الحلقة الرابعة عشرة (تدهور)

الموت...
تلك الكلمة المخيفة!
تلك الحقيقة الواقعة!
لا مَفَرَّ لأحدٍ منها...
ولا يتجاهلها سوى الحمقى...
وكثير من الناس حمقى!
إنهم يتجاهلون حقيقة الموت...
ربما لأنهم يظنون أنها ظاهرة غير طبيعية تحدث للضعفاء ولكبار السن...
ثم يجدون أنفسهم بغتة أمام الموت، وعندها يندمون ويبكون...
ويتمنون المعجزات التي لا تأتي إلا نادرًا...
والعجيب أنهم _ عندئذٍ _ يعودون إلى حالتهم الأولى من الاستهتار بالموت...
المهم الآن: ما الذي أصاب حميدًا وشُلَّته؟!
لقد هتف العقيد فريد برجاله بمنتهى الحزم:
_ أطلقوا الرصاص.
وفي اللحظة التالية طار حجر كبير ليحطم زجاج المصباح الذي يحمله الرجل الواقف على السطح...
وانطلقت الرصاصات بغزارة، لِيُبَدِّدَ وهجها عتمةَ الظلام!
ولكنها لم تكن رصاصات رجال الأمن، بل كانت موجَّهَةً نحوهم...
وفوجئ العقيد فريد بهذا الهجوم المباغت، كما فوجئ بحجر آخر يصيبه في وجهه ليلقيه أرضًا، ومذاق الدم القاسي في حلقه...
ولم يتردد رجال الأمن في صدِّ الهجوم...
أو في محاولة ذلك...
وانطلقت الرصاصات غزيرة كالأمطار في تلك المنطقة، تحيل ليلها نهارًا مشرقًا..
وداميًا...
وانطلقت الصرخات المذعورة للسكان الذين استيقظوا على هذا الصوت المخيف...
والأحجار تتوالى كذلك من مصدر آخر فوق رؤوس رجال الأمن، وكأن هناك مجنونًا يريد أن يتسلى ويلعب، ولا يدرك خطورة ما يحصل أمامه!
وارتفع صوت صارم يهتف:
_ س1، ر2، ن2، ح4، أسرعوا، الباب الخلفي!
وكان هذا النداء كافيًا لإخراج الأولاد من جمودهم وما يشعرون به من الرعب...
فهذه أسماؤهم الكودية...
وانعقد حاجبا فريد في حيرة تامة...
فلقد درس أرض المعركة التي اختارها بنفسه بمنتهى الدقة، ولا يوجد أي باب خلفي هنا...
وبمنتهى الحزم، ورغم إصابته القاسية، هَبَّ فريد يقتحم المبنى بعنف، وقد قرَّر أن يكسر أيادي الأولاد وأقدامهم كي لا يستطيعوا الفرار...
وتوقف الرجل مبهوتًا بحق!
فمدخل المبنى كان خاليًا تمامًا، ولا يوجد أحد فيه!
وكانت المفاجأة قاسية جدًا، ولم يَعُد هناك مناص من الاعتراف بالهزيمة المريرة.
***

أدرك نادر أنه يحيا لحظات حياته الأخيرة...
لم يفرح كثيرًا بانتصاره على خصمه، بل إنه اعتقد أنه قد كسر له بعض أضلاعه بركلته العنيفة في صدره مباشرة...
لكن هناك خصم آخر يَهُمُّ بقتله الآن، والرصاصة ستنطلق في أية لحظة...
وهَبَّ الرجل الواقع أرضًا بغتة لينقض على نادر ويمسك به من خناقه، والألم يعتصر صدره...
ولم يصدق نادر ما يحصل!!
لقد تجمد الرجل مكانه، بعد أن أطلق شهقة عنيفة، وشعر نادر بالدم ينسال من الرجل ليملأ يديه وملابسه...
الرصاصة انطلقت من الرجل الثاني، ليصيب بها زميله!
وهتف الأخير بذهول:
_ يا للمصيبة! اللعنة عليك يا نادر!
وعاد يُوَجِّه مسدسه إلى نادر، وقد أعماه الغضب، لكن الأخير كان قد حصل على فرصته وتحرك بسرعة...
وفوجئ به خصمه ينهار أرضًا فجأة، وقبل أن يفهم ما يحصل، كان نادر قد سحب مسدس القتيل، واستدار ليطلق النار على خصمه...
وفي اللحظة ذاتها تقريبًا انطلقت الرصاصتان...
وكلتاهما تستهدف القتل!
***

صداع شديد...
آلام في الساقين...
جميع المشاهد مهتزة...
هذا ما شعرت ومرَّت به السيدة ليلى، حينما استعادت وعيها...
وفي ضعف شديد، تمتمت:
_ أين أنا؟ ما الذي يحدث لي؟!
أسرع أحد الأطباء إليها هاتفًا:
_ لقد استيقظتِ إذًا؟!
لم تفهم كلامه، ولكنها كرَّرت تساؤلها:
_ ما الذي أصابني؟
حمل الطبيب حقنة في يده، قائلًا بهدوء:
_ لا تخافي.
بدت لها الحقنة مثل سيف يبتغي سلب روحها، فهتفت برعب:
_ ماذا تفعل؟
ابتسم الطبيب، وغرس الحقنة في ذراعها...

_ إذًا، لقد استعادت وعيها، هل تكلمت؟ هل تحركت؟ هل؟
قالها الطبيب المشرف على علاج ليلى، فأجابته الممرضة:
_ الواقع أنني لم أنتظر ذلك، ما إن أشارت الأجهزة إلى أنها تستعيد وعيها، حتى أسرعت إليك لأخبرك.
هَزَّ الطبيب برأسه متفهمًا، ومشى مع الممرضة إلى غرفة ليلى، ولكنه ما كاد يخطو داخلها حتى ارتد مصعوقًا...
فلقد كانت السيدة ليلى مجرد جثة هامدة!
ومادت الأرض تحت قدمي الممرضة...
فالمفاجأة عنيفة...
للغاية!