرية، وجدني نائمًا، ولم يشأ إيقاظي، فذهب بمفرده، وصلى العصر ثم اتجه يطوف حول الكعبة محاولًا تنفيذ طريقته...
ولقد: أمسك به (بعضهم) من عنقه، وألقوا به أرضًا بعنف، ما تسبب له بجراح قاسية، أما مشكلة وقوع نظارته بعيدًا ليدوسها من داسها ويكسروا زجاجها، فهذا أمر هين لين!
إذ إن: الأمر لم يقتصر على ذلك، ولا حتى على الجراح والرضوض!
فلقد: داس بعض المعتمرين فوق الأخ، لأنهم لم يستطيعوا تلافيه في الوقت المناسب، ليزداد ألَمًا فوق آلامه!
ولولا أن: بعض أولاد الحلال انتبهوا إليه، فألقوا بأنفسهم فوقه لِيَقُوه بأجسادهم أقدام الآخرين، ثم تعاونوا على إنهاضه، لكان مصير أضلاعه التكسير حتمًا، والله أعلم!
كما أن: بعض رفاقنا انتبهوا إليه، فأسرعوا بإسناده والسير به إلى الفندق، لتفاجأ به زوجه وطفلته بهذا الشكل، فتنطلق صرخاتهما ويعلو بكاؤهما...
وكل ذلك هين فعلًا! إذ إنه نظر إليَّ متمتمًا بحياء: (لا تؤاخذني! لم أنتظرك لأنفذ لك الوعد! لكن، حينما يخف هذا الألم سآخذك معي لتمسك بالحبل، وتصل إلى الحجر الأسود، ربما غدًا)!
سألتُه (غير مصدق ما يقول): غدًا؟!
تمتم (بحياء أكبر): غدًا، أو، أو بعد غد، نعم، بعد غد على الأكثر، لأن...
قاطعتُه (بحزم): لا غدًا، ولا بعده، ولا بعد بعد بعده! أنا لا أريد الوصول إلى الحجر الأسود، ماشي؟!
هتف (مستنكرًا): كيف؟ هل هناك من (يَصِحُّ) له أن يصل إلى الحجر الأسود ويرفض؟؟
قلتُ له (ببعض السخرية): يا أخي، أنت (صِحّ) بالأول، وبعدها انظر إن كان (يَصِحّ لك) أن تصل إلى الحجر الأسود!
واستطردتُ (ببعض السخرية، لكنها أقوى من المرة السابقة)!: لولا أن الله رحمني لأغفو، لذهبت معك، أفتريدني أن يرحمني ربي من عنده، فأرفض الرحمة، وألقي بنفسي إلى الهلاك!!
ولا أعلم: هل كان يريد الاعتراض آنذاك، أم لا.
إذ إنني: انصرفتُ مسرعًا، رحمةً به طبعًا، ليدخله الزملاء غرفته، لعله يستريح قليلًا.
وما يزال: منظر هذا المسكين، بملابسه الممزقة، وجروحه المتعددة، ماثلًا في ذهني، رغم اثنتي عشرة سنة تفصلنا عن هذا الحدث.
بل: ما يزال صوت بكاء عائلته الأليم، يَرِنُّ في مسامعي.
وأنَّى: لفئات قليلة ممن يذهبون إلى العمرة أن يكونوا وحوشًا بهذا الشكل، ليلقوا بمن أمامهم أرضًا، كي يصلوا إلى الحجر الأسود قبلهم؟؟
وهل: تُطلَب رحمة الله تعالى بهذا الشكل!!