ابتسامة.. أقاصيص

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 6 من 6

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي ابتسامة.. أقاصيص

    ~ ابتسامة ~

    هي أربع أقاصيص بسيطة تحمل كلٌّ منها معنى وأثرًا تركته ابتسامةٌ ما.. رجائي أن تستمتعوا..

    ~

    ابتسامةٌ من الماضي


    لا أدري كم سنة مرت على ذلك الموقف، ولكنني لم أنسها أبدًا.. كانت مجرد طفلة صغيرة لم تتعد الخامسة.. أذكرها كما لو كنتُ أراها الآن وهي تجلس حافية القدمين مرتدية أسمالًا ملونةً بالكاد تستر جسدها وقد عقدت شعرها في عدة جدائل صغيرة..

    كنت أتنزه قرب الشاطئ حين رأيتُها جالسةً بهدوء تعبث ببعض الخردوات بالقرب من حاوية المهملات الضخمة.. وحين شعرت بي رفعت عينيها السوداوين الجميلتين نحوي وابتسمت أروع ابتسامةٍ شاهدتُها في حياتي..

    أعد نفسي بارعًا في قراءة لغة العيون.. واعتقدتُ وقتذاك أن ابتسامتها التي تشرق في عينيها هي أصدق ما رأيتُ قط..

    كانت الصغيرة السمراء لا تزال تنظر إلي بابتسامتها الخلابة الساحرة، فوجدتُ نفسي أقدم إليها شطيرة اللحم التي ابتعتُها للتو ولم ألمسها بعد..

    أشرق وجهها بجمالٍ لا حدود له، وابتسمتُ أنا راضيًا عن نفسي ثم انصرفتُ مبتعدًا.. ولسببٍ أجهله وجدتُ نفسي ألتفتُ لأراها من فوق كتفي وهي تقترب من الحاوية، وتقف على أطراف قدميها، ثم ترفع الشطيرة بيدها وتلقيها ببساطةٍ في الحاوية!

    جُنَّ جنوني لِما رأيت.. عدتُ باتجاهها مسرعًا ولمّا رأتني أقتربُ منها ابتسمت مجددًا، وشعرتُ هذه المرة أن ابتسامتها هي أكذب ما رأيتُ قط! كيف تجرؤ على خداعي والسخرية مني؟ هذه الطفلة المخادعة!

    كانت الفتاة قد فتحت ثغرها المبتسم لتقول شيئًا حين هوت كفي كالصاعقة على خدها الصغير بأقوى ما لدي..

    حدقت الفتاة فيّ بصدمةٍ وخوف، انسابت الدموع كبيرةً من عينيها، ثم انطلقت تعدو منتحبة..

    ليس عليّ أن أشفق عليها، فقد كانت مجرد مخادعة! وقبل أن أغادر سمعت صوتًا ضعيفًا يصدر من الحاوية.. ألقيتُ نظرةً لأرى قطةً مع صغارها الستة يلتهمون الشطيرة بنهم!

    لم أعثر على الصغيرة بعدها مهما حاولتُ ذلك.. ولم أسامح نفسي قط! أرجو فقط ألا تزول ابتسامتُها أبدًا مهما حاول وحشٌ مثلي ردع نفسها البريئة..


    ~

    على مقعد الحديقة


    ما الذي قادني إلى هذه الحديقة؟ هل كنتُ أتبع فراشةً ما؟ أو ربما كان صوتًا أو رائحةً جذابة؟ لستُ واثقًا تمامًا، ولكن شيئًا ما قادني خلال هرولتي الصباحية دون وعيٍ مني إلى هذه الحديقة البعيدة!

    وجدتُ نفسي أسير فيها بغير هدى.. وهناك، قرب الحديقة الرملية الصغيرة، حيث كان الأطفال منهمكين في اللعب، رأيتُه لأول مرة من خمس سنوات!

    كان يجلس متكئًا على مقعد الحديقة الخشبي، وهو يحدق ببصره في الصغار لا يحوّل عينيه عنهم، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ آسرة..

    أنا أعرف هذه الابتسامة.. أعرفها جيدًا، وإن كانت الأيام أنستني إياها.. إنها ابتسامة الفخر بأول شهادة تفوقٍ أحصل عليها.. إنها ابتسامة الحزن وهو يطمئنني بأن الحمى ستزول عند الصباح.. إنها ابتسامة الحنان وهو يضمني إلى صدره كل يوم حين عودته من العمل.. إنها ابتسامة الأب التي تجمع كل المشاعر المشتتة.. تلك التي كانت تمنحنا الأمل، والانتعاش، والفخر، والقوة لنعيش ونتابع خطواتنا في درب الحياة الطويل..

    أتساءل الآن ما الذي كان يفكر به وهو يحدق بهؤلاء الصغار اللاعبين؟ هل يرى وجوهنا فيهم؟ هل يتذكر لعبنا حوله وتقافزنا فوق ظهره حين كنا في مثل سنهم؟

    كانت دموعي تنساب على وجنتيّ الآن.. لقد نسيتُ حتى مكان دار المسنين القريبة من الحديقة والتي أودعتُه فيها قبل خمس سنوات.. لقد أنستني الأيام ابتسامته، ولا أعرف الآن كيف كنتُ أتابع حياتي دونها..

    لم أعرف ما عليّ قوله، ولكني توجهتُ نحوه ودنوتُ من وراء مقعده ببطء..

    لم أكن أعرف وقتها أن الأوان قد فات.. لم أكن أعرف أن طيفه هو من قادني إلى هنا.. لم أكن أعرف أنه حين تلامس راحة يدي كتفه البارد سيهوي دون حراك وقد حُفرت ابتسامته في وجهه إلى الأبد..



    ~


    أمنية الموت


    أفقتُ لأرى حولي بياضًا ممتدًا إلى ما لا نهاية.. أو هكذا ظننت.. كان هنالك سقفٌ أبيض.. جدرانٌ بيضاء.. غطاءٌ أبيض.. والعديد من الأسلاك والأجهزة المومضة.. أجل.. إنني في المستشفى.. ليست هذه ليلتي الأولى هنا ولكنني أفيق بالدهشة ذاتها كل يوم دون أن أقوى على التصديق بأن كل ما حدث لم يكن مجرد حلم، بل هو واقعٌ علي أن أعيشه للأبد..

    أنظر في المرآة الصغيرة على المنضدة بجواري.. أجل، لا يزال رأسي ملفوفًا بالضمادات، وقد حُلق شعري الجميل تمامًا لإجراء الجراحة.. لا تزال عيني متورمةً ببشاعة.. ولا أزال لا أملك أحدًا أبثه همي بعد أن رحل والداي وأخواي عن الحياة مباشرة بعد وقوع حادث السيارة ذاك..

    استقرت حالتي بعد الجراحة الأسبوع الفائت، ولكني لا زلتُ أقيم هنا كمرافقةٍ لشقيقتي الصغرى التي لا تزال غارقةً في غيبوبتها.. أخبروني أن حالتها مستقرةٌ كذلك، وأنها قد تفيق في أي وقت، وها قد مضى أسبوعٌ على قولهم ذاك ولم تفتح جفنيها حتى الآن..

    أخذتُ أحدق في شقيقتي الصغرى التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها بعد.. لقد كانت الشعلة المتأججة بالنشاط في البيت.. كانت سر سعادته وروحه المشرقة.. وها هي الآن ممدة بثياب المشفى على سريرٍ بارد، وقد تشوه وجهها بفعل الحروق التي تعرضت لها حين انفجار السيارة بعد أن قذفتها خارج نافذتها.. لقد نجوتُ أنا وهي بمحض معجزة، ولكن لماذا؟ لماذا نجونا بالضبط؟

    لماذا تتركين يا أمي طفلتكِ المدللة وحيدةً هكذا؟ ألا ترين صغيرتكِ التي تخافين عليها من نسمة الهواء كيف أضحت؟ ألا ترين شعري الجميل الذي كنتِ تصففينه لي بعنايةٍ كل يومٍ كيف اختفى؟ لماذا رحلتِ مع والدي وإخوتي وتركتِنا؟ أي حضنٍ سيحتوي دموعنا اليوم؟ أي منزلٍ سيمنحنا دفئه بعدكم؟

    غرقتُ في تساؤلاتي أكثر فأكثر.. لماذا أنا على قيد الحياة؟ كل ما أتمناه الآن فقط هو أن أموت..

    في تلك اللحظة بالذات، انفرج جفنا شقيقتي ببطء.. حركت رأسها بإرهاق.. قلّبت بصرها فيما حولها.. وحين وقع بصرها عليّ ابتسَمَت.. فنسيتُ أمنيتي وتساؤلاتي وبكيتُ بسعادةٍ لأني لا أزال حية!



    ~



    دينٌ قديم

    أوصتني أمي قبل وفاتها قائلة: لا تنس أن تبتسم دومًا في وجه الخطوب، ستتغير حياتك عندها..

    لقد نفذتُ وصية أمي بحذافيرها.. لم أترك الابتسامة حتى في أشد أيامي حلكة.. وماذا كانت النتيجة؟ ها أنا قابعٌ الآن وحيدًا خلف القضبان الحديدية!

    لقد أفلستُ وسُدّت الدروب في وجهي مرةً تلو الأخرى، وحاولتُ مرةً تلو الأخرى، ولكن دون جدوى.. والآن، فاضت ديوني حتى وصلت بي إلى هنا، وحيدًا ذليلاً لا تفيدني الابتسامات التي أهديها لهذه الجدران الصماء في شيء!

    لماذا لم توصِني أمي بسرٍ أكثر فعاليةً من هذا؟ أن أبتسم! يا للشاعرية! لا يمكنك مواجهة العالم الحقيقي بالابتسام في وجهه! هذا العالم غادر ولا شيء فيه يستحق الابتسام..

    كنتُ غارقًا في أفكاري هذه حين فُتح باب الزنزانة ونادى الضابط اسمي مُعلنًا أنه قد تم الإفراج عني! دهشتُ تمامًا! من المفترض أن أقضي هنا ما يقرب من العشر سنوات، ولكني بالكاد أكملتُ ليلةً واحدة، فما الذي جرى؟

    أجاب الضابط عن تساؤلاتي قائلاً إن رجلاً من دولةٍ مجاورةٍ قد أدى عني كل ديوني وذكر لي اسمه.. كان الاسم مألوفًا بشكلٍ غريب.. وفجأةً تذكرتُ أنه كان زميلاً أيام الجامعة.. ولكن من المستحيل أن يكون هو! فبالكاد كنا نتبادل التحية وقتها، كما أن علاقتنا انقطعت تمامًا بعد التخرج! أنا لا أعرف حتى أنه يقيم الآن في دولةٍ أخرى! لماذا قد يؤدي عني ديني؟

    ناولني الضابط مغلفًا أُرسل مع الأموال، كان يحوي رسالةً أخذتُ أقرؤها في طريق عودتي إلى المنزل:

    "صديقي العزيز.. لعلك تتعجب من صنيعي ومن مناداتي لك بالصديق ونحن بالكاد نعرف بعضنا.. أتساءل الآن إن كنتَ تذكرني حتى.. ولكنك بالنسبة لي أهم من كل صديق، وذكرى لا يمكن أن أنساها ما حييت..

    لعلك لا تعرف هذا ولكني مدينٌ لك بحياتي، وكل ما فعلتُه اليوم هو سدادٌ لديني القديم، الذي كنتُ أحاول تتبع أخبارك لأتحين الفرصة لسداده..

    توفيت عائلتي في حادثٍ بعد التخرج.. كنتُ الوحيد المتبقي على قيد الحياة.. فقدتُ حينها كل رغبةٍ في العيش، وصعدتُ أعلى مبنى في حينا، ووقفتُ على السور استعدادًا للقفز نحو نهايتي.. لا أعرف لماذا بالضبط، ولكن وجهك لاح لي في تلك اللحظة بالذات..

    تذكرتُك حين كُسرت ساقك بعد سقوطك عن الدرج.. تذكرتك حين توفي أفضل صديقٍ لك متأثرًا بالمرض.. تذكرتُك حين اضطررت لإعادة بحث تخرجك الذي قضيت أشهرًا في إعداده بعد أن تسبب أحد الزملاء بحذفه عن طريق الخطأ.. تذكرتُك وتذكرتُ كل موقفٍ مريرٍ مرّ بك، وكيف كنتَ تقابله بابتسامةٍ عجيبة! تلك الابتسامة التي لطالما أثارت حيرتي وإعجابي في الوقت ذاته..

    قررتُ فجأةً أن أمنح حياتي فرصةً أخرى.. أن أواجهها بصلابةٍ مثلك.. وها أنا الآن أملك أسرةً سعيدة وحياةً هانئةً لم أكن أحلم بمثلها..

    أدين بكل هذا لك.. وأرجو أن تقبل مني رد جميلك ودينك الذي أثقلني حمله.. دمتَ سعيدًا، ودامت ابتسامتك أبد الدهر!
    "


    همسة: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"!



    ~ تمت ~


  2. 8 أعضاء شكروا تشيزوكو على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...