أفلام الرعب... (الكاتب: أ. عمر)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 7 من 7

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي أفلام الرعب... (الكاتب: أ. عمر)

    أفلام الرعب!

    يميل الجيل الحالي إلى مشاهدة أفلام الرعب بشكل غريب، والأمر لا يقتصر على الذكور فحسب، بل إنك قد تجد كثيرًا من ذوات ما يُسمَّى (الجنس اللطيف) تصرخ إحداهن إن رأت صرصورًا، ويكاد يغمى عليها إن رأت فأرة، وتتابع بشغف تام أفلام الرعب هذه، وتشعر بالسعادة وبأن الفلم ناجح كلما أحست بالرعب أكثر! خاصة إذا ما ترافق ذلك مع هتافها السعيد: (يااااااه! واااااااااو! ياااااااااااا أممممميييي)!!
    لهؤلاء أقول إنكن لا تعرفن من الرعب شيئًا نهائيًا! أفلام الرعب (الحقيقية) عاشها جيلنا أيام كنا أطفالًا، وكنا نعيشها فعلًا، لا كما تعشنها أنتن الآن، تعلمن أن كل ما ترينه تمثيل لا أكثر...
    نحن _ في طفولتنا _ كان فلم الرعب مستمرًا بأكثر من دائرة وأكثر من اتجاه، حتى الطعام نفسه لم يكن خاليًا من الرعب، فإياك ثم إياك، وأنت تأكل السمك، أن تبتلع حسكة ما، فالحسك لا يتم ابتلاعه حقيقة، وإنما تنزل الحسكة بشكل عمودي في الحلق لتقف هناك، وتجعلك تختنق تدريجيًا، وأنت تحاول التقاط بعض أنفاس الهواء، لكن من دون جدوى، ولا ينفعك هنا أن تشرب الماء ولا العصير ولا أي شيء آخر، وحتى البيبسي بكل ما فيه من الأسيد الحارق، لا يمكن له أن يحل هذه المشكلة، ولكن لا تخف كثيرًا، ففلم الرعب هذا ينتهي في ثوانٍ قليلة إن أكلت موزة! ذلك أن الموزة تنزلق في الحلق هي الأخرى فتصطدم بالحسكة وتأخذها في طريقها، وانتهى المسلسل المرعب!
    أما الغمَّة (أو ما يُسمَّى في بعض المناطق بالجقاقات والأبوات، وهي الكروش والمصارين المحشية)، فلا تخيف كطعام قطعًا، ولكن مشكلتها أن (الزفر) لا يمكن الخلاص منه بسهولة، ولا بد لك من أن تغسل يديك جيدًا (جدًا حقًا فعلًا) أربع مرات، وإن فعلت ذلك خمس مرات فهو الأفضل، حتى أنك لا تعرف هل هذه رائحة الغمَّة أم رائحة الصابون، أم أنك فقدت حاسة الشم نهائيًا، وما تشمه الآن ليس سوى ذكريات آخر ما تمكنت من شمه قبل أن تملأ يديك بالصابون إلى هذا الحد المبالغ به.
    وإذا تركنا الطعام سنجد أن فلم الرعب يمتد حتى إلى الأمور الطبية، فهناك (بشرى) رائعة لك، لقاح مرض السل مجاني! علمًا أنك لم تسمع بهذا المرض في حياتك من قبل، ولا ما هي أخطاره، ولكن اللقاح مجاني! لا تحمل أي هم لذلك! ويبدأ فلم الرعب من قبل أن يحين دورك لتصعد إلى المركز الذي سيتم به هذا التطعيم الذي أتاك من حيث لا تدري، فهذه امرأة تكاد تحمل طفلتها بعد انتهاء اللقاح، وذلك الصبي يمشي ذاهلًا عن الدنيا بما فيها، يترنح يمينًا ويسارًا، وأمه تمسك بيده بقوة وحزم، وإخوته يستند كل منهم على الآخر، والدموع في أعينهم، ولن يجمح بك الخيال لتعتقد أن هذه دموع الامتنان لمن تبرع بهذا اللقاح طبعًا!
    والآن يحين دورك، بل دور عائلتك بأكملها، وها أنت ذا في الغرفة تجلس على الكرسي، والطبيب يحمل ما يشبه المثقاب الكهربائي الذي يثقبون به الجدران ويكسرون بلاطها، ليغرسه في كتفك بعنف ما بعده عنف، إلى درجة تشعر معها بأن عظامك قد تكسرت من مكانها، ولا تعرف بعدها هل أنت على الكرسي أم على الأرض، وهل أنت في الليل أم في النهار، لكنك تعرف أمرًا ما، أن أكثر من ثمانية وعشرين سنة قد مضت على هذه الحادثة، وأثر هذا اللقاح المجاني لا يزال ماثلًا في كتفك!
    أفلام الرعب التي عشناها صغارًا لم تكن نهايتها هنا! فحتى العبادة لم تسلم من أفلام الرعب هذه للأسف، فإياك ثم إياك أن تترك المصحف مفتوحًا بعد انتهائك من القراءة، وإلا فإن الشيطان سيجلس ليقرأ هو الآخر في كتاب الله!
    وإذا ما نسيت سجادة الصلاة على الأرض بعد انتهائك من الصلاة، فإن الشيطان سيأتي ليقف عليها ويصلي لله تعالى! ولا أدري لِمَ بدا لي فلم الرعب هذا أشبه بالكوميديا! بل إنه لو كان هذا الكلام حقًا، فمن أفضل الأمور أن نترك المصحف مفتوحًا، وسجادة الصلاة على الأرض، وليدبر الشيطان نفسه وليقضِ ليلته ما بين التلاوة والتهجد!
    غير أن السؤال الذي ظل يراودني كل تلك السنين الطوال، ولم أجد له إجابة بعد، ما يمكن أن يفعل، من يصلي على البلاط ولا يتحمل سجادة الصلاة لمشاكل معينة في التنفس أو الربو، هل يجب عليه أن يقتلع البلاط الذي صلى فوقه، كي لا يصلي عليه الشيطان؟ أم أن الشيطان أخبر مخرج أفلام الرعب ومنتجها أنه لا يرضى بالصلاة على البلاط يا ترى؟!
    وأذكر مرة أنني كنت عند صديق لي، ليس في طفولتي تمامًا، بل كنت؛ آنذاك؛ في مرحلة العشرينات من السن، وبعد أن صلينا المغرب، أتت جدته لتصرخ بنا منذرة إيانا بأن الشيطان سيصلي على سجادة الصلاة، لأن حفيدها تركها على الأرض، فسألتها ما الضرر المتحقق من ذلك؟ وليصلِّ الشيطان لعله ينسى شروره قليلًا، ورغم اتساع عينيها لـ(هول) ما تسمعه مني، طرحت عليها السؤال المتعلق بالصلاة على البلاط _ ذلك أنني رفضت الصلاة على السجادة هذه، وصليت كما أحب على البلاط _ وإذ بفلم رعب آخر يبتدئ هنا! من احتقان وجه الجدة وصراخها الذي لم نفهم منه شيئًا سوى الاستعاذة من الشيطان الرجيم عشرات المرات، أما كلامها فلا أتوقع أن أعظم مترجم في الكرة الأرضية يستطيع أن يترجمه لنا، بل أشك أنها هي نفسها تفهم ما الذي كانت تصرخ به!
    تلك هي أفلام الرعب (الحقيقية) التي كانت في الجيل السابق، وهي ليست مثل أفلام الرعب (الزائفة) التي تُعرَض على الشاشات التلفزيونية أو السينمائية، تلك هي أفلام الرعب (الرائعة) التي عشناها، والتي لم يتحقق للجيل الجديد أن يعيش شيئًا منها، فليس له أن (يفتخر) بنفسه، إذ قد فاته الكثير والكثير من الرعب السعيد الذي تكرم به علينا بعض كبيرات السن من النساء في قريتنا أيام طفولتنا، ولا نعلم هل نقول إن لهن كل الشكر والامتنان لهذه الأيام (البهيجة) التي عشناها، أم ماذا نقول؟!

    (أ. عمر قزيحة: 4 _ 11 _ 2018: الساعة: 14:07 ظهرًا)

  2. 4 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...