الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 24 من 24
  1. #21


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الرابعة عشرة (تدهور)

    الموت...
    تلك الكلمة المخيفة!
    تلك الحقيقة الواقعة!
    لا مَفَرَّ لأحدٍ منها...
    ولا يتجاهلها سوى الحمقى...
    وكثير من الناس حمقى!
    إنهم يتجاهلون حقيقة الموت...
    ربما لأنهم يظنون أنها ظاهرة غير طبيعية تحدث للضعفاء ولكبار السن...
    ثم يجدون أنفسهم بغتة أمام الموت، وعندها يندمون ويبكون...
    ويتمنون المعجزات التي لا تأتي إلا نادرًا...
    والعجيب أنهم _ عندئذٍ _ يعودون إلى حالتهم الأولى من الاستهتار بالموت...
    المهم الآن: ما الذي أصاب حميدًا وشُلَّته؟!
    لقد هتف العقيد فريد برجاله بمنتهى الحزم:
    _ أطلقوا الرصاص.
    وفي اللحظة التالية طار حجر كبير ليحطم زجاج المصباح الذي يحمله الرجل الواقف على السطح...
    وانطلقت الرصاصات بغزارة، لِيُبَدِّدَ وهجها عتمةَ الظلام!
    ولكنها لم تكن رصاصات رجال الأمن، بل كانت موجَّهَةً نحوهم...
    وفوجئ العقيد فريد بهذا الهجوم المباغت، كما فوجئ بحجر آخر يصيبه في وجهه ليلقيه أرضًا، ومذاق الدم القاسي في حلقه...
    ولم يتردد رجال الأمن في صدِّ الهجوم...
    أو في محاولة ذلك...
    وانطلقت الرصاصات غزيرة كالأمطار في تلك المنطقة، تحيل ليلها نهارًا مشرقًا..
    وداميًا...
    وانطلقت الصرخات المذعورة للسكان الذين استيقظوا على هذا الصوت المخيف...
    والأحجار تتوالى كذلك من مصدر آخر فوق رؤوس رجال الأمن، وكأن هناك مجنونًا يريد أن يتسلى ويلعب، ولا يدرك خطورة ما يحصل أمامه!
    وارتفع صوت صارم يهتف:
    _ س1، ر2، ن2، ح4، أسرعوا، الباب الخلفي!
    وكان هذا النداء كافيًا لإخراج الأولاد من جمودهم وما يشعرون به من الرعب...
    فهذه أسماؤهم الكودية...
    وانعقد حاجبا فريد في حيرة تامة...
    فلقد درس أرض المعركة التي اختارها بنفسه بمنتهى الدقة، ولا يوجد أي باب خلفي هنا...
    وبمنتهى الحزم، ورغم إصابته القاسية، هَبَّ فريد يقتحم المبنى بعنف، وقد قرَّر أن يكسر أيادي الأولاد وأقدامهم كي لا يستطيعوا الفرار...
    وتوقف الرجل مبهوتًا بحق!
    فمدخل المبنى كان خاليًا تمامًا، ولا يوجد أحد فيه!
    وكانت المفاجأة قاسية جدًا، ولم يَعُد هناك مناص من الاعتراف بالهزيمة المريرة.
    ***

    أدرك نادر أنه يحيا لحظات حياته الأخيرة...
    لم يفرح كثيرًا بانتصاره على خصمه، بل إنه اعتقد أنه قد كسر له بعض أضلاعه بركلته العنيفة في صدره مباشرة...
    لكن هناك خصم آخر يَهُمُّ بقتله الآن، والرصاصة ستنطلق في أية لحظة...
    وهَبَّ الرجل الواقع أرضًا بغتة لينقض على نادر ويمسك به من خناقه، والألم يعتصر صدره...
    ولم يصدق نادر ما يحصل!!
    لقد تجمد الرجل مكانه، بعد أن أطلق شهقة عنيفة، وشعر نادر بالدم ينسال من الرجل ليملأ يديه وملابسه...
    الرصاصة انطلقت من الرجل الثاني، ليصيب بها زميله!
    وهتف الأخير بذهول:
    _ يا للمصيبة! اللعنة عليك يا نادر!
    وعاد يُوَجِّه مسدسه إلى نادر، وقد أعماه الغضب، لكن الأخير كان قد حصل على فرصته وتحرك بسرعة...
    وفوجئ به خصمه ينهار أرضًا فجأة، وقبل أن يفهم ما يحصل، كان نادر قد سحب مسدس القتيل، واستدار ليطلق النار على خصمه...
    وفي اللحظة ذاتها تقريبًا انطلقت الرصاصتان...
    وكلتاهما تستهدف القتل!
    ***

    صداع شديد...
    آلام في الساقين...
    جميع المشاهد مهتزة...
    هذا ما شعرت ومرَّت به السيدة ليلى، حينما استعادت وعيها...
    وفي ضعف شديد، تمتمت:
    _ أين أنا؟ ما الذي يحدث لي؟!
    أسرع أحد الأطباء إليها هاتفًا:
    _ لقد استيقظتِ إذًا؟!
    لم تفهم كلامه، ولكنها كرَّرت تساؤلها:
    _ ما الذي أصابني؟
    حمل الطبيب حقنة في يده، قائلًا بهدوء:
    _ لا تخافي.
    بدت لها الحقنة مثل سيف يبتغي سلب روحها، فهتفت برعب:
    _ ماذا تفعل؟
    ابتسم الطبيب، وغرس الحقنة في ذراعها...

    _ إذًا، لقد استعادت وعيها، هل تكلمت؟ هل تحركت؟ هل؟
    قالها الطبيب المشرف على علاج ليلى، فأجابته الممرضة:
    _ الواقع أنني لم أنتظر ذلك، ما إن أشارت الأجهزة إلى أنها تستعيد وعيها، حتى أسرعت إليك لأخبرك.
    هَزَّ الطبيب برأسه متفهمًا، ومشى مع الممرضة إلى غرفة ليلى، ولكنه ما كاد يخطو داخلها حتى ارتد مصعوقًا...
    فلقد كانت السيدة ليلى مجرد جثة هامدة!
    ومادت الأرض تحت قدمي الممرضة...
    فالمفاجأة عنيفة...
    للغاية!






  2. #22


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أَشَرْتُ في المقدمة إلى أن القصة مما كتبته عام 1999م، أي من عشرين سنة!
    أول مرة كتبتها فيها كانت قصة قصيرة، ثم قمت بإعادة صياغتها لتكون قصة متسلسلة من فصول، لذا نهايتها واضحة في ذهني، حتى لو أنني لم أقم بإنهائها في ذلك الوقت...

    وليس هذا ما كتبته فيها فحسب، بل هناك فصل آخر، لكني دوَّنْتُهُ على الأرجح في دفتر آخر، من الدفاتر التي فقدتها بمرور الزمان...

    لذا، سنعتبر ما كتبناه حتى الآن من إنتاج العام 1999
    وما سنكتبه لاحقًا من إنتاج العام 2019!
    وأدعو الله تعالى أن يتيسر لي الوقت الكافي لإعادة التأليف ومن بعدها متابعة التأليف...
    على الله تعالى الاتكال دومًا.



  3. #23


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الخامسة عشرة (بعض الألغاز)

    أنار القمر تلك الليلة بنوره الفضي الذي يبعث الراحة في النفوس المرهقة، ويدفع بأصحاب الأماني إلى السهر للتمتع بهذا المنظر الساحر، وعمَّ الهدوء مناطق العاصمة بأكملها، عدا مبنى واحد، كان يبدو من الخارج من دون حياة، إذ لا ينبعث منه ضوء واحد، ولكن أعماقه كانت تشهد وجوهًا محتقنة تكاد تتفجر غضبًا وكمدًا!
    هنالك، حيث وقف العقيد فريد، بعد أن تم الاعتناء بجرح وجهه الغائر، ولم يجد من يداوي كرامته الجريحة في مواجهة مدير المخابرات الغاضب، متحفزًا لسماع كلمات التأنيب والتوبيخ، مستعدًا لتوضيح وجهة نظره، ولإثبات أنه كان على حق منذ البداية.
    ولكن، وللحق يقال، كان مدير المخابرات في حالة جنونية من الغضب، بعدما ضاع تعب سنين في التحري والتقصي، ولقد بدا صوته مثل رعد هدار، إذ يصرخ في وجه فريد:
    _ من الذي أَذِنَ لك بارتكاب هذه الحماقة؟ ما عملك هنا؟ أنت مسؤول عن التحري في الجرائم الغامضة، وذلك حينما نطلب منك ذلك، لا أكثر ولا أقل، ولكنك _ أيها الأبله الأحمق _ أضعتَ منا كل ما قمنا به خلال عدة سنوات ماضية، وكله لأنك تريد أن تتصرف مثل الأغبياء، تتسلل إلى المدرسة مثل اللصوص لتسرق بيانات التلاميذ وتقوم بتصويرها! كأنك لا تعلم مدى الخطأ في التسلل إلى مبنى حكومي، واستهلاك الأوراق لمصلحتك الشخصية! وبعد ذلك تنصب كمينًا محكمًا للتلاميذ! من الذي علَّمَك العبقرية يا هذا؟ أجب!
    صاح فريد بغضب يكاد يعصف بنفسه:
    _ ألم تخرجوا بأي درس مما حدث الليلة؟ ألم تفهموا بعد أن هؤلاء الأولاد أفراد عصابة خطيرة؟ ألم تسمعوا من ينادي بأسمائهم الكودية، ألم...
    قاطعه نائب المدير هذه المرة، بسخرية لاذعة:
    _ نسمع من ينادي؟! نحن من فعل هذا يا رجل! وذلك لننقذهم من هذا الفخ من جهة، ولنصرف أنظار الفريق الذي خرج لتصفيتهم وتصفية رجالك معًا عنكم، ولقد مَكَّنَّا ذلك من قتلهم جميعًا في تلك المعركة!
    تبلبلت أفكار فريد، ولم يَعُدْ يفهم ما يحصل حقيقة!!
    ولم يمهله نائب المدير حتى يتمالك نفسه، بل تابع بقسوة شديدة:
    _ ولم يَمُرَّ ذلك من دون خسائر للأسف، قُتِل ثلاثة من رجالك، واثنين من رجالنا، والخسارة الأخرى في الموضوع أننا كنا نتابع هؤلاء الأولاد في محاولة منا للإمساك بطرف الخيط الذي يقودنا إلى الكبار، لنلقي القبض عليهم، وتمكَّنَّا من تحديد اثنين من هؤلاء الكبار بالفعل، لكننا اضطررنا إلى قتلهما وقتل كل رفاقهما، لننقذك ومن معك، أرأيتَ كم كلفتنا حماقتك أيها الأبله!
    هتف فريد مستنكرًا، والغضب يعمي عينيه تقريبًا:
    _ ولماذا لم تخبروني من قبل بهذا؟
    أجابه المدير، ونغمة صوته ترتفع بين التهكم والحزم الغاضب:
    _ ولماذا نخبرك؟ من تكون أنت كي نخبرك؟ أنسيتَ القواعد في مهنتنا؟ لا يحق لك أن تعرف ولا معلومة صغيرة عن أية عملية لا تخصك ولست بطرف فيها، وحينما أعفيناك من مهمتك، بعد أن رأيناك قد اتجهت بها اتجاهًا خاطئًا، كنا نعرف ماذا نفعل جيدًا، ويا للأسف! ظننا أنك ستدرك معنا أنها قضية مخابراتية جاسوسية بامتياز، لكنك أخذت تتصرف بمنتهى الحماقة، وما هي المحصلة يا رجل؟؟ مقتل خمسة من أفراد جهازنا، ومقتل ثمانية من عصابة سبَّبَت لنا الكثير من المشاكل، ونحن نحاول الوصول إليهم وإلى زعيمهم، ورجعنا إلى البداية تمامًا، من المؤكد أن الزعيم لم يأتِ بنفسه ليطلق النار عليكم، معرضًا حياته إلى الخطر!
    وتابع النائب، وهو ينظر إلى فريد بكل الحقد:
    _ وكل هذا بغبائك يا رجل! أخبرنا الآن كيف نخرج من هذه المصيبة التي أوقعتنا بها!
    غمغم فريد، وهو يكاد يختنق:
    _ مروان!
    صرخ المدير ونائبه في وجهه، في صوت واحد:
    _ ماذا قلت؟
    رفع فريد صوته قليلًا، وهو يتمتم بكلمات متقطعة:
    _ مروان، حميد، الملعب، الزعيم، الـ...
    صرخ المدير مجددًا، وقد فقد أعصابه نهائيًا:
    _ ألا تفهم أيها الغبي؟ ألم تسأل نفسك من أين أتى ذلك الحجر في وجهك؟ مروان هو من ألقاه عليك، وأمام أعيننا، وحينما سقطت إثر الضربة مرت رصاصة تستهدف رأسك، لقد أنقذ حياتك بهذا التصرف، ونحن ندين لمروان هذا في إنقاذكم جميعًا!
    دارت الأرض تحت قدمي فريد، وهو يقول بصوت مرتجف:
    _ ولكنْ، كيف؟ كيف؟
    سأله النائب متهكمًا:
    _ أما زلتَ تعتقد أنه من حقك الحصول على الإجابات ومعرفة المعلومات؟
    ولم يسمع فريد ما قاله النائب بعدها...
    بل لم يعلم هل قال شيئًا آخر أم لم يفعل...
    فلقد هوى فريد أرضًا...
    في غيبوبة عميقة جدًا.
    ***

    مرة أخرى نؤكد أن نادرًا لم يكن شابًا كسواه من الشباب...
    لم يكن مميزًا في القتال اليدوي رغم قوته البدنية، ورغم أنه كان يفوز في بعض مباريات الملاكمة في النادي الرياضي، لكنه كان يخسر أكثر مما يفوز...
    ولكن تميزه بعشقه البنادق والمسدسات، ومقدرته المذهلة على التصويب بمنتهى الدقة، ومن دون أن يخسر هدفًا واحدًا، والأكثر أهمية أنه كان سريعًا في التصويب، يستطيع التركيز على الهدف وإطلاق الرصاص مباشرة من دون إضاعة ثانية واحدة...
    وهذه الموهبة أنقذت حياة نادر هذه الليلة، ورصاصته تخترق رأس خصمه، ورصاصة الأخير تنطلق لتخترق ذراع نادر وتواصل طريقها إلى الحائط، ونادر يسقط أرضًا مطلقًا صرخة ألم عنيفة...
    ولكنْ، لم يكن هناك أي وقت للألم والصراخ! ونادر يدرك هذا جيدًا، ولا بد من أن هذين القاتِلَين يجب عليهما أن يبلغا من أرسلهما بنجاح مهمتهما، وإذا تأخرا في ذلك، فمن المؤكد أن قاتِلَين آخرين سيجيئان لإتمام المهمة، وربما عدد من القتلة، ولن يستطيع نادر النجاة من بين أيديهم أبدًا.
    ورغم آلامه، ضَمَّد نادر جراحه بسرعة بعدما مزَّق قطعة من قميصه، وهو يشكر الله تعالى على أن الرصاصة لم تستقر في ذراعه، وأسرع يشغل جهاز الكومبيوتر عنده، استعدادًا منه لينسف كل بيانات العصابة منه، ولكنه تجمد في ذهول تام، وعقله يصرخ بدهشة تامة:
    _ ما هذا الذي يحصل؟؟ كيف حصل هذا؟؟
    فلقد دار الكومبيوتر مثل عادته، لم يكن هناك أية مشكلة في هذا، ولكن الغريب أن ملف بيانات العصابة لم يكن له أدنى أثر في الجهاز، وكأنه اختفى بطريقة سحرية على سبيل المثال!
    ولم يفهم نادر ما الذي يحصل من حوله، ولكنه لم يُضِعْ وقته، بل أسرع يغادر بيته، ويجري في الشارع بأقصى سرعة، وفجأة، ارتطم نادر بشخص ما ارتطامًا عنيفًا، وصكَّ أذنيه صوت يقول بصرامة:
    _ إلى أين تظن نفسك ذاهبًا؟
    وأُسْقِط في يد نادر...
    وأيقن أنها النهاية هذه المرة، وبكل تأكيد!


    عمر قزيحة
    في 24_8_2019م
    الساعة: 2:54 بعد منتصف الليل.


  4. #24


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة السادسة عشرة (نحو النهاية)

    في زاوية بعيدة ضيقة، جلس العقيد فريد واضعًا رأسه بين كفَّيَّه بعد أن استعاد وعيه...
    كان يشعر بألم نفسي عميق، وبجراح في كرامته غائرة، تفوق آلام جراحه الجسدية المتمثلة في جرح وجهه، بعد الحجر الضخم الذي أصابه به مروان...

    لم يكن متعودًا مثل هذا الموقف المخزي، وهو الذي سَطَّر بذكائه نجاحاتٍ باهرة، نقلته من الخدمة في الجيش، إلى الخدمة في المخابرات العامة، وبترقية استثنائية.
    وهناك، في عمله الجديد، نال ترقية استثنائية ثانية نظرًا لما أبدع به في حل الألغاز الغامضة، وكشف جرائم يندر أن يستطيع غيره الكشف عنها...

    ومن غير أن يتعمد ذلك، بل رغم أنه حاول أن يخرج بذهنه من هذه القضية التي جعلته يفكر في اتخاذ قرار الاعتزال، وجد ذهنه يغوص فيها أكثر وأكثر...

    ولقد حاول فريد جاهدًا أن يخرج من هذه الحالة، إلا أنه، وبعد وقت قليل، وجد نفسه ينهمك فيها كل الانهماك، وذهنه يسترجع كل حدث، وكل كلمة قِيْلَت وكل حرف...

    وانتفض فريد هاتفًا بغتة، بلهجة تفوح بالانتصار:
    _ وجدتها! لقد فهمْتُ كل شيء أخيرًا.

    وبأقصى سرعته انطلق نحو مكتب مدير المخابرات يقتحمه كالإعصار، صارخًا بصوت مرعب، متجاهلًا رجلًا يمسك به نائب المدير بحزم:
    _ أسرع يا سيادة اللواء، ضع حراسة قوية على غرفة السيدة ليلى، سيقتلونها حتمًا!

    انتفض المدير ونائبه، والرجل المعتقَل، بمنتهى العنف، لهذا الاقتحام الذي يتنافى والذوق، عدا عن كونه يتنافى والمبادئ العسكرية، ولكن فريدًا تابع صراخه:

    _ سيقتلونها، سينتحل أحدهم شخصية طبيب ليتمكن من تجاوز الحراس ويصل إليها، ويقتلها، وذلك مؤكد، أسرعوا بحراستها!

    هتف به المدير متهكمًا:

    _ صباح الخير!

    نظر فريد خلفه ليرى هل دخل شخص بعده ولم يَرَه مثلًا، والمدير يرحب به؟ ولكنْ، الوقت الآن ليلًا، ما تزال ليلة الدم مستمرة لم تنتهِ بعد!
    وفطن فريد أخيرًا إلى أن المدير يسخر منه، فقال متضايقًا:

    _ ألا تصدقني حضرة المدير؟

    رد نائب المدير ساخرًا:

    _ بلى، لقد قال لك "صباح الخير"، أي أنك أفَقْتَ أخيرًا، وبدأ عقلك يشتغل!

    وأشار إلى الرجل الذي يقف بجانبه، متابعًا بحزم:

    _ وهذا هو القاتل! لم نستطع منع الجريمة، لكننا تتبعنا القاتل، وأمسكنا به في المطار، ولكنك استرجعْتَ ذكاءك، ننتظر أن تخبرنا باسمه ومتى وُلِدَ بالتحديد، و...

    قاطعه فريد متوترًا:

    _ وهناك ضحية أخرى، بل ضحيتان اثنتان، نادر ومروان، كلاهما سيُقْتَل، أسرعوا بحمايتهما!
    وتبادل المدير ونائبه نظرة تفيض بالتوتر... وفي ذهن كلٍّ منهما يتردد السؤال الجوهري: ترى، هل استعاد فريد مقدرته الفذة مرة أخرى، أم أنه سيتابع التخبيص كما بدأ به؟
    وبتعبير آخر، أكثر دقة وإخافة، هل يتعرض كلٌّ من نادر ومروان إلى عملية تصفية عاجلة بالفعل، أم لا؟

    وكان ترجيح أيٍّ من الإجابتين على الأخرى أمرًا عسيرًا جدًا...

    وإلى أقصى حد.
    ***
    كانت الدماء تسيل من ذراع نادر، وهو يجري بأقصى سرعته، قبل أن يرتطم بشخص ما، ويندفع جسده إلى الخلف مرغمًا، وصوت صارم يسأله:
    _ إلى أين تظن نفسك ذاهبًا؟
    شعر نادر بأنه يحيا آخر أنفاس حياته، ولم يكن في نفسه المقدرة على المقاومة بعد كل ما عاناه تلك الليلة، واستسلم تمامًا إلى اليد القوية التي أمسكت بذراعه الأخرى التي لم تُصَبْ، وهَزَّ رأسه يائسًا، و(خصمه) يقول له برفق:
    _ تعال معي، بيتي أمان لك الآن!
    أومأ نادر برأسه موافقًا، وسار بضع خطوات، قبل أن يسترجع ذهنه آخر الكلمات، فهتف بحيرة:
    _ ولكنْ، هل تعرفني أنت أم أنك فخ لجذبي إلى...

    قاطعه الفتى باستنكار:

    _ هل فقدتَ ذاكرتك يا نادر؟ أنا مروان!

    صاح نادر بفرحة طاغية:

    _ مروان؟ الحمد لله، لن ألقى نحبي هذه الليلة، ولن...

    وضع مروان يده على فمه قائلًا بتوتر:

    _ اسكت! ما هذا؟ أتريد أن توقظ الناس مرة أخرى بعد كل ما أُطْلِق من الرصاص في الحي المجاور؟
    كاد نادر يعترض، ويقول شيئًا ما...
    لكن الأرض مادت به، لفرط آلامه وما فقده من الدماء...

    حاول أن يتماسك، ولكن أظلمت الدنيا في عينيه تمامًا.
    ***

    لم يَكَدِ العقيد فريد يتَّجه نحو سيارته، وقد اتخذ في نفسه قرارًا حازمًا بحماية مروان ونادر، مهما كلَّفَه الأمر ذلك، حتى اندفع أحد الضباط إليه هاتفًا به:
    _ فريد، انتظر! المدير يريدك الآن!
    عاد فريد أدراجه ليرى ما الذي يريده المدير منه، وهو الذي فارقه من لحظات معدودات...

    ولكنه وقف مكانه ذاهلًا، وهو يحدِّق في الضيف الذي يجلس في غرفة المدير...

    فلم يتخيل إطلاقًا أنه سيلتقي به هنا، في مبنى المخابرات العامة...

    على الإطلاق.

    عمر قزيحة _ في:
    28 _ 10_ 2019م، الساعة: 1:23 ليلًا.




صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...