عروس (بقلمي عمر قزيحة)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 1 من 1
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,304
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي عروس (بقلمي عمر قزيحة)


    عروس

    وتسألني ابنتي متى ستنطلق معي يا أبي؟ ألا تعلم أنني أصبحتُ عروسًا؟ أريد انتقاء فستان عرسي، وأريد له أن يكون الأجمل بين كل البنات اللواتي حضرتُ أعراسهن قبل الآن!
    وأقول لها بهدوء: اجلسي يا ابنتي! أتظنين أنكِ عروس فعلًا؟ أتعلمين ما معنى أن تكوني عروسًا يا عزيزتي؟ من الذي قال لكِ إن العرس هو الفستان الأبيض، أو تلك الزغاريد، ومن تأتي لتبارك لكِ وتمتدح جمالكِ، ثم ما تكاد تنصرف حتى تتكلم عن ذوقكِ الرديء؟!
    ومن الذي قال لكِ إن العرس هو أن يرقص لكِ البنات، ثم يأتي زوج الهناء لتتقاسما تقطيع قالب الحلوى يا ابنتي؟!
    أما سألتِ نفسكِ ماذا بعد ذلك يا حبيبتي؟!
    هل فكرتِ أنكِ ستذهبين معه إلى بيت لم تألفيه قبل الآن قط، لتفاجئي بطباع رجل لم تتوافقي وإياها قبل اليوم إطلاقًا؟!
    اعلمي؛ أيتها العروس العجول؛ أن كثيرًا من السلوكيات تختفي فترة الخطبة، وحتى فترة عقد القِران ما قبل الزواج، أما ما بعد ذلك؛ فأنتِ حلاله وهو حلالكِ، هو؛ بعرف الشرع والناس؛ زوجكِ، وأنتِ؛ بعرف الشرع والناس؛ امرأته، فهل تتخيلين أنه سيظل محافظًا على كل الرسميات التي كان يحاول الظهور بها أمامكِ قبل الآن؟ أم أنه سيصدمكِ إن تصرف براحته في بيته، وأمام امرأته؟!
    ابنتي، حبيبتي، لا تعتقدي أن كلمة (عروس) هي لفظ تشريف تحملينه بعض الوقت، ثم يزول، بل هو وعي وفهم مسبق منكِ، إن لم تمتلكيه فتلك الكارثة التي قد تجعلكِ تندمين لذكريات يوم العرس، وربما تلعنين اللحظة التي صرتِ فيها عروسًا قبل الآن!
    طفلة قلبي! مهجتي! لا تظني أن (عيون الرجال زائغة) كما يدعي بعض النساء، لا؛ بل كل النساء، لا تظني ذلك، بل كوني واثقة كل الثقة بذلك!
    والأمر يرجع إلى الفطرة الطبيعية البشرية، تلك الفطرة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم كل الرجال بها، موجهًا إياهم: (إذا رأى أحدكم من امرأة ما أعجبه فليأتِ أهله فإن عندها مثل ما عند المرأة الأخرى).
    وأهله؛ أيتها العروس؛ هي أنتِ، المقصود امرأته، و(إذا) تدل على أمر إما كثير الحصول، وإما مؤكد الحصول، يزين الله تعالى النساء بجمالهن في عين زوجكِ، فيأتيكِ، فهل سيجد لديكِ؛ أيتها العروس؛ مثل ما وجد عند غيركِ، أم ماذا؟ هل سيطلبكِ بمنظر يحبه فيكِ، فتتذمرين وتبدئين الكلام عن (إنجازاتكِ) في تنظيف البيت وإعداد الطعام؟!
    هل أخبركِ أحد؛ يا ابنتي؛ أن زوجكِ قادم من المجاعة، لم يأكل من قبل قط، حتى تزوج بكِ؟! نعم، مراعاتكِ أوقات طعامه أمر أوجبه المجتمع عليكِ، ولا يمكن التفريط به إطلاقًا، ولكن إياكِ ثم إياكِ؛ أيتها العروس؛ أن يأتيكِ فلا يجد لديكِ ما وجده عند (امرأة أخرى)، لأنه سيراكِ شيطانًا بغيضًا، مهما كنتِ تتغنين بحسنكِ وجمالكِ الفريدين!
    نعم؛ أيتها العروس الفاتنة كما تصف نفسها، وكما تصف أية أنثى أخرى نفسها! إياكِ أن تفرطي بهذا الأمر، حتى لو كنتِ عروسًا من خمسين سنة، لا من أيام قلائل، أو سنوات معدودات! لا؛ بل عليكِ أن تفرحي ما دام زوجكِ يطلب هذه الأمور منكِ، فإن هذا يعني أنه ما يزال يراكِ الأنثى الرائعة في عينيه، كما رآكِ أول مرة!
    وماذا عن (النكد) يا ابنتي؟ هذا ما يظلمون به بنات جنسكِ! فما كان (نكد) النساء إلا (دلالًا) و(غنجًا) لا أكثر، ولكن ما يحوله عملية بغيضة إلى نفس رجالكنَّ، أن تخطئن التوقيت!
    أعلمتِ؛ أيتها العروس؛ أن بعض (النكد) قد يغير مجال الحياة قليلًا، ويَحُدُّ روتينيتها المملة أحيانًا، ليعيدها متألقة ناضرة؟ ولكنْ، أعلمتِ؛ كذلك؛ أن أسوأ وقت لهذا الدلال وذلك الجدال، أن تأتي به أحد وقتين مقدسين بالنسبة للرجل، وقت أكله، أو وقت نومه!
    فما تكديركِ لوقت أكله أو وقت نومه إلا شلال حقد وبغضاء تزرعينهما في نفس الرجل عليكِ، وقد لا يُمسحَان بسهولة، وحتى لو تجاوزتما الموقف هذا بعد ذلك، سيبقى أثره جارحًا في قلبه، لا يندمل بمرور الزمان، وتوالي السنوات...
    فإذا تجاوزنا التكدير، وكنتِ واعية أشد الوعي، فاعلمي أن الخلاف واقع بين أي زوجين، والغضب فيما بينهما حاصل، أو لا تختلفين مع أختكِ؟ مع أمكِ نفسها أحيانًا؟ فما الذي سيميز زوجكِ إذًا؟ ولكن؛ اتركي الخلافات لتزول وحدها، ولا تنشريها، ولكِ بخير نساء الأرض، فاطمة بنت المصطفى، وزوجها الإمام علي المبشر بالجنة، قدوة ومثال، إذ يأتي المصطفى بيت ابنته فلا يجد زوجها، لقد غضب الإمام وترك بيته إلى المسجد، غضب ممن؟ من ابنة خاتم الأنبياء وخير المرسلين؟ ولكن، لم تشتكي الابنة لأبيها، ولم تخبره كم هي (مظلومة) كما تفعل بنات أيامنا، ليذهب النبي إلى المسجد قائلًا للإمام انهض أبا تراب، إذ كان تراب المسجد يعفر وجهه الطاهر، وانتهى الخلاف وزالت المشكلة كلها!
    أيتها العروس الرائعة! عليكِ أن تدركي أن العروس ليست فتاة بالفستان الأبيض وحولها الورود، وزغاريد المهنئات وحتى الحاسدات ترتفع في فضاء قاعة العرس أينما كانت، إياكِ ثم إياكِ أن تذهبي إلى أولئك الدجالين، الذين يمسكون بالمسابح يسبحون الله علنًا، وأفئدتهم تلهج بالثناء للأبالسة، فلن يفيدوكِ شيئًا، وكل عملهم سينقلب عليكِ بعد ذلك، لأنهم يتعاملون مع أمثالهم، هم شياطين الإنس، وأولئك شياطين الجن.
    لن أكثر عليكِ يا ابنتي، إن أدركتِ هذه الأمور ستدركين سواها، وسترين يومًا زوجكِ يلتهب غيرة من ابنكِ، إذا ما حنوتِ على الأخير وأهملتِ الأول، وإذا ما جلستم إلى مائدة طعام واحدة، فرفعتِ الملعقة بالطعام إلى الولد، وأبو الولد يتفرج!
    ابنتي، اذهبي الآن إلى أفخم المحلات، وانتقي أفخر ما يحلو لعينيكِ من الفساتين، فهذا حقكِ، أنتِ عروس، ولكِ أن تدللي نفسكِ، ولكن؛ هل تعلمين أن يوم العرس، إذ تجلسين بجانب زوجكِ، وأنتِ بهذا الفستان، قد تدمع عين أمكِ فخرًا بكِ، وخوفًا عليكِ من أن يسيء هذا الرجل معاملتكِ يومًا ما، ولكن قلب أبيكِ سيدمع، بل سيتفطر حزنًا وآلامًا... وإذ ينفرد بنفسه سيبكيكِ بكاء مريرًا، ترى؛ يا ابنتي؛ هل يبكي فخرًا بكِ؟ أم يفعل ذلك خوفًا عليكِ؟ كلا الأمرين متحقق يا ابنتي، ولكن هناك ما قد لا يخطر ببالكِ إطلاقًا... إنه يبكي فراقكِ، لأنه يدرك أنكِ لمسة الحنان في البيت، لأنكِ فلذة من كبده، بل لأنكِ العين التي يبصر بها في هذه الدنيا... بل لأنه فقدكِ؛ وهو يدرك أنكِ مفتاح الجنة، فلا يعلم هل أحسن إلى هذا المفتاح ليقوده إلى الفردوس الأعلى أم لا، ربما لا تعلمين أنه يبكي، وهو لن يخبركِ بذلك إطلاقًا، أتعلمين لماذا؟ لأن هذا من أسرار القلوب الممزقة في سماء الآلام القاسية، التي لا تجد لنفسها مناصًا عنها أو مهربًا منها!

    عمر رياض قزيحة
    طرابلس _ لبنان
    بتاريخ 6 _ 6 _ 2018
    الساعة العاشرة وست دقائق ليلًا



  2. 4 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...