أولاد الشوارع (الحلقة الثانية)


هل أطفال الشوارع محتالون؟!
بل إن السؤال الحقيقي: هل كل أولاد الشوارع محتالون؟ سؤال يشمل كافة هؤلاء، صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا...
كم من متسول اتضح؛ بعد وفاته؛ أنه مليونير؟!
سمعنا مرة عن متسول مصري أصابته سكتة قلبية فجائية، فمات وهو على الرصيف، يمارس مهنة التسول، وبتفتيشه بعد موته وجدوا معه دفتر بنك، بقيمة 34 ألف دولار!
الحقيقة لم أجد توثيق هذا الخبر، لكنه حقيقي! ليس بالضرورة القصة نفسها، ولكن موقع
سبيتنيك نويز الإخباري، بتاريخ 24/4/2017، أورد خبر القبض على متسول يبلغ من العمر 70 عامًا، وذلك أثناء التسول في إحدى قطارات مترو الأنفاق في القاهرة، وقد وجدوا معه قريبًا من 2000 دولار أمريكي، وأموال أخرى بعملات أجنبية متنوعة، لم يحددوا لنا كم تبلغ... والأجمل من هذا أن المتسول يمتلك منزلًا، ويمارس التسول (مهنة) وهو لا يحتاج التسول أصلًا، وهذه المبالغ جمعها من هذه المهنة!
وقد يكون ذلك هينًا إزاء العم كامل، متسول في مدينة (بني سويف) في القاهرة، كان يتسول الناس، ويطلب ما يسد رمقه به، ويلتحف السماء، بنومه على الرصيف... ثم تم كشف أمره فيما بعد... إنه لا يمتلك أكثر من بنايتين سكنيتين فحسب، وفي أحياء راقية، وحساب بنكي فوق ذلك، قيمته 3 ملايين و500 ألف جنيه (فقط)!
ولم يتم اكتشاف أمره لولا (شهامة) رجل من بني سويف، التقى بالمتسول داخل وكالة بنكية، فطلب من العاملين مساعدته، فكشف الأمر أحد الموظفين، قائلًا إن من تطلب مساعدته يملك حسابًا بهذه القيمة الخيالية...
والأمر لا يتوقف على مصر وحدها قطعًا، فلنرجع إلى لبنان، وخبر طازج، يرجع تاريخه إلى شهر 5 من العام الحالي 2018...
امرأة أمضت حياتها في التسول في شوارع بيروت، وتنام في سيارة قديمة مهجورة، اتخذتها لها منزلًا، امرأة أثارت شفقة الناس، كونها تعاني إعاقة جسدية واضحة في قدميها...
وبموت المتسولة التي تبلغ 53 من عمرها، وجدوا معها 5 ملايين ليرة لبنانية، ضمن أغراضها الشخصية... ولكن هذا أمر هين لين! فقد وجدوا معها دفاتر بنكية، وحسابات تجاوز مجموعها المليون دولار أمريكي!!
الخبر أثار استنكار الناس، إذ ذهب بعضهم إلى القول إن هذا مستحيل، فلا يمكن لامرأة أن تجمع كل هذا المبلغ وتبقى تتسول، وبعضهم تكلم عن الاحتيال لدى المتسولين لمضاعفة ثرواتهم... وبعضهم ألقى باللوم على الدولة.

إذًا، لنا أن نسأل أنفسنا، انطلاقًا من هذه المتسولة وسواها، أين يكمن الخلل، ومن المسؤول عنه؟ لنجيب إن المسؤول هو (الشارع)!
أما كيف يكون الشارع مسؤولًا، فهذا أمر بسيط، إنها الحياة التي تعودها هؤلاء الناس، حتى لم يعودوا يعرفون لأنفسهم حياة سواها للأسف، ربما بدؤوا حياتهم (أطفال) شوارع، ثم تطور بهم الحال ليكونوا (أولاد) شوارع، لا يعرفون سوى الشارع مكانًا، ولا يعرفون سوى ما يقومون به من مسح الأحذية، أو تنظيف زجاج السيارات، أو التسول، عملًا يعيشون من خيره بادئ الأمر... ثم مهنة لا غنى عنها، مثلها مثل الهواء الذي يتنفسونه!
وهل هم المسؤولون عن فقدانهم عائلاتهم؟ أو حتى عن وجود عائلاتهم، لكنها تفتقد الدفء الأسري، تدفع بأبنائها إلى الفرار إلى الشوارع للراحة من المشاكل، أو ربما دفعت بهم ظروف الحياة إلى أن يكونوا مثل (عابري السبيل) رغم غناهم، فيضطروا إلى العمل في الشوارع، ثم التآلف معها!
وهل هم المسؤولون عن فقر عائلاتهم؟ أوعن أب سكير، أو أب وأم انفصلا، وكل منهما يعيش حياته، والأولاد ممزقون في الشوارع؟
من هنا تبدأ حياة الشوارع، ومن هنا يكون (الشارع) المسؤول عما يصير إليه حال أولئك الناس، لأنهم فقدوا حقهم الطبيعي أن يعيشوا ضمن أسرة متماسكة، كل من أفرادها يقوم بدوره...
ولنا أن نتوقف هنا، لنشير إلى أمر، أننا لا نعتقد أن الكل (ضحية) قطعًا، فلدينا ما يسمى بـ(النَّوَر) أو (الغَجَر)، وهؤلاء لديهم مساكنهم وحياتهم الخاصة، ولكن، يحترفون التسول، واللجاجة وثقل الدم فوق التسول، في محاولة لاستفزاز الشخص حتى يفقد أعصابه وهدوءه، ويضطر إلى الدفع، ليتخلص فقط منهم ومن إلحاحهم!
هؤلاء الفجر تحترف نساؤهم وأطفالهم التسول، بل إن المرأة منهن تأتي بأطفال معاقين، لاستدرار الشفقة، ولا أعلم من أين تحصل عليهم! ربما يكون لها هي نفسها أطفال معاقون،ربما تستأجرهم من معارفها، وتجلس بهم على الرصيف، أو تقف وسط الشارع تضع أمامها هذا الطفل المعاق في عربة، وتبدأ بالصراخ بأعلى صوتها، طالبة الحسنات... والطريقة الثانية أن تتوزع أسرة المتسولين، تقف المرأة هنا، وطفلها هناك، وطفلتها هنالك، مع مراقبة تشبه أجهزة المباحث! فإذا أعطيتَ طفلًا ما صدقة، تجد الأم تجري بأسرع ما يمكنها نحوك تمد يدها طالبة (حصتها)! أو ترى (قبيلة) من الأطفال تركض لتحيط بك، وكل منهم يريد (حقه) في مالك، مثله مثل رفيقه الذي أعطيتَه المال!
هذا التسول يسيء فعلًا لنا، وفي طرابلس _ لبنان، نرى أن أعداد المتسولين هائلة، والمتسولون من الصباح الباكر في الشوارع، بل ربما يطرقون أبواب البيوت كذلك في أوقات مبكرة (يا للنشاط والإخلاص في العمل)! وأكثر من محاولة، بدأت بالتسول، وانتهت بمد اليد للسرقة!
والمصيبة الكبرى تتمثل بربط التسول بالشعائر الدينية، فالتسول يكثر أوقات صلاة الجمعة، تجد المتسولين والمتسولات أمام أبواب المساجد في دخولك المسجد وخروجك منه، بل أحيانًا تدخل المتسولة المسجد وتجلس آخره، تنتظر الداخلين لتمد يدها لهم، وتنتظر نهاية الصلاة، لعل من لم يعطها وهو داخل، يدفع لها وهو خارج!
وبهذا الصدد، نعود إلى ما أورده موقع لبنان الإلكتروني، بتاريخ 11/11/2016 من إيقاف شرطة بلدية طرابلس عددًا من المتسولين، نساء وأطفالًا، وهم من (النَّوَر)، ولكن تم احتجازهم من صلاة الظهر وحتى المساء فحسب، أما ما بعد ذلك، فمن المؤكد أنهم خرجوا ليتابعوا مهامهم هذه!
وسبب خروجهم أعلن عنه قائد شرطة البلدية (ربيع حافظ) بقوله: (لا يحق لنا قانونًا توقيفهم في سجن الشرطة، والحل المتوفر هو احتجازهم)، وإن كانت أعلن خطوة مهمة تتمثل بـ(إننا سنتابع الحملة كل يوم جمعة، وسنستمر بمنعهم من الانتشار أمام المساجد، لعلهم ييأسون ولا يعاودون الكرة مرة أخرى).
ونثمن هذه الجهود، لكنها؛ وبكل بساطة؛ لا تكفي! فمثل هؤلاء لا ييأسون، إذ إن هذه هي حياتهم، كما أسلفنا القول، وقد تصل بهم إلى حد الإجرام الوحشي، عبر استغلال إعاقات وأمراض أطفالهم، أو الأطفال الذين يستأجرونهم، بشكل يفتقر إلى أدنى مبادئ الإنسانية والضمير!
والأمر لا يتجاوز أيامًا قليلة إلى الوراء، حين ألقي القبض على متسولة سورية في طرابلس، تستغل مرض طفلتها، التي تحولت إلى هيكل عظمي، حقيقة لا مجازًا، والأم لم تكن تفكر بتغذية طفلتها، ولم تفكر؛ بعد ذلك؛ بعلاجها، وذلك لتتمكن من استدرار عطف الناس عليها، وتم تحويل هذه المتسولة إلى النيابة العامة، وتوقيفها بعد ذلك في فصيلة التل...
أما الطفلة فكان مصيرها الافتراق عن أمها، إذ تم إيداعها إحدى الجمعيات، لتهتم بها وتعالجها العلاج اللازم... ولا أدري، هل من الأسوأ لهذه الطفلة، أن تنشأ من دون أم، أم من الأفضل لها، بوجود مثل هذه الأم، أن تنشأ من دونها؟ بل ماذا سيكون موقف هذه المسكينة إذا كتب الله تعالى لها الحياة، وعرفت حقيقة (حنان) أمها عليها؟؟
و(عصابة) التسول هذه، لا يتوقف أمرها عند حد، ففي تاريخ الخميس، 17/8/2017، وفق موقع لبنان الإخباري، نقلًا عن صفحة (وينيه الدولة) عبر فايسبوك (وينيه كلمة محلية، والمقصود أين)...
إذًا، الخبر يتمثل باشتباك عنيف بين عدد كبير من النسوة اللواتي يحملن الجنسية السورية، وذلك على خلفية (حجز أماكن للتسول)! وذلك في منطقة الجفينور _ الحمرا، والسبب أن مستولة (احتلت) مع أولادها موقع متسولة أخرى، وهو موقع (استراتيجي) للتسول! فبدأ الاشتباك بالأيدي بين عدد كبير من المتسولات، وكانت نهاية المعركة، بقدوم زعيم عصابة التسول هذه، ليصرخ بالمتسولات، طالبًا أن يرجع كل واحد منهم إلى مكانه!
لقد أدى هذا التضارب إلى تذمر الأهالي، وطلبهم إلى القوى الأمنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، والحد منها...
وسواء أتَمَّ هذا الأمر أم لا، فإن ظاهرة التسول لدى أولاد الشوارع باتت لا تطاق فعلًا، لكنني؛ أميز هنا؛ بين فريقين من أولاد الشوارع، فريق يستحق الشفقة والعطف والحنان، وفريق آخر يستحق السجن، بل الإعدام من دون أدنى رحمة أو شفقة... فريق ظُلِمَ فوجد نفسه في الشارع، فحاول التآلف مع هذه الحياة المذلة واعتيادها، وفريق ظَلَم واستغل الشارع وأولاد الشارع بأقسى شكل ممكن...



وما تزال الدراسة مستمرة بإذن الله عز وجل... تابعوا معنا