حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 42
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    هذه حكاية مطولة بعض الشيء نتناول بها قليلًا من أحداث الطفولة في المدرسة
    لنتوسع في التفاصيل مع ما حصل لنا خلال التعليم مما لا نتخيل من الأحداث

    تابعوا معنا
    البداية غدًا بإذن الله تعالى

    ملحوظة:
    كل الشكر والامتنان لمن يتابعني ويشرفني بِرُدوده
    فهذا يغني الموضوع، ويعني لي أن ما أكتبه يثير الاهتمام
    وبما أن خاصية وضع الفهرس موجودة فلا خوف من ضياع الحلقات
    ما بين الردود والمشاركات
    بارك الله بكم ولكم


    أنا أستاذ!
    لذلك أنا أستاذ!
    نصف قلم وخشبة الرعب!
    الهدف الدموي!

    أفكار عبقرية!
    إنه مسكين!

    وليد... من جديد!
    تصرفات مقلوبة!
    اشعروا بالدهشة!
    تعالوا نصرخ!
    أشباح وذُرَة وصاروخ وصراخ!
    فتاة مثل البيتزا!
    احملها واحضنها... بل واركلها!
    لحظات التكسير والدم!
    ازدواجية المعايير!
    لمحة جنون!
    العلامة الفأرية!
    الحوار الدامي!
    المفاجأة الرقابية!

    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 4-7-2018 الساعة 07:56 AM

  2. 5 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    أنا أستاذ!

    أنا أستاذ!
    هذا ليس بمجرد تعريف
    فأنا _ بالفعل _ أستاذ
    لا أعلم السبب في ذلك
    ولكن، هذه الكلمة باتت صفة لي بفضل الله
    حتى لدى من لا يعرفني
    صاحب المطعم في منطقتنا حينما أتصل به طالبًا وجبة طعام
    يناديني بال(أستاذ)
    وأسمع صوته عبر الهاتف يقول للعمال لديه إنه يريد وجبة طعام كذا وكذا للـ(أستاذ)
    وإذ يأتي الديلفري إلى منزلي يسلمني كيس الطعام
    أرى أن الكيس قد كُتِب عليه كلمة (الأستاذ عمر)
    وحتى حينما أمر بسيارتي على أي حاجز يقول لي رجل الأمن (تفضل يا أستاذ)
    مرة _ من فترة قريبة _ مررت بحاجز فجائي في طريق ليس فيها حواجز
    وأول مرة، منذ سنين، يشير إليَّ رجل الأمن بصرامة لأقف جانب الطريق
    وقد كان ذلك
    ولكني فوجئتُ _ حقيقة لم أفهم سببها _ برجل أمن آخر يأتي نحوي مسرعًا
    حتى ظننتُ أنني مطلوب للقوى الأمنية من دون أن أعلم!
    ولكنني لم أتخيل أنه سيعتذر مني لأنهم أوقفوني!
    (هل طلبوا إليك أن تقف هنا يا أستاذ؟ تفضل، لا تؤاخذنا)!!

    أما في مجال عملي فقد كنتُ مميزًا
    أشكر الله تعالى لذلك
    بلغتُ مكانة كبرى، ولكن...
    لا يعني هذا الهناء والرخاء
    فلقد عانيتُ كثيرًا بدايةَ مشواري في التدريس
    وحتى بعد أن بلغتُ ما بلغتُه حاليًا
    وجدتُ أن مقولة السيد المسيح عليه السلام (لا كرامة لنبي في وطنه)
    تصلح لكل زمان ومكان!

    أما العنوان فهو يدل على المضمون
    ولا تستغربوا كلمة (التابوت)!
    فلقد مررتُ بمرحلة في التدريس
    كنتُ أتوقع فيها وأنتظرُ طعنة خنجر أو رصاصة تأتيني
    لتنهي حياتي
    خاصة حينما تم تهديدي مرة بالقتل
    آنذاك أتى جمع غاضب إلى المدرسة
    وأسلحتهم جاهزة
    كانوا يريدون قتلي!

    ولكن
    لن أفسد الحكاية الآن

    سأبتدئ بها من بدايتها
    متوقفًا عند محطات سريعة لنا حينما كنا طلابًا
    ثم ندخل عمق التفاصيل في مرحلة التدريس إن شاء الله تعالى

    تابعوا معنا
    فحكايتنا طويلة وحلقاتها كثيرة
    إن شاء الله

    مع تحياتي
    الأستاذ عمر_ القلمون/لبنان_ 10-11-2017
    الساعة: 10:15 ليلًا

    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 13-11-2017 الساعة 11:57 PM

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    لذلك أنا أستاذ!

    أنا أستاذ!
    هذا ليس بمجرد تعريف
    فأنا _ بالفعل _ أستاذ
    ولكن!
    لماذا اخترتُ هذه المهنة الصعبة؟!

    يرجع السبب إلى عالم الطفولة
    حينما كنتُ أنظر إلى الأستاذ بنظرة انبهار!

    هذا الرجل _ أو تلك السيدة _ يعطينا الدرس حينما يريد
    يعطينا الفروض المنزلية كما يشاء
    يحدد لنا أوقات المسابقات والامتحانات
    يصححها
    يمنحنا العلامات أو يمنعنا
    يا له من رجل _ أو امرأة _ من عالم الخيال والأساطير!!

    ثم نضجت الأمنية أكثر وتبلورت
    مع أساتذة خانوا ضميرهم وواجبهم المهني
    وحوَّلوا حصصهم إلى مغامراتهم الخيالية وقصصهم الشخصية
    التي لا يصدقها صانعو أفلام الكرتون عن العمالقة الخارقين أمثال جونكر ومازنجر وغرندايزر

    وهل من أطرف وأسخف من أستاذ يذهب إلى الصيد مع ابنه
    ينطلقان بسيارتهما في الجبال حيث كل صخرة في حجم الصف
    وفجأة تمرق من بين أقدامهما حمامة فيتناول الأستاذ البندقية
    وطاع طاع طاع
    (وطلعنا ناسيين البندقية بالبيت)!

    كيف أمسكت بالبندقية ومن أين؟
    وكيف أطلقت النار؟
    بل وسمعتَ صوت الدوي ثلاث مرات!
    ثم إن البندقية كانت في البيت وقد نسيتَها هناك!

    قررتُ أن أكون أستاذًا يومًا ما
    أعطي من قلبي بواجبي المهني وبضميري تجاه التلاميذ

    وتبلورت الأمنية وتألق محتواها
    مع أستاذ لغة عربية درَّسنا في صف التاسع
    وما زلتُ كلما رأيته، بعد مرور حوالي 23 سنة على تدريسه إيانا
    أسارع نحوه لألقي عليه التحية بكل الود والاحترام

    سأكون مثل هذا الأستاذ
    أسلوبه يتوافق مع عقلي تمامًا
    وإخلاصه في العمل لم نَرَ له مثيلًا من قبل

    وهكذا كان الأمر
    لقد اتجهتُ إلى التدريس

    لأفاجأ بأن هذه العملية قد انقلبت رأسًا على عقب
    وتحول التدريس إلى ما يشبه صراع إثبات الوجود بين الأساتذة والطلاب
    وتعاملتُ مع عينات من الأهالي أكاد أَشُكُّ أنها تنتمي إلى عالم الإنسان والإنسانية

    سأحكي لكم
    وستطول حكايتي

    لكني، وأخبرتكم قبل الآن، سأبتدئ من عالم الطفولة والمدرسة
    لأقدِّم أطرف ما مررتُ به أيامها من المواقف والحكايات
    ولن أطيلها عليكم
    بل سيكون القسم الأكبر مخصصًا ليوميات التدريس


    تابعوا معنا الحلقة الأولى
    قريبًا إن شاء الله تعالى.





    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 14-11-2017 الساعة 12:03 AM

  5. #4

    الصورة الرمزية تروكي

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    3,566
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    موضوع جميل عن أشرف المهن وأجملها ^__^

    وكما قال الشاعر أحمد شوقي :


    [h=3]قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا ** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا[/h][h=3]أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ** يبني وينشئُ أنفـسًا وعقولا[/h]
    لك فائق احترامي وتقديري

  6. #5

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,610
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Thumbs up رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    قهر والله لا أدري أين الخلل؟!،
    هل في الطلاب أم في المعلمين؟!،
    صراحة أن تكون أستاذاً هذا رائع ما شاء الله
    هذا يعني مسئولية عظيمة تلقى على ظهرك ليست بالهينة أبداً
    كنت يوماً ما أحب مهنة التدريس حتى كرهني بها المدرسات
    ولا حول ولا قوة إلا بالله
    كأن شيئاً يعود من ذاك الحب
    أخشى على نهاية حلقاتك أن أعود لحبيxD,
    >> مستتتتحيل بالطبع لأني تغيرت بالفعل،
    الآن الطلاب والطالبات حدث ولا حرج
    تغيرت المفاهيم
    أني اتخيل فقط نفسي وأنا واقفة أمامهم
    لآاء لاء لا أريد
    استغفراللهxD,
    باركك ربي
    طريقة سردك رائعة ما شاء الله
    أحسنت
    متابعة بإذن الله
    في حفظ المولى،،
    ~

  7. #6


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تروكي مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    موضوع جميل عن أشرف المهن وأجملها ^__^

    وكما قال الشاعر أحمد شوقي :


    قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا ** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا

    أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ** يبني وينشئُ أنفـسًا وعقولا


    لك فائق احترامي وتقديري
    نسأله تعالى الثبات على الإخلاص في مهنة التدريس
    تحولت هذه المهنة لدينا إلى عمل شاق بسبب منهجية حديثة أدخلوها في التدريس من حوالي 18 سنة
    حتى كادت هذه المهنة تفقد رونقها وتخسر مسؤوليتها للأسف
    جزاك الله كل الخير أخي الكريم لهذه الكلمات الراقية
    وإلى حضرتك كل الاحترام والتقدير
    بارك الله بك ولك
    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 13-11-2017 الساعة 10:20 PM

  8. #7


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    قهر والله لا أدري أين الخلل؟!،
    هل في الطلاب أم في المعلمين؟!،
    صراحة أن تكون أستاذاً هذا رائع ما شاء الله
    هذا يعني مسئولية عظيمة تلقى على ظهرك ليست بالهينة أبداً
    كنت يوماً ما أحب مهنة التدريس حتى كرهني بها المدرسات
    ولا حول ولا قوة إلا بالله
    كأن شيئاً يعود من ذاك الحب
    أخشى على نهاية حلقاتك أن أعود لحبيxD,
    >> مستتتتحيل بالطبع لأني تغيرت بالفعل،
    الآن الطلاب والطالبات حدث ولا حرج
    تغيرت المفاهيم
    أني اتخيل فقط نفسي وأنا واقفة أمامهم
    لآاء لاء لا أريد
    استغفراللهxD,
    باركك ربي
    طريقة سردك رائعة ما شاء الله
    أحسنت
    متابعة بإذن الله
    في حفظ المولى،،
    ~
    الخلل يشمل كل الاتجاهات، من طلاب ومعلمين
    ولكن الخلل الأكبر كان في منهجية (حديثة) تحولنا إليها لتصبح المدرسة الرسمية في أسوأ حالاتها
    وإن لم يكن المدرِّسون والمدرِّسات على قدر مسؤوليتهم فقد يتسببون في كراهية الطلاب المادة والتدريس، وربما المدرسة بأكملها
    أتمنى أن تعيد إليكِ القصة حبَّ التدريس، مع أنها حملت بعض المواقف المرعبة إلى جانب ما فيها من الطرافة
    والمفاهيم تغيرت بتغير الأجيال وبتغير النظرة إلى المدرسة وإلى التدريس، ونسأله تعالى صلاح الأحوال
    شكرًا لكلامكِ الطيب أختي الفاضلة وبارك الله بكِ ولكِ


  9. #8


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    نصف قلم... وخشبة الرعب

    أنا أستاذ مدرسة، ولا شكَّ!
    أنا أستاذ مدرسة، ولا فخر!

    حكايتي لا تبدأ من التدريس
    فلم أولد مدرِّسًا طبعًا!

    بل مررت بمراحل تعليم مختلفة بما فيها من الحلو والمر
    وأولى المواقف التي أذكرها كانت في الصف الابتدائي الأول

    موقف نادر ما زلتُ أحمل لصاحبه كل التقدير إلى الآن
    آنذاك كان عمرنا ست سنوات وبضعة شهور

    ومعلمة اللغة العربية تكتب لنا على اللوح وتشرح كل ما تكتبه
    (بارك الله بها، وللأسف لا أذكر اسمها)

    وبعد الشرح طلبت إلينا المعلمة أن نضع أمامنا أقلامنا الرصاص لنكتب بها
    أما أقلام الحبر فهذه كانت محظورة علينا لأي سبب كان، ولا نعلم لماذا
    ولكننا نعلم أننا؛ إن رأينا؛ مع أحدنا قلم حبر نعتبره محظوظًا في غاية الحظ!

    لم أعرف ما أفعل، ليس معي قلم رصاص
    ولن أكتب ما كتبته المعلمة
    وقد تضربني لهذا السبب!

    قررت إخبار المعلمة، فلم يخطر لي أن أسأل هل هناك أحد يملك قلمين
    لآخذ منه أحدهما وأكتب به، ثم أردُّه إليه فيما بعد

    وفوجئت بالمعلمة تصرخ في أذني:
    _ لماذا لا تكتب؟ لمن أشرح أنا؟

    تعمق في نفسي الشعور بأنها ستضربني
    فأجبتُ بخوف شديد إنني لم أجد قلم الرصاص معي
    قلتها متوقعًا أنها ستطلب مني أن أنتظرها قرب الحائط لتأتي
    بالعصا المخيفة وتضربني لأنه ليس معي قلم رصاص لأكتب به

    وهنا حصلت المفاجأة غير المحسوبة
    رفيقي الذي يجلس بجانبي على المقعد
    كسر قلمه الرصاص نصفين، وأعطاني النصف الأعلى لأكتب به
    هامسًا لي:
    _ اكتب الآن، كي لا تضربك المعلمة!

    ولماذا تهمس يا صديقي؟
    فهمنا أنك تظن أن المعلمة لن تسمعك، لكن هل ترى أنها عمياء مثلًا؟!

    هذا التساؤل جال بخاطري لاحقًا
    أما في وقتها فأسرعتُ أتناول القلم وأبدأ بالكتابة بنشاط

    ورفيقي يسأل المعلمة ببراءة الأطفال:
    _ هل أستطيع أن أبري قلمي جيدًا؟ الرصاصة غير واضحة لأكتب بها!

    وأجابت المعلمة بصوت مختنق لا يكاد يُسمع بالموافقة
    كان تأثرها عميقًا لهذا التصرف الشهم من طفل بهذا السن
    رغم أن الطفل يكون شديد التعلق بأغراضه، وربما يقوم بإعارتها بمزاجه الشخصي لكن لا أظن أن كثيرًا من الأطفال يكسرون أقلامهم لأجل زملائهم!

    ورغم مرور سنوات طوال في مجرى الزمان بنا
    وأننا نقترب بخطى حثيثة من الأربعين من عمرنا
    إلا أنني ما زلتُ أحمل لصديقي هذا الامتنان لشهامته وكرم أخلاقه
    رغم أنني لا أراه إلا نادرًا وبالمصادفات فحسب.

    ولكن، ليست كل المواقف تنتهي نهاية مثالية
    أستاذة اللغة العربية، في صف الابتدائي الثاني
    كان لديها عادة أنها لا تسمح لتلميذ بالاقتراب منها

    لذا، إن أرادت هذه المعلمة أن تضرب تلميذًا
    تبتعد بقدر المستطاع عنه، وتحمل خشبة في يدها لتمد جسمها
    إلى الأمام وتهوي بها على يده

    فتأتي الضربة قوية رنانة تنتزع من الطفل صرخة ألم هائلة
    (هذه المعلمة هي عمتي بالمناسبة، لا تخبروا أحدًا)

    وأنا كنتُ رائعًا باللغة العربية
    تميزت بها من صغري، ربما سيرًا مني على خطى والدي
    والذي يُعتَبر المرجع الأول والأعلى في اللغة العربية في منطقتنا

    ويومًا ما عدتُ إلى المدرسة بعد غياب طويل بسبب المرض
    لأفاجأ بأن عمتي تطلب منا أن نضع أمامنا أوراقًا بيضاء لإجراء المسابقة
    فاعترضتُ هاتفًا: (عمـ... ست "..."، أنا كنتُ غائبًا)!

    كنت أبتدئ دومًا بمناداتها بعمتي ثم أقطع الكلمة لأناديها ست فلانة
    كما كانت تطلب، أسوة مني برفاقي، ولا أعلم لماذا!

    كانت تقول لي (يا عمتي، أنا لست عمتك في الصف، بل عمتك في البيت، فهمت عليَّ يا عمتي)!
    هل فهم أحدكم؛ الآن؛ هذه المعادلة، حتى أفهمها أنا وقتئذٍ!

    المهم أن عمتي التي ليست عمتي في الصف بل عمتي في البيت
    ومع ذلك تُصِرُّ على أنها عمتي في الصف
    لم ترض باعتراضاتي وأنني كنت غائبًا بل ردَّت بأنني تلميذ رائع لا يمكن الخوف
    عليه نهائيًا

    ولكني لم أستطع السكوت رغم هذا المديح
    فالمسابقة من أربع أسئلة، منها سؤالان لم أسمع بهما
    وأوضحتُ لها ذلك، فقالت إنها لن تحتسبهما لي في التصحيح
    وستمنح العلامة الكاملة للسؤالين اللذين لم أتغيب عن شرحهما

    كتبت بحماسة شديدة لنيل العلامة الأعلى كعادتي آنذاك
    وبعد أيام، حان وقت توزيع المسابقات

    لتطلب المعلمة/عمتي من عدد من التلاميذ الوقوف بجانب الحائط
    وانتظارها كي تعلمهم أن يدرسوا في البيت بدلًا من إضاعة الوقت في اللعب

    ولنذكر أسماء وهمية ونقل:
    _ أحمد، أمين، أيمن، أمجد...
    وأنهت المعلمة ذكر أسماء التعساء بذكر اسمي أنا!

    أخذتُ بالاعتراض لأذكرها بأني كنتُ غائبًا قبل المسابقة
    مع أني أثق بأنني أجبتُ إجابات صحيحة عن السؤالين

    ولكن، لم أستطع تذكيرها بذلك!
    كل ما تفوهت بكلمة تصرخ بي أن أسكت!

    ولما ضاق الأمر بها صرخت غاضبة:
    _ لكل واحد من رفاقك ضربتين فحسب، مثل العادة، أما أنت، فسينالك مني
    أربع ضربات لأنك لم تسكت حينما طلبتُ ذلك!

    ويا للمصيبة الكبرى!
    كانت ضربتها ترن على الأيادي والصراخ المرير يرتفع مع الضربة الأولى
    ليترافق الصراخ مع البكاء بالضربة الثانية!

    وهؤلاء، أعني رفاقي كلهم، أقوى مني جسديًا
    كان جسدي ضعيفًا هزيلًا
    إن لم يحتملوا ضربتين فكيف أحتمل أنا أربع ضربات!!

    تمتمتُ مرتجفًا من الخوف:
    _ لن أعيدها، ولن...
    صاحت بي عمتي، بل المعلمة الجزارة:
    _ هل ستواصل الكلام لأرفع عدد الضربات إلى ست؟!

    سكتت نهائيًا هنا، ولا أدري كيف تحملت الضربات اللعينة
    من دون صراخ أو بكاء!

    ولكن الألم كان فظيعًا والإحساس بالظلم كان شنيعًا
    فصرخت بها بعد انتهائها من عملية التعذيب:
    _ سَتَرَين! سأشكوكِ إلى أبي كي يَشُدَّ لكِ أذنكِ!

    لا أعرف كيف تلفظتُ بهذه الكلمات، وهي وخشبتها التعيسة ما تزالان أمامي!
    ولكن لم يخطر في بالي أنها ستستخدمها مرة أخرى!

    وأعتقد بأن كلماتي نزلت فوق رأسها مثل صواعق النيران
    فلقد هتفت بوجه محتقن، وصوت متقطع من الغضب:
    _ نعم نعم؟! ما الذي تُخَرِّف به؟!

    لم أستطع إجابتها، لم تمنحني وقتًا لذلك
    بل تابعت، وهي تكاد تغلي في أرضها:
    _ ولعلمك، أنا أحب من يَشُدُّ لي أذنين لا واحدة، وقد أعطيتُكَ
    ثمن شد الأذن الأولى، أربع ضربات، تفضل لتنال ثمن شد الأذن الثانية،
    أربع ضربات ثانية!

    صرختُ مرعوبًا:
    _ لا أريد!
    لِتَرُدَّ هي بسخرية:
    _ وهل تظن أن الأمر وفق ذوقك؟!

    حاولتُ (إفهامها) بأنه يكفيني ويأخذ بحقي أن يَشُدَّ لها أبي أذنًا واحدة
    ولا داعي لِشَدِّ الأذنين سويًا!
    ومرة أخرى لم تمنحني الفرصة لإتمام ما أريد قوله
    فأمسكت بيدي لتفتحها رغمًا عني، وتهوي عليها بضربتين ناريتين

    وتشير إليَّ أن أفتح لها يدي الثانية لتهوي عليها؛ كذلك؛ بضربتين!
    ومع ذلك لم أبكِ، وإن صرختُ من الألم مع هذا الضرب
    الذي لا أتوقع أن أحدًا يستطيع أن يتحمله

    ثم نزلت دموعي بعد ذلك رغمًا عني
    وأنا أنظر إلى يديَّ المسكينتين متحسِّرًا لما أصابهما
    إذ إن المعلمة التي تحب من يَشُدُّ لها أذنيها الاثنتين معًا
    كانت قد صححت لي السؤالين، ووضعت بجوارهما العلامة 8.5
    وفي آخر المسابقة، أي على الصفحة التالية، وضعت ملحوظة
    بأنني كنتُ غائبًا عن السؤالين الأخيرين

    وبالتالي العلامة 8.5/10 أي 17/20
    وحينما وزَّعت حضرتها المسابقات قرأت أن العلامة 8.5
    ولم تذكر ملحوظتها الرائعة هذه أو حتى تفكر أن تقلب الصفحة
    لتعلم لم انخفض مستوى أفضل تلميذ في الشعبتين إلى هذا الحد!

    غير أن شراسة عمتي في الضرب لم تكن شيئًا يُذكر
    إزاء معلمة لغة فرنسية درَّستنا الصف الابتدائي الثالث
    وحكيتُ لكم عن طباعها في حكايتي مع اللغة الفرنسية

    كانت تكتب على اللوح، وتمنعنا من الكتابة معها حتى تُنهي ما كتَبَتْه
    ثم تتابع ما نكتب، ومن يخطئ؛ ولو في كلمة واحدة؛ تتركه ينتظرها قرب الحائط
    وحين تنتهي الحصة ويرن الجرس تركض لتضرب بالتلاميذ يمينًا ويسارًا
    صارخة بهم إنها مستعجلة!

    مرة واحدة أوقَفَتْني مع المخطئين
    شعرتُ بالقلق لما ينتظرني حين يرن الجرس
    وبأسرع مما توقعت
    ارتفع الرنين المرعب... رنين الجرس
    وحملت المعلمة العصا المخيفة واتجهت نحونا...
    مسرعة كعادتها!


    تابعوا معنا



    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 8-5-2018 الساعة 11:08 PM

  10. #9


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيح


    الهدف الدموي!

    كان رنين الجرس؛ فيما مضى؛ بشرى سعيدة لنا
    خاصة في حصة اللغة الفرنسية

    أما الآن، فكان نذير رعب قادم
    وبالفعل تتناول المعلمة العصا الرهيبة وتجري نحونا
    وتتخطانا!

    خرجت المعلمة من الصف، من دون أن تضرب المخطئين هذه المرة!
    لم يحزننا هذا بالتأكيد!

    وإن كانت نجاتنا هذه المرة بمصادفة لم نفهمها
    فإنني اعتمدت الذكاء والدهاء لأنجو في مرة لاحقة ومن ضرب قاسٍ
    كان سينالني منه الكثير حتمًا

    ولكن ليس من حصة المعلمة المذكورة
    بل من حصة أستاذ مادة الرياضيات

    ويا لها من رياضيات غير طبيعية!
    كلها جدول الضرب من أول السنة إلى آخرها

    اليوم الأول يخبرنا الأستاذ أننا مسؤولون عن جدول الضرب بأكمله
    واليوم التالي، وإلى آخر السنة، كل يوم نقوم إلى اللوح لنكتب

    فلان جدول رقم 1 وفلان جدول رقم 7 وفلان جدول رقم 9
    وفلان...

    ومن يجد أمامه جدولًا صعبًا مثل ال 7 وما فوق يحسد من كانت حصته
    أن يكتب الجدول رقم 1 أو 2 مثلًا

    ومرة، نادانا الأستاذ
    رفيقي الذي يجلس بجواري عليه أن يكتب الرقم 1
    وأنا... يجب أن أكتب الرقم 8!!

    يخرب بيتك وبيت بيتك إن شاء الله!!
    الرقم ثمانية؟ وما أدراني بحاصل ضرب 8 ب 9؟!
    ومن المؤكد أنني سأرتكب أخطاء أخرى كذلك

    ظللتُ جالسًا مكاني فصاح الأستاذ بصوت مدوٍّ كالرعد (لماذا لم تقم إلى اللوح بعد)؟
    خرج ذهني بفكرة عبقرية نادرة هنا، فهتفت به (لأنني أبحث عن القلم)!
    ردَّد الأستاذ بغباء: (القلم؟ أي قلم)؟!
    أجبتُه متحمسًا: (القلم الأزرق بالتأكيد)؟!
    صاح الأستاذ، وهو لا يكاد يفهم شيئًا: (ولماذا التأكيد؟ وماذا ستفعل بالقلم الأزرق)؟!
    تحركتُ من مقعدي بسرعة حاملًا قلمي مسرعًا به لأغرسه في منتصف اللوح
    مدعيًا أنني أحاول الكتابة به، بدلًا من الطبشور، وأنا أهتف بسعادة مفتعلة: (لأكتب لك جدول الرقم ثمانية! تكرم عينك)!

    جمد الأستاذ لحظات من المفاجأة غير المتوقعة
    ثم انفجر كالمفرقعات النارية يصرخ ويسب ويشتم ويلعن
    وأخيرًا تمكن الأستاذ من تمالك نفسه، ليصيح هادرًا: (اغرب عن وجهي، أسرع)!

    ما شاء الله!
    وهل هناك نتيجة أروع من هذه النتيجة؟!
    عدتُ إلى مقعدي، كاتمًا ضحكاتي بصعوبة شديدة

    كانت تلك أول سنة نحضر فيها معنا قلم حبر أو حتى نمتلكه شخصيًا
    لكننا لم نكن نستعمله بعد في الكتابة على دفاترنا

    ولعل هذا ما جعل الأستاذ يشعر بالصاعقة تهوي فوق رأسه مع تصرفي (الأحمق)
    كما بدا له، و(الذكي العبقري) كما بدا لي!

    والحكم لكم، المهم النتيجة، هل تعرضتُ للضرب لأني لا أعرف كيف أكتب هذا الجدول التعيس؟!
    إذًا، خطتي العبقرية ناجحة!

    ولنترك الصف قليلًا قبل أن نرجع إليكم بحكاية رعب دسمة
    فخارج الصف، وفي حصص الرياضة، يُطِلُّ الرعب من بين أنياب السعادة
    وهل يقتصر الرعب على الصفوف والمواد الدراسية فحسب؟!

    في طفولتي كان جسدي ضعيفًا
    وكنت قصير القامة بشكل واضح

    وكل ألعاب الرياضة كرة سلة أو كرة طائرة
    وفي الحالتين لا مكان لي

    ويومًا ما
    قرر الأستاذ أن نلعب كرة قدم

    عفوًا
    أقصد قرر أن يلعب رفاقي كرة قدم

    وظللتُ واقفًا أتفرج عليهم بحسرة
    لأنني أهوى هذه اللعبة وأحب أن أحترفها
    (هكذا كنت أفكر تلك الأيام)

    فجأة قرر الأستاذ أن أدخل للمشاركة في اللعب
    كان ذلك في آخر دقيقة ومع الفريق الخاسر
    وكان لا بد من أن أبرز نفسي وموهبتي

    وهكذا انقضضت بسرعة خيالية فائقة على مهاجم الفريق الآخر
    وهو يفوقني حجمًا وقوة ولكني انتزعت منه الكرة وهجمت بمفردي
    متخطيًا ثلاثة أو أربعة من لاعبي الفريق الآخر
    ثم كانت التسديدة

    وبانفعال شديد أخذت أهتف: (كووووول، كووووووووول)!
    لم أقصد هذا صدقًا!
    ولكني توقعت أنني سأسجل بعد هذا (الإبداع) الخرافي مني!

    أما (التخريف) في ما حصل آنذاك
    فهو أن الكرة لم تلمس، بل لم تقترب من المرمى!

    وبكل بساطة، كان المدير خارجًا من غرفته وراكضًا نحونا بحماسة
    ليقول للأستاذ شيئًا ما

    وما كاد يفتح فمه حتى هوت على أسنانه كرة كالصاعقة
    جعلته يبصق الدم من بين أسنانه المسكينة!

    وبكل ما أحس به المدير من الألم رآني أصرخ سعيدًا بالهدف!
    وانقضَّ المدير عليَّ صارخًا بجنون: (كووول؟! آه؟! كووووول)؟!
    أدهشني هذا التصرف منه، ألم يفهم أنني (ظننتُ) الكرة قد دخلت و(اعتقدتُ)
    أنني سجلتُ هدفًا؟
    أجبته بحماسة: (لا، ليس كوووول)!!

    ولا أعلم لماذا جنَّ الرجل هنا نهائيًا!
    هل كان يريدني أن أقول له (نعم، كوووول)؟!
    وهل أنا قليل تهذيب حتى أعتبر كرتي في أسنانه هدفًا؟!

    وانقض المدير عليَّ كالوحش الشرس
    وإحم إحم!!

    حينما رأيتُ بعد سنوات كيف يقطع الجزار اللحم ويشكله كيفما يريد
    ظننت أن المدير يراني قطعًا من اللحم وهو يركل ويلكم يمينًا ويسارًا

    وترافق ذلك كله مع شد الأذنين مرات لا حصر لها
    ولا داعي لأن نذكر لكم ما انطلق من فم المدير من السباب، فهذا أمر بديهي!

    وما كاد المدير ينصرف حتى أقبل نحوي أستاذ الرياضة
    قائلًا بلهجة فيها من العتاب والشفقة:
    (لماذا فعلتَ ذلك؟ هيا، "بوس" التوبة الحلوة، و)...

    قاطعته صارخًا في وجهه متهكمًا من فرط الألم والعصبية: (لماذا؟ ما هي التوبة "الحلوة" هذه؟ هل تظن التوبة "بنتًا حلوة" وتريدنا أن نبوسها)؟!

    لم تكن هذه قلة تربية مني لا سمح الله
    ولكني لم أحتمل كلامه، وهو لم يتدخل حتى انتهى المدير من الضرب والسباب

    ولكن، ما هذا؟!
    يا ماما!!

    احتقن وجه الأستاذ ورفع عصاه المخيفة التي يقتطعها من شجر الرمان
    وأسرعت أجري هنا من دون مناقشة أحد

    وألقى الأستاذ بالعصا نحو رأسي بكل قوته
    كانت هذه عادته مع من يغضب عليه!

    أما من يرضى عنهم فكلهم (بابا) و(ما في منهم اثنين)!

    لم تصبني هذه التصويبة الغبية منه
    لا لبراعتي في الهرب
    بل لأني تعثرت ووقعت أرضًا بعنف

    كانت ساقي تؤلمني فقد نالها من ركلات المدير ما نالها
    ولم أعد أستطيع الركض

    ولكن القصة لم تتوقف هنا
    لقد انقض الأستاذ عليَّ ليساعدني على الوقوف
    ثم... إحم إحم!
    ماذا قرأتم في الأعلى؟
    ها هو يتكرر الآن!

    وقبل أن أرجع بكم إلى الصف
    أرجو مجددًا ألا يلومني أحد على تلك الإجابة
    كنت وقتها ما أزال طفلًا!

    وإلى الصف مرة أخرى
    وإلى معلمة (رائعة) بقراراتها العبقرية
    كانت توزع لنا المسابقات وربما... نقول ربما يخطر لها بعد عشرة أيام
    أن تسألنا عنها لترى هل وقعها لنا أهلنا أم لا!

    ومن لا يكون معه مسابقته تمهله حتى اليوم الثاني أو الثالث
    وفي إحدى المرات نادت المعلمة تطلب رؤية المسابقات

    رفعت يدي لأخبرها بأنني نسيت المسابقة فقالت لي أن أحضرها غدًا
    رفع رفيقي يده _وسنطلق عليه اسم عامر مجازًا _ وكان حالته مثل حالتي
    وكذلك طلبت المعلمة إحضار المسابقة غدًا

    وبعد أن استلمت المعلمة المسابقات أخذت تنظر إلينا ثم إلى الأوراق
    قبل أن تسأل بعصبية (من لم يسلمني المسابقة؟ عمر وعامر نسياها، لكن هناك مسابقة ناقصة)!

    لم يرد أحد رغم أن المعلمة كررت سؤالها أكثر من مرة
    ففردت المعلمة مسابقاتنا أمامها وأخذت تقارن بينها وبين الجلوس

    ثم هتفت بغضب: (محمد، أين مسابقتك)؟
    رد محمد: (لقد، لقد، لقد نسيتها)!
    هتفت المعلمة بغضب أشد: (ولماذا لم تخبرني حينما سألتكم)؟!
    رد محمد بحركة مسرحية: (لقد، لقد، لقد نسيت)!

    ومع ارتفاع أصوات الضحك فقدت المعلمة أعصابها
    فهتفت بمحمد أن يخرج من الصف، و... و...
    ويأخذ معه عمر وعامرًا!

    حاولنا الاعتراض ولكنها صَمَّتْ أذنيها عن سماع حرف مما نقول
    فخرجنا، ونظرنا غاضبين إلى محمد، لكنه هَزَّ بكتفه قائلًا بلامبالاة إنه سيخبر الناظر
    بكل ما حصل فعلًا ويتحمل المسؤولية وحده.

    لم نصدقه بادئ الأمر
    ولكنه كان عند كلامه
    واعترف للناظر بأنه المخطئ، ليصرخ الناظر في وجهه (انقلع إلى بيتكم بسرعة)!

    عاد محمد إلى الصف ليحضر كتبه، وهو سعيد بهذه العقوبة!
    ونظر الناظر إلينا متسائلًا (ماذا أفعل بكما)؟!

    أجبناه بصوت واحد (وما شأننا نحن؟ لقد اعترف هو بأنه مخطئ، لأن...)
    قاطعنا الناظر بملل: (أعرف أعرف، لم أصَب بالصمم بعد، لكن ربما لا تسمح لكما المعلمة بالدخول، أو بلى، من المؤكد أن أعصابها قد هدأت، اذهبا إلى الصف، وإن رفضت استقبالكما فأخبراني لأصعد معكما وأكلمها)

    لم نصدق أن هذا الناظر (الوحش) كان حنونًا
    فأخذنا نشكر عطفه وعدله وروعته و... وعدنا إلى صفنا بسعادة
    ولكن...
    سمعنا من خلفنا صوت أقدام تكاد تحطم الدرج!

    نظرنا مرعوبين لنرى الناظر ينقض علينا ملوحًا بِيَده في تهديد تام
    وهو يصرخ كأنه طرزان في الغابات (مع أننا لم نكن قد سمعنا بهذا الأخير بعد)!

    ماذا نفعل يا ربي؟!
    الناظر يكاد يصل إلينا، وها هو يَضُمُّ قبضته صارخًا كالوحش
    والزبد يتساقط من بين شدقيه!


    تابعوا معنا





  11. #10


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة


    أفكار عبقرية


    يا للهول!
    الناظر ينطلق نحونا مثل الدبابة، ويصرخ في توحش، واللعاب يتطاير من فمه!
    صرخ بي رفيقي مرعوبًا (ماذا نفعل)؟
    طلبتُ إليه، من دون خوف، أن يجري للفرار بحياته
    وكيف أخاف، والرعب يسيطر على كياني كله؟!

    أخذنا نجري في الممر بين الصفوف بأقصى ما تستطيعه أقدامنا الضعيفة
    ولكن الناظر كان سريعًا جدًا، ومن دون أن أتوقع أنه قد وصل إلينا سمعتُ ذلك الصوت الرهيب
    لقد أهوى الناظر بقبضة يده على رقبة رفيقي، بضربة غير منطقية، ليسقط الأخير أرضًا صارخًا بألم هائل
    ويتابع رحلة الفرار زحفًا
    ووصل المتوحش إليَّ... ها هو يرفع يده ويَهُمُّ بضربي
    وها أنذا أثبِّتُ قدميَّ في الأرض، قبل أن أثب بعيدًا، سعيدًا بنجاتي
    ولكن السعادة لم تكتمل على الإطلاق

    بكل بساطة حوَّل الناظر هدفه من رقبتي لتهوي في منتصف ظهري، وأنا في الهواء!
    سقطت على الأرض صارخًا بألم هادر، وجسمي يزحف رغمًا عني من قوة الضربة الصاعقة
    ولا أعرف كيف تمالك رفيقي نفسه ليقف على رجليه؛ برقبة مائلة في اتجاه واحد؛ ويفتح باب الصف ويختفي داخله مغلقًا الباب خلفه، لا يتذكر أنه قد تركني في يدي وحش مخيف.
    وارتفعت صرخة المعلمة المستنكرة: (ما هذا؟ هل تظن نفسك داخلًا في قن الدجاج أم في...)؟
    فتحتُ الباب هنا، بحركة عنيفة جدًا، لأدخل راكلًا الباب خلفي بساقي مغلقًا إياه بوجه الناظر تمامًا، بل وتمنيتُ أن يكون الباب قد صدم أنفه وحطمه!
    وشهقت المعلمة من المفاجأة، وصرخت: (كَـ...)
    فتح الناظر الباب هنا، بل اقتحمه اقتحامًا، مثل دبابة بشرية، صارخًا في جنون (هااااااع)!!
    كادت المعلمة تقع ميتة بالسكتة القلبية لفرط المفاجأة والرعب، بل إن كل التلاميذ قد صرخوا مرعوبين، ونظر الناظر نحونا بنظرات مخيفة، وفجأة لانت ملامحه، وابتسم لنا ابتسامة هادئة، قائلًا وهو يغمز بعينه، بصوت لطيف خفيف: (كما اتفقنا، لا تنسيا)!
    لا ننسى؟! نرجو أن تبتلعك حية كبيرة وتنسى أن تلفظك من فمها!

    خرج الناظر بأفعاله الذكية من الصف، لنباغت بدهاء المعلمة!
    لقد طلبت إلينا أن ننتظرها قرب الحائط، واقفين على ساق واحدة، وذلك كي نتعلم
    كي ندق الباب المرة المقبلة!
    وماذا عن هذا الوحش الذي دقَّ عظامنا وكاد يصيبنا بالشلل؟!
    حاولنا أن نخبرها بما حصل، لكنها رفضت أن تستمع المبررات، فرفضنا نحن ما تطلب،
    لكنها أصرَّت، بل وقالت إنها ستضربنا ضربتين لكل واحد منا على يديه، فأخبرناها بأنها تحلم.

    لكنها لم تكن تحلم!
    إذ قالت لنا ببساطة تامة إنه إما أن نفعل ما تطلب أو أنها ستنادي الناظر ليتولى المهمة بدلًا منها!
    وهكذا، أسرعنا نلبي طلبها بكل حماسة، ونقف قرب الحائط ونمد أيدينا، منتظرين الضرب!
    بل إن رفيقي هتف بها بحماسة: (ضربتان وأربع، لا، بل ست ضربات، بأمرك مدام)!

    ولم تخيب المعلمة هذا الطلب
    لينال كل منا ست ضربات لعينة
    والألعن... سبب المشكلة كلها محمد كان جالسًا مكانه!
    لقد (حزنت) المعلمة لأنها علمت أنه مطرود، فسامحته بقلبها الحنون الذي لا يتحمل حزن الأطفال!

    وفي اليوم التالي، أتى والد رفيقي ليسأل عن الذي حصل، ولماذا تعاني رقبة ابنه هذا الالتواء
    فكان رد الناظر أنه لم يحب أن يعذبنا، فركض خلفنا ليصعد الصف معنا، ويخبر المعلمة بأننا أبرياء وذلك لتتركنا ندخل
    ولكننا لم ننتبه إليه، فأخذ ينادينا! (إذًا، هذا سبب الجاعور الناعم يا رجل)!
    (ثم ما الداعي لننتبه إليك، وسرعتك مثل سرعة الضوء)!
    وإذ رآنا الناظر نركض، ظن بأننا اثنان غير الاثنين اللذين كلماه
    وبالتالي لا بد أننا قد ارتكبنا خطأ ما، فأسرع خلفنا، ولكن حينما دخلنا الصف
    دخل خلفنا فتأكد أننا الاثنان الأولان اللذان كلماه، ولسنا اثنين آخرين!
    (لو أن هذا الأخ لم يتعلم جدول الضرب والجمع والقسمة والناقص في حياته، لكان أولى له)!

    أعتقد أن هذه الأستاذة كانت أستاذة علوم
    لكن أطرف مواقفنا مع أساتذة العلوم حصلت مع ثلاثة أساتذة
    وتكاد هذه المواقف تشكل معظم طرافة قصص المرحلتين الابتدائية والمتوسطة

    ولنبتدئ، أو لنتابع، مع المرحلة الابتدائية
    وأول أستاذ علوم من هؤلاء الأساتذة

    كان المسكين كل مرة يشرح لنا بطريقة مدهشة
    ومن تلك الشروحات الدرس الآتي:
    _ حين نفتح زجاجة المياه هل نرى لون المياه؟
    _ نعم.
    _ لااااااا
    _ حين نفتح زجاجة المياه هل نشم رائحة المياه؟
    _ نعم.
    _ لااااااا
    _ حين نفتح زجاجة المياه ونشرب من المياه هل نذوق طعم المياه؟
    _ نعم.
    _ لااااااااا!! ألا تعلمون أن الماء لا طعم له ولا لون ولا رائحة؟
    _ كيف يا أستاذ؟! الماء له طعم ولون ورائحة!
    ويحمل الأستاذ العصا صارخًا بغضب:
    _ نعم نعم؟!
    فنهتف نحن بحماسة نادرة:
    _ لا لون ولا طعم ولا رائحة للماء، ولا ماء حتى للماء!
    فيهتف الأستاذ مسرورًا:
    _ أحسنتم! أحسنتم!
    وذات يوم، كان الأستاذ يشرح لنا، من دون طريقة الأسئلة والإجابات الخاطئة هذه، لنفاجأ بأن رفيقًا لنا، سنسميه هنا باسم (وليد) شرد تمامًا، ثم سأل الأستاذ سؤالًا غريبًا جدًا:
    _ نحن من أول ما وُلِدنا إلى الآن، نأكل ونشرب، كيف لم تنتفخ بطوننا وتتمزق أمعاؤنا إلى الآن)؟!

    ولا داعي لذكر ما حصل آنذاك، لأني أظن ذلك سيتنافى مع الذوق العام
    ولكن الختام كانت بضربة هائلة من الأستاذ إلى وجه وليد الذي خفض رأسه لتصيبني في أنفي
    وتكاد تكسره قسمين!

    غير أن قصص الطرافة عند هذا الأستاذ، والتي تجمعني ووليدًا سويًا كانت
    قصة المسابقة التي لم أكن أعلم بها...
    آنذاك، رأيتُ بمجرد دخولي المدرسة، صديقي هذا يحمل كتاب العلوم يدرس فيه بحماسة،
    فسألته مستنكرًا:
    _ لماذا تحمل كتاب العلوم؟ ليس عندنا علوم اليوم!
    لِيَرُدَّ باستنكار أشد:
    _ نعم؟ نعم؟ ومسابقة ماذا؛ إذًا؛ الحصة الأولى؟!

    يا أمي! علوم ومسابقة؟
    ليس عندي أدنى علم بهذا الأمر!
    والأستاذ جزار لا يرحم أحدًا

    _ وليد، حبيبي وليد، أنا...
    _ من قال لك ألا تدرس؟
    _ وليد! كنت أظنك صديقي الوحيد، والآن تتخلى عني، لتنال علامة مرتفعة، وأنا أنال صفرًا، ويضربني الأستاذ، وتفرح أنت!
    _ ولكن...
    _ وليد، حبيبي! أنت تحبني، أليس كذلك؟ أنا أعرف أنه لا أحد يحبني سواك في المدرسة كلها، الله يوفقك لا تنسني! الله يرضى عنك!

    أظن أن وليدًا كان يمر بصراع عنيف ما بين (المبادئ) و(الحب)!
    فهو كان (مثاليًا) في أمور الغش، لا يرضى بأن ينقل حرفًا، حتى لو كان سينال صفرًا

    _ ولكن، يا عمر، أنا!
    _ قل ذلك يا وليد، لا يهمك أن آخذ صفرًا، ويضربني الأستاذ! وأنا الذي كنتُ أعتبرك صديقي وأخي...
    _ حسنًا حسنًا، أنا لستُ مستعدًا لأساعدك ولا بكلمة!
    _ ولكن...
    _ عليك أن تدرس جيدًا، ولا تنتظرني! ولكن، أنا لم أكمل كلامي، سأفتح مسابقتي أمامك،
    اكتب معي كل ما تريد، لكن حينما أقلب الصفحة لأتابع الكتابة، فلن أرجع لأفتحها لك مرة أخرى، مفهوم؟

    كان عرضًا رائعًا، فيه الأمل من النجاة من النتيجة المزدوجة المقبلة، الصفر والضرب، فأجبتُ متحمسًا بسعادة:
    _ مفهوم، تسلم يا حبيـ...
    قاطعني وليد بصرامة:
    _ انتظر، أنا لم أكمل كلامي، عندي شرط!

    شرط؟
    هل يريد المال؟!
    يا له من خسيس!!

    _ أنا أريد...
    (يبدو أنني على حق)!
    _ ورقة مزدوجة أكتب عليها، لأن الأستاذ لا يرضى بورقة منفردة.
    _ تكرم عيونك!

    لم تكن حماستي نابعة من فراغ، بل من فكرة رائعة خطرت لي وقتها
    فكرة ولا أروع منها، ولا أظن أحدًا من تلاميذ الكرة الأرضية قد فكر بها قبلي
    على الإطلاق!


    تابعوا معنا.
    [SUB][/SUB]


  12. #11


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    إنه مسكين!

    مزقتُ أول ورقة، وكتبتُ عليها اسمي ورقمي في الصف، وأعطيتُها لوليد، أما الورقة الثانية التي تحمل اسم وليد ورقمه، فقد وضعتُها أمامي أنا!
    وهكذا، سيكتب وليد لي، وأنا أكتب له (تبادل خبرات) بل إنني سأنقل عن وليد لأجله هو (يا لشهامتي النادرة)!
    شعرتُ بالفخر لهذه الفكرة التي لا يمكن أن يكتشفها أحد، وابتسمتُ معجبًا بنفسي وبذكائي...

    _ أيها المحتال!
    صاح بها وليد، وهو يمزق الورقة ويقوم ليلقي بها في النفايات، ويرجع إليَّ بوجه محتقن من الغضب (ما شاء الله كم هو داهية)! وبسرعة أخذت أبرر له:
    _ أنا متوتر بسبب المسابقة، (ربما) لأجل ذلك لم أنتبه إلى...
    وهنا دخل الأستاذ، فمزقتُ ورقة جديدة وأعطيتُها لوليد، وكتب الأستاذ الأسئلة على اللوح، وبدأنا نحلُّ الأسئلة، لا؛ بل بدأ وليد بالحل والإجابة، وأنا أكتب خلفه كل كلمة وكل حرف، بل إن رجع وليد إلى سطر جديد فعلتُ مثله، ولو كان معي متسع للكتابة! وأين يضع وليد الفاصلة والنقطة أفعل مثله، بل إن شطب وليد كلمة شطبتُها مثله تمامًا... تقمصتُ دور آلة التصوير، مع أننا لم نكن قد سمعنا بوجودها تلك الأيام، ولكني سبقتُ زماني فيما يبدو!!

    الغريب أن الأستاذ كان يراقب كل الصف بعين مثل الصقر، ولا أحد يستطيع الغش عنده، إلا نحن، أصحاب المقاعد الأمامية، لم يكن يلقي إلينا بالًا، ربما لثقته في أننا لا نجرؤ على الغش (لكم دعونا له بالخير لهذه الثقة)!
    ولكن، كان للأستاذ عادة غريبة جدًا، كان يصحح المسابقات ويوزعها، ثم يسأل كل واحد ما نال من العلامة ليسجلها على دفتره، وإذا ما شَكَّ بأن أحدًا يذكر لنفسه علامة غير صحيحة يطلب رؤية مسابقته، وإن كان بالفعل كذابًا ضربه الأستاذ ووضع له صفرًا.
    أما لماذا أخبركم بهذه العادة؟ فهذا ما ستعرفونه الآن!

    إنه يوم آخر، وحصة علوم أخرى، والأستاذ يدخل وفي يده أوراقنا، لقد صححها! وهوت القلوب تحت الأقدام! وأخذتُ أدعو فيما بيني وبين نفسي (يا رب، يكون وليد كتب صح! يا رب يكون وليد درس جيدًا قبل المسابقة، يخرب بيتك يا وليد لا تعرف كيف تدرس؟! سترى شغلك معي إن شاء الله)!!
    وبدأ الأستاذ يوزع المسابقات:
    _ أيمن 12، حسن 8، حسين 11 (طبعًا الأسماء والعلامات وهمية، وأنى لي أن أذكرها بعد كل هذه السنوات)!
    _ وليد 20
    أسرع وليد يأخذ المسابقة، وأطلقتُ هتافًا سعيدًا بهذا الإنجاز الرائع، بما أن صديقي الرائع المجتهد قد نال العشرين، فهذا يعني أنني قد نلتُها كذلك!، ولكن...
    _ فادي، فؤاد، حسان، أحمد... وليد 20!!
    وجمد وليد مثل التمثال، لا يفهم شيئًا، أما أنا فتذكرتُ ما حصل في تلك اللحظة، هل أدركتم ما فعلتُه وقتها؟ لقد مزقتُ ورقتين من الدفتر، وكتبتُ اسم وليد على ورقتي أنا، ثم نسيتُ كل شيء مع اكتشاف وليد الخدعة ودخول الأستاذ الصف!

    _ خذ الورقة يا وليد.
    همستُ بها في توتر، فسألني وليد في غباء:
    _ لماذا؟!
    هتفتُ بها في نفاد صبر:
    _ خذها!
    عاد يسألني بنفس الغباء:
    _ لماذا؟!
    _ خذ الورقة...
    _ ولكن، أنا
    _ أغلق فمك! تضرب بهذا الرأس! هذه ورقتي أنا!
    نظر إليَّ وليد في بلاهة، ثم في غضب هادر، إذ يبدو أنه قد فهم الموقف أخيرًا...

    _ ماذا أصابك يا وليد؟ تحولت إلى صنم إن شاء الله؟؟ سأكسر يديك لأنك لم تأتِ لتأخذ مسابقتك بعد!
    طبعًا هذا الكلام من الأستاذ، وخفتُ أن يتورط وليد في إجابة حمقاء، فأسرعتُ أهتف بالأستاذ:
    _ مهلًا يا أستاذ، وليد لا يصدق أنه قد نال هذه العلامة! أنت تعلم كم هو كسول!
    نظر إليَّ وليد بغضب، وردَّ الأستاذ بملل:
    _ حسنًا، حسنًا، لن أضربك يا وليد، لكن تفضل، خلصني!
    ما يزال وليد ينظر إليَّ غاضبًا! لماذا لا يقدِّر المعروف؟ لقد أنقذتُه بهذا الرد من الضرب! المهم أنه تخلص من حالة (الصنم) هذه أخيرًا، وقام ليأخذ مسابقته، أقصد مسابقتي، ويسلمني إياها، لأشطب اسمه ورقمه وأكتب اسمي ورقمي، داعيًا الله أن لا يطلب الأستاذ أن يرى مسابقتي، وإلا فسيسألني عن هذه الخربشة، ما لم يكن أعمى تمامًا، وهذا ما أشكُّ بحصوله!

    انتهى الأستاذ من توزيع المسابقات، ونظر إلينا قائلًا بابتسامة انتصار، ولهجة تهديد:
    _ والآن، سأسجل علاماتكم كالمعتاد!
    وأخذ يسأل كل واحد، حتى وصل دورنا:
    _ عمر؟
    _ 20
    _ وليد؟
    _ 20
    _ أغلق فمك! هل تفهم؟
    _ لماذا؟
    _ أنت تأخذ 20/20؟؟
    _ نعم، والدليل أنه...
    _ هات مسابقتك لأراها!
    أطاع وليد الأمر، وما كاد الأستاذ ينظر في مسابقته، حتى نظر إليَّ قائلًا بغضب:
    _ يا عيب عليك يا عمر!
    ارتجفت بحق، فالطقس كان باردًا تلك الأيام، والنسمات العليلة كانت تجمد الأنفاس، رغم أن الشمس كانت ساطعة، ولكن لماذا أرتجف؟ يبدو أنها تمطر بغزارة ونحن لا ندرك ذلك!
    _ لـــ... لماذا؟؟
    صاح الأستاذ غاضبًا:
    _ تسألني لماذا؟ أنا من يجب أن يسألك لماذا؟
    شعرتُ بأنني مقبل على موقف رهيب فعلًا، لولا أن تابع الأستاذ:
    _ لماذا تركتَ وليدًا ينقل عنك؟! لم تكن هذه نظرتي إليك!
    نعم نعم؟؟ تركتُ وليدًا ينقل عني؟؟ ما هذا الهراء؟! يجب أن يعرف الأستاذ ذلك، ولذا هتفتُ بحماسة:
    _ لقد غش عني، وأنا غير منتبه إليه، لأنني كنت مسرعًا بالكتابة، ولم أنتبه إن كان قد غش أم لم يفعل، أم أنه...
    قاطعني الأستاذ بحماسة:
    _ هاتِ مسابقتك لأثبت لك أنه غش عنك!
    (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق)! ما هذه المصيبة العوجاء؟؟ قرأتُ سورة الفلق في قلبي وبسرعة كبيرة، لأجيب الأستاذ بعدها:
    _ لا داعي لذلك، أنا أصدقك!
    صرخ الأستاذ غاضبًا:
    _ ماذا؟؟
    أجبتُه متحمسًا:
    _ من الطبيعي أنه قد غش مني، كيف نال العشرين لو لم يفعل، وهو بهذا الكسل؟!
    وافقني الأستاذ (ويا للعجب):
    _ أحسنت القول! ويجب أن أضع لوليد صفرًا، ولكن إكرامًا لك سأكتفي بخصم خمس علامات فقط!
    صاح وليد:
    _ خمس علامات؟؟ الحقيقة، الحقيقة سأخبرك بها الوقت، إنه...
    قاطعه الأستاذ:
    _ الوقت أنت تسكت، قبِّل يدك وجهًا وظهرًا، 15 علامة وأنت لم تدرس ولا كلمة، مبارك لك!!
    صدقوني لم أتحمل ذلك، ضميري أنَّبَني، لكني وجدتُ نفسي أهتف بوليد شامتًا:
    _ لو أنني انتبهتُ إليك ما كنتُ سمحتُ لك بالنقل من ورقتي! في المرة المقبلة، ادرس جيدًا يا ولد!
    ردد الأستاذ ورائي، مخاطبًا وليد:
    _ صحيح، في المرة المقبلة ادرس جيدًا يا ولد، ولأجل أن أضمن حصول ذلك، سأقدم إليك هدية حلوة جدًا تعجب خاطرك.
    وحمل العصا مبتسمًا، فصاح وليد في انهيار:
    _ لكن، هو، هو...


    قاطعه الأستاذ في تهكم:
    - شكراً لهذه المعلومة! هذه أول مرة أعرف أن (هو) يكون (هو) مش (أنا)!!
    وأمسك بيد وليد، وأهوى بالعصا عليها بضربة رنانة...

    ومع دوي الضربة، دَوَّت ضحكتي الشامتة، وزاغت عينا وليد من الألم والغضب، فصاح في جنون تام:
    - الله لا يعطيك العاااااااااافية!!
    ارتفعت ضحكتي أكثر وأكثر، بينما صاح الأستاذ مصعوقًا:
    - الله لا يعطيني العافية؟؟ سأُرِيكَ يا كلب!
    هتف وليد في عصبية متهكمة:
    - من يكلمك أنت الثاني؟ أنا أكلم عمر! اتسعت عينا الأستاذ في دهشة غير مصدقة..
    وأخذ يحدق في وليد للحظات ثم...
    - طراااااااااااااااااااااخ
    وطار وليد من مكانه كالريشة ليسقط على الأرض، ووجهه محمر كالفروج المشوي تمامًا...
    - هاهاههاهاااااااااااااااااااااااااا
    طبعًا هذه الضحكة كانت مني، لا من وليد المسكين، وليد الذي صرخ وقد جُنَّ تمامًا:
    _ سأريك! الله لا يعطيك العافية!
    انتفض الأستاذ من الغضب وانقض على المسكين يمسكه من أذنيه، ويرفعهما إلى الأعلى، صارخًا:
    - هل أنت مجنون أم ماذا؟! علامتك صفر يا حمار يا (بهيمة)!!
    صرخ وليد بدوره وقد أفقدته الألم والصاعقة المدمرة صوابه:
    - من يكلمك أنت الثاني؟! أنا أتكلم مع عمر!!
    وجن جنون الأستاذ تمامًا، ليبتدئ بملحمة قاسية على جسم وليد المسكين، ليتوجه بالضرب إليه من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، ووليد كان أكثر جنونًا من الأستاذ، وهو يستمع مني المواعظ والحكم:
    _ المرة المقبلة ادرس جيدًا يا ولد! إياك أن تغش عني مرة ثانية!
    وانتهت ملحمة وليد على يدي الأستاذ، بعد أن خرج الأخير مثل الصوص الذي أكله القط تمامًا، لكنه ظل حيًا بشكل ما! (الصوص=الكتكوت).
    وعاد وليد ليجلس في مكانه بجواري، وأسرعت أنا بكل (الشهامة) أسأله:
    _ إن شاء الله لم تتألم يا وليد؟!
    تمتم وليد في برود تام:
    _ سأجيبك وقت الاستراحة.
    وقت الاستراحة؟ لماذا؟ هل سينسى وليد الكلام الآن لا سمح الله، ويتذكره وقت الاستراحة؟! أم أنه قد جُنَّ تمامًا بعد ما ناله على يدي الأستاذ؟!
    لا بد أنه قد جُنَّ، لأنه أمسك بيدي حينما حان وقت الاستراحة بعد حصتين، لينزل معي إلى الملعب، هامسًا:
    _ عمر، ألستُ أنا صديقك، حبيب قلبك، أم ماذا؟!
    هتفت في صدق تام:
    - وأحب رفيق إلى قلبي في العالم.
    رد وليد متهكمًا:
    _ نعم نعم، أنا أشعر بهذا، والآن حان الوقت لأعبِّر لك عن حبي الشديد وعواطفي الحارة، و... عض!!
    _ آآآآآي!!!
    انطلقت صرختي الأليمة مع عضته الرهيبة..
    وفي اللحظة التالية كانت اللكمة تخترق بطني..
    والتي تليها بدأ وليد الرفس!!
    كان يدير ظهره ويرفع قدمه ليرفسني..

    - ماذا تفعل يا وليد؟!
    _ ألم يقل الأستاذ عني: كلب وحمار؟! أأستطيع أن أكذب الأستاذ؟!
    وتتابعت الملحمة على جسدي المسكين عضًا ورفسًا ولكمات وضربات وقرصات...
    حتى كدت أفقد وعيي من الألم!!
    وحينما رآى وليد أنني أحاول الاستنجاد بأحد، همس لي بصوت مخيف، إنه سيأخذ مسابقتي من محفظتي ليريها للناظر لو أنني أخبرتُ أحدًا بما يفعل، أو فلأصمت وأتحمل، وهذا الضرب بدل الصفر الذي ناله بسببي، والعشرين التي نلتُها بفضله، ولذا سَكَتُّ!
    ومع ذلك، انتهى وليد من الثأر مني، ثم عاد إلى الصف، ليسرق مسابقتي من محفظتي، ويسرع بها إلى غرفة الناظر، يشكوني ويشكو أستاذ العلوم، ولقد كان الأخير جالسًا هناك! وما إن سمع كلمات وليد حتى انقضَّ عليه، وحاول الأخير الفرار، ولكنْ، كان الأستاذ أسرع بكثير، وما أجمل صوت الضربات التي تنهال على جسد وليد، ولا أروع من صراخه!

    هذه القصة حصلت حينما كنا في السابعة وأشهر، لكنني من خمس سنوات تقريبًا، كتبتُ فيها الأبيات الآتية (بالعامية اللبنانية)، بتاريخ 18_12_2012، أقول فيها:

    وهيني رجعت لكم من جديد
    أحكي لكم شي صار بماضي بعيد
    رح أحكي لكم شو صار بيني وبين رفيقي وليد
    كان جاية ع مدرستنا تلميذ جديد

    وأنا وقتها كنت طفل صغير
    متل عصفور ما إلو جناح يطير
    تعلقت بوليد وحبيتو كتير كتير

    أول ما بجي ع المدرسة بسأل عنو
    بطل بين هالتلاميذ لأشوف وينو

    مرة شفتو عم يقرا بكتاب العلوم
    خبرني عنا مسابقة بشارة متل وجه البوم

    وأنا والله ما كان معي عن المسابقة أي خبر
    ولا منتبه أننا صرنا بيوم الاربعا ووقت العلوم حضر

    أستاذنا العلوم كان قاسي كان جزار
    كأنو رفيقو لهتلر أو ضابط بجيش التتار

    قلت لو يا وليد أنا بوبو مسكين
    ولو ما نقلتني أنا أكيد حزين
    لأنو الأستاذ رح يضربني
    ويقسى عليي مش رح يرحمني

    بس كان وليد إنسان نادر
    مع أنو ما كان أبدًا شاطر

    بس ما كان بيحب النقل ولا التنقيل
    ولو مرض ما بيغيب بيكره التعطيل

    قلت لو كنت فاكرك يا وليد رفيقي
    كنت بحبك متل أخي وشقيقي
    بس أنت عني هلأ عم تتخلى
    أنا بنضرب وأنت بعلامتك بتتحلى

    وليد هون زعل عليي وتأثر
    قال يا حرام هالمسكين هالمعتر

    وأنو ينقلني هالوليد رضي ووافق
    وأنا انبسطت بعرفو إن قال صدق وما نافق

    بس كان وليد مني بدو ليكتب ورقة
    خطرت لي هون فكرة حلوة ما فيها سرقة

    فكرة رح تورجيكم شو عندي من الذكاء
    رح تعرفو أديش أنا عبقري بعلم الناس الدهاء

    حطيت إدامي ورقة كتبت عليها اسمو
    واسمي سجلتو ع ورقة حطيتها أدامو
    بس وليد هالغليظ انتبه ع ورقتو

    قام بالزبالة رماها وهو عم يولول
    ورجع لعندي ليقاتلني عم يهرول

    قلتو لو يا وليد هيدا بالغلط صار أد ما أنا خايف
    لأن ممكن آخد صفر إن علييّ ما حنيت وأنت هالشي شايف

    وهون الأستاذ ع الصف فات ودخل
    أنا من الرعب كان رح يصير معي شلل

    وبالمسابقة صرت آلة تصوير مع أني ما كنت عارفها
    ما بحياتي كنت فيها سامع ولا حتى شايفها

    والأستاذ كان عندو عادة غريبة
    مش مفهومة أد ما هي عجيبة
    ونتيجة الغش فيها كتير رهيبة

    كان يوزع لنا المسابقة ويرجع يسأل أديش آخدين
    وبعدها بيشوف مسابقات يللي ظنهم غشاشين
    كنت رح أرقص لما الأستاذ قال وليد آخد عشرين
    رح أنجى من الدق والخبط مش رح صير طحين

    وفجأة الأستاذ نادى وعيط من جديد
    تعال خود مسابقتك يا شاطر.. وينك يا وليد؟!

    قلت لو طول بالك عليه وليد يا أستاذي انسطل
    من الفرحة جمد بأرضو ما عاد فيه يتحرك لأنو انهبل

    يا ترى عرفتوا يا جماعة وقتها شو صار
    تركت اسم وليد ع ورقتي واسمي أنا طار
    وليد بالأول ما فهم وكتير ارتبك واحتار

    والغريب أنو الأستاذ بعدين قال لو ع راسك يا عيب الشوم
    أنت يا وليد واحد غشاش ما فيك شرف من الفهم محروم
    أنت نقلت المسابقة كلها عن رفيقك يللي حدك.. عن عمر
    ووليد المسكين كان رح يوقع بالسكتة لما سمع هيك خبر
    وراح يبكي لما الأستاذ قال لو إلك ناقص خمس علامات
    وشهق شهقة قوية قلنا أكيد هالوليد ودعنا ومات

    وأنا قلت لو تضرب بهالراس يا وليد
    تاني مرة ادروس وعني ما تغش يا بليد

    وهون بدي وليد يصرخ عليي وبالتركماني يُسبْ
    والأستاذ ما بيطيق الكلام مش المنيح وما بيحبْ

    راح قال لوليد صارت علامتك يا جدوبة صفر
    روح نط من وشي تخيل حالك بيسة أو نمر

    وليد صار مجنون بالمرة
    وورجانا وش مش شايفينو ولا مرة

    قام الأستاذ ضربو بالكفوف وبالقضيب
    قال لو العمى بقلبك شو إنك ضريب

    وقال لو علامتك صارت صفر يا غبي
    مش شايف أتيس منك بحياتي صبي
    نقصت لك خمسة بس قمت أنت ما رضيت
    بديت تسب متل المجاديب وتنط متل العفاريت

    رجع وليد لمحلو وشو وإيديه كلها ورم
    ما فيه عم يحكي من قوة الألم

    قلت لو خبرني يا وليد شو صابك
    ما حدا هون أد مني حابك

    وليد قال لي رح جاوبك يا عمر ع الفرصة
    ولسا ما رن الجرس إلا وطعماني قرصة

    وصرخ متل الوحوش وبدي فيني تلبيط
    ونزل بإيديي عض وبجسمي خبيط

    وراح ليرجع مني حقو يقول عليي للناظر
    وعم يخبرو أديش أنا غشاش وهو شاطر
    ما كان عارف هالمعتر مين هونيك ناطر

    كان أستاذ العلوم قاعد يرتاح بغرفة النظارة
    وسمع هالحكي وقام ع وليد يللي كرج متل الفارة

    والأستاذ لاحقو ووليد عم يولول وينك يا ماما
    أنقذوني يا رفقاتي وينكم يا نشامى

    بس الأستاذ كمشو وبدي فيه بالدق
    كان هالمرة بيستاهلها هيدا الحق

    بس صريخ وليد كتير عالي ما عاد فيني أسمع
    لهيك لازم خلص هالقصة ومنها يا حبايبي أطلع
    ولهيك يا إخواني رح ألقي عليكم تحية السلام
    وبشوفكم بخير وربنا يديم لكم الأخوة والمحبة والوئام


    وإلى المرحلة المتوسطة، لنتوقف باختصار عند مواقف طريفة أخرى، وكلها أبطالها أساتذة مادة العلوم، لسبب لا أعرفه!

    تابعوا معنا.

  13. #12

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,610
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    يالله كيف لأجسام صغيرة تتحمل كل هذا الضرب
    لا إله إلا الله
    سبحان الله كأنه كابوس مزعج
    عمتك هل سامحتها؟!، هل نفذت تهديدك؟!،
    ما توقعت ذلك صراحة
    وفي الأخير رحمت وليد المسكين،
    تصرفك معه كان صدمة!،
    أما ذاك الذي ركض خلفكمـ
    عجييييييييب!!!!!!،
    والله أنها قصص مؤلمة والمشكلة حقيقية
    كان في عون كل مؤمن وهدى ربي النفوس
    أين الرحمة لا أدري
    اللهم صلِّ وسلم وبارك على الرحيم محمد
    بارك ربي بك
    مازلنا نتابع فأكمل
    في حفظ المولى،،
    ~
    التعديل الأخير تم بواسطة Jomoon ; 25-11-2017 الساعة 11:35 PM سبب آخر: تفأجات بخطأ وضعت الفتحة بدل الكسرة في (صلِّ)

  14. #13


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    يالله كيف لأجسام صغيرة تتحمل كل هذا الضرب
    لا إله إلا الله
    سبحان الله كأنه كابوس مزعج
    عمتك هل سامحتها؟!، هل نفذت تهديدك؟!،
    ما توقعت ذلك صراحة
    وفي الأخير رحمت وليد المسكين،
    تصرفك معه كان صدمة!،
    أما ذاك الذي ركض خلفكمـ
    عجييييييييب!!!!!!،
    والله أنها قصص مؤلمة والمشكلة حقيقية
    كان في عون كل مؤمن وهدى ربي النفوس
    أين الرحمة لا أدري
    اللهم صلَّ وسلم وبارك على الرحيم محمد
    بارك ربي بك
    مازلنا نتابع فأكمل
    في حفظ المولى،،
    ~
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    لم يكن أحد يسأل عنا تلك المرحلة الزمنية، والضرب كان شغالًا بلا حسيب ولا رقيب
    أما عمتي فلم أسامحها وشكوتها لأبي، وأذكر أنه ذهب إلى منزلها غاضبًا (منزلها مقابل منزلنا تمامًا بنفس البناية)
    لكني لا أعلم ما فعل معها، أتوقع أنه وجَّه إليها لومًا عنيفًا، لكني لا أتوقع أنه نفذ تهديدي بِشَدِّ أذنيها
    وليد المسكين أخطأ حينما لم يسكت، طبعًا هو معذور في اعتراضاته لأنه درس واجتهد لينال العشرين
    ولكن الأستاذ لو رأى مسابقتي لربما وضع لنا نحن الاثنين صفرًا وضربنا معًا
    وفي كل الأحوال كنتُ سأنال الصفر وأتعرض للضرب العنيف
    لذا لم أجرؤ إطلاقًا؛ وأنا مجرد طفل صغير؛ على إخبار الأستاذ بالحقيقة
    أما ضحكي على وليد فليس بسبب ما تعرض له على يدي الأستاذ الذي ظن سباب وليد موجَّهًا إليه هو فزاد في ضربه
    ولكني؛ من صغري؛ لا أستطيع رؤية أحد يصرخ في أحد إلا وأضحك، حتى لو كان يصرخ في وجهي أنا!
    وذاك الذي ركض خلفنا كان من النظار المكروهين الذين أبغضناهم في المدرسة إذ لم يكن يفهم إلا بأسلوب الضرب وبخشبة سميكة
    والحمد لله أنني لم أتعرض للضرب على يديه (إلا في هذه المرة، وبالظلم الواضح، وبقلة إدراكه وفهمه للأسف)
    الرحمة كانت في ما يفعلون! هكذا كانوا يظنون، أنهم إن ضربوا التلاميذ جعلوهم يدرسون ويجتهدون وينجحون وحافظوا على مستقبلهم
    صلى الله وسلم على سيدنا محمد دومًا وأبدًا، وبارك الله بكم وجزاكم خيرًا، وإن شاء الله أتابع في السرد بدءًا من يوم غد
    حفظكم الله تعالى من كل سوء


  15. #14


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    وليد... من جديد!



    إنها المرحلة المتوسطة، وكل مواقفنا الطريفة فيها، حصلت لنا مع أساتذة العلوم!
    ونبتدئ بالصف السادس (في أيامنا كان اسمها العالي أول) وكان صف مرحلة متوسطة، أما الآن فيُعتَبر ضمن المرحلة الابتدائية نفسها!

    كان ذلك الصف أول صف سندرس فيه العلوم باللغة الأجنبية، ويا لأستاذ العلوم من أستاذ مبدع! يعطينا الدرس بأكمله (عدة صفحات)، ولا نعرف كيف سنحفظ كل هذه الكمية الرهيبة
    بل إن المسابقة يجب أن تكون من عشرين سؤالًا، ولكل سؤال علامة واحدة، والخطأ يذهب بالعلامة بأكملها، لأن الأستاذ لا يعترف بأنصاف العلامات

    كانت تلك مشكلة كارثية كبيرة، جعلت شبح الرسوب يحوم فوق الكثيرين منا، وأتى تغيير أستاذ اللغة الفرنسية ليزيد الكارثة أضعافًا مضاعفة، إذ (شَرَّفَنا) أستاذ ألغى الكتاب، وكان يقرأ لنا من دفتر معه ويلدغ بمعظم الحروف، ثم يسألنا حول ما قرأ ويضع لنا صفرًا لأننا لا نعرف كيف نجيب، بل ويلعن ويشتم!

    والشتائم واللعنات أمر هين أمام تدني العلامات! لذا، لم يجد أحد رفاقنا في الصف أي خطأ في دخوله غرفة الناظر المفتوحة في طابقنا، الخاوية على عروشها، قبل امتحان نصف السنة بيومين، ليحمل الأوراق التي على مكتبه ويقرأها باحثًا عن أسئلة أي مسابقة كانت،
    ويا لفرحته الغامرة! إنها مسابقة العلوم في يده مباشرة!
    لم يكن معنا هواتف محمولة أيامها، (بل ولا حتى هواتف عادية إلا للقليلين)، وبالتالي كان أمام رفيقنا مخاطرة أخرى، ولم يتردد، لقد أخذ قلمًا من طاولة الناظر وورقة بيضاء لينسخ أسئلة المسابقة بالكامل، وهو يرتجف خوفًا من أن يأتي الناظر في أي لحظة، ثم يدس الورقة في جيبه، ويعيد المسابقة والقلم إلى مكانهما ويمضي في طريقه كأنه لم يفعل شيئًا!
    ولكنه، ويا للعجب! لم يستطع السكوت، فأخبر بعض من يعرف، متفاخرًا بفعلته المنكرة هذه، ليهددوه بأن يشتكوه إلى الناظر، أو فليتفضل بإعطائهم الأسئلة!
    لا أعلم هل لم يتخيل أن رفاقه سيفضلون الصداقة على معرفة الأسئلة أم لا، ولكن الكلام تسرب منهم إلى تلاميذ آخرين، وتوسعت دائرة المسابقة، لكنها لم تشمل بعضنا، وأنا من هؤلاء الذين لم يعرفوا شيئًا من أسئلة المسابقة، ولكن غالبية الزملاء في الصف نسخوا الأسئلة من ورقة رفيقنا على دفاترهم، والأخير يتميز غضبًا، ويلعن اللحظة التي أخبرهم بها بأنه يمتلك الأسئلة.

    لقد درستُ بجد كبير وحفظتُ كل الدروس، ونلتُ علامة مرتفعة، أعتقد أنني نلتُ 14/20 أو 15/20 ربما، بل إن الجميع في الصف نال علامة مرتفعة، خاصة من سرقوا الأسئلة قبل وقتها، ووصلت بعض علامات الغشاشين إلى 20/20
    واحد فقط نال علامة منخفضة جدًا، وهو نفسه الذي سرق الأسئلة ونسخها في مكتب الناظر!

    ولا أفهم، ولا غيري في الصف فهم، كيف ذهب هذا الزميل إلى الناظر ليخبره بأن أصحاب العلامات المرتفعة كانوا يعرفون الأسئلة مسبقًا، وقد سرقوها! ربما لأنه تصور أنه؛ بذلك؛ سيحمي نفسه ولن يصدق أحد أنه هو السارق طالما أنه هو من يعترف على رفاقه!
    ولكني أعرف أن الناظر أجرى التحقيقات الموسعة المطولة، وأعرف أنه وصل للحقيقة، ونال رفيقَنا عقابٌ رهيبٌ، وأعرف ما هو أسوأ من ذلك، لقد تمت إعادة الاختبار لنا!

    كان الاختبار الثاني يحتاج طلابًا من كوكب المريخ للإجابة عن أسئلته!
    إذ إن معظم الأسئلة لم نسمع بها من قبل قط، وتدنت العلامات كثيرًا،
    ووجدتُ أن علامتي 5/20، ويا للقهر بفقدان 9/10 علامات كاملة!

    وإلى صف آخر، ومسابقة علوم أخرى، لكنها مسابقة عادية، وليست امتحان نصف السنة،
    ولكن المميز؛ الآن؛ وجود صديقي العزيز وليد، الذي فارقني من ثلاث سنوات، وتحديدًا بعد انتهاء تلك السنة الدراسية التي مَرَّ بها بتلك الملحمة المؤلمة على يدي أستاذ العلوم بسببي!

    مرة أخرى، نجتمع ووليدًا في صف واحد، لكنه لم يَعُد يجلس بجواري (يبدو أنه ما زال يذكر ما حصل وقتها)
    وما لم أذكره لكم، أنه كان كلما يراني بعد تلك الحادثة، يبدأ بالنهيق استعدادًا للركل، مذكرًا إياي بأنه حمار كما قال الأستاذ عنه، فأهدده أن أشكوه للناظر إن فعل ذلك، لأنجو من الركلات التي يريد أن يوجهها إليَّ، وكل يوم، ولحوالي شهرين أو ثلاثة بعد تلك الحادثة، كان يتكرر هذا السيناريو الطريف المرعب!

    نرجع إلى قصة مسابقة اليوم،
    فجأة، ونحن لم نكد نبتدئ بحل الأسئلة والإجابة عنها، أخذ الأستاذ يرقص!
    ما الأمر يا تُرى؟! أإلى هذا الحد الأستاذ فَرِح بـالعشرينات التي سيراها؛ أو يظن أنه سيراها؛ في مسابقاتنا؟!

    _ اسمعوا يا شباب.
    قالها الأستاذ بصوت مرتجف متقطع، فنظرنا إليه بدهشة، لم يبالِ بها، وهو يهتف بنا في لهفة:
    _ من غش فليس منا، الله لا يحب الغشاش، ويغضب عليه....
    وخرج الأستاذ من الصف مسرعًا، ففهمنا أنه يريد دخول الحمام.

    وما كاد الأستاذ يغادر الصف، حتى فتح وليد الكتاب، لينسخ منه الإجابات!
    وليد الذي لم يكن يغش ولو كان في أسوأ أحواله، ويضمن صفرًا، بات الآن؛ بعد ثلاث سنوات؛ غشاشًا محترفًا!

    ورفيقي الذي يجلس بجواري تحمس لِيَغُشَّ هو الآخر، فَمَدَّ إصبعه يولجه في رأس وليد من دون رحمة، ليصرخ الأخير بغضب:
    _ ما هذا؟ هل أنت مجنون؟!

    هذا الصراخ وصل إلى مسامع شخص ما، نحن كنا نجلس بجوار النافذة تمامًا، أي حيث الممر الذي نمشي فيه حينما نخرج من الصف، أو نعود إليه...
    وهكذا، ضربة ثانية في رأس رفيقنا، وجُنَّ وليد تمامًا، ليصرخ، وقد فقد اتزانه الأخلاقي:
    _ ما حكايتك اليوم يا دب! يا بغل! يا حمار! يا...
    وهناك كلمات أخرى في كلام وليد لا تصلح للنشر! ولكنْ، وللأمانة، رفيقي لم يفعل شيئًا ولا أنا كذلك!
    ولكننا كنا نضحك بصوت عالٍ، فاستدار وليد نحونا، متابعًا صراخه في وجه رفيقي الذي ضربه من قبل:
    _ سأريك أيها الحيوان أيها الكلـــ...
    وابتلع وليد ريقه في رعب شديد، ووجه الأستاذ ينظر إليه من نافذة الصف، وانطلقت ضحكتي مدوية، خاصة حينما بدأ الأستاذ بالصراخ هو الآخر:
    _ يخرب بيتك كم أنت حمار! (انقلع) اصبر لك كم ثانية حتى أخرج! أنا لم أخرج بعد، وحضرتك بدأت بالغش، وفوقها تَسُبُّ! ألا تعلم أن السباب (لا يجوز) يا (دب)؟ ألا تعلم أن السباب عمل (غير أخلاقي) يا (حمار)؟

    تمتم وليد بارتباك شديد:
    _ هذا لأنني ظننتُ أن رفيقي هو الذي...
    صرخ الأستاذ مقاطعًا:
    _ ولو كان! لا يجوز أن تسبَّ يا...
    (لفظة غير قابلة للنشر كذلك)!
    يا له من درس تربوي عميق يا أستاذ! كل هذا، ولا يجوز أن نسب؟! فكيف بنا إن كان يجوز لنا أن نسب إذًا؟!

    حاولتُ أن أتمالك نفسي، لأتابع الكتابة، لكني لم أستطع ذلك، رغم أنني كنتُ محضرًا بشكل جيد للمسابقة، والأسئلة هينة، وأضمن أن أنال عشرين علامة كاملة، ولكن...
    أحد التلاميذ نظر في وجه الأستاذ محتارًا، وهو يهتف به:
    _ ولكن... ألم تكن تريد دخول الحمام يا أستاذ؟! فهل نسيتَ ذلك؟! كنتَ ترقص قبل قليل لهذا السبب!
    وانفجر الأستاذ يصرخ كالمفرقعات النارية، وانطلقت ضحكاتي، كل ضحكة ألعن مما قبلها، وألقيت بالقلم من يدي عاجزًا عن متابعة الكتابة نهائيًا، لأنال صفرًا بعد كل هذا الدرس!

    وأخذ الأستاذ يصرخ في وجهي، إذ يسلمني المسابقة:
    _ ما هذا؟ آه!! صفر؟؟ لمن تركتَ الدرس؟ للكتاب؟! نعم نعم، سيدرس الكتاب نفسه، ونُجري نحن المسابقات للكتاب، ما لزومكم في الصف؟!
    الأستاذ يصرخ، وأنا أضحك، على مرارة الصفر المؤلمة رغم ساعات الدرس الطوال، لكن عادتي في الضحك حينما أرى من يصرخ، عادة متأصلة في نفسي، ورغمًا عني...

    وماذا أقول لك يا وليد؟! من ثلاث سنوات نلتُ العشرين بفضلك في مسابقة العلوم، ولم أكن قد درستُ حرفًا، واليوم، أنال الصفر بسببك في مسابقة العلوم، وقد درستُ كل حرف!
    سأقول لك مثلما قلتُ لك من ثلاث سنوات: تضرب بهذا الرأس يا وليد!!

    ربما كانت حلقة اليوم صغيرة
    ولكن مواقفنا مع أساتذة العلوم لم تَنتَهِ بعد
    بقي موقف واحد وأخير، موقف طويل بعض الشيء
    يستحق أن نُفْرِدَ له حلقة خاصة به، لغناه بالأحداث والوصف والحوار

    فإلى اللقاء إن شاء الله تعالى.


  16. #15


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    تصرفات مقلوبة!

    تحية طيبة إلى جميع المتابعين
    ونعود إليكم بآخر مذكرات المرحلة المتوسطة
    وحكايتنا حصلت؛ كذلك؛ في حصة علوم
    ومرة أخرى، نجتمع، بعد فراق سنتين هذه المرة، أنا ووليد
    وهذه المرة كنا نجلس بجوار بعضنا، أي بعد ست سنوات كاملة لم نجلس فيها معًا، بل لم نجتمع
    فيها في صف واحد معًا، سوى مرة واحدة، وقت أراد وليد النقل من الكتاب، والأستاذ ينظر إليه
    من نافذة الصف!
    المهم أن أستاذ العلوم في الصف الأخير في المرحلة المتوسطة كان في غاية التميز
    أستاذ نادر بحق، لا يوجد سؤال واحد في مادته لا يستطيع الإجابة عنه
    ومادة العلوم توسعت من البيولوجي إلى البيولوجي والفيزياء والكيمياء
    وكلها كانت في يدي هذا الأستاذ العبقري
    لم يكن الأستاذ ليرضى بإضاعة ثانية واحدة من الحصة، ومن أولها لآخرها يتكلم ويشرح
    حتى أتى ذلك اليوم المعجزة، بقي حوالي خمس دقائق، والأستاذ لم يعد لديه ما يقوله!
    وكالحلم نزلت كلمات الأستاذ علينا، كنسمات رقيقة، إذ يقول لنا إننا أحرار في فعل ما نشاء
    خلال هذه الدقائق، بشرط ألا نصدر ضجيجًا!
    سألتُه: (هل يمكنني أن آكل حبة من النـــ)؟ فقاطعني قائلًا: (إن شاء الله تأكل دجاجًا مشويًا! المهم ألا تصدر ضجيجًا)!
    كان معي حبة من النوغا، حاولتُ أن أقشرها، لكنها كانت ذائبة (تقريبًا) وملتصقة بقشرتها على نحو مزعج، فأردتُ رميها في النفايات، إذ لا فائدة منها، ولن آكل القشرة طبعًا، فوقفتُ ليطلب إلي رفيقي الجالس خلفي أن أجلس!
    جلستُ، لا أعرف ما يريد، ونظرتُ إليه منتظرًا أن (يتحفني) بطلباته، وهل لديه (خطة عبقرية) مثلًا لأكل هذه الحبة من دون تقشيرها، ومن دون ابتلاع قشرتها كذلك!
    قال لي رفيقي هذا، ولنطلق عليه؛ مجازًا؛ اسم فريد: (هل تريد رميها؟ تستطيع أن تحول الأمر لمصلحتك)!
    سألتُه بدهشة: (مصلحتي؟ حبة نوغا؟ كيف)؟
    رد رفيقي بعظمة: (هذه الحبة ستأتي إليك بفطور مميز مشبع، أسبوعًا كاملًا)!
    نظرتُ إلى الحبة التي في يدي، هامسًا بتهكم شديد، كأني أكلمها: (نعم نعم، سأفرككِ بقوة الآن، ليخرج منكِ جني البونبون والشوكولا، وأطلب إليه أن...).
    قاطعني فريد متضايقًا: (هل تمزح؟ أنا أتكلم بِجِد)!
    سألتُه ساخرًا: (نعم، إلى درجة أن الحبة تأثرت من جديتك هذه، وستستحي على دمها، وتذهب لتشتري لي...)
    ارتفع صوت فريد، قائلًا بغضب: (اسمع، أنا لا أمزح، سأدعوك؛ يوميًا؛ إلى كعكة بجبنة وتنكة بيبسي، على حسابي، ولأسبوع كامل، لكن بشرط...).
    صاح الأستاذ هنا، مطالبًا إيانا بالهدوء، فخفض فريد صوته متابعًا: (بشرط أن تمسح بحبة النوغا هذه وجه وليد)!
    كان عرضًا مغريًا فعلًا، لولا أنني أعرف أن فريدًا هذا فريد حقيقي في بخله، ولا يجرؤ على شراء شيء لنفسه، إلا بعد أن يتأكد أن أحدًا لن يضيفه ليأكل معه، لا في صفنا، بل في الملعب بأكمله، ولولا أنني أعرف؛ وهذا الأكثر أهمية؛ أنني لا يمكن لي أن أقوم بمثل هذا الأمر نهائيًا.
    وبمنتهى الحزم قلت لفريد: (لا تحلم بهذا، وليد صديقي من...)
    قاطعني وليد، قائلًا باستهزاء: (قل الحقيقة، أنت جبان ولا تجرؤ على فعلها)!
    جبان؟! أنا الذي لا أرضى بأن أفعل هذا مع أحد غريب، فكيف أفعله مع صديق عزيز مثلك يا وليد؟! وتقول إنني جبان؟ أنا أقول وليد صديقي، وهذه ردة فعلك؟! حسنًا، سترى!
    ومن دون اعتراض على كلام وليد، حملت حبة النوغا، ولحستُها بلساني، ثم مسحتُ بها وجهه وأنفه ورقبته، خلال ثانية واحدة تقريبًا، قبل أن أضع الحبة في رقبته، قائلًا له: (هذا تذكار مني يا حبيبي)!
    وجن وليد نهائيًا، احتقن وجهه، ومن دون أن أتوقع ما سيفعل لكمني في معدتي لكمة نارية، فصرختُ من الألم، ليستدير الأستاذ الذي كان يحدق في الفراغ خارج الصف، باحثًا عن مصدر الصوت، لكنه لم يَرَ سوى نظرات مبتسمة، فمسح عينيه دهشًا، وعاد ينظر خارج الصف، لتمتد يدي في قرصة معتبرة إلى ساق وليد، جعلته يعوي ألَمًا، لينظر الأستاذ مرة ثانية، ولا يرى سوى الابتسامات السعيدة، ويمسح عينيه متوقعًا أنه يهذي على الأرجح، وأنا أشعر فعلًا بأنني أخذتُ بثأري من هذا الأحمق وليد، ثم إن جسمي ضعيف جدًا لا أستطيع الملاكمة، ولكن...
    _ آآآآآآآآآآووو!
    كانت هذه الصرخة مني طبعًا، فلقد قرصني وليد قرصة ألعن مما فعلتُه به بدرجات، وفي الثانية التالية رفع ساقه ليركلني في ساقي، فركلتُه بدوري، لِيَرُدَّ بركلة ولكمة في آن واحد، فهتفتُ به مغتاظًا: (ألم تنسَ شيئًا؟ لقد نسيتَ أن تنهق كما كنتَ تفعل في صغرك، وأنت تركلني، لا تحزن مني، لم أحضر لك شعيرًا، ولم...)
    _ آآآآآآآآآآوووو!!
    ركلة ثانية جعلتني أشعر بأن ساقي قد تحطمت، مع لكمة في بطني جعلتني أشعر برغبة في التقيؤ، وما زال الأستاذ يحدق في الفراغ، فوقفتُ مكاني رافعًا قبضتي، ناويًا أن أنزل بها على رأس وليد، أو وجهه، وأنا أقول له: (نسيتَ؛ كذلك؛ أن تنبح مثلما فعلتَ أيام زمان)...
    _ لقد رأيتك، رأيتك، رأيتك!
    يا للهول! هذا الأستاذ! إنه ينظر إليَّ مباشرة، كنتُ أنوي أن أربِّي وليدًا بهذه الضربة، فرغم ضعفي، سأسبب له الأذى حينما أحطم أنفه، ولكن...
    ارتفع رنين الجرس هنا، فهتف الأستاذ بي شامتًا: (لا تظن أنك نجوت، سأشكوك غدًا إلى والدك، أنت تعلم أين أراكما)!

    حصلت هذه الحادثة يوم السبت، إذ إننا؛ أنا ووالدي؛ كنا نذهب كل يوم أحد إلى فرن الضيعة عندنا لنشتري الخبز والمناقيش للعائلة، وكل مرة كنا نرى الأستاذ هناك...
    ولم أكن مخطئًا ولم أضع وقت الدرس حتى أخشى هذه الشكوى، لكني سأسمع؛ حتمًا؛ محاضرة روتينية عن الدرس وأهميته، وأنا لا أتحمل المحاضرات، فدعوتُ الله أن يفقد الأستاذ ذاكرته!

    وفي اليوم التالي، كانت عيناي تنظران في كل الاتجاهات، وأنا أسير مع والدي، ولكم أفرحني أنني لم أر الأستاذ، ولكن... يا فرحة ما تمت! لقد خرج الأستاذ من الفرن، متجهًا نحونا، صارخًا بغضب هادر، بصوت أسمع فيه الحارة كلها: (مثل الكلب)!
    نظر إليه والدي بدهشة، أما أنا فأردتُ أن أرد له بأسلوب عنيف، ولكنه تابع، وعيناه تزوغان في مكانهما: (نعم، مثل الكلب، تركتني صاحبة الفرن، ولم تعطني ولا رغيف خبز)!
    الحمد لك يا رب! هذه أجمل خدمة تقدمها إلينا صاحبة الفرن، من دون أن تدري!
    _ (لا، إنها لم تعتبرني كلبًا، بل اعتبرتني أقل منه، لو اعتبرتني كلبًا لكانت قالت لي هشت هشت على الأقل)!!
    لم يَرُدَّ والدي، كان دهشًا بحق لهذا التصرف الغريب من الأستاذ أمام تلميذه، بل أمام جمع كبير من الناس، وكيف يصف نفسه بهذه الأوصاف، أما أنا فكنتُ أضحك بأعلى صوتي، ما زالت عادة الضحك حينما أرى من يصرخ موجودة عندي، وسار الأستاذ في دربه، متابعًا صراخه وشكواه عن (الكلب) وعن الـ(هشت هشت التي لم يسمعها من صاحبة الفرن)، وأنا أشكرها من كل قلبي!

    وفي اليوم التالي، تذكر الأستاذ أنه يريد أن يشكوني إلى أبي لسبب ما لا يذكره!
    (لو ظل فاقدًا ذاكرته كلها لكان خيرًا له ولنا)
    ودخل والدي المنزل مساء، يهتف باسمي، فاتجهتُ نحوه، قائلًا: (خير يا بابا)؟
    أجابني والدي غاضبًا: (خير؟ من أين يأتي الخير؟ من هذا الحمار الذي يجلس بجوارك؟ لقد أخبرني الأستاذ بكل شيء، قال لي إن حمارًا حقيقيًا يجلس بجانبك، يتسبب بإلهائك عن المذاكرة، ويضحك مثل المجانين، بل إنه سمعك تطلب منه أن ينهق)!
    _ !!!!!
    يا لك من مسكين يا وليد! ثم ما شاء الله حول هذا الأستاذ! الذي كان يضحك بجنون وشماتة هو رفيقنا الجالس خلفنا، لأنه حقق مراده بأن يجعلنا نتقاتل معًا، أما وليد... فالله يعينك، لكنك أنت المخطئ؛ كعادتك؛ لأنك لم تعرف كيف تجيب، لم تقدر مشاعري النبيلة تجاهك، لذا؛ سأقول لك: (تستحق ذلك، الله لا يَرُدُّك إن شاء الله)...

    وإلى المرحلة الثانوية، وباختصار، لنتابع وإياكم إن شاء الله تعالى
    فتابعوا معنا



  17. #16

    الصورة الرمزية Paavo

    تاريخ التسجيل
    Dec 2017
    المـشـــاركــات
    28
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    بانتظار الجديد

  18. #17


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Paavo مشاهدة المشاركة
    بانتظار الجديد
    بإذن الله، حينما يخف ضغط تصحيح الاختبارات الفصلية

  19. #18


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    اشعروا بالدهشة!

    تلك كانت أبرز حكايا وذكريات المرحلتين الابتدائية والمتوسطة
    وحكايا المرحلة الثانوية قد لا تكون حكايا مطولة، ولكن كان فيها الطرافة كذلك
    إنها المرحلة الثانوية!
    إنه اليوم الأول لنا في الثانوية!

    وهذا يعني أن الشهادة المتوسطة، بكل وهجها وبريقها آنذاك، باتت في حوزتنا..
    لقد أصبحنا "رجالًا" بحق!!
    وعلوم الدنيا ومعارفها كلها صارت أمورًا نعرفها بالبديهة، كما نظن..
    مزيج من بداية مرحلة المراهقة بما فيها من لعب الأولاد وتناقض الشباب العجيب بين الطيش والحكمة، والاغترار بأنفسنا لحصولنا على الشهادة المتوسطة..
    إنها_ كما قلنا_ المرحلة الثانوية..
    وهكذا، وبكل ما سبق ذكره، نزلتُ في اليوم الأول إلى الثانوية، بحماسة شديدة..
    نزلتُ مع والدي بالسيارة، وأنا أشعر بالسعادة لأنه سيعلمنا..
    ليس لأنه والدي، فهو لا يُحابي أحدًا والفضل لله تعالى..
    ولكن لأن والدي اشتهر في ضيعتنا بأنه أفضل مدرِّس للغة العربية فيها، ولله الحمد أولًا وأخيرًا..
    كنت أشعر بالحماسة، ولكنها لم تدم طويلًا، لقرب المسافة بين البيت والثانوية..
    وهكذا، دخلت إليها، وأنا واثق بأنها ستكون مرحلة تعليمية مختلفة في حياتي..
    ولم يكن ليخطر ببالي في ذلك اليوم، أنها ستكون حقًا مختلفة..
    ولكن ليس لما تخيلته..
    بل لما مررت به خلالها من مواقف وأحداث..
    ولم تتأخر تلك المواقف والأحداث على الإطلاق..
    فلقد بدأت..
    ومنذ اليوم الأول..
    لا، بل منذ الحصة الأولى..
    مباشرة.
    وما أزال أتذكر اليوم الأول، وأنا في الملعب قبل رنين الجرس، أستمع لضجيج التلاميذ، ومن يلتقي مع رفاقه ممن كان معه في صف الشهادة المتوسطة..
    والغريب أنني كنت أقف وحدي ليس معي أي زميل ممن كانوا معي من قبل..
    ويبدو أن عددًا كبيرًا منهم التحق بثانويات أخرى أو ترك المدرسة ليتوجه إلى المهنيات، وبقي قليل تسجلوا في الثانوية نفسها في الفرع العلمي،
    بينما كان من الطبيعي بالنسبة إليّ، اختيار الفرع الأدبي..
    لكن وقفتي لوحدي لم تستمر طيلة الوقت..
    فلقد فوجئت بزميل كان معي في صف الثالث المتوسط، ثم افترقنا سنتين، إحداها كنت في الرابع المتوسط "صف الشهادة" في مدرسة خاصة،
    ورسبت، والسنة الأخرى أعدت الصف في مدرستي الأولى..
    أي أن هذا الزميل كان قد سبقني بسنة دراسية، ثم رسب بدوره في أول سنة له في المرحلة الثانوية، واضطر لإعادتها، فالتقينا مجددًا..
    وكم شعرت بالسعادة حين التقيته، وكم شعرت بالأسف لذلك فيما بعد، لما تسبب لي به، سامحه الله..
    ولا أنسى الإشارة أننا تصافينا في سنوات لاحقة، وأصبحنا رفاقًا بحق..
    لم يكن ليخطر في بالي أنه يخطط للأذى من وقت أن رآني، لفكرة انتقام غبية تسيطر عليه، وتشكل كابوسًا في حياته..
    كنت فقط سعيدًا لرؤيته وأنني لن أقف لوحدي في الملعب، لا أعرف أحدًا ولا أحد يعرفني..
    إلا ما أشرت إليه من رفاق تسجلوا في الفرع العلمي، وكانوا معًا، ويبحثون عن رفاق لهم في الصف ذاته...
    ومع ارتفاع رنين الجرس، شعرت بشعور غريب..
    رغم أنني قضيت سنوات طوال في المدرسة فعليًا، إلا أن رنين الجرس بدا لي غريبًا..
    وكأنه رنين لانطلاقة جديدة في المسيرة التعليمية..
    بل وكأنه رنين لنذهب إلى صفوفنا، وما إن يدخل أي أستاذ ليخبرنا بأي معلومة، حتى نشير إليه باستهانة، قائلين: "هذه معلومة قديمة، نعرفها منذ سنوات"!!
    وقفنا في الملعب من دون انتظام، ووقف أمامنا أحد النظار _للدقة، أحد الناظِرَين في الثانوية_ يخبرنا أين صفوفنا..
    ولأن "النساء أولًا" حتى في الثانوية، كان على الشباب أن ينتظروا حتى تتفضل البنات بالتوجه إلى صفوفهن..
    ونقطة الاعتراض أن عدد البنات كان أكثر من عدد الشباب بحوالي ثلاثة أضعاف..
    أو ضعفين ونيّف على الأقل..
    ثم إن مشيتهنَّ بطيئة للغاية، فأخذنا نتململ من الوقوف ومن الانتظار..
    ولما حان دورنا، انطلقنا كالقذائف المدمرة نحو الصفوف..
    ولا أتكلم عن نفسي، فصفي كان بفضل الله، يبعد بضعة أمتار عن مكان وقوفنا، وكان الصف الأرضي الوحيد..
    ومع دخولي إلى الصف، مع رفيقي ذاك، شعرت بدهشة عميقة..
    كنا في مدرستنا السابقة، يتراوح عددنا بين ال 26 وال 36 تلميذًا في الصف الواحد..
    وحتى السنة التي كنت خلالها بالمدرسة الخاصة، كان عددنا 18..
    لكن هنا، كانت هناك ثلاث بنات في الصف، وأنا ورفيقي..
    أي أننا كنا خمسة فقط!!
    والثانوية رسمية، أي أنه من الطبيعي أن تكون صفوفها ممتلئة عن آخرها بالتلاميذ..
    وقبل أن أسأل رفيقي إن كان الحال هكذا معه في السنة الماضية، دخل شاب في مثل عمري الصف..
    وسألنا "هل هذا هو صف الثانوي الأول الأدبي"؟ (أيامها كنا نسميه صف ال seconde رغم خطأ هذه التسمية)!
    أدركت من لهجته أنه ليس من منطقتنا، بل من مدينة طرابلس نفسها..
    أجابه رفيقي بالإيجاب، وعرّفنا بعضنا ببعض..
    كان فعلًا من طرابلس، واسمه "محمد"..
    ولم أكن أعرف وقتها، أن هذا الشاب سيكون يومًا ما أعز أصدقائي، وأكثر إنسان أثق به على الإطلاق..
    لم يطل تعارفنا وقتها، بل لم يطل وقوفنا، فلقد دخلت الصف معلمة...
    توقعنا أن تعرِّفنا نفسها، أن تخبرنا من تكون، أن تتعرَّفنا الأقل..
    ولكنها انطلقت، من دون مقدِّمات، تتحدث باللغة الفرنسية، بسرعة كبيرة..
    والحقيقة أنها حتى لو تحدثت ببطء، فلن يتغير شيء من الواقع..
    وفي كآبة شديدة، ذهبت بحماستنا أدراج الرياح، أخذنا نستمع إليها دون أن نفهم شيئًا..
    والحقيقة أنها كانت متحمسة للغاية في تدريسها..
    والدليل قدوم شاب وفتاتين إلى الصف خلال الحصة، لم تفكر أن تسألهم من يكونون!!
    أي أن عددنا في الصف الثانوي الأول، كان تسع تلاميذ، من بيننا ثلاثة يعيدون الصف!
    ولن أستطرد في قصتها هنا، فقد سبق أن قدمتها في حكايتي مع اللغة الفرنسية، ولكن شعور الدهشة إثر اصطدامي بالمدير، بعدما طردتني المعلمة من الصف، وتبريره لي بأن (الإسهال قد أهلكه)، لم يكن شعورًا هينًا، ولم أفهم كيف يمكن للمدير أن يتكلم بهذا الكلام مع تلميذ!
    لكن المهم هنا، أنه، وبعد الاستراحة رجعنا إلى الصف، ليدخل ذلك الأستاذ..
    وما كاد يدخل، وقبل حتى أن يجلس، أشار إليّ بيده أن أقوم من مكاني وألحق به..
    فعلت ذلك، وأنا لا أعرف ماذا يريد، ولا أستطيع التخمين...
    لكني أجبتُ طلبه، واتجهتُ نحوه، وأنا أشعر بالدهشة الشديدة لمناداة أستاذ لي بأول حصة يدخل بها إلينا...
    ومن المؤكد أنه لا يريد مني أن أحضر طبشورًا مثلًا، فاللوح ممتلئ بالطباشير البيضاء والملونة...
    وما إن وصل الأستاذ إلى طاولته، وقبل حتى أن يجلس، ابتدرني بقول عجيب..
    جعل عيناي تتسعان من الدهشة..
    كل الدهشة..

    ولن أدعي أن حيرتي هذه استمرت طويلًا، لكنها استمرت طويلًا!!
    طبعًا هذا ليس بتناقض ولا من قبيل الألغاز..
    فالأستاذ لم يتأخر في إخباري بما يريد، وقبل حتى أن يقعد في مكانه..
    ولكن الحيرة لم تزل، بل تضاعفت أضعافًا عديدة..
    فلقد قال الأستاذ لي بطريقة آمرة:
    _ هيَّا!!
    هيَّا؟ هيَّا ماذا؟ ما المفترض أن أفعل يا تُرى؟
    تساءلت بحذر:
    _ هيَّا ماذا؟!
    صرخ الأستاذ في وجهي فجأة، وبلهجة تساؤلية:
    _ هيباشوشا؟!
    صحت بدهشة عارمة:
    _ من؟
    صرخ الأستاذ مجددًا، وبصوت رهيب، كمن يحاول أن يشق حنجرته:
    _ زُحل!
    خطر لي خاطر غريب، جعلني أسأل الأستاذ في حذر شديد:
    _ هل سنبدأ بالتنجيم؟!
    هذا لأنني كنت متأكدًا أن "هيباشوشا" هذا منجم لا محالة، وإلا لِمَ يذكر الأستاذ اسمه، ثم يذكر اسم أحد الكواكب؟!
    طبعًا لا أؤمن بالتنجيم، وأعرف أنه عمل يؤدي بمن يستمع إليه مزاحًا إلى حرمانه من أجر الصلاة أربعين يومًا، ومن يستمع إليه تصديقًا فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم..
    فما البال بمن يفعل ذلك إذًا؟!
    انتبهت إلى أن الأستاذ ينظر إليَّ في ترقب لما سأقول، فأدركت أنه لم يستمع إلى ما قلته، فأعدت السؤال، لكن بسخرية هذه المرة:
    _ هل سنبدأ بالتنجيم يا أستاذ؟!
    صرخ الأستاذ في غضب:
    _ اخرج من الصف، هيّا..
    يا حبيبي يا حبيبي!!
    إن شاء الله كل ما جاء أحدكم سيخرجني من الصف، ومن أول يوم؟
    سألته باعتراض:
    _ لماذا؟ أنت قلت لي "هيباشوشا" وقلت لي "زحل"، ما المفترض أن يعني لي هذا؟!
    تمتم الأستاذ بتهكم:
    _ ما شاء الله، ما شاء الله، ألم تدرس درسك؟ ستنال صفرًا، حتى تتربى أن تدرس!!
    هتفت به مستنكرًا:
    _ أدرس درسي؟ هذا أول يوم في الثانوية، فكيف سأدرس درسي هذا و...
    قاطعني بلهجة حاسمة:
    _ هذا لا يعنيني، كان بإمكانك أن تسأل رفاقك ماذا أخذتم، بدلًا من أن تنزل إلى الثانوية وتقف أمامي هكذا!
    أشكر الله أن رفاقي تطوعوا هنا لإفهام الأستاذ المتحمس هذا، أننا في أول يوم في المرحلة الثانوية، وأنها أول حصة يأتي بها إلينا، واستغرق ذلك بعض الوقت حتى اقتنع الأستاذ وفهم، أو هكذا ظننت، لكني فوجئت به ينظر إليّ متسائلًا:
    _ نعم؟!
    رددت خلفه، لأسأله بدوري:
    _ نعم نعم؟!
    صرخ الأستاذ (كعادته حين ينفعل):
    _ ماذا تفعل هنا؟ لماذا لست في مقعدك؟
    أحسست بأنني سأنشق من فرط الغيظ، فاستدرت راجعًا إلى مقعدي بدلًا من الدخول في نقاش عقيم مع هذا الأستاذ غريب الأطوار، وما كدت أجلس، حتى فوجئت به يشير إليّ بإصبعه، فسألته:
    _ أنا؟!
    كنت متوقعًا أنه سيقول لي هذه المرة "ماذا تفعل هنا؟ لماذا لم تأتِ إليّ" مثلًا، لكنه اكتفى بهز رأسه إيجابًا، فأشرت بيدي متسائلًا، و...
    وهنا انفجر الأستاذ صارخًا بغضب شديد:
    _ ما لي أراك بليد الفهم اليوم؟! آه؟! هل تلزمك ساعة كي تفهم؟!
    هتفت به بمزيج من الرجاء والتوسل والضيق والضجر والغضب، كلها مع بعضها:
    _ أفهمني ماذا تريد يا أستاذ، وتكرم!
    رد متهكمًا:
    _ صعب عليك أن تفهم أني أسألك عن اسمك!
    أطلقت تنهيدة غيظ، محاولًا السيطرة على نفسي، وأجبته بشيء من العصبية:
    _ عمر قزيحة.
    ردّ قائلًا:
    _ يا عيب الشوم عليك، ألا تستحي على دمك؟
    لا حول ولا قوة إلا بك يا رب.. يا رب ألهمنا الصبر على هذه البلوى!
    سألته بعصبية أكبر:
    _ لماذا؟!
    رد بصوت يوحي بثقته في ما يقول:
    _ أنت تعرف نفسك، ما من داعٍ لتظهر نفسك بمظهر الغشيم!!


    لا إله إلا الله!!
    يا ربي ما هذا المصاب؟!

    بذلت جهدًا خرافيًا للسيطرة على نفسي، وأنا أتساءل:
    _ لماذا يا عيب الشوم عليّ يا أستاذ؟ أنا لا أعرف!
    أجابني هازئًا:
    _ خمس سنوات وأنت بالصف ذاته؟ أليس في عقلك بعض الفهم حتى تعرف كيف تنجح؟ هل من الضروري أن يبلوني الله بك كل سنة؟!

    نظرت إليه غير مصدق لهذا التخريف الذي يقول..
    كنت وقتها في الخامسة عشرة من عمري، ولو صدق الأستاذ فيما يقول، لكان معنى قوله إنني كنت بأول صف في الثانوية وعمري عشر سنين!!
    ثم إنني كنت في تلك السنوات، قصير القامة كثيرًا، بملامح طفولية أكثر من اللازم، وأي شخص يسألني في أي صف، وأقول له إنني في أول صف في الثانوية، كان
    يضحك بسخرية، ويطلب مني ألا أمزح معه..
    وعبثًا حاولت إفهام بعضهم أنني، ولولا رسوبي سنة دراسية، لكنت في ثاني صف في الثانوية..
    وكيف يقتنعون بهذا، وكان أفضلهم يخبرني بأنني في الثاني المتوسط؟!
    ولكم كان هذا يضايقني آنذاك، لكنه بدا لي مثل "اللبن" كما نقول، أمام ادعاء هذا الأستاذ الأحمق..
    ومرة أخرى حاولت عبثًا أن أفهمه بأنها السنة الأولى لي في الثانوية..
    ثم سألني الأستاذ عن اسم أبي، فأجبته، ومع أنهما زميلان في الثانوية نفسها، إلا أنه بدا وكأنه لم يسمع باسمه في حياته كلها..
    ولم يقتنع الأستاذ قط بأنني لا أكذب عليه في ما أقول!!
    والعجيب الغريب أنه سألني عن أخي، والأعجب الأغرب أنه سألني في أي صف أصبح أخي الآن في الجامعة، الثالثة أو الرابعة؟ وأخي يكبرني بسنتين في المرحلة الثانوية فقط!!
    (وما عرفته فيما بعد، أنه كان في الحصة الثالثة في صف أخي، ثم أتى ليسألني في أي صف أخي الآن)!!
    والأسخف أن الأستاذ أصرّ على البدء بالدرس، لكنه أخبرنا بأنه يعتبر الكتاب المدرسي تخريفًا وهراء لا حدّ لهما، وأن "الجغرافيا" التي سوف "يتحفنا" بها ستجعلنا أعظم من علماء الجغرافيا في العالم..
    مع العلم بأن هذه "الجغرافيا" التي أخذ الأستاذ يتلوها على مسامعنا كالصاروخ، ونحن نكتب بسرعة خيالية لنلحق به، هي نفسها الدروس المسجلة في الكتاب، وقد نقلها الأستاذ إلى دفتره
    لسبب ما..
    كان درسنا الأول عن الكواكب، ولكم ابتسمت متهكمًا حين عرفت من هو "هيباشوشا" هذا!!
    انتهت حصة الجغرافيا هذه، ونحن نلهث من التعب والإرهاق..
    وبصراحة لم أعرف كيف مرت الحصتان اللاحقتان، وقد بدا لي النهار مثل الكابوس بسبب هذه البلاوي التي شاهدتها..
    ولكنّي، عمليًا، لم أكن قد شهدت شيئًا منها بعد..
    ففي اليوم التالي، دخل أستاذ الجغرافيا إلى الصف..
    وفي سيناريو بدا لي نسخة طبق الأصل من أحداث الأمس..
    أشار إليّ الأستاذ لألحق به..
    فعلت ذلك بمزيج من الدهشة والغيظ..
    لِتَتِمَّ إعادة مشهد الأمس بدقة متناهية، ابتدرني الأستاذ بالكلام قبل حتى أن يجلس..
    لم يسألني عن "هيباشوشا" هذه المرة..
    لكنه قال لي ما جعلني أشعر بدهشة شديدة..
    وأنظر إليه غير مصدق ما تسمعه أذناي..

    تابعوا معنا






  20. #19


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    تعالوا نصرخ!

    وقبل أن أخبركم ماذا قال لي الأستاذ، ولم اتسعت عيناي دهشة، وجب أن أخبركم؛ أولًا؛ من يكون (هيباشوشا) الذي سألني عنه المرة الماضية!
    إنه، وبكل بساطة، ويليام فريدريش هرتشل، مكتشف كوكب (زحل)!
    ولا أعلم، إلى الآن، بعد كل هذه السنوات الطوال، ولا أظنني سأعلم يومًا، ما الرابط بين ويليام فريدريش هرتشل، وهيباشوشا هذا!!
    فلنرجع إلى حكايتنا، ما أزال أذكر الدهشة التي أصابتني، مع نظرة الأستاذ اللائمة لي، وكلامه المعاتِب:

    _ يا عيب الشوم عليك، ألا تستحي على دمك؟
    إنه سيناريو اليوم الماضي بالضبط! المسرحية تتكرر! يا لسعادتي!
    ومع أنني أعرف الإجابة، وجدت نفسي أسأله بحذر: (لعله يقصد شيئًا آخر):
    _ لماذا يا عيب الشوم عليَّ يا أستاذ؟
    رد الأستاذ بصوت يمتلئ حماسة وثقة:
    _ أنت تعرف نفسك، ما من داعٍ لتظهر نفسك بمظهر الغشيم!!
    ما شاء الله! يبدو أن الأستاذ هو الذي يظن أننا ما نزال أمس، لا أنا!!
    سألته، متوقعًا الإجابة، وموقنًا بها:
    _ لماذا؟
    أجاب ممتعضًا:
    _ خمس سنوات وأنت بالصف ذاته؟ أليس في عقلك بعض الفهم حتى تعرف كيف تنجح؟ هل من الضروري أن يبلوني الله بك كل سنة؟!
    ما أجمل هذا الفاصل الهزلي! لكن مشكلتي أنني لا أطيق الروتين، لذا كان لا بد من تغيير درامي في نص الحوار، ومن هنا، أجبتُ بحزن شديد:
    _ وماذا بيدي لأفعله يا أستاذ؟ عقلي لا يستطيع استيعاب الدروس، وأكره المدرسة، لكن الوالد يرفض أن يتركني أخرج منها، ولو أعدت كل صف عشر مرات لا خمسًا!
    رد الأستاذ بغضب:
    _ لا يجوز هذا! هذا يسبب تعبًا للأساتذة في التعامل مع من هم مثلك!! على والدك أن يخرجك من المدرسة لتتعلم لك مصلحة!
    هتفت بحماسة مفتعلة:
    _ ليتك تقنعه بهذا!
    نظر إليّ بعض الوقت بصمت، ثم سألني صارخًا:
    _ ما اسم والدك وماذا يشتغل؟
    أجبتُه عن سؤاله، لينظر إليَّ في ارتياب شديد، وكأنه لم يسمع باسم والدي من قبل، مع أنهما زميلان في الثانوية نفسها، ومنذ سنوات طوال...
    والغريب العجيب أن الأستاذ سألني في اللحظة التالية عن أخي، ذاكرًا إياه بالاسم وفي أي سنة جامعية الآن!
    ولإضفاء بعض الحيوية على هذا المشهد المسرحي، غيرت إجابة أمس بالكامل، لأقول بحماسة:
    _ أخي لم يدخل الجامعة، بل سافر ليشتغل مهندسًا في إيطاليا!
    وكيف ذلك؟ أنا نفسي لا أعلم! هل هناك شخص لا يدخل الجامعة، ويشتغل مهندسًا بعد ذلك، وفي إيطاليا نفسها؟!
    ولكن الأستاذ اقتنع بما قلته له، فهتف مستبشرًا:
    _ برافو عليه! وعقبى لك تضع عقلك في رأسك لتدرس وتشتغل مهندسًا في إيطاليا أنت الآخر!
    صحت برعب لهذا الافتراض المخيف:
    _ لا، أعوذ بالله، لا أريد أن أشتغل مهندسًا، بل صحافيًا، لأن...
    قاطعني بصرامة:
    _ اشتغل مهندسًا، صحافيًا، بطيخًا... المهم أن تشتغل!!
    أشتغل بطيخًا؟! هل يمكن لبني آدم أن يشتغل بطيخًا؟! يبدو أننا في زمن العجائب المنقرضة مع هذا الأستاذ، والله أعلم!
    ظننتُ، واهمًا، أن الفصل المسرحي قد انتهى هنا، مع إشارة الأستاذ لي لأرجع إلى مكاني، ففعلتُ ذلك، لكني؛ وما كدتُ أستقر في مقعدي؛ حتى أشار الأستاذ نحوي، كما فعل أمس تمامًا، فقلتُ له بسرعة:
    _ عمر قزيحة.
    لينفجر بي صارخًا بغضب:
    _ من سألك؟!
    هتفت بدهشة:
    _ ماذا إذًا؟!
    رد الأستاذ متضايقًا:
    _ أسألك عن اسمك!
    هتفت به متهكمًا:
    _ بِجَد؟!
    صاح الأستاذ غاضبًا:
    _ هل هناك من يسألك عن اسمك مزاحًا؟! ما لي أراك بليد الفهم اليوم؟!
    لا، لا، لا! هذا فاصل مسرحي مميز! لم يسبق له مثيل فيما يبدو!
    ذكرتُ اسمي مجددًا للأستاذ، ليهتف بي متوسلًا:
    _ ارحمني أرجوك! وافهم ما أقول! دعك من عمر هذا وأخبرني عن اسمك!
    كيف سألتَني عن أخي إذًا ما دمتَ لا تعرف من أنا؟! أجبتُ مبتسمًا:
    _ أنا لا أكلمك عن عمر، أنا هو عمر، شخصيًا ومباشرة على الهواء إن أحببتَ!
    لم يَبْدُ على الأستاذ أنه قد صدقني، بل رمقني بنظرة استخفاف، ثم أعلن أنه سيبدأ بتسميع الدرس، وفتح دفتره مناديًا إحدى البنات في الصف، ولكم كان تسميعها متقنًا! لم تخطئ في شيء، ويا لها من صاعقة مدمرة هوت على رأسها، حينما صرخ الأستاذ بوجهها:
    _ ثلاث علامات!
    اعترضت المسكينة على هذه العلامة الجائرة، لكنها لم تلق أذنًا صاغية، فعادت إلى مكانها باكية، لينادي الأستاذ زميلة أخرى، كان تسميعها متقنًا مثل رفيقتها، لتنال علامتين فحسب!
    ويبدو أن الأستاذ ظن نفسه في مباراة للعد التنازلي، لكنه نسي الرقم واحد، إذ إنه سمَّع لتلميذة ثالثة، ومنحها صفرًا، رغم أنها لم تخطئ على الإطلاق!
    إلا أن الزميلة الرابعة قررت اختصار المأساة، وألا تعذب نفسها، فما كاد الأستاذ يذكر اسمها، حتى قالت بكبرياء:
    _ لم أدرس الدرس.
    فكان رد الأستاذ أنه سيمنحها فرصة أخرى، لترتفع أصوات المعترضات من صديقاتها اللواتي نِلْنَ علامات متدنية، ولكن من دون جدوى، فالأستاذ وضع علاماته هذه، ولن يمحوها ما لم تقم القيامة (وذلك وفق تعبيره الشخصي، والمتكرر).
    ونادى الأستاذ زميلتنا الخامسة (مع أنها متغيبة)، لكنه لم يقتنع بأنها متغيبة، لأن دفتره مسجل فيه اسم خمس بنات لا أربع، ويبدو أن دفتر الأستاذ يفهم أكثر من عينيه! فلقد اعتبر أنها (لا تريد التسميع)، ومنحها صفرًا!
    وبغتة، صرخ الأستاذ:
    _ أشرف، قم سمِّع!
    أمر جميل، لولا أنه لا يوجد أشرف واحد في الصف، ولكن الأستاذ أصرَّ على أنه موجود، وظل يناديه ويهدده بالصفر إن لم يستجب للطلب، ونحن في دهشة شديدة نتساءل عن أشرف الوهمي هذا، ولكننا عرفناه بالفعل، فلقد نطق الأستاذ باسمه الثنائي، ولكن الدهشة تضاعفت، فالأخ أشرف هذا كان قد ترك الثانوية كلها من ثلاث سنين مضت!
    ونال أشرف؛ الذي لم يكن موجودًا في الثانوية كلها؛ صفرًا على درس الجغرافيا!
    وبعد ذلك، طلب الأستاذ من سامح أن يتفضل للتسميع... سامح الذي كان يحفظ حرفيًا، مهما بلغ عدد الدروس، ولا يخطئ في حرف واحد، بل يستطيع أن يذكر أين علامات الوقف في تسميعه، لقوة ذاكرته الفوتوغرافية...
    ولكن زميلنا تردد، لقد رأى بعينيه وسمع بأذنيه ما حلَّ بزميلاتنا، رغم التسميع المميز، لذا أراد سامح النجاة بنفسه، فَرَدَّ ببساطة، مدعيًا أنه لم يدرس شيئًا، ليقول الأستاذ من دون مبالاة بذلك:
    _ وأحلى صفر، لعيونك!
    صرخ سامح بمنتهى الرعب:
    _ لاااااا، سأسمِّع، تكرم عيونك!
    وانطلق سامح في تسميع الدرس، بسلاسة مدهشة، والأستاذ ينظر إليه مبهورًا، ما جعلنا نعتقد أن الغيبوبة العقلية التي أصابته مع تسميع زميلاتنا قد انتهت، ولكن...
    هبَّ الأستاذ كالإعصار، على حين غرة، ليصرخ صرخة رهيبة...
    كاد يشيب لها شعر رأس رفيقنا رعبًا!

    تابعوا معنا


  21. #20


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,282
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية اللوح والطبشور والتابوت! بقلمي: عمر قزيحة

    أشباح وذُرَة وصاروخ وصراخ!

    كانت صرخة الأستاذ مخيفة بحق، كاد سامح يودِّع الحياة بسببها، خاصة أن الأستاذ وثب بغتة من مقعده، ليتراجع سامح مطلقًا شهقة عنيفة، ظننا معها أنه سيموت بسكتة قلبية حتمًا!
    والحقيقة أن زميلاتنا أصبنَ بحالة رعب فادحة مع هذه الصرخة، ونحن؛ الشباب؛ لم نكن أفضل حالًا منهنَّ

    ولكني أركز على سامح المسكين، سامح الذي جمد مكانه يرتجف رعبًا، والأستاذ يتقدم منه، بغضب شديد، وتواجه الاثنان لحظات بصمت، ثم هتف الأستاذ بسامح: (أين هي)؟!

    لم نفهم ما هذه ال(هي) التي يتحدث الأستاذ عنها، سامح كان يُسمِّع درس الكواكب، فهل يسأله الأستاذ عن (الزهرة) مثلًا؟! ولكن الأستاذ نظر إلى المقعد الأول، إلى مكان جلوس الطالبة الغائبة، هاتفًا بسامح: (أين هي؟ أين خبأتها)؟!

    ارتفعت ضحكاتنا، واحتقن وجه سامح إحراجًا، ولم يستطع الإجابة، رغم حضور بديهته، لكن هذا السؤال كفيل بإصابة البلغاء بالخرس!
    وبعد أن تمالك سامح نفسه وتجاوز المفاجأة، هتف مستنكرًا: (أنا خبأتها)؟ ولكن الأستاذ لم يبالِ بالاستنكار، بل قال بلهجة خبيثة: (لا تدعي البلاهة يا ولد)! وقبل أن يعترض سامح مجددًا، صرخ الأستاذ في وجهه، بصرامة: (اخرج بها من حيث خبأتها)! لترتفع الضحكات مجددًا، ويحتقن وجه سامح مرة أخرى!

    أشفقنا صراحة على سامح الذي كان يقف كالأبله لا يدري ما يقول، أو يفعل، والأستاذ ينظر إليه مترقبًا أن (يخرج بها من حيث خبأها)، ونحن نظن بعقل الأستاذ الظنون، فهل يُعقَل أن زميلنا قد (خبأ) إحدى الطالبات؟!

    وأخيرًا فهمنا مقصد الأستاذ! لقد عاد ينظر إلى المقعد الأول، صارخًا: (الطبقة، الطبقة، أين هي؟ لقد أدركتَ؛ يا سامح؛ بأنني أدركتُ، أنك تنقل من الطبقة، لقد وضعتَ الدفتر فيها، وأخذتَ تنقل منه، وحينما كشفتُك، خبأتَ الطبقة، أين هي)؟!
    ولكننا لا نُلام على سوء الظن بالأستاذ، فكل مقعد تجلس عليه طالبتان، والأستاذ نظر تحديدًا في مكان جلوس الطالبة الغائبة، ولم ينظر نحو زميلتها على الإطلاق، ثم إن المقعد لم يكن له طبقة خشبية أصلًا، وبالتالي أنَّى لنا أن نفهم أن الأستاذ يقصد الطبقة باتهامه سامحًا بتخبئتها، لا زميلتنا الغائبة عن الثانوية؟! بل حتى لو كان هناك طبقة، فنحن نقف فوق طاولة خشبية طويلة حينما نريد التسميع أو الكتابة على اللوح، وبالتالي يستحيل القراءة من أي طبقة كانت!

    ولقد عَبَّر سامح عن ذلك خير تعبير، لكنه لم يفوِّت على نفسه فرصة التهكم في هذا الموقف، فسأل الأستاذ بصوت يقطر سخرية: (لماذا تسأل عن الطبقة؟ هل تريد أن تبيع الطبقات يا أستاذ، أم تؤجرها لأحد)؟!
    ظل الأستاذ ينظر إليه بصرامة، فهتف سامح بتهكم شديد: (أنا أدعى سامح يا أستاذ، وشغلي تلميذ في الثانوية، تلميذ، لا جني لا سمح الله! هل تظنني جنيًا يا أستاذ؟ أو يعقل أن تسمِّع لي الدرس، ثم تكتشف أنني أقرأ من الدفتر في الطبقة الخشبية، فأمد يدي؛ أمامك؛ خمسة أمتار من دون أن تراني، وأنتزع الطبقة الخشبية من مكانها من دون أن تراني، بل وأخبئها كذلك من دون أن تراني، كل هذا وأنا واقف أمامك؟! هذا إذا افترضنا أن لي ذراعي أخطبوط لا ذراعي بني آدم)!

    توقعنا أن الأستاذ قد أدرك خطأه هنا، ولكنه ابتسم قائلًا بهدوء: (أتظن أنني غشيم يا ولد؟ أنا أفهم ألعابكم هذه جيدًا، وعلامتك صفر لأنك غشاش)!

    ورغم أن الصديقين الباقيين في الصف قد سمَّعا تسميعًا جيدًا، إلا أنهما نالا علامة منخفضة جدًا، ولم يبق سواي في الصف لم يسمِّع له الأستاذ، ويا للروعة! لقد أعلن الأستاذ خبرًا سعيدًا، مفاده أن درس الكواكب قد انتهى، ولن يرجع إليه بعد ذلك، لا درسًا ولا تسميعًا، ومن الحصة المقبلة لدينا درس جديد.

    كانت بشارة رائعة لي فعلًا، رغم أنني أحفظ الدرس، لكن مع ما أراه من الحالة المزاجية عند هذا الأستاذ، فأنا لا أضمن لنفسي شيئًا، بل إنني سأنال علامة منخفضة حتمًا، لم أبالِ بنظرات الحسد التي يوجهها إليَّ رفاقي، ولا بتعليقاتهم الحزينة عن أصحاب الحظ الرائع أمثالي، ولماذا لم يكن حظهم مثل حظي أنا!

    ولقد لمسنا صدق الأستاذ في ما قاله، مع حصته التالية، فما كاد يشرفنا بدخوله الصف، حتى أشار إليَّ، لآتي إليه (وهذا هو السيناريو المعتاد) وأخذتُ أجهز في ذهني إجابات جديدة حول سؤاله لي عن (البلوى التي يبلوه الله تعالى بها بوجودي كل سنة في الصف، ورسوبي خمس سنين، وسؤاله عن أبي وأخي...)، وقد نفَّذه الأستاذ بالفعل، وأنا أوافقه في كل ما يقول، ولكن (السيناريو غير المعتاد) أن الأستاذ طلب إليَّ أن أسمِّع درس الكواكب!

    هتفتُ باعتراض: (ولكن...)، ولم أتابع اعتراضي، فقد لحظت أن الأستاذ قد شرد بغتة، وعيناه تحدقان في المجهول، ولكني كنتُ قد نسيتُ كل شيء عن الدرس! فماذا أفعل يا ترى؟ سينتبه الأستاذ حتمًا، لن يبقى شاردًا إلى الأبد، وسيرى أنني جامد لا أنطق بشيء، وسأنال صفرًا، ولكن لا، لكل مشكلة حل، وأنا لا ينقصني الذكاء!

    ومن هذا المنطلق، أخذتُ (أخترع) جغرافيا لم يسمع بها أحد في هذا العالم، فالمريخ يمكن أن نسافر إليه بالطائرات والصواريخ! وأورانوس يظهر كلما أكلنا من الذُّرة كم عرنوس! وإذ نظرتُ إلى خيال الزهرة في الشفق، قلبي تعب وبقوة خفق!
    ولم أنسَ قطعًا أن أتجه بالجغرافيا التي أخترعها وجهة احترافية، فعطارد حجمه نصف حجم الشمس، ونبتون يبلغ حجمه ربع حجم عطارد، أي ربع نصف حجم الشمس، ونبتون يفوق الشمس بثلاثة أضعاف، لكنه أصغر منها (لا تسألوني كيف يمكن ذلك! أما تكراري لميزات نبتون، فلأن أسماء سائر الكواكب قد تلاشت من ذهني فجأة)!

    ومع هذا (الهراء) وثب الأستاذ صارخًا بصرخة رهيبة، جمدت الدم في جسمي، ولم أفهم منها سوى (زااااااااا)، ووجدتُ نفسي أهتف بالأستاذ: (من)؟! ليخبرني بما يقصد، مازجًا عددًا من الكلمات والأحرف ببعضها (هيبازوزا)... نعم لقد قالها الأستاذ من قبل (هيباشوشا) بالشين لا بالزاي، وكان يقصد مكتشف كوكب زحل، والآن ينطقها (هيبازوزا)، وإذًا هو يقصد مكتشف كوكب (شحل)!

    هتفت بالأستاذ واثقًا (شُحَل، أعني زُحَل، اكتشفه هيبازوزا عام...) قاطعني الأستاذ قائلًا بصرامة شديدة: (تسعة)! لأنظر إليه مذهولًا، لا أصدق أن كوكب زُحَل قد تم اكتشافه عام (تسعة)، لا قبل الميلاد، ولا بعده، ولا في التقويم الهجري!

    لكن هذه ال(تسعة) لم تكن رقم العام الذي تم اكتشاف زحل به، بل كانت علامتي على التسميع، هذه (الحماقات) التي اخترعتُها نالت تسع علامات كاملة! أم أن الأستاذ يهزأ بي؟! انتبه الأستاذ إلى أنني أقف مكاني لا أتحرك، فسألني مستنكرًا: (ألا تعجبك تسع علامات من أصل عشر علامات ممكنة)؟ رددتُ بحذر، خائفًا أن يكون الأستاذ يقودني إلى فخ ما، قبل أن يعاتبني على هذا التسميع الخرافي: (الجغرافيا لها عشرون علامة يا أستاذ)، وهكذا نلتُ 18/20 على هذه المعلومات (العالمية) التي لا يعرفها أحد في العالم سواي!

    ولولا أنني ظننتُ سوءًا بالأستاذ وأنه يهزأ بي، واتجهتُ صوبه لألومه، مشيرًا إلى الصفر الذي أتوقع أنه وضعه لي، لما صدقتُ! لقد رأيت العلامة بعيني، 18 بجوار اسمي في خانة العلامات، والغريب أن الأستاذ صرخ في وجهي: (ألا يعجبك شيء؟ أنت لم تسمع كل الدرس، ولو فعلت لوضعت لك العشرين كاملة، لكنك لا تستحق أكثر من ثمانية عشرة علامة، رُدَّ عليَّ، لماذا لا تَرُدُّ)؟!

    ولم يكن الأستاذ ينتظر ردي حقيقة، فنظر إلى رفاقي قائلًا: (انظروا إليه، علامته ثمانية عشرة ولا يرضى، لا يرضى بأقل من العشرين كاملة، ليتكم تكونون مثله، لا تقبلون إلا بالكمال، بل ليتكم جميعًا مثله، تعرفون كيف تسمِّعون الدرس بأسلوب جميل، كان تسميعكم جافًا جامدًا ناشفًا، أما أسلوبه فما أروعه! ليتكم تتعلمون منه)!

    صاح سامح متهكمًا: (نعم، نعم، يجب أن ترقصوا وتدبكوا وأنتم تسمِّعون الدرس، هكذا تكونون تعرفون كيف تسمِّعون)!
    لم يَرُدَّ الأستاذ بشيء، بل ربما لم يسمع هذا الاعتراض الساخر، أما أنا فكنتُ في شبه غيبوبة عقلية، لا أفهم ما يحصل، ولا أستوعب كلمات الأستاذ، ولا أصدق أنه يتكلم عني، ولكن، كل الحق على رفاقي، فلماذا ينظرون إليَّ بهذا الغضب؟! ما ذنبي أنا إن كانوا لا يعرفون كيف يسمِّعون مثلي؟ إنها مسؤوليتهم أن خيالهم محدود ولا يعرفون كيف يخرِّفون الجغرافيا، أقصد يؤلفون الجغرافيا مثلما فعلتُ أنا!

    ولكنْ، لم تكن هذه نهاية الحكاية السعيدة، فإحدى البنات في الصف وَشَتْ بي إلى الأستاذ بوشاية كاذبة، وكان لذلك موقف طريف آخر، تفجرت له الضحكات بعنف من رفاقي، خاصة حينما طلب مني الأستاذ أن (أحملها) فورًا، وأتجه بها إليها!

    تابعوا معنا.

    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 8-5-2018 الساعة 11:33 PM

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...